إسلام ويب

عام قد مضىللشيخ : مصطفى العدوي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • لقد جعل الله تعالى الليل والنهار والشمس والقمر آيات لتذكر العباد بما هم صائرون إليه، ولم يجعل الله الدنيا نهاراً سرمداً أو ليلاً سرمداً لأمرين: أحدهما: لئلا يسأم العبد من هذا النمط الواحد، والأمر الثاني: للعظة والعبرة، وليتذكر الإنسان برحيل الليل والنهار انقضاء عمره وتصرم أيامه، ورحيله عن الدنيا ومفارقته لها، فالمرء ما هو إلا أيام، وإذا مضى بعضه أوشك أن يمضي كله.

    1.   

    مشاهد من يوم القيامة

    إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102] ، يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1] ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

    وبعد:

    فإن الله سبحانه وتعالى بين لنا أمر الآخرة خير بيان، وصوره الله سبحانه وتعالى خير تصوير؛ حتى نعلم على ماذا سنقدم، وقد ذكّرنا ربنا بقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [الحشر:18] ، وذلك أيضاً حتى نتزود له بخير زاد، وقد قال تعالى: وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى [البقرة:197]، وقال في كتابه الكريم: وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ [الأنعام:27-28] ، ذكرنا الله سبحانه وتعالى ببعض مواقف الآخرة، فقال: وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ [الأنعام:27] ، من هم هؤلاء المعنيون بقوله تعالى: إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ [الأنعام:27]؟

    من العلماء من يقول: إنهم الكفار.

    ومنهم من يقول: إنهم أهل النفاق، لو ترى منظرهم إذ وقفوا على النار لرأيت منظراً بشعاً، لرأيت شيئاً مهولاً وهم وقوف على النار، وما المراد بوقوفهم على النار كذلك؟

    من العلماء من قال: وقوفهم على النار وقوفهم على حافتها ينظرون إليها قبل أن يقتحموها.

    ومنهم من قال: وقوفهم على النار أثناء مرورهم على الصراط، فليس ثم جنة إلا بعد المرور على الصراط، فالكل يمر على الصراط كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، وبجنبتي الصراط يقف الأنبياء والمرسلون يقولون: رب سلم سلم، فيمر الناس على الصراط كلهم مؤمنهم وكافرهم، أما الكافر فيسقط، والمؤمن ينجو.

    والصراط: هو جسر جهنم.

    ومن العلماء من قال: وقفوا على الصراط والنار تحتهم.

    ومنهم من قال: وقفوا على النار قبل اقتحامها، فماذا يقولون؟

    فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [الأنعام:27] ، ولو ترى إذ وقفوا على النار لرأيت مناظر لم تخطر لك على بال، وهذا المعنى أيضاً موجود في قوله تعالى: وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ [الأنعام:30] أي: إذا رأيت حالاً من الذلة والانكسار لا تتصور ولا تتخيل، فإذا وقف الشخص يكلم ربه، فكما قال نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: (ما منكم من أحد إلا وسيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر عن يمنيه فلا يرى إلا النار، وينظر عن شماله فلا يرى إلا النار، وينظر عن أمامه فلا يرى إلا ما قد قدم، فليتق أحدكم النار ولو بشق تمرة) .

    فالنار تحيط بالشخص من كل الجوانب، إلا الذين رحمهم الله سبحانه وتعالى، وهذا المعنى موجود أيضاً في قوله: وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ [الأنعام:93]، لو تصورت هذا المنظر، ماذا فيه؟ قال: وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُوا أَيْدِيهِمْ [الأنعام:93] أي: بالضرب، يضربون المحتضر من الأمام ومن الخلف، كما قال تعالى: وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ [الأنفال:50] ، لو رأيت هذا المنظر لعملت لذلك أعمالاً، وللذت إلى ربك سبحانه وتعالى، ولرجعت إليه كل الرجوع: وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ [الأنفال:50] ، لو رأيت هذا المنظر لعملت لذلك أعمالاً، لانزعجت منه غاية الانزعاج، وهو كائن وإن كنت لا تراه، قال تعالى: وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ [الأنعام:27] إلى دنيانا وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [الأنعام:27]، قال تعالى: بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ [الأنعام:28]، ظهرت حقائقهم التي كانوا يخفونها، ظهر أيضاً وجه نفاقهم الذي كانوا ينافقون به، فقد كذبوا في الدنيا، وأضلوا الناس عن طريق الله سبحانه وتعالى، فظهرت الحقائق يوم القيامة، كما قال تعالى: يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ [الطارق:9]، ظهرت الحقائق على الألسنة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يقال للعبد يوم القيامة: عملت كذا وكذا، فيقول: ما عملت شيئاً، فيختم على فِيهِ، فتنطق أركانه بالذي صدر منه وأحدثه، فيقول لهن: سحقاً لكن وبعداً فعنكن كنت أناضل)، أي: عنكن كنت أدافع.

    وكذلك قال فريق من أهل العلم: يظهر للمستضعفين غِش السادة والكبراء، الذين كانوا يغشونهم، فالسادة والكبراء كانوا يعمون على الناس حقائق الأمور، فيظهرها الله سبحانه وتعالى يوم القيامة: بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ [الأنعام:28]، وهذا يبين إِحكام الكفر في هؤلاء الكفار، فبعد أن أطلعهم الله سبحانه وتعالى على النار، ورأوا ما فيها من صور العذاب، تمنوا أن يعودوا إلى الدنيا ليعملوا أعمالاً صالحة، ولكن قال ربنا مبيناً استحكام الكفر في هؤلاء: وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ [الأنعام:28]، أي: لو ردوا في دنياهم لقالوا: إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ [الأنعام:29]، هذا قولهم في دنياهم ينكرون البعث، كما قال تعالى: وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ [يس:78-79]، قال الله سبحانه: وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ * قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً ، فالساعة تأتي بغتة معشر الإخوة، وليس ثم تفريق بين شيخ ضاعن في السن، ولا بين شاب ولا بين طفل: حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا أي: يا حسرة، تعالي وحلي، فهذا أوانك وهذا مقامك وهذا منزلك، قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ ، تأتي يوم القيامة كل نفس تحمل أثقالاً وذنوباً على ظهورها (وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ [الأنعام:31]، ألا بئست هذه الأحمال! ألا بئست هذه الأثقال! ألا بئست هذه الأوزار التي تُحمل على الظهور: أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ ، قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ يا محمد! نحن نعرف ونسمع ونرى ما تصاب به من الأذى، نحن نعلم الذي يحل بك، وأن هذا يضايقك قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ * وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا أي: فلتكن لك فيهم أسوة حسنة فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ * وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ أي: شق عليك وعظم تكذيبهم فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ أي: فافعل ولن تستطيع، قال تعالى: وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ [الأنعام:35].

    1.   

    إنك لا تهدي من أحببت

    وقفةٌ مع هذه الآية الأخيرة: وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ [الأنعام:35]، آيةٌ من الآيات التي تؤصل الإيمان بالقدر، وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ .

    فلتعلم يا محمد! ولتعلموا يا عموم البشر! أن أمر الهداية ليس بموكول إليكم، إنما هو إلى الله سبحانه، وأن أمر القلوب ليس بموكول إليكم، إنما هو إلى الله سبحانه وتعالى، فمن ثم لا تذهب أنفسكم حسرات على من أضلهم الله، وعلى من أغواهم الله سبحانه وتعالى، فإن ذهاب النفس حسرات على المبتعدين عن طريق الله نوع من أنواع الجهل، ونوع من أنواع عدم العلم بالله، ونوعٌ من أنواع التخبط، فلا تذهب نفسك عليهم حسرات، قال الله سبحانه وتعالى لنوح عليه الصلاة والسلام إذ أخذته الشفقة على ولده فقال وقد رأى ولده يغرق أمام عينيه قال: رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ * قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ * قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ [هود:45-47]، ففيه جواز الاستدارك بعد الدعاء، فإذا دعوت ربك بدعوة رأيت أن بها خللاً وأنها لا تجوز، جاز لك أن تضرب عنها، وأن تسأل ربك سبحانه عدم تحققها، ولذلك أدلة، فإذا دعت أمٌ على ولدها ثم ندمت، فتعقب ذلك بدعاء آخر ألا يستجيب الله سبحانه وتعالى دعوتها، فهذا إبراهيم الخليل دعا ربه بالمغفرة لأبيه فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ [التوبة:114]، ولما دعت الأم لولدها أن يكون مثل الفارس: (اللهم اجعل ابني مثل هذا، قال الولد: اللهم لا تجعلني مثله)، فيجوز لك أن تعقب الدعوة التي لم ترها سديدة بدعوةٍ أخرى.

    نرجع إلى ما كنا بصدده: ألا وهو أن أمر الهداية بيد الله سبحانه، وليس بأيدينا، قال تعالى: وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [الأنفال:63]، وقال الله سبحانه: وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ [يونس:100]، فإذا علمت هذا فلا ينبغي أن تذهب نفسك حسرات على أحدٍ من الناس، لا على ولدٍ، ولا على زوجٍ، ولا على أخٍ، ولا على أب، ولا على صديق، فإنا وإن حزنا لعصيان من عصى، فينبغي ألا يتمادى بنا حزننا إلى أن نجهل، وأن نتدخل في أمر الله، فلعقولنا طاقة، وربنا هو الذي أحاط بكل شيء علماً، والله أعلم بالمهتدين، وأعلم بمن يستحق الغواية فيغوى، ويعلم من يستحق الهداية فيهديه سبحانه، فلا تذهب أنفسنا حسرات على ابتعاد من ابتعد، وعلى ردة من ارتد، وعلى شرود من شرد، فـللّه الأمر من قبل ولله الأمر من بعد، إننا قد نحكم على أمر من الأمور بحكم فيما ظهر لنا وبدا، ويكون في الأمر ووراء الأمر ما هو أعظم من ذلك، وما هو بخلاف ذلك.

    1.   

    إنما الأعمال بالخواتيم

    إن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم رأوا رجلاً يقاتل معهم ضد الكفار أشد القتال، وظاهره أنه صحابي من صحابة رسول الله، رأوه يقاتل الكفار قتالا أشد القتال، فأعجبوا به أيما إعجاب، وجاء بعضهم إلى النبي عليه الصلاة والسلام يقول: يا رسول الله! ما أجدى اليوم منا أحد كما أجدى فلان، فقال نبينا محمد عليه الصلاة والسلام: (هو من أهل النار)، فشق ذلك على الصحابة وكبر عليهم، فالرجل يقاتل والرجل يجاهد، والرجل شجاع وجريء، فتبعه أحد الصحابة فرآه يقاتل العدو أشد القتال، ثم ما لبث أن طُعن، فما صبر على الطعنة فوضع مقبض سيفه في الأرض وذبابه بين ثدييه، ثم تحامل عليه حتى قتل نفسه، فجاء الرجل إلى الرسول، فقال: يا رسول الله! الرجل الذي أخبرت أنه من أهل النار فعل كذا وكذا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الله أكبر! أشهد أني رسول الله، إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار فيما يبدو للناس حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها).

    لذلك معشر الإخوة! فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ [الأعراف:99]، فاعلموا وأيقنوا أن المهتدي من هداه الله، وأن الغوي من أغوي، أغواه الله -والعياذ بالله-، ثم لا ينبغي أن تتحسر النفس على أحد، ولا أن تتقطع حسرات على أحد، قال تعالى لنبيه محمد عليه الصلاة والسلام: وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ [الأنعام:35]، فالله قادر على هداية الخلق أجمعين، ولكن شاء الله وقدر أن يخلق الناس مختلفة طبائعهم، مختلفة أفكارهم، مختلفة أخلاقهم، فترى من الناس التقي الورع الذي يرى ذنبه وكأنه جبل يوشك أن يسقط عليه، وترى من الناس الغوي الفاجر الذي يقترف الكبائر، وكأنها ذباب وقع على وجهه فهشه فطار.

    ترى من الناس الرجل الوفي الكريم، والرجل الماكر اللئيم.. ترى من الناس الرجل الشحيح البخيل، والرجل السخي الكريم، خصالٌ أنعم الله بها على العباد، وخصالٌ تخلق بها أقوام من أهل الفجور، خصالٌ وخصال، وتأتي تخلص إنساناً من خصلة، فلا تستطيع بحال من الأحوال، تريد أن تجعل البخيل كريماً، فلا تستطيع معه بحال، وإن أعطاك شيئاً أو أعطى آخر شيئاً فهو أشق عليه من أن يقطع جزءٌ من جسمه.

    شخصٌ آخر تأتي تعلمه المزاح أو المداعبات وهو لا يفقه أنواع المزاح ولا أنواع المداعبات، ويقلب الفرح هماً ونكداً وغماً.. خصالٌ اختلف بها خلق الله، إذ جبلهم الله سبحانه جبلات، ولا تملك لهم شيئاً إلا إذا حولهم الله وإذا غيرهم الله: وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ * إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ [الأنعام:35-36]، هكذا قال تعالى: وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ الموتى الذين تفرقت أجسادهم، وبليت أجسامهم، يبعثهم الله، ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ ، فاعملوا للقاء الله، وانظروا ماذا قدمتم لغدٍ.

    1.   

    وصايا متفرقة في نهاية العام

    وما دام هذا العام قد انصرم فلننظر ماذا قدمنا في عام قد انقرض، في عام هذا ختامه؟ كم قمنا لله في ليل؟ كم تصدقنا من صدقة؟ كم أدينا من زكاة؟ هل اعتمرنا؟ هل حججنا؟ هل أصلحنا بين الناس؟ هل وصلنا الأرحام؟

    فكل هذه أسئلة ينبغي أن يطرحها كل منا على نفسه، قبل أن يطرحها الله عليه ويسأله في يوم الدين: هل وصلت رحمك؟ كم صليت لله من ركعات؟ هل طهرت قلبك من غش المسلمين؟ فيجب علينا أن نراجع أنفسنا في ختام هذا العام الذي كاد أن ينصرم.

    انظروا إلى السيئات وقدموا لها توبةً واستغفاراً، وانظروا إلى الأرحام التي قد قطعت وعاهدوا الله على الوصل بعد هذا القطع الطويل، انظروا إلى الشح الذي قد صدر منكم، وعاهدوا الله على البذل وعلى العطاء، اعفوا عن الناس ليعفَو الله عنكم، فهو يحب الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس ويحب أهل الإحسان.

    رحيل العام يذكر برحيلنا من الدنيا

    عباد الله! كما انقضى عامكم فستنقضي أعماركم، كما انقضت أيامكم ستنقضي دنياكم، وحينئذٍ تنظر نفسٌ ما قدمت لغد، وحينئذٍ تندم على التفريط في جنب الله، قائلة: يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ [الزمر:56] قائلة: لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ [الزمر:57]، فقفوا مع أنفسكم وقفات وراجعوها وحاسبوها أشد الحساب.. حاسبوها على النظرات، حاسبوها على الصلوات، حاسبوها وسلوها كم قمت أيتها النفس في عامك المنصرم من ليلة تتقربين فيها إلى الله؟ كم تجافت الجنوب عن المضاجع؟ سلوا النفس أسئلة وحاسبوها حساباً، قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله، قبل أن يأتي يوم تقول فيه الأنفس: يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [الأنعام:27]، قبل أن يأتي هذا اليوم وأمركم بأيديكم، فحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، واستغفروا ربكم إنه كان غفاراً.

    وجوب التوبة من جميع الذنوب والمعاصي

    احفظوا هذه الجوارح، فأنتم ستسألون عنها يوم القيامة، يقول الله: وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا [الإسراء:36]، فأنت مسئولٌ عن سمعك وعن بصرك وعن فؤادك كذلك، فسوف تسأل عن سمعك، فقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (من تسمع إلى قوم وهم له كارهون صُبّ في أذنيه الآنك يوم القيامة)، والآنك: هو الرصاص المنصهر، والبصر أنت مسئولٌ عنه كذلك، ومن ثم جاءت أوامر الله لنا بغض البصر، قال تعالى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ قل يا محمد، لمن تبعك وصدقك، فأتباعك هم محل الخطاب، وهم الذين يندفعون للتذكير، ماذا تقول لهم؟ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ هكذا أمر الله نبيه أن يأمرنا بهذا الأمر، قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى أي: أطهر لهم، ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ [النور:30]، هكذا أمر الله نبيه محمداً أن يأمرنا بغض البصر، وقال تعالى: يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ [غافر:19]، وخائنة الأعين: هي النظرة الحرام إلى المرأة أو الأمرد وإن لم يعلمها البشر، فإن ربك سبحانه يعملها، وقد سئل النبي عليه الصلاة والسلام عن نظر الفجاءة، فقال: (اصرف بصرك)، وقال: (إنما جعل الاستئذان من أجل البصر)، وفي حديث في إسناده نوع كلام علي بن أبي طالب وقد حسنه فريق من أهل العلم: (يا علي! لا تتبع النظر النظرة، فإنما لك الأولى، وليست لك الآخرة)، أي: النظرة التي تصدر منك عفواً لست بمؤاخذ عليها، إنما النظرة التي تتعمدها فأنت عليها محاسب ومسئولٌ أمام الله، وقد أحسن الشاعر إذ قال:

    كل الحـوادث مبداها من النظـر ومـعظم النار من مستصغر الشرر

    كم من نظرة فتكت في قلب صاحبها فتـك السـهام بلا قوس ولا وتر

    وقال الآخر:

    يا رامياً بسهام اللـحظ مجتـهدا أنت القتيل بمـا ترمي فـلا تصب

    وقال أيضاً:

    ترجو الشفـاء بأحـداق بها عطب فهـل سمـعت ببرء جـاء من عطب

    تحريم النظر إلى ما حرم الله وعواقبه

    فلا تتصور وأنت تنظر إلى المحرم أن هذه النظرة ستريح قلبك؛ بل ستدمره، وستفتك به أيما فتك، قد يزينها لك الشيطان، فتنظر راجياً الراحة بنظرة محرمة، والأمر على العكس مما تصورت وتوهمت، فالنظرة المحرمة تفتك بقلبك، وتعصف به، وتدمره.

    فيا عباد الله! أيها المؤمنون! أيتها المؤمنات! هذا أمر الله لنا جميعا: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ [النور:30]، أيها المؤمنون! قال الله سبحانه: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ [الأحزاب:53]، لماذا السؤال؟ حتى لا ترى ببصرك وجه امرأةٍ وجسم امرأة فتفتن به: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ [الأحزاب:53]، وقال تعالى أيضاً: وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ [النور:31]، ولماذا قُدّم الأمر بغض البصر على الأمر بحفظ الفرج مع أن حفظ الفرج أعظم من غض البصر؟

    قال العلماء: لأن البصر بريد للزنا -والعياذ بالله- فجدير بكل مسلم أن يمتثل أمر ربه، وقد قال تعالى: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ [النور:31]، توبوا إلى الله من هذا الذنب الذي لا يكاد أن يفارقه أحد.

    معشر الإخوة! ما زلتم في الأشهر الحرم لم تنقض ولم تنصرم، وإن كاد ذو الحجة أن ينقضي، فأنتم على مشارف شهر الله المحرم، الذي قال فيه النبي عليه الصلاة والسلام: (أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم)، فوطنوا أنفسكم، بالإكثار من الصوم في هذا الشهر الكريم، ولا تستصغروا أوامر ربكم، فإن ربكم سبحانه وتعالى يجازيكم على عملكم خير الجزاء، يأتي لكم بالموسم تلو الموسم حتى تغنموا الخيرات، وحتى تخرجوا من دنياكم بسلامٍ وأمان، سالمين آمنين مطمئنين، حتى لا تتخذوا حياتكم ودينكم لعباً ولهواً، تأتيكم مواسم الخير وكي يغتنمها العقلاء كي يغتنمها الفضلاء، موسم بعد موسم، فيوافوا ربهم سبحانه وتعالى بأعمال بر وأعمال خير، تكون سبباً في نجاتهم وفي مرورهم على الصراط آمنين إلى جنات النعيم.

    فأنتم على مشارف شهر الله المحرم فاغتنموه بالصيام وبأعمال البر فيه، ويا عباد الله! كما أن الأعوام تنقضي فالدنيا ستنقضي كذلك، فأكثروا من عمل الخيرات وتزودوا بخير زاد، وهو زاد التقوى، وسلوا الله سبحانه وتعالى أن يرحمكم وأن يسددكم، فالمسدد من سدده الله، وسلوا الله دائماً أن يثبت قلوبكم على الإيمان، فالمثبت من ثبته الله.

    الإكثار من الدعاء بالثبات حتى الممات

    وقد كان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يكثر من الدعاء فيقول: (اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك)، وكان أهل الإيمان يقولون: رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا [آل عمران:8]، فيا عباد الله! سلوا الله الثبات على الإيمان حتى الممات، وسلوا الله التوفيق للعمل الصالح، فالموفق من وفقه الله، والمسدد من سدده الله، ثم سلوا الله سبحانه لأنفسكم ولعموم المؤمنين المغفرة من الذنوب، فعمموا في دعواتكم بعد التخصيص، خصوا أنفسكم، وخصوا أهليكم بالدعاء، ثم عمموا الدعاء لسائر المؤمنين والمؤمنات كما كان الأنبياء يفعلون، قال نوح: رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا [نوح:28] ، فبدأ بنفسه: رَبِّ اغْفِرْ لِي ثم بوالديه وَلِوَالِدَيَّ ، ثم بأصدقائه: أتباعه وأقاربه: وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا ، ثم عمم فقال: وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا .

    وهكذا أيضاً ملائكة الرحمن يقولون كما قال تعالى: الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ [غافر:7]، ثم يقولون: رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُم [غافر:8] وليسوا هم فقط، بل وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [غافر:8]، وكذلك يأمر ربنا نبيه عليه الصلاة والسلام فيقول: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ [محمد:19]، وكذلك يقول تعالى: وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [الحشر:10].

    فإذا دعوت بدعوة فعمم بعد التخصيص، ففي تعميمك دعاءٌ بظاهر الغيب لإخوانك، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (ما من مسلم يدعو لأخيه بظهر الغيب إلا وعنده ملكٌ موكل يقول: آمين ولك بمثل)، فإذا سألت الله أن يصرف عنك المرض، وعن أبنائك وعن إخوانك، فسل الله أن يصرفه عن عموم المؤمنين، وإذا سألت الله أن يفرج عنك الكرب، فسل الله أن يفرج أيضاً عن كل مكروب من المسلمين، وهكذا فاغنم أنت أجر الدعاء بظهر الغيب، ويقيض الله سبحانه لك بعد موتك، بل وفي حياتك من يدعو لك بظهر الغيب، كما دعوت أنت لأهل الإسلام، واستغفروا لذنوبكم، ولذنوب المسلمين والمسلمات، استغفروا الله لأنفسكم، ولآبائكم ولأمهاتكم، فماذا عساه أن يغنم منك أبوك بعد موتك، إلا مقولة منك: اللهم اغفر لأبي، اللهم اغفر لي ولوالدي.

    فيا عبد الله! عمم بعد التخصيص، اللهم اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم، ربنا اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات يا رب العالمين! اللهم ارحم أمواتنا وأموات المسلمين يا رب العالمين، ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا، ربنا ولا تحمل علينا إصراً كما حلمته على الذين من قبلنا، ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به، واعف عنا واغفر لنا وارحمنا، أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين.

    اللهم خذ بيد كل ضال من شباب المسلمين، وفتيات المسلمين، ورجال المسلمين، ونساء المسلمين يا رب العالمين! خذ بأيدينا وأيديهم جميعاً إلى البر والتقوى، ووفقنا لما ترضى من العمل.

    وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755807476