إسلام ويب

الإسلام قادم .. تعليق على الأحداث الأخيرةللشيخ : محمد حسان

  •  التفريغ النصي الكامل
  • غاصت الأمة الإسلامية في أوحال المعاصي والذنوب، إلا من رحم الله، فنتج عن ذلك أن زحف اليأس إلى قلوب كثير من المسلمين، من عودة الأمة إلى دين ربها وسنة نبيها، ولكن تباشير الفجر قد اقترب ظهورها، تنبئ بمستقبل مشرق للإسلام، وإن الأحداث التي تجري في مختلف أنحاء الأرض، لأكبر شاهد على ذلك.

    1.   

    واقع الأمة

    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، أدى الأمانة، وبلغ الرسالة، ونصح للأمة فكشف الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين. اللهم اجزه عنا خير ما جزيت نبياً عن أمته، ورسولاً عن دعوته ورسالته، وصل اللهم وزد وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وأحفاده وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين. أما بعد: فحياكم الله جميعاً أيها الآباء الفضلاء! وأيها الإخوة الأحباب الكرام الأعزاء! وطبتم جميعاً وطاب ممشاكم، وتبوأتم من الجنة منزلا، وأسأل الله العظيم الكريم الحليم جل وعلا، الذي جمعنا في هذا الجمع الكريم المهيب المبارك على طاعته، أن يجمعنا في الآخرة مع سيد الدعاة المصطفى في جنته ودار مقامته، إنه ولي ذلك والقادر عليه. أحبتي في الله! إن الإسلام قادم!هذا هو عنوان لقائنا مع حضراتكم في هذا اليوم الكريم المبارك، وفي هذه الظروف العصيبة الرهيبة التي تمر بها أمتنا. وسوف أركز الحديث مع حضراتكم تحت هذا العنوان في العناصر التالية: أولاً: واقع أليم. ثانياً: ولكن الإسلام قادم. ثالثاً: منهج عملي واجب التنفيذ. فأعيروني القلوب والأسماع جيداً، والله أسأل أن يقر أعيننا بنصرة الإسلام وعز الموحدين، وأن يشفي صدور قوم مؤمنين، إنه ولي ذلك ومولاه، وهو على كل شيء قدير.

    واقع مر أليم

    أحبتي الكرام! لقد ابتليت الأمة الإسلامية بنكسات وأزمات كثيرة على مرِّ الزمان، مروراً بأزمة الردة الطاحنة، والهجمات التترية الغاشمة، والحروب الصليبية الطاحنة، لكن الأمة مع كل تلك الأزمات كانت تمتلك مقومات النصر: من إيمان صادق، وثقة مطلقة في الله، واعتزاز بهذا الدين، فكتب الله جل وعلا لها النصر والعز والتمكين، ولكن واقع الأمة المعاصر واقع أليم، فقدت فيه الأمة جُل مقومات النصر! بعد أن انحرفت انحرافاً مروعاً عن منهج رب العالمين، وعن سبيل سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم، انحرفت الأمة ووقعت في انفصام نَكد مُزرٍ بين منهجها المنير وواقعها المؤلم المرير، انحرفت الأمة في الجانب العقدي، والجانب التعبدي، والجانب التشريعي، والجانب الأخلاقي، والجانب الفكري، بل وحتى في الجانب الروحي. وما تحياه الأمة الآن من واقع أليم وقع وفق سنن ربانية لا تتبدل ولا تتغير ولا تحابي هذه السنن أحداً من الخلق بحال مهما ادعى لنفسه من مقومات المحاباة، بل ولن تعود الأمة إلى عزها ومجدها إلا وفق هذه السنن التي لا يجدي معها تعجل الأذكياء ولا هم الأصفياء، قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ [الرعد:11] والله! لقد غيرت الأمة وبدلت في جميع الجوانب، بل لقد وقعت الأمة في العصر الحديث في المنكر الأعظم، ألا وهو: أن نحت شريعة الكبير المتعال، وشريعة سيد الرجال، وحكّمت في الأعراض والأموال والحروث والثمار القوانين الوضعية الكافرة التي وضعها مهازيل البشر على وجه الأرض! استبدلت الأمة بالعبير بعراً، وبالثريا ثرى، وبالرحيق المختوم حريقاً محدقاً مدمراً! وولت الأمة شريعة الله وشريعة رسول الله ظهرها، وراحت تلهث وراء الشرق الملحد تارة، ووراء الغرب الكافر تارة أخرى، وظنت الأمة المسكينة أنها قد ركبت قوارب النجاة، فغرقت وأغرقت، وهلكت وأهلكت، ولن تعود الأمة إلى سيادتها وريادتها إلا إذا عادت من جديد إلى أصل عزها ونبع شرفها ومعين شرفها ومعين بقائها ووجودها وهو: كتاب ربها وسنة الحبيب نبيها صلى الله عليه وسلم.

    الأمة قصعة مستباحة

    انحرفت الأمة فزلَّت وأصبحت قصعة مستباحة لكل أمم الأرض، وصدق في الأمة قول الصادق الذي لا ينطق عن الهوى كما في حديثه الصحيح الذي رواه أحمد وأبو داود من حديث ثوبان أنه صلى الله عليه وسلم قال: (يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها، قالوا: أومن قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟! قال: كلا، ولكنكم يومئذ غثاء كغثاء السيل، وليوشكن الله أن ينزع المهابة من قلوب عدوكم ، وليقذفن في قلوبكم الوهن. قيل: وما الوهن يا رسول الله؟! قال: حب الدنيا، وكراهية الموت). لقد أصبحت الأمة الآن غثاء من النفايات البشرية، تعيش متفرقة في دويلات متناثرة، بل متصارعة، بل متحاربة، تدخل بينها حدود جغرافية مصطنعة، وأعراف قومية منتنة، وصارت ترفرف على سماء الأمة -بلا استثناء- رايات القومية والوطنية! وتحكم الأمة كلها قوانين الغرب العلمانية! وتدور الأمة كلها في الدوامات السياسية، فلا تملك الأمة نفسها عن الدوران، بل ولا تختار لنفسها حتى المكان الذي ستغور فيه! فأُبدلت ذلاً بعد عزة وجهلاً بعد علم، وضعفاً بعد قوة، وأصبحت الأمة الإسلامية في ذيل القافلة الإنسانية كلها، بعد أن كانت في الأمس القريب جداً الدليل الحاذق الأريب، حيث كانت تقود القافلة الإنسانية كلها بجدارة واقتدار، وأصبحت الأمة الآن تتسول على موائد الفكر الإنساني والعلمي كله!! بعد أن كانت بالأمس القريب جداً منارة تهدي الحيارى والتائهين ممن أحرقهم لفح الهاجرة القاتل، وأرهقهم طول المشي في التيه والظلام، وأصبحت الأمة المسكينة تتأرجح في سيرها، بل لا تعرف طريقها الذي ينبغي أن تسلكه، والذي يجب أن تسير فيه! بعد أن كانت الأمة بالأمس القريب الدليل الحاذق الأريب في الدروب المتشابكة، وفي الصحراء المهلكة التي لا يهتدي للسير فيها إلا الأدلاء المجربون. أهذه هي الأمة التي زكاها الله في القرآن بالخيرية في قوله: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [آل عمران:110]؟! أهذه هي الأمة التي زكاها الله في القرآن بالوسطية في قوله سبحانه: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا [البقرة:143]؟! أهذه هي الأمة التي أمرها الله بوحدة الصف والاعتصام بحبل الله المتين في قوله سبحانه: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا [آل عمران:103]، وفى قوله سبحانه: وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [آل عمران:105]؟! إن الناظر إلى الأمة في واقعنا المعاصر سينقلب إليه بصره خاسئاً وهو حسير؛ فإن واقع الأمة الأليم لا يكاد يخفى الآن على أحد، وما تتعرض إليه الأمة اليوم -لا أقول العراق، بل ما تتعرض له الأمة كلها اليوم- من إذلال مهين من قلعة الكفر على ظهر الأرض أمريكا، ما تتعرض له الأمة كلها الآن من ذل وهوان وضرب بالنعال؛ ليؤكد تأكيداً جازماً هذا الواقع المر الأليم، الذي لا يحتاج من داعية أو عالم من علماء الأمة الآن إلى مزيد بيان أو إلى مزيد تشخيص أو تدليل!! فإن الواقع الأليم الذي تحياه الأمة لا يجهله إلا مسلم لا يعيش إلا لشهواته الحقيرة ونزواته الرخيصة، أما مسلم يحترم نفسه.. يحترم أمته.. يحترم هذا الدين لا أظن ألبتة أنه يجهل هذا الواقع الأليم.

    الأمة لم تمت ولكن طال نومها

    لا شك أن الأمة نامت وطال نومها، ولا شك أن الأمة مرضت واشتد مرضها، ولكن الأمة بحول الله -مع ما ذكرت- لم تمت ولن تموت بموعود الصادق الذي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم، فإن أبناء الطائفة المنصورة في هذه الأمة لا يخلو منهم زمان بشهادة الصادق الذي لا ينطق عن الهوى كما في الصحيحين من حديث معاوية رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم، حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس). أسأل الله أن يجعل هذا الجمع الكريم كله من هذه الطائفة المنصورة التي تعيش لدين الله وتتمنى أن تنصر دين الله بكل سبيل. والله ثم والله إنني لأعتقد اعتقاداً جازماً أنه لو دعي الآن إلى الجهاد في سبيل الله تحت كتاب الله وشريعة رسول الله لرأت أميركا العجب العجاب! ولعلم اليهود أن محمداً ما مات وخلف بنات، كما يدعي اليهود المجرمون!! بل سيعلم العالم كله أن محمداً ترك رجالاً يتمنون -ورب الكعبة- أن تسد أجسادهم فوهات مدافع الأمريكيين ومدافع اليهود؛ ليرفعوا راية لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، هل يتبناها زعيم مسلم على وجه الأرض؟! نتمنى زعيماً مسلماً يحكّم شريعة الله ويحكّم سنة رسول الله وليقل: حي على الجهاد، حي على الجهاد، وسيرى العالم الملايين المملينة من شباب هذه الأمة خارجاً لنصرة دين الله جل وعلا. اللهم ارفع راية الجهاد، اللهم ارفع علم الجهاد، اللهم ارفع علم الجهاد، اللهم ارفع علم الجهاد، اللهم ارفع علم الجهاد، اللهم اقمع أهل الزيغ والفساد، اللهم اقمع أهل الزيغ والفساد، اللهم انصر دينك وكتابك وعبادك المؤمنين يا قوي يا عزيز! أيها المسلمون! إن الطائفة المنصورة لا يخلو منها زمان ولا مكان على وجه الأرض: (لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم، حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس). لئن عرف التاريخ أوساً وخزرجاً فلله أوس قادمون وخزرج وإن كنوز الغيب تخفي طلائعاً حر رغم المكائد تخرج وقال آخر: صبح تنفس بالضياء وأشرقا وهذه الصحوة الكبرى تهز البيرقا وشبيبة الإسلام هذا فيلق في ساحة الأمجاد يتبع فيلقا وقوافل الإيمان تتخذ المدى ضرباً وتصنع للمحيط الزورقا ما أمر هذه الصحوة الكبرى سوى وعد من الله الجليل تحققا هي نخلة طاب الثرى فنمى لها جذع قوي في التراب وأعذقا هي في رياض قلوبنا زيتونة في جذعها غصن الكرامة أورقا فجر تدفق من سيحبس نوره أرني يداً سدت علينا المشرقا

    1.   

    الإسلام قادم

    عنصرنا الثاني: ولكن الإسلام قادم!! هذا وعد ربنا برغم أنف المشركين والمنافقين، وهذا وعد نبينا برغم أنف المشركين والمنافقين والمجرمين! إن الإسلام قادم يا شباب! نعم، أنا أعي ما أقول، وأعي واقع الأمة المر الأليم الذي أشرت إليه باختصار، ومع ذلك أؤكد لكم جميعاً: وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران:139]، بالإيمان لن تهنوا.. بالإيمان لن تحزنوا.. بالإيمان أنتم الأعلون، والله إنني لأعتقد اعتقاداً جازماً أنه لا يوجد على وجه الأرض -أبداً- شر محض، وحتى مع ما نراه الآن من تهديدات لا للعراق فحسب، بل للأمة كلها، إن هذا الشر سيجعل الله جل وعلا فيه خيراً كثيراً؛ فما من أزمة مرت بالأمة إلا وجعلها الله تبارك وتعالى سبباً لقوة الإسلام، وما من ابتلاء إلا وجعله الله سبباً لتمحيص الصف، وسبباً لتمييز الخبيث من الطيب، قال تعالى: أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ [العنكبوت:2-3]. ولقد ذكر سلطان العلماء الإمام العز بن عبد السلام في البلاء سبع عشرة فائدة، فلا تظنوا أبداً أنه مع هذه الأزمة سيزول الإسلام، وسينتهي المسلمون!! لا والله. لقد هجم القرامطة على المسلمين في بيت الله! وذبحوا الطائفين حول بيت الله، واقتلع أبو طاهر القرمطي الخبيث المجرم الحجر الأسود من الكعبة! وظل يصرخ بأعلى صوته في صحن الكعبة، وهو يقول: أين الطير الأبابيل؟! أين الحجارة من سجيل؟!انظروا إلى هذه الفتنة العاصفة!! وظل الحجر الأسود بعيداً عن بيت الله ما يزيد على عشرين سنة! ومع ذلك رد الله الحجر، ورد المسلمين إلى دينه، وانتصر الإسلام على القرامطة كما تعلمون. وهاجم التتار بغداد، وظلوا يذبحون ويقتلون المسلمين أربعين يوماً! حتى امتلأت شوارع بغداد بالدماء، ومع ذلك رد الله المسلمين إلى الإسلام، وأخزى التتار وهزمهم شر هزيمة على أيدي الصادقين المخلصين الأبرار: وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ ، لكننا نريد الإيمان، نريد أن تحقق الأمة الإيمان قال تعالى: وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران:139] تدبروا قول رب العالمين: يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [الصف:8-9]. وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ [الأنفال:36]. ما يزيد على مائة وخمسين بليوناً من الدولارات أنفقت في حرب الحادي والتسعين، وما هي النتيجة؟! (ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ) ما زال الإسلام قوياً شامخاً، وسيبقى الإسلام قوياً شامخاً. أين التتار؟! أين الصليبيون؟! أين المجرمون؟! بل أين فرعون؟! بل أين هامان ؟! أين أصحاب الأخدود؟! أين كل من عادى الإسلام؟! هلك الجميع وبقي الإسلام، وسيبقى بموعود الرحمن وسيد ولد عدنان: (فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ).

    زحف الإسلام في دول الكفر

    في العشر الأواخر من رمضان الماضي كنت في زيارة لأمريكا، ووقفت على وثيقة التنصير الكنسي، ورأيت بابا الفاتيكان جون بول الثاني يصرخ في هذه الوثيقة على كل المبشرين أي: على كل المنصرين في أنحاء الأرض -تدبر- ويقول: هيا تحركوا بسرعة؛ لوقف الزحف الإسلامي الهائل في أنحاء أوروبا! مع أنه لا يتحرك أحد للإسلام، بل نحن قد نمنع من الخروج للدعوة إلى الإسلام! فالإسلام لا يتبنى قضاياه الكبرى أحد إلا على مستوى الأفراد، ولو بذل للإسلام ما يبذل لأي دين على وجه الأرض، والله لن يبقى على وجه الأرض من الأديان إلا الإسلام. أيها الأحبة الكرام! في الثالث والعشرين من رمضان الماضي التقيت برئيس جمعية الشرطة المسلمين في أمريكا وأرجو أن تركزوا معي؛ لنعلم أن الإسلام ينتشر حتى في قلب قلعة الكفر أمريكا، ولا تستطيع قوة على وجه الأرض أن تمنع الإسلام أبداً، حتى قلعة الكفر أمريكا. هل تعلمون أن عدد المسلمين في أمريكا الآن في إحصائية 12/97م وصل إلى ثلاثة عشر مليون مسلم! صحيح ممكن أن يكون كثير من هذا العدد غثاء لا يحرك ساكناً، لكنها إحصائية تحوي الكثير والكثير من الاستفسارات والعلامات! جمعية يرأسها ضابط أمريكي أبيض، التقيت به ودار بيني وبينه حوار طويل، نقلته للإخوة في خطبة العيد في المنصورة، وألخصه لحضراتكم هنا بإيجاز: قلت له: كيف أسلمت؟! وتعجبت حينما قال لي: إنه كان قسيساً متعصباً للنصرانية! يقول: لقد قرأت القرآن -أي: الترجمة- وقرأت عدداً لا بأس به من أحاديث صحيح البخاري، وأسلم زميل لي في العمل -وهو أمريكي- يقول: فذهبت يوماً أبحث عنه؛ لأمر خاص بالعمل، فقالوا: إنه في المسجد، فدخلت المسجد لأنادي عليه، يقول: واستمعت -وأنا على باب المسجد- لكلمات الأذان، يقول لي: لقد هزت كلمات الأذان أعماقي، وشعرت بتغيير كبير في داخلي! يقول: إني لا أستطيع أن أعبر لك عنه؛ لأنني ما تذوقت طعمه قبل أن أستمع إلى كلمات الأذان، يقول: ثم نظرت إلى المسلمين وهم يصلون: يركعون مع بعضهم، ويسجدون مع بعضهم، وأنا أنادى زميلي في العمل وهو في الصلاة، فلا يرد عليَّ! فلما أنهى الصلاة قلت له: أنا رئيسك في العمل وأنادي عليك، لماذا لم تجبني؟! قال: لأني كنت في صلاة بين يدي ربي جل وعلا، وإذا كنت كذلك فلا أجيب إلا الله عز وجل. يقول: فأحسست بسلام عميق في صدري لهذا الدين! فقلت لزميلي: ماذا تصنعون إن أردتم أن تدخلوا الإسلام؟! فأمروه بالاغتسال، فاغتسل وخرج إلى صحن المسجد، وشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وكان يسمى: بمايكل ، وهو الآن يسمى بـعبد الصبور. قلت له: ما نظرتك إلى مستقبل الإسلام في أمريكا؟ قال: الإسلام قوي جداً في أمريكا، وأرجو أن تدققوا في الكلمات (الإسلام) وأنا لا أقول: المسلمون، وإنما الإسلام قوي جداً في أمريكا، هذه ترجمة حرفية لكلام الرجل، ثم قال لي: أبشرك بأن كثيراً من الأمريكيين بدءوا يفهمون الآن جيداً أن الإسلام الحقيقي ليس هو إسلام الشرق الأوسط، وبدءوا يفهمون أن رسالة عيسى هي رسالة محمد، وهي الإسلام. قلت له: فهل لك أن تقص عليَّ قصة مؤثرة لعضو من أعضاء جمعيتكم؟! قال: يا أخي! القصة الوحيدة التي أستطيع أن أؤكدها لك هي: أن الإسلام ينتشر بقوة في الشرطة الأمريكية! قلت له: فهل عندك من الإحصائيات والأرقام ما تؤكد لي به هذه المعلومة؛ إذ إنني أستبشر خيراً كثيراً لا في كثير من المسلمين في أمريكا، ولكن فيمن يدخلون الإسلام من الأمريكيين، فإن قلت له: هذه سنة، لا يناقش، هذه بدعة، لا يجادل، ولقد ذهبت مع بعض إخواني من الدعاة والمشايخ إلى مسجد التقوى، وهو لإخواننا الأمريكيين السود، فورب الكعبة يا شباب! لقد احتقرنا أنفسنا بينهم، ترى الواحد منهم في صلاته خاشعاً، يذكرك بسلف هذه الأمة، فمن هنا يأتي الأمل، ومن عند هؤلاء نرجو الخير الكثير بإذن الله، يقول لي: عدد الضباط والجنود في الشرطة الأمريكية في ولاية (نيويوورك) أربعة وخمسون ألف ضابط وجندي، يقول لي: أصبح من بين هذا العدد -ولله الحمد- ما يزيد على ألفين وخمسين ضابطاً يوحدون الله جل وعلا، وهذا عدد كبير ليس بالعدد القليل الهين، ثم قص علي قصة، فقال: لقد أسلمت ضابطة أمريكية، ثم لبست الحجاب، وجاءت إلى العمل بالحجاب، فقال لها رئيسها: ما هذا؟! قالت: لقد أسلمت. قال: لا حرج!! لك ذلك، لكن عليكِ أن تخلعي هذا الثوب. قالت: لا. وردت المرأة بقول عجيب أتمنى أن تستمع إليه كل متبرجة في بلدنا، وهي تنتسب إلى الإسلام، قالت: إن الله هو الذي أمرني بالحجاب، ولا توجد سلطة على وجه الأرض تملك أن تنزع عني هذا الحجاب إلا بأمر الله. كلمات عجيبة! قلت له: أخي! أود منك أن توجه ثلاث رسائل: الرسالة الأولى للأمريكيين، والرسالة الثانية للمسلمين في أمريكا، والرسالة الثالثة للمسلمين في مصر، فقال: أما رسالتي الأولى للأمريكيين فهي: إننا نؤمن بعيسى كما نؤمن بمحمد، إنه فهم دقيق عميق، ولا عجب؛ فقد كان الرجل قسيساً. إننا نود أن يعلم هؤلاء أننا نجل عيسى، ونؤمن بعيسى، ونجل مريم عليها السلام وعلى عيسى ونبينا أفضل الصلاة وأزكى السلام. قلت: وجه رسالة للمسلمين في أمريكا، قال: أقول لهم: اصبروا ولا تتعجلوا، فإنه لا يتحقق شيء أبداً بدون الصبر -ترجمة حرفية لكلام الرجل- ثم قال: أود أن أقول لهم: إن أخطأ واحد منكم فلا ينبغي أن تفزعوا ولا أن تحزنوا، فلو لم نخطئ ما احتجنا إلى الرب سبحانه وتعالى، فإننا نخطئ؛ لنتوب إلى الله عز وجل. قلت: فوجه رسالة أخيرة للمسلمين في مصر سأنقلها عنك إلى الآلاف المؤلفة من المسلمين، فقال: قل لهم: إن باعدت بيننا وبينكم آلاف الأميال فإن رحمة الله قد وسعت كل شيء، وإننا نحبكم في الله.

    انتشار المساجد في بلاد الكفر

    لقد بلغ عدد المساجد في قلعة الكفر ما يقرب من ألفي مسجد، ففي ولاية (نيويورك) وحدها مائة وخمسة وسبعون مركزاً إسلامياً ومسجداً. حتى في هذه البلاد يظهر الإسلام، ألم يقل ربنا: لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ [التوبة:33]؟! إن الإسلام دين الفطرة، وإن الإسلام قادم لا محالة، مهما وُضِعت في طرقه العقبات والسدود والعراقيل: لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [التوبة:33]، إنه وعد الله جل وعلا. وآخر الإحصائيات في فرنسا تقول: عدد المسلمين في فرنسا يزيد على خمسة ملايين مسلم، وفي بريطانيا المجرمة: عدد المسلمين فيها الآن يزيد على مليوني مسلم، وفي كل سنة يدخل الإسلام من البريطانيين ما يزيد على الألفين من أصول بريطانية. أرقام تبشر بخير، فالإسلام دين الفطرة كما ذكرنا، وهؤلاء إن سمعوا عن الإسلام وعرفوا صورته الحقيقية جاءوا مسرعين إلى دين الفطرة؛ لأنهم يعيشون حالة قلق رهيبة. ومن سافر إلى بلاد الشرق والغرب ووقف على حجم عيادات الطب النفسي، عرف حجم هذا الخطر، فإنهم كما ذكرت قبل ذلك قد أعطوا البدن كل ما يشتهيه، وبقيت الروح في أعماق أبدانهم تصرخ وتبحث عن دوائها وغذائها، ولا يعلم دواء الروح وغذاءها إلا الله، قال جل في علاه: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا [الإسراء:85]. وفي تركيا يريد العلمانيون الآن بكل قوة أن يخلعوا عنها عباءة الإسلام، يقول لي أخ تركي في هذه الزيارة الأخيرة: إن عدد المساجد في تركيا يزيد عن خمسة وستين ألف مسجد، ويقسم لي بالله أنهم في رمضان الماضي كانوا يصلون في صلاة الفجر خارج المسجد كأنهم في صلاة الجمعة، انظر إلى الطحن والضربات التي تكال على تركيا كيلاً، يريد أتباع أتاتورك الخبيث الهالك أن يجعلوها علمانية ، بعيدة عن الإسلام!! ولكنهم عاجزون، إنهم يرقصون رقصة الموت؛ لما يرون كل يوم شباباً في ريعان الصبا، وفتيات في عمر الورود، يغذون هذا المد الإسلامي الهائل، لا أقول في مصر وفي بلاد المسلمين، بل في العالم كله!!

    بشارات نبوية

    إننا والله نرى العجب العجاب! ونرى الخير الكثير!! وهذا من باب قول الله سبحانه: وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران:139]، وفي الحديث الذي رواه الإمام أحمد من حديث حذيفة بن اليمان -وهو حديث صحيح- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، فتكون فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكاً عاضاً، فتكون فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكاً جبرياً فتكون فيكم ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة). أسأل الله أن يعجل بها وأن يمتعنا بالعيش في ظلالها، وإن لم يقدر لنا ذلك، فأسأله ألا يحرم أبناءنا وأولادنا، إنه ولى ذلك والقادر عليه. وفي الحديث الذي رواه مسلم من حديث ثوبان أن الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله تعالى زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها). م اليأس؟!! ولم القنوط؟!! إن هذا التقهقر سيزيد النشيط خذلاناً، وسيزيد اليائس والقانط قنوطاً ويأساً. الرسول -في أحلك الأوقات والأزمات وهو يُطارد، وأصحابه مهاجرون- يقول لخباب بن الأرت : (والذي نفس محمد بيده لَيُتِمَّنَّ الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه). وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران:139]. واعلموا علم اليقين أن كل ابتلاء يزيد الإسلام صلابة، ويزيد المسلمين قوة، ويخرج من اندس في صفوف المؤمنين وقلبه مملوء بالنفاق، وببغض رب العالمين وسيد النبيين صلى الله عليه وسلم. إذاً: (عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، وليس ذلك إلا للمؤمن: إن اصابته سَّراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له). وجاء في الحديث الذي رواه أحمد وأبو داود والحاكم وصححه على شرط الشيخين وأقر الحاكم الذهبي ، وقال الألباني: بل هو صحيح على شرط مسلم من حديث تميم الداري أن الحبيب النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترُكُ الله بيت مَدَرٍ ولا وَبَر إلا أدخله الله هذا الدين، بعزِّ عزيز أو بذل ذليل، عزاً يعز الله به الإسلام، وذلاً يذل الله به الكفر). ومن جميل ما قاله المفكر الشهير اشبنكنز : إن للحضارات دورات فلكية، فهي تغرب هنا لتشرق هنالك، وإن حضارة أوشكت على الشروق في أروع صورة، ألا وهي حضارة الإسلام الذي يملك وحده أقوى قوة روحانية عالمية نقية. أيها الأحبة الكرام! والله ما بقي إلا أن ترتقي الأمة إلى مستوى هذا الدين، وأن تعرف الأمة قدر هذه النعمة التي امتن بها عليها رب العالمين، وحملها هذه الأمانة سيد النبيين صلى الله عليه وسلم، وهذا ما سنتعرف عليه في عنصرنا الثالث والأخير وأقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم.

    1.   

    واجب المسلمين اليوم حتى ينصرهم الله

    الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته، واقتفى أثره إلى يوم الدين. أما بعد: فيا أيها الأحبة الكرام! ذكرت لحضراتكم في أول اللقاء: أن ما وقع للأمة وقع وفق سنن ربانية لا تتبدل ولا تتغير، ولن تعود الأمة إلى عزتها وسيادتها إلا وفق هذه السنن التي لا ينفع معها تعجل الأذكياء ولا وهم الأصفياء. إذاً: محال أن ينصر الله عز وجل هذه الأمة -وأرجو أن تتقيدوا بالألفاظ- وهي خاذلة لدينه، بل لابد أن تنصر الأمة دين الله؛ لينصرها الله: وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ [الحج:40]، وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ [الروم:47]، وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا [النور:55] لابد من تحقيق هذه الشروط وهذه الضوابط، ومن ثم فإنه لابد أن نقف جميعاً على هذا المنهج العملي الواجب التنفيذ، وهذا هو عنصرنا الثالث والأخير من عناصر هذا اللقاء. على الأمة أن تعود عوداً حميداً إلى كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والعودة للقرآن والسنة ليست نافلة ولا تطوعاً ولا اختياراً، بل إنها عودة واجبة، بل إنها حدّ الإسلام وشرط الإيمان: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء:65]. إن الله لا ينصر أمة نحت شريعته، واستهزأت بسنة نبيه، وفتحت الباب على مصراعيه لأندية الليل التي حولت الليل نهاراً، وللخمر، ولبيوت الدعارة! إن الله لن ينصر أمة عزلت دين ربها وعزلت دين نبيها وانحرفت عن كتاب الله وعن سنة رسول الله.

    لنبدأ بأنفسنا

    الخطوة العملية الأولى: أن تبدأ بنفسك، وأنا أبدأ بنفسي، فلا ينبغي أن نعلق كل ما نسمع على غيرنا، فلنبدأ الآن أيها الأحباب الكرام: أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ [آل عمران:165] والله هو من عند نفسي ومن عند نفسك، لو تحركت الآلاف المؤلفة وحول كل واحد منا هذا الكلام في بيته وحياته ووظيفته إلى واقع عملي ومنهج حياة، والله لغير الله حالنا، وأنا لا أخاطب الآن هذه الألوف التي بين يدي، بل أخاطب الأمة في ملايينها المملينة عبر شريط (الكاست)، فإننا رأينا الأشرطة في الشرق والغرب بالآلاف لا بالعشرات ولا بالمئات، لذا فإننا نخاطب الأمة كلها عبر شريط (الكاست): فليرجع كل مسلم إلى الله.. إلى كتاب الله، وإلى سنة رسول الله، وليعلم كل مسلم على وجه الأرض أن شعار المنافقين هو: السمع والعصيان، وأن شعار المؤمنين هو السمع والطاعة، فاختر لنفسك، وحدد طريقك ومنهجك. هل تسمع عن الله فتقول: سمعنا وأطعنا؟ هل تسمع عن رسول الله، فتقول: سمعنا وأطعمنا؟ أم أنك تسمع وتقول: سمعنا وعصينا؟! حدد طريقك من الآن؛ لأن الأمر لا يحتاج إلى لف أو دوران، فلنصدق الله مرة، قال تعالى: إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [النور:51]. أما شعار أهل النفاق فكما قال الله تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالًا بَعِيدًا * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا [النساء:60-61]. فاختر لنفسك وحدد طريقك ومنهجك، لابد من تمايز الصف الآن، هذا الغبش الذي تحمله الأمة لن ينصرها الله به أبداً، لابد من تمايز الصف، لابد أن يظهر المنافقون لعوام المسلمين، ولابد أن يظهر المؤمنون الصادقون، لابد من التمايز. فاختر طريقك، وحدد سبيلك، وحدد غايتك، هل أنت ممتثل لأمر الله.. لأمر رسول الله؟ هل شعارك: سمعنا وأطعنا؟ أم شعارك: سمعنا وعصينا وإن لم يقلها لسانك؟! الإيمان ليس كلمة تقال باللسان فحسب، ولكن الإيمان: قول باللسان وتصديق بالجنان وعمل بالجوارح، والأركان قال الحسن : (ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي، ولكن الإيمان ما وقر في القلوب وصدقته الأعمال، فمن قال خيراً وعمل خيراً قبل منه، ومن قال خيراً وعمل شراً لم يقبل منه)، وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله تعالى لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم).

    تحقيق مبدأ الولاء والبراء

    ثانياً: إقامة الفرقان الإسلامي. هذه هي الخطوة العملية الثانية من بنود المنهج الذي يجب أن ننفذه جميعاً، وليبدأ كل منا بنفسه: إقامة الفرقان الإسلامي؛ ليستبين كل أحد سبيل المؤمنين من سبيل المجرمين، مستحيل أن ننصر الأمة ونحن في حالات من التذبذب، فترى المسلم تارة مع العلمانيين .. مع المجرمين.. مع المنافقين.. مع المبتدعين.. مع الضالين، وتراه تارة مع المسلمين.. مع الصادقين.. مع المتبعين! حالة الغبش هذه، وحالة التذبذب هذه، حالة عدم الولاء والبراء الشرعي، لن تقيم لله ديناً في أرضه، بل لابد أن توالي الله ورسوله والمؤمنين، وأن تتبرأ من الشرك بصوره، ومن جميع المشركين على وجه هذه الأرض، استغل هذه الأحداث التي تمر بها أمتنا الآن، ورب زوجك وأولادك على عقيدة الولاء والبراء. هل أحضر واحد منا أسرته في هذه الأزمة الطاحنة، وقال: يا أبنائي! تدبروا معي قول الله تعالى: وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ [البقرة:120]؟ فبين لهم عقيدة الأمريكيين وعقيدة اليهود، وأصل في قلوبهم من جديد عقيدة الولاء والبراء، والله لا يصح لك دين، والله لا يصح لك إيمان، والله لا تقبل لك صلاة إلا بالولاء والبراء. دعك من هذا التميع، أين الولاء لله ولرسوله وللمؤمنين؟! وأين البراء من الشرك كله والمشركين أينما كانوا وحيثما وجدوا؟! أتحب أعداء الحبيب وتدعي حباً له ما ذاك في الإمكان وكذا تعادي جاهداً أحبابه أين المحبة يا أخا الشيطان إن المحبة أن توافق من تحـ ب على محبته بلا نقصان فإن ادعيت له المحبة مع خلا فك ما يحب فأنت ذو بهتان وقال آخر: لو صدقت الله فيما دعوته لعاديت من بالله ويحك يكفر وواليت أهل الحق سراً وجهرة ولما تعاديهم وللكفر تنصروا فما كل من قد قال ما قلت مسلم ولكن بأشراط هنالك تذكر مباينة الكفار في كل موطن بذا جاءنا النص الصحيح المقرر وتصدع بالتوحيد بين ظهورهم وتدعوهم سراً بذلك وتجهر هذا هو الدين الحنيف والهدى وملة إبراهيم لو كنت تشعر قال جل وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [المائدة:51] قال حذيفة بن اليمان : فليخش أحدكم أن يكون يهودياً أو نصرانياً وهو لا يدري؛ لقول الله تعالى: (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ) إذاً: لابد من إقامة الفرقان الإسلامي. روى الطبري بسند صحيح: (أن النبي دعا يوماً عبد الله بن عبد الله بن أبي ابن سلول وقال له: يا عبد الله ! هل سمعت ما قال أبوك؟ قال عبد الله : وماذا قال، بأبي أنت وأمي يا رسول الله؟! قال المصطفى: يقول أبوك: لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ [المنافقون:8] فقال عبد الله المؤمن التقي: صدق -والله- أبي، فأنت الأعز وهو الأذل يا رسول الله!، والله لتسمعن ما تقر به عينك. وانطلق عبد الله، ووقف أمام أبيه، ومنع أباه من أن يدخل داره، فصرخ رأس النفاق ابن سلول : يا للخزرج! ابني يمنعني من بيتي؟! واجتمع الخزرج إلى عبد الله ، وقالوا ما الخبر؟! فقال الولد لأبيه: أأنت القائل: (لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ)؟ والله لا يؤويك ظلها -يعني: المدينة-، ولا تبيتن الليلة في بيتك إلا بإذن من الله ورسوله؛ لتعلم من الأعز ومن الأذل)! يقول الله تعالى: لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ [المجادلة:22]، لابد من التمايز أيها الشباب! لابد من إعلان الولاء بصفاء، ولابد من إعلان البراء بقوة وجرأة وشجاعة.

    رفع راية الجهاد

    ثالثاً: رفع راية الجهاد. لا عز للأمة إلا إذا رفعت راية الجهاد، ولن ترفع الأمة راية الجهاد إلا إذا عادت إلى كتاب الله وإلى سنة رسول الله، وإلا فعلى أي شيء ترفع راية الجهاد؟! لابد أن ترفع راية الجهاد؛ لتكون كلمة الله هي العليا، لا من أجل وطنية، ولا من أجل قومية، ولا من أجل حمية؛ لقول سيد البشرية: (من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا، فهو في سبيل الله).

    التطبيق العملي للإسلام

    رابعاً: لابد من أن نحول الإسلام بأخلاقه وسلوكياته إلى واقع عملي في حياتنا ومنهج حياة. أنا أكرر هذا القول دائماً: يا إخوة! كلنا شهد الإسلام بلسانه، لكن من منا شهد الإسلام بسلوكه وعمله وأخلاقه؟! إن بوناً شاسعاً بين منهجنا وواقعنا، بين ما نتعلمه وبين ما نحن عليه من أخلاق، لابد أن نُحول هذا الدين العظيم إلى واقع عملي في بيوتنا.. في مواصلاتنا.. في شوارعنا.. في وظائفنا. إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا وإن خالف القول العمل بذرت بذور النفاق في القلوب، كما قال علام الغيوب: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ [الصف:2-3]. لابد للكوادر المسلمة، التي تتعلم الإسلام في المساجد من أهل العلم المتخصصين به، أن تفهم الإسلام بشموله وكماله، ولابد أن تحول الإسلام على أرض الواقع إلى عمل يتألق سمواً وروعةً وجلالاً؛ لسمو وروعة وجلال وعظمة هذا الإسلام العظيم. أيها الأحبة الكرام! إننا لا نخاف على الإسلام؛ لأن الذي وعد بإظهاره على الدين كله هو الله الذي يقول للشيء كن فيكون، وإنما نخاف على المسلمين إن هم تركوا الإسلام وضيعوا الإسلام. نسأل الله جل وعلا أن يرد المسلمين إلى الإسلام رداً جميلاً. اللهم رد المسلمين إلى الإسلام رداً جميلاً، اللهم رد المسلمين إلى الإسلام رداً جميلاً، اللهم قيض لأمة التوحيد أمر رشد يُعز فيه أهل الطاعة، ويُذل فيه أهل المعصية، اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، اللهم أعل بفضلك كلمة الحق والدين، اللهم اشف صدور قوم مؤمنين، اللهم اشف صدور قوم مؤمنين، اللهم احفظ أهلنا في العراق، اللهم احفظ أهلنا في العراق، اللهم احفظ أهلنا في العراق، اللهم إنهم عزل فكن لهم نصيراً، اللهم إن العالم كله قد عاداهم فكن لهم معيناً، اللهم لا تخذلهم بذنوبهم يا أرحم الراحمين! اللهم لا تخذلهم بذنوبهم يا أرحم الراحمين! اللهم لا تخذلهم بذنوبهم يا أرحم الراحمين! اللهم عليك باليهود والأمريكيين، اللهم عليك باليهود والأمريكيين، اللهم أرنا فيهم يوماً كيوم عاد وثمود بقدرتك يا قوي يا عزيز! اللهم لا تُشْمِتْ بنا الأعداء، اللهم لا تُشْمِتْ بنا الأعداء، اللهم لا تُشْمِتْ بنا الأعداء، اللهم ارفع عن أمة نبيك البلاء، اللهم ارفع عن أمة نبيك البلاء، اللهم ارفع عن أمة نبيك البلاء، اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، وارفع اللهم مقتك وغضبك عنا، اللهم ارفع مقتك وغضبك عنا، اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، اللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا.. اللهم اقبلنا وتقبل منا، وتب علينا وارحمنا إنك أنت التواب الرحيم، اللهم استرنا ولا تفضحنا، وأكرمنا ولا تُهنا، وكن لنا ولا تكن علينا. اللهم اجعل مصر واحة للأمن والأمان وجميع بلاد المسلمين، اللهم اجعل مصر سخاءً رخاءً وجميع بلاد المسلمين، اللهم ارفع عن مصر الفتن ما ظهر منها وما بطن وجميع بلاد المسلمين، اللهم احفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا، ونعوذ بعظمتك أن نغتال من تحتنا، اللهم احفظنا بالإسلام قائمين، واحفظنا بالإسلام قاعدين، اللهم شرفنا بالإسلام يا رب العالمين! اللهم شرفنا بالإسلام يا رب العالمين! أحبتي الكرام! هذا وما كان من توفيق فمن الله وما كان من خطأ أو سهو أو نسيان فمني ومن الشيطان، وأعوذ بالله أن أكون جسراً تعبرون عليه إلى الجنة ويلقى به في النيران، وأعوذ بالله أن أذكركم به وأنساه. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755808580