وبعد:
فسنتناول بمشيئة الله تفسير سورة الغاشية، وقد كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقرأ بسورة الغاشية في الركعة الثانية من ركعتي الجمعة، ويقرأ في الركعة الأولى: بـ(سبح اسم ربك الأعلى).
يقول الله سبحانه وتعالى: هَلْ أَتَاكَ [الغاشية:1] ، من العلماء من قال: (هل) هنا بمعنى: (قد)، فالمعنى: قد أتاك حديث الغاشية.
الخطاب لمن؟
منهم من قال: إنه للرسول صلى الله عليه وسلم.
ومنهم من قال: إنه لعموم الإنسان. فالمعنى على هذا الوجه: قد أتاك أيها الإنسان حديث الغاشية، أو قد أتاك يا محمد حديث الغاشية.
ومن العلماء من قال: إن هذا الاستفهام للتنبيه، ومجيء الاستفهام لقصد التنبيه له شواهد في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم متعددة، قال النبي صلى الله عليه وسلم لـمعاذ : (يا
من العلماء من قال: إن الاستفهام للتنبيه، وقال آخرون: المعنى: إن كنت تسأل أيها الإنسان عن حديث الغاشية فقد جاءك حديث الغاشية.
هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ.. [الغاشية:1] والحديث المراد به هنا: الخبر؛ خبر الغاشية، فكلمة (الحديث) لها عدة معان، فالقرآن حديث، قال الله سبحانه وتعالى: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ [الزمر:23] فأطلق على القرآن حديثاً، وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث، وكلام الناس حديث، فالحديث يطلق على الكلام، ويطلق على الخبر.
هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ [الغاشية:1] أي: خبر الغاشية، والغاشية للعلماء فيها قولان:
القول الأول: أن المراد بالغاشية: النار، ومستند هذا القول: قوله تعالى: وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ [إبراهيم:50] تغشى أي: تغطي على وجوه الكافرين.
ومن أهل العلم من قال: إن الغاشية هي القيامة؛ لأنها تغشى الناس بأهوالها وكروبها.
ومن أهل العلم من قال: إن الغاشية هي النار وهي القيامة معاً، فلم يرد خبر يقصر الغاشية على النار دون القيامة، ولا يقصر الغاشية على القيامة دون النار، فالقول بالتعميم أولى، فالنار غاشية، والقيامة -أي: الساعة- غاشية، لأنها تغطي على كل ما سواها من أخبار وفظائع وأنباء.
ما هي متبوعات هذه الغاشية؟ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ [الغاشية:2] من أهل العلم من قال: إن الوجوه الخاشعة هي: وجوه الكفار، لقول الله سبحانه وتعالى: وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ [الشورى:45] يعني: هؤلاء هم الكفار، وتأيد هذا القول بأن الله وصف وجوهاً بأنها خاشعة، وبعد آيات قال: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ [الغاشية:8] فهناك وجوه خاشعة، ووجوه ناعمة، فقالوا: إن الوجوه الخاشعة هي: وجوه الكفار، والوجوه الناعمة هي: وجوه أهل الإيمان، ومن أهل العلم من قال: إن الوجوه الخاشعة عموم الوجوه، فكل الوجوه تخشع -أي: تخاف- لقوله تعالى: وَخَشَعَتِ الأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا [طه:108] لكن القول الأول أصح، لذكر الوجوه الناعمة بعد ذلك، فالمراد إذاً -والله أعلم- بالوجوه الخاشعة: وجوه أهل الكفر، وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ وأصل الخشوع هو: الخضوع والذل، والخشوع يطلق على الخضوع، ويطلق على الذل، ويطلق على الانخفاض كذلك، كما قال الله: خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ [القمر:7] أي: ذليلة أبصارهم ومنخفضة أبصارهم، ونقول: رجلٌ خاشع في صلاته. أي: خاضع ومنكسر بين يدي ربه سبحانه وتعالى.
قوله: عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ يعني: متعبة، ومنه: قول الله سبحانه وتعالى: فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ [الشرح:7] أي: إذا فرغت من أعمالك الدنيوية فَانصَبْ أي: فاجتهد واتعب في عبادة ربك سبحانه وتعالى، واتعب في دعاء ربك سبحانه وتعالى، على قول.
القول الثاني: إذا فرغت من الصلاة، فَانصَبْ أي: فاجتهد في الدعاء بعد الصلاة، وهو قول قتادة ، ومنه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن خديجة : (إن جبريل بشرها ببيت من القصب لا نصب فيه ولا وصب). فالنصب هو: التعب، فقوله سبحانه وتعالى: عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ يعني: الوجوه الخاشعة، أو هي وجوه قوم حالهم أنهم يعملون وينصبون، يعملون ويتعبون، فيطرح هنا سؤال: متى هذا التعب؟ ومتى هذا النصب؟
من العلماء من قال: إن هذا التعب والنصب في الآخرة، يعني: أن أصحاب الوجوه الخاشعة لا يعملون أعمالاً مريحة، وإنما يعملون أعمالاً شاقة مرهقة متعبة، فإن قال قائل: وهل في الآخرة عمل ونصب؟ الإجابة: نعم. أهل النار ليسوا في سجن وعذاب في النارِ فقط، بل يسميه العامة: أشغال شاقة مؤبدة مضافة إلى السجن الذي هم فيه، وليس كتأبيد الأشغال في الدنيا، بل خالدين مخلدين فيها، فإن قال قائل: ما هذه الأعمال التي يعملوها في النار؟ فالجواب: من هذه الأعمال: الصعود والنزول -يعني: يصعدون في النار في جبال وينزلون- كما قال تعالى: وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا [الجن:17]، وكما قال سبحانه: سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا [المدثر:17] أي: سأتعبه في الصعود، والصعود في الدنيا يتعب، فأنت إذا صعدت بيتاً مرتفعاً أو سلالم مرتفعة تتعب وترهق، فما بالك إذا صعدت في النار؟
إضافة إلى عذاب النار ولهيبها يرهق أيضاً فيها بالصعود، فإن قال قائل: وهل النار فيها انخفاضات وارتفاعات؟ فالإجابة: نعم. ففي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان جالساً مع أصحابه إذ سمع صوتاً، فقال لأصحابه: (أتدرون ما هذا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: هذا حجرٌ ألقي في النار منذ سبعين خريفاً فلم يصل إلى قعرها إلا الآن) فالشاهد: أن من أنواع العمل؛ العمل المرهق المتعب في النار، وهو: أن يرهق الشخص فيها صعوداً -أي: يصعد في النار- كما قال الله سبحانه وتعالى: وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ [الأنعام:125] فالذي يصعد في السماء، يتعب ويرهق ونفسه ينيقطع، ففي النار عذاب إضافة إلى كونها ناراً، عذاب الصعود، كما ذكره الله سبحانه وتعالى: سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا وقوله: يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا ، ومن أهل العلم من قال: إن النار من شدة حرِّها ترفعهم فيها وتخفضهم، وهذا أيضاً نوعٌ من العمل، وذلك مثل القدر الذي يغلي بالماء وتحته نارٌ شديدة، فإنك عندما تضع فيه مثلاً بطاطس، فإن البطاطس تصعد إلى أعلى وتنزل ثانيةً، وهكذا تفعل بهم هذه النار الشديدة، ترفعه إلى أعلى ثم يهبط، ثم يرفع إلى أعلى.. وهكذا، فأحد الأقوال في تفسير العمل الذي يعمله أهل هذه الوجوه الخاشعة أن العمل: الصعود في النار، وقول آخر: إن المراد بالعمل هو: التلاعن الدائم بين أهل النار، فهم فدائماً في سباب وتلاعن، كما قال تعالى: وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ [غافر:47] الآيات، وكما قال تعالى: كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا [الأعراف:38]، ومن هذا العمل أيضاً: الصياح والعويل والدعاء على أنفسهم بالهلاك، كما قال الله سبحانه وتعالى: لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا [الفرقان:14]، إلى غير ذلك من الآيات، فمن أنواع العمل: العتاب الزائد، والتلاعن الزائد بين أهل النار، كما قال تعالى أيضاً: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الأَسْفَلِينَ [فصلت:29] وكما قال تعالى: وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ [الزخرف:77]، فمن أهل العلم من قال: إن هذا العمل والنصب يعني: هذا العمل المتعب المرهق يكون في النار، ومن أهل العلم من قال: إن هذا العمل وهذا النصب يكون في الدنيا، فأصحاب هذه الوجوه الخاشعة عملوا أعمالاً وأنفقوا أموالاً طائلة، وعملوا أعمالاً كبيرةً في دنياهم ولكنهم لم ينتفعوا بهذه الأعمال، بل ذهبت هذه الأعمال سدىً، كما قال تعالى: يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُبَدًا [البلد:6] أي: أنفقت كثيراً من الأموال في عداوة محمد وعداوة المسلمين، وكما قال تعالى: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا [الفرقان:23]، وكما قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ [الأنفال:36]، وكما قال تعالى: مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ [إبراهيم:18]، فمن العلماء من قال: أن هذا العمل والتعب كان في الدنيا لكن لم ينتفعوا بهذا العمل في الآخرة، كما قال جل ذكره: قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا * أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا [الكهف:103-105]، لكن القول الأول أن هذا العمل والنصب في الآخرة قول أكثر المفسرين، وهو القول الصحيح، لقوله تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ بعد قوله: هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ فخشوع وجوه أهل الكفر يكون يوم القيامة. وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ أي: ذليلة ساكنة؛ أسكنها الذل، وأسكنتها جرائمها وشركها بالله، فذلت وانكسرت يوم القيامة. تَصْلَى نَارًا [الغاشية:4] (تَصْلَى) أي: تذوق، أو ترد، أو تدخل، فكله من معنى تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ناركم التي توقِدون، جزءٌ من سبعين جزءاً من نار جهنم).
لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ فكان البعض يتحين وقت نضج الطعام في بيت رسول الله، فإذا ظن أن الطعام طبخ واستوى استأذن ودخل حتى يأكل من الطعام، فالمراد (بإناه): نضجه واستواؤه، كذلك عَيْنٍ آنِيَةٍ فالعين: معروفة، أما الآنية، فهي التي بلغ الماء فيها أعلى درجات الحرارة.
لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ فإن قال قائل: كيف قيل هنا: لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ وفي الآية الأخرى: وَلا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ [الحاقة:36] وهو: صديد أهل النار، أو غسالة أهل النار، فكيف يوفق بين هذه الآيات؟ من العلماء من قال: إن هذا محمولٌ على التنوع، فمن الكفار من ليس لهم طعام إلا من ضريع، وكفار آخرون ليس لهم طعامٌ إلا من غسلين، فأهل النار يتفاوتون في العذاب، كما قال سبحانه وتعالى: وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ [غافر:46]، وكما قال جل ذكره: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ [النساء:145]، وكما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما سأله العباس وقال: يا رسول الله! أبو طالب كان يحوطك ويرعاك ويمنعك فهل نفعته بشيء، قال: (نعم. هو في ضحضاح من نار يغلي منهما دماغه، ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار) فدلت هذه النصوص على أن أهل النار يتفاوتون في العذاب، كما قال جل ذكره: الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ العَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ [النحل:88]، وكما قال تعالى: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ [العنكبوت:12-13] فدلت هذه النصوص على أن أهل النار يتفاوتون في العذاب.
الشاهد: أن من أهل العلم من قال: إن هناك طوائف من أهل النار طعامها الغسلين، وطوائف من أهل النار طعامهم ضريع، وقولٌ آخر: إن الأطعمة تتنوع لكن في وقت معين طعامهم الضريع ليس لهم إلا الضريع، فمثلاً: ألف سنة طعامهم الضريع، وألف سنة أخرى طعامهم الغسلين، ليس لهم إلا هو، لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ.. وثم أقوال أخر.
لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ وهل الضريع والغسلين طعام حتى يقال: لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ ؟ الإجابة: أن الضريع والغسلين أطلق عليهما تجوزاً: طعام وإلا فهما كما قال سبحانه: لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ [الغاشية:7]، ومن العلماء من قال: هو استثناء منقطع، ليس لهم أكل لكن لهم الضريع، كما قال الشاعر:
وبلدة ليس بها أنيس إلا اليعافير وإلا العيس
فاليعافير ليست بأنيس.
قال سبحانه: لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ * لا يُسْمِنُ هذا الضريع لا يسمن الأجسام، وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ فلما كان لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ فوجه الضرر فيه محض؛ أنه لا يشبعهم بل يزيدهم ألماً إلى آلامهم.
من أهل العلم من قال: إن الخوف والحزن لا يعتري إلا الكفار، لقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ [فصلت:30] أي: عند الموت أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ [فصلت:30-31]، وكما قال تعالى: يَا عِبَادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ [الزخرف:68-69]، ومن أهل العلم وهم الأكثر من قال: إن أهل الإيمان يعتريهم هذا الخوف والحزن لما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الشفاعة الطويل: (قول كل نبي من الأنبياء: نفسي نفسي، إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله ولم يغضب بعده مثله) ..الحديث، ولقول المرسلين على جنباتي الصراط: (رب سلم سلم)، ولقوله تعالى: يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ [الحج:2]، وبعد ذلك يكون المآل إلى الطمأنينة والأمن بالنسبة لأهل الإيمان، والله أعلم.
مشكوراً مِن مَن؟
من أهل العلم من قال: مشكوراً من الله سبحانه وتعالى، وهذا رأي الأكثرين، وفريقٌ قالوا: مشكوراً من الله، ومشكوراً من أصحاب العمل أنفسهم، سيشكرون سعيهم يوماً ما.
قال الله سبحانه: (لِسَعْيِهَا) أي: لعملها الذي عملته في الدنيا راضية، أي أن أصحاب هذه الوجوه راضون عن سعيهم وعملهم الذي عملوه في الدنيا، ومن العلماء من قال قولاً آخر، فقال: إن معنى: لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ [الغاشية:9] أي: أنها راضية بالثواب الذي أعطاه الله لها مقابل السعي، وراضية بالأجر الذي أعطيته مقابل هذا السعي، فشخصٌ -مثلاً- تصدق بلقمة من كسب طيب فأخذها الله سبحانه وتعالى ورباها ونماها له حتى تأتي يوم القيامة كالجبل العظيم، ما له ألا يرضى وقد تضاعف الأجر إلى هذا القدر؟! ورجلٌ عمل حسنة فجاءت يوم القيامة بعشر أمثالها، ما باله لا يرضى؟ ورجلٌ عمل حسنة فجاءت يوم القيامة بثمانمائة ضعف، ما باله لا يرضى؟ فقال هذا الفريق: إن معنى قوله سبحانه: لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ أي: لثواب سعيها راضية، وأيد هؤلاء العلماء قولهم بأن المؤمن لا يكاد يرضى بالقدر الذي عمله من الخير في الدنيا يوم القيامة، بل يتمنى أنه عمل خيراً أكثر من ذلك، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في معنى الحديث: (ما من أحدٍ يموت له عند الله خير يرجو أن يرجع إلى الدنيا إلا الشهيد) فمع أنه شهيد وقتل في سبيل الله، لكن يريد أن يرجع إلى الدنيا حتى يقتل في سبيل الله، وقال عليه الصلاة والسلام: (والذي نفسي بيده لوددت أني أغزو في سبيل الله فأقتل، ثم أحيا ثم أقتل) الحديث ...إلخ، فتمنى النبي صلى الله عليه وسلم أن يقتل مرات في سبيل الله، فأهل الصلاح يتمنون يوم القيامة أنهم لو زادوا من الخير، هذا قولٌ من الأقوال. والله أعلم بالصواب.
إذاً: فمعنى قوله سبحانه وتعالى: لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ فيه قولان: أولاً: المراد بالسعي هو: العمل، لكن من العلماء من أجرى التفسير على ظاهر الآية، ومنهم من قدر إضماراً فيها.
يعني: منهم من قال: لِسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ أي: هي راضية عن عملها الخير الذي عملته في الدنيا، ترجو به وجه الله سبحانه وتعالى، فقد وجدته في الآخرة.
القول الثاني: أنها لثواب سعيها وللمقابل الذي أخذته لسعيها راضية عن هذا المقابل وشاكرة لهذا المقابل، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يقول الله يوم القيامة لأهل الجنة: يا أهل الجنة! هل تريدون شيئاً أزيدكم؟! فيقولون: يا ربنا! وهل فوق ما أعطيتنا؟ ألم تبيض وجوهنا، ألم تجرنا من النار، فيقول الله سبحانه: أحلل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم أبداً..) الحديث.
فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ هل يستفاد من علو الجنة زيادةٌ في النعيم؟ من العلماء من قال أو أومأ إلى ذلك، وذلك لأن السقف إذا كان منخفضاً يتضايق السكان الذين فيه، فإذا كان مرتفعاً ينفس على من بداخله، وهذا واضح، فمن العلماء من قال: يستفاد من علو الجنة -أي: علو سقفها، وفوقها عرش الرحمن- يستفاد منها زيادة النعيم، قوله: لا تَسْمَعُ فِيهَا [الغاشية:11] أي: لا تسمع في الجنة لاغِيَةً [الغاشية:11]، منهم من قال: لا تسمع في الجنة نفساً لاغية، كما قال سبحانه: لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلا تَأْثِيمًا * إِلَّا قِيلًا سَلامًا سَلامًا [الواقعة:25-26] حتى إن شرب الخمور، لا يسكرهم ولا يذهب بعقولهم، ويحملهم على السباب والشتائم، كما قال تعالى: لا لَغْوٌ فِيهَا وَلا تَأْثِيمٌ [الطور:23] أي: من جراء شرب الكئوس لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلا تَأْثِيمًا * إِلَّا قِيلًا سَلامًا سَلامًا [الطور:23-24] فليس في الجنة يا ابن كذا، ولا يا ابن كذا، ولا سخرية من بعضهم البعض، ولا أي شيء قبيح يضايق، ولا كلمات جارحة، ولا سباب، ولا أفعال، ولا غمز، ولا لمز، ولا همز، ولا عيب، ولا غير ذلك من الشتائم.
لا تَسْمَعُ فِيهَا لاغِيَةً ، كقوله: لا لَغْوٌ فِيهَا وَلا تَأْثِيمٌ ، وكقوله: لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلامًا وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا [مريم:62]، لا تسمع فيها كلمة تنكد وتعكر عليك أبداً.
لا تَسْمَعُ فِيهَا لاغِيَةً * فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ [الغاشية:11-12]، قال الله هنا: فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ وفي الآية الأخرى: فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ [الرحمن:50]، وفي الثالثة: فِيهِمَا عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ [الرحمن:66]، فهناك عينٌ وعيون، وكلٌ في النعيم بحسب عمله.
لماذا كانت هذه السرر مرفوعة؟ من العلماء من قال: إن هذه السرر رفعت كي يطلع أهلها على النعيم الذي أعد لهم في الجنة.
فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ * وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ [الغاشية:13-14] والأكواب هي: أكواب الدنيا المعروفة، ومن العلماء من قال: الأكواب ما لم يكن له عروة ولا خرطوم.
وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ أما موضوعة، فمن أهل العلم من قال معناها: حاضرة، أي: جاهزة مستعدة إذا طلبت الماء أو طلبت أي شراب، فتأتيك الأكواب جاهزة معدة، ومنهم من قال: موضوعة بجانب العين الجارية.
وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ * وَنَمَارِقُ [الغاشية:14-15]، والنمرقة هي: النمارق التي يتكأ عليها كالوسائد.
وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ [الغاشية:15] يعني: الوسائد التي يتكأ عليها مصفوفة.
وَزَرَابِيُّ [الغاشية:16] من أهل العلم من قال: إنها العبقري الحسان، وهي السجاجيد ونحوها التي تفرش على الأرض، وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ [الغاشية:16] مبثوثة أي: منتشرة، متفرقة هنا وهناك، كما في قوله تعالى: خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً [النساء:1] (بث) أي: فرق ونشر.
أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ إن قال قائل مثلاً: لماذا لم يقل: أفلا ينظرون إلى الشياه كيف خلقت؟ فالمطرد: أن توجيه النظر يكون إلى الأعظم دائماً، فالعرب كان كثيرٌ منهم أهل فخر واختيال، وكما قال الرسول صلى الله عليه وسلم في شأن الفخر والخيلاء قال: (الفخر والخيلاء من الفدادين أهل الإبل، والسكينة والوقار في أهل الغنم)، يعني: أهل الإبل ينظرون إلى الناقة ورأسها مرتفع في السماء وأهلها يشتبهون بها، وتجده أعرابياً جلفاً جافاً ومع ذلك مستكبر غاية الكبر، ولا يبالي بأي شخص؛ لمعاشرته للجمال، أما الذي يرعى الغنم يكون فيه سكينة ووقار، فلا يخفى عليك أن الشاة دائماً رأسها منكساً في الأرض، فيكون أهل الشياه أهل تواضع، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (ما بعث الله من نبيٍ إلا ورعى الغنم) لذلك تجد في الأنبياء تواضع، فإذا مثلت للأعرابي: أفلا ينظرون إلى الشياه كيف خلقت؟ يحتقر التمثيل ويقول: لا أريد أن أكون من أهل هذه الشياه.
أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ * فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ [الغاشية:17-21] حالك أنك مذكر، ولا تعارض بين هذه الآية وبين قوله تعالى: جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ [التوبة:73]، وبين قوله تعالى: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ [التوبة:5] لأن في باب التذكرة أنت فقط مذكر، وأمر الهداية مرده إلى الله، إلا أن من أهل العلم من قال: أن هذه الآية مسبوقة بآية السيف، لكن منهم من حملها على أنها في باب التذكير؛ وليس لك إلا التذكير، لأنك لست بمجبرٍ لهم، ولا بمسلط على قلوبهم فيؤمنوا، فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ [الغاشية:21] * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ [الغاشية:22]، وكما في الآية الأخرى: وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ [ق:45]، لست بمكره لهم على الإيمان.
إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ [الغاشية:23] من أهل العلم من قال: (إِلَّا) هنا بمعنى: (لكن)، فالمعنى: لكن من تولى وكفر، فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الأَكْبَرَ * إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ [الغاشية:24-25] أي: رجوعهم، ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ [الغاشية:26] أي: يوم رجوعهم إلينا.
وفقنا الله وإياكم لما يحب ويرضى.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
الجواب: حديث: (إذا انتصف شعبان فلا تصوموا) الراجح بلا تردد أنه ضعيفٌ لا يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا قول يحيى بن معين ، وقول الإمام أحمد بن حنبل ، وقول ابن عدي رحمه الله تعالى، وقول طائفة كبيرة من أهل العلم، وقد اعتبروه من الأحاديث التي استنكرت على بعض رواته وهو العلاء بن عبد الرحمن ، ومن العلماء من حسن الحديث بناء على أن الحديث من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة ، وهذا الإسناد مركب عليه عدة أحاديث في صحيح مسلم، لكن هذا الحديث بالذات ليس في مسلم ، فقالوا: إسناده حسن، لكن العلماء الذين ضعفوه قالوا: هذا الحديث من الأحاديث التي أخذت على العلاء.
يعنى: قد يكون الراوي ثقة، لكن لا ينفي بعض الأحاديث، فقالوا: من الأحاديث التي استنكرت على العلاء هو هذا الحديث، ومن العلماء من ضعف العلاء مرة واحدة بسبب روايته لهذا الحديث، من الذين ضعفوه يحيى بن معين ، والإمام أحمد ، وابن عدي رحمه الله تعالى، وغيرهم جمع كبير من العلماء.
إذاً: لا إشكال، فالباب قد فرغ بحديث: (كان يصوم شعبان كله إلا قليلاً) ومما يدل على تضعيفه أيضاً: (أن النبي نهى عن صيام يوم الشك إلا إذا وافق صوم أحدكم) فمعنى ذلك قد يوافق صوم أحدكم يوم الشك، فإذا كنت تصوم الإثنين والخميس وجاء يوم الشك يوم الإثنين، فصم يوم الإثنين ولا شيء عليك، وهذا يوم الشك يعني يوم الثلاثين من شعبان وهو بعد منتصف شعبان، لكن أيضاً يلتمس الجمع لمن حسنوه، ووجه الجمع: أن النهي في قوله: (إذا انتصف شعبان فلا تصوموا) ليس النهي للتحريم، ولكن للتنبيه، فالمعنى: من كان يشق عليه أن يواصل صيام النصف الثاني من شعبان برمضان، يعني إذا صمت مثلاً خمسة عشر يوماً من النصف الثاني من شعبان، فيأتي رمضان ويشق عليك المواصلة، فلا تصم هذه الأيام حتى تتفرغ وتتقوى للفريضة، أما من استطاع أن يصوم هذه الأيام مع رمضان، فليصمها، على فرض تحسين الحديث، والله سبحانه أعلم.
الجواب: الصلاة عليها جائزة مع الكراهة، أما الكراهة لأمرين:
الأمر الأول: أنها تشغل المصلي، وقد صلى النبي صلى الله عليه وسلم في خميصة لها أعلام مخططة بخطوط، فلما انصرف من صلاته قال: (اذهبوا بخميصتي هذه وأتوني بأنبجانية
الجواب: الجماعة الثانية في المسجد صحيحة، وقد قدمنا الأدلة على ذلك، منها: حديث (من يتصدق على هذا).
الجواب: إن كان يستطيع كفها عن هذه المعصية وقصر، أما إن لم يستطع كفها عن هذه المعصية فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها.
الجواب: الأدلة بعمومها تدل على أن صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد، لحديث: (صلاة المرأة في بيتها خير من صلاتها في المسجد -أو صلاتها في حجرتها خير من صلاتها في بيتها- وصلاتها في مخدعها خير من صلاتها في حجرتها) والحديث من مجموع الطرق صحيح، وإن كان أبو محمد بن حزم يغمز في الحديث ويضعفه، لكن أكثر الأئمة على تصحيحه، فهو صحيح بمجموع الطرق، والله أعلم.
فإن اعتكفت المرأة في المسجد جاز لها، لكن هل يجوز لها أن تعتكف في بيتها؟ لم أعلم دليلاً أن صحابية من الصحابيات اعتكفت في بيتها، ولا أعلم دليلاً على أن صحابية اعتكفت الاعتكاف المشروع في بيتها، وإذا كان أحد يملك دليلاً يدل على ذلك فليتحفنا به، والصلاة فيها الدليل: (أن الصلاة في بيتها أو في حجرتها أو في مخدعها أفضل من صلاتها في المسجد) لكن اعتكافها في بيتها؟! هي أصلاً في بيتها لا تخرج منه، لكن هل ورد أن صحابية على عهد النبي صلى الله عليه وسلم اعتكفت في بيتها؟ هذا مما لا أعلمه، وأما بالنسبة لاعتكاف النساء في المسجد فقد اعتكفت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهن.
الجواب: القرآن الحديث فيه ثابت، قال صلى الله عليه وسلم: (اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه)، أما الصيغة المذكورة في السؤال فلا أعلمها صحيحة.
الجواب: هو مرتب على أبواب الفقه، كترتيب الإمام البخاري، وهو شرح لصحيح البخاري ، فإذا أردت أن تبحث مسألة في الصلاة، فابحث في أبواب الصلاة واستخرج المسألة التي تريد، وإذا كنت تريد أن تذاكره بالتسلسل، فاقرأ متون البخاري ، والمشكل عليك انظره في شرح الحافظ ابن حجر؛ حتى لا تمل.
الجواب: طليقها ليس له أي تدخل في شأنها أبداً، وإنما عليه أن ينفق على أولادها الستة الذين هم أولاده. ولزاماً عليه أن ينفق عليهم، وهو ليس بواجب عليه أن ينفق عليها، وإنما ينفق على أولادها هم وجوباً، فالرجل المطلق الأول يجب عليه أن ينفق على أولاده الستة، وإن خدمت له أولاده تعطى مقابل الخدمة، أما الإنفاق عليها فمهمة الزوج الجديد، لكن كون المطلق الأول يقول لها: اجهضي حملك، فليس له ملك ولا يطاع أبداً، إنما الذي يطاع زوجها الجديد ويطاع في غير معصية الله.
الجواب: إذا كان يعالج التشققات على الوجه فلا مانع من استخدام الزبادي والعسل، ولا بأس أبداً، وليس هناك مانع شرعي أبداً من ذلك إذا كان يعالج، لكن هنا في بلادنا أحياناً تظهر أشياء: كأن تسقط اللقمة على الأرض فيأخذها الناس ويقبلونها، ما مدى مشروعية هذا العمل؟ يقولون: نعمة ربنا، ويقبلونها، السنة أن يميط ما بها من أذى ويأكلها، لكن هو لن يأكلها، وإنما يأخذها ويقبلها، ويقول: نعمة ربنا، والعمل صحيح، لكن ليس عليه دليل فيما نعلم، فقد وجد النبي صلى الله عليه وسلم تمرة على الأرض فقال: (لولا أني أخشى أن تكون من تمر الصدقة لأكلتها)، (وإذا سقطت لقمة أحدكم فليتناولها وليمط ما بها من أذى وليأكلها)، ونحن نتكلم على مسألة تقبيل العيش الملقي على الأرض وقول: (نعمة ربنا) يرفعها إذا خشي أن تمتهن فقط فلا أعرف دليلاً عليه، وعند أبي يعلى -وإسناده حسن- أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يأكل مع عائشة ، فدخلت سودة ، فقالت عائشة لـسودة: كلي، قالت: ما أنا بآكلة، قالت: كلي، قالت: ما أنا بآكلة، قالت: كلي أو لألطخن وجهكِ، فأبت، فقامت عائشة ولطخت وجه سودة بالطعام، فصنعت سودة بـعائشة مثل الذي صنعت بها. رواه أبو يعلى في مسنده بإسناد صحيح، وقد ورد أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يترامون أحياناً بالبطيخ، فقد كان البطيخ أحياناً يصل إلى كميات كبيرة فتفسد، فيترامون بها، أما إبعادها عن الطريق وتقبيلها فلا أعلم عليه دليلاً إلا : (فليمط ما بها من أذى وليأكلها).
الجواب: الحديث ضعيف لا يثبت بحالٍ عن النبي صلى الله عليه وسلم، أما قولك: (بلاد كفر في زعمهم) فإن زعمك أنت خاطئ، فهي بلاد كفر، فإنجلترا وفرنسا كفار، لا يوجد عندنا شك، وأمريكا أكفر وأكفر، وروسيا أشد إلحاداً وكفراً، وهذه بلاد كفر، ولا شك في ذلك، لكن هل يسافر إليها؟
فالسؤال يكون: هل يشرع السفر إلى بلاد الكفر؟
والجواب عليه: إذا كانت هناك حاجة تنفع المسلمين في دنياهم جاز السفر لها.
باختصار: إذا كان الشخص إيمانه ضعيف وليس له حاجة في هذه البلاد، ويخشى عليه من الفتنة، فالذهاب إليها لا يجوز؛ لأنه سيرى مناظر عارية أمامه، وقد يشرب كئوساً من الخمور، أو يتعرض لها، فإذا كانت هناك حاجة تعود على المسلمين بالنفع في دنياهم فله أن يسافر إليها، أما إذا لم تكن هناك حاجة تعود على المسلمين بالنفع في دنياهم، أو في دينهم فلا يسافر إليها، والله أعلم.
الجواب: تقف خلفه لحديث أنس : (صليت خلف رسول الله والعجوز خلفنا) وحديث ابن عباس : (كنت عند خالتي ميمونة ..) الحديث.
الجواب: سنجيب بمقتضى السؤال: ننظر، لماذا منع الزوج، ويذكر بحديث: (من كتم علماً) وإن كان في طرقه مقال، لكن يستدل بالآية إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ [البقرة:159]، ويذكر بقوله: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ [المائدة:2]، ويذكر بحديث رسول الله: (والله في عون العبد مادام العبد في عون أخيه)، لكن إن ذكر بكل هذا ولم يتذكر، فادفعي شره ولا تعيري دفترك.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر