وبعد:
فلقد طلب مني أحد الإخوة حفظهم الله تعالى، أن يتحول مجرى الدرس في ليلتنا هذه إلى شيء ترق به القلوب وتسمو به الأخلاق، وخير ما ترق به القلوب وتسمو به الأخلاق هو كتاب ربنا سبحانه وتعالى، وتناوله بشيء من البيان، خاصةً إن كان هذا البيان بسنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم خير الأنام.
فلنتناول شيئاً من كتاب الله سبحانه وتعالى بالتأويل والبيان، وقد كتب الله سبحانه وتعالى رفعةً لحاملي كتابه، المبتغين بذلك وجهه سبحانه وتعالى، نتناول شيئاً من سورة الفرقان، والله المستعان! ولا حول ولا قوة إلا بالله.
أما قوله تعالى: (تَبَارَكَ): فالبركة تطلق على معنيين:
المعنى الأول: أن البركة هي ثبوت الخير في شيء.
المعنى الثاني: أن البركة تطلق على النمو والازدياد.
فعلى التأويل الثاني: ازداد خيره وكثرت نعماؤه، كذلك تنزه وتقدس وكثرت آلاؤه.
فالتفكر والتدبر يثاب عليه العبد، كما يثاب على الصلاة، وكما يثاب على الصيام، وكما يثاب على الحج، ومن ثم جاءت نصوص الكتاب العزيز، بل ونصوص السنة المطهرة، تحث على التفكر وعلى التدبر والتأمل، قال الله سبحانه وتعالى: وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ
[الذاريات:21].
وقال الله سبحانه وتعالى: قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ ثُمَّ انظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ
[الأنعام:11].
والأمور التي يُتَفَكَّر فيها ويُتَدَبَّر بالنسبة لربنا سبحانه وتعالى ثلاثة أمور:
الأول: التفكر في شرع الله سبحانه، كيف أنه شرع حكيم، يدعو إلى كل خير، وإلى كل بر، وينهى عن كل رذيلة وعن كل شر ومكروه، فالتفكر في شرع الله شيء مطلوب.
الثاني: التفكر في أسماء الله الحسنى، وكيف أنها كلها حسنى.
الثالث: التفكر في آلاء الله، وفي مخلوقاته سبحانه وتعالى.
فإذا تفكرت في شرع الله تجد أنه حقاً كما قال سبحانه: تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ
[فصلت:42]، فليس في كتاب الله آية تدعو إلى رذيلة أو فسق عياذاً بالله!، بل كله يدعو إلى الخير، وكله يدعو إلى الفضيلة.
حفظ الله لنا بهذا الكتاب العزيز عقولنا، فحرم علينا الخمر التي تقود الرجل المتعاطي لها إلى أن يعبث بعذرته! وإلى أن يعبث بأمه! وإلى أن يعبث بأخته! فقال الله سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ
[المائدة:90-91].
حفظ الله لنا بهذا الشرع أعراضنا، فلم يسوِّغ لأي أحد أن ينتهك أعراض المسلم، لم يسوغ لأي أحد أن ينظر إلى امرأتك، أو إلى ابنتك، أو إلى أختك، أو إلى أمك، مجرد النظر، قال الله تعالى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ
[النور:30].
وحرم الله الزنا، الذي به تختلط الأنساب.
وحرم الله على الناس أموالنا، فقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً
[النساء:29].
وقال نبينا محمد عليه الصلاة والسلام: (كل المسلم على المسلم حرام؛ دمه وماله وعرضه).
وكذلك حفظ الله سبحانه وتعالى دماءنا، فنهانا ابتداءً عن أن نشير بسلاح في وجوه إخواننا: (رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً قد أخرج سيفه من غمده، فقال: ألم أكن نهيتكم عن هذا؟! لعن الله من فعل هذا).
وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار). الحديث.
فحفظت أعراضنا بهذا الشرع الكريم، وحفظت أموالنا، وحفظت عقولنا، وحفظت دماؤنا، وحفظت كذلك تصوراتنا، فليس لك أن تصول وتجول بفكرك كيف تشاء! بل ضُبِط ذلك منك، فهذا شيء من هذا الشرع الحكيم الكريم المجيد.
أما أسماء الله فتفكر في أسماء الله، إذا كنت -على سبيل المثال- محاسباً تعمل في شركة، كيف أنك ترهق غاية الإرهاق من إتمام حسابات هذه الشركة، أو إتمام جزء منها.
فتصور أن الله سبحانه يحاسب كل عبد من عبيده، ليس فقط على عمله وليس فقط على قوله، إنما يحاسبه كذلك على أعمال قلبه، ويعلمها سبحانه، ويثيب عليها ويعاقب، إن كانت خيراً فخير، وإن شراً فشر، وليس أنت وحدك المحاسَب، بل كل الخلق يحاسبون، وليس بنو آدم فحسب، بل الإنس والجن كذلك يحاسبون، وليس الجن والإنس فحسب، بل كما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: (لتؤدُّنَّ الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجَلْحاء من الشاة القَرْناء)، : (رأى النبي عليه الصلاة والسلام -كما ورد في بعض الروايات- شاتين تنتطحان، فقال لبعض جلسائه: أتدري فيم تنتطحان؟ قال: الله ورسوله أعلم، قال: لكن الله يدري، وسيؤدِّي لكل منهما حقها) فالشاة الجَمَّاء يقاد لها من الشاة القَرْناء، وهكذا.
فربنا سبحانه وتعالى يحاسب الخلق أجمعين.
فتفكر في هذا واعقله جيداً وافهم كيف أنه سريع الحساب.
الدود في الصخور الصماء، والطيور في أوكارها، والوحوش في غاباتها، والحيتان في عالم البحار، كل ذلك يعلمه الله، ويعلم مستقر ومستودع ذلك كله سبحانه وتعالى، يعلم سعي الجميع، هذا السعي المتنوع المختلف يعلمه ربنا سبحانه، وسيجازي الجميع عليه.
واخرج يوماً من بيتك قاصداً سوقاً من الأسواق أو تجمعاً من التجمعات، وانظر إلى الغادي والرائح من الناس، اخرج فقط للتفكر في أحوال الناس، هذا غادٍ وهذا رائح، هذا كئيب حزين، وهذا مبتسم مسرور، فمَن الذي أضحك؟! ومَن الذي أبكى؟! إنه الله الذي أضحك وأبكى.
تفكر في أحوال الناس! وانظر إلى أشكال الناس! هل ترى في الخلق شخصاً يشبه الآخر؟! ترى هذا يهتم ويجري، وهذا متكاسل، هذا ذكي ونبيه، وهذا متخبط بليد لا يدري ماذا يصنع، والجميع يعلم أحوالَهم ربي سبحانه وتعالى.
تفكر في نفسك! مَن أنت في وسط هؤلاء الناس؟! وإلى أين مصيرك؟! وإلى أين تسير؟!
تفكر في أصوات الناس ولهجات الناس وبناء أجسام الناس! هذا خفيف الدم، وهذا ثقيلٌ بارد، ثقيلٌ على القلب، لا تستطيع أن تخاطبه، هذا دمه يجري ويرغِّبك في النظر إليه، هذا طويل فارع، وهذا قزم قصير، والخلاق والعليم هو الله سبحانه وتعالى.
فكر في هذا جيداً! وأرجع البصر إلى السماء، وانظر! هل ترى فيها ثقباً واحداً؟! ثم ركِّز البصر مرةً ثانية ينقلب إليك البصر خاسئاً مكروباً وهو حسير، أي: كئيب متعَب؛ إذ لم يستطع أن يكتشف شيئاً فيه خلل، لم يستطع أن يكتشف ثقباً واحداً.
انظر إلى الرياح وسرعتها في يوم، وحملها للغبار، وانظر إلى لينها وبطئها في يوم آخر! مَن الذي سخرها؟! ومَن الذي ذلَّلها؟!
هذه أمور يلزمك أن تتفكر فيها، فالتفكر فيها نوع من أنواع العبادة.
جُزْ ببصرك إلى السماء، وانظر إلى الطير وهي صافات، ثم هي تقبض أجنحتها، ما يمسكها إلا الرحمن، ولا يعلم فيمَ تفكر إلا الرحمن!
ثم ارجع فانظر ثانيةً إلى البحار، إلى حوت كبير متوحش، يأكل الأسماك ويلتهمها، وإلى تمساح، وإلى سمكة أخرى ضعيفة هي المأكولة ليست هي الآكلة!
انظر إلى حكمة الله في هذا الخلق كله!
وانظر إلى الغابات، وما فيها من الحيوانات، منها: طائفة محترمة، وطائفة جائرة ظالمة. منها: طائفة تُؤْلَفُ وتُؤَلَّفُ، ومنها طائفة أخرى لا تُؤْلَفُ ولا تُؤَلَّفُ. منها: طائفة عُرِف من خصالها كرم الأخلاق والوفاء، وطائفة أخرى عُرِف من خصالها الغدر والخيانة، طائفة عُرِف من خصالها الذكاء الخارق، وطائفة عُرِف عنها الغباء والبلادة، كل ذلك يعلمه ربي سبحانه وتعالى، طائفة تعلمت المكر، وأخرى تختال في مشيتها، والكل يعلمه ربي.
كذلك طيور بيضها قليل ونسلها قليل؛ ولكن عمرها مديد وبأسها شديد، كالنسور، وطيور أخر تتكاثر بالملايين آناء الليل وأطراف النهار؛ لكن موتها سريع وأجلها قريب. فهَبْ أن هذه النسور تتكاثر تكاثر العصافير، إذاً لأذهبت الأخضر واليابس.
انظر إلى هذه المرأة الدميمة، وانظر إلى تلك الجميلة الحسناء، والكل مآله إلى قبر موحش مظلم!
فانظر إلى حكمة الله!
فهذه أمور يُتَعَبَّد الرب سبحانه وتعالى بها.
فاخرج يوماً بعد يوم، واخلُ بنفسك يوماً بعد يومٍِ وفي وسط الأشجار كذلك، هذه زهرة حمراء تأتي إليها نحلة تمتص رحيقها، وفي الوقت نفسه وبجوارك عذرة ملقاة يأتيها الذباب! فسبحان الذي خلق الخلق وقدَّر المقادير، الذي قدَّر فهدى سبحانه وتعالى!
اخرج يوماً خصيصاً لهذا النظر!
وانظر إلى نفسك وما حواه جسمك من خلق شديد في زمن من الأزمان!
انظر إلى طبيبِ تشريحٍ كيف يشرح الرجل! وانظر إلى طبيبِ أمراضٍ للقلب وكيف يجري عمليات القلب، وكذلك تشريحات المخ، وكيف تكون! وكيف يدار الجسم! انظر إلى الدورات الدموية وإبداع الله سبحانه وتعالى لخلقه.
فهذا نوع من السؤال غفل عنه الكثيرون!
كان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يقوم إذا ذهب شطر من الليل ينظر إلى السماء قائلاً: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا
[آل عمران:190-191]: أي: قائلين: يا ربنا! (ما خلقت هذا باطلاً)، أي: عبثاً (سبحانك) فأنت لا تعبث، سبحانك! أنت لا تلعب
مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ
[آل عمران:191-192]، ثم يناجي ربه:
رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ
[آل عمران:193]، يقرأ العشر آيات خواتيم آل عمران.
فالله سبحانه وتعالى يقول في كتابه الكريم: تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً
[الفرقان:61]: أي: شمساً.
وَقَمَراً مُنِيراً * وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً
[الفرقان:61-62] هذا يخلف هذا، لماذا؟
قم بعد صلاة الفجر، واخرج من مصلاك وانظر إلى الإصباح كيف يُخْلَق من ظلام الليل شيئاً فشيئاً رويداً رويداً: فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَاناً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ
[الأنعام:96]!
قال تعالى: لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ
[الفرقان:62] لمن أراد أن يتعظ ويعتبر وينظر إلى قدرة الله سبحانه، وينظر إلى نهاية كل شيء، فالليل ينتهي، والنهار ينتهي، والدنيا تنتهي، و
كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ
[الرحمن:26-27].
قال تعالى: أَوْ أَرَادَ شُكُوراً
[الفرقان:62] أو أراد أن يقدم شكراً لله على ما أولاه الله من نعم، فمن فاته حزبه من الليل، ومن فاته ورده من الليل الذي كان يذكر فيه الرب، فليستدركه بالنهار، (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فاته حزبه من الليل صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة) صلوات الله وسلامه عليه.
فمن أراد أن يقدم شكراً لله وكان يقدمه بالليل في صلوات أو أفعال بر، وفاته ذلك لعارضٍ فليقدمه بالنهار، ومَن كان يفعل شيئاً من ذلك في النهار وفاته هذا الصنيع فهاهو الليل لمن أراد شكوراً، هاهو الليل يأتي بما فيه من نجوم وزيناتٍ في السماوات، وفيه انتشارٍ الوحوش والحشرات، كل ذلك يدعو إلى التدبر، كل ذلك يدعو إلى التأمل.
تأمل قول الله تبارك وتعالى: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ * وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ
[القصص:71-73].
وهذا التفكر ينبغي أن يلازم أهل الإيمان، ثم يلزمهم أيضاً للوصول إلى أعالي الجنان أن يتصفوا بهذه الصفات التي ذكرها الله في كتابه.
أما عباد الرحمن فليسوا كذلك، يعلمون تمام العلم أن ما هم فيه -سواءً الذي هم فيه كان خيراً أو كان شراً- إنما هو ابتلاء وفتنة، كما قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ
[الزمر:49]، وكما قال النبي الكريم الزكي سليمان -عليه السلام- لما رأى عرش ملكة سبأ مستقراً عنده -لقد انتقل إليه العرش في لمح البصر قبل أن يرتد إليه طرفه-:
قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ
[النمل:40].
عباد الرحمن من شأنهم أنهم يمشون على الأرض هوناً، أي: متواضعين، قلوبهم خاشعة لله، قلوبهم خائفة وجلة من لقاء الله، قلوبهم خائفة من مكر الله سبحانه وتعالى، فهم خائفون من إحباط السيئات التي تطالبهم، إذا فكر أحدهم في شيء يسخط الرب عليه، سرعان ما رجع إلى صوابه وسرعان ما يثوب إلى رشده.
فعباد الرحمن إذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً، أي: قالوا قولاً مهدئاً، قولاً مؤمِّناً، قولاً طيباً، لا يقابلون الإساءة بالإساءة، وإنما من شيمهم العفو والصفح كما أمرهم ربهم، وكما علمهم ربهم إذ قال: وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ
[فصلت:34-35].
فهؤلاء عباد الرحمن لا توقفهم البذاءات، ولا يقفون عندها منتصرين لأنفسهم، إنما كما وصفهم ربهم: وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ
[القصص:55].
قال الله سبحانه وتعالى: وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً
[الفرقان:63] فهذا سيرهم في النهار، وهذا حالهم في المشي بين الناس، مشيٌ يحمل التواضع، يحمل الانكسار لله سبحانه وتعالى ولخلقه، عرفوا وأدركوا تماماً قدر أنفسهم، وأنهم مُقْدِمون على يوم تشخص فيه الأبصار لله رب العباد.
يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً
[الفرقان:64]: وكما وصفهم ربهم سبحانه:
وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ
[الذاريات:18].
وكما وصفهم بقوله: تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ
[السجدة:16]
لماذا؟
يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ
[السجدة:16].
وكما ذكرهم ربنا بقوله: أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ
[الزمر:9] أي: يطيل القيام ساعات الليل الطويلة
سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ
[الزمر:9] هذا مطلبهم؛ حَذَرُ الآخرةِ وطلبُ رحمةِ الله سبحانه وتعالى، ليلهم على هذا المنوال. هذه -يا إخوة- ليست أساطير، إنما هي سير أهل الفضل والصلاح، فهم قدوة للسالكين الذين يريدون أن يسلكوا مسلك أهل الفضل، مسلك عباد الرحمن الذين يبيتون لربهم، ليس مبيتهم في جدل طويل، وليس مبيتهم في لهوٍ وعبث، إنما مبيتهم لربهم سجداً وقياماً.
ومع هذا المبيت الطويل الذي يتقلبون فيه بين السجود والقيام والركوع، مع هذا المبيت الطويل لربهم على هذا النحو وعلى ذاك المنوال، فهم يقولون: ربنا اصرف عنا عذاب جهنم! هم يعملون الأعمال ويسألون الله القبول، لا يعملون الأعمال ويفتخرون بها، بل كما وصفهم ربهم: وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ
[المؤمنون:60].
سألت أمُّنا عائشة رضي الله عنها نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية وقالت: (يا رسول الله! وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ
[المؤمنون:60] أهو الرجل يسرق ويزني ويخاف أن يعاقب؟ قال: لا يا ابنة الصديق ! إنه الرجل يصوم ويتصدق ويصلي ويخاف أن لا يُقْبَل منه).
حالهم كحال إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام، رحمة الله عليك يا خليل الرحمن! ترفع القواعد من البيت أنت وولدك إسماعيل وتقولان: رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ
[البقرة:127]، ثم تطلبان من الله الثبات على الطريق حتى الممات:
رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ
[البقرة:128].
قال تعالى: وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ
[الفرقان:65] هكذا يتعوذون بالله من النار؛ لأنهم يعلمون أنه لا صارف للعذاب إلا هو سبحانه وتعالى.
وقوله تعالى: إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً
[الفرقان:65] أي: مستديماً ملازماً.
إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً
[الفرقان:66].
فليس فقط يبين لنا ربُّنا حالَنا في الليل وصَلاتَنا في الليل؛ ولكن منهجنا الذي نسلكه كذلك في الإنفاق يبينه لنا ربُّنا.
يبين لنا ربنا سبحانه اقتصادنا وكيف نكون فيه.
قال الله سبحانه: وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا
[الفرقان:67] هذا حالهم في الإنفاق، ليسوا بالمتهورين المسرفين المبذرين إخوان الشياطين، وليسوا بالشحيحين البخلاء المذمومين، الذين حازوا شر الأدواء وهو داء البخل، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من سيدكم يا بني
فعباد الرحمن مقتصدون في سيرتهم، مقتصدون في إنفاقهم، كما علمهم ربهم إذ قال: وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً
[الإسراء:29].
وكما قال: وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً
[الإسراء:26-27].
وكما قال: يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ
[الأعراف:31].
هكذا تسير وتضبط أمور الاقتصاد بضوابط ليس لها نظائر في التاريخ، وليس لها نظائر في العالم كله، إنفاق بقَدَر، وإمساك بقَدَر، وسط بين هذا وذاك، تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ
[فصلت:42].
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الاقتصاد والسمت الحسن جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة).
فكما يبين الله لنا أحوالنا في الليل، وكما يبين الله لنا أحوالنا في التفكر في آلائه، يبين لنا طريقتنا في الإنفاق كما قال ذلك سبحانه وتعالى: وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً
[الفرقان:67] أي: في اعتدال وتوسط.
فالحمد لله على هذا الدين القويم.
سئل النبي صلى الله عليه وسلم: (أي الذنب أعظم يا رسول الله؟ قال: أن تجعل لله نداً وهو خلقك) سبحانه وتعالى، هذا ذنب لا يُغفر بحال إذا مات عليه شخص.
قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً
[النساء:48].
وقال سبحانه: ... وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً
[النساء:116].
وقال سبحانه: وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ
[الأنعام:88].
وجاءت أمور أُخر تندرج تحت هذه البنود السالفة: كقتال الفئة الباغية التي ذكرها الله في كتابه: فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ
[الحجرات:9]، وكالمفسدين في الأرض من قطاع الطرق، وكمن عمل عمل قوم لوط، كما هو منصوص في أحاديث النبي عليه الصلاة والسلام.
وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً
[الفرقان:68] هذه الآية فيها رد على أهل الإرجاء الذين يقولون: إن الإيمان في القلوب فقط، وليس على عمل الجوارح ثواب أو عقاب، وهذا قول من أضل الأقوال وأبعدها عن تشريعات الحكيم الحميد سبحانه، أي: الذين يقولون: إن الأعمال تتأخر عن الاعتقاد، والله توعد القتلة وتوعد الزناة وتوعد أهل الشرك حيث قال:
وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً
[الفرقان:68].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ورأيت رجالاً ونساءً عراة على مثل التنور، يأتيهم لهب من أسفل منهم فيحرق فروجهم -تلك الفروج التي استمتعوا بها في الحرام- فيُسمع لهم صراخ ويُسمع لهم ضوضاء ويُسمع لهم عويل، سألتُ: مَن هؤلاء؟ قال: هؤلاء الزناة والزواني) عياذاً بالله من ذلك!
وقال سبحانه: يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً
[الفرقان:69] أي: ذليلاً مهاناً حقيراً والعياذ بالله!
قال تعالى: إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ
[الفرقان:70] فلا ينبغي لأحدٍ أن يُقَنِّطَ أحداً من رحمة الله، فهنيئاً للتائبين!
إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً
[الفرقان:70] فضُمَّ العمل الصالح إلى التوبة.
أفضل ما قيل في ذلك -والله أعلم بكتابه وبتأويله، إذ هو أنزله سبحانه وتعالى- إن المذنب التائب كلما تذكر الذنب أحدث له توبة، فمن ثَمَّ يحدث له ثواب على هذه التوبة، فكأن السيئة بُدِّلت حسنة، وكما يقول العلماء: رب زلة قدم زلها شخص أورثته توبةً وإنابةً واجتهاداً في العمل الصالح، فنال بسبب هذه الزلة توبةً كبيرة واستغفاراً هائلاً وأعمال بر واسعة، فبُدلت السيئات إلى حسنات، غُفِرت السيئة ثم بقي له من ثواب الاستغفار وثواب العمل الصالح الذي أتبعه بها.
فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً * وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَاباً
[الفرقان:70-71].
الشهادة هنا بمعنى الحضور، فتقول: شهد فلانٌ الشيءَ، أي: حضر فلان الشيءَ.
وتقول: شهد فلانٌ على الشيءِ، أي: أقام عليه إقراراً.
فالشهادة هنا بمعنى الحضور.
فقوله تعالى: وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ
[الفرقان:72] أي: لا يحضرون مجالس اللهو، ولا مجالس الشرك، ولا مجالس العبث، ولا مجالس المجون، فهذا ليس من دأبهم، ليس من ديدنهم، ليس من شأنهم.
هذا شأن سَقَطَة الناس وسَفَلَة الناس، هذا شأن الغافلين من الناس.
أما أولو الألباب فكما رُوِي عن يحيى بن زكريا عليهما السلام، وهو طفل صغير صبي يأتيه أصحابه فيقولون: (يا يحيى! هلم نلعب يا يحيى! فيقول: ما للعب خُلِقنا، ما للعب خُلِقنا).
وهذا من تأويل قوله تعالى: وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيَّاً
[مريم:12].
فأولو الألباب وعباد الرحمن لا يحضرون هذه المجالس المدنسة؛ مجالس اللهو والمجون، مجالس الغزل، مجالس العشق والحب الخليع، الذي يفعله أهل الوقاحة وأهل السفور وأهل التمرد وأهل العصيان.
هم لا يحضرون مثل هذه المجالس بحال من الأحوال، ولا يحضرون مجالس الشرك كذلك.
وكذلك هم لا يشهدون الزور بالمعنى المعهود للشهادات، فإذا دُعُوا إلى شهادة كانوا قوامين لله شهداء بالقسط، لا يشهدون الزور، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور، فما زال يكررها حتى قال الصحابة: ليته سكت!).
فهم إذا رءوا شيئاً شهدوا كما رءوا ليست شهادتهم للمشهود له، إنما شهادتهم لله، فإن الله أمر بإقامة الشهادة له، قال سبحانه: وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ
[الطلاق:2]، فثَمَّ شخصٌ يرى مجرماً يظلم شخصاً، فحينئذٍ يذهب ويقول كلمة الحق، فيرهِّبه الظالم ويخوفه ويهدده بإحراق بيته، أو بإحراق سيارته، أو بمكيدةٍ يدبرها له، فتخشى على الشاهد أمُّه، فتقول له: يا ولدي! ما لك وللناس، دعنا وشأننا ودعهم وشأنهم، يحاسبهم ربهم. هكذا تقول الأم الجاهلة التي جَبُنَتْ وتقاعست عن الحق، وتلقن ابنها الجُبن، فقلبها آثم.
أما الأم التقية الورعة فتقول لولدها: يا بني! توكل على الله، وقل قول الحق لله سبحانه.
فهنيئاً لك إذا جئت أمام الله وأنت مقتول، وليس لك ذنب إلا أنك قلت كلمة الحق ابتغاء وجه ربك سبحانه وتعالى.
علم هؤلاء الأفاضل من عباد الرحمن أن الشهادة لله ينبغي أن تقام لله، يجب أن تقام لله لا لأحد سواه، علموا قول الله تعالى: وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ * وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ
[الأعراف:181-182].
علموا قول نبيهم محمد عليه الصلاة والسلام: (إن المقسطين على منابر من نور يوم القيامة؛ الذين يعدلون في حكمهم وأهلهم وما وُلُّوا).
فكذلك علموا قول الله تعالى في كاتم الشهادة: وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ
[البقرة:283] أي: فاجر قلبه.
فلذلك قالوا كلمة الحق، قالوها ولم يخشوا في الله لومة لائم، علموا أن الله قادر على أن يستبدلهم بقوم آخرين.
قال الله سبحانه: وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً
[الفرقان:72]: لم ينلهم شيء من هذا اللغو، ولم ينلهم شيء من هذا الباطل.
فهم عمر أن يبطش به؛ لما قال له هذه المقالة: اتقِ الله يا ابن الخطاب! فإنك لا تعدل.
فقال الحر بن قيس مذكراً لأمير المؤمنين عمر - والحر كان من حملة كتاب الله-: يا أمير المؤمنين! إن هذا الرجل من الجاهلين، والله يقول: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ
[الأعراف:199].
قال: فوالله! ما تخطاها أمير المؤمنين عمر ولا تعداها، بل كان وقافاً عند كتاب الله عزَّ وجلَّ.
هؤلاء قوم وصفهم الله بقوله: إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمَّاً وَعُمْيَاناً
[الفرقان:73]، أي: لم يكونوا صماً عن استماعها، ولا عمياناً عن الانتفاع بها وإبصارها.
وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ
[الفرقان:74] لا يطلبون الولد للفخر ولا للخيلاء ولا للتباهي ولا للاستكثار أبداً، فإذا كان الولد سيأتي طالحاً والعياذ بالله! فبئس المجيء جاء، فليذهب وليمت في صغره، ولا يُبْكى عليه، فهاهو الخضر يقتل غلاماً بأمر الله! لِمَ قتله؟
قال: وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْراً
[الكهف:80]، وقال بعد ذلك:
وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي
[الكهف:82].
فكم من ولد أرهق أبويه طغياناً وكفراً!
فإذا كان الولد سيأتي على هذا النحو فسُحقاً وبُعداً لمثل هذا الولد.
أما إذا أتى الولد صالحاً فهنيئاً لمثل هذا، وليُسأل الرب سبحانه وتعالى مثل هذا، كما كان عباد الرحمن يسألون: رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ
[الفرقان:74] أي: ما تقر به أعيننا.
أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا
[الفرقان:75]، والغرف في أعالي الجنان، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم، كما تتراءون الكوكب الدري الغابر في السماء؛ لتفاضل ما بينهم. قالوا: يا رسول الله! تلك منازل الأنبياء لا يبلغها أحد غيرهم؟ قال: كلا، والذي نفسي بيده! رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: وإن
أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا
[الفرقان:75]: صبروا على ماذا؟
صبروا على التكاليف التي كلفهم الله بها، صبروا على جهل الجاهلين، صبروا على عبادة ربهم، صبروا على طاعة الله، صبروا على الجوع، صبروا على الخوف، صبروا عند البأساء وعند الضراء وحين البأس، أعرضوا عن اللغو، وصبروا على أذى المؤذين وجهل الجاهلين.
أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ
[الفرقان:75] بماذا؟ هل بالأماني أم بالأعمال؟
قال تعالى: يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا
[الفرقان:75]: رجل ترك فراشه الدافئ وزوجته الحسناء، وامرأة تركت فراشها وزوجها، والكل قام يصلي لله رب العالمين، الكل قام يسبغ الوضوء على المكاره، طالباً رضا الله سبحانه وتعالى، الكل يقتطع من ماله وينفق ابتغاء وجه الله، كل ذلك يُفْعَل سراً لا جهراً ولا رياءً ولا سمعةً، إنما يُبْتَغى بذلك وجه الرب الأعلى سبحانه وتعالى.
أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلاماً
[الفرقان:75] تحيةً مِن مَن؟ وتسليماً مِن مَن؟
قال تعالى: سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ
[يس:58]، وقال سبحانه:
وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ
مسلِّمين قائلين:
سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ
[الرعد:24].
سلام من الله، سلام من الملائكة، سلام من الأنبياء.
لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلا تَأْثِيماً * إِلَّا قِيلاً سَلاماً سَلاماً
[الواقعة:25-26].
وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلاماً
[الفرقان:75]: كل ذلك -بعد توفيق الله- بصبرهم، كما قال تعالى:
وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ
[السجدة:24].
وكما قال تعالى عن الخليل إبراهيم: وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ
[البقرة:124]: قام بهن خير قيام، صبر على النار إذ ألقي فيها، وصبر على ذبح ولده إذ أُمِر بذبحه، وصبر على الختان إذ أُمِر بالاختتان وهو ابن ثمانين سنة، فاختتن بالقَدُوم، آلةِ النجار المعروفة، وصبر على لقاء الجبابرة، وصبر على بناء الكعبة، صبر على خصال الفطرة، فالله قال له بعد هذا الصبر:
إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً
[البقرة:124].
وهكذا عباد الرحمن يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلاماً * خَالِدِينَ فِيهَا
[الفرقان:75-76] أي: لا يتحولون عنها أبداً،
لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً
[الكهف:108].
خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرّاً
[الفرقان:76]: نِعْم المقر ونِعْم المقام.
قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ
[الفرقان:77]: لولا إيمانكم، لولا صلاتكم، وكما قال النبي عليه الصلاة والسلام فيما قبل مبعثه: (إن الله سبحانه نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عَرَبَهم وعَجَمَهم، إلا غبرات من أهل الكتاب) أي: بقايا من أهل الكتاب كانوا يقومون على طاعة الله.
فالذي لا يطيع ربه ولا يؤمن به لا يبالي به الله سبحانه وتعالى، لا يُهْتَمُّ به ولا يُلْتَفَتُ إليه، بل هو كالأنعام، بل هو أضل سبيلاً.
قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ
[الفرقان:77]: لولا إيمانكم، ولولا تصديقكم، ولولا صلاتكم، وإلا فالله لا يعبأ بكم.
فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَاماً
[الفرقان:77]: أي: سوف يكون العذاب كائناً ولا بد للمكذب وللمعرض.
جنبنا الله وإياكم التكذيب، ورزقنا الله وإياكم التصديق، وأورثنا الله وإياكم الغرف نحن وأزواجنا وذرياتنا والمؤمنين.
وصلى الله على نبينا محمدٍ وسلَّم تسليماً كثيراً، والحمد لله رب العالمين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وبعد:
الجواب: مَن كان داخل الخلاء فهو بين أمرين:
- إما أنه قاعد على حاجته يقضيها يبول أو يتغوط، فهذا جاء له نظير من سنة النبي عليه الصلاة والسلام، من حديث ابن عمر: (أن رجلاً مر على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول فسلم عليه، فلم يرد النبي صلى الله عليه وسلم عليه السلامَ. -وفي بعض الروايات-: أن النبي ذهب إلى جدار بعد أن قضى حاجته، وتيمم، ورد عليه السلامَ).
- وإما أن يكون في الخلاء ولا يبول، فلا أعلم مانعاً من الرد إذا كان واقفاً مجرد وقوف، إلا أن من أهل العلم من يقول: إن من توقير اسم الله ألا يكون في مثل هذا الموطن، فينبغي أن تخرج وترد عليه السلامَ؛ لكن ورد في الباب حديث كذلك، مؤداه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الرجلين قد كشفا عن عورتيهما يتخليان، يتغوطان ويتحدثان، فقال: إن الله يمقت على ذلك)؛ لكنه حديث ضعيف الإسناد.
والله سبحانه أعلم.
الجواب: ورد أن الرسول عليه الصلاة والسلام مسح صدر بعض أصحابه؛ لكن هل هي سنة مطردة أو كانت للحاجة؟
الظاهر: أنها كانت للحاجة، كما في بعض الطرق عن عثمان بن أبي العاص الثقفي : (أنه كان قد ولاه الرسول صلى الله عليه وسلم على الطائف، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وشكا إليه شيئاً يجده في الصلاة منذ أسلم، وأن الشيطان يلبِّس عليه صلاته -ففي بعض الروايات-: أن النبي عليه الصلاة والسلام مسح على صدره).
وكذلك ورد أن النبي عليه الصلاة والسلام ضرب بيده في صدر جرير بن عبد الله لما قال: (يا رسول الله! إني لا أثبت على الخيل، فضرب النبي بيده في صدره، فقال: اللهم! ثبته، واجعله هادياً مهدياً، فلم يسقط عن خيله بعد ذلك) أو كما ورد.
فالظاهر: أن هذا وارد للحاجة، والله سبحانه وتعالى أعلم.
الجواب: هذا الاصطلاح: أناشيد إسلامية، وغير إسلامية، اصطلاح جديد ظهر الآن؛ لكن بالنسبة للأناشيد عموماً، منها ما هو محرم، ومنها ما هو مباح، والأناشيد زمن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يوجد منها، وتقال في المناسبات، كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام لـعائشة يوم أن ذهبت إلى عرس للأنصار ثم رجعت: (ماذا كان معكم من اللهو؟ فإن الأنصار يعجبهم اللهو -والرسول لم يكن يحسن الشعر، كما لا يخفى عليكم- فقال لها: قولي: أتيناكم أتيناكم، فحيانا وحياكم، ولولا الحبة السوداء، ما حلت بواديكم) إلى آخر ما قال عليه الصلاة والسلام، ولم يكن صلى الله عليه وسلم بمتقن للشعر؛ لأن الله يقول: وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ
[يس:69].
وقد ورد أيضاً في هذا الباب أن النبي قال: (اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة، فانصر الأنصار والمهاجرة).
وكان في بعض الأحيان يُخَالف فيها، فيقول: (... فانصر المهاجرة والأنصار)، وهذا دليل على عدم ضبطه للشعر صلى الله عليه وسلم، وهذا من مناقبه صلى الله عليه وسلم، وذلك أن ربنا قال: وَمَا يَنْبَغِي لَهُ
[يس:69]، هو نبي وسيد ولد آدم عليه الصلاة والسلام.
الشاهد من ذلك: أن مؤدى الأناشيد هذه: إن كان للخير وفي مناسبات ولم يُتَّخَد دَيدناً، فلا بأس به، وإن كان اتُّخِذ دَيدناً وعادةً، وفيه حث على الفجور وعلى الخمور وتصوير المحرمات وتصوير الفواحش فهو حرام، وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ
[البقرة:205].
وتوضيح السؤال: أن السائل يقول: إنه قريبٌ منا في الشارع الخلفي مسجدٌ تقام فيه الصلوات على بُعد ثلاثين متراً، هل يجوز تحويله إلى دار لتحفيظ القرآن الكريم؟
الجواب: لا يحوَّل إلى دار للتحفيظ، بل يحفظ القرآن فيه ويبقى على ما هو عليه.
الجواب: هذا الحديثُ ثابتٌ وصحيحُ الإسناد بلا شك.
لكن ينقل النووي رحمه الله تعالى عن جماهير السلف والخلف: أنهم أوَّلوا القطع، وقالوا: إن المراد قطع الخشوع ونقص الخشوع.
فلا شك أن المرأة إذا مرت أمام رجل يصلي، الشيطان يدخل له من هذا الباب، فيفكر في هذه المرأة.
فنقل النووي عن جماهير العلماء أن المراد بالقطع قطع الخشوع، وليس المراد بالقطع قطع الإبطال.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
الجواب: نعم، يجوز؛ لأنها من ذوات الأسباب، وبلال قال له النبي عليه الصلاة والسلام: (دلني على أرجى شيء عملتَه، فإني سمعت دف نعليك بين يدي في الجنة! قال: ما توضأت في ساعة من ليل أو نهار إلا صليت بذلك الطهور ما كتب الله لي أن أصلي).
الجواب: لك أجر، ولن يَتِرَكَ اللهُ عملَك إن شاء الله.
الجواب: جمهور أهل العلم على الجواز في صلاة النافلة، مستدلين بأن ذكوان مولى عائشة كان يؤم بـعائشة من المصحف، ومستدلين بأن النبي كان يحمل أمامة في الصلاة.
أما ابن حزم فله رأي في هذه المسألة ضعيفٌ، وهو أنه يقول: بعدم الجواز مستدلاً بحديث: (إن في الصلاة لشغلاً)، ولذلك يقول بالبطلان!
لكن الجمهور على التجويز كما سمعتم.
الجواب: مُنازَعٌ في صحته، والظاهر لي: أن إسناده صحيح.
الجواب: سؤال يحتاج إلى إيضاح:
فتحريك الإصبع في التشهد مِن عدمه كل ذلك مروي من طريق راوٍ يقال له: عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر ، قال وائل : (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يشير بإصبعه في الصلاة)، رواه عن وائل على هذا النمط وبهذا السياق: (رأيت النبي يشير بإصبعه في الصلاة) عاصم عن أبيه عن وائل ، ورواه عن عاصم خمسة عشر شخصاً بهذا اللفظ.
وجاء شخص آخر يقال له: زائدة بن قدامة رواه عن عاصم وهو نفس الشيخ بلفظ: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يشير بإصبعه في الصلاة يحركها)، فزاد زائدة لفظة: (يحركها)، فعمل بها بعض العلماء، وأبى الآخرون أن يعملوا بها وقالوا: رواية الخمسة عشر أصح من هذا الراوي الأخير؛ لأن روايتهم ذكرت الإشارة فقط، والله أعلم.
الجواب: نعم، يجوز الصلاة في الحرم، ثم تنصرف.
الجواب: حديث: (داووا مرضاكم بالصدقة) إسناده ضعيف.
الجواب: لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء في ذلك، إنما الوارد أن أنساً كان يدعو هو وأهله بعد ختم القرآن.
الجواب: لا تأثم، إذ لا دليل على التأثيم.
الجواب: هذا عملٌ يدخل في اتخاذ آيات الله هزواً والعياذ بالله يرقصن على أنغام فيها اسم الله سبحانه! هذا لا يفعله ذو دِين.
والرقص برمته لم يكن معهوداً في نساء الصحابة أمام بعضهن البعض.
أما بالنسبة للزغاريد: فقد ورد حديث: (صوتان ملعونان: صوت رنة عند نعمة، ورنة عند مصيبة)؛ لكن الحديث إسناده ضعيف.
فإذا جلس النساء يزغردن حيث لا يسمعهن رجال، ولا يفتتن بهن رجال، فالزغاريد لا أعلم نصاً يحرمها؛ لكن إن كانت هذه الزغاريد ستفتن رجالاً، فحينئذٍ اللهُ لا يحب الفساد.
- أما بالنسبة للتكشف فإن التكشُّف معروفٌ حدَّه، وحد التكشّف إجمالاً كما قال بعض أهل العلم -وهذا رأي ابن تيمية-: إن عورة المرأة على المرأة من السرة إلى الركبة، وقال آخرون: إن عورة المرأة على المرأة ما يظهر غالباً من المرأة كالشعر والساق؛ لكن حيثما وجدت فتنة فاللهُ لا يحب الفساد.
وصلى الله على نبينا محمد وسلَّم تسليماً كثيراً.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر