باسم الله، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
وبعد:
فسورة الطلاق سورة مدينة، تتعلق بالأحكام التي تجري بين المسلمين.
ومعنى الطلاق في اللغة: هو الإرسال والترك.
وفي الشرع: حل عقدة التزويج.
والطلاق قد وردت جملة من الأدلة على إباحته، كقول الله سبحانه وتعالى: لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً [البقرة:236]، وقال الله سبحانه وتعالى : الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ [البقرة:229]، وقال الله سبحانه: يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ [الطلاق:1].
فهذه نصوص أفادت مشروعية الطلاق وجوازه، وقد ثبت أيضاً: (أن النبي صلى الله عليه وسلم طلق
أما كون النبي صلى الله عليه وسلم طلق حفصة ثم راجعها فثابت، أما مقولة جبريل: (راجعها فإنها صوامة قوامة) ففي إسنادها ضعف، ولكن العلماء قبلوها؛ إذ لا تعارض بينها وبين أصل الحديث عند فريق من أهل العلم، وقد أوصى الخليل إبراهيم صلى الله عليه وسلم ولده إسماعيل أن يغير عتبة بابه، وقد قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: (كانت تحتي امرأة وكنت أحبها وكان
فدلت هذه النصوص من كتاب الله ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفعل الصحابة مع انعقاد الإجماع؛ كل هذه دلت على مشروعية الطلاق.
وفي الحقيقة أن الطلاق يأخذ الأحكام الخمسة، فأحياناً يجب الطلاق، وأحياناً يستحب، وأحياناً يباح، وأحياناً يكره، وأحياناً يحرم.
وقد وردت أحاديث في التنفير من الطلاق أكثرها ضعيفة، كحديث: (الطلاق يهتز له عرش الرحمن) ، وحديث: (لعن الله الذواقين والذواقات) ، وحديث: (أبغض الحلال إلى الله الطلاق)، فكل هذه الأحاديث ضعيفة.
والثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسألة ذم الطلاق: ما أخرجه مسلم في صحيحه، وفيه: (أن عرش إبليس على الماء، وأنه يرسل سراياه فيفتنون الناس، فأقربهم وأعظمهم عنده أعظمهم فتنة، فيأتي أحدهم ويقول له: فعلت كذا وكذا، فيقول: ما فعلت شيئاً. إلى أن يأتيه آخر فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين زوجته، فيدنيه منه ويقربه ويقول له: أنت أنت) ، فهذا الحديث يصلح للاستشهاد به على ذم الطلاق والتنفير من الطلاق، مع ما في الطلاق من تفكك للأسر، وتهدم للبيوت، وضياع للأولاد، وقطيعة بين الأقارب، وقطيعة بين المسلمين والمسلمات.
لكن أحياناً يندب إليه ويشرع، فقد قال تعالى: فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ [البقرة:229] أي: إن خشيت المرأة هي وزوجها أن لا يقيما حدود الله فيما بينهما فلا جناح عليهما فيما افتدت به، وكذلك قال الله سبحانه: وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ [النساء:130] ، فأحياناً يشرع التفريق لعلة وهي عدم إقامة حدود الله بين الزوجين.
فالساعي حينئذٍ بالتفريق لعله يؤجر، كالساعي في الإصلاح وكالساعي في التزويج كذلك، وذلك محله إذا خشي الزوجان أن لا تقام بينهما حدود الله، فإن الله قال : وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ [النساء:130]، وللطلاق أحكام ستأتي في ثنايا السورة إن شاء الله.
للعلماء على هذا إجابات:
الإجابة الأولى: أن الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم على ثلاث أنحاء:
الأول: فأحياناً يأتي الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ويكون المراد وحده، كما قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ [الأحزاب:50] إلى قوله: وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ [الأحزاب:50] أي: فهي خاصة بك لا يشاركك فيها أحد.
الثاني: أن يأتي الخطاب لرسول الله لكن ليس هو المراد منه قطعاً، كما قال الله سبحانه: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا [الإسراء:23]، فهذا الخطاب وإن كان موجهاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم لكن المراد منه الأمة، فأبو الرسول وأم الرسول قد ماتا وهو في الصغر.
الثالث: أن يأتي الخطاب لرسول الله ويراد هو وأمته صلى الله عليه وسلم، وهذا من هذا النوع.
هذه إحدى الإجابات على قوله تعالى: يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ [الطلاق:1].
الإجابة الثانية: أن الآية من باب التحول في الخطاب، والتحول في الخطاب يكون لجذب انتباه السامعين، وله أمثله في كتاب الله كما قال الله سبحانه: هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ [يونس:22] فقوله تعالى: حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ [يونس:22] للمخاطب، ثم قال محولاً الخطاب إلى الغائب: وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ [يونس:22].
وكذلك في قوله تعالى: وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا * إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً [الإنسان:21-22] تحول الخطاب من الغائب إلى المخاطب، فكذلك هو في قوله تعالى: يا أيها النَّبِيُّ [الطلاق:1] ثم تحول الخطاب إلى أهل الإيمان، هذه إجابة ثانية.
والإجابة الثالثة: أن هنا مقدراً محذوفاً، فالمعنى: يا أيها النبي قل للمؤمنين: إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن. المحذوف هو: قل للمؤمنين.
من أهل العلم من يقول: إن معناها: لزمان عدتهن، أي: في زمان العدة، وهو الطهر عند هؤلاء، فاعتبر هؤلاء المراد بالعدة هنا زمان الطهر، ومن ثم فسروا القرؤ في قوله تعالى: وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ [البقرة:228] بالأطهار؛ لهذه الآية.
ومن العلماء من قال: فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ [الطلاق:1] أي: لقبل عدتهن.
والسنة دلت على أن التفسير المعتمد لهذه الآية: فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ [الطلاق:1] أي: في وقت طهر لم تجامعوهن فيه، وهذا الذي يسميه العلماء: طلاق السنة، فليس كل من أراد أن طلق يطلق في أي وقت شاء، وإنما يطلق طلاق السنة، وطلاق السنة هو: أن يطلق الرجل زوجته طلقة واحدة في طهر لم يجامعها فيه، فهذه صورة طلاق السنة.
ومن العلماء من أضاف إليها شيئاً آخر: وهو أن يطلقها وهي حامل قد استبان حملها، كرجل مع امرأته مثلاً وهي حامل في الشهر الخامس أو في الشهر السادس أو في الشهر الأول، ويريد طلاقها، فهل نقول: اتركها بلا طلاق حتى تنتهي التسعة الأشهر؟ لا، فيقولون: إما أن يطلقها وهي في طهر لم يجامعها فيه، أو يطلقها وهي حامل قد استبان حملها، أي: ظهر حملها، أو يطلقها قبل المسيس، أو يطلقها وهي آيسة من المحيض وهو غير مقيد بقيد، فإذا لم تكن تحيض فيطلقها كيفما شاء.
وكلما كان الطلاق على غير السنة فهو طلاق بدعة، والطلاق البدعي: هو ما ليس وفق سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولطلاق البدعة صور:
من صور طلاق البدعة: أن يطلقها في طهر جامعها فيه.
ومنها: أن يطلقها وهي حائض.
ومنها: أن يطلقها وهي نفساء، فالنفساء تأخذ أحكام الحائض.
فهذه بعض صور الطلاق البدعي.
أولاً: إذا تعمد أن يطلقها في وقت حيضها فقد رأى كثير من أهل العلم أنه آثم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رفع إليه أمر عبد الله بن عمر ، قال عبد الله بن عمر : (طلقت امرأة لي وهي حائض، فذهب
فقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم) يفيد تأثيم من طلق امرأته وهي حائض وهو يعلم.
فالخلاصة: أنه إذا كان يتعمد ويعلم الحكم فإنه يأثم عند كثير من العلماء.
ثانياً: هل تقع هذه الطلقة التي وقعت للمرأة وهي في حيضها، أو لا تقع؟ هل تحسب طلقة، أو لا تحسب؟
رأى جمهور العلماء: أن هذه الطلقة تحسب ويعتد بها، وهذا هو الرأي الصحيح الذي تؤيده الأدلة.
وفريق آخر من أهل العلم كشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، وتبعه تلميذه ابن القيم رحمه الله قالا: لا تحسب هذه الطلقة، وكانت استدلالات شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم رحمهم الله منصبة على الآتي:
رواية من طريق أبي الزبير في قصة ابن عمر : (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يراجعها ولم يرها شيئاً) هذا أول استدلال استدل به شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم .
والاستدلال الثاني: أن ابن عمر سئل عن طلاق المرأة في حيضتها أيعتد بتلك؟ قال: لا يعتد بتلك.
ثم استدلا بشيء من النظر فقالا ما حاصله: كيف نأمره الآن أن يراجعها، فسيراجعها لأمر الرسول بمراجعتها، فتكون قد حُسبت عليه طلقة، ثم إذا جاء الطهر فيطلقها طلقة ثانية فنكون قد حسبنا عليه تطليقتين وهذا من باب التعسير على العباد. هكذا ذكرا رحمهما الله تعالى.
أما الإجابة على استدلالاتههما رحمهما الله تعالى فمن وجوه:
أولاً: حديث ابن عمر الذي من طريق أبي الزبير (أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرها شيئاً) أطبق علماء علل الحديث على تضعيف هذا الحديث، وعلى توهين هذه الرواية، وهذا هو فصل الخطاب بالنسبة لهذا الحديث: أن الرواية ضعيفة ليست بثابتة بحال من الأحوال، علماء علل الحديث يعللونها ويسقطونها قولاً واحداً.
الشيء الثاني: أن من قبلها من الفقهاء وجه قوله: (لم يرها شيئاً) أي: لم يرها شيئاً شرعياً صحيحاً فهي واقعة لكنه آثم أيضاً، أي من رآها صحيحة لم يجعل لها تعلقاً باعتبار الطلقة أو عدم اعتبارها، لكن إجابة أهل الحديث هو الذي عليه التعويل، وهي أن الرواية منكرة وضعيفة.
الإجابة على الاستدلال الثاني الذي استدل به شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم ، وشنع ابن القيم بها على من خالفه، وطار فرحاً بها يريد أن يثبت بها منهجه قال:
إن ابن عمر سئل عن رجل طلق امرأته وهي حائض أيعتد بتلك؟ قال: لا، لا يعتد بتلك، فهذه الرواية رواها ابن حزم في المحلى مختصراً لها اختصاراً مخلاً بالمعنى تماماً، وتبعه على هذا الاختصار ابن تيمية رحمه الله، وتبعه على هذا الاختصار ابن القيم في زاد المعاد وطار فرحاً بهذه المقولة!
والرواية مطولة موجودة في مصنف ابن أبي شيبة فحواها: أن ابن عمر سئل عن طلاق المرأة وهي حائض: أيعتد بتلك الحيضة؟ وهذا اللفظ هو الذي أسقطه ابن حزم في المحلى في هذه الرواية، فالرواية عند ابن حزم أيعتد بتلك؟ قال: لا، لكن في الرواية الأخرى المطولة: أيعتد بتلك الحيضة؟ فقال: لا.
ويوجد فرق بين قوله: أيعتد بتلك؟ وبين قوله: أيعتد بتلك الحيضة؟ لأنك إذا سألت: أيعتد بتلك؟ قد تقدر محذوفاً وهو: أيعتد بتلك التطليقة؟ لكن إذا قال: أيعتد بتلك الحيضة؟ تحول المعنى تحولاً كلياً، فيكون المعنى أيعتد بتلك الحيضة على أنها من الأقراء التي ذكرها الله في كتابه، وقال: وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ [البقرة:228] على رأي من قال إن القرء هو الحيض، فهل يعتد بتلك الحيضة؟ أي: هل تحسبها المرأة من زمان العدة التي تحل بعدها للتزوج ويمتنع عنها النفقة أو لا؟
فلما رويت مختصرة اختل المعنى، لكنها عندما رويت مطولة جاءت صحيحة صريحة، وهي من نفس المخرج الذي عند ابن حزم موجودة عند ابن أبي شيبة ، وبوب لها ابن أبي شيبة : باب الأقراء أي: أيعتد بتلك الحيضة من الأقراء أم لا؟ حينئذٍ فُقِدَ هذا الاستدلال لشيخ الإسلام ابن تيمية ولتلميذه ابن القيم .
بقيت مسألة النظر التي طرحها ودار حولها، فالإجابة عليها: أن النصوص الصريحة تدفع هذه الأنظار، والعلماء يقولون: نوقعها أيضاً بالنص، وفضلاً عن النص فهي من باب التعزير، لكن المقدم هو النص؛ وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمر في شأن ولده عبد الله: (مره فليراجعها) ولا مراجعة إلا بعد طلاق، هذا استدلال الجمهور، وجاء في ورواية أخرى: (أن
أيضاً رأى الجمهور: أن هذا الأمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر ندب وإرشاد لا أمر إيجاب، قالوا: لأنه لا يجبر على معاشرتها من الأصل، واستدامة النكاح لا تجب عليه من الأصل؛ فيجوز له أن يفارقها، فأمر الرسول عليه الصلاة والسلام بقوله: (مره فليراجعها) التمس له بعض العلماء التماسات، قال بعضهم: لعله رأى منها في حيضتها ما لم يره منها في طهرها، ولعلها إذا رجعت إلى طهرها كانت على حال أحسن منها في حيضتها، فهذه تعليلات، لكن التعويل على أن العلماء حملوا قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (مره فليراجعها) على أن الأمر أمر ندب وإرشاد لا أمر إيجاب.
فعلى هذا نكرر أن رأي الجماهير من العلماء وهم أكثر أهل العلم: أن طلاق المرأة في حيضتها يقع، ومن قال إن طلاق المرأة حال حيضتها لا يقع فأدلته ضعيفة تالفة، لكن روج ما ذكره ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد، وكما هو معلوم عن العلامة ابن القيم رحمه الله، أنه طويل النفس في تقرير ما يريد أن يقرره، وتقرير ما يريد أن ينتصر له، فطول نفسه يجعل القارئ يكاد يوقن بأن هذا الكلام صحيح، لكن ما ذكرناه هو رأي جماهير أهل العلم. والله أعلم.
فجمهور العلماء في هذه المسألة يقولون: تقع عليه ثلاث تطليقات، سئل ابن عباس عن رجل طلق امرأة قال لها: أنتِ طالق ألف مرة؟ قال: نحسب عليه ثلاثاً، ونترك تسعمائة وسبعة وتسعين، لكن ما هي الأدلة على وقوع هذا الطلاق طلاق الثلاث للمجلس الواحد التي استدل بها الجمهور؟
استدل الجمهور على إيقاع الطلاق الثلاث في المجلس الواحد بأن هذا فعل أمير المؤمنين عمر ، وتبعه الصحابة على ذلك، وتبعه الجمهور على ذلك، واستدلوا بقصة عويمر العجلاني لما لاعن امرأته عند الرسول صلى الله عليه وسلم، وذكرهما الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: (الله يعلم أن أحدكما كاذب، فهل منكما من تائب؟ فأقسم الرجل وأقسمت المرأة، فلما رأى الرجل امرأته قد أقسمت أربعة أيمان بالله إنه لمن الكاذبين والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين، طلقها ثلاثاً قبل أن يأمر الرسول صلى الله عليه وسلم)، فقالوا: ها هو طلقها ثلاثاً قبل أن يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسكت الرسول صلى الله عليه وسلم، فسكوت الرسول بمنزلة التقرير لطلاق الثلاث.
فهذه حجج الجمهور في هذا الباب، لكنها حجج ضعيفة؛ لأنه قد صح عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (كان طلاق الثلاث في المجلس الواحد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم يعد واحدة، فلما جاء
فأفاد حديث ابن عباس أن طلاق الثلاث في المجلس الواحد على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم كان يعد طلقة واحدة، وأن الذي أوقعه عليهم ثلاثاً هو عمر ، وصيغة عمر في حديثه (أرى الناس قد تتابعوا على أمر كانت لهم فيه أناة) تفيد أن عمر فعلها من باب التعزير لهؤلاء المتسرعين في التطليق.
فإذا احتج محتج بأن عمر أوقع الطلاق الثلاث لمن طلق امرأته ثلاثاً في مجلس واحد، فقد أجابوا بأن هناك من الأحاديث ما هي وقائع أعيان، ومن الأحاديث ما هي مقعدة لقواعد، وقول ابن عباس : (كان طلاق الثلاث في المجلس الواحد يعد واحدة) هو تقرير لقاعدة سار عليها الناس في زمان الرسول صلى الله عليه وسلم.
أما فعل عويمر فهو فعل خاص، وسكوت الرسول صلى الله عليه وسلم على تطليقه ثلاثاً لا حجة فيه؛ لأن الملاعنة لا تجتمع مع زوجها الذي لاعنها؛ لأنها تحرم عليه على التأبيد؛ ولأن أحدهما ملعون أو مغضوب عليه، فالاستدلال بقصة الملاعنة غير صحيح؛ لأن قصة الملاعنة قصة خاصة في واقعة خاصة، والتفريق بينهما أبدي حتى بدون الطلاق.
هذه إجابة الذين قالوا: إن طلاق الثلاث في المجلس الواحد يعد واحدة، ومنهم: شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، فقوله هنا موفق لموافقته الدليل الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما الذي يرويه عن زمن الرسول صلى الله عليه وسلم.
ثم إن المعنى اللغوي أيضاً للطلاق يقتضيه، فإذا قال الرجل لامرأته: أنتِ طالق، كأنه كان يمسكها، ثم لو جاء بعد مدة في نفس المجلس وقال: أنتِ طالق فلا معنى للقول الثاني فهي مطلقة ابتداءً، لكن إذا راجعها بضمها إليه وقال لها بعد ذلك: أنتِ طالق، فحينئذٍ تحسب طلقة ثانية.
ثم أيضاً من الأدلة التي قوت هذا المذهب بشدة، قول الله سبحانه وتعالى: الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ [البقرة:229] فلم يرد أن شخصاً ما طلق ثلاثاً على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وأوقعها الرسول صلى الله عليه وسلم ثلاث تطليقات إلا ما كان من عويمر، وقصته خاصة في الملاعنة، فعلى ذلك يتألق بشدة قول من قال: إن طلاق الثلاث في المجلس الواحد يعد واحدة.
أما الرواية التي فيها: (أن رجلاً طلق ثلاثاً ثم جاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فسأله الرسول صلى الله عليه وسلم: ماذا كنت تريد أو ماذا قصدت؟) فهي رواية ضعيفة من ناحية الإسناد فلا يستدل بها على المدعى؛ لضعف إسنادها والله سبحانه وتعالى أعلم.
هذا بالنسبة لطلاق الثلاث في المجلس الواحد.
أولاً: جمهور العلماء يوقعونه إذا وقع الشرط الذي علق عليه الطلاق، فإذا قال الرجل لزوجته: أنتِ طالق إذا خرجتِ، أنتِ طالق إذا دخلتِ، أنتِ طالق إذا طلعت الشمس، أنتِ طالق في رمضان القادم، أنتِ طالق في فصل الربيع، فكل هذه عند الجمهور تقع إذا وقع الشرط الذي علق عليه الطلاق.
ثانياً: شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم ، وهو رأي عدد من السلف، ورأي كثير من أهل العلم، لهم تفصيل في مسألة الطلاق المعلق، فقالوا: التعليق على قسمين:
القسم الأول من أقسام التعليق: أن تعلق الطلاق بقصد التهديد أو الحث على فعل شيء، كأن يقول الرجل لزوجته: أنتِ طالق إذا خرجتِ، لا ينوي تطليقاً إنما ينوي تخويفاً وتهديداً، أو: أنتِ طالق إذا لم تفعلي كذا، وهو لا ينوي تطليقاً إنما ينوي حثاً على الفعل.
قالوا: فهذا لا يقع طلاقه وكفارته كفارة يمين.
أما إذا قال لها: أنتِ طالق إذا رأينا القمر، فالقمر لابد وأن يُرى، أو أنتِ طالق إذا رأينا الشمس، فالشمس لابد وأن ترى، قالوا: فيقع إذا علق على شيء سيقع أو كان يقصد الطلاق.
ثالثاً: رأي أبي محمد ابن حزم رحمه الله تعالى، وهو مروي عن الحسن البصري وهو بعض روايات بعض الشافعية، قالوا: لا يقع الطلاق المعلق بأي صورة من الصور، إلا إذا قال للزوجة بعد فعل هذا الشيء: أنتِ طالق.
هذه أقوال العلماء في الطلاق المعلق نبحث لها عن استدلالات:
أولاً: لم أقف على أي دليل صريح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسألة الطلاق المعلق، ولا وقفنا على أي واقعة حدثت بسند صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن طلاقاً معلقاً قد حدث، هذا بالنسبة للأخبار المرفوعة عن النبي صلى الله عليه وسلم، أما الموقوفات على الصحابة فأسانيدها لم تبرز لنا إلا أثراً معلقاً ورد في البخاري، ولكن الحافظ لم يورد له إسناداً، وما اطلعنا له على إسناد صحيح إلى الآن.
فالجمهور قالوا: يقع هذا الطلاق إذا وقع الشرط الذي أخذه على نفسه، لأن هو الذي اشترط على نفسه هذا، فنلزمه ما ألزم به نفسه، وشيخ الإسلام ابن تيمية استدل على التفصيل بأثر صحيح الإسناد عند عبد الرزاق في المصنف، وعند ابن أبي شيبة فحواها: أن امرأة أتت إلى حفصة وقالت: يا أم المؤمنين! إني قلت لهذا الرجل أو لقريب لي أو لعبد: إذا تطلق امرأتك فكل أموالي في رتاج الكعبة - أي: فكل أموالي سأجعلها وقفاً- وكل عبد لي فهو حر، فماذا أصنع؟ قالت لها حفصة : كفِّري عن يمينك وخلي بين الرجل وبين امرأته، فالمرأة لم تقتنع بالإجابة فذهبت إلى ابن عمر فأفتاها بنفس الفتيا، فذهبت إلى صحابي ثالث فأفتاها بنفس الفتيا.
فقال: هذا يدل على أنها تكفر عن يمينها وتعد يميناً، وهو فعل الأصحاب، وهو أولى من غيره، فهذا مستند الذين فصَّلوا وهو شيخ الإسلام ابن تيمية .
أما أمثلهم استدلالاً رغم قلة القائلين بهذا الرأي، فـابن حزم؛ إذ استدل بقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا [الأحزاب:28] فهذا تعليق فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا [الأحزاب:28] فلم يقل لهن: إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فأنتن طوالق؛ لأنه إذا قال لهن: (فأنتن طوالق)، فمعناه: أنه جعل الطلاق لهن، والطلاق عند الفقهاء لمن أخذ بالساق، فقال الله لنبيه: قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ [الأحزاب:28] فرجع الأمر ثانية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي هو الزوج، قال: فكذلك ينبغي أن يرد الأمر إلى الزوج، فإذا قال الرجل لزوجته: أنتِ طالق إذا اخترتِ كذا، فاختارت هذا الشيء، فإنه يرجع هو ويطلقها بنفسه، فإن تخلف عن التطليق لم يقع عند هؤلاء الذين قالوا بهذا القول، وهو أبو محمد ابن حزم رحمه الله تعالى، وهو قول الحسن البصري وقول بعض الشافعية. والله أعلم.
هذا بالنسبة للطلاق المعلق على وجه الإجمال، وهناك مسائل أخر كطلاق الغضبان وفيها تفصيل يأتي في محله إن شاء الله، وطلاق المكره، وطلاق الموسوس ونحو هؤلاء، وستأتي في ثنايا الشرح إن شاء الله.
فعلى المرأة أن تحسب جيداً الوقت الذي طلقت فيه، وعلى الزوج كذلك أن يحسب الوقت الذي طلقت فيه امرأته؛ وذلك لأنها تحل للنكاح من بعد هذا الوقت والنفقة تنقطع بعد هذا الوقت، فجملة أمور شرعية مضافة إلى أمر الله سبحانه: وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ [الطلاق:1].
وفي قوله: مِنْ بُيُوتِهِنَّ [الطلاق:1] إيماء إلى أن البيت ما زال بيتها، فلذلك عبر بقوله تعالى: وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ [الطلاق:1] أي: لا تخرج هي نفسها باختيارها ولا هو يخرجها، فليس لك أيها الزوج وليس لك أيتها الزوجة خيار في هذا، بل لزاماً أن تمكث المرأة في بيت الزوجية تقضي العدة، وهذا بالنسبة للمطلقة الرجعية التي دخل بها.
أما المطلقة قبل المسيس فلا إشكال في أنها بانت في الحال؛ لأنه لم يدخل بها، وكذلك المطلقة المبتوتة التي طلقت ثلاث تطليقات فلا نفقة لها ولا سكنى فتخرج مباشرة؛ لأنها ليست بزوجة، فإذا بقيت المطلقة ثلاثاً في البيت فلعل الرجل يثب عليها فيقع في فاحشة الزنا؛ لأنها بانت منه، أما المطلقة الرجعية فإذا قدر ووثب عليها زوجها فهي رجعة.
من العلماء من قال: إن الفاحشة المبينة هي الزنا، فإذا زنت المرأة وهي تعتد في بيت الزوج، فللزوج أن يخرجها، ومنهم من قال: إن الفاحشة المبينة هي البذاءة والتطاول على أهل زوجها، مثلاً: امرأة لسانها بذيء وطويل، تظل تلعن كل من في البيت: تلعن الزوج، تلعن والد الزوج، تلعن أم الزوج، فقال فريق من العلماء: هي البذاءة على زوجها أو على أهل زوجها.
فهذان القولان هما تفسير الفاحشة المبينة، وثم قول آخر: هو الخروج نفسه، لكنه قول ضعيف.
قال الله سبحانه: وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ [الطلاق:1] أي: أن الذي يتعدى حدود الله ويخرج الزوجة المطلقة، أو الزوجة هي الأخرى إذا تعدت حدود الله وخرجت، فقد ظلمت نفسها وأثمت، وأثم زوجها كذلك إن أقرها أو وافقها على الخروج.
أي: أن الذي يقلب القلوب هو الله، فقد تدخل على الزوجة المطلقة فتراها حزينة منكسرة، وترى الأولاد بجوارها في حال يرثى له، فحينئذٍ تقرر مراجعتها.
وهي الأخرى قد ترى زوجها أصبح مسكيناً لا يجد من يصنع له لقمة العيش، فتجده لا يجيد الطهي، وتجد ثيابه متسخة، فحينئذٍ تفكر هي الأخرى وترجع إلى التنازل عن أخطائها أو التغاضي عن أخطاء زوجها، فالذي يقلب القلوب هو الله سبحانه وتعالى.
قال: لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا [الطلاق:1] فهو الرجعة كما قال العلماء.
فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ [الطلاق:2] أي: إذا قاربن البلوغ، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (إذا دخل أحدكم الخلاء) أي: إذا أراد أن يدخل.
فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ [الطلاق:2] بلوغ الأجل هو انقضاء العدة.
فإما أن تمسك بمعروف، وإما أن تفارق بمعروف؛ فالبذاءة ليست من خلق المسلمين، والإضرار بالناس ليس من أخلاق المسلمين، فلست مخيراً أيها الزوج الطاغي أن تطلق كما تشاء وتؤذي كما تشاء قال تعالى : فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا [النساء:34]، فإما أن تمسك بمعروف وإما أن تفارق بالمعروف، وليس لك خيار.
فالإمساك بمعروف هو المراجعة، والمفارقة بمعروف هي تركها حتى تنقضي العدة.
وفي الآية الأخرى: وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا [البقرة:231] فمن الناس من يمسك الزوجة بقصد الإضرار بها، كأن يطلقها ثم يتركها ولا يراجعها حتى تقترب عدتها من الانتهاء، فمثلاً: عدتها ثلاثة أشهر، يأتي بعد خمسة وثمانين يوماً ويقول: راجعتك، ثم بعد أن يراجع يقول: طلقتكِ، حتى تعتد ثلاثة أشهر أخرى، وبذلك تطول عليها مدة العدة، فالله نهى عن ذلك بقوله: وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا [البقرة:231] هكذا يقول الله سبحانه وتعالى.
)ذَوَي عَدْلٍ مِنْكُمْ) أي: من الرجال المسلمين، فلا تجوز شهادة الكفار؛ لأن الله قال: ذَوَي عَدْلٍ مِنْكُمْ [الطلاق:2] ولا تجوز شهادة الفساق من المسلمين؛ لأن الله قال: ذَوَي عَدْلٍ [الطلاق:2] وكذلك لا تجوز شهادة النساء؛ لما في هذه المسائل من الشبهات؛ ولأن الخطاب في قوله: مِنْكُمْ [الطلاق:2] أي: من رجالكم؛ هذا على رأي جمهور العلماء.
قال تعالى: وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ [الطلاق:2] تحول الخطاب فقوله: وَأَشْهِدُوا [الطلاق:2] خطاب للمطلق، وقوله: وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ [الطلاق:2] خطاب للشهود، فتحول الخطاب على ما بينَّاه آنفاً.
فقوله تعالى: وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ [الطلاق:2] أي: يا أيها الشهود لا تشهدوا من أجل الزوج والزوجة، واجعلوا شهادتكم لله سبحانه وتعالى، ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [الطلاق:2] وهذا أسلوب من أساليب التهييج والحث على امتثال أمر الله، يعني: إن كنت مؤمناً فافعل كما أمرك الله.
وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا [الطلاق:2] أي: إذا طلقت الزوجة على السنة مرة واحدة في طهرٍ، فإنه قد يكون أمامك فسحة بأن تراجعها على السنة، أما أن تطلق وهي حائض فتضطر إلى أن تطلق مرة ثانية، وكذلك لا تطلق ثلاثاً في مجلس واحد، فتقع في مسائل فقهية شديدة، ولا تجد مخرجاً، فافعل ما علمك إياه الرسول عليه الصلاة والسلام.
إذا أراد شخص أن يطلق الزوجة وهي حائض وكان منفعلاً، فعليه أن يصبِّر نفسه إلى أن تطهر ثم يمتنع عن جماعها، فلعله إن صبر حتى تطهر ويمتنع عن جماعها يشتاق إليها مرة ثانية وينسى أن يطلقها، والتؤدة في كل شيء خير كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم.
فإذا كنت تريد أن تتوظف في وظيفة حكومية، فاجعل الله وكيلك، فهو نعم الوكيل سبحانه وتعالى، هناك ربط بين رب المشرق والمغرب لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا [المزمل:9] فإذا كان لك حاجة في المشرق أو حاجة في المغرب فاجعل وكيلك هو الله سبحانه وتعالى، وكذلك في زواجك وفي طلاقك وفي شئونك كلها.
وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ [الطلاق:3] أي: فهو كافيه.
إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ [الطلاق:3] أي: رب العزة ينفذ الشيء الذي يريده سبحانه وتعالى.
قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا [الطلاق:3] فالعدة لها قدر، وكل شيء له قدر كما قال الله سبحانه وتعالى: وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ [الحجر:21] وقال : وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ [الشورى:27] كذلك الطلاق والعدد لها مقادير، قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا [الطلاق:3].
فقد يقول قائل: ما هي الحكمة في أن المطلقة تعد ثلاثة قروء؟ نقول: قال الله: قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا [الطلاق:3]، وهذا أمر الله سبحانه وتعالى.
إِنِ ارْتَبْتُمْ [الطلاق:4] أي: إن شككتم، وللعلماء فهيا تفسيران:
أحدها: إن ارتبتم في عدتهن فالعدة هنا هي ثلاثة أشهر.
الثاني: إن ارتبتم في الدم الذي ينزل منهن، هل هو دم حيض أو دم فساد أو دم استحاضة ولم تعرفوا، ولم تستطيعوا تحديد الدم، فعدتهن أيضاً ثلاثة أشهر.
وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ [الطلاق:4] هذا من المقدم والمؤخر فالمعنى: واللائي يئسن من المحيض إن ارتبتم واللائي لم يحضن أي: من الفتيات الصغيرات اللواتي تزوجن قبل الحيض؛ فهؤلاء عدتهن ثلاثة أشهر، أما أولات الأحمال فأجلهن أن يضعن حملهن، فالحوامل من المطلقات أجلهن أن يضعن حملهن فالآية فيهن، وكذلك أولات الأحمال من المتوفى عنهن الأزواج، أجلهن أن يضعن حملهن.
ومن المعلوم أن العلماء في كثير من الأحيان يستدلون بالنصوص العامة؛ وذلك عند غياب النصوص الخاصة، فمثلاً: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الحمر وما فيها من أجر فقال: ما أنزل علي فيها إلا هذه الآية الفاذة الجامعة: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه [الزلزلة:7-8].
وسئل ابن عباس عن شراب يصنع باليمن يقال له البتع: أحرام هو؟ قال: قال صلى الله عليه وسلم: (كل مسكر حرام)، فأحياناً يستدلون بالنصوص العامة عند غياب النصوص الخاصة، لكن أحياناً تستدل بالنصوص العامة ويكون في المسألة نص خاص، فاستدلالك بالعام أحياناً يبتعد عن الصواب، وفي هذه المسألة قد وقع استدلال بالنصوص العامة من صحابيين جليلين فجانبهما الصواب.
فقد سئل ابن عباس -وهو رأي علي أيضاً- عن امرأة مات عنها زوجها وهي حامل متى تنقضي عدتها؟
ففي شأنها آيتان:
الآية الأولى: وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ [الطلاق:4].
والآية الثانية: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا [البقرة:234]؟.
فقال ابن عباس وعلي رضي الله عنهما: تعتد أبعد الأجلين، أي: إذا كانت الحامل في الشهر الأول، فإذا جئنا نطبق عليها قول الله تعالى: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا [البقرة:234] فبعد أربعة أشهر وعشر ستكون حاملاً في الشهر السادس، ولا يحل لأحد أن يتزوجها وهي حامل؛ لأنه ستختلط الأنساب، فتعتد بأبعد الأجلين وهو وضع الحمل، وإذا كانت في الشهر الثامن ووضعت فإنها تنتظر حتى تنقضي أربعة أشهر وعشر، فهذا رأي علي وابن عباس فأفتيا بالنصوص العامة.
لكن يوجد في المسألة نص خاص احتج به أبو سلمة بن عبد الرحمن رحمه الله -وهو من التابعين- على عبد الله بن عباس وكان أبو سلمة كثير المراجعة لـابن عباس ، فحرم من علم ابن عباس كثيراً.
احتج أبو سلمة بن عبد الرحمن رحمه الله تعالى على عبد الله بن عباس بحديث سبيعة الأسلمية (فـ
فاستدل أبو سلمة بما رواه عن أبي هريرة عن رسول الله في قصة سبيعة : على أن المتوفى عنها زوجها تنقضي عدتها بوضع حملها، فقوله تعالى: وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ [الطلاق:4] وإن كان سياقه في المطلقات لكن حديث الرسول صلى الله عليه وسلم في شأن سبيعة يفيد أن المتوفى عنها زوجها أيضاً تنقضي عدتها بوضع الحمل. والله سبحانه وتعالى أعلم.
ثَمَّ نساء ليس لهن عدد، وهن المطلقات قبل المسيس، فالمطلقة قبل المسيس، أي: قبل البناء، لا عدة عليها، قال الله سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا [الأحزاب:49].
كذلك دب النزاع في عدد بعض النساء كالمختلعات، فإذا افتدت امرأة نفسها من زوجها وقالت: لا أريده. فمن العلماء من قال: عدة المختلعة كعدة المطلقة سواءً بسواء، ورأى كثير من أهل العلم رأياً آخر: وهو أن عدة المختلعة حيضة واحدة؛ وذلك لإثبات براءة الرحم شأنها شأن المسبيات فيستبرئن بحيضة، وهذا القول مروي عن أمير المؤمنين عثمان رضي الله تعالى عنه.
يقول الله سبحانه وتعالى: وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا [الطلاق:4]
وثم أنواع من الطلاق تجري بين الناس كطلاق الغضبان، فلزاماً أن يُبَيََّن:
طلاق الغضبان للعلماء فيه تفصيل: فمن العلماء من يقول: إن طلاق الغضبان على أقسام ثلاثة، وأحكامه تنبني على درجة الغضب:
القسم الأول: إذا كان الرجل قد غضب غضباً شديداً جداً، أخرجه عن عقله ولا يدري مع الغضب ما يقول، فطلاقه لا يقع، لأنه أصبح كالمجنون فيأخذ أحكام المجنون، ولا يقع طلاقه على رأي أكثر أهل العلم، بل نقل البعض الاتفاق على عدم وقوعه.
القسم الثاني من أقسام الغضب: هو غضب معتاد يجري بين الناس، وأنت في كامل عقلك وفي كامل تفكيرك وفي كامل اختيارك، قلت لها وأنت مغضب منها: أنتِ طالق. قالوا: فهذا طلاقه يقع.
القسم الثالث: المرحلة المتوسطة بين الغضبين: وهو الغضب الشديد جداً الذي تدري معه ما تقول وتعلم ما تقول، فأنت تعرف الذي تقوله وتدري ما تقول، ولكنك لا تستطيع أن تمنع نفسك، فغضبت وانفعلت انفعالاً شديداً؛ مثلاً: زوجة جاءت ولطمت زوجها على قفاه لطمة شديدة، فقال لها: أنتِ طالق.
هو عارف الذي صدر منه، ولكن لم يستطع أن يمنع نفسه من شدة الغضب، فهذه هي التي اختلف العلماء فيها، فرأى فريق منهم أن مثل هذا الغضبان لا يقع طلاقه؛ لأنه قد حدث على عقله نوع من أنواع الإغلاق، وقد ورد حديث يعله أبو حاتم الرازي في كتابه العلل، وبعض العلماء يحسنه: (لا طلاق ولا عتاق في إغلاق) والجمهور يفسرون الإغلاق بالإكراه.
ومن العلماء من أطلق القول في تفسير الإغلاق وقال: الإغلاق كل مؤثر يؤثر على العقل ويجعله يتصرف على غير طبيعته وغير هيئته، فقالوا: إن الغضب الشديد يحدث نوعاً من أنواع الإغلاق، والإكراه يحدث نوعاً من أنواع الإغلاق، والضرب الشديد والمرض الشديد كذلك.
مثلاً: شخص مصاب بحمى شديدة أثرت على عقله ببعض التأثيرات، فأصبح يتكلم بأشياء لا يستطيع أن يمنع نفسه منها، وإن كان يدري معناها، فهذه هي المرحلة المتوسطة من مراحل الغضب، التي فيها نزاع بين العلماء، ويرى كثير من أهل العلم: أن هذا المطلق لا يقع طلاقه، واستدل هذا القائل بحديث: (لا طلاق ولا عتاق في إغلاق) وقد تقدم الكلام على سنده.
واستدل أيضاً بفعل موسى صلى الله عليه وسلم لما ألقى الألواح حين وجد القوم يعبدون العجل، وإلقاء الألواح بمنزلة إلقاء القرآن، وهذا كفر، لكن غفر ذلك لموسى صلى الله عليه وسلم، قالوا: فالطلاق من باب أولى، والله سبحانه وتعالى أعلم، هذا بالنسبة لطلاق الغضبان.
ففي الحقيقة أن إخواننا الذين يفتون في مسائل الطلاق عندما يأتي الرجل إليهم يقصر في وصف حاله، فيفتيه بعض الأفاضل من العلماء بفتيا، وأحياناً يذهب إلى عالم آخر فيسترسل معه في بيان مسألته ومشكلته ويقول: أنا مريض بالأعصاب، وهذه ورقة فيها علاجي، والجيران يشهدون، فيفتي العالم الذي فُصِّل له بقول آخر غير العالم الذي لم يفصِّل له، أو يأتي الوسيط في مسائل الطلاق ويقصر في النقل أو يحرف في الكلام أحياناً، وأحياناً يأتي الوسيط وينقل بدقة، فترى الأخ يتهم العلماء، وهو المتهم نفسه والمقصر نفسه في الذي نقل. والله أعلم.
(مِنْ وُجْدِكُمْ) أي: من سعتكم، فعلى الزوج لزوجته المطلقة طلاقاً رجعياً النفقة والسكنى، ورأي جماهير أهل العلم أن النفقة على قدر السعة، والسكنى كذلك في بيتها على قدر السعة.
أما المطلقة طلاقاً مبتوتاً آخر ثلاث تطليقات، فلا نفقة لها ولا سكنى على رأي جماهير العلماء؛ لما ورد في حديث فاطمة بنت قيس ( أن زوجها أرسل إليها بآخر ثلاث تطليقات من اليمن، وأرسل لها مع وكيله شعيراً فسخطته واستقلته، فذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ترفع أمرها فقال لها: إنه لا نفقة لكِ ولا سكنى) فالمطلقة ثلاثاً لا نفقة لها ولا سكنى.
فقوله تعالى: أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ [الطلاق:6] في المطلقات الرجعيات.
وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ [الطلاق:6] هذا نهي عن الإضرار كما تقدم في قوله تعالى: وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا [البقرة:231].
إما أنها حامل ومطلقة طلاقاً رجعياً.
وإما أنها حامل ومطلقة طلاقاً بائناً.
فالحامل المطلقة طلاقاً رجعياً يلزم الزوج بالإنفاق عليها لاعتبارين:
الاعتبار الأول: أنها ما زالت زوجة لها نفقة ولها سكنى.
والاعتبار الثاني: باعتبار الجنين الذي في بطنها فهو ولده.
أما الحامل المطلقة المبتوتة فينفق عليها الزوج باعتبار واحد ألا وهو: باعتبار الحمل الذي في بطنها.
فإن كانت العلاقة الزوجية قد انقطعت فما زالت علاقة الأخوة الإيمانية باقية: (فالمسلم أخو المسلم) كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد قال الله تبارك وتعالى: وَلا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ [البقرة:237].
وإذا تتبعت آيات الطلاق: فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ [الطلاق:2].. وَلا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ [البقرة:237].. وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ [الطلاق:6].. فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ [البقرة:229] فستجد أنها كلها تنصب على حسن المعاشرة بين الزوجين.
وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ [الطلاق:6] أي: تشاورا فيما بينكما أيها المطلق والمطلقة في شأن الولد، وما هو الأنفع للولد.
وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ [الطلاق:6] أي: إن أبت المرأة المرضعة الأجر الذي أعطاها إياه الزوج واستقلته: فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى [الطلاق:6] أي: لا تلزم الأم حينئذٍ بإرضاعه، إلا إذا كان لا يرضع إلا منها، وإذا كان سيضيع بدونها، فحينئذٍ تتجه نصوص أخر لإلزامها بالإرضاع كقوله تعالى: وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا [المائدة:32] إلى غير ذلك من النصوص.
وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ [الطلاق:7] فلا يلزم المطلق بنفقة فوق طاقته؛ لكن لخراب الذمم وقلة الأمانات في هذه الأزمان، رأى فريق من أهل العلم أن من المصالح المرسلة الآن تحديد شيء يعطى للزوجة على قدر سعة الزوج، فالمطلقون الآن خربت ذممهم وقلت أماناتهم، فكل زوج مطلق يريد أن يجحف بالزوجة تماماً ولا يعطيها أي شيء.
والمطلقة هي الأخرى تريد أن تأخذ منه كل ما تريد من مال، فالرأي أن من المصالح المرسلة أن يتدخل القاضي إذا لم يتم الصلح على شيء معين، وإلا فلا دخل للقاضي آنذاك، لكن إذا امتنع الزوج من الإنفاق وأبت الزوجة إلا أن تجحف بكل مرتباته، فحينئذٍ يتدخل القضاة للفصل بينهما على ما ذكر الله سبحانه: لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ [الطلاق:7] وهذه مسألة مردها إلى الأعراف السائدة، وإلى حال الزوج وحال الزوجة كذلك.
وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ [الطلاق:7] أي: ضيق عليه رزقه: فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا [الطلاق:7] وهذه من الآيات التي يرفع فيها الحرج عن أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
من العلماء من يقول: إن سور الكتاب العزيز تتعدد فيها أصول الدين، فالسورة الواحدة تأتي الأحكام فيها، ثم تتبع بالتحذير من المعاصي والتحذير من ارتكاب الكبائر وانتهاك حرمات الله، ثم تتبع بتبشير أهل الإيمان بالجنات، وهذا في سورة الطلاق واضح.
ذكر الله سبحانه وتعالى قرى عتت عن أمر ربها، أي: بالغت في الطغيان فقال: وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ [الطلاق:8] و(كأين) هنا للتكثير كما في قوله تعالى: وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ [آل عمران:146].
وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُكْرًا [الطلاق:8]، وقد يكون العتو عن أمر الله وعن أمر رسله في مسائل الطلاق كذلك، قد ترفض أمم شرعة الطلاق التي شرعها الله سبحانه وتعالى، وسنة الطلاق التي سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلتؤذن حينئذٍ بهذه الآيات: وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُكْرًا * فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا * أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الأَلْبَابِ [الطلاق:8-10] يا أصحاب العقول! الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا * رَسُولًا يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا [الطلاق:10-11]، وكلها آيات تقدم معناها.
اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ [الطلاق:12] أي: من الأرض سبع أرضين كما في حديث الرسول عليه الصلاة والسلام: (من ظلم شبراً من الأرض طوقه يوم القيامة من سبع أرضين).
وفقنا الله وإياكم لما يحب ويرضى.
الجواب: إذا كان يخلو بها أو يرى منها ما يرى من الأجنبية فإنه يحرم عليه ذلك، ويحرم عليهما معاً المعيشة في شقة واحدة؛ لأنها الآن امرأة أجنبية تماماً عنه، وليست له بزوجة، فحكمها حكم الأجنبية تماماً، وينسحب عليهما كل ما ينسحب على الرجل مع المرأة الأجنبية.
الجواب: ليس عليها عدة؛ لقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا [الأحزاب:49] أما بالنسبة لما يخصها من الصداق، فلها نصف الصداق إن كان الصداق قد سمي.
إلى هنا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر