إسلام ويب

الأخوة في اللهللشيخ : محمد حسان

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الأخوة في الله من الواجبات الضرورية خاصة في زمننا هذا؛ وذلك لقلتها -إن لم نقل: لانعدامها- حتى بين أبناء الدعوة الواحدة. وقد حث الرسول صلى الله عليه وسلم على الأخوة في سنته، وبين الطريق الموصل إليها، وإن للأخوة حقوقاً يجب معرفتها والعمل بها.

    1.   

    حقيقة الأخوة في الله

    إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، أدَّى الأمانةَ، وبَلَّغَ الرسالةَ، ونَصَحَ للأمة؛ فكشف الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، فاللهم اجزه عنا خير ما جازيت نبياً عن أمته، ورسولاً عن دعوته ورسالته، وصل اللهم وسلم وزد وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه، واستن بسنته، واقتفى أثره إلى يوم الدين. أما بعد: فحياكم الله جميعاً أيها الإخوة الفضلاء! وطبتم جميعاً وطاب ممشاكم، وتبوأتم جميعاً من الجنة منزلاً. وأسأل الله العظيم الكريم جل وعلا الذي جمعنا في هذا البيت المبارك على طاعته، أن يجمعنا في الآخرة مع سيد الدعاة المصطفى صلى الله عليه وسلم في جنته ودار كرامته؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه. أحبتي في الله! إننا على موعد مع محاضرة عامة هامة ومهمة، وهي بعنوان: الأخوة في الله، وسوف ينتظم حديثنا تحت هذا العنوان في العناصر التالية: أولاً: حقيقة الأخوة في الله. ثانياً: حقوق الأخوة. ثالثاً: الطريق إلى الأخوة. فأعيروني القلوب والأسماع، والله أسأل أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب. أحبتي في الله! لقد أصبحت الأمة الآن كما ترون غثاءً من النفايات البشرية، وتعيش على ضفاف مجرى الحياة الإنسانية كدويلات متمزقة متناثرة متصارعة متحاربة، تفصل بينها حدود جغرافية مصطنعة، ونعرات قومية جاهلية بغيضة، وترفرف على سماء الأمة رايات القومية والوطنية، وتحكم الأمة قوانين الغرب العلمانية، وتدور بالأمة الدوامات السياسية، فلا تملك الأمة نفسها عن الدوران، بل ولا تختار لنفسها حتى المكان الذي تدور فيه! لقد تمزق شمل الأمة، وتشتت صفها، وطمع في الأمة الضعيف قبل القوي، والذليل قبل العزيز، والقاصي قبل الداني، وأصبحت الأمة قصعة مستباحة لأحقر وأخزى وأذل أمم الأرض من إخوان القردة والخنازير. والسبب الرئيسي: أن العالم الآن لا يحترم إلا الأقوياء،والأمة أصبحت ضعيفة؛ لأن الفرقة سبب من أسباب الضعف والخذلان والضياع، والقوة ثمرة طبيعية من ثمار الألفة والوحدة والمحبة، فما ضعفت الأمة بهذه الصورة المهينة إلا يوم أن غاب عنها أصل وحدتها وقوتها وألفتها وحبها، ألا وهو: الأخوة في الله بالمعنى الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ إن الأخوة في الله لا يمكن أبداً أن تتحقق إلا على عقيدة التوحيد بصفائها وشمولها، ومحال أن تتحقق أخوة بمعناها الحقيقي إلا على عقيدة صافية بشمولها وكمالها، كما حولت هذه الأخوة الجماعة المسلمة الأولى من رعاة للغنم إلى سادة وقادة لجميع الدول والأمم، يوم أن تحولت هذه الأخوة التي بنيت على العقيدة بشمولها وكمالها إلى واقع عملي ومنهج حياة، وقد تجلى هذا الواقع المشرق يوم أن آخى النبي صلى الله عليه وسلم ابتداءً بين الموحدين في مكة، وهذه هي المرحلة الأولى من مراحل الإخاء، فقد آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين أهل التوحيد في مكة وبين الذين اختلفت ألوانهم وأوطانهم وألسنتهم وأشكالهم، آخى بين حمزة القرشي ، وسلمان الفارسي ، وبلال الحبشي ، وصهيب الرومي ، وأبي ذر الغفاري ، وكان هؤلاء على اختلاف ألوانهم وأوطانهم -بعد أن آخى بينهم رسول الله- يهتفون بهذه الأنشودة العذبة الحلوة: أبي الإسلام لا أبَ لي سِوَاهُ إذا افتخروا بقيسٍ أو تميمِ وبعد أن تصافحت القلوب مع القلوب، وامتزجت الأرواح بالأرواح، ذهبوا يرددون جميعاً قول الله سبحانه: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الحجرات:10]. ثم آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين أهل المدينة من الأوس والخزرج بعد حروب بينهم دامية طويلة، وبعد صراع مرير دمر الأخضر واليابس!! ثم آخى رسول الله بين أهل مكة من المهاجرين وبين أهل المدينة من الأنصار، في مهرجان حُبٍّ لم ولن تعرف البشرية له مثيلاً.. في مهرجان حب تصافحت فيه القلوب.. في مهرجان حب امتزجت فيه الأرواح! وتأمل هذا المشهد الرائع الذي رواه البخاري ومسلم من حديث عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال: (آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بيني وبين سعد بن الربيع، فقال سعد لأخيه عبد الرحمن الذي جاء إلى المدينة من مكة مهاجراً: يا عبد الرحمن! إنني أكثر الأنصار مالاً، وسأقسم مالي بيني وبينك شطرين، ولي زوجتان فانظر أعجبهما إليك لأطلقها، فإذا انقضت عدتها تزوجتها، فقال عبد الرحمن بن عوف: بارك الله لك في أهلك ومالك! بل دلني على السوق، فدله سعد بن الربيع على سوق بني قينقاع، فانطلق عبد الرحمن بن عوف ليتاجر ويبيع ويشتري، فما لبث أن عاد ومعه فضل من أقط وسمن، ثم جاء النبي صلى الله عليه وسلم يوماً وعليه صفرة، فقال له المصطفى: مهيم؟ -أي: ما الذي بك يا عبد الرحمن؟!- فقال عبد الرحمن: تزوجت امرأة من الأنصار يا رسول الله! فقال المصطفى: فما سقت إليها؟ -أي: من صداق- فقال عبد الرحمن : سقت لها مقدار نواة من ذهب، فقال له المصطفى: أولم ولو بشاة). وقد يتحسر الآن كل الإخوة على زمن سعد بن الربيع ويقولون: أين سعد بن الربيع الذي يشاطر أخاه في ماله، بل وفي زوجتيه؟ والجواب: ضاع زمن سعد بن الربيع وذهب يوم أن ذهب عبد الرحمن بن عوف. فلئن سألت: من الذي يعطي الآن عطاء سعد؟ فسأجيبك وأقول: وأين من يتعفف الآن عفة عبد الرحمن بن عوف؟!! لقد ذهب رجل إلى أحد السلف فقال: أين الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً؟ فقال له: ذهبوا مع من لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا. فلا تسل: أين سعد ؟ بل سل قبلها: أين عبد الرحمن؟ وأين أهل العفة؟ وأين أهل الحياء؟ وأين أهل الفضل؟ وهذا مشهد من مشاهد الإخاء، والله! لولا أن الحديث في أعلى درجات الصحة لقلت: إن هذا المشهد من مشاهد الرؤى الحالمة الوديعة الرقراقة الرقيقة! هذه هي الأخوة الصادقة، هذه هي حقيقتها، تلكم الأخوة التي لا يمكن أبداً على الإطلاق أن تدانيها أخوة بنيت على أواصر الوطن أو العرق أو النسب أو الدم أو اللون؛ لأن الأخوة في الله لا تنبني إلا على أواصر العقيدة، وأواصر الإيمان، وأواصر الحب في الله، تلكم الأواصر التي لا تنفك عراها أبداً. والأخوة في الله نعمة من الله وفيض منه، يغدقها الله على المؤمنين الصادقين. والأخوة في الله شراب طهور يسقيه الله المؤمنين الأصفياء الأتقياء؛ ولذا فإن الأخوة في الله قرينة الإيمان، فلا تنفك الأخوة عن الإيمان، ولا ينفك الإيمان عن الأخوة، فإن وجدت أخوة من غير إيمان فاعلم بأنها التقاء مصالح وتبادل منافع، وإن رأيت إيماناً بدون أخوة صادقة فاعلم بأنه إيمان ناقص، يحتاج صاحبه إلى دواء وإلى علاج؛ ولذا جمع الله بين الإيمان والأخوة في آية جامعة فقال سبحانه: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات:10]. فالمؤمنون جميعاً كأنهم روح واحد حل في أجسام متعددة، كأنهم أغصان متشابكة تنبثق كلها من دوحة واحدة، أين هذه المعاني الآن؟!! لو تحدثت الآن عن مشهد كهذا الذي ذكرت، ربما استغرب بعض أهل الإسلام هذه الكلمات، وظنوها من الخيالات والأوهام؛ لأن حقيقة الأخوة قد ضاعت الآن بين المسلمين، وإن واقع المسلمين اليوم ليؤكد الآن تأكيداً جازماً لا لبس فيه انعدام حقيقة الأخوة، فلم تعد الأخوة إلا مجرد كلمات جوفاء باهتة باردة، فأنت تنظر إلى المسلم الآن ينظر إلى إخوانه هنا وهناك يذبحون ذبح الخراف، وتقطع أثدية نسائهم، وتنتهك أعراضهن، بل ويطردون من أرضهم وديارهم وبلادهم، ومع ذلك ينظر المسلم إلى هؤلاء الإخوة فيضحك بملء فيه، ويأكل ملء بطنه، وينام ملء عينه، ويهز كتفيه ويمضي وكأن الأمر لا يعنيه لا من قريب ولا من بعيد!! الأخوة الموصولة بحبل الله نعمة امتن بها ربنا جل وعلا على المسلمين الأوائل، قال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [آل عمران:102-103]. فالأخوة في الله نعمة امتن الله عز وجل بها على المسلمين، فمستحيل أن تجد قانوناً وضعياً على ظهر الأرض يؤلف بين القلوب، قال عزوجل: لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ [الأنفال:63]، ومحال أن ترى قانوناً وضعياً بشرياً يؤلف بين قلوب أهله وأصحابه، فهذه نعمة لا يمنحها الله عز وجل إلا لأهل الإيمان، فإن رأيت محبة بين غير أهل الإيمان فاعلم بأن قلوب هؤلاء متناثرة متشتتة، كما قال تعالى: تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى [الحشر:14]، أما التقاء القلوب بصدق وصفاء فلا يكون إلا لمن ملأ الله قلوبهم بالإيمان.

    1.   

    حقوق الأخوة

    أشهد الله أنني كنت أعد هذه المحاضرة وأنا أشعر بخجل؛ لتقصيري ابتداء في حق الأخوة، ويتردد الآن في أذني قول الشاعر: وغير تقي يأمر الناس بالتقى طبيب يداوي الناس والطبيب عليل فأنا لا أتكلم عن الأخوة وحقوقها من منطلق شعوري أنا بالأهلية، وإنما من منطلق شعوري بالمسئولية، وهذا ما تؤصله القاعدة الأصولية: (من عدم الماء تيمم بالتراب)، والله أسأل أن يغفر ذنوبنا، وأن يستر عيوبنا، وأن يجبر كسرنا، وأن يفرج همنا، وألا يجعل حظنا من ديننا قولنا، وأن يحسن نياتنا وأعمالنا، إنه على كل شيء قدير. أرجو أن تهتموا جيداً بهذه المحاضرة، فما أحوج الأمة بصفة عامة، وما أحوج الإخوة الذين يعملون الآن للإسلام بصفة خاصة لمثل هذه المحاضرة في هذه الأيام؛ إن الأمة الآن متشرذمة متهالكة مشتتة ممزقة، ولن تقوم لها قائمة ولن يكون لها كيان إلا إذا اتحد صفها، والتقى شملها، وتجمع أبناؤها، ولن يجمع هذا الشتات المتناثر إلا الأخوة الصادقة في الله، أسأل الله أن يجعلنا من الصادقين.

    من حقوق الأخوة الحب في الله والبغض في الله

    الحق الأول من حقوق الأخوة في الله: الحب في الله والبغض في الله. محال أن تتحقق أخوة صادقة من غير حب في الله وبغض في الله، فالحب في الله والبغض في الله أوثق عرى الإيمان، كما في الحديث الذي رواه أبو داود والضياء المقدسي ، وصححه الشيخ الألباني من حديث أبي أمامة أنه صلى الله عليه وسلم قال: (من أحبَّ لله وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله، فقد استكمل الإيمان) فهل تحبني لله؟ وهل أنا أحبك لله؟ وهل تحب أخاك لله؟ وهل تبغض أخاك لله؟ وهل تعطي أخاك لله؟ وهل تمنع فلاناً لله؟ سل نفسك الآن بصدق؛ فإن عقد الولاء والبراء الآن ليس لله إلا من رحم الله، وإنما من أجل رايات ومسميات وجماعات، فأنا أحب أخاً ينتمي لجماعتي، ويجلس معي بين يدي شيخي الذي أتتلمذ على يديه، وأتلقى العلم عنه، أما هذا الأخ الصادق المتبع المخلص الناصح الأمين فأنا أبغضه، فهو لا يفهم ولا يعي ولا يدرك عن الواقع شيئاً، وهو رجل جهول، ولا حديث له إلا في الحيض، ولا يتكلم إلا في النفاس، ولا يجيد الحديث إلا في الرقائق، ولا يحسن القول إلا فيما يبكي الناس، فأنا أبغضه؛ لأنه لا ينتمي إلى جماعتي!! هذه مصيبة تحطم القلب. فهذا نتنياهو يصفع الأمة بالنعال على الأقفية، ولا زال إخواننا الذين يعملون للدين، والذين يرفعون راية الإسلام، يوالون ويعادون على مسميات ما تعبدنا الله بها، وما أنزل الله بها من سلطان!! فهل تحب لله؟ وهل تبغض لله؟ وهل تعطي لله؟ وهل تمنع لله؟ ولماذا أتيت؟ ولماذا لم تأت؟ ولماذا تكلمت؟ ولماذا صمت؟ ولماذا أعطيت؟ ولماذا منعت؟ ولماذا ابتسمت؟ ولماذا غضبت؟ ولماذا أحببت؟ ولماذا واليت؟ ولماذا عاديت؟ سل نفسك الآن أيها المسلم! هل عملك لله؟ واصدق الله، فلو خادعت الخلق فلن تخادع الذي يعلم منك السر وأخفى، فمن أحب لله، وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله، فقد استكمل الإيمان. وتدبروا هذه الطائفة النبوية الشريفة من الأحاديث الصحيحة: في الصحيحين من حديث أنس ، أنه صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يُلقى في النار) أولها: وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، فإذا كانت هذه فيك تذوقت حلاوة الإيمان؛ فإن للإيمان طعماً وحلاوة. وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله) وأرجو ألا تسمع هذا الحديث وتجعله كلاماً عابراً، فإن هذا يكاد أن يمزق القلب، فإني أرى بعض الإخوة يستمعون، وكأن الكلام لا يصل إلى القلوب البتة! يقول صلى الله عليه وسلم: (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله)، فهل فكرت في هذه العبارة النبوية؟! يوم القيامة ستدنو الشمس من الرءوس، فلا عمارات ولا أشجار ولا بيوت ولا مكيفات، فالشمس فوق الرءوس، والرءوس تلتهب من حرارتها، والزحام يكاد وحده أن يخطف الأنفاس، والبشرية كلها من لدن آدم إلى آخر رجل قامت عليه الساعة واقفة في أرض واحدة، وجهنم تزفر وتزمجر، (قد أتي بها لها سبعون ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها) كما روى مسلم من حديث ابن مسعود، وفي ظل هذه المشاهد التي تخلع القلب ينادي الله جل وعلا على سبعة أصناف من البشرية في أرض المحشر؛ ليظلهم في ظله يوم لا ظل إلا ظله، وهؤلاء هم: (إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجلان تحابا في الله، اجتمعا عليه، وتفرقا عليه -من منا يعجز عن هذه؟- ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه -أي: اجتمعا على الحب في الله، وتفرقا على الحب في الله- ورجل دعته امرأة ذات منصبٍ وجمال -أي: للزنا- فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه). اللهم ارزقنا عيناً دامعة، وقلباً خاشعاً، وعملاً متقبلاً يا رب العالمين! والشاهد هنا قوله: (ورجلان تحابا في الله، اجتمعا عليه، وتفرقا عليه). وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن رجلاً زار أخاً له في قرية، فأرصد الله له على مدرجته ملكاً، فلما أتى الملك قال له الملك: أين تريد؟ قال له: إلى أخ لي في هذه القرية، فقال له الملك: فهل لك من نعمة تربها عليه -أي: تبتغي زيادتها- قال: لا؛ غير أني أحببته في الله، فقال له الملك: فإني رسول الله إليك أخبرك بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه)، وأرجو ألا تمر أخي المسلم! على هذه الكلمات النبوية مرور الكرام، بل قف عليها متأملاً متدبراً، فمن أنت ليخبرك الملك بأن الله قد أحبك كما أحببت أخاك فيه؟! وفي الحديث الذي رواه أبو داود في سننه، والحاكم في المستدرك، وصححه على شرط الشيخين، ورواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح، ورواه مالك في الموطأ بسند صحيح، أن أبا إدريس الخولاني رحمه الله قال: (أتيت مسجد دمشق فإذا فتىً براق الثنايا، والناس من حوله، وإذا اختلفوا في شيء أسندوه إليه، وصدروا عن رأيه -أي: أنه شاب صغير في حلقة من الناس فيهم الكبار والصغار، ولكنهم إذا اختلفوا في شيء سألوا هذا الشاب المبارك، فإذا ما أفتاهم أخذوا بقوله وفتواه- فقال أبو إدريس : من هذا؟ فقالوا: إنه معاذ بن جبل رضي الله عنه، قال أبو إدريس : فلما كان من الغد هجّرت إلى المسجد -أي: بكرت إلى المسجد- فوجدت معاذاً قد هجر وسبقني، ووجدته يصلي، فانتظرت حتى قضى صلاته، فجئته من قبل وجهه فسلمت عليه، ثم قلت: والله! إني لأحبك، فقال معاذ: آلله؟ فقال أبو إدريس: آلله. فقال معاذ: آلله؟ فقال أبو إدريس: آلله. قال أبو إدريس: فأخذ بحبوة ردائي فجبذني إليه وقال لي: أبشر؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (وجبت محبتي للمتحابين في، والمتجالسين في، والمتزاورين في، والمتباذلين في). وفي الحديث الذي رواه البخاري ومسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال: (والذي نفسي بيده! لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟! قالوا: بلى، يا رسول الله! قال: أفشوا السلام بينكم) فسلم على أخيك بصدق وحرارة، ولا تسلم سلاماً باهتاً بارداً، ووجهك في الاتجاه الآخر، خذ على يد أخيك بحب، فإنك قد ترى الأخ يأخذ بيد أخيه بطرف أصابعه، ويلوي عنقه إلى ناحية أخرى، ولا تشعر بحرارة اللقاء، ولا بإخلاص المصافحة، ولا تشعر بأن القلب قد صافح القلب، ولا تحس بأن الروح قد سلمت وامتزجت بالروح، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول -كما في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة-: (الناس معادن كمعادن الذهب والفضة، فخيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا، والأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف)، قال الخطابي : فالخيِّر يحن إلى الأخيار، والشرير يحن إلى الأشرار، وهذا هو معنى: (ما تعارف من الأرواح ائتلف، وما تناكر من الأرواح اختلف) ولذا لا يحب المؤمن إلا من هو على شاكلته من أهل الإيمان، ولا يبغض المؤمن إلا منافق خبيث القلب، قال عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا [مريم:96] أي: محبة في قلوب عباده المؤمنين، اللهم اجعل المحبة والود لنا في قلوب عبادك المؤمنين برحمتك يا أرحم الراحمين! وهذه -أخي الحبيب- لا ينالها مؤمن على ظهر الأرض إلا بإذن الله، يعني: لا يضع الله محبتك في قلوب المؤمنين الصادقين إلا إذا أحبك ابتداءً، في الصحيحين من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أحب الله عبداً نادى جبريل فقال: يا جبريل ! إنى أحب فلاناً فأحبه، فيحبه جبريل، ثم ينادي جبريل في أهل السماء: يا أهل السماء! إن الله يحب فلاناً فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض -اللهم اجعلنا من هؤلاء الصادقين، برحمتك يا أرحم الراحمين! وإذا أبغض الله عبداً نادى جبريل: إني أبغض فلاناً فأبغضه، فيبغضه جبريل، وينادي جبريل في أهل السماء: يا أهل السماء! إن الله يبغض فلاناً فأبغضوه، فيبغضه أهل السماء، ثم توضع له البغضاء في الأرض) اللهم سلم سلم يا أرحم الراحمين! اللهم عاملنا بفضلك ورحمتك، واستر ذنوبنا وعيوبنا بفضلك وكرمك يا أرحم الراحمين! إذاً: أيها الأحبة الكرام! الخيِّر لا يميل إلا إلى الأخيار، ولذا لو سافر إنسان حتى إلى بلاد الكفر وكان مؤمناً صادقاً فإن أول ما سيسأل عنه: المسجد أو المركز الإسلامي في هذه الولاية، وسرعان ما يسرع إليه فتلتقي روحه بأرواح إخوانه، أما الخبيث الذي ذهب للفسق والعربدة فإنه بمجرد أن يصل فسيسأل عن الخمارة، وعن أماكن الدعارة، اللهم استرنا ولا تفضحنا، فالخيِّر يحن إلى الأخيار، والخبيث يحن إلى الخبثاء الأشرار. وهناك أحاديث كثيرة في الحب في الله، ولا زلنا مع الحق الأول فقط من حقوق الأخوة الصادقة في الله جل وعلا، لكن أرجو أن ينتبه الإخوة إلى أن المرء لن يحشر يوم القيامة إلا مع من أحب، ففتش عن قلبك الآن، فهل أنت تحب الممثلين والممثلات؟ فإن كنت كذلك فستحشر معهم، وهل تحب الساقطين والساقطات، واللاعبين واللاعبات؟ إن كنت كذلك فستحشر معهم، أم هل أنت تحب الأطهار والأخيار والأبرار ابتداءً بنبيك المختار وصحابته الأبرار؟ إن كنت كذلك فستحشر معهم، في الصحيحين من حديث

    من حقوق الأخوة طهارة القلب من الغل والحقد والحسد

    الحق الثاني من حق الأخ على أخيه: ألا يحمل الأخ على أخيه غلاً في صدره ولا حقداً ولا حسداً؛ لأن المؤمن سليم الصدر، طاهر النفس، زكي النفس، تقي القلب، نقي القلب. المؤمن ينام على فراشه من الليل وهو يشهد الله في عليائه أنه لا يحمل ذرة غل أو حقد أو حسد على مسلم على وجه الأرض، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول -كما في الصحيحين من حديث أنس-: (لا تباغضوا، ولا تقاطعوا، ولا تدابروا، ولا تحاسدوا، وكونوا -عباد الله- إخواناً). فالحقد والحسد من أخطر أمراض القلوب والعياذ بالله! فقد يرى الأخ أخاه في نعمة فيحقد عليه ويحسده، ونسي هذا الجاهل أنه ابتداءً لم يرض عن الله الذي قسم الأرزاق، فمن الذي وهب؟ إنه الله، ومن الذي أعطى هذا العلم، وأعطى هذا المال، وأعطى هذه الزوجة الصالحة، وأعطى هذا الولد الطيب، وأعطى هذا الحلم، وأعطى هذا الفضل؟ إنها أرزاق قسمها الرزاق، فالذي يحسد إخوانه هو في حقيقة الأمر معترض على الله جل جلاله، فليتق الله، وليتب إلى الله، وليعد إلى الله سبحانه، وليسأل الله الذي وهب هذا أن يعطيه من فضله وعظيم عطائه، كما أعطى إخوانه من عظيم فضله وواسع عطائه. والحسد من خصال اليهود، فكل منا ينقب الليلة في قلبه، ابحث في قلبك يا من تستمع إلي الآن! ويا من تستمع إلي بعد ذلك عبر شريط الكاسيت! فأنا لا أخاطبكم أنتم فقط، بل أخاطب ملايين الأمة ممن يسمعون هذا الشريط، فكل ينقب في قلبه، هل خلا قلبك من الحقد؟ وهل طهر قلبك من الغل؟ وهل طهر قلبك من الحسد؟ هل رددت هذا الدعاء مع هؤلاء الصادقين: وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ ءَامَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [الحشر:10]؟ فردد هذا الدعاء مع هؤلاء بصفاء، وصدق، وعمل، قال الله: وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [الحشر:9-10]. فلماذا الحقد والحسد، وصاحب الفضل هو الله، والذي يقسم الأرزاق بعدله هو الله؟ هل تشك في عدل الله؟ سل الله الذي أعطى إخوانك أن يعطيك من فضله، وهو الواسع العليم. روى أحمد في مسنده بسند جيد من حديث أنس قال: (كنا جلوساً عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة، فخرج علينا رجل تقطر لحيته من أثر الوضوء، وقد أخذ نعليه بشماله، فدخل فصلى وسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وانصرف، وفي اليوم التالي قال النبي صلى الله عليه وسلم: يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة، فدخل الرجل نفسه، وفي اليوم الثالث قال النبي كذلك، فانطلق وراءه عبد الله بن عمرو رضي الله عنه، وقال: يا أخي! لقد تلاحيت مع أبي -أي: تشاجرت مع أبي- وأقسمت ألا أبيت في داره ثلاث ليال، فإن رأيت أن أبيت هذه الليالي معك فعلت، قال: نعم أفعل -فبات عبد الله بن عمرو معه؛ ليراقب هذا الرجل في عمله فيقتدي به؛ ليكون من أهل الجنة، كما قال الله عز وجل: وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ [المطففين:26] فهم كانوا يتسابقون في الخيرات لا في كشف العورات، ولا في هتك العورات. قال:- فكان عبد الله بن عمرو يراقب الرجل، فلم ير كثير عمل، ولم ير الرجل يقوم من الليل، إلا أنه إذا استيقظ من نومه ذكر الله ونام، حتى إذا حان وقت صلاة الفجر قام فصلى الفجر -يحافظ على الصلاة في بيت الله خلف رسول الله- ولا يتكلم إلا بخير، فلما انقضت الليالي قال له ابن عمرو: يا أخي! والله! ما تلاحيت مع أبي، ولكن رسول الله قال كذا وكذا، وأنا أتيت لكذا وكذا فلم أر شيئاً، فقال الرجل: هو ما رأيت، فلما انصرف نادى عليه وقال: هو ما رأيت إلا أنني أبيت ولا أحمل لأحد من المسلمين في قلبي غشاً ولا حقداً ولا حسداً، فقال عبد الله بن عمرو : هذه هي التي بلغت بك) إنها سلامة الصدر للمسلمين؛ ولذا -يا أخي- أنا بشر وأنت بشر، فلا تعكر صفاء قلبي لإخواني بكلمات من عندك، ولا تعكر حب أخيك لأخ من إخوانه بنميمة خبيثة بحجة أنك تنصحه! الرسول صلى الله عليه وسلم -وهو صاحب أسلم صدر على وجه الأرض، وصاحب أطهر قلب- كان يأمر أصحابه ألا يخبروه بشيء عن أصحابه؛ حتى يخرج إليهم وهو يحمل للجميع صدراً سليماً، وقلباً طاهراً نقياً، إنها أخلاقيات لا توجد الآن إلا بين القلة القليلة من الموحدين الذين عرفوا قدر الأخوة الصادقة في الله.

    من حقوق الأخوة التورع في القول

    الحق الثالث: من حق أخيك عليك -إن لم تستطع أن تنفعه بمالك- أن تكف عنه لسانك، وهذا التورع في القول أضعف الإيمان، فإن ترك الألسنة تُلقي التهم جزافاً دون بينة أو دليل يترك المجال فسيحاً لكل من شاء أن يقول ما شاء في أي وقت شاء، فتصبح الجماعة وتمسي وأعراضها منتهكة، وسمعتها ملوثة، وإذا كل فرد فيها متهم أو مهدد بالاتهام، وهذه حالة من القلق والشك والريبة لا يمكن أن تطاق بحال من الأحوال، فكيف يعيش مسلم في هذه البيئة؟! يخرج وهو متهم أو خائف من أن يتهم؛ لأنه يرى إخوانه يراقبونه ويرصدونه، وهم له على كل كلمة وعلى كل سلوك بالمرصاد! فمن كان كذلك فهو يعيش في حالة قلق واضطراب. فتورع في القول عن إخوانك، فإن اللسان من أخطر جوارح هذا الجسم، قال الله جل وعلا: مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق:18]. وقال الله جل وعلا: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النور:19]. وقال الله جل وعلا: إنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ [النور:23-25]. فتورع عن إخوانك، وأمسك عليك لسانك، وتورع عن العلماء، وتورع عن الخوض في أعراض كواكب الأمة ومصابيح الدجى وأئمة الهدى، تورع عن الخوض في أعراض الشيوخ، وعن الخوض في أعراض الإخوة والأخوات، واتق الله، فوالله! ما من كلمة إلا وهي مسطرة عليك في كتاب عند ربي، لا يضل ربي ولا ينسى. في الصحيحين من حديث أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت). وفي الصحيحين من حديث أبي موسى : (أنه قال: يا رسول الله! أي المسلمين أفضل؟ قال: من سلم المسلمون من لسانه ويده). وفي الصحيحين من حديث أبى هريرة -واللفظ للبخاري- أنه صلى الله عليه وسلم قال: (إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالاً يرفعه الله بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم) والعياذ بالله! وفي الحديث الصحيح الذي رواه أبو داود والحاكم وأحمد ، وصححه الألباني من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: : (الربا اثنان وسبعون باباً: أدناها مثل إتيان الرجل أمه، وإن أربى الربا استطالة الرجل في عِرْضِ أخيه). فاستطالتك في عرض أخيك أبشع من الربا، بل أربى الربا استطالة الرجل في عرض أخيه. وأختم هذه الطائفة النبوية الكريمة بهذا الحديث الذي يكاد يخلع القلب، والحديث رواه الطبراني ، وقال عنه شيخنا الألباني في السلسلة الصحيحة: حديث صحيح بمجموع طرقه، وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (من قال في مؤمن ما ليس فيه أسكنه الله ردغة الخبال، قيل: ما ردغة الخبال؟ قال: عصارة أهل النار، حتى يخرج مما قال وليس بخارج). ووالله! لو كنا نحمل في قلوبنا ذرة إيمان، ونسمع حديثاً من هذه الأحاديث؛ لألجم الإنسان منا لسانه بألف لجام قبل أن يتكلم بكلمة، ولكنه لا أقول: إنه ضعف إيمان، بل إنا لله وإنا إليه راجعون.

    من حقوق الأخوة قضاء حوائج الدنيا على قدر الاستطاعة

    الحق الرابع: من حق الأخ على أخيه إن استطاع أن يعينه في أمر من أمور الدنيا ألا يبخل عليه، ويجب على الأخ أن يحسن الظن بأخيه إن طلب منه أمراً من أمور الدنيا، وعجز عن أن يساعده فيه، فلا يتهمه أنه فرط وضيع؛ لأن هذه هي حياة الأُخوة، فقد أكلفك بأمر وأنت تتمنى من كل قلبك أن تقضيه لي، ذهبت إلى موطن عملك ومنصبك فعجزت عن أن تؤدي لي هذه الخدمة، فهل أبغضك وأهجرك؟! لا، فليس هذا هو حسن الظن بالإخوة، فالتمس لأخيك الأعذار، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول -كما في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة-: (من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه). فيا أخي المسئول! يا من منّ الله عليك بمنصب! ويا من منّ الله عليك بمال! ويا من منّ الله عليك بوجاهة أو جاه، إن استطعت أن تنفع إخوانك فافعل ولا تبخل. وبالمقابل يجب على الإخوة ألا يكلفوا إخوانهم ما لا يطيقون، فإن كلفوهم فعجزوا فليعذروهم، وما أجمل أن يقول الأخ لأخيه: أخي في الله! أسأل الله أن يجعلك مفتاح خير، وهذه حاجتي إليك، فإن قضيتها حمدت الله وشكرتك، وإن لم تقضها حمدت الله وعذرتك؛ هذه هي الأخوة! فعليك أن تعين إخوانك على حوائجهم الدنيوية على قدر استطاعتك؛ فإن الله جل وعلا يقول: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286] وأنا لا أظن البتة أن مسلماً يستطيع أن ينفع إخوانه يسمع هذا الحديث الواحد فقط ويتخلى بعد ذلك عن أن ينفعهم ولو بكلمة طيبة، ولو بشفاعة مخلصة؛ فإن المحروم من حرمه الله من هذا الفضل، أسأل الله ألا يحرمنا وإياكم من فضله.

    من حقوق الأخوة النصيحة بضوابطها وشروطها

    الحق الخامس من حقوق الأخوة: التناصح، فالمؤمنون نصحة، والمنافقون والمجرمون غششة. في صحيح مسلم من حديث أبي رقية تميم الداري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الدين النصيحة. قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم). لكن أتمنى من الله أن يعي إخواني الضوابط الشرعية للنصيحة. قال الشافعي: (من نصح أخاه بين الناس فقد شانه، ومن نصح أخاه فيما بينه وبينه فقد ستره وزانه). فقد يأتي أخ لينصحك فتشم من رائحته الحقد والغل، ولا تشعر أبداً بحب. وأما الناصح الصادق فهو رقيق القلب مخلص، نقي السريرة؛ يحب لأخيه ما يحب لنفسه، فإن رأى أخاه في عيب أو على معصية أو خطأ دنا منه، وتمنى أن لو ستره بجوارحه لا بملابسه، ثم قال له: حبيبي في الله! هذه نصيحتي لك يكللها الحب والصدق والإخلاص والغيرة، فأنا لا أحب أن يظهر خطؤك للآخرين، وليبين له النصيحة بأدب ورحمة وتواضع؛ أما أن يأتي أخ لينصحك أو أن يرسل إليك رسالة بحجة أنها نصيحة، فترى التوبيخ والتقريع وسوء الأدب، فهذا المسكين يظن نفسه أنه ناصح أمين، وهو خبيث القلب لم ينصح، بل كتب ليؤذي أخاه، أو تكلم ليؤذي أخاه، بل ليتهم أخاه، بل -والله!- إنه قد يسطر بعض التهم دون بينة أو دليل، ويزعم أنه نصح فلاناً من الناس، وهو كذاب؛ فالنصيحة لها آداب، ولها ضوابط، ولها شروط، فلتشعر أخاك وأنت تنصحه بحبك وبتواضعك وبخفضك لجناح الذل له. قال عز وجل: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ [الفتح:29]، جلس رجل في مجلس عبد الله بن المبارك الإمام المجاهد التقي العابد الورع، فاغتاب أحد المسلمين، فقال له عبد الله بن المبارك : (يا أخي! هل غزوت الروم؟! قال: لا. قال: هل غزوت فارس؟! قال: لا. فقال عبد الله بن المبارك : سلم منك الروم، وسلم منك الفرس، ولم يسلم منك أخوك!!) يا لها من مصيبة، ويا له من عار، نجلس ونتفنن ونتحذلق في تصيد أخطاء بعضنا البعض، ويجلس الأخ منتفخاً منتشياً يتكلم عن أخيه وكأنه يتكلم عن مشرك، وكأنه لا يتكلم عن أخ يربط بينه وبينه رباط الإسلام ورباط الحب في الله، بل يتمنى أن لو ذبح أخاه ونشر لحمه بين الناس، فأين الأخوة؟! والله! إن القلب ليتمزق، وهذا الذي أحكي عنه موجود بين الإخوة الذين يعملون على الساحة للإسلام، فما ظنكم بما يحدث بين بقية المسلمين؟! والله! إننا لا نستحق تمكيناً، والله! إننا لا نستحق نصراً، والله! إننا لا نستحق رفعة ولا عزة؛ إن لله سنناً ربانية في الكون، لا تحابي هذه السنن أحداً من الخلق بحال مهما ادعى لنفسه من مقومات المحاباة. اليهود في العالم كله يشعر بعضهم ببعض، ويأتي أصحاب الأموال من قلب نيويورك ليقيموا المستوطنات لإخوانهم في القدس، ويذهب بعض أثرياء العرب إلى الشرق والغرب لينفق على عاهرة في ليلة ما يزيد على عشرة آلاف دولار! إن لله سنناً ربانية في الكون، لا تحابي هذه السنن أحداً من الخلق بحال، مهما ادعى لنفسه من مقومات المحاباة، قال تعالى: وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ [الحج:40]. فمن الحقوق التي يجب علينا أن نعيدها في حياتنا إلى واقع عملي بضوابطها الشرعية: التناصح، فعليك أن تنصح أخاك بأدب وتواضع وحكمة ورحمة! وأشدد عليكم يا طلاب العلم! إذا كانت النصيحة لشيخ من شيوخكم أو لعالم من علمائكم فإياك أن تنسى قدرك، وإياك أن تغض الطرف عن فضل شيخك، فليس هذا من الأدب، ووالله! لا بركة في علمك ولا فيما تعلمت إن كنت ممن يسيء الأدب لمن علمك عن الله وعن رسول الله. كنت أجلس ذات يوم مع شيخي الفاضل محمد بن حسين بن يعقوب، وكان يرد على سؤال لطالب من طلابنا، وكان السؤال بسوء أدب، وكأن الشيخ ما علَّم هذا السائل شيئاً عن الله ولا عن رسول الله. فإنه لا يعرف الفضل لأهل الفضل إلا أهل الفضل، فاعرف قدر شيوخك، وعلى كل أن يعرف قدر نفسه. من حق الدين وحق الأخوة أن تنصح أخاك، لكن بضوابط النصيحة وشروطها، وإن لم تكن عالماً بضوابط النصيحة الشرعية فاسأل عنها، وتعلمها قبل أن تبذل النصيحة لأحد إخوانك؛ حتى لا تريد أن تنصحه فتقع في فضيحته، أسأل الله أن يستر علي وعليكم في الدنيا والآخرة.

    من حقوق الأخوة التناصر

    الحق السادس من حقوق الأخوة: التناصر. يقول صلى الله عليه وسلم: (انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً، قالوا: يا رسول الله! عرفنا كيف ننصره مظلوماً، فكيف ننصره ظالماً؟ قال : أن تكفه عن الظلم، فذاك نصره) فانصر أخاك في كل الأحوال، فإن كان ظالماً فخذ بيده وكفه عن الظلم، وإن كان مظلوماً -وأنت تملك أن تنصره- فانصره ولو بكلمة، وإن عجزت فبقلبك. إن استطعت أن تنصر أخاك بيدك فانصره بيدك، وإن عجزت عن نصرته باليد فانصره بلسانك، وإن عجزت عن ذلك فبقلبك، وذلك أضعف الإيمان. فهذه مسلمة استغاثت في أقصى بلاد الروم ونادت وقالت: وا إسلاماه! وا معتصماه! فنصرها المعتصم وقال: لبيك لبيك أختاه! فأين التناصر الآن بين هذه (الملايين المملينة)؟! آخر إحصائية لتعداد المسلمين في العالم مليار ومائتان وخمسون مليون مسلم، إحصائية ستة وتسعين وتسعمائة وألف للميلاد، وقد كنا نقول: المسلمون مليار مسلم، لكن إحصائية سنة ستة وتسعين تبين أن عدد المسلمين في العالم بلغ ملياراً ومائتين وخمسين مليون مسلم، إحصائية كبيرة، وعدد ضخم، ومع ذلك يصرخ المسلم هنا، وينتهك عرض الأخت هنالك، وينادي الجميع، ولكن من يجيب؟! أين المعتصم؟! فالتناصر من حقوق الأخوة، من حقوق الأخوة أن تنصر أخاك ظالماً أو مظلوماً، تنصر أخاك ظالماً بكفه عن الظلم، وتنصر أخاك مظلوماً بعونه وإعانته إن كنت تقدر على ذلك، إما بيدك، فإن عجزت فبلسانك، فإن عجزت فبقلبك، وذلك أضعف الإيمان.

    من حقوق الأخوة الستر

    الحق السابع: الستر. وهو من أعظم حقوق الأخ على أخيه، فمن حق الأخ على أخيه أن يستر عليه، فالأخ ليس ملكاً مقرباً ولا نبياً مرسلاً، فإن زل الأخ في هفوة فهو بشر، فاستر عليه قال علماؤنا باتفاق: الناس صنفان: صنف اشتهر بين الناس بالصلاح والبعد عن المعاصي، فهذا إن زل ووقع وسقط في هفوة من الهفوات لبشريته؛ وجب على المسلمين أن يستروا عليه؛ لأنه رجل مشهور بالصلاح والدين والأخلاق والعلم والفضل، وهو بشر ليس بملك ولا نبي، ولقد مضى زمن العصمة بموت المعصوم المصطفى صلى الله عليه وسلم، فإن زل أخوك فاستر عليه، ولا تتبع عوراته. ففي الحديث الصحيح الذي رواه أحمد وأبو داود من حديث أبي برزة أنه صلى الله عليه وسلم قال: (يا معشر من آمن بلسانه ولما يدخل الإيمان قلبه! لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم؛ فإنه من تتبع عوراتهم، تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته، يفضحه في جوف بيته). اللهم استرنا ولا تفضحنا. يأتي الأخ يتكلم على أحد إخوانه، وكأنه مبرأٌ من كل ذنب، وكأنه مبرأ من كل عيب، ونسي المسكين أن بيته من الزجاج وهو يقذف الناس بالطوب والحجارة، فكل يتذكر ضعفه ونقصه وعيبه، قال عز وجل: كَذَلِكَ كُنتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا [النساء:94]، فإن رأيت أخاً من إخوانك من أهل الفضل والصلاح قد زل فاستر عليه، بل يجب عليك ذلك، أما إن كان الرجل -والعياذ بالله!- ممن يبارز الله بالمعاصي وممن يجهر ويتباهى بالمعصية، فهذا هو الفاسق الفاجر الذي لا غيبة له. في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: أن تذكر أخاك بما يكره. قال: فإن كان في أخي ما أقول؟ قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته)، والبهتان هو: الظلم العظيم، فهذه هي أخلاق نبينا، وهذه هي سنة نبينا، ومع ذلك كأن بيننا وبين هذه السنة العظيمة بعد المشرقين. إذاً: إن زل أخوك وجاء ليعتذر إليك فاقبل عذره، ولا تتعنت، فهذه أمراض منتشرة الآن. فإن زل الأخ في حق أخيه زلة فقد تراه ينسى كل أعمال هذا الأخ المسكين؛ لمجرد أنه زل زلة، ولا يريد أن يتغاضى معه أبداً، مع أن الله سبحانه يعاملنا يوم القيامة بالحسنات والسيئات، فمن رجحت حسناته على سيئاته نجا، فالله يعامل العباد يوم القيامة بالحسنات والسيئات، ونحن لا نريد أن نعامل إخواننا بهذا! قد نرى الأخ من إخواننا قد بذل وأعطى فإذا زل زلة هل تقوم فتنسف كل أعماله نسفاً؟ أنا أتكلم الآن عن إخواننا من أهل السنة والجماعة، عن إخواننا الذين معنا على المنهج، عن إخواننا الذين يدينون معنا دين الحق، فأنا لا أقصد أبداً سمك لبن تمر هندي، لا أريدها وحدة تجمع شتاتاً متناقضاً على غير حق واتباع وهدى، كلا! بل أنا أتكلم الآن عن إخوة لنا معنا على الطريق، يدينون لله بدين الحق، ومع ذلك إن زل هذا الأخ زلة نسف جهاده، وأصبح الحال كما قال الشاعر: وعين الرضا عن كل عيب كليلة كما أن عين السخط تبدي المساويا وكفى المرء نبلاً أن تعد معايبه.

    1.   

    الطريق إلى الأخوة

    أعتقد اعتقاداً جازماً أن الطريق إلى الأخوة قد وضح في ثنايا المحاضرة، لكنني أجمل هذا الطريق في خطوتين اثنتين لا ثالثة لهما: الخطوة الأولى: العودة الصادقة إلى أخلاق هذا الدين، قال الشاعر: إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا فعلينا أن نعود إلى هذه الأخلاقيات التي ذكرتها في ثنايا المحاضرة، حتى تعود لنا الأخوة الصادقة الحقيقية، فتلتئم الصفوف، وتضمد الجراح، وتلتقي الأمة على قلب رجل واحد. أما وحال الأمة على هذه الحالة فوالله! لا وحدة، ولا ألفة، ولا نصرة، ولا عزة، ولا تمكين، فهذه سنن ثابتة لله في كونه، فتجب العودة الصادقة إلى أخلاق هذا الدين، وإن شئت فقل: العودة الصادقة إلى أخلاق سيد النبيين، فلقد لخصت عائشة أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم في كلمات قليلة فقالت: (كان خلقه القرآن) لقد كان محمد صلى الله عليه وسلم قرآناً متحركاً في دنيا الناس، رأى الناس صدقه ونبله وعفته وشرفه وحياءه وكرمه وبطولته وشجاعته ورجولته وسخاءه وعبادته وخشوعه وزهده وورعه وتقواه؛ فعلم الناس يقيناً أن هذا المنهج ما أنزله الله إلا ليتحول في دنياهم إلى واقع عملي، وإلى منهج حياة؛ فصدقوا هذا المنهج الرباني، وتحولوا بهذا المنهج من رعاة للغنم إلى ساسة وقادة لجميع الأمم. أيها الأحبة! قد يكون من اليسير جداً تقديم منهج نظري في التربية والأخلاق، بل إن المنهج موجود بالفعل، ومسطر في بطون الكتب والمجلدات، ولكن هذا المنهج لا يساوي قيمة الحبر الذي كتب به إن لم يتحول في حياة الأمة مرة أخرى إلى واقع عملي، وإلى منهج حياة، فإن البون شاسع بين منهجنا المنير، وواقعنا المرير. الخطوة الثانية: وجوب دعوة المسلمين إلى أخلاق الدين بحكمة. بعد أن نحول هذه الأخلاق في حياتنا إلى واقع، يجب علينا بعد ذلك أن نتحرك لدعوة المسلمين إلى هذه الأخلاق بالحكمة البالغة، والموعظة الحسنة، والكلمة الرقيقة الرقراقة، وبالرفق والحلم، فهذا هو مقام دعوة الناس إلى الله في كل زمان ومكان، قال تعالى: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل:125]. وقال تعالى: وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ [آل عمران:159]. أسأل الله جل وعلا أن يربط بين قلوبنا برباط الحب في الله، اللهم املأ قلوبنا بحبك وحب نبيك وحب من أحبك، اللهم املأ قلوبنا بحب أوليائك، اللهم املأ قلوبنا ببغض أعدائك، اللهم املأ قلوبنا بحب أوليائك، واملأ قلوبنا ببغض أعدائك، اللهم املأ قلوبنا بحب أوليائك، واملأ قلوبنا ببغض أعدائك. اللهم ألف بين قلوبنا، ووحد صفوفنا، واجمع شملنا، اللهم اجمع شملنا، اللهم اجمع شملنا، اللهم شتت صف عدونا، اللهم شتت صف عدونا، اللهم شتت صف عدونا. اللهم اربط بين قلوبنا برباط الأخوة فيك، اللهم اربط بين قلوبنا برباط الأخوة فيك، اللهم اربط بين قلوبنا برباط الأخوة فيك؛ إنك ولي ذلك والقادر عليه. وأرجو رجاءً من أحبابي وإخواني أن يهتموا بهذه المحاضرة، وليعاهد الله كل أخ يقدر على أن يشتري من هذه المحاضرة بالذات خمسة أشرطة، ويوزعها ابتغاء وجه الله عز وجل بين إخوانه، وأتمنى لو دخل هذا الكلام كل بيوت المسلمين، وأتمنى من الله عز وجل أن يسعد قلوبنا بتحويل هذه الكلمات الربانية والنبوية إلى واقع يتألق روعة وجلالاً، إنه على كل شيء قدير، وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. والحمد لله رب العالمين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756198601