باسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
وبعد:
هذه الآية والتي تليها آيات المواريث، وكذلك آخر آية من سورة النساء: يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ ... [النساء:176].
هذه ثلاث آيات في كتاب الله تتعلق بالمواريث.
يقول سبحانه وتعالى فيها: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ [النساء:11]: استنبط بعض العلماء من قوله تعالى: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ [النساء:11]: أن الله سبحانه وتعالى أرحم بالولد من والده ومن والدته، بدليل أن الله سبحانه وتعالى أوصى الوالدين بالولد.
وقد جاء هذا المعنى في حديثٍ أصرح، ألا وهو: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مع أصحابه في بعض الغزوات، فرأى أمّاً تبحث عن طفلها في السبي، فإذا بها تلتقط طفلاً وتضمه إلى صدرها وتحتضنه بشدة وترضعه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: أتظنون هذه طارحةً ولدها في النار وهي تقدر على أن لا تطرحه؟! قالوا: لا تطرحه أبداً يا رسول الله! فقال: فوالذي نفسي بيده، لَلَّه عز وجل أرحم بعبده من هذه بولدها).
آيات الفرائض أو علم الفرائض علم دقيق، وقد رُوي عن ابن مسعود أنه قال: مَن لم يعرف أحكام الفرائض والحج والطلاق فبِمَ يَفْضُل أهلَ البادية؟!، يعني: إذا كنت لا تعرف أحكام الحج، ولا الطلاق، ولا الفرائض، فبأي شيء تتميز عن أهل البادية؟!
أي: أن الوعظ أو القصص لا يُعدُّ علماً بالنسبة لعلم الحج، والفرائض التي هي المواريث، وأحكام الطلاق، فأحكام الطلاق والمواريث والحج أحكامٌ تحتاج إلى ذكاء، وإلى استنباطات، وإلى معرفةٍ بالنصوص الواردة فيها من كتاب الله ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكيف تُوَجَّه على ما سيأتي بيانه إن شاء الله.
وقد رُوي في أثرٍ فيه كلام: (تعلموا الفرائض فإنها نصف العلم).
وهناك سبب نزول آخر حيث: (أن
لكن سبب النزول الوارد في قصة بنات سعد بن الربيع وزوجته ضعيفٌ، ففي إسناده عبد الله بن محمد بن عقيل وهو ضعيف.
وبالمناسبة: عبد الله بن محمد بن عقيل من الرواة الذين اختُلِف فيهم:
فجَنَح بعض العلماء إلى تحسين حديثه، وجَنَح بعضهم إلى تضعيف حديثه، وأكثر العلماء على تضعيف حديثه.
لكن نذكر ذلك؛ حتى تعلم بعض أسباب اختلاف أهل الحديث في تحسين حديث رجل، أو تضعيف حديث الرجل.
ففي تحسين حديث ما أو تضعيف ذلك الحديث، أحياناً يختلفون في رجل هل هو ثقة، أو ليس بثقة؟ هل حديثه يُحتمل أن يحسَّن، أو هو دون الحسن؟
فالذي نشط وحسَّن حديثه وقوَّى أمره يحسِّن الحديث، والذي فتر ولم ينشط لتحسين الحكم على الرجل بأنه ثقة أو صدوق يضعِّف الحديث.
فمن هؤلاء الرجال الذين اختُـلِف فيـهم: عبد الله بن محمد بن عقيل ، فأكثر أهل العلم على تضعيف حديثه، ومنهم مَن حسَّن حديثه.
فلذلك ترى بعض الاختلافات بين بعض الباحثين أو المحققين في تصحيح أو تضعيف حديثه.
كذلك راوٍ آخر اسمه: يحيى بن أيوب الغافقي -مثلاً- مُختَلَف فيه، فمن العلماء مَن يحسِّن الحديث الذي رُوي من طريقه، ومنهم مَن يضعِّفه.
فينشأ الخلاف نتيجة اختلافهم في الحكم على الراوي.
يحيى بن أيوب وهو راوي حديث: (يا
والأبناء للصلب الذين جاءوا من نكاح حلال، أما الأبناء الذين جاءوا من سفاح، يعني: رجل زنى بامرأة، فولدت ولداً، فليس له نصيب في الميراث، ليس له ميراث شرعي من الزاني، ولكنه يرث من أمه وترثه.
يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ [النساء:11]: هذا حكم الله، فمن جاء يقول: للذكر مثل الأنثى فهو ضالٌّ مفترٍ كذاب على الله وعلى رسول الله، أيَّاً كان شأنه.
حكمهما أيضاً: أن لهما ثلثي ما ترك، وكلمة: (فوق) في هذا المقام لا تؤثر في الحكم، وذلك مثل قوله تعالى: فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ [الأنفال:12]، أي: اضربوا الأعناق.
واستُفيد أن للبنتين ثلثي التركة مِن قوله تعالى: فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ [النساء:11] فالمفهوم المخالِف: إن كانت واحدة فلها النصف، فإذا كانتا اثنتين فلهما الثلثان، وكذلك إذا كن أكثر من اثنتين، فكلهن يشتركن في الثلثين.
قوله تعالى: وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ [النساء:11]: الأبوان إما أن يشتركا مع غيرهما أو ينفردا.
فقد يشترك الأبوان مع الأولاد، كأن يموت شخص ويترك أبوين وأولاداً، فإذا اشترك الأبوان مع الأولاد، فالأب يأخذ السدس، والأم تأخذ السدس، وبعد ذلك تقسم التركة، لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ [النساء:11].
أو يشترك الأبوان مع بنات، فالبنات لهن الثلثان، كما ذكر الله سبحانه، والأب له السدس، والأم لها السدس.
أو يشترك الأبوان مع بنت، فالبنت لها النصف، فيبقى النصف، الأم تأخذ السدس، والأب يأخذ السدس، يبقى سدس يأخذه الأب بالتعصيب.
أو يشترك الأبوان مع زوجة أو مع زوج، ففي هذه الحالة إذا اشترك الأبوان مع زوجة: يقول الله سبحانه: وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ [النساء:11]، الأم تأخذ الثلث، والزوجة تأخذ نصيبها على ما سيأتي، والباقي يأخذه الأب بالتعصيب.
الزوج له النصف، يبقى النصف، للأم الثلث، ويبقى السدس يأخذه الأب، إذاً أعطيتَ الأم ضعفَ الأب، هل هذا يجوز؟ نعم.
أنت فهمت السؤال؟ امرأة ماتت، تركت زوجاً وتركت أماً وتركت أباً، للزوج له النصف، والدليل قوله تعالى: وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ [النساء:12].
وللأم الثلث، والدليل قوله تعالى: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ [النساء:11]، وبه قال ابن عباس.
وقال: زيد بن ثابت رضي الله عنه: للأم ثلث الباقي، حتى لا تأخذ الأم أكثر من الأب!
فاختلف ابن عباس وزيد بن ثابت في هذه المسألة، فـابن عباس قال: (نمضيه على ظاهر كتاب الله: الزوج له النصف، والأم لها الثلث، والأب له الباقي وهو السدس).
فإن قال قائل: كيف تعطي الأم أكثر من الأب؟ قلنا: إن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فلأولى رجل ذكر)، فألحقنا الفرائض بأهلها.
وفريق آخر قالوا: بل نعطي الزوج النصف، ونأتي إلى النصف الباقي، فالأم تأخذ ثلثه، والأب يأخذ ثلثيه، كما قال زيد بن ثابت رضي الله عنه.
لكن ابن عباس أصر على موقفه في هذا الباب، وقال: لا ضير أن تأخذ الأم أكثر من الأب، ما دام أن رب العزة سبحانه وتعالى نص على ذلك في كتابه.
فإذا اشترك الأبوان مع الزوجة، فللزوجة الربع وللأم الثلث، وللأب الباقي.
إذا اشترك الأبوان مع إخوة، كرجل مات وترك أماً وأباً وإخواناً؛ فللأم السدس، والدليل قوله تعالى: فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ [النساء:11] وللأب الباقي تعصيباً، لحديث: (ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فلِأَولى رجل ذكر).
وأما الإخوة فليس لهم شيء، وذلك لوجود الأب، فهم أضرُّوا بالأم ولم يأخذوا شيئاً، أي أن الإخوة في هذه الحالة كانوا وجه ضرر على أمهم، فحجبوا الأم من الثلث إلى السدس، ويا ليتهم أخذوه، بل الذي أخذه أبوهم، فأضرُّوا بالأم ولم يأخذوا شيئاً؛ لأن أباهم سينفق عليهم.
فالواجب هو الذي يخرج، وإذا تطوع بالواجب أحد الورثة فلا بأس، الواجب الذي يجب أن يُفعل كالغسل والكفن والدفن تخرُج قيمته؛ لكن أي شيء كالأكل للمعازيم والقهوة والشاي للمعازيم، كل هذا لا يخرُج من شيء فهو مال للورثة.
وهل الوصية واجبة أو مستحبة؟ أو لا واجبة ولا مستحبة؟
الوصية جائزة في بعض الأحيان، وتكون الوصية لغير الورثة؛ لما رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه، فلا وصية لوارث)، أي: أن أي واحد من الورثة لا يجوز للميت أو للمحتضر أن يوصي له، والحديث ضعيف من كل طرقه؛ لكن حصل إجماع العلماء على أنه لا وصية لوارث.
وهذا من الأحاديث الضعيفة التي عليها العمل، فهذا الحديث لا يثبت له أي طريق عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، فكل طريق مخدوشٌ فيه.
وقد نقل الشافعي إجماع العلماء على العمل به، فصرنا إلى العمل به كما عليه العلماء كافة.
فالوصية تكون لغير الورثة بما لا يتجاوز الثلث؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم -لما ذهب إلى سعد بن أبي وقاص يعوده- (الثلث، والثلث كثير، إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالةً يتكففون الناس).
فمِن ثَمَّ كان ابن عباس يقول: (لو أن الناس غَضُّوا من الثلث إلى الربع لكان أنفع أو كان خيراً لهم؛ لأن الرسول قال: الثلث، والثلث كثير) .
ومعنى (غَضُّوا) في قوله: (لو أن الناس غَضُّوا من الثلث إلى الربع).
نزلوا. والشاهد من كتاب الله على ذلك؛ قوله تعالى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ [النور:30] أي: يخفضوا من أبصارهم.
فهذا قول عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنه.
وقولهم: إنها واجبة، فيه نظر! لأنه ليس هناك دليل يوجب الوصية.
ثم الوصول بها إلى الثلث وصولٌ بها إلى المنتهى، فالمستحب أن تكون كما قال ابن عباس : أقل من الثلث؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الثلث والثلث كثير)، وأن تكون الوصية لغير الورثة.
معلومٌ أنه إذا مات رجل عليه دين وأوصى وصية، فإن الدين يُقضى أولاً بالإجماع.
ولأهل العلم في تقديم الوصية على الدين أقوال:
أولها: أن الحرف (أو) لا يفيد الترتيب، كأن تقول لشخص اذهب إلى المنصورة أو الإسكندرية، فهذا تخييرٌ، ليس معناها: أن يذهب إلى هذه أولاً ثم إلى تلك ثانياً.
ثانيها: أن الوصية قُدِّمت؛ لأن الشخص إذا اهتم بالشيء الصغير سيهتم بالكبير، فإذا اهتم الشخص بتنفيذ الوصية سيهتم من باب أولى بتنفيذ الدين، كما قال الله حاكياً عن الكافر: يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً [الكهف:49]، فقدمت الصغيرة على الكبيرة، فإذا كان لن يغادر الصغيرة، إذاً لن يغادر الكبيرة.
ثالثها: أن الوصية كانت مشاعة في الناس، فقُدِّم ذكرها لتفشيها الأوسع في الناس، والشيء إذا كان متفشياً بصورة أوسع في الناس فإنه يقدم على الذي لم يكن متفشياً.
فمثلاً: آية المحرمات في النساء صُدِّرت بقوله: وَلا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ [النساء:22]، قُدِّمت زوجة الأب في الذكر على الأم مع أن التزوج بالأم أقبح وأشنع من التزوج بزوجة الأب، ولكن التزوج بزوجة الأب كان متفشياً في الجاهلية، وأهل الشرك في الجاهلية كانوا يحرمون الأم؛ لكن لم يكونوا يحرمون زوجة الأب، فعندما يموت الأب كان كل واحد يجري إلى امرأة أبيه بسرعة؛ لأن الذي يسبق ويضع عليها ثوباً يكون هو أحق بها من غيره، إن شاء تزوجها هو، وإن شاء زوَّجها لغيره، وإن شاء سرَّحها وردها إلى بيت أهلها، فيتصرف فيها كيف شاء.
فلذلك قدمت الوصية على الدين لتفشيها.
قوله تعالى: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً[النساء:11] أي: لا تميز ولداً على الآخر، ولا تميز بنتاً على ولد، أو ولداً على بنت، فأنت لا تدري من الذي سينفعك عند الله ومن الذي سيضرك؟!
قال تعالى: فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً[النساء:11]: والمشرِّعون التونسيون الطواغيت الذين يجعلون المرأة مثل الرجل في الميراث، فهم في غاية الجهل والغباء، والله هو العليم الحكيم، إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً[النساء:11].
فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ [النساء:12] أي: ابن أو بنت؛ لأن المراد بالولد الذي يولد، سواء كان ذكراً أو أنثى.
فكلمة: (لهن) تفيد أنه لهن مجموعات.
(وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ( -أي: مجتمعات- (الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ).
قوله: وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً [النساء:12]: الكلالة: مَن لا ولد له ولا والد، وهذه المسألة من المسائل التي أشكلت على أمير المؤمنين عمر بن الخطاب حتى قال: (ما سأل أحدٌ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكلالة مثلما سألتُه، حتى ضرب يده في صدري وقال: يا
إذاً الكلالة: من لا ولد له ولا والد، أي: ليس له أب ولا ابن، ولا جد ولا حفيد، ولا شيء أعلى ولا شيء أنزل، قال العلماء: الكلالة هي مأخوذة من الإكليل الذي يحيط بالرأس.
قوله: وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ [النساء:12] هنا تقدير أجمع العلماء عليه: له أخ أو أخت من الأم.
والكلالة فيها آيتان:
هذه أولاهما: وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ [النساء:12]: أي: أخ أو أخت من الأم.
والثانية هي آخر آية في النساء: يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ [النساء:176]. الكلالة هنا: الإخوة الأشقاء، أو الإخوة لأب، حتى لا تتضارب الأفهام؛ لأن حكم الكلالة في الآية الأولى من النساء، غير حكم الكلالة التي في آخر النساء.
الكلالة هنا: يقول الله سبحانه: وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ [النساء:12].
لكن التي في آخر النساء: يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنْ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ [النساء:176].
فقد يقال: كيف تقول: إن الأخت لها نصف ما ترك في الأخيرة، وهنا تقول: لها السدس؟
فالإجابة: أن هذه الآية الأولى في الإخوة لأم.
والتي في آخر النساء في الإخوة الأشقاء.
والإخوة لأم يفترقون عن الإخوة الأشقاء في أمور:
منها: أنهم لا يرثون الأخ إلا في الكلالة.
منها: أن ذكرهم يساوي أنثاهم في الميراث؛ لأن الله قال: وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ [النساء:12]، فسوى الأخ بالأخت.
لكن في الكلالة التي في آخر النساء: وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ [النساء:176]، وهي في الإخوة الأشقاء.
ومنها: أن ميراث الإخوة لام لا يتجاوز الثلث؛ لقوله تعالى: فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ [النساء:12].
أما الإخوة الأشقاء فيستحوذون على التركة كلها إن لم يوجد وارث للميت من يقدم عليهم.
فكم يكون نصيب كل من الزوج والأم والإخوة لأم والإخوة الأشقاء؟
- الزوج له النصف؛ لقوله تعالى: وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ [النساء:12].
- والأم لها السدس، والدليل قوله تعالى: فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ [النساء:11].
وللإخوة لأم الثلث، والدليل قوله تعالى: فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ [النساء:12].
والإخوة الأشقاء يُحْجَبون؛ لأنه لا يوجد باقٍ أبداً، فإننا قلنا: الزوج له النصف، والأم لها السدس، والإخوة لأم لهم الثلث، انتهى الواحد الصحيح، ويسقط الإخوة الأشقاء ولا يرثون؛ لأنه لم يعد يوجد شيء، وهذا رأي بعض العلماء.
والمسألة التي وردت فيها قصة، وإن كان في إسنادها كلام: أن قوماً اختصموا إلى عمر فالإخوة الأشقاء ما تبقى لهم شيء، فجاءوا إلى عمر قالوا: يا أمير المؤمنين ! هب أن أبانا كان حماراً! أليست أُمّنا واحدة؟! فقضى لهم عمر أن يشتركوا مع الإخوة لأم في الثلث، وأبى عليه ذلك عبد الله بن عباس ، وأصر على موقفه وقال: الذي ذُكِر في كتاب الله يُخرج، والذي ليس له شيء في كتاب الله فليس له شيء.
وهذه هي المسألة المُشَرَّكة التي اختلف فيها عمر مع ابن عباس فعندما تزيد النسبة عن الواحد الصحيح، فنقول مثلاً: هذا له نصف وهذا ربع وهذا ثلث تخرج النسبة بزيادة عن الواحد الصحيح، فتقسمها كما يقسمها أهل الهندسة بمجموع الأجزاء وقيمة الجزء، ثم تضرب بالطريقة التي تُدْرَس في سادس ابتدائي.
الزوج يأخذ النصف؛ لأن الله قال: وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ [النساء:12]، والأم تأخذ السدس لقوله تعالى: فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ [النساء:11] فإذا جمعت النصف على السدس يكون أربعة أسداس، بقي سدسان، قال الله سبحانه في شأن الإخوة لأم: فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ [النساء:12] أي: في السدسين، يبقى الإخوة الأشقاء ليس لهم شيء.
لكن أمير المؤمنين عمر قال: نقسم الثلث الباقي على الإخوة لأم والإخوة الأشقاء.
إذاً: هكذا يستوي كل واحد مع الآخر.
قوله تعالى: غَيْرَ مُضَارٍّ : يشمل كل أنواع الضرر، فكل أنواع الضرر ينبغي أن تجتنب، كقوله تعالى في سورة البقرة: وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ [البقرة:282]، أي: لا ضرر على الكاتب ولا على الشهيد.
وهناك معنىً آخر قال به بعض العلماء في قوله تعالى: وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ [البقرة:282] وهو: أن ترغم الشاهد أو الكاتب على الحضور في وقت لا يستطيع الواحد منهما أن يحضر، فيعتبر هذا من المضارة، وذلك في الكتابة والشهادة في الوصية وفي الديون، وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ [البقرة:282].
فتبين أن فيها وجهين: الأول: بمعنى: لا يؤذى الكاتب ولا يؤذى الشاهد، لا يؤذى الكاتب كأن تهدده وتقول له: إذا شهدت أن هذا خطك سأفعل بك كذا، ولا يؤذى الشاهد، كأن تهدده أيضاً وتقول له: لو شهدت على كذا لفعلت بك كذا.
ثانيهما: لا تأت إليهما في وقت الراحة مثلاً وتقول: هيا تعال اشهد معي. فيقول لك: أنا لا أستطيع الآن، فتقول: لازم، فهذا نوع من أنواع المضارة بالكاتب والشهيد.
وعلى الكاتب والشهيد أيضاً أن لا يضارا الدائنَ والمدينَ، بمعنى: أن الشاهد قد يشهد زوراً فيضر أحد الطرفين، أو الكاتب يكتب ما لا يُملى عليه فيضر أحد الطرفين.
فكلمة: (يُضارَّ) جمعت المعنيين، لا يضار هذا ولا يضار هذا، فلا يضار الكاتبُ والشهيدُ الدائنَ والمدينَ، ولا يضار الدائنُ والمدينُ الكاتبَ ولا الشهيدَ.
هنا قول تعالى: غَيْرَ مُضَارٍّ : تشمل إبعاد كل أنواع الضرر التي تلحق بالمحتضر، أو بالورثة أو بأي صنف من الأصناف التي تشترك في التركة.
فآيات المواريث ذيلت بهذا التذييل الخطير لزجر من تسول له نفسه تغيير أي حكم من أحكام الله في شأن المواريث.
فقال: وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [النساء:14] عقب قسمة الله المواريث.
يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ [النساء:14]: أي: مُذِلٌّ ومُخْزٍ، عياذاً بالله منه!
والحمد لله أن بلادنا ما زالت في المواريث على الشرع فيما نعلم.
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم.
الجواب: الوصية بالثلث تكون لغير الورثة، (لا وصية لوارث)، فإذا كان لك ابن، فهو وارث، ولا يُعطى شيئاً من الثلث وصية.
فالوصية تكون لغير الورثة، بأن تتخير من مصالح الخير فمثلاً: أنت لك زوجة وأولاد وأم وأب، ولك إخوة، الإخوة ليس لهم شيء في الميراث، فأشفقت على أخيك وقلتَ: أريد أن أعطيه شيئاً؛ لأن التركة عندما تقسم فإنه ليس له منها شيء، وله أولاد مساكين، فيجوز لك أن تتصرف وتوصي لإخوانك في حدود ما لا يتجاوز الثلث، وكذلك غيرهم من أقاربك الذين لا يرثون منك.
الجواب: نعم هذا حرام! كيف لا؟! فهو أعطى البنت النصف، والنصف الآخر لابن ابنته المتوفية وأخته بالتساوي، ابن ابنته المتوفية له أن يوصي له؛ لكن هنا شيء: أنه إذا أوصى له فإن الحكومة تجيء فتعطيه أيضاً إضافةً إلى الوصية؛ مع أن ابن ابنته المتوفية في الأصل ليس له في الميراث شيء، وهنا لو أوصى له فنحن نخشى من الحكومات؛ لأنها جعلت لابن البنت وصية واجبة، فتسلم له ثلث التركة، فيأخذ نصيبان، فيكون هذا فيه جور على سائر الورثة.
والله أعلم.
- ما حكم الوصية الواجبة؟
هي ليست واجبة في الشرع، أما في القضاء أو في المحاكم فسل الشيخ صالح عبد الجواد حفظه الله، فإنه يفهم في هذا الكلام جيداً.
الجواب: ابتداءً إذا سقط الحديث من ناحية الإسناد فلا داعي للتكلف في الجمع.
فابتداءً حكم الإمام مالك على حديث: (لا تصوموا السبت إلا فيما افتُرِض عليكم) أنه كذب، قال الإمام مالك : هذا حديث كذب، وقال أبو داوُد : هذا حديث ضعيف، وقال النسائي : هذا حديث مضطرب، وضعَّفه غيرُ هؤلاء عددٌ كبير من أهل العلم وأطبقوا على هذا.
والعلة التي لعلها خفيت على بعض العلماء: أن الحديث -على ما أذكر الآن إن لم يكن دخل عليَّ حديثٌ في حديثٍ- في إسناده يونس ، ويونس معروفٌ أنه ثقة؛ لكن يقول الإمام أحمد في بعض مقالاته: اطلعت على كتاب يونس فلم أرَ هذا الحديث في أصل كتابه، فهذه المقولة من أحمد جعلتنا نوقِّر كلام الإمام مالك لما قال: هذا الحديث حديثٌ كذبٌ على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فلعل بعض المحققين لم يلتفت إلى هذه النقطة التي نقلها الإمام أحمد حيث قال: لم أرَ هذا الحديث في أصل كتاب يونس ، ومن ثم قال مالك : إنه كذب.
فضلاً عن هذا فهناك الأحاديث المعارضة له التي في الصحيحين وغيرهما، ففي صحيح مسلم: (لا تصوموا الجمعة إلا يوماً قبله أو يوماً بعده) فقد يكون سبتاً.
وحديث عبد الله بن عمرو في الصحيحين: (صم يوماً وأفطر يوماً فذاك أحب الصيام إلى الله) ولم يأمره باستثناء سبت ولا أحد ولا جمعة ولا غير ذلك.
فرأينا أن الحديث ضعيف، والحمد لله النفس مطمئنة إلى ذلك تماماً.
أما إذا أردنا أن نلتمس التماساً لمن قال بحسن الحديث من المتأخرين، فيقال: إن المنهي عنه -والله أعلم- تخصيص السبت بالصيام؛ لأنك إذا خصصت السبت بالصيام كدت أن تشارك اليهود، لما قال الله لهم: لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ [النساء:154].
والله سبحانه أعلم.
الجواب: هو آكلٌ حق المسلمة، إلا إذا عفت هي، أو عفا هو وأعطاها المهر كاملاً، وهذا شيء لا يكاد أحد يفكر فيه.
أورد الطبري أثراً -أحتاج أن أنظر في إسناده مرةً ثانية-: عن جبير بن مطعم أنه دخل على سعد بن أبي وقاص فقال له سعد : يا جبير ما رأيك أن تتزوج أختي؟!
قال: قد تزوجتها.
ومكثا بعض الشيء في المجلس، ثم خرج جبير بن مطعم فقال جبير -وهو لم يرها بعد ولا أبصرها ولا أي شيء-: هي طالق، وأرسل لها الصداق كاملاً.
فقيل له: لماذا تزوجتَها؟ ولماذا طلقتها؟ قال: استحييت من الرجل، فتزوجتُها، وقيل له: لماذا أرسلت لها الصداق كاملاً؟
قال: إن الله قال: إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ [البقرة:237] فلا أجعلها تعفو عني، أنا الذي أعفو عنها؛ أعطي لها الصداق كاملاً.
هذا أورده العلماء الذين قالوا: إن الذي بيده عقدة النكاح هو الزوج؛ لأن الذي بيده عقد النكاح للعلماء فيه قولان:
أحدهما: أن الذي بيده عقدة النكاح هو الزوج.
والثاني: أن الذي بيده عقدة النكاح هو الولي.
فالراجح في المسألة: أن الذي بيده عقدة النكاح هو الزوج؛ فلذلك قال: جبير أنا أعفو عنها، ولا أريد منها شيئاً.
فأخونا الذي فعل هكذا فإنه آكلٌ مالها بالباطل.
الجواب: ليس عليه وزر.
الجواب: التعجيل بالدفن لا أعلم عليه دليلاً، إنما الإسراع بالجنازة إذا كانت على الأكتاف هو السنة؛ لأن النبي قال: (أسرعوا بالجنازة فإن تكُ صالحة فخيرٌ تقدمونها إليه، وإن تكُ غير ذلك فشرٌ تضعونه من على رقابكم)؛ لكن التوسط مطلوب، يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً [الفرقان:63] أعني أن التوسط في كل شيء طيب.
الجواب: لذلك مستند هو: (نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الدفن ليلاً) مثلاً: إذا مات شخص في وقت المغرب، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن الدفن ليلاً؛ لمظنة قلة الحاضرين، فتؤخره إلى الصباح إلى أن تطلع الشمس، فتكون الفترة طويلة، ففي هذه الحالة جوَّز رسول الله عليه الصلاة والسلام أن يؤخَّر الدفن، فليس هناك تضييق على المسلمين في المسألة، في الإسراع في الدفن أو الإبطاء به، فإن تأخير الدفن أو تعجيل الدفن يكون لمصلحة الميت، فإذا كان في التأخير نفعٌ للميت كأن يشهد جنازته عدد كبير من المسلمين حتى يُشَفَّعوا فيه، فيُفعل هذا التأخير، وإن لم يكن هناك مصلحة تدعو إلى التأخير قُدِّم إلى الدفن.
والله أعلم.
الجواب: شهادات الاستثمار إلى الحُرمة أقرب بكل أصنافها.
والله أعلم.
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلِّم.
إلى هنا وجزاكم الله خيراً.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر