إسلام ويب

الشيعة والقرآن [1]للشيخ : محمد حسان

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الحديث عن الشيعة حديث ذو شجون وأحزان، فكم من نكبة لهذه الأمة وللشيعة دور كبير فيها، ابتداءً من فتنة مقتل عثمان رضي الله عنه، ومروراً بموقعة الجمل فصفين فمقتل الحسين بن علي رضي الله عنهما، ومقتل غيره من أئمة أهل البيت: كزيد بن علي، والنفس الزكية، وأخيه إبراهيم، وغيرها من الفتن الداخلية. أما بالنسبة للفتن الخارجية فابتداء باجتياح التتار لبغداد، ومروراً بدخول الأمريكان أفغانستان ثم العراق.

    1.   

    معنى التشيع في اللغة والاصطلاح

    بسم الله الرحمن الرحيم إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، أدى الأمانة، وبلغ الرسالة، ونصح للأمة، فكشف الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، فاللهم اجزه عنا خير ما جازيت نبياً عن أمته، ورسولاً عن دعوته ورسالته. وصل اللهم وسلم وزد وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه، واستن بسنته، واقتفى أثره إلى يوم الدين. أما بعد: فحياكم الله جميعاً أيها الأحبة الكرام! وطبتم وطاب ممشاكم، وتبوأتم جميعاً من الجنة منزلاً، وأسأل الله العظيم الذي جمعنا مع حضراتكم في هذا البيت الطيب المبارك على طاعته، أن يجمعنا في الآخرة مع سيد الدعاة المصطفى صلى الله عليه وسلم في جنته ودار كرامته، إنه ولي ذلك والقادر عليه. ونحن الليلة بإذن الله جل وعلا على موعد مع الدرس السادس عشر من دروس: سلسلة الإيمان باليوم الآخر كركن خامس من أركان الإيمان بالله جل وعلا، ضمن دروس العقيدة لمعهد إعداد الدعاة، ولا زال حديثنا ممتداً عن الفتن التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن ظهورها قبل قيام الساعة، وأنهيت الحديث بفضل الله جل وعلا وتوفيقه في المحاضرة الماضية عن الفتنة الكبرى التي وقعت بين علي ومعاوية رضي الله عنهما، وذكرت بأنه قد خرج من فريق علي رضي الله عنه فريق آخر وفتنة أخرى، وهي فتنة خطيرة لا تقل خطراً عن فتنة الخوارج، بل إنها الآن أشد خطراً من فتنة الخوارج، ألا وهي فتنة ظهور الشيعة ، وأرجو أن تركزوا معي جيداً في هذه المحاضرات التي أسأل الله جل وعلا أن ينفع بها، والتي أستهلها من الليلة بإذن الله تعالى في الحديث عن الفرقة الأخرى التي خرجت بعد فتنة الخوارج أو بعد قضية التحكيم. وسأقف مع حضراتكم مع هذه الفرقة الضالة منذ نشأة بدايتها. الشيعة في اللغة: بمعنى: الأتباع والأنصار، جاء في القاموس: شيعة الرجل بكسر الشين أي: أتباعه وأنصاره، وكل قوم اجتمعوا على أمر فهم شيعة ، وكل من عاون إنساناً وتحزب له فهو له شيعة، أي: فهو له عون ونصير، هذا هو المعنى اللغوي للفظة (شيعة). قال الأزهري : معنى الشيعة الذين يتبع بعضهم بعضاً، وليس كلهم متفقين، وهذا معنى إضافي جديد، ليس بالضرورة أن يكون كل هؤلاء متفقين، فالتشيع بمعناه اللغوي: المناصرة والمعاونة والمتابعة، أو الاجتماع على أمر، أو التحزب لشخص ما. لكن من هم الشيعة في الاصطلاح؟ سأنقل ذلك عن شيخ الشيعة وعالمها في زمنه، وأرجو أن تركزوا معي فمثل هذه المسميات والأسماء سأحتاج إليها بعد ذلك بإذن الله تعالى، - المفيد عالم من علماء الشيعة الأكابر عندهم، وهو أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي الملقب بـالمفيد من كبار مشايخ الشيعة، يقول المفيد : لفظ الشيعة يطلق على أتباع أمير المؤمنين علي على سبيل الولاء والاعتقاد لإمامته بعد الرسول صلى الله عليه وسلم. أي: وليس بعد أبي بكر وعمر وعثمان ، ركزوا في كل لفظة. يقول: بعد الرسول صلى الله عليه وسلم بلا فصل، ونفي الإمامة عمن تقدمه في مقام الخلافة. أي: عن أبي بكر وعمر وعثمان . ويوضح المفيد أيضاً هذا التعريف بشيء من التفصيل في كتابه الموسوم بالإرشاد (ص:12)، ولن أنقل كلاماً عن الشيعة إلا من كتبهم المعتمدة؛ حتى لا نتهم بأننا نشوش على هؤلاء، أو ننسب إليهم كلاماً من عند أنفسنا، أو من عند علماء أهل السنة والجماعة ، لا، بل سأنقل لكم معتقد القوم الفاسد الباطل من كتبهم المشهورة المعتمدة، وسوف أذكر إن شاء الله تعالى كل كتاب مع رقم الصفحة للضرورة، وليس من باب الاستعراض، لا والله، وإنما من باب دمغ القوم بالحجة؛ حتى لا نتهم بأننا نلقي التهم جزافاً، ونستشهد بمثل هذه الأقوال من كلام علمائنا من أئمة أهل السنة والجماعة . يقول المفيد في كتابه الموسوم بالإرشاد (ص:12): (وكانت إمامة أمير المؤمنين علي بعد النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثين سنة. يعني: إمامة علي بعد موت النبي مباشرة، يقول: منها أربع وعشرون سنة وستة أشهر كان ممنوعاً من التصرف في أحكامها، مستعملاً للتقيّة والمداراة -وهذا أصل من أصول الشيعة سأشرحه بالتفصيل إن شاء الله تعالى- ومنها: خمس سنين وستة أشهر ممتحناً بجهاد المنافقين من الناكثين والقاسطين والمارقين). واضح من النص أن الشيعة يثبتون إمامة علي بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة، فيقصد بالأربع وعشرين سنة وستة أشهر التي ظل فيها علي رضوان الله عليه ممتنعاً من التصرف في أحكام الإمامة: المدة التي تولى الإمامة والخلافة فيها أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ، ثم ذكر فترة خلافة علي وقال: (ومنها: خمس سنين وستة أشهر كان علي رضوان الله عليه في هذه المدة ممتحناً بجهاد المنافقين من الناكثين والقاسطين والمارقين). والمراد بالناكثين: هم الذين بايعوا علياً ونكثوا بيعته في البصرة. ويقصد بالقاسطين: فريق معاوية رضوان الله عليه؛ لأن الفريق القاسط أي: الباغي أو الظالم. ويقصد بالمارقين: هم الخوارج الذين خرجوا على علي في النهروان. ثم قال: (ومضطهداً بفتن الضالين كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة سنة من نبوته ممنوعاً من أحكامها -أي: من أحكام النبوة- خائفاً ومحبوساً وهارباً ومطروداً، لا يتمكن من جهاد الكافرين، ولا يستطيع دفعاً عن المؤمنين. ثم هاجر -أي: النبي صلى الله عليه وسلم- وأقام بعد الهجرة عشر سنين مجاهداً للمشركين ممتحناً بالمنافقين، إلى أن قبضه الله عز وجل، وأسكنه جنات النعيم. هذا كلام شيخ كبير من مشايخ الشيعة ألا وهو المفيد كما ذكرت آنفاً. ويقدم الإمام الشهرستاني رحمه الله تعالى في كتابه الماتع: الملل والنحل تعريفاً يعد من أشمل التعريفات للشيعة، فيقول: (الشيعة: هم الذين شايعوا علياً رضي الله عنه على وجه الخصوص، وقالوا بإمامته وخلافته نصاً ووصية). نصاً أي: أن النبي صلى الله عليه وسلم نص على خلافته وإمامته من بعده، ووصية أي: أوصى النبي صلى الله عليه وسلم بذلك قبل موته، تدبروا في كل لفظة. يقول الإمام الشهرستاني : (الشيعة: هم الذين شايعوا علياً رضي الله عنه على وجه الخصوص، وقالوا بإمامته وخلافته نصاً ووصية، إما جلياً وإما خفية، فمنهم من يظهر هذا، ومنهم من يخفي هذا، اعتقاداً منهم لأصل من أصولهم ألا وهو التقية -بفتح التاء وتشديد القاف، ولا حرج أن تضم على وجه من أوجه اللغة- واعتقدوا أن الإمامة لا تخرج من أولاد علي ، وإن خرجت فبظلم يكون من غيره، أو بتقية من عنده، وقالوا: ليست الإمامة قضية مصلحية تناط باختيار العامة -أي: لا ينبغي أن تترك هذه القضية الكبيرة لعوام المسلمين ليختاروا فيها من يشاءون أو من يرغبون -وينتصب الإمام بنصبهم -أي: بنصب العامة له- بل هي قضية أصولية، وهي ركن الدين الذي لا يجوز للرسل عليهم الصلاة والسلام إغفاله وإهماله ولا تفويضه إلى العامة وإرساله، ويجمعهم القول بوجوب التعيين والتنصيص، وثبوت عصمة الأنبياء والأئمة وجوباً عن الكبائر والصغائر، والقول بالتولي والتبري قولاً وفعلاً وعقداً إلا في حال التقية، ويخالفهم بعض الزيدية في ذلك). هذا تعريف الإمام الشهرستاني للشيعة اصطلاحاً. وسنرى أيضاً أن الشيعة الإثني عشرية يقولون بعقائد أخرى: كالغيبة، والرجعة، والبداء، وكل هذه الألفاظ سأفصلها بإذن الله تعالى، لكننا نرى إماماً من أئمة أهل السنة كـأبي الحسن الأشعري رحمه الله تعالى يعرف الشيعة تعريفاً مقتضباً فيقول: (الشيعة إنما قيل لهم: الشيعة ؛ لأنهم شايعوا علياً رضي الله عنه، ويقدمونه على سائر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم). أي: ناصروا علياً رضي الله عنه وقدموه على سائر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، هذه الفرقة التي يتكلم عنها الإمام الأشعري لها مسمى آخر، تسمى هذه الفرقة من فرق الشيعة باسم: المفضلة، وهم الذين فضلوا علياً على سائر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا التعريف يصح وينطبق تماماً على أول فرق التشيع ممن ناصروا علياً رضي الله عنه، لكن سنرى الآن بإذن الله تعالى أن هذا التعريف قد تطور بأطوار ومراحل مختلفة سنقف عليها الليلة إن شاء الله تعالى. وهذا تعريف آخر للمفضلة: هم الذين يفضلون علياً رضي الله عنه على أبي بكر وعمر ، وسائر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم رضوان الله عليهم جميعاً. والشيعة الإثنا عشرية لا يعتبرون مجرد تقديم علي رضوان الله عليه على سائر أصحاب النبي كافياً في التشيع، يعني: لو أن رجلاً قدم علياً على سائر الأصحاب فلا يكفي هذا عندهم في التشيع، وإنما لابد من الاعتقاد بأن خلافة علي بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم مباشرة بالنص والاعتقاد، وأن خلافته قد بدأت بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى استشهاده رضي الله عنه.

    1.   

    مراحل وأطوار نشأة الشيعة

    التحقيق -يا إخوة- من خلال قراءاتي في كثير من مراجع الشيعة ومراجع السنة طيلة الأيام الماضية: أن التعريف الدقيق للشيعة مرتبط أساساً بأطوار نشأتهم، ولنقف على تعريف دقيق للشيعة فإنه لا بد وأن نقف مع أطوار نشأتهم، فإن الشيعة قد مروا بكثير من المراحل العقدية والمذهبية، ولهذا كانوا في الصدر الأول في عهد علي وعثمان قبله رضوان الله عليهما لا يسمى المرء شيعياً إلا إذا قدم علياً على عثمان ، هذا طور من الأطوار المهمة جداً، لنتعرف بعد ذلك على حجم الانحراف الذي وقع فيه الشيعة، كان لا يسمى الرجل شيعياً أول الأمر إلا إذا قدم علياً على عثمان ، بل كان يقال لمن يقدم عثمان رضي الله عنه على علي رضي الله عنه في ذلك الوقت: عثماني، ويقال لمن يقدم علياً على عثمان : شيعي، هذا طور مهم من أطوار التطور الشيعي، ولهذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية طيب الله ثراه في منهاج السنة: (إن الشيعة الأولى الذين كانوا على عهد علي رضي الله عنه كانوا يفضلون أبا بكر وعمر على علي) وهذا التفصيل لابد منه- ولما سأل سائل شريك بن عبد الله بن أبي نمر القرشي أبو عبد الله المدني -وهو من الشيعة- لما سأله سائل فقال له: أيهما أفضل أبو بكر أم علي؟ فقال له: أبو بكر ، فقال له السائل: تقول هذا وأنت شيعي؟ فقال له: نعم، ومن لم يقل هذا فليس شيعياً. هذا على التأصيل الأول الذي ذكرت أن الشيعي كان يعرف بمن يقدم علياً على عثمان فقط، فـشريك يقول: نعم أقول بتفضيل أبي بكر على علي ، ومن لم يقل هذا فليس شيعياً، ثم أقسم شريك - فقال: والله لقد رقى علي هذه الأعواد -يعني: أعواد منبر الكوفة- وقال: ألا إن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ، ثم عمر - هذا قول علي رضي الله عنه- وتوجد آثار كثيرة صحيحة عن علي رضوان الله عليه يثبت فيها تفضيل أبي بكر وعمر عليه، قال شريك بن عبد الله : فكيف نرد قوله؟! -أي: كيف نرد قول علي ؟!- وكيف نكذبه ؟!والله ما كان علي كذاباً. ويقول أبو إسحاق السبيعي رحمه الله -وهو شيخ الكوفة وعالمها، ولفظة: شيخ الكوفة لها مغزى ولها مدلول-: خرجت من الكوفة وليس أحد يشك في فضل أبي بكر وعمر وتقديمهما على علي ، وقدمت الآن وهم يقولون ويقولون، ووالله لا أدري ما يقولون. يقصد أنهم بدءوا يفضلون علياً على أبي بكر وعمر رضي الله عنهم جميعاً. وقال ليث بن أبي سليم : أدركت الشيعة الأولى وما يفضلون على أبي بكر وعمر أحداً. ثم أخذ التشيع أبعاداً أخرى خطيرة، كرفض خلافة الشيخين أبي بكر وعمر ، وشتم وسب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والطعن فيهم، وادعاء العصمة لآل بيت النبي، والإيمان بالرجعة، والوصية، والبداء، والغيبة، وغيرها من المعتقدات الباطلة التي لا يقرها الإسلام، ومن هنا أطلق على الشيعة أصحاب هذا المنهج اسم: الروافض أو الرافضة، انتبهوا لهذا حتى تعرفوا حقيقة الرافضة ومن أين أتت؟ وكيف؟ وهم ينقسمون إلى فرق كثيرة جداً، حتى قال المسعودي رحمه الله تعالى في كتابه (مروج الذهب): (إن طوائف الشيعة بلغت ثلاثاً وسبعين فرقة) بل ومن أهل العلم من قال كـالمقريزي مثلاً: (إن طوائف الشيعة بلغت ما يقرب من ثلاثمائة فرقة). إذاً: الشيعةفرق كثيرة جداً، وأنا لن أتعرض للحديث عن فرق الشيعة، أو عن فروع الفرق، وإنما سأتكلم إن شاء الله تعالى عن أصول الفرق، بل عن أشهر هذه الفرق الموجودة في الأرض اليوم، فمجمل هذه الفرق كما قال أهل العلم كـالشهرستاني وغيره: الإسماعيلية، والزيدية، والجعفرية، والجعفرية هي: الإثنا عشرية أو الإمامية، كل هذه مصطلحات ومسميات لطائفة الشيعة الإثني عشرية، فأرجو أن تنتبهوا معي وتركزوا معي أيها الأحبة الفضلاء!

    1.   

    حقيقة الإسماعيلية وفرقها ومعتقداتها

    بإيجاز شديد جداً سأتكلم عن الإسماعيلية والزيدية، ولن أطيل لأتحدث بعد ذلك إن شاء الله تعالى عن الفرقة المشهورة الكبيرة التي ملأت الأرض اليوم، ألا وهي فرقة الإثني عشرية. الإسماعيلية فرقة كبيرة من فرق الشيعة، وهي التي قالت بإمامة إسماعيل بن جعفر الصادق ، وبإمامة محمد بن إسماعيل من بعده، سميت بالإسماعيلية؛ لأنها تقول بإمامة إسماعيل بن جعفر الصادق ، ثم بإمامة محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق ، فسميت بالإسماعيلية نسبة إليه. أوجز معتقدها بإيجاز شديد جداً الإمام الغزالي صاحب الإحياء، وقد ألف كتاباً رهيباً في فضح معتقد الشيعة الإسماعيلية، وسماه ((فضائح الباطنية))، وهو كتاب قوي جداً في هذا الباب، يقول: (مجمل معتقد الإسماعيلية أن ظاهره الرفض، وباطنه الكفر المحض، ومفتتحه حصر مدارك العلوم في قول الإمام المعصوم). ثم فصل القول في معتقدهم، ولا أريد أن أقف مع هذه الفرقة لأنني أريد أن أقف مع أخطر فرقة نراها على ظهر الأرض اليوم. وقال الإمام ابن الجوزي في كتابه الماتع (تلبيس إبليس): (فمحصول قولهم تعطيل الصانع، وإبطال النبوة والعبادات، وإنكار البعث، ولكنهم لا يظهرون هذا في أول أمرهم، بل يزعمون أن الله حق، وأن محمداً رسول الله، لكنهم يقولون: لذلك سر غير ظاهر، وقد تلاعب بهم إبليس فبالغ، وحسن لهم مذاهب مختلفة). وقال الإمام الرازي في كتابه: (اعتقادات فرق المسلمين والمشركين): (اعلم أن الفساد اللازم من هؤلاء -يعني: من الإسماعيلية الباطنية- على الدين الحنيفي أكثر من الفساد اللازم عليه من جميع الكفار، وهم عدة فرق، ومقصودهم على الإطلاق إبطال الشريعة، ونفي الصانع، ولا يؤمنون بشيء من الملل، ولا يعترفون بالقيامة، إلا أنهم لا يتظاهرون بهذه الأشياء). ومن الإسماعيلية انبثقت فرق كثيرة، فلا نغتر بالمسميات فإنه لا مشاحة في الاصطلاح، انبثقت من الإسماعيلية : القرامطة، والحشاشون، والفاطميون الذين خربوا معتقد أهل مصر، بحجة أنهم كانوا يرفعون راية حب أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، والعجيب أنه قد خرج علينا من أهل العلم في عصرنا ممن يشار إليهم بالبنان من يدافع عن الباطنيين وعن معتقداتهم الفاسدة الباطلة! فكل ما نجنيه الآن من ثمار البدع المرة، ما أدخلها إلى مصر بعد الفتح الإسلامي إلا الفاطميون ، ولا حول ولا قوة إلا بالله، فمن الإسماعيلية انبثقت القرامطة، والحشاشون، والحشاشون فرقة، وليس المراد بالحشاشين ما يتبادر إلى الذهن من أول الكلمة. انبثق القرامطة والحشاشون والفاطميون والدروز وغيرهم، ولـلإسماعيلية فرق متعددة، ووجوه مختلفة وألقاب كبيرة، يقول الشهرستاني : (وأشهر ألقابهم الباطنية، وإنما لزمهم هذا اللقب لحكمهم بأن لكل ظاهر باطناً). ومسألة التأويل الباطني جعلوها رسالة جديدة حملها الأئمة بعد قيام الرسول صلى الله عليه وسلم بتبليغ الظاهر، يقولون: هذه الرسالة هي رسالة لتوضيح باطن النصوص؛ النصوص لها ظاهر ولها باطن، وأرجو أن تركزوا معي في كل كلمة، فإن لكل كلمة معنى ومغزى، فالمراد بالباطن أنه لا يكون إلا للأئمة، أما الظاهر فهذه وظيفة الرسول، الرسول ما عليه إلا أن يأتي بالنص، أما الغوص على درر النص والوقوف على كوامنه من الفتوحات والإشراقات والإلهامات فلا يكون إلا للأئمة، وسلك هذا الدرب الصوفية ، فلا يمكن ألبتة أن تظهر فرقة شيعية إلا وهي ملتحفة بعباءة الصوفية ، كادعاء حب آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، فأرجو أن تنتبهوا. الباطنية جعلوا مسألة التأويل الباطني رسالة عظيمة جديدة حملها الأئمة، ولم يقدر على حملها الأنبياء والرسل، فهذه مجموعة أربع رسائل إسماعيلية : الرسالة الأولى: مسائل مجموعة من الحقائق والأسرار (ص:30) يقول المؤلف فيها: (لما كان الدين ظاهراً وباطناً قام النبي صلى الله عليه وسلم بتبليغ الظاهر، وصرف إلى وصيه -أي: إلى الإمام الذي أوصى النبي بإمامته من بعده- نصف الدين الآخر وهو الباطن. وعلم التأويل هو معجزة الأئمة كما أن علم التنزيل هو معجزة الرسول) أي: القرآن، وهم يحاولون بهذه الوسيلة هدم كل النصوص التي قام عليها كيان الإسلام. وذكر الكوثري في كتاب (مقدمة في كشف أسرار الباطنية) عدداً من ألقابهم، فذكر أنهم يسمون في مصر بالعبيدية، نسبة إلى عبيد المعروف ، وبالشام بـالنصيرية والدروز، وفي فلسطين بـالبهائية ، وفي الهند بـالبهرة والإسماعيلية ، وفي اليمن باليامية نسبة إلى قبيلة مشهورة في اليمن بهذا الاسم، وفي بلد الأكراد يسمون بالعلوية، حيث يقولون: علي هو الله، تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيرا، ويعرفون ويسمون في بلاد الترك بـالبكتاشية والقزلباشية، على اختلاف منازعهم، وفي بلاد العجم يعرفون بالبابية، ولهم فروع إلى يومنا هذا، تلبس لكل قرن لبوسه، وتظهر لكل قوم بمظهر تقضي به البيئة، وقدماؤهم كانوا يسمون أنفسهم بـالإسماعيلية باعتبار تميزهم عن فرق الشيعة الأخرى بهذا الإسلام أي: لانتسابهم إلى إسماعيل بن جعفر الصادق، هذا إيجاز شديد جداً عن فرقة الإسماعيلية كفرقة كبيرة من فرق الشيعة.

    1.   

    حقيقة الزيدية ومعتقداتها ومدى تأثرها بالفكر الرافضي

    الزيدية : هم أتباع زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، وقد افترق الزيدية عن الإمامية الرافضة (الجعفرية)، حينما سئل زيد بن علي بن الحسين بن علي عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فترضى عنهما، وأثنى عليهما خيراً، فلما سمعوا زيداً يقول ذلك رفضوه لرفضه أن يسب أبا بكر وعمر ، فسميت هذه الفرقة بفرقة الرافضة أو الروافض، فهم الذين انشقوا عن فرقة الزيدية؛ لأن زيداً أبى أن يسب أبا بكر وعمر ، وسمي من لم يرفض زيداً من الشيعة زيدياً لانتسابهم إليه، وذلك في آخر خلافة هشام بن عبد الملك سنة (122هـ) على الراجح من أقوال أهل السيرة والتاريخ. والزيدية كما يقول الشهرستاني : ساقوا الإمامة في أولاد فاطمة رضي الله عنها، ولم يجوزوا ثبوت الإمامة في غيرهم، إلا أنهم جوزوا أن كل فاطمي عالم شجاع سخي خرج بالإمامة أن يكون إماماً واجب الطاعة، سواء كان من أولاد الحسن أو من أولاد الحسين رضي الله عنهما، وجوزوا إمامة المفضول مع وجود الفاضل. ومذهب الزيدية المعتدلة أو الزيدية الحقيقية في الصحابة هو الترضي عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، كما ينقل ذلك ابن الوزير عن الإمام الكبير المنصور بالله -وهو من أئمة الزيدية الكبار باليمن- أنه قال في الرسالة الإمامية في الجواب عن المسائل التهامية: (أما ما ذكره المتكلم عنا من تضعيف آراء الصحابة، فعذرنا أنهم أشرف قدراً، وأعلى أمراً، وأرفع ذكراً، من أن تكون ضعيفة، أو موازينهم في الشرف والدين خفيفة، فلو كان كذلك لما اتبعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومالوا عن إلف دين الآباء والأتراب والقرباء إلى أمر لم يسبق لهم به أنس، ولم يسمع له ذكر، شاق على القلوب، ثقيل على النفوس، فهم خير الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعده، فرضي الله عنهم، وجزاهم عن الإسلام خيراً- إلى أن قال الإمام الكبير المنصور بالله -: فهذا مذهبنا لم نكتمه تقية، كيف وموجبها زائل، ومن هو دوننا مكاناً وقدرة يسب ويلعن ويذم ويطعن؟! ونحن إلى الله سبحانه من فعله براء، وهذا ما يقضي به علم آبائنا منا إلى علي عليه السلام -إلى أن قال-: وفي هذه الجهة من يرى محض الولاء بسب الصحابة رضي الله عنهم، والبراءة منهم، فهذا قد تبرأ من محمد من حيث لا يعلم). هذا كلام إمام من أئمة الزيدية المعتدلين كالإمام المنصور بالله، ولكن للأمانة يوجد في الزيدية من هو رافضي قح يقدم علياً على أبي بكر وعمر ، بل ويسب أبا بكر وعمر رضي الله عنهما، ومذهبه في الصحابة كمذهب الرافضة تماماً، كالطائفة المشهورة المعروفة بـالجارودية، هذه الطائفة من طوائف الزيدية يعتقدون مذهب ومعتقد الإمامية أو الجعفرية أو الإثني عشرية في سب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، قال الإمام الشهرستاني في كتابه الماتع: (الملل والنحل): (إن أكثر الزيدية طعنت في الصحابة طعن الإمامية)، ويقول إمام كبير من أئمة الزيدية هو صالح بن مهدي بن علي المقبلي الصنعاني: (إن الزيدية ليس لهم قاعدة محددة، فإنهم أحياناً يطعنون في بعض خيار الصحابة كـأبي هريرة وجرير بن عبد الله البجلي وأم المؤمنين حبيبة رضي الله عنهم؛ لأن هؤلاء رووا ما يخالف هواهم، وإذا جاءهم الحديث على ما يوافق هواهم قبلوه من طريق ذلك الصحابي، وإن كان أقل فضلاً ورتبة ممن طعنوا فيه من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم). وقال المقبلي أيضاً: (إنه قد سرى داء الإمامية في الزيدية في هذه الأعصار، وهو تكفير الصحابة ومن يتولاهم صانهم الله تعالى)، ولعل ظاهرة اعتناق الزيدية لمذهب الرفض هي التي جعلت بعضهم يقول: جئني بزيدي صغير أخرج لك منه رافضياً كبيراً. ومن عقائد الزيدية قولهم بعصمة فاطمة وعلي والحسن والحسين رضي الله عنهم ونحن نعلم أن العصمة للنبي صلى الله عليه وسلم وحده، ويقول يحيى بن حمزة بن علي الهاشمي اليمني، وهو من أكابر أئمة الزيدية: (إن معظم فرق الزيدية يقولون بالنص على إمامة الثلاثة -يعني: أن النبي قد نص قبل موته على إمامة علي ثم الحسن ثم الحسين رضي الله عنهم- ويعتقدون ثبوت إمامة من عداهم من أولاده -أي: من أولاد الحسن والحسين - بالدعوة). أي: بدعوة الناس إلى إمامتهم أو بيعتهم، يعني: هم يقولون بالإمامة في نسل علي ونسل الحسن ونسل الحسين رضي الله عنهم جميعاً، ومسألة العصمة لهؤلاء هي كالطعن في أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، ومسألة النص هي أيضاً كالطعن في أبي بكر وعمر وعثمان رضوان الله عليهم جميعاً، كما أن القائلين بالنص والعصمة يخالفون من ينتسبون إليه وهو الإمام زيد ، الذي لم يقل بالنص ولم يقل بالعصمة، فالزيدية الذين يعتقدون نص النبي صلى الله عليه وسلم على خلافة علي من بعده ثم الحسن ثم الحسين يخالفون إمامهم، إذ إن زيداً رحمه الله لم يقل بهذا، ولم يقل كذلك بالعصمة.

    1.   

    حقيقة الرافضة الإثني عشرية الإمامية الجعفرية ومعتقداتها

    الآن نتحدث بالتفصيل عن فرقة الرافضة ، وهم الذين يسمون بالجعفرية ، أو يسمون بـالإمامية الإثني عشرية ، أو يسمون بالروافض، ويرى بعض الباحثين أن مصطلح الشيعة إذا أطلق لا ينصرف إلا إلى فرقة الجعفرية أو الرافضة أو الروافض أو الإثني عشرية ، هذه كلها مصطلحات لفرقة واحدة. ويسمون بـالإمامية ؛ لأنهم قالوا بوجوب الإمامة في كل زمان، فالإمامي يطلق عندهم على من دان بوجوب الإمامة ووجودها في كل زمان، وأوجب النص الجلي والعصمة والكمال لكل إمام، ثم حصر الإمامة في ولد الحسين بن علي ، وساقها إلى الرضا علي بن موسى . ويسمون بـالإثني عشرية ؛ لأنهم يقولون بأن الأئمة بعد الرسول صلى الله عليه وسلم اثنا عشر إماماً، وهم: علي ، والحسن ، والحسين ، وعلي بن الحسين -وهو المشهور بـزين العابدين - ومحمد الباقر ، وجعفر الصادق ، وموسى الكاظم ، وعلي الرضا ، ومحمد الجواد ، وعلي الهادي ، والحسن العسكري ، والمهدي المنتظر ، هؤلاء هم الأئمة الاثنا عشر عند هذه الفرقة التي تسمى بفرقة الإثني عشرية ، أو الإمامية ، أو الروافض ، ويسمون أيضاً بـالجعفرية نسبة إلى جعفر الصادق وهو الإمام السادس من الأئمة الذين ذكرت. أما سبب تسميتهم بالروافض فقد ذكرت قبل ذلك: أنهم سموا بالروافض حينما رفض زيد أن يسب أبا بكر وعمر؛ فرفضوا مذهبه ومذهب من تابعه وانشقوا عنه، وسموا حينئذٍ بالروافض. علق شيخ الإسلام ابن تيمية على تعريف الإمام أبي الحسن الأشعري حينما قال في (مقالات الإسلاميين): (إنما سمي الروافض بالروافض؛ لرفضهم إمامة أبي بكر وعمر) فقال شيخ الإسلام ابن تيمية في المجلد الثاني: (الصحيح أنهم سموا رافضة؛ لما رفضوا زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب لما خرج بالكوفة أيام هشام بن عبد الملك). وذكرت أنهم ما رفضوه إلا لترضيه على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كـأبي بكر وعمر رضي الله عنهما. وهذه الطائفة -طائفة الإمامية أو الجعفرية أو الإثنا عشرية- هي الطائفة الكبرى في عالمنا اليوم، وأكثر أتباعها في إيران، والعراق، والقطيف، ولبنان، والكويت، وباكستان، والهند، فهم بالملايين، وليس في مصر ولا في بلاد شمال إفريقيا من هذه الطائفة شيء، إلا نبتات سوء وأفراد، لكنني أقول بيقين: إن أرض مصر أرض تلفظ بذرة التشيع، إلا إذا استطاع أهل هذا المذهب الفاسد أن يتدثروا بعباءة التصوف، ثم يدخلوا على الناس بزعم أنهم يحبون آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم.

    بطلان دعوى عدم الاختلاف العقدي بين أهل السنة والرافضة

    ادعى علماء الشيعة أنه لا يفصلهم عن أهل السنة كبير شيء، وإنما خلافهم مع أهل السنة في مسائل الفروع، هم يزعمون ذلك، ويدندنون به، بل ولعل منكم من تابع دعوة التقريب المزعومة بين الشيعة وأهل السنة، ورفع لواء هذه الدعوة من يشار إليهم بالبنان، فهم يزعمون أنه لا توجد على الإطلاق أية فروق جوهرية في الأصول بين معتقد الشيعة وبين معتقد أهل السنة اللهم إلا في الفروع، هكذا يزعمون. يقول محمد حسين آل كاشف الغطاء -وهو من أكابر مراجع الشيعة المعاصرين-: (الشيعة ما هم إلا طائفة من طوائف المسلمين، ومذهب من مذاهب الإسلام، يتفقون مع سائر المسلمين في الأصول، وإن اختلفوا معهم في بعض الفروع) وردد هذا الكلام الخبيث الخطير بعض أهل السنة نقلاً جزافاً عن أكابر أئمة الشيعة ، فهل هذه الدعوة حقيقية؟ تعالوا معي لنجيب إجابة مفصلة قد تحتاج إلى خمس محاضرات، وأرجو أن تسامحوني على هذا الإطالة، فالأمر والله جد خطير، ويحتاج إلى وقفة، وأنا أعلم أنه لا يتكلم في مثل هذه الموضوعات إلا في القليل النادر، فالإجابة على قولهم: إن الشيعة ما هم إلا طائفة من طوائف المسلمين، ومذهب من مذاهب الإسلام، يحتاج في تفنيده إلى كتب الشيعة، وإلى كلام أكابر مراجعهم وعلمائهم، فإن مصادر القوم هي المعتمدة عند من يعتنقون مذهب الشيعة ، فإنك لو ذهبت الآن لترد عليه بأقوال أهل السنة لألقى بقولك عرض الحائط، لكنك ستلقمه حجراً إذا انطلقت لترد عليه بأقوال أئمة الشيعة ، وأكابر مراجعهم في الماضي بل وفي العصر الحاضر، فتدبر معي أيها الأخ الكريم! لنقف مع أول أمر، بل مع أخطر أمر ألا وهو اعتقادهم في مصادر التلقي، أو في أصول الأحكام المتفق عليها بين المسلمين، ما هي مصادر التلقي عند الشيعة ؟ من أين استقى الشيعة أصول مذهبهم؟ وما هي نظرة الشيعة لهذه الأصول؟! وما هو معتقدهم فيها؟

    اعتقاد الرافضة في القرآن الكريم

    القرآن الكريم هو أول مصدر من مصادر التلقي عند المسلمين، لكن انظر إلى معتقد الشيعة في هذا المصدر. يعتقد الشيعة الإثنا عشرية أن القرآن الكريم محرف، وسأنقل لكم الأدلة على ذلك من أقوالهم، ومن كتبهم، ويعتقدون أن هناك كتباً نزلت من السماء بعد القرآن، فهم يقولون بتحريف القرآن الكريم وبتزويره وبنقصه، وبخلل فيه. معلوم أن الأمة قد أجمعت على حفظ كتاب الله جل وعلا؛ مصداقاً لقول الله سبحانه: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9]، والقرآن الكريم تحدى الله عز وجل به البشرية جمعاء، إذ لم يتغير فيه حرف، ولم تنقص منه كلمة، ولم تحذف منه آية. تقوم فرية الشيعة على القول بأن هذا القرآن الكريم الموجود بأيدي المسلمين الآن ناقص ومحرف، وأن القرآن الكامل عند علي بن أبي طالب، ثم أورثه الأئمة من بعده، وهو اليوم عند المهدي المنتظر ، هذا كلام الشيعة! أقول: إن هذه المقالة الملحدة طعن في كتاب الله وفي دين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي أيضاً طعن في علي نفسه رضوان الله عليه، إذ كيف يعلم علي أن القرآن الذي بين أيدي المسلمين محرف ومزور وناقص، وأن القرآن الكامل عنده وحده، ثم لا يرد هذه الفرية، ولا يبين للمسلمين هذا الباطل، لا سيما بعدما أصبح خليفة. إذاً: هذا طعن في علي رضي الله عنه، ولما جوبه الروافض بذلك لم يجدوا ما يجيبون به سوى أنهم قالوا على لسان عالمهم الكبير نعمة الله بن محمد بن حسين الحسيني الجزائري الشيعي الإمامي، وهو الذي قال عنه الخوانساري : كان من أعظم علمائنا المتأخرين، وأفاخم فضلائنا المتبحرين، وقال فيه محدثهم القمي : كان نعمة الله الجزائري عالماً محققاً مدققاً جليل القدر. اسمع ماذا يقول هذا العالم الكبير المحقق المدقق لما قيل له: كيف لم يبين علي القرآن الصحيح الذي ادخره عنده، وورثه للأئمة، وهو يعلم أن القرآن الذي بأيدي المسلمين مزور ومحرف؟ قال: (ولما جلس أمير المؤمنين عليه السلام لم يتمكن من إظهار ذلك القرآن -يقصد القرآن الصحيح المتكامل الذي لم يحرف ولم يزور- ولم يستطع أن يخفي هذا القرآن الأول -أي: الذي في أيدي المسلمين الذي زور وحرف- لما فيه من إظهار الشناعة على من سبقه، إذ لو فعل ذلك لبين أخطاء من سبقوه). انظر إلى هذا الضلال المبين، هكذا يعتذرون، وأي قدح أبلغ من هذا، إنهم يتهمون علياً رضي الله عنه بأنه جامل من سبق من الصحابة على حساب كتاب الله وعلى حساب سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا وربي بهتان عظيم، هذه فحوى الخرافة التي وجدت مكانها في دواوين الشيعة ومجامعهم الحديثية وكتبهم المعتمدة في عشرات من النصوص والروايات. تدبر معي بعض الروايات لأكمل إن شاء الله تعالى في المحاضرة المقبلة. يقول حسين النوري الطبرسي هو عند الشيعة إمام أئمة علم الحديث، وإمام أئمة علم الجرح والتعديل في الأزمان المتأخرة، ألف كتاباً أسماه -واسمع عنوان الكتاب، ويكفي اسم الكتاب- (فصل الخطاب في تحريف كتاب رب الأرباب) وقد ألفه ليثبت من كتبهم أن القرآن محرف، ونقل فيه مجموعة كبيرة من أخبار الشيعة التي تطعن في القرآن، جمعها كما يقول من الكتب المعتبرة التي عليها المعول، وإليها المرجع عند الأصحاب، وقال: (واعلم أن تلك الأخبار منقولة عن الكتب المعتبرة التي عليها معول أصحابنا في إثبات الأحكام الشرعية والآثار النبوية). فهذه الكتب التي ذكرت هذه الأخبار الملحدة موثقة عند علمائهم، ويتلقون عنها دينهم، وهي منسوبة لأكابر علمائهم ومراجعهم ومحدثيهم، كما سمعنا الآن. ومن هذه الكتب صحيحهم الكافي، وهم يشبهونه بصحيح البخاري، يعني: الكافي عند الشيعة يوازي صحيح البخاري عند أهل السنة ، ويعتبرون الكافي من أصح كتبهم، ويلقبون مؤلفه وهو محمد بن يعقوب الكليني بأنه ثقة الإسلام، وقد روى الكليني من هذه الأساطير والأقوال الملحدة الشيء الكثير، مع أنه التزم الصحة فيما يرويه؛ ولهذا قرر الكاتبون عنه من الشيعة أنه كان يعتقد التحريف والنقصان في القرآن؛ لأنه روى روايات في هذا المعنى في كتابه الكافي، ولم يتعرض للقدح فيها، مع أنه ذكر في أول الكتاب أنه يثق بما رواه، وهذا كتاب لإمام كبير من أئمتهم.

    أقوال أئمة الشيعة الرافضة في تحريف القرآن

    هذه بعض النصوص عن الشيعة في تحريف القرآن: يقول عالمهم المجلسي -صاحب كتاب: (بحار الأنوار)- في كتاب (مرآة العقول) المجلد الثاني (ص:536): (وعندي أن الأخبار في هذا الباب -أي: في باب تحريف القرآن- متواترة المعنى، وطرح جميعها يوجب رفع الاعتماد على الأخبار رأساً، بل ظني أن الأخبار في هذا الباب لا تقصر عن أخبار الإمامة). لأن الذي نقل إليهم القول بتحريف القرآن هم الذين نقلوا إليهم أصول مذهبهم الفاسد الباطل، كأخبار الإمامة والبداء والرجعة والغيبة.... إلخ هذه المعتقدات الفاسدة. ويقول شيخهم المفيد : (إن الأخبار قد جاءت مستفيضة عن أئمة الهدى من آل محمد صلى الله عليه وسلم باختلاف القرآن، وما أحدثه بعض الظالمين فيه من حذف ونقصان)، وهذا الكلام في كتاب أوائل المقالات (ص:98) للمفيد، وهو من أكابر أئمة الشيعة. ويقول ثقة الشيعة -هكذا يسمونه- محمد صالح المازندراني : (وإسقاط بعض القرآن وتحريفه ثبت من طرقنا بالتواتر معنى، كما يظهر لمن تأمل في كتب الأحاديث من أولها إلى آخرها)، قال ذلك المازندراني في شرح جامع الكافي المجلد الحادي عشر (ص:76). ويقول شيخهم محسن الكاشاني وهو من أكابر شيوخ الشيعة في كتابه (تفسير الصافي) في المقدمة السادسة من تفسيره : (المستفاد من الروايات من طريق أهل البيت أن القرآن الذي بين أظهرنا ليس بتمامه كما أنزل على محمد). قفوا -يا إخواننا- على هذا المعتقد الخبيث، حتى لا يضحك عليكم الآن جاهل بهذا المذهب الفاسد الباطل، فإنني أعلم أن نبتة سوء قد بدأت تظهر في المنصورة، وتدعو لهذا المذهب الخبيث الفاسد الباطل، وهي ولله الحمد لا تزيد عن ثمانية أفراد، لكن هذا خطر، وأتمنى أن يستمع هؤلاء الإخوة إلى المحاضرات بعد تمامها، لعل الله أن يشرح صدورهم إلى الحق، أسأل الله أن يردنا وأن يردهم إلى الحق رداً جميلاً. يقول شيخهم محسن الكاشاني أيضاً: (بل منه ما هو خلاف ما أنزل الله، ومنه ما هو مغير محرف، وإنه قد حذف منه أشياء كثيرة، منها: اسم علي في كثير من مواضع القرآن، ومنها: لفظة آل محمد في أكثر من موضع، ومنها: أسماء المنافقين في مواضعها، ومنها: غير ذلك، ثم قال: إن القرآن ليس أيضاً على الترتيب المرضي عند الله وعند رسوله). وقد ذكرت لكم ترتيب المصحف، ومراحل جمع القرآن الكريم، ابتداء من عهد النبي صلى الله عليه وسلم وانتهاءً بعهد عثمان رضي الله عنه وأرضاه، وذكرت لكم إعجاز القرآن في بلاغته، وفي حروفه، وفي نظمه، وفي اتساقه الذاتي، وفي إعجازه الفكري، وفي إعجازه البلاغي، وإعجازه العلمي، وإعجازه العقدي، ذكرت ذلك بالتفصيل في كثير من المحاضرات قد تصل إلى سبع أو ثمان محاضرات في حديثي عن الإيمان بالكتب، وتحدثت عن التوراة المحرفة والإنجيل المزور، ثم تكلمت بعد ذلك عن القرآن الكريم، وأرجو أن تراجع هذه الأشرطة مرة أخرى. وروى الكليني في كتابه الكافي بإسناده عن أبي جعفر عليه السلام قال: (نزل جبريل بهذه الآية على محمد صلى الله عليه وسلم هكذا، ألا وهي قوله تعالى: (وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا في حق علي فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين). وعن جابر الجعفي عن أبي جعفر عليه السلام قال: (هكذا نزل قول الله تعالى: (ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به في علي لكان خيراً لهم وأشد تثبيتاً). انظر إلى التحريف الرهيب، هذا تحريف في النص، أما تحريفهم في التأويل -أي: في التفسير- فكثير جداً، فهم يقرءون الآية ويؤولونها تأويلاً رهيباً لا يمت إلى الحقيقة ولا إلى الدين ولا إلى الواقع، بل ولا إلى العقل السليم بأدنى صلة، وأنا لا أدري كيف اغتر بهذا القول الفاسد الملايين من الناس ؟!! نسأل الله أن يثبتنا على الحق: ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ [الحديد:21]. وعن أبي بصير عن أبي عبد الله في قول الله عز وجل: (ومن يطع الله ورسوله في ولاية علي وولاية الأئمة من بعده فقد فاز فوزاً عظيماً). انظر إلى هذا التحريف!! هذا كله في كتاب الكافي باب: نكت ونتف من التنزيل في الولاية، هكذا عنون صاحب الكافي لهذا الباب الخبيث، المجلد الأول (ص: 417). نقول لمن افتتن بهذا المذهب فليراجع أصول هذا المذهب في كتبهم، فأنا أنقل الآن من كتبهم: روى الكليني بإسناده عن أبي الحسن وهذا في كتاب الكافي المجلد الأول (ص:421) -قال: ولاية علي مكتوبة في جميع صحف الأنبياء، ولم يبعث الله رسولاً إلا بنبوة محمد ووصية علي . ومن ذلك أيضاً ما رواه الكليني بإسناده إلى أحمد بن محمد بن أبي نصر قال: (دفع إلي أبو الحسن عليه السلام -وهو علي رضوان الله عليه- مصحفاً، وقال: لا تنظر فيه -انظر التشويق: سيدنا علي أعطاه مصحفاً وقال له: لا تفتحه، إذاً ! لماذا أعطاه؟!- يقول: دفع إليه أبو الحسن مصحفاً وقال: لا تنظر فيه، يقول: ففتحته ونظرت فيه وقرأت فيه ((لم يكن الذين كفروا)) ووجدت بعدها اسم سبعين رجلاً من قريش بأسمائهم وأسماء آبائهم -يقصد من الصحابة رضوان الله عليهم -انظر الخبث!-. فبعث إلي -أي: علي - وقال: ابعث إلي بالمصحف). وتمضي افتراءات الشيعة والروافض بأكملها، وتزعم أن بعض السور قد حذفت من القرآن الكريم، وذكر منها شيخهم الطبرسي سورة الحفد، وسورة الخلع، وسورة الولاية. هذا الكلام في كتاب فصل الخطاب في تحريف كتاب رب الأرباب للنوري الطبرسي الذي ذكرته آنفاً (ص:24). ثم في موضع آخر نقل سورة الولاية، واسمع لنص سورة الولاية، قال: نص السورة: بسم الله الرحمن الرحيم، (يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالنورين أنزلناهما يتلوان عليكم آياتي، ويحذرانكم عذاب يوم عظيم، نوران بعضهما من بعض وأنا السميع العليم، إن الذين يوفون ورسوله في آيات -كذا وردت- لهم جنات نعيم، والذين كفروا من بعد ما آمنوا بنقضهم ميثاقهم وما عاهدهم الرسول عليه يقذفون في الجحيم، ظلموا أنفسهم وعصوا الوصي الرسول أولئك يسقون من ماء حميم) انظروا الضلال المبين!! هل هذه سورة؟! كلام مسيلمة أفضل وأنظف منه، وكله يخرج من بوتقة كفر خبيثة واحدة، حينما قرأت هذا النص والله تذكرت كلام مسيلمة ، وقلت: سبحان الله! والله إن الكفر ملة واحدة، حينما ذهب إليه أهل الكفر والشرك من أهل الجزيرة وقد ادعى أن وحياً ينزل عليه كما ينزل الوحي على محمد، قالوا: أسمعنا شيئاً مما نزل عليك، فجلس مسيلمة الكذاب يهذي كما يهذي هؤلاء المجرمون الخبثاء، جلس يقول: (والزارعات زرعاً، والحاصدات حصداً، والعاجنات عجناً، والخابزات خبزاً) فضحك القوم، ففهم أن القوم قد تبين لهم كذبه وضلاله، فقال يريد أن يسمعهم شيئاً غير ذلك: (الفيل ما الفيل، وما أدراك ما الفيل، له خرطوم طويل، وذيل قصير) فضحك القوم، وهم أرباب بلاغة، وأرباب بيان، فقال في سورة ثالثة: (يا ضفدع بنت ضفدعين، نقي ما تنقين، نصفك في الماء ونصفك في الطين، لا الماء تكدرين، ولا الشارب تمنعين). فقالوا: يا مسيلمة ! قال: نعم، قالوا: والله إنك لتعلم يقيناً أننا نعلم يقيناً أنك كذاب. هم يعلمون يقيناً أنه كذاب، وهو يعلم يقيناً أنهم يعلمون يقيناً أنه كذاب، فهؤلاء يكذبون بهذه الصورة السخيفة على الله جل وعلا، ويختلقون ويزيفون سوراً كاملة، ويزعمون أن هذه قد حذفت من القرآن الكريم. وجاءت روايات كثيرة في كتب الشيعة تأمرهم بالعمل بالمصحف الموجود بين أيدي المسلمين الآن، لماذا؟ قالوا: ريثما يخرج قرآنهم الذي ورّثه علي لإمامهم المهدي المنتظر، وأنتم من أصول مذهبكم التقية، فاعملوا بهذا القرآن إلى أن يخرج المهدي بالقرآن المتكامل الصحيح. يقول نعمة الله الجزائري : (قد روي في الأخبار أن علياً والأئمة عليهم السلام أمروا شيعتهم بقراءة القرآن الموجود في الصلاة وغيرها، وأن يعملوا بأحكامه حتى يظهر مولانا صاحب الزمان، فيرتفع هذا القرآن من أيدي الناس إلى السماء، ويخرج القرآن الذي ألفه أمير المؤمنين؛ فيقرأ بعد ذلك ويعمل بأحكامه). أقف عند هذا القدر لأواصل إن شاء الله تعالى تحريف الشيعة للأصل الأول من أصول التلقي، وللمصدر الأول من مصادر التلقي ألا وهو القرآن، وكيف أنهم حرفوا أصول النصوص في القرآن، ولم يكتف الروافض بذلك وإنما حرفوا في التأويل أيضاً للقرآن، وهذا ما سنتعرف عليه إن شاء الله في المحاضرة المقبلة. أحمد الله الذي هدانا للحق، وأسأل الله أن يثبتنا عليه، وأن يتوفانا عليه، إنه ولي ذلك ومولاه، وأكتفي بهذا القدر، وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755900743