إسلام ويب

فتاوى نور على الدرب (462)للشيخ : عبد العزيز بن باز

  •  التفريغ النصي الكامل
    1.   

    حكم نبش القبور لغرض توسيع المسكن

    المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا وسيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.

    مستمعي الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله أوقاتكم بكل خير.

    هذه حلقة جديدة مع رسائلكم في برنامج نور على الدرب، رسائلكم في هذه الحلقة نعرضها على سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ، الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.

    مع مطلع هذه الحلقة نرحب بسماحة الشيخ، ونشكر له تفضله بإجابة السادة المستمعين، فأهلاً وسهلاً بالشيخ عبد العزيز.

    الشيخ: حياكم الله وبارك فيكم.

    المقدم: أهلاً وسهلاً بالشيخ.

    ====السؤال: أولى رسائل هذه الحلقة رسالة وصلت إلى البرنامج من المستمع صالح حتاش العامري الأخ صالح يقول في رسالة له: نزلت بموقع وبنيت مسكني فيه، وكان بالقرب من المنزل قبور قديمة منذ مائة وخمسين سنة كما يقال، وبمرور الأيام وتزايد عدد الأسرة كان حتماً علينا توسيع المسكن، وحيث أن التوسعة يحال دونها من قبل تلك القبور، أرجو إفادتي، هل يجيز لي الشرع إزالة هذه المقابر ودفنها في جهة أخرى أم ماذا، أرجو إفادتي؛ لأني حائر بين أمرين: ضيق المنزل وعظم حرمة الموتى لدي، جزاكم الله خيراً؟

    الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.

    أما بعد:

    فليس لك التعرض للقبور، بل يجب عليك أن تجتنبها وتحترمها وتحذر التعدي عليها؛ لأنها سابقة لك فهي أحق بمكانها، وأهلها أولى بمكانهم إلا إذا كانت القبور قليلة قبرين أو ثلاثة، ففي الإمكان أن تكتب لنا حتى نكتب للمحكمة هناك وتعطينا الخبر الحقيقي عن ذلك، أما إذا كانت قبور كثيرة فاجتنبها ولا تتعرضها بشيء؛ لأنها سابقة وهي أولى بمكانها، أما قبران أو ثلاثة شاذة عن القبور فاكتب لنا عنها وننظر في الأمر إن شاء الله بواسطة المحكمة التي لديكم.

    1.   

    حكم بيع إخلاء القدم بعد انتهاء مدة الاستئجار

    السؤال: رسالة وصلت إلى البرنامج من المستمع محمد علي العجلان يقول في الرسالة: من المعاملات الشائعة بين الناس استئجار المحلات بثمن محدود وتأجيره لآخر بمبلغ أكثر من الأجرة الأولى، في نظير العودة إلى الأجرة السابقة في الأعوام القادمة، وهذا ما يعرف لدى العامة بنقل القدم، وللتوضيح نضرب مثالاً لذلك، يستأجر أحدنا محلاً بمبلغ عشرين ألف ريال مثلاً، ويطلب ممن يريد استئجاره منه أن يدفع مبلغ عشرة آلاف ريال في نظير إخلائه وتسليمه إياه والعودة إلى الأجرة السابقة وهي عشرون ألف ريال في الأعوام القادمة، ما حكم المال الذي أخذ بهذه الطريقة وهو المعروف بنقل القدم؟

    الجواب: أما نقل القدم فلا يجوز الأخذ عنه؛ لأنه ليس ملكاً له بل ملك للمالك، الدكان والبيت ملك للمالك، أما إذا أجر مدته التي قد ملكها بالأجرة فلا بأس أن يؤجرها بأكثر، فإذا استأجر بيتاً أو دكاناً بعشرين ألفاً ثم أجره بأكثر من ذلك فلا حرج في ذلك، أما إذا انتهت مدته فليس له أن يبيع نقل القدم ويأخذ عوضاً عن نقل القدم وقد انتهت مدته، فالحق ليس له بل للمالك ومدته انقضت، فليس له أن يأخذ عن خروجه شيئاً؛ لأنه ما بقي له حق، بل الحق للمالك وهو انتهت مدته، ولا يجوز له أن يأخذ نقل قدم؛ لأنه ليس له مقابل.

    1.   

    حكم خروج المرأة للعمل بدون إذن الزوج لحاجتها لذلك

    السؤال: رسالة وصلت إلى البرنامج من إحدى الأخوات المستمعات، تقول: سودانية مقيمة بأبو ظبي أم سلمة عبد الرحيم الشريم بركات ، الرسالة مكونة من ست صفحات ملخص ما في هذه الرسالة أنه نشأ بينها وبين زوجها خلاف على عملها، حيث يرى عدم جواز عملها وترك البيت، بينما هي محتاجة جداً إلى العمل لتنفق على بعض أفراد أسرتها وأقاربها، وترجو من سماحة الشيخ التوجيه جزاكم الله خيراً؟

    الجواب: الواجب على الزوجة طاعة زوجها في مثل هذا وترك العمل؛ لأن بقاءها في البيت فيه مصالح كثيرة للزوج والذرية والأولاد، ومصالح أخرى في حفظها وسلامتها من الأخطار، فالواجب طاعة زوجها في هذا، وأن تبقى في بيتها، إلا إذا كانت قد شرطت عليه عند العقد أنها تبقى في عملها من تدريس أو تمريض ونحو ذلك فالمسلمون على شروطهم، إلا أن تسمح هي وتترك العمل بنفسها، وأما إذا كانت لم تشرط هذا فلا يحق لها العمل إلا بإذنه، والله ولي التوفيق.

    1.   

    نصيحة الابن لأمه إذا كانت لا تحافظ على الصلاة

    السؤال: رسالة وصلت إلى البرنامج من المستمع فاضل حميد غربي من قرية سموم قضاء سامراء العراق، في رسالته أكثر من سؤال في أحدها يقول: إنني كثيراً ما أرشد والدتي إلى الصلاة وأقول لها: صلي، لكنها تغضب علي باليومين والثلاثة وتصلي أحياناً وتنقطع أحياناً، بم تنصحونني والحال ما ذكر، جزاكم الله خيراً؟

    الجواب: ننصحك بالاستمرار في نصيحتها بالكلام الطيب والأسلوب الحسن، مع الدعاء لها في صلاتك وفي غير صلاتك، أن الله يهديها ويوفقها للاستقامة على الحق، والمحافظة على الصلاة في أوقاتها، ولا تسأم ولا تمل واجتهد في نصيحتها في جميع الأوقات، لكن باللطف والكلام الطيب والأسلوب الحسن لا بالشدة والعنف؛ لأن حقها عظيم وعليك مع هذا أن تدعو لها في صلاتك في السجود وفي آخر الصلاة قبل السلام وفي الليل وفي آخر الليل وفي غير هذا من الأوقات، تدعو لها أن الله يمن عليها بالهداية وأن الله يشرح صدرها للحق وأن يمن عليها بالمحافظة على الصلاة، وإذا استعنت بغيرك من أبيك إن كان موجوداً أو إخوتك الآخرين أو أخوالك أن يساعدوك على ذلك في نصيحتها بالأسلوب الحسن فهذا شيء طيب، ولعل الله أن يهديها بأسبابكم.

    1.   

    حكم تأدية الصلاة قبل دخول الوقت

    السؤال: المستمع خضر محمود علي بعث برسالة ضمنها جمعاً من الأسئلة يقول: إذا صليت أحد الفروض قبل موعد الصلاة بما يقرب من عشر دقائق وكان ذلك سهواً مني، هل تسقط عني تلكم الصلاة أم ما زالت في ذمتي؟

    الجواب: إذا صليتها قبل الوقت فهي باطلة ولا تسقط عن ذمتك، فإذا صليت الظهر قبل الزوال أو المغرب قبل غروب الشمس أو الفجر قبل طلوع الفجر فالصلاة باطلة، عليك أن تعيدها ولا تبرأ الذمة إلا بإعادتها، ولا يجوز لك أن تصلي قبل الوقت أبداً بل أنت آثم وعليك التوبة من ذلك، والله المستعان.

    1.   

    حكم الكذب غير المتعمد

    السؤال: يسأل ويقول: القول الكذب من غير قصد هل هو حرام؟

    الجواب: إذا كنت تظن أنك صادق فلا شيء عليك، أما التعمد فلا يجوز لك، لكن لو قلت: قدم فلان أو سافر فلان وتعتقد أنه هو الواقع ثم بان لك أنك غلطان فلا حرج عليك، لكن عليك التثبت في الأمور وعدم العجلة، حتى تكون أخبارك صادقة وثابتة، وحتى لا ترمى بأنك متساهل وأنك لا تبالي بالكلام، فالمؤمن هكذا يتحرى ولا يعجل في الأمور، حتى إذا حدث حدث عن يقين وعن صدق وفق الله الجميع.

    1.   

    حكم الاكتفاء بوضوء واحد ليوم كامل

    السؤال: هل الاحتفاظ بالوضوء ليوم كامل يجوز؟

    الجواب: لا حرج في ذلك إذا استطعت، أما إذا كان ذلك فيه مشقة فلا، تحدث وتتوضأ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا صلاة بحضرة طعام ولا وهو يدافعه الأخبثان) يعني: البول والغائط، فإذا بقيت على الطهارة من دون مشقة صليت بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء فلا بأس، لكن إذا كان عندك مشقة مثل الريح أو البول أو غيرهما، فاقض حاجتك ولا تشق على نفسك، بل اقض حاجتك هذا هو الأفضل وهذا هو السنة، حتى تصلي وأنت مطمئن خاشع.

    1.   

    حكم المديح النبوي مع دق الطبول

    السؤال: يسأل ويقول: المديح النبوي مع دق الدفوف والضرب على البطون بالسيوف والعصي على الطريقة الرفاعية، هل هي حرام أم حلال؟

    الجواب: هذا منكر وحرام وبدعة في الدين ومن خرافات الصوفية، المديح يكون بالكلام الطيب من دون دفوف، ومن دون ضرب للبطون والرءوس بل بالكلام الطيب، يقال: هو خاتم النبيين وهو أفضل الأنبياء، وهو أعبد الناس، وهو أصدق الناس، كلام طيب، أما الزيادة بأن يدعى من دون الله أو يستغاث به من دون الله فهذا شرك أكبر، أو يقال: إنه يعلم الغيب هذا كفر، لكن يمدح بالحق، ويمدح بما ثبت عنه أنه أهل له عليه الصلاة والسلام، من كونه أصدق الناس ومن كونه بلغ الرسالة وأدى الأمانة، ومن كونه أفضل الرسل عليه الصلاة والسلام، إلى أمثال هذه الأشياء الصادقة.

    أما أن يمدح بأنه يعلم الغيب أو يدعى من دون الله أو أنه خلق من النور أو من عرش الرحمن، هذا باطل كذب، خلق من ماء مهين مثل غيره من الناس، ولم يخلق من النور، وليس يعلم الغيب عليه الصلاة والسلام، ولا يجوز أن يعبد من دون الله، لا أن يدعى من دون الله ولا يستغاث به، ولا يحلف به عليه الصلاة والسلام، كل هذا منكر، وفق الله الجميع.

    1.   

    حكم زيارة قبور الأولياء والصالحين

    السؤال: يقول في سؤال له: إذا كانت زيارة القبور حرام فكيف للناس أن يزوروا الأضرحة من أولياء الله الصالحين؟

    الجواب: زيارة القبور سنة ما هي بحرام، لكن إذا كانت على الوجه الشرعي، فالزيارة زيارتان:

    - بدعية.

    - وسنية.

    فالزيارة التي مقصودها الدعاء للأموات والترحم عليهم وتذكر الآخرة والموت هذه مطلوبة سنة وقربة، أمر بها النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: (زوروا القبور؛ فإنها تذكركم الآخرة)، وفي لفظ: (تذكركم الموت)، وكان يعلم أصحابه عليه الصلاة والسلام إذا زاروا القبور أن يقولوا: (السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية، يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين)، ويدعو لهم ويقول: (يغفر الله لنا ولكم)، (اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد) هكذا المؤمن يسلم عليهم ويدعو لهم، أما أنه يدعوهم مع الله يقول: يا سيدي! اقض حاجتي، انصرني، فهذا شرك أكبر، يا سيدي! انصرنا على فلان، انصرنا على الكافرين، أغثني، اشف مريضي، أنا في حسبك وجوارك، هذا منكر، هذا من المحرمات الشركية ولا يجوز، وهذا فعل المشركين الأولين نسأل الله العافية، وهذه زيارة بدعية شركية.

    وهكذا لو زارهم، يطوف على قبورهم، هذا أيضاً من الشرك الأكبر، إذا كان يطوف يتقرب إليهم بذلك، أما إن كان يظن أن الطواف بقبورهم قربة إلى الله فهذا بدعة، ولا يجوز أيضاً، وهكذا الصلاة عندها بدعة، وهكذا الجلوس عندها للقراءة بدعة.

    أما دعاؤهم ودعاء الأموات والاستغاثة بالأموات والنذر لهم والذبح لهم، هذا من الشرك الأكبر، نسأل الله العافية، فينبغي للمؤمن بل يجب عليه أن يتبصر وأن يسأل أهل العلم بالسنة أهل العقيدة الطيبة يسألهم عما أشكل عليه، وأن يحذر ما حرم الله عليه.

    المقدم: جزاكم الله خيراً، كأن أخانا سماحة الشيخ خلط في الحكم بين النساء والرجال؟

    الشيخ: النساء لا يزرن القبور، القبور للرجال بس، يزورهن الرجال، أما النساء فالرسول صلى الله عليه وسلم (لعن زائرات القبور)؛ لأنهن فتنة، وصبرهن قليل، فلا يجوز لهن زيارة القبور.

    1.   

    معنى قوله تعالى: (وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية)

    السؤال: المستمع (أ. ع. ز) من المزاحمية بعث يسأل عن تفسير قول الحق تبارك وتعالى: وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً [الأنفال:35].

    الجواب: هذه صلاة أهل الجاهلية كفار قريش ومن كان معهم، عند البيت المكاء والتصدية، والمكاء الصفير، والتصدية: الصفيق، فكان من عادتهم التصفيق بالأيدي والصفير، فنهي المسلمون عن مثل عملهم، فلا يجوز للمسلم أن يتعاطى الصفير والتصفيق في عباداته ولا عند المسجد الحرام، ولا في أعماله الأخرى؛ بل التصفيق للنساء والرجل يتكلم، وإذا نابه شيء يسبح في الصلاة: سبحان الله، سبحان الله، ولا يجوز له أن يستعمل الصفير، إنما يستعمل الكلام الذي يحتاج إليه دون الصفير.

    1.   

    البرهان على أن عيسى عليه السلام بشر مخلوق

    السؤال: مستمع بعث برسالة ضمنها جمعاً من الأسئلة من بينها سؤال يقول: ما هو البرهان على أن عيسى عليه السلام بشر من خلق الله؟

    الجواب: القرآن الكريم والسنة المطهرة كلها تدل على أن عيسى بشر خلقه الله من مريم ، بين جل وعلا أنه خلقه من مريم من أنثى بلا ذكر، فهو بشر من البشر أمه مريم بنت عمران وليس له أب، بل قال الله له: كن فكان، كما قال جل وعلا في كتابه الكريم: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ * فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ [آل عمران:33-37].

    فهي وذريتها من بني آدم خلقها الله وخلق ابنها عيسى، ودعت ربها أمها أن يعيذها وذريتها من الشيطان الرجيم، وأرسل الله الملك جبرائيل فنفخ في فرج مريم وحملت بعيسى عليه الصلاة والسلام كما قال جل وعلا: وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ [التحريم:12].

    في آيات كثيرات في سورة مريم وغيرها، بين فيها سبحانه أنه يسر لها هذا الولد من دون زوج ومن دون زنا، بل هي البتول العفيفة حملت به بأمر الله وبالنفخة التي فعلها جبرائيل بأمر الله سبحانه وتعالى، فصار ولداً سوياً ونبياً كريماً بأمر الله عز وجل، فليس في هذا إشكال، وهذا قد أجمع عليه المسلمون أخذاً بكتاب الله وسنة الرسول عليه الصلاة والسلام، فهو بشر؛ لأن أمه بشر، وخلق منها، وهي من بنات آدم وخلق منها بدون أب، قال الله له: كن فكان. نعم.

    1.   

    حكم بناء المسجد من دية المقتول

    السؤال: يسأل أيضاً ويقول: كان رجل يعمل عندنا وبقي مدة من الزمن، وفي أحد الأيام من عمله كان يعمل تحت جدار من التراب فانقض عليه ووافاه أجله ومات، وأراد صاحب العمل أن يعطينا قدراً من المال أي دية المرحوم، هل لنا أن نأخذها ونبني بها مسجداً، أم كيف توجهوننا جزاكم الله خيراً؟

    الجواب: إذا كان صاحب العمل لم يفرط في شيء فليس عليه دية، وهذا أجله المحتوم، أما إن كان فرط في ذلك بأن كان الجدار على وشك السقوط ولم يبين له أنه على وشك السقوط فهذا محل نظر، يرجع فيه إلى المحكمة، أما إذا تبرع بالدية ولم يطلبوه دية وليس بينهم خصومة، ولكن تبرع لهم بالمال فلا حرج في أخذ المال يتصرفون فيه إذا تبرع صاحب العمل بالمال ولم يخاصموه بل هو بنفسه تبرع فهو محسن في هذا وجزاه الله خيراً، ولا حرج في أن تبنوا به مسجداً إذا كنتم مرشدين، لا بأس هذا للورثة إن شاءوا بنوا به مسجداً وإن شاءوا أكلوه، وإن شاءوا تصدقوا به، هذا مالهم يتصرفون فيه كيف شاءوا إذا كانوا مرشدين، هذا إلى الورثة، أما إذا كانوا قاصرين فهو لهم لا يتصرف أحد فيه بل يبقى لهم، والمرشد منهم لا بأس أن يتصرف في حقه.

    1.   

    حكم بيع الوقف عند تعطل منافعه

    السؤال: المستمع محمد علي محمد عسيري بعث برسالة مطولة ملخص ما فيها طلب إيضاح أحكام الوقف، وهل يجوز بيعه إذا تعطلت منافعه ونقله إلى مصالح أخرى؟ جزاكم الله خيراً.

    الجواب: نعم. الوقف لا يباع ولا يوهب ولا يورث، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لـعمر (تصدق بأصلها) لا يباع ولا يوهب ولكن ينفق ثمره، فالوقف لا يباع ولا يوهب ولا يورث بل يبقى حبساً تنفق غلته وثمرته في وجوه الخير التي عينها الواقف، وإذا تعطلت منافعه فإنه يباع ولا يترك يباع ويرجع ثمنه فيما هو أصلح منه إذا تعطلت المنافع، لكن من طريق المحكمة إذا كانت البلاد فيها محكمة حتى تضبط الأمور.

    أما إذا كان في بلاد ما فيها محكمة فالولي يقوم بذلك، وكيل الوقف يبيعه ويشتري به ما هو أصلح، إن كان بيت اشترى بيتاً أصلح ولو صغيراً أو دكاناً ولو صغيراً حسب التيسير، يجتهد في تحصيل ما هو أصلح ولا يترك معطلاً؛ لأن هذا من إضاعة المال، والرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن إضاعة المال، فإذا تعطلت منافع الوقف فإنه يباع ويشترى به ما هو أصلح من بيت أو دكان أو مزرعة أو نحو ذلك، تنفق ثمرته في الوقف الذي بيع ثمرته مثلما في غلة الوقف الذي بيع حسب الوصية، وحسب وثيقة الوقف.

    أما إذا كان في بلد فيها محاكم شرعية فإن الوكيل يراجع المحاكم ويرى ما توجهه إليه.

    1.   

    حكم من صلى بدون أذان ولا إقامة لمن فاتته الجماعة

    السؤال: المستمع عبد الله محمد الشهراني من جيزان بعث برسالة ضمنها جمعاً من الأسئلة، من بينها سؤال يقول فيه: ما رأي سماحتكم إذا حان وقت الصلاة وتوجهت للمسجد ووجدت الجماعة قد أدوا الصلاة، هل يجب علي الأذان والإقامة أم أقيم فقط؟ وإذا صليت بدون ذلك هل صلاتي تعتبر صحيحة سواءً سمعت الأذان أو لم أسمع؟

    الجواب: السنة لك أن تقيم أما الأذان فلا، قد سبق الأذان والحمد لله، لكن السنة لك أن تقيم، فإن صليت بدون إقامة فلا حرج، وصلاتك صحيحة.

    1.   

    حكم أخذ مصلٍ من الصف إذا لم يوجد مصلون في الصف الثاني

    السؤال: يسأل ويقول: إذا حضر المصلي ووجد الصف الأول كاملاً وليس معه أحد، ومن المعلوم أنه يأخذ معه واحداً من الصف الذي أمامه، فهل يأخذ من خلف الإمام أو من نهاية الصف؟ وكما أشاهد الكثير إذا كان الصف كاملاً وحضر قليل أشاهدهم يصفون إما عن يمين الإمام أو عن يساره من بعد الصف، فما الحكم جزاكم الله خيراً؟

    الجواب: إذا كان الصف كاملاً فليس لك أن تأخذ أحداً، هذا هو الصواب، والحديث الوارد في ذلك ضعيف: (ألا دخلت معهم أو جررت رجلاً) هذا ضعيف، لكن تنتظر لعله يأتي أحد يصف معك، أو تتقدم وتصلي مع الإمام عن يمينه، كل هذا لا حرج فيه، وليس لك أن تأخذ أحداً من الصف؛ لأنك تفتح فرجة في الصف، والرسول صلى الله عليه وسلم أمر بسد الخلل في الصفوف، فعليك أن تلتمس فرجة لعلك تجد ولا تعجل، فإن لم تجد فاصبر حتى يأتي أحد معك، ولو فاتت الركعة، أو تقدم وصف مع الإمام عن يمين الإمام.

    1.   

    حكم لبس المرأة للثوب الأبيض

    السؤال: الأخوات بدور حجازي و سمراء السحيباني بعثن برسالة ضمنها عدداً من الأسئلة، من بينها سؤال يقول: هل يجوز للمرأة لبس الثوب الأبيض؟

    الجواب: إذا كان على طريقة الرجال لا يجوز؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لعن المرأة المتشبهة بالرجال، أما إذا كان تفصيله وخياطته وهيئته خاصاً بالنساء فلا بأس، لكن تركه أولى؛ لأن فيه نوعاً من المشابهة؛ لأن غالب لبس الرجال البيض، فكونها تترك ذلك يكون أحوط، وإلا فلا يحرم إذا كان على هيئة تختص بالنساء، مثلما تلبس الأسود والأخضر وإن كان يلبسه الرجال، لكن إذا كان الأسود والأخضر والأصفر على هيئة تختص بالنساء، وهكذا الرجل يلبس الأسود والأحمر على الهيئة التي تخص الرجال، فالأبيض مثل ذلك؛ لأن الملابس مشتركة بين الرجال والنساء، لكن يجب أن تكون ملابس الرجال تختص بهم، وأن تكون ملابس النساء تختص بهن، ولا يجوز للرجال التشبه بالنساء ولا النساء التشبه بالرجال.

    1.   

    عظم الهول يوم القيامة

    السؤال: سماحة الشيخ! بقي من وقت هذه الحلقة ما يقرب من سبع دقائق أرجو أن تتفضلوا فيه بإجابة الأخوات عن تفسير قول الحق تبارك وتعالى: بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ [القمر:46] وقوله تعالى: يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا * فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا * إِلَى رَبِّكَ مُنتَهَاهَا * إِنَّمَا أَنْتَ مُنذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا * كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا [النازعات:42-46].

    الجواب: هذا يدل على عظم الأمر يوم القيامة، وأنها أدهى وأمر مما يقع في الدنيا، خطب الساعة عظيم وهولها كبير، فلهذا قال جل وعلا: فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى [النازعات:34] سماها: طامة، وقال: فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ [عبس:33] وقال: هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ [الغاشية:1] وقال: إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ [الواقعة:1] وقال: الْحَاقَّةُ * مَا الْحَاقَّةُ [الحاقة:1-2]: الْقَارِعَةُ * مَا الْقَارِعَةُ [القارعة:1-2] كل هذا يوم القيامة، ولا يعلم متى تقوم إلا الله سبحانه وتعالى، هو الذي يعلم متى تقوم، وإذا قامت فالناس بعد ذلك يرون الدنيا كلا شيء، كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا [النازعات:46]، كأنهم ما لبثوا إلا ساعة من نهار؛ لعظم الهول.

    فالمقصود أن الساعة أمرها عظيم وخطبها شديد، فالواجب على جميع المكلفين من الرجال والنساء الإعداد لهذا اليوم والحذر من الغفلة، وهو يوم عظيم خطير، قال فيه جل وعلا: هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ * وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ * تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً [الغاشية:1-4] تعمل على غير هدى بغير الإخلاص لله أو بغير المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم، فلها النار يوم القيامة، قال جل وعلا: فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى * يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الإِنسَانُ مَا سَعَى * وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى * فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى [النازعات:34-39] (طغى) يعني: تجاوز الحدود، لم يلتزم بأمر الله بل تعدى الحدود فله النار يوم القيامة.

    وفي آية عبس فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ * يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ [عبس:33-37].

    فالعاقل يعد العدة لهذا اليوم العظيم ولا يتساهل، وذلك بطاعة الله والاستقامة على أمره والحذر من مناهيه، مع الوقوف عند حدوده سبحانه وتعالى، هذا هو الطريق، وهذا هو السبيل الذي جعله الله سبباً للنجاة يوم القيامة، وليحذر الغفلة عن هذا اليوم العظيم واتباع الهوى وطاعة الشيطان، فإن هذا فيه العاقبة الوخيمة وسوء المصير ولا حول ولا قوة إلا بالله، ونسأل الله للجميع الهداية.

    المقدم: اللهم آمين، جزاكم الله خيراً، سماحة الشيخ! في ختام هذا اللقاء أتوجه لكم بالشكر الجزيل بعد شكر الله سبحانه وتعالى، على تفضلكم بإجابة السادة المستمعين، وآمل أن يتجدد اللقاء وأنتم على خير.

    مستمعي الكرام! كان لقاؤنا في هذه الحلقة مع سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ، الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد.

    شكراً لسماحته، وأنتم يا مستمعي الكرام شكراً لمتابعتكم، وإلى الملتقى، وسلام الله عليكم جميعاً ورحمته وبركاته.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718746

    عدد مرات الحفظ

    767029334