إسلام ويب

آلام وآمال وأعمالللشيخ : علي بن عمر بادحدح

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن الناظر إلى أحوال الأمة الإسلامية اليوم تعتريه الآلام والآمال؛ تعتريه الآلام لما يحل بالأمة من قتل وتشريد وانتهاك وإذلال، وتعتريه الآمال لما يراه من عودة كثير من المسلمين إلى دينهم، وانتباههم من غفلتهم وسباتهم، لكن هذا لا يكفي، بل لابد من العمل لهذا الدين، والعودة إليه عودة صحيحة، فإنه هو الطريق الوحيد لعزة الأمة وكرامتها.

    1.   

    الانتفاضة الفلسطينية آلام وآمال

    الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، كما يحب ربنا ويرضى، نحمده جل وعلا على آلائه ونعمه التي لا تعد ولا تحصى، فهو جل وعلا أهل الحمد والثناء، وله الحمد في الآخرة والأولى، وله الحمد على كل حال وفي كل آن، نحمده جل وعلا حمداً نلقى به أجراً، ويمحو الله به عنا وزراً، ويجعله لنا عنده ذخراً.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير.

    وأشهد أن محمداً عبده المصطفى، ونبيه المجتبى، اختاره الله جل وعلا على حين فترة من الرسل، وانطماس من السبل، فهدى به من الضلالة، وبصر به من العمى، وأرشد به من الغواية.

    وأشهد أنه عليه الصلاة والسلام قد بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهاده، فجزاه الله خير ما جازى نبياً عن أمته، ورزقنا جميعاً اتباع سنته، وصلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ورحمتك يا أرحم الراحمين!

    أما بعد:

    أيها الإخوة المؤمنون! قد عزمت على أن أتحدث عن الانتفاضة الجهادية المباركة في أرض فلسطين المسلمة، من جوار المسجد الأقصى مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن ذكرى هذه الانتفاضة المباركة قد قضت خمس سنوات من الجهاد والسير في مناوأة أعداء الله، وهي تستقبل في هذه الأيام عامها السادس ثابتة الخطا، سائرة على المنهج، واثقة بنصر الله سبحانه وتعالى.

    وتذكرت تلك الصور والمآسي والمصاعب التي يعاني منها أبناء الأقصى من اليهود عليهم لعنة الله، وتلك الجرائم والفضائع التي تعبر عن الحقد الأسود، وعن الجريمة المستقرة في النفوس، وعن طبيعة تلك القلوب والأفكار والعقول التي أخبرنا الله سبحانه وتعالى عنها بوصف موجز بليغ دقيق في معناه فقال: لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا [المائدة:82] وقدموا على المشركين؛ لأنهم أبلغ عداءً، وأكثر حقداً، وأسوأ ممارسة ضد الإسلام والمسلمين؛ ولذلك لا تمر هذه الذكرى حتى يستحضر المسلم صوراً من المعاناة الشديدة القاسية التي يلقاها إخواننا في تلك الأرض المقدسة الطاهرة صغاراً وكباراً، رجالاً ونساء، أطفالاً وشيوخاً، ليلاً ونهاراً، سراً وجهاراً، إنها معاناة لا تتوقف لحظة من اللحظات، ولا ثانية من الثواني، تلك المعاناة التي تكسر فيها الأطراف والعظام بالأحجار، تلك المعاناة التي تشمل مئات الآلاف من السجناء والمعتقلين، ومئات الآلاف من الأطفال الذين يحصدهم رصاص الغدر والعدوان، والنساء اللائي أجهضن في حملهن، واللائي اعتدي على أعراضهن، وغيرها وغيرها من الصور التي نسمعها دائماً، بل التي نراها في أحيان كثيرة ماثلة أمام العيان، فنجد هذه الصور الفضيعة التي تشمل كل ألوان الحرب من تضييق في الرزق، ومن حرمان من العمل، ومن إبعاد عن الأرض، ومن تفريق للأسرة، ومن تهجير وتغريب، ومن سجن وتعذيب، وكل هذه الصور التي تمر بإخواننا هناك حصادها كبير جداً، وآثارها ضخمة جداً، إن هذا الحصاد كما تجمله بعض هذه الأرقام يشكل صورة ينبغي للمسلم ألا ينساها، لقد قتل أكثر من ألف وثمانمائة وخمسين نحسبهم شهداء عند الله سبحانه وتعالى، (15%) منهم من الأطفال دون سن الرابعة عشر، وأكثرهم ما بين الرابعة عشر والعشرين من الشباب الذين في ريعان الزهور، لقد باعوا أنفسهم وأرواحهم لله، ونذروا وقتهم وجهدهم للدفاع عن دين الله، وبذلوا كل جهدهم للدفاع عن مقدسات المسلمين وعن كراماتهم، ثم إن هناك مائة وثلاثين ألفاً من المعتقلين، ومائة وأربعين ألفاً من الجرحى والمعاقين، وألفين وتسعمائة وخمسين بيتاً هدمت وهجر أصحابها، وثلاثة وستين ومائة من المبعدين، وغير ذلك من ألوان التضييق النفسي والحربي بكل صورة من صورها، ونعلم أن الذي يمارسها هم اليهود الذين لا يرقبون في مؤمن إلاً ولا ذمة.

    1.   

    حقد الهندوس على المسلمين

    وقد كان العزم أن يستفيض الحديث عن هذه المآسي، وعن هذه الآلام، ولكن بدأ في الأفق غبار تراب يتصاعد، ودخان لهب جديد في أرض من بلاد الله فيها مائة وعشرون مليون مسلم، إنها أرض الهند التي سمع الناس وتناقلت الأنباء خبر هدم مسجدها الأعظم والأقدم المسجد البابري الذي له أكثر من ثلاثمائة وخمسين سنة، والذي أسس على التقوى وعلى الإسلام، وما تزال الدوائر الهندوسية تتربص به الدوائر منذ عام خمسة وثمانين وثمانمائة وألف، أي: منذ أكثر من مائة عام وهم يسعون لهدمه، ثم هدموه على مرأى ومسمع من كل الدنيا، وهي تشهد ذلك بأنظارها عبر الشاشات، وتسمعه بآذانها عبر الإذاعات، ولكن لا ملب ولا مجيب!

    إنها صورة أخرى من الآلام المحزنة، ومن المآسي المفزعة التي تصب على المسلمين، وقد يكون الخبر عند كثير من الناس أنه مسجد هدم وانتهى الأمر، ولكنها عداوة أصيلة دائمة يتشابه فيها الهنود مع اليهود؛ لأن الكفر ملة واحدة، قال عز وجل: وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ [البقرة:120] ولذلك لم تكن هذه الجريمة إلا إحدى أكبر الجرائم التي يمارسها أولئك الكفرة ضد أبناء الإسلام والمسلمين في تلك الديار.

    إنها حقائق وجرائم كثيرة، فقد تم قبل ذلك هدم نحو ثلاثين مسجداً في (عليغره) في الهند، ونحو عشرة مساجد أخرى في حيدر أباد، وقتل في هذه المشكلات وفي هذه الجرائم مئات من المسلمين، وهكذا في هذه المؤامرة الأخيرة التي وقعت، فقد تضافرت فيها قوات الشرطة الهندية التي كانت تتفرج على مائة ألف من الهندوس المتعصبين الكفرة المجرمين وهم يعملون معاولهم في هدم المسجد وقبابه حتى تركوه أثراً بعد عين، وما تركوا فيه لبنة على لبنة، والشرطة تنظر إليهم! ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل القضية أوسع؛ فالاضطرابات والاعتداءات على المسلمين مع هذا الحدث مستمرة متوالية، وقد قتل ألف من المسلمين في (بومباي) وحدها، وحرق نحو مائة طفل مسلم في ولاية (بوجراد) في الهند أيضاً، واعتدي على مصانع المسلمين ومتاجرهم في منطقة (محمد علي روس بومباي)، وما تزال السلطات الهندية تفرض حظر التجول حتى لا يتحرك المسلمون ولا يخرجوا من بيوتهم، وحتى يتمكن أعداؤهم من كسر متاجرهم وتدميرها وحرقها، والصراخ يعلو، والصرخات تتوالى، والجرائم تتابع، والدماء تنزف، والرقاب تقطع، وتشكل هذه المأساة صورة يعاني منها مائة وعشرون مليون مسلم يشكلون أقلية في تلك البلاد الكفرية.

    ومع ذلك عندما علت هذه الصورة تنامى إلى الأسماع أزيز الطائرات أفواجاً إثر أفواج، ثم مشاهدة الجنود أرتالاً إثر أرتال من القوى الأمريكية والغربية التي جاءت لإنقاذ البلد العربي المسلم الإفريقي الذي يشكل المسلمون فيه نسبة مائة في المائة، هذا البلد الإفريقي الذي يعد وحيداً في كونه لا يوجد فيه غير المسلمين، وتهبط هذه القوات وقد استبطن في الأرض ليس آلافاً ولا عشرات الآلاف بل مئات الآلاف ممن حصدتهم المجاعة، وحصدهم رصاص البغي والاختلاس والعدوان على مرأى من الدول العربية والإسلامية، وعلى مدى عام كامل وأكثر، فليست أيام قليلة، ولا أشهراً عديدة، بل أكثر من عام كامل والمأساة تتكرر، ويبلغ القتلى والموتى مئات الألوف، ويبلغ المرضى أكثر من ذلك، ويبلغ المهاجرون أكثر من ذلك، وتتجسد أمامنا صورة أخرى من صور المآسي التي تمر بالمسلمين في كثير من الديار، ولن تنسينا هذه المآسي معسكرات الاعتقال، وقنص الأطفال، واغتصاب النساء، وذبح الرقاب وحزها، وتهجير المسلمين في أراضي البوسنة والهرسك.

    1.   

    الفرج مع الكرب

    إنها آلام وآلام وآلام شديدة فضيعة، ولكن هل نذكر هذه المآسي لنذرف الدمع، وحق لنا أن نذرف بدل الدموع دماء؟ وهل نذكرها لنرفع الصرخة والبكاء أو لنلطم الخدود؟ إنما نذكرها لنحيي الإيمان في القلوب، ولنعيد أنفسنا إلى منهج الله عز وجل، ولنعرف حقيقة أعداء هذا الدين، ولنستيقن بقول الله عز وجل: فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا [الشرح:5-6].

    ضاقت فلما استحكمت حلقاتها فرجت وكنت أظنها لا تفرج

    قال عز وجل: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ [البقرة:214] فهل نوقن بهذه الآيات التي نتلوها كثيراً ولا نتدبر ولا نتأمل في معانيها إلا قليلاً؟ وهل نؤمن بأن نصر الله سبحانه وتعالى يوشك أن يأتي به سبحانه وتعالى إذا تحققت في الأمة شروط هذا النصر؟ إنه ينبغي لنا ألا يدب اليأس في قلوبنا؛ لأنه: لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الكَافِرُونَ [يوسف:87] ولا حياة مع اليأس، ولا يأس مع الحياة، ولذلك كلما اشتدت قبضة الظلم، وكلما علت راية الكفر والطغيان، كلما كان ذلك مؤذناً بإذن الله عز وجل بفجر يوشك أن ينبثق بعد هذا الليل الطويل؛ فإن الله سبحانه وتعالى قد وعد، ووعده الحق، وقد ذكر سنته، وسنته لا تتخلف، فقال: إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ [محمد:7] ويقول الله سبحانه وتعالى: إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ [آل عمران:160] ولكنه لا ينصر إلا أولياءه، ولكنه لا ينصر إلا أتباعه، ولكنه لا ينصر إلا دعاته، ولكنه لا ينصر إلا من يجاهدون في سبيله، ولكنه لا ينصر إلا من يخلصون له، ومن يخضعون لعظمته وجبروته، ومن يتبرأون من كل حول وقوة إلا حول الله عز وجل وقوته.

    إن هذه الآلام الفضيعة القاسية يكمن فيها نفسها كثير من الآمال المشرقة الوضيئة التي تلوح في الأفق، فهذه الآمال تبعث الحيوية في النفوس المؤمنة والعزيمة في القلوب المسلمة؛ إنها آمال حقيقة ليست مجرد أوهام، وليست مجرد أحلام نداعب بها العواطف والخيالات، ولكنها آمال صادقة، فانظروا إلى أرض فلسطين اليوم فسترون أن مساجدها تكتظ بشبابها وشبانها، وانظروا إلى أطفال الحجارة فستجدون أنهم يحملون حجارتهم بيد ومصاحفهم باليد الأخرى، لقد خرج إلى الساحة اليوم أصحاب الأيادي المتوضئة، والجباه الساجدة، والشفاه المسبحة.

    واسمعوا إلى الصيحات: إنها: الله أكبر، الله أكبر، خيبر خيبر يا يهود! جيش محمد سوف يعود! لقد تغيرت لغة الكلام، لقد تغيرت صورة العمل، لقد تغيرت قبل ذلك أهواء النفوس وحقائق الإيمان في القلوب، إنها أوبة صادقة إلى الله سبحانه وتعالى، إنها أمثلة مشرقة ترى فيها الطفل الصغير وهو يلقن الأمة كلها درساً في الثقة بنصر الله، وفي المضي على منهج الله، وفي الجهاد في سبيل الله سبحانه وتعالى؛ ليلقن المتخاذلين والمتكاسلين والخائفين والواهمين درساً عملياً تتحدث فيه الأفعال دون الأقوال، إنها مدرسة تنبئ أن جيل القرآن وأبناء المساجد هم الذين سيكون على أيديهم بإذن الله عز وجل تنزل النصر ورجوع العزة وديمومة الوحدة لهذه الأمة الإسلامية بإذن الله عز وجل.

    وهكذا في أرض الهند التي يعاني كثير من المسلمين فيها من الجهل، لكنهم جعلوا صدورهم فداءً لمساجد الله وبيوت الله عز وجل، خرجوا يحمون مقدسات المسلمين، لكنهم ظلوا رغم هذه الهجمات الشرسة التي ينادي فيها الهندوس بإعادة تسعمائة مسجد إلى معابد هندوسية، والتي هدموا فيها عديداً من المساجد، والتي مارسوا فيها كثيراً من الجرائم، والتي يسعون فيها بالقوة لتغيير المسلمين وصدهم عن دينهم، مع ذلك يثبتون ثبات الجبال الرواسي، وتنتشر فيهم -بحمد الله- حركة علمية طيبة، وتبدأ فيهم روح عزة إسلامية قوية؛ إنها المحنة التي تنتج في أفنائها وفي أعطافها المنحة الربانية؛ إنها المنحة التي يصل فيها المسلمون إلى حد الضعف الشديد الذي يستشعرون معه صدق حاجتهم لله سبحانه وتعالى، ويرون أنه لا سبيل لهم ولا نجاة إلا أن يعلنوا الصلح مع الله، وإلا أن يسألوا النصر من عند الله سبحانه وتعالى.

    وهكذا صور أيضاً تتكرر في أرض البوسنة والهرسك التي كان أبناؤها خمسين عاماً تحت الشيوعية الحمراء في تغريب وتجهيل وحرب، ثم إذا بهم مع ذلك -من فضل الله عز وجل- يأوبون اليوم إلى دين الله، وتتحجب نساؤهم، ويصلي رجالهم، ويدعو مجاهدوهم، وإذا بهذا النبض الإسلامي يتكاثر ويتعاظم في كل موقع محنة، وفي كل مكان مظلمة تقع على المسلمين؛ لأن هذه سنة الله سبحانه وتعالى.

    الآمال المشرقة في الأحداث المؤلمة

    في هذه الصورة المشرقة آمال عظيمة نراها في هذه الصحوة الإسلامية والأوبة الإيمانية التي جعلت الناس يقبلون على الخير، ويساهمون في بناء المساجد وإعمارها، ويبادرون إلى الإغاثة والإعانة، ويحيون مع المسلمين في كل مكان، ومع آلامهم وآمالهم تتجاوب أصداء صرخات الهند وصرخات البوسنة وصرخات فلسطين فإذا بها تملئ آذان المسلمين في كل مكان، وإذا بها تحيي قلوبهم، وتبين لهم حقيقة العداء في هذه المعركة التي تدور رحاها على المسلمين لا لشيء ولا لسبب ولا لجرم اقترفوه إلا لشيء واحد بينه الله عز وجل بقوله: وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ [البروج:8] إلا لأنهم مسلمون موحدون؛ فإذا كنت مسلماً فسترى العذاب وسوف تواجه العجب العجاب، ولأنك مسلم ستموت غماً وهماً واضطهاداً واضطراباً، وستسأل كل أهل الأرض عدلاً وتنتظر الجواب ولا جواب!

    يسوءك أن ترى الطاغوت يعلو ويحني المسلمون له الرقابا

    لأنك مسلم ستزور سجناً وتنهبك السياط به نهابا

    إذا قرعت يمناك باباً سمعت الفحش يسرع والسبابا

    وسوف تعض من ألم بناناً وسوف تشف من جوع ترابا

    فإما أن تكون كما أرادوا وإما أن ينزلوا بك العقابا

    إنها قضية واضحة؛ قضية الحرب على الهوية الإسلامية؛ فإنه يشرق الأمل عندما تتحقق هذه الهوية في القلوب، وينطلق بها الصغار قبل الكبار في مواطن وبلاد الإسلام شرقها وغربها، فالطفل أوقد جمرها في أرض فلسطين، كما قال الشاعر:

    الطفل أوقد جمرها يا معشر والنسوة انطلقت أسوداً تزأر

    قد أقسم الشعب اليمين مجاهداً الله فوق الظالمين وأكبر

    كل المساجد والمآذن أقسمت حتى الحجارة رددت والمنبر

    قسماً ونور الحق في جبهاتنـا قسماً لباكية تأن وتزأر

    قسماً لنار الثأر في أحشائنـا ولكل طفل في الظلام يهجر

    قسماً لأرض قد سرى لها أحمد قسماً لقدس يستغيث ويجأر

    والميت المذبوح يسلخ جلـده والعين تفقأ والعظام تكسر

    والشيخ يُسحب في الشوارع باكياً ودم العذارى صارخاً يتفجر

    لأحطم الكف التي عاثوا بهـا وأزلزل القدم التي تتبختر

    فالشعب يا شامير مرٌّ لحمـه والشعب يا رابين حقداً يقطر

    هات الهراوي والبنادق واضربوا رأسي وصدري والسواعد كسروا

    والله لو سملوا العيون بخنجـر والله لو هدموا البيوت وأنذروا

    بعيون طفلي سوف أبصر موطني وبكف شبل سوف ينبت خنجر

    هيهات أن ننسى فلسطين التي باتت تعشعش في القلوب وتحضر

    يا أمتي هذي فلسطين التي جرحت وراحت في الدجى تعصر

    لا تتركوها للدخيل فإنها تستصرخ الثوار أن يتحرروا

    إنها الآمال التي ينبغي أن نتفاعل معها، وأن نتأثر بها، وأن نؤدي دورنا فيها؛ فإن الآلام وحدها لا ينبغي أن توقفنا، ولا أن تقف عثرة في طريقنا، وإن الآمال وحدها ينبغي ألا تكون أحلاماً وأوهاماً، بل ينبغي لهذه الآلام ولتلك الآمال أن تعقبها الأعمال، فإنه لا يكفي الأمل ولا يغني الألم، بل لابد من العمل؛ فالله نسأل أن يوفقنا لنصرة دينه، وأن يحققنا باتباع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، أقول هذا القول وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

    1.   

    العزة والمستقبل للإسلام

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك يا أرحم الراحمين!

    أما بعد:

    أيها الإخوة المؤمنون! فأوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله؛ فإن تقوى الله أعظم زاد يقدم به العبد على مولاه، وإن من أعظم التقوى الشعور بمآسي المسلمين والتألم بآلامهم، ومشاركتهم في آمالهم، ونصرتهم فيما يقومون به من جهاد وعمل في سبيل الله سبحانه وتعالى، وإن هذه الآمال التي تنطلق هي آمال صادقة حقيقة يؤكدها وعد الله سبحانه وتعالى، ويخبرنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: (ليبلغن هذا الدين ما بلغ الليل والنهار) ويخبرنا عليه الصلاة والسلام في قوله: ( ما من بيت مدر، ولا شعر إلا ويدخله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل؛ عزاً يعز الله به الإسلام والمسلمين، وذلاً يذل به الله الكفر والكافرين) إنها نصوص وإنها دلائل قطعية تأتينا من كتاب الله ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا يتسرب اليأس إلى نفس المؤمن الصادق والمسلم الحق، ولا يفت في عضده عداء المعتدين، ولا كيد الكائدين، ولا مؤامرات المجرمين؛ لأنه مع الله سبحانه وتعالى، ونحن نرى اليوم -بحمد الله- هذه الأوبة والجيل الذي نذر نفسه لله سبحانه وتعالى، ونرى بادرة عظيمة، وأملاً مشرقاً في راية الجهاد التي ترفع في أنحاء مختلفة من ديار المسلمين، ترفع لينطوي تحتها كل من يحب الله ورسوله، وكل من يريد أن يدافع عن دين الله، وكل من يسعى لرفع راية الله، وكل من يريد أن يمنع العدوان على حرمات الله سبحانه وتعالى، إنها راية الجهاد قد حملها الصغار والكبار، وسار بها النساء والرجال، إنها راية الجهاد التي انطلقت في أفغانستان، وتنطلق اليوم في كشمير، وترفع في البوسنة، وما تزال وما يزال نبضها قوي في فلسطين، ويحدثنا عنها حال الإنسان المسلم الصادق وهو يرى في هذا الجهاد ما أخبرنا به النبي صلى الله عليه وسلم، عندما ذكر فضيلة الجهاد وأجره الذي لا يعادله أجر، وبين أنه يكون خاصاً بالمجاهد الجاهد، والمجاهد الجاهد هو الذي يلتذ بالجهاد، ويعشقه ويحبه، ويتوق إليه ويشتاق إليه، وحاله كما قال الشاعر:

    وحبي للجهاد يفوق حبي لأوطاني ونصر الدين همي

    ومرضاة الإله ببذل روحي ومرضاة الإله تزيل غمي

    ومرضاة الإله بحرب كفر وبغض الكفر في لحمي ودمي

    1.   

    كيفية المخرج من الآلام والمآسي التي تمر بالأمة

    الآمال المشرقة ينبغي أن تعقبها أعمال، وقد يقول قائل: تكثرون من الحديث عن المآسي، ولا يكون هناك حديث عن المخرج والعمل؟

    فأقول: كل بيده عمل، وكل في عنقه واجب، وكل مناط به مسئولية، وأول ذلك وآكده ذلك النداء القرآني العجيب الفريد الذي لو تحقق في الأمة لما كانت على هذه الحال من الذلة والضعف والهوان، وهو قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102]، إنه تحرير الإيمان وتجريد الإخلاص، وتعظيم التقوى في القلوب لله سبحانه وتعالى، فهل نحن على صدق في إيماننا؟ وعلى يقين من إيماننا؟ وعلى التزام بإسلامنا؟ قال سبحانه: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا [آل عمران:103]، فهل القلوب متآلفة؟ وهل النفوس متآخية؟ وهل تحقق في الأمة قول الله عز وجل: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات:10]؟ وهل تحقق قول الرسول صلى الله عليه وسلم في وصف المسلمين ووحدتهم: (يسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم)، وقوله: (مثل المسلمين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) إنه لابد لنا أن نعلن الصلح مع الله عز وجل، وأن نبذل كل ما في وسعنا لنستنزل نصر الله سبحانه وتعالى، إنه إعلان صادق للإيمان الحق واليقين الراسخ بوعد الله سبحانه وتعالى، وتأكيد لحقائق هذا الإيمان بالولاء والبراء الشرعي، إنه ولاء لعباد الله المؤمنين وعداء للكفرة من أعداء الدين، كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ [المائدة:51] إنها المسألة المهمة التي تميز المسلم وتبعث فيه عزته، وتبين له أصالته حتى لا يكون تبعاً لشرق ولا لغرب، ولا ذنباً لقوي ولا صاحب سلطان، وإنما عزته بإسلامه، وإنما قوته بإيمانه، وإنما استنجاده واستغاثته بالله سبحانه وتعالى، ثم إعلان لاستقامة المسلم على تقوى الله عز وجل، تلك التقوى التي تقتضي منه أن يأتي بأوامر الله سبحانه وتعالى، وأن يجتنب نواهيه، فطهروا البيوت من المحرمات، وطهروا الألسنة من الأقوال الفاحشة، وطهروا الآذان من السماع المحرم، وامنعوا العيون من النظر الآثم، وطهروا الأموال من الكسب الخبيث، وأصلحوا أحوالكم يصلح الله سبحانه وتعالى حالكم؛ إنها معادلة لا يمكن أن تتخلف، كما قال سبحانه: إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ [الرعد:11].

    إنها النعمة التي منَّ الله بها على رسوله صلى الله عليه وسلم حينما ألف بين قلوب أصحابه مهاجرين وأنصاراً، وأوساً وخزرجاً، وعبيداً وأحراراً، وأغنياء وفقراء، فكلهم كانوا قلباً واحداً، ونفساً واحدة راضية، وأمةً واحدة متماسكة، فينبغي أن نملأ القلوب بالحب للمؤمنين، والمودة لهم، وإحسان الظن بهم، والتماس العذر لهم، والرغبة في الخير لهم، والسعي لكل ما من شأنه أن يؤلف بين القلوب، ويوحد بين الصفوف، وينبغي أن نعلن الحرب على المفاسد الاجتماعية الأخلاقية المحرمة، وينبغي أن ننكر المنكر، وأن نأمر بالمعروف بالحكمة والموعظة الحسنة، وبالأسلوب الذي يحقق حصول الخير وانتفاء الشر بإذن الله عز وجل.

    ثم لابد كذلك أن نحيي هذه المعاني الإيمانية في كل مجلس وفي كل لقاء ومع كل أحد، وأن نجعل ألسنتنا لاهجة بذكر الله عز وجل، وبذكر حكمة الله عز وجل، وسنة الله عز وجل، وأن نذكر أخبار المسلمين ومآسيهم وأحوالهم لكل من حولنا، فنحن نجلس المجالس الطويلة وليس فيها إلا القيل والقال، والغيبة والنميمة، والتحدث عن الأموال والعقارات والسيارات، وكأنه لا شيء يشغلنا، وكأنه لا همَّ نحمله، وكأنه لا جرح ينزف في نفوسنا وفي أبداننا، وكأننا نغفو ونلهو ونلعب ولا ندري ما يحاك حولنا، ولا ما يدبر لنا، ولا ما يحل بإخواننا، فلماذا لا نتحرك هذه الحركة حتى نبقي معنى الإيمان حياً في القلوب، وحتى نبقي معنى النصرة للمسلمين حياً في النفوس، وحتى لا يركن الناس إلى الدنيا، وحتى لا يغفلوا فيحق قول الله سبحانه وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ [التوبة:38] ؟! فينبغي أن نسعى بالعمل؛ لأن حال الأمة اليوم هو من أعظم أسباب هزيمتها وضعفها وهوانها وغياب كلمتها:

    ويقضى الأمر حين تغيب تيم ولا يستأذنون وهم شهود

    فهذه الحال ينبغي أن تغير، ولا تغير إلا بتغيير القلوب والنفوس، فعلينا أن نبدأ بالإخلاص والإيمان الصادق، وأن نبدأ بالعمل الخير الصالح، وأن نهجر المفاسد والمعاصي، وأن نكون ألسنة دعوة، وأن نكون نماذج حق تمتثل هذا الدين، وأن نساهم بعد ذلك ببذل أموالنا وببذل جهودنا لنصرة إخواننا المسلمين في كل مكان، بل حتى ببذل أرواحنا، وبالمشاركة الشعورية والمعنوية؛ فإن هذا مما يحيي معاني الإيمان والإسلام في الأمة، ومما يسر إخواننا الذين يلاقون العذاب والاضطهاد في كل مكان، ولابد مع ذلك كله أن نحيي معاني العلم الشرعي الذي يبصر الإنسان المسلم بحقيقة ما يحتاج إليه في هذه الدنيا، ويعرفه الأحكام التي ينبغي أن يتبعها، ويعرفه الأحوال التي ينبغي أن يكون عليها، كما يعرفه الحقائق التي تدلس عليه، والأوهام التي تلقى في طريقه، فإنه إن كان عالماً بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ميز بهذا بين الحق والباطل: وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا [الإسراء:81].

    أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في إصلاح أوضاع الأمة

    إن الأوهام لا تعيش في وجود الحقائق، وإن الظلمات لا تبقى عندما يكون هناك النور والضياء، فينبغي أن نسعى لمثل هذا الأمر والعمل، وأن نشيع الخير والذكر، وتلاوة القرآن، وأحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم، ودروس العلم، ومحاضرات الخير، والدعوة إلى الإصلاح؛ لأن هذا مما يقوي رجوع الأمة إلى دينها واستمساكها بنهج ربها، إنها أعمال كثيرة لا ينفك عنها واجب مسلم مطلقاً، فلا يقل أحد: ليس علي واجب، وماذا أصنع؟ إن إصلاحك لنفسك ولأسرتك، ومنعك للمنكرات في بيتك وفي بيئتك إنما هو تقديم سبب من أسباب النصر الذي يتنزل على المؤمنين، إن العيب فينا؛ إن كثيراً من أحوال المسلمين في كثير من بقاع الأرض هي السبب الأساسي والرئيسي الذي وقع به عليهم هذا البلاء في كثير من بلاد الإسلام والمسلمين، أليست كثير من بلاد المسلمين لا تحكم شرع الله، وتعلن الحرب ببعض المفاسد الظاهرة على الله سبحانه وتعالى، وتتبع في ولائها وبرائها منهجاً لا يرتبط بدين الله سبحانه وتعالى؟! هذه هي الأسباب التي ينبغي أن نعالجها، ولا تقل: لا أستطيع، فإنك تستطيع، فإذا وجد أن أمراً معيناً في نفسك وأهلك عجزت عنه فأنت عما سواه أعجز، فإنها أوهام يحوكها الشيطان في عقولنا لنتقاعس، ولكن الواجب لا يمكن أن يكون بعيداً عن كل إنسان بذاته في نفسه ومن ولاه الله سبحانه وتعالى أمرهم، فإذا صلحت هذه الأحوال أوشك -بإذن الله عز وجل- أن تصلح حال المجتمعات والأمة الإسلامية كلها، ولذلك ليست القضية في القوة، وليست القضية في السلاح، ولا في كثرة عدد المسلمين، وإنما هي قوة الإيمان أولاً، ثم قوة التلاحم والتماسك والأخوة الإسلامية والرابطة العقدية الإيمانية ثانياً، ثم بعد ذلك وجود أسباب الإصلاح والعمل الجاد بدلاً مما كانت ولا تزال عليه صور بعض المجتمعات الإسلامية، قال الشاعر:

    تركنا كتاب الله بحراً ونستقي غديراً كما يسقي من البئر مائح

    رمينا وراء الظهر سنة أحمـد تركنا هداها وهو كالبدر لائح

    وها نحن نستجدي من الغرب شمعـة فلا الغرب معط ولا الشرق مانح

    مدابغ للتبشير في كل مركـز من الوطن المكلوم وهي ذبائح

    مساجدنا تبكي الشباب مـن الجفا وغصت بهم دور الخنا والمسارح

    مدارسنا ماجت بكل ملـوث يصاب بعدواه الحجا والجوارح

    فكثيرة هي مظاهر الانحراف في مجتمعات ودول الإسلام في شرق الأرض وغربها، ولذلك ينبغي أن نئوب إلى الله سبحانه وتعالى، وأن نعمل جاهدين على إقامة الإسلام في نفوسنا، وبيئاتنا، ومجتمعاتنا، وأن نكون عوناً على ذلك بإذن الله سبحانه وتعالى، والفجر -بإذن الله- قادم، وإرهاصاته ظاهرة، ولكنها محن يبتلي الله بها المؤمنين ليميز الخبيث من الطيب، ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعاً فيجعله في جهنم، إنها فتن الابتلاء، قال سبحانه وتعالى: مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ [آل عمران:179] أي: حتى تظهر المعادن الأصيلة، والمعاني النبيلة، وتتميز الصفوف من العناصر الدخيلة، ومن المنافقين وأصحاب الأهواء والمنافع؛ إنها محن تحيي الإيمان بإذن الله، وتدفع إلى الوحدة بإذن الله، وتقود -بإذن الله عز وجل- إلى نصر قريب، أليس الصبح بقريب؟!

    فهذا هو الأمل الذي ننتظره، والأمل يحتاج إلى عمل، فلابد أن ننظر في الآلام إلى الآمال، ولابد أن تقودنا الآمال إلى كثير وكثير من الأعمال، والله أسأل أن يلطف بإخواننا المسلين في شرق الأرض وغربها.

    اللهم إنك العالم بالسرائر، والمطلع على الضمائر، اللهم قل الناصر، واعتز الظالم، وأنت المطلع الحاكم، بك نعتز عليهم، وإليك نهرب من بين يديهم، مال الناس إليهم، وتوكلنا عليك في إنصافنا منهم عليك، وتوكلنا في إنصافنا منهم عليك، ورفعنا ظلامتنا إلى حرمك، ووثقنا في كشفها بكرمك، اللهم لا حول ولا قوة لنا إلا بك، اللهم سدت الأبواب إلا بابك، وانقطعت الأسباب إلا أسبابك، اللهم قل الناصر، وعز المعين، وكثر الظالم، وبغى الأعداء، اللهم فأنزل على المؤمنين نصرك المبين، اللهم ثبتهم على الحق يا رب العالمين!

    اللهم رحمتك بإخواننا المضطهدين والمعذبين، اللهم رحمتك بالمسلمين المشردين والمبعدين، اللهم إنهم حفاة فاحملهم، عراة فاكسهم، جياع فأطعمهم، خائفون فأمنهم، مشردون فسكنهم، اللهم ثبتهم على الحق يا رب العالمين! اللهم ثبتهم على الدين، وارزقهم الإيمان واليقين، اللهم اجعلهم ممن يرضون بقضائك، وممن يثقون بنصرك يا رب العالمين!

    اللهم إنا نسألك أن تؤلف بين قلوب المسلمين، وأن تصلح ذات بينهم، وأن تزيل منهم أسباب الشحناء والفرقة والبغضاء.

    اللهم ألف على الحق قلوبنا، اللهم ألف على الحق قلوبنا، اللهم ألف على الحق قلوبنا، واجمع على نهج الصراط المستقيم آمالنا وأعمالنا برحمتك يا أرحم الراحمين!

    اللهم وفق ولاة المسلمين لتحكيم شرعك، واتباع سنة نبيك صلى الله عليه وسلم، اللهم وفق ولاة المسلمين لكل ما تحب وترضى، اللهم وأبعدهم عما لا تحب ولا ترضى.

    اللهم إنا نسألك العفو والعافية والمعافاة في الدين والدنيا والآخرة.

    اللهم تول أمرنا، وارحم ضعفنا، واجبر كسرنا، واغفر ذنبنا، وبلغنا فيما يرضيك آمالنا.

    اللهم إنا نسألك حياة السعداء، وعيش الأتقياء، وموت الشهداء برحمتك يا أرحم الراحمين!

    اللهم اجعل لنا من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ومن كل فتنة عصمة، ومن كل بلاء نجاة وعافية، برحمتك يا أرحم الراحمين!

    اللهم إنا نسألك أن تنزل علينا الرحمات، وأن تفيض علينا البركات، وأن تضاعف لنا الحسنات، وأن ترفع لنا الدرجات، وأن تقيل لنا العثرات، وأن تمحو عنا السيئات، وأن تغفر اللهم لنا ما مضى وما هو آتٍ برحمتك يا أرحم الراحمين!

    اللهم انصر إخواننا المجاهدين في كل مكان يا رب العالمين! ثبت خطوتهم، وسدد رميتهم، وأعل رايتهم، ووحد كلمتهم، وقو شوكتهم، وانصرهم على عدوك وعدوهم يا أرحم الراحمين!

    اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، وارفع بفضلك كلمة الحق والدين، ودمر الكفرة وسائر أعداء الدين، اللهم إنا ندرأ بك في نحورهم، ونعوذ بك من شرورهم.

    اللهم أحصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تغادر منهم أحداً، وأرنا فيهم يوماً قريباً أسودَ، يا قوي! يا عزيز! يا منتقم! يا جبار! يا من لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء! نكس وجوههم، وأذل أعناقهم، ونكس راياتهم، اللهم لا ترفع لهم راية، واجعلهم لمن خلفهم آية، يا منتقم! يا جبار! يا عزيز!

    اللهم ارحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين! واجعل خير أعمالنا خواتمها يا رب العالمين!

    عباد الله! صلوا وسلموا على رسول الله استجابة لأمر الله: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56] وترضوا على الصحابة الكرام، وأخص منهم بالذكر ذوي القدر العلي والمقام الجلي وهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ، وعلى سائر الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ورحمتك يا أرحم الراحمين!

    والحمد لله رب العالمين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755950215