إسلام ويب

فضائل الشام وبيت المقدسللشيخ : سيد حسين العفاني

  •  التفريغ النصي الكامل
  • للشام فضائل كثيرة، ومناقب جمة وفيرة، ذكرها الله في كتابه، وأخبر بها النبي عليه الصلاة والسلام، فهي الأرض المباركة، وهي أرض الرباط والجهاد، ومقر الطائفة المنصورة، وبها عمود الكتاب والسنة. ويكفيها من الفضائل أن بها بيت المقدس ثاني مسجد عبد فيه الله على وجه الأرض، وللمسجد الأقصى مناقب كثيرة كذلك.

    1.   

    رثاء شهداء الأقصى

    إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله تعالى فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102]

    يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1]

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار، وإن ما قل وكفى خير مما كثر وألهى، وإن ما توعدون لآت وما أنتم بمعجزين.

    ثم أما بعد:

    شهداؤنا بين المقابر يهمسون:

    والله إنا قادمون

    في الأرض ترتفع الأيادي

    تنبت الأصوات في صمت السكون

    تتساقط الأحجار يرتفع الغبار..

    تضيء كالشمس العيون..

    والله إنا راجعون

    شهداؤنا خرجوا من الأكفان فانطلقوا صفوفاً ثم راحوا يهتفون

    عار عليكم أيها المستسلمون

    وطن يباع وأمة تجتاح قطعاناً وأنتم نائمون

    شهداؤنا فوق المنابر يخطبون

    قاموا إلى نابلس فصلوا في مساجدها

    وزاروا المسجد الأقصى وطافوا في رحاب القدس واقتحموا السجون..

    شهداؤنا في كل شبر من ثرى الوطن المكبل ينبتون

    في كل ركن من ربوع الأمة الثكلى أراهم يخرجون

    شهداؤنا وسط المجازر يهتفون:

    الله أكبر منك يا زمن الجنون!

    شهداؤنا يتقدمون

    أصواتهم تعلو على أسوار نابلس الحزينة

    في الشوارع في المفارق يهدرون..

    إني أراهم في الظلام يحاربون

    رغم انتشار الضوء في الوطن المكبل بالمهانة والدمامة والمجون..

    والله إنا عائدون..

    أكفاننا ستضيء يوماً في رحاب القدس..

    سوف تعود تقتحم المعاقل والحصون..

    شهداؤنا في كل شبر يصرخون.

    يا أيها المتنصرون!

    كيف ارتضيتم أن ينام الذئب في وسط القطيع وتأمنون؟!

    وطن بعرض الكون يعرض في المزاد

    وطغمة الجرذان في الوطن الجريح يتاجرون

    أحياؤنا الموتى على الشاشات في صخب النهاية يسكرون..

    من أجهض الوطن العريق وكبل الأحلام في كل العيون

    يا أيها المتشرذمون!

    سنخلص الموتى من الأحياء من سفه الزمان العابث المجنون..

    والله إنا قادمون..

    شهداؤنا في كل شبر في البلاد يزمجرون..

    جاءوا صفوفاً يسألون:

    يا أيها الأحياء ماذا تفعلون؟!

    في كل يوم كالقطيع على المذابح تصلبون

    تتسربون على جناح الليل كالفئران سراً للذئاب تهرولون..

    وأمام أمريكا تقام صلاتكم فتسبحون

    وتطوف أعينكم على الدولار فوق ربوعه الخضراء يبكي الساجدون..

    صور على الشاشات جرذان تصافح بعضها

    والناس من ألم الفجيعة يضحكون..

    في صورتين تباع أوطان وتسقط أمة

    ورءوسكم تحت النعال وتركعون..

    في صورتين تسلم القدس العريقة للذئاب

    ويسكر المتآمرون..

    شهداؤنا في كل شبر يصرخون:

    القدس تسبح في الدماء وفوقها الطاغوت يهدر في جنون..

    القدس تسألكم: أليس لعرضها حق عليكم؟

    أين فر الراقدون؟!

    وأين غاب البائعون؟!

    وأين راح الهاربون الصامتون الغافلون الكاذبون؟!

    صمتوا جميعاً والرصاص الآن يخترق العيون.

    وإذا سألت سمعتهم يتصايحون.

    هذا الزمان زمانهم -أي: من يقدر على أمريكا؟- في كل شيء في الورى يتحكمون.

    لا تسرعوا في موكب البيع الرخيص

    فإنكم في كل شيء خاسرون..

    لن يترك الطوفان شيئاً كلكم في اليم يوماً غارقون.

    تجرون خلف الموت والنخاس يجري خلفكم

    وغداً بأسواق النخاسة تعرضون..

    لن يرحم التاريخ يوماً من يفرط أو يخون..

    كهاننا يترنحون

    فوق الكراسي هائمون

    في نشوة السلطان والطغيان راحوا يسكرون..

    وشعوبنا ارتاحت ونامت في غيابات السجون..

    نام الجميع وكلهم يتثاءبون

    فمتى يفيق النائمون..

    متى يفيق النائمون؟

    1.   

    فضائل بلاد الشام في القرآن

    بيت المقدس كنز الله من أرضه، وفيه كنزه من عباده، والبركة في بيت المقدس وبلاد الشام ثبتت بآيات من كتاب الله عز وجل، فحين نقول: إقليم الشام، فإنا نعني به الإقليم الذي كان إقليماً موحداً في ظل دولة الخلافة العثمانية حتى اتفاقية سايكس بيكو، فجاء الإنجليز والفرنسيون وقسموا ذلك الإقليم إلى أربع دويلات هي: سورية ولبنان والأردن وفلسطين، فعندما يقال في الشرع: الشام، فإن المقصود بها: سورية ولبنان والأردن وفلسطين.

    ولهذه البقاع مكانة في كتاب الله عز وجل وفي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففيها سيكون تمام دولة الإسلام وملكه في آخر الزمان، وهي حرز المؤمنين عند وقوع الفتن، وإليها يهاجر خيار أولياء الله.

    تعالوا معي في رحلة لفضائل الشام وبيت المقدس.

    قال تعالى عن إبراهيم عليه السلام: وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء:71]

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية : معلوم أن إبراهيم إنما نجاه الله ولوطاً إلى أرض الشام من أرض الجزيرة والعراق.

    وقال ابن جرير الطبري : لا خلاف بين أهل العلم أن هجرة إبراهيم من العراق كانت إلى الشام.

    فهذه الآية تثبت البركة لبلاد الشام وفلسطين.

    وقال الله تبارك وتعالى عن موسى ومن معه بعد أن نجاه من فرعون: وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا [الأعراف:137].

    قال الحسن : هي الشام.

    وقال قتادة : هي أرض الشام.

    وقال ابن تيمية : معلوم أن بني إسرائيل إنما أورثوا مشارق أرض الشام ومغاربها بعد أن أغرق فرعون في اليم.

    وقال الله تبارك وتعالى على لسان موسى لقومه: يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ [المائدة:21]، والأرض المقدسة أي المطهرة.

    قال قتادة : هي أرض الشام.

    وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : هي أرض الشام.

    ومملكة سليمان بارك الله تبارك وتعالى فيها وكانت في بيت المقدس، قال الله تبارك وتعالى: وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ [الأنبياء:81]، قال ابن زيد : هي بلاد الشام. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : إنما كانت تجري إلى أرض الشام التي فيها مملكة سليمان وبالذات في بيت المقدس.

    وقال تعالى في قصة سبأ: وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ [سبأ:18]،

    قال مجاهد : القرى التي بارك الله فيها هي الشام.

    وقال قتادة : هي أرض الشام. وقال ابن عباس : هي الأرض المقدسة.

    وقال الله تبارك وتعالى: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الإسراء:1]، فأيضاً بارك الله حول بيت المقدس.

    قد يفت في عضد الناس أن إسرائيل معها قنابل وصواريخ وتستطيع أن تدك المسجد الأقصى في لحظة، فيسقط في أيدي الناس ويخلدون إلى اليأس وإلى النوم العميق.

    نقول لهم: إن هذه الأرض مباركة، ومكان المسجد نفسه مبارك، فالمسجد الأقصى ثاني مسجد بني على وجه الأرض، فبينه وبين بناء الكعبة أربعون عاماً كما سنبين.

    واختلف العلماء فيمن بناه أولاً هل هو آدم أم إبراهيم أم إسرائيل؟ ثم جدد بناءه سيدنا سليمان، وحينما دخله النبي صلى الله عليه وسلم كان عبارة عن أطلال وبقايا سور تحيط بالمسجد، فحتى لو أن الإسرائيليين هدموا المسجد الأقصى فإنه يبنى مرة ثانية، فقد جدد بناءه عبد الملك بن مروان ، وجدد بناءه أبو جعفر المنصور ، وجدد بناءه خلفاء عباسيون وزادوا فيه.

    العبرة هي أن الأرض التي أقيم عليها المسجد أرض مباركة فلا يفت في عضد الناس، بل هيكل اليهود نسف مرتين ودمر تدميراً كاملاً ولم يبق فيه أثر لطوبة واحدة، وبرغم ذلك يقولون: الهيكل.

    والمسلمون يقولون: إسرائيل هدت الجامع إذاً نحن لا نستطيع أن نعمل شيئاً، وسنبقى قاعدين!!

    فهذه القشة إنما تقصم ظهر المتغافل.

    قال الله تبارك وتعالى: وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ [سبأ:18] أي: بين مملكة سبأ. وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا [سبأ:18] التي هي بلاد الشام. قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ [سبأ:18].

    وقال الله تبارك وتعالى: وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ [يونس:93]، قال الضحاك : هي بلاد الشام.

    وقال قتادة: هي الشام وبيت المقدس. مُبَوَّأَ صِدْقٍ [يونس:93] يعني هذه الأرض أرض صدق أقسم الله تعالى بها.

    تكلم الله عن الربوة فقال: وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ [المؤمنون:50] هي بيت المقدس.

    وأقسم الله عز وجل بمنابت التين والزيتون فقال: وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ [التين:1-3] ومنابت التين في بلاد الشام، ومنابت الزيتون في الجبل الذي عليه بيت المقدس.

    وأرض الشام وفلسطين هي أرض المحشر، قال الله تبارك وتعالى: وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ [ق:41].

    قال ابن جرير الطبري : واستمع يا محمد -صلى الله عليه وسلم- صيحة القيامة يوم ينادي بها منادينا من موضع قريب، وكأنه ينادي بها من صخرة بيت المقدس، وهذا قول قتادة وكعب قال: ملك قائم على صخرة بيت المقدس.

    والسور الذي يضربه الله جل وعلا بين المنافقين والمؤمنين في عرصات القيامة هو السور الشرقي لبيت المقدس، الذي يطل باطنه على المسجد الأقصى ويطل على وادٍ يسمى وادي جهنم، وهذا الوادي في القدس، قال الله تبارك وتعالى: يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ [الحديد:13].

    قال عبد الله بن عمرو بن العاص عن هذا السور: هو السور الشرقي باطنه المسجد وظاهره وادي جهنم.

    فهذه آيات تكلمت عن بركة وطهارة وقدسية هذه الأراضي.

    1.   

    فضائل بلاد الشام على لسان الرسول المصطفى

    بسط الملائكة أجنحتها على الشام

    أما الفضائل التي ثبتت لبلاد الشام ولبيت المقدس بالسنة فعظيمة، وكل فضيلة ثبتت لبلاد الشام فهي أيضاً ثابتة لبيت المقدس؛ لأنه جزء من بلاد الشام.

    أولاً: بسط الملائكة أجنحتها على الشام.

    فعن زيد بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (يا طوبى للشام، يا طوبى للشام، يا طوبى للشام! قالوا: يا رسول الله! وبم ذاك؟ قال: تلك ملائكة الله باسطو أجنحتها على الشام).

    وطوبى تأنيث أطيب، وهو دعاء بطيب العيش والراحة والسعة، قال عز الدين بن عبد السلام : أشار صلى الله عليه وسلم أن الله سبحانه وتعالى وكل الملائكة بالشام يحرسونها ويحفظونها.

    الشام صفوة بلاد الله

    الفضيلة الثانية لبلاد الشام: أنها صفوة بلاد الله من أرضه يُسكنها عز وجل خيرته من خلقه:

    قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عليكم بالشام، فإنها صفوة بلاد الله يسكنها خيرته من خلقه، فمن أبى فليلحق بيمنه وليسق من غدره فإن الله عز وجل تكفل لي بالشام وأهله) .

    (فمن أبى) أي: من أبى السكنى بالشام.

    (وليسق من غدره) الغدر جمع غدير، والغدير هو الجزء من الماء الذي يتركه السيل بعد انصرافه من الأرض، وهذا معروف في بلاد الشام كثيراً، يعني: لا يتنازع الناس على الماء وليشرب كل من غديره الخاص به.

    وقال النبي صلى الله عليه وسلم لـعبد الله بن حوالة : (عليك بالشام فإنها خيرة الله من أرضه، يجتبي إليها خيرته من عباده، فإما إن أبيتم فعليكم بيمنكم واسقوا من غدركم، فإن الله تكفل لي بالشام وأهله).

    وجاء في حديث أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الشام صفوة الله من أرضه، وفيها صفوته من عباده).

    تكفل الله بأهل الشام

    المنقبة الثالثة لأهل الشام ومنها أهل فلسطين: أن الله تكفل بأهل الشام:

    قال سيدنا عبد الله بن حوالة الصحابي الجليل، وسيدنا سعيد بن عبد العزيز إمام أهل الشام: من تكفل الله به فلا ضيعة عليه.

    فقد يقول لك قائل: كيف يكون قوله: (فلا ضيعة عليه) وهاهي إسرائيل تدك الأرض دكاً؟!

    والجواب لمثل هذا: لا تأخذ حقبة معينة من الزمن أو مدة قصيرة من الزمن وتنظر إليها على أنها تاريخ الأمم، وإلا فبالله عليك ماذا تساوي إسرائيل بجانب التتر؟ وماذا تساوي إسرائيل بجانب الحملات الصليبية التي اشتركت فيها كل جيوش الغرب؟ وكلها تحطمت على صخرة بيت المقدس.

    سيدنا شيخ الإسلام ابن تيمية كان يعلم أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم في بلاد الشام، فلما جاءت معركة مرج الصفر التي شارك فيها بنفسه أمام جيوش المغول والتتر أشار على السلطان محمد بن قلاوون أن يخرج بالجيش المصري لتكون المعركة على أرض الشام، لكي لا يلتقوا بجيش التتر في مصر، وإنما يخرجون من مصر ويجتمعون مع الجيش الشامي، فاجتمعوا وكانت المعركة على أرض الشام في معركة مرج الصفر وكان فيها انتصار عظيم للمسلمين.

    وعندما دُمِّر جيش الخلافة وقتل الخليفة واجتاحت جيوش التتر دولة الخلافة تصدى للتتر الجيش المصري المسلم، فخرج قطز من مصر إلى بلاد الشام لتكون المعركة على أرض الشام وهي معركة عين جالوت، وكان بطلها الجيش المصري ومعه الشامي ولكن المعركة كانت في بلاد الشام.

    وكذلك معركة حطين، فعندما جاءت الحملات الصليبية التي قتلت من المسلمين سبعين ألف مسلم يوم أخذوا بيت المقدس، وقد قتلوهم في سبعة أيام أو في ثلاثة أيام حتى غاص القائد الصليبي -الذي أخذ بيت المقدس- في جثث المسلمين وفي دمائهم إلى ركبتيه.

    ثم أتى صلاح الدين ليدمر جيوش الصليبيين في معركة حطين الفاصلة، التي كانت نهاية الوجود الرومي كله، وكانت في بلاد الشام.

    وقد قال هرقل: سلام عليك يا سورية سلام مودع لا يراك بعد هذا أبداً، وذلك حين خرج من الشام وكانت تصفية الإمبراطورية الرومية من أرض الشام.

    وهذا لا يعني أن إسرائيل قوة صغيرة.

    ومما يذكر أنه في السبعينات هبطت طائرة شراعية فيها سوري وتونسي وفلسطينيان، وفتحوا رشاشاتهم على قاعدة عسكرية من قواعد الجيش الإسرائيلي فقتلوا العشرات بل بالمئات ثم قتلوا، فوقف قائد الكتيبة الإسرائيلي وعظم هؤلاء الأبطال؛ وأدى لهم التحية العسكرية بعد موتهم اعترافاً ببطولتهم.

    فالإنسان لا ينظر إلى وقت الضيق، ولكن نقول: إن العاقبة للمتقين، بل انظر إلى رجل مبتدع دوخ إسرائيل، فما ظنك لو جاء رجل من أهل السنة والجماعة.

    فهذا خميني العرب حسن نصر الله ، مع أنه مبتدع ويتكلم على الصحابة وعلى السيدة عائشة، وكذلك حزب الله، ولكن على الرغم من ابتداعهم فقد أدبوا إسرائيل، فما ظنك إذاً بالملتزمين من أهل السنة؟

    عمود الكتاب والإسلام سيكون بالشام

    دعاء النبي صلى الله عليه وسلم للشام بالبركة

    والنبي صلى الله عليه وسلم دعا بالبركة للشام، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: (صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر ثم أقبل على القوم فقال: اللهم بارك لنا في مدينتنا، وبارك لنا في مدنا وصاعنا، اللهم بارك لنا في حرمنا، وبارك لنا في شامنا. فقال رجل من أهل العراق: وفي العراق؟ فسكت ثم عاد قال الرجل: وفي عراقنا. فسكت ثم قال: اللهم بارك لنا في مدينتنا، وبارك لنا في مدنا وصاعنا، اللهم بارك لنا في شامنا، اللهم اجعل مع البركة بركة، والذي نفسي بيده! ما من المدينة شعب ولا نقب إلا عليه ملكان يحرسانها حتى تقدموا عليها).

    وفي حديث آخر أن النبي قال: (اللهم بارك لنا في شامنا، اللهم بارك لنا في يمننا، قالوا: وفي نجدنا؟ قال: اللهم بارك لنا في شامنا، اللهم بارك لنا في يمننا، قالوا: وفي نجدنا؟ قال: هناك الزلازل والفتن، وهناك يطلع قرن الشيطان)، وفي رواية: (وفيها تسعة أعشار الشر).

    والصوفية قالوا: إن المقصود الشر الذي أخبر عنه عليه الصلاة والسلام محمد بن عبد الوهاب ، إذاً محمد بن عبد الوهاب شيطان الأمة!

    وقد فهم الحافظ ابن حجر العسقلاني والإمام الخطابي أن المقصود بقوله: (وفي نجدنا) ما نجد من الأرض، أي: ما ارتفع من الأرض، وهي أرض العراق، ولو لم يكن في العراق إلا صدام لكفى، فقد كان سبباً في موت مليون ونصف طفل، وهو ممن تبنوا دعوى العنترية الجاهلية القومية العربية، ومؤسس حزب البعث، وقد دك المسلمين من الأكراد بالنووي وبالصواريخ ودمّر قراهم تدميراً كاملاً، وهو تلميذ نجيب لـميشيل عفلق .

    والقومية العربية كانت سبباً في كل الهزايم والدمار، وسبباً في التصاق الناس بالأرض وبعدهم عن السماء، وارتباطهم بالوحي انتهى، وأصبح ارتباطهم بالتعاليم الكاذبة؛ تعاليم الأرض المخالفة لتعاليم السماء، ثم بعد ذلك تكون النهاية المؤسفة، فما انتصر الناس في معركة إلا بالإسلام.

    الشام ميزان لصلاح الناس

    من مناقب الشام: أنها ميزان لصلاح الناس، وميزان للصلاح والفساد في أمة الإسلام:

    فهي ميزان القسط لأمة الإسلام، وهذا بنص حديث النبي صلى الله عليه وسلم عن معاوية بن قرة عن أبيه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا فسد أهل الشام فلا خير فيك).

    وقال: (لا تزال طائفة من أمتي منصورين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة).

    ويوصي النبي صلى الله عليه وسلم بسكنى بلاد الشام ويفضلها على اليمن وعلى غيرها في آخر الزمان فهذا دليل على أفضليتها.

    أرض الشام أرض رباط وثغر جهاد

    وأرض الشام أرض رباط وثغر وجهاد إلى يوم القيامة كما قال بذلك عز الدين بن عبد السلام ، وكما قال بذلك شيخ الإسلام ابن تيمية ، وبنص حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سلمة بن نفيل الكندي رضي الله عنه قال: (كنت جالساً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رجل: يا رسول الله! أهان الناس الخيل، أهان الناس الخيل وامتهنوها وقالوا: لا جهاد) ولنا هنا وقفة، فقد أقسم الله عز وجل بخيل الحرب فقال: وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا * فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا * فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا [العاديات:1-3] فهل خيلنا خيل حرب؟! والله ما هي بالعاديات ضبحاً، ولا هي بالموريات قدحاً، ولا هي بالمغيرات صبحاً، بل هي خيل لعب ولهو ودنيا.

    بعد أن كان يركب عليها أبو سليمان خالد بن الوليد ، لصباحه المجد ولذكراه السلام، وكان يركب عليها صلاح الدين ، فمن الذي يركب عليها الآن؟! هذا الفرق بيننا وبينهم.

    ألا يا صلاح الدين هل لك عودة فإن جيوش الروم تنهى وتأمرُ

    حصانك في سينا يشرب دمعه ويا لعذاب الخيل إذ تتذكرُ

    وتأبى جراحي أن تضم كفاها كأن جراح الحب لا تتخثرُ

    تأخرت يا أغلى الرجال فليلنا طويل وأضواء القناديل تسهرُ

    حصانك في سيناء يشرب دمعه وجندك في حطين صلوا وكبروا

    وتبكيك من شوق مآذن مكة وتبكيك بدر يا حبيبي وخيبرُ

    ويبكيك سفساط الشام ودورها ويبكيك ظهر الغوطتين وتدمرُ

    نساء فلسطين تكحلن بالأسى وفي بيت لحم قاصرات وقصَّرُ

    وليمون يافا يابس في حقوله وهل شجر في قبضة الظلم يُثمرُ

    وأصرخ يا أرض المروءات فاحبلي لعل صلاحاً ثانياً سوف يظهرُ

    جاء في الحديث: (أن رجلاً قال: يا رسول الله! أذال الناس الخيل ووضعوا السلاح وقالوا لا جهاد قد وضعت الحرب أوزارها، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجهه فقال: كذبوا؛ الآن جاء القتال، ولا يزال من أمتي أمة يقاتلون على الحق ويزيغ الله لهم قلوب أقوام ويرزقهم منهم حتى تقوم الساعة، وحتى يأتي وعد الله، والخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة، وهو يوحى إلي أني مقبوض غير ملبث، وأنتم تتبعوني؛ ألا فلا يضرب بعضكم رقاب بعض، وعقر دار المؤمنين بالشام) وهذا هو الشاهد.

    فيكذِّب النبي صلى الله عليه وسلم من يقول إن الحرب قد وضعت أوزارها، ثم قال: (عقر دار المؤمنين بالشام) يعني: موطن أصل الإيمان سيكون بالشام عند نزول الفتن.

    خيار أهل الأرض ألزمهم للشام

    ومن فضائل أهل الشام: أن خيار أهل الأرض ألزمهم مهاجر إبراهيم، ومهاجر إبراهيم هي بلاد الشام وخاصة فلسطين.

    عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (سيكون هجرة بعد هجرة، فخيار أهل الأرض ألزمهم مهاجر إبراهيم).

    ألزمهم: يعني من يلتزمون المكان ولا يرحلون عنه، فهم لا يجلسون فيه فترة ويتركونه وإنما يقيمون فيه إقامة دائمة.

    قال: (ويبقى في الأرض شرار أهلها تلفظهم أرضوهم وتقذرهم نفس الله وتحشرهم النار مع القردة والخنازير).

    وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لتكونن هجرة بعد هجرة إلى مهاجر أبيكم إبراهيم حتى لا يبقى في الأرض إلا شرار أهلها تلفظهم أرضوهم وتقذرهم نفس الرحمن، وتحشرهم النار مع القردة والخنازير).

    قال شيخ الإسلام ابن تيمية : إن رسولنا صلى الله عليه وسلم جعل مهاجر إبراهيم يعدل مهاجره صلى الله عليه وسلم، وقد انقطعت الهجرة إلى مهاجره صلى الله عليه وسلم بفتح مكة ولا تبقى إلا الهجرة إلى بلاد الشام.

    الطائفة المنصورة في بلاد الشام

    وفي بلاد الشام الطائفة المنصورة:

    فعن عمير بن هانئ رضي الله عنه قال: سمعت معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما على هذا المنبر يقول: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس).

    قال مالك بن يخامر السكسكي : يا أمير المؤمنين! سمعت معاذ بن جبل يقول: هم بالشام.

    وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث سعد بن أبي وقاص : (لا يزال أهل الغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة). قال الإمام أحمد وشيخ الإسلام ابن تيمية : أهل الغرب هم أهل الشام، فهم غرب المدينة المنورة، فلقد كان أهل المدينة يطلقون على الإمام الأوزاعي إمام أهل الشام: إمام أهل المغرب، فالمشرق والمغرب شيء نسبي، كل مدينة لها شرق وغرب، فالشام مغرب بالنسبة للمدينة.

    وقد يقول قائل: إن النبي صلى الله عليه وسلم حدد الطائفة المنصورة هنا بأنها طائفة مقاتلة تقوم بأمر الله وحددها في بلاد الشام، والإمام أحمد بن حنبل وشيخه يزيد بن هارون وعلي بن المديني قرينه في طلب العلم، والإمام البخاري قالوا: الطائفة المنصورة هم أهل الحديث. فكيف توفق بين القولين؟

    قال الإمام النووي : إن الطائفة المنصورة مفرقة بين أنواع المؤمنين، فمنهم شجعان مقاتلون، ومنهم محدثون، ومنهم زهاد، ومنهم آمرون بالمعروف وناهون عن المنكر، والطائفة باعتبار زمانها، ففي أيام الإمام أحمد بن حنبل كان حفاظ الحديث والمحدثون هم الذين ينافحون عن الإسلام ويدافعون عنه أمام فلسفة اليونان وعلم الكلام، فهم الذين تصدوا للفلسفة اليونانية وحفظوا دين الأمة، ورفعوا النقل فوق العقل، ولولا صمود الإمام أحمد في محنة خلق القرآن لضاع الإسلام كما قال ذلك علي بن المديني، ففي وقت من الأوقات كان حفاظ الحديث هم الدرع الواقي للإسلام، وقد ينخفض صوتهم في زمان وتظل البركة فيهم، ولكن يقوم بأمر الله طائفة أخرى من الأمة وهم المقاتلون الذين يذودون عن الإسلام وعن حمى الإسلام، فهم طائفة مفرقة بين أنواع الطوائف الإسلامية من أهل السنة.

    كثرة الشهداء ببلاد الشام

    ومن فضائل بلاد الشام: كثرة شهداء بلاد الشام وأرض فلسطين، ونوع من شهدائهم أفضل الشهداء عند الله بنص حديث النبي صلى الله عليه وسلم.

    فعن أبي عسيب مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أتاني جبريل بالحمى والطاعون فأرسلت الحمى إلى المدينة وأرسلت الطاعون إلى الشام) .

    فأكثر المناطق في الأمة تعرضاً للطاعون بلاد الشام، وأكثر المناطق تعرضاً للحمى هم أهل المدينة.

    قال: (الطاعون شهادة لأمتي ورحمة لهم ورجس على الكافرين).

    وطاعون عمواس مات فيه الآلاف، ومنهم أمين هذه الأمة أبو عبيدة، وأعلم الناس بالحلال والحرام معاذ بن جبل.

    ومات فيه شرحبيل بن حسنة ، وعبد الرحمن بن معاذ بن جبل ، دخل عليه والده معاذ بن جبل قبل الموت، فقال: يا عبد الرحمن ! كيف تجدك؟ قال: يا أبت الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ [آل عمران:60]، ثم أصيب معاذ في إبهامه فجعل يقبله ويقول: إنك لصغير وقد يبارك الله في الصغير فيصبح كبيراً، فلما جاءه الموت قال: اخنق خنقك، فوعزتك إنني أحبك، حبيب جاء على فاقة لا أفلح من ندم، اللهم إني كنت أخافك وأنا اليوم أرجوك، اللهم إنك تعلم أني ما كنت أحب البقاء في الدنيا لغرس الأشجار ولا لكري الأنهار، وإنما لظمأ الهواجر ومكابدة الساعات ومزاحمة العلماء بالركب عند حلق الذكر.

    أما كون أفضل الشهداء هم من أهل الشام فهذا في آخر الزمان وفي يوم الملحمة وفي أكبر معركة بين النصارى والمسلمين في الغوطة، وأرض الغوطة قريبة من دمشق، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة حتى ينزل الروم بالأعماق أو بدابق، فيخرج إليه جيش من المدينة -والمدينة هنا هي دمشق بنص الأحاديث التي سنذكرها- من خيار أهل الأرض يومئذ، فإذا تصافوا قالت الروم -أي النصارى الذين هم بنو الأصفر- خلوا بيننا وبين الذين سبوا منا نقاتلهم، فيقول المسلمون: لا والله لا نخلي بينكم وبين إخواننا، فيقاتلونهم فينهزم ثلث لا يتوب الله عليهم أبداً، ويقتل ثلث هم أفضل الشهداء عند الله، ويفتتح الثلث لا يفتنون أبداً فيفتتحون القسطنطينية).

    والنبي صلى الله عليه وسلم يقول في حديث آخر: (والله! إني لأعرف أسماءهم وأسماء آبائهم ولون خيولهم).

    والقسطنطينية تفتح مرتين، والتي هي أسطنبول، مرة على يد محمد الفاتح الذي فتحها وكان عمره اثنتين وعشرين سنة، وكان شيخه الشيخ آغا شمس الدين يغدو به وهو لا زال صغيراً حتى يشرف به على البحر ويقول: أتنظر هذه المدينة يا بني؟ هذه مدينة القسطنطينية سيفتحها أمير مسلم هو خير الأمراء، ويفتحها جيش من خير الجيوش عند الله، ثم يخرج به مرة ثانية بعد ثلاثة أيام أو أربعة أيام كذلك، فكبر الطفل ومعه الأمل أنه ربما يكون هو الفاتح.

    وينشأ ناشئ الفتيان فينا على ما كان عوده أبوه

    وإذا كان رب البيت بالدف ضارباً فشيمة أهل البيت كلهم الرقص

    والفتح الثاني سيكون آخر الزمان بعد يوم الملحمة الكبرى التي ينتصر فيها المسلمون على الجمع الكبير من النصارى، وهم أربعون لواء تحت كل لواء اثنا عشر ألف مقاتل يهزمهم المسلمون.

    وما قاله نبينا على العين والرأس نصدق به ونوقن به، فممكن أن تكون حرب آخر الزمان بالسيوف، ولا تتعجب فإن أكبر علماء الجيولوجيا في الغرب يقولون: إن نجوماً كبيرة تنفجر في الجو بما يسمى موت النجوم، وإذا التصق نجم منها بالأرض وانفجر فسينهي كل ما على الأرض من أدوات إلكترونية.

    في الشام شجر يشبه شجرة طوبى في الجنة

    ومن فضائل الشام: أن بها شجر الجوز يشبه شجرة طوبى في الجنة:

    ففي حديث عتبة بن عبد السلمي حديث الأعرابي الذي أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: (في الجنة فاكهة؟ قال: نعم، وبها شجرة تدعى شجرة طوبى وهي شجرة تطابق الفردوس. قال: أي شجر أرضنا تشبه؟ قال: ليس شبه شيء من شجر أرضك، ولكن أتيت بلاد الشام؟ قال: لا. قال: إن فيها شجرة تسمى الجوزة تنبت على ساق واحدة ثم تتفرع ثم تنتشر ثم ينتشر أعلاها) فهذه الشجرة تشبه شجرة طوبى بنص حديث النبي صلى الله عليه وسلم.

    الشام آخر ديار الإسلام خراباً

    ومن فضائلها: أنها آخر الديار الإسلامية خراباً:

    كما روى سيدنا معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خراب بيت المقدس خراب يثرب، وخراب يثرب خروج الملحمة، وخروج الملحمة فتح القسطنطينية)

    يعني: وبعد فتح القسطنطينية خروج الدجال، آيات يتلو بعضها البعض، والشام كما قلنا أرض المحشر والمنشر.

    بشرى المولد النبوي كانت من الشام

    وهناك شيء جميل من فضائل الشام متعلق بميلاد النبي صلى الله عليه وسلم.

    عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: (قلت: يا نبي الله! ما كان بدء أمرك؟ قال: دعوة أبي إبراهيم، وبشرى عيسى، ورأت أمي نوراً أضاءت منه قصور الشام)، وهذا الحديث صححه الشيخ الألباني في كتابه صحيح السيرة، والمقصود بقصور الشام أي: التي ببصرى، قال العلامة ابن كثير : وهذه بشرى طيبة ومكانة عظيمة لأهل محلتنا بصرى.

    ولذلك كانت أول مدينة من بلاد الشام حررت من قبضة الروم صلحاً، وأول فتح للمسلمين في بلاد الشام كانت مدينة بصرى.

    1.   

    فضائل بيت المقدس

    وجود المسجد الأقصى ببيت المقدس

    ثم بعد ذلك خص الله عز وجل بيت المقدس بفضائل منها أن بها المسجد الأقصى.

    فعن أبي ذر رضي الله عنه قال: (قلت: يا رسول الله! أي مسجد وضع على الأرض أولاً؟ قال: المسجد الحرام. قلت: ثم أي؟ قال: المسجد الأقصى. قلت: كم بينهما؟ قال: أربعون سنة، وأينما أدركتك الصلاة فصل فإنه مسجد).

    قال الحافظ ابن حجر العسقلاني : إن أول من بنى الكعبة هو آدم عليه السلام، ثم بناه بنوه من بعده.

    وقول ثان: إن إبراهيم عليه السلام هو الذي بنى المسجد الحرام ثم ارتحل بعد بناء المسجد الحرام إلى الشام موطنه ومهاجره فبنى بها المسجد الأقصى، فإبراهيم خليل الرحمن هو باني المسجدين.

    والقول الثالث: إن إبراهيم بنى الكعبة ثم بنى من بعده حفيده يعقوب المسجد الأقصى، والذي جدد البناء بعد ذلك هو سليمان بن داود عليه السلام.

    بيت المقدس مهاجر بعض الأنبياء وموطن موتهم

    ومن الفضائل: أنها أرض هاجر إليها إبراهيم ولوط، فمات إبراهيم بمدينة الخليل، فهي أرض يموت فيها خليل الرحمن إذاً هي أرض مباركة، ثم بعد ذلك تطؤها أقدام أنجاس الأرض من اليهود الملاعين.

    وموسى عليه السلام يسأل ربه عند الموت أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية بحجر، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أرسل ملك الموت إلى موسى فلما جاءه صكه ففقأ عينه، فرجع إلى ربه وقال: أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت، فرد الله إليه عينه، وقال: ارجع إليه وقل يضع يده على متن ثور فله بما غطت يده من الثور بكل شعرة سنة، قال: أي رب! ثم ماذا؟ قال: ثم الموت. قال: فالآن، فسأل الله أن يدنيه من الأرض المقدسة -من فلسطين- رمية بحجر، ولكنه مات بالأردن عليه السلام، قال: فلو كنت ثم لأريتكم قبره إلى جانب الطريق عند الكثيب الأحمر).

    فسيدنا موسى خرج ببني إسرائيل لفتح بيت المقدس ولكن لم يجعل الله تبارك وتعالى الفتح على يديه، فلما جاءه الموت تمنى من ربه أن يدنيه من الأرض المقدسة فمات قريباً منها.

    حبس الشمس ليوشع بن نون حتى يفتح بيت المقدس

    ومن الفضائل: أن يوشع بن نون فتى موسى الذي قال الله فيه: وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ [الكهف:60] حبست له الشمس حتى يفتحها.

    وهو نبي عظيم من بني إسرائيل صلى الله عليه وسلم، قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (ما حبست الشمس على بشر قط إلا على يوشع بن نون ليالي سار إلى بيت المقدس) أي: أن ربنا حبس له الشمس حتى يتم فتح بيت المقدس؛ لأنه دخل بيت المقدس لأجل أن يفتحه وكان عصر يوم الجمعة، وقد قاربت الشمس على المغيب، فقال: أنت مأمورة وأنا مأمور، اللهم احبسها علينا. فحبسها وأوقف الشمس لهذه المدينة المباركة حتى أتم يوشع بن نون فتحها.

    قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (غزا نبي من الأنبياء فقال لقومه: لا يتبعني رجل ملك بضع امرأة وهو يريد أن يبني بها ولما يبن بها) أي: أنه عقد على واحدة ولم يدخل بها، (ولا أحد بنى بيوتاً ولم يرفع سقوفها، ولا أحد اشترى غنماً أو خلفات وهو ينظر ولادها، فدنا من القرية صلاة العصر -أو قريباً من ذلك- فقال للشمس: إنك مأمورة وأنا مأمور، اللهم احبسها علينا فحبست حتى فتح الله عليه).

    فهذه من فضائل القدس التي حبس الله من أجلها الشمس.

    حدائي حزين..

    ترى هل سئمتم حدائي الحزين..

    وماذا سأفعل قلبي حزين؟

    زماني حزين..

    تقاطيع وجهي..

    وجدران بيتي

    حزين حزين..

    حزين حزين..

    فجدران بيتي دمار وريح..

    وبين الجوانح قلب جريح..

    فحيح الأفاعي يحاصر بيتي..

    ويعبث في الصمت صوت كريه.

    متى راح عهد قبيح السمات.

    رأينا له كل يوم شبيه..

    حزين الدار يا صاح.

    جراحاتي تغذيني.

    ودوماً تنزف القدسُ..

    تعاتبنا وتسألنا

    ويصرخ خلفنا الأمسُ..

    وما يضنيك يا قدساه يا أختاه يضنيني

    وما يبكيك يبكيني..

    لأنك عشت في دمنا

    فهذا الجرح في عينيك

    شيء لا تداريه..

    وجرحي.. آه من جرحي

    قضيت العمر يؤلمني وأخفيه..

    وما يضنيك يا قدساه يا أختاه يضنيني

    وما يبكيك يبكيني..

    لأنك عشت في دمنا

    فلن ننساك رغم البعد

    كنت أنيس وحدتنا

    ونهراً من ظلال الغيب يروينا يطهرنا..

    وقد ننسى أمانينا

    وقد ننسى محبينا

    وقد ننسى طلوع الشمس من غدنا

    وقد ننسى غروب الحلم من يدنا

    ولن ننسى مآذننا..

    ستجمعنا دماء قد سكبناها

    وأيام أضعناها

    ويجمعنا ويجمعنا..

    ولن ننساك لن ننساك يا قدس!!

    بيت المقدس ديار الأنبياء

    ومن فضائل بيت المقدس أنها ديار يعقوب عليه السلام، فإسرائيل هو الذي بنى المسجد الأقصى، على أحد أقوال أهل العلم.

    بينما الملاعين من يهود يقولون: إن روابيل بن إسرائيل زنا بامرأة أبيه، وإن يعقوب علم بذلك وسكت، فهذا النبي العظيم أبو يوسف جعلتموه ديوثاً، النبي الكريم بن الكريم جعلتموه قواداً؟

    بل قالوا: إن يعقوب سرق مواشي حميهم، وهذا كله كذب وافتراء على أنبياء الله.

    ومن الفضائل: أنه كان بالقدس محراب داود عليه السلام قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: (كان داود أعبد البشر)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أحب الصلاة إلى الله صلاة داود، وأحب الصيام إلى الله صيام داود؛ كان يصوم يوماً ويفطر يوماً، وكان ينام نصف الليل ثم يقوم ثلثه ثم ينام سدسه).

    ولم يسلم داود عليه السلام من اليهود فقد قالوا عنه: إنه عندما كبر داود وشاخ أتوا إليه بفتيات صغيرات يدفئنه، وقالوا: إن ابن داود زنا بأخته.

    وقالوا: إن لوط سقتاه ابنتاه الخمر فلما سكر ضاجعهما وحملتا منه.

    فهم قتلة الأنبياء، والسفاكون، فالحرب بيننا وبينهم ليست لأجل قطعة أرض فقط، بل هي حرب دينية فقد سموا نبينا وقتلوا أنبياء الله عز وجل، وقالوا في مريم ما قالوا، وهم قتلة يحيى وزكريا.

    قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن سليمان بن داود لما بنى بيت المقدس سأل ربه خلالاً ثلاثاً: سأل الله حكماً يصادف حكمه -أي يوافق حكم الله عز وجل- فأعطيه، وسأل الله ملكاً لا ينبغي لأحد من بعده فأعطيه، وسأل الله حين فرغ من بناء البيت ألا يأتيه أحد لا ينهزه إلا الصلاة فيه أن يخرجه من خطيئته كيوم ولدته أمه، أما اثنتان فقد أعطيهما، وأرجو أن يكون قد أعطي الثالثة) فمن خرج من بيته يريد الصلاة ببيت المقدس غفر الله له كل ذنوبه ما تقدم من ذنوبه.

    فكيف تترك هذه الأرض لليهود؟ أفلا يشتاق كل منا إلى غفران ذنبه؟ والنبي صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الذي سنتلوه: (وليوشكن أن يكون للرجل مثل شطن فرسه من الأرض بحيث يرى منه بيت المقدس خير له من الدنيا وما فيها).

    محراب مريم في بيت المقدس

    ومن فضائل هذه الأرض: أن فيها محراب مريم التي تولت خدمة بيت المقدس:

    قال تعالى: كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ [آل عمران:37] أي: في المسجد الأقصى، وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ [آل عمران:37]، والمقصود بالمحراب: محراب المسجد الأقصى، وهو محراب زكريا عليه السلام.

    ففي المسجد الأقصى سالت دموع زكريا وانطلقت دعواته خاشعة تبلل أجواء المسجد، فسأل ربه أن يهبه غلاماً يرث به ميراث يعقوب من النبوة فقال: يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ [مريم:6] فأعطى الله عز وجل لزكريا ما تمنى في بيت المقدس.

    فكان الميلاد الفذ ليحيى، فيعطاه والده وقد كبر وطعن في السن وشاخ، وأمه كانت عاقراً، لكن يعطيه الله تبارك وتعالى جزاء التبتل والطاعة والرغبة والرهبة والخشوع لله تبارك وتعالى.

    ويسميه الله جل وعلا يحيى وما سمى قبله أحداً، فهذا الاسم الفريد الذي ما تسمى به أحد سمي الله عز وجل ابن زكريا به، وجعله الله سيداً وحصوراً ونبياً من أنبياء بني إسرائيل، فذبحوه من أجل راقصة تسمى سالومي كانت عشيقة للملك هي وأمها، وأراد الملك أن يتزوج من بعض محارمه فوقف له نبي الله يحيى، وكانت عشيقة الملك تريد شيئاً من الفجور مع يحيى فأبى عليها وهو السيد الحصور، فتمنت أن تكيد ليحيى فقالت لابنتها: إذا قال لك الملك في ساعة صفاء ما تريدين فقولي له: أريد رأس يحيى. ففعلت، فدعا بقاتلين من بني إسرائيل فذهبا وذبحا نبي الله يحيى، ثم أتت البنت برأس يحيى إلى أمها، ثم أتت إلى أمها فغاصت في الأرض إلى كعبيها، ثم إلى ركبتيها، ثم إلى حقويها، فنادت أمها السياف فقالت: جز رأس بنتي، فقد خافت عليها أن تغوص في الأرض بشكل كامل كما جزت رأس يحيى جُزَّ رأسها أمام أمها، بل وبأمر أمها.

    ثم بعد ذلك كان الميلاد الفذ لسيدنا عيسى عليه السلام وقد كان بأرض فلسطين؛ لكن اليهود قالوا في مريم ما قالوا: وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا [النساء:156].

    ثم أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس وكان الإسراء بالروح والجسد، فقد رأى المسجد الأقصى رؤيا عين وليست رؤيا منامية.

    فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لقد رأيتني في الحجر وقريش تسألني عن مسراي، فسألتني عن أشياء من بيت المقدس لم أثبتها، فكربت كربة ما كربت مثلها قط، قال: فرفعه الله إلي أنظر إليه ما يسألوني عن شيء إلا أنبأتهم به، وقد رأيتني في جماعة من الأنبياء فإذا موسى قائم يصلي، فإذا رجل ضرب جعد كأنه من رجال شنوءة، وإذا عيسى بن مريم قائم يصلي أقرب الناس به شبهاً عروة بن مسعود ، وإذا إبراهيم قائم يصلي أشبه الناس به صاحبكم -يعني: نفسه- فحانت الصلاة فآذنتهم، فلما فرغت من الصلاة قال قائل: يا محمد! هذا مالك صاحب النار فسلم عليه، فالتفت إليه فبدأني بالسلام).

    وقد أنكر صلاته صلى الله عليه وسلم بالنبيين سيدنا حذيفة بن اليمان ولكن هذا القول خالف فيه كل الصحابة، وأنكر كذلك أنه ربط البراق بالحلقة التي كان يربط فيها الأنبياء، ولكن هذا القول لا يصح.

    الشاهد أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بالأنبياء إماماً في هذه الليلة، والصلاة اختلف فيها أهل العلم فمن قائل يقول: إنه صلى قبل أن يعرج إلى السماء، ولكن الشيخ الألباني يقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم أسري به فدخل المسجد ثم صلى فيه ركعتين وربط الدابة بالحلقة التي كانت تربط بها الأنبياء، ثم عرج إلى السماء فعرفه جبريل بالأنبياء كل في سماء، وبعد أن عرفه نزل بهم إلى الأرض فصلى بهم في بيت المقدس.

    قال الشيخ الألباني : وهذا هو الصحيح.

    والشيخ ابن كثير يقول: سواء كان هذا أو ذاك فهما ثابتان، والأصح أنه صلى بهم بعد أن نزل بهم من فصلى بهم في المسجد الأقصى، يعني: عرفهم أولاً في السماوات ثم أتى فصلى بهم في المسجد الأقصى.

    وصلى النبي صلى الله عليه وسلم بالنبيين إماماً واعترفوا له بأنه نبي هذا الزمان، وإليه صارت ملكية هذا المكان ولقومه من بعده.

    خطا موسى على زبد الصحاري تشق عن الرمال هوى دفينا

    هوى تتفتح الأكمام منه وتنفح من بشائره يقينا

    دعاء أبيه إبراهيم بشرى يرجع من صداها المرسلونا

    تفض على صفوف العيب نصراً لأحمد يأخذ العهد الأمينا

    بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم.

    1.   

    فضائل المسجد الأقصى

    والمسجد الأقصى قبلة المسلمين الأولى، صلى النبي صلى الله عليه وسلم نحوها وهو في مكة، ثم صلى نحوها ستة عشر وهو في المدينة، فكانت قبلة المسلمين الأولى.

    وبيت المقدس أحد المساجد الثلاثة التي تشد إليها الرحال كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى).

    والصلاة فيه بمائتين وخمسين صلاة، فعن أبي ذر رضي الله عنه قال: (تذاكرنا ونحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم أيهما أفضل، مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أم بيت المقدس؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صلاة في مسجدي هذا أفضل من أربع صلوات فيه، ولنعم المصلى هو، وليوشكن أن يكون للرجل مثل شطن فرسه من الأرض حيث يرى منه بيت المقدس خير له من الدنيا جميعاً)، وهذا الحديث أخرجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي وأخرجه المقدسي في فضائل بيت المقدس، وصححه الشيخ الألباني في تحذير الساجد.

    وعن ميمونة بنت كعب مولاة النبي صلى الله عليه وسلم قالت: (قلت: يا رسول الله! أفتنا في بيت المقدس، قال: أرض المحشر والمنشر ائتوه فصلوا فيه فإن صلاة فيه كألف صلاة في غيره، قلت: أرأيت إن لم أستطع أن أحمل إليه؟ قال: من لم يستطع أن يأتيه فليهد إليه زيتاً يسرج فيه؛ فإن من أهدى إليه زيتاً كمن أتاه) صححه البوصيري في مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجة والحافظ العراقي والإمام الطحاوي وأيضاً قواه الإمام النووي في المجموع، وصححه الشيخ الألباني في تخريج أحاديث فضائل الشام ودمشق، ثم عاد وضعفه في ضعيف سنن ابن ماجة ، والصحيح أن هذا الحديث ضعيف، ولكن حديث أبي ذر هو الحديث الصحيح.

    1.   

    قصيدة في البكاء على القدس

    ونختم بهذه القصيدة نحدوها لكم باسم مرثية حزن:

    دعني وجرحي فقد خابت أمانينا هل من زمان يعيد النبض يحيينا

    يا ساقي الحزن لا تعجب ففي وطني نهر من الحزن يجري في روابينا

    كم من زمان كئيب الوجه فرقنا واليوم عدنا ونفس الجرح يدنينا

    جرح عميق خدعنا في المداوينا لا الجرح يشفى ولا الشكوى تعزينا

    كان الدواء سموماً في ضمائرها فكيف جئنا بداء كي يداوينا

    هل من طبيب يداوي جرح أمته هل من إمام لدرب الحق يهدينا

    كان الحنين إلى الماضي يؤرقنا واليوم نبكي على الماضي ويبكينا

    من يرجع العمر منكم من يبادلني يوماً بعمري ويحيي طيف ماضينا

    إنا نموت فمن بالحق يبعثنا لم يبق شيء سوى صمت يواسينا

    صرنا عرايا أمام الناس يفزعنا ليل تخطى طويلاً في مآقينا

    صرنا عرايا وكل الأرض قد شهدت أنا قطعنا بأيدينا أيادينا

    يوماً بنينا قصور المجد شامخة والآن نسأل عن حلم يوارينا

    نابلس في اليم ماتت قدسنا ذبحت ونحن في العار نسقي وحلنا طينا

    أي الحكايا ستروى عارنا جلل نحن الهوان وذل القدس يكفينا

    هذي دمانا رسول الله تغرقنا هل من زمان بنور العدل يحمينا

    أي الدماء شهيد كلها حملت في الليل يوماً سهام القهر تردينا

    القدس في القيد تبكي من فوارسها دمع المنابر يشكو للمصلينا

    أقزامنا ضيعونا حينما فسقوا باعوا المآذن والقرآن والدينا

    أقزامنا أشعلوا النيران في غدنا ومزقوا الصبح في أحشاء وادينا

    ما لي أرى الخوف فينا ساكناً أبدا ممن نخاف ألم نعرف أعادينا

    أقزامنا من أضاعوا السيف من يدنا وأودعونا سجون الليل تطوينا

    أقزامنا من توارى صوتهم فزعاً والأرض تسبى ونابلس تنادينا

    أقزامنا أوهمونا آه كم زعموا وكم خدعنا بوعد عاش يشقينا

    قد خدرونا بصبح كاذب زمناً فكيف نأمل في يأس يمنينا

    أي الحكايا تروى عارنا جلل نحن الهوان وذل القدس يكفينا

    من باعنا خبروني كلهم صمتوا والأرض صارت مزاداً للمرابينا

    هل من زمان نقي في ضمائرنا يحيي الشموخ الذي ولى فيحيينا

    يا ساقي الحزن دعني إنني ثمل إنا شربناه قهراً ما بأيدينا

    عمري شموع على درب المنى احترقت والعمر ذاب وصار الحلم سكينا

    قم من ترابك يا ابن العاص في دمنا ثأر طويل لهيب العار يكوينا

    قم يا بلال وأذن صمتنا عدم كل الذي كان طهراً لم يعد فينا

    هل من صلاح يداوي جرح أمته ويطلع الصبح ناراً من ليالينا

    هل من صلاح يعيد السيف في يدنا أو تبتروها فقد شلت أيادينا

    جرحي عنيد وجرحي أنت يا وطني جئنا نداويك تأبى أن تداوينا

    إني أرى القدس في عينيك ساجدة تبكي عليك وأنت الآن تبكينا

    ما زال في العين طيف القدس يجمعنا لا الحلم مات ولا الأحزان تنسينا

    وقد ننسى أمانينا

    وقد ننسى محبينا

    وقد ننسى طلوع الشمس من غدنا

    وقد ننسى غروب الحلم من يدنا

    ولن ننسى مآذننا

    ولن ننسى مآذننا

    ستجمعنا دماء قد سكبناها

    وأمجاد أضعناها

    وأيام حلمناها

    ويجمعنا ويجمعنا ويجمعنا

    ولن ننساك لن ننساك يا قدس

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756346757