إسلام ويب

أحداث الجزائرللشيخ : سفر الحوالي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن أعداء الأمة الإسلامية يدأبون باستمرار في تعزيز قضايا الاختلاف والفرقة في الأمة الإسلامية، لتشتيت شملها، والسيطرة على ثرواتها، وأوضح دليل على ذلك ما تعيشه البلدان العربية والإسلامية من الفرقة والاختلاف، وفي هذه المادة يتحدث الشيخ عن إحدى هذه البلدان ألا وهي بلاد الجزائر، فيتحدث عن ملابسات الوضع والاختلاف القائم بين الجبهة الإسلامية وجبهة التحرير، مبيناً أسبابه وحقيقته، وموقف الغرب وإعلامه إزاء هذه القضية، مختتماً كلامه بما ينبغي أن يكون عليه موقف المسلم من هذا الصراع، داعياً خلال ذلك إلى العمل على ترسيخ مفهوم الأخوة الإسلامية.

    1.   

    فتوى ابن عثيمين في تتبع الصحف والرد على أخطائها

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، هناك بعض الأسئلة، حبذا لو نبدأ -كالعادة- بما له علاقة بالموضوع، وإن كانت بعضها مفيدة جداً، لكن لعلنا نرد عليها إن شاء الله.

    نبدأ بهذه الفائدة القيمة، وهي عبارة عن فتوى في هذه الورقة تقول:

    ''بسم الله الرحمن الرحيم. المكرم فضيلة شيخنا محمد بن صالح العثيمين حفظه الله تعالى، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    أما بعد:

    فإننا نود أن نعرف رأي فضيلتكم فيما يقوم به بعض الإخوة من طلاب العلم، من تتبع المجلات والصحف الداخلية والخارجية، بغرض جمع المواد المخالفة للإسلام، ومن ثم الرد عليها، وتحذير الناس منها، وهل هذا من جهاد المنافقين الذي أمر الله به رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أفتونا مأجورين؟"

    فكان الجواب بخط فضيلة الشيخ أثابه الله، وبارك في حياته ونفعنا بعلمه فقال:

    "بسم الله الرحمن الرحيم

    وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

    رأيي أن هذا لا بأس به، نظراً لما يكثر في بعض الصحف والمجلات من المسائل التي تحتاج إلى التنبيه عليها، ولكن أرى أن يُتصل أولاً بالكاتب، وينبه على ما حصل منه من أخطاء، ويوعظ ويطلب منه أن يكتب تصحيح ما أخطأ فيه في نفس المكان الذي كتبه فيه، لأن ذلك أنفع له، وأجدى للقارئين، وأقطع للجدال بالباطل.

    فإن حصل ذلك منه فهو المطلوب، وإلا فليُكتب الرد عليه في نفس الصحيفة، أو المجلة التي كتب فيها ذلك الخطأ".

    وهذا قد ينطبق -غالباً- على المجلات الداخلية أو الصحافة الداخلية فقط، وأما الخارجية فلا يهمها أنك كتبت، ولا يهمها أن ترجع عما كتبت من الباطل غالباً.

    وأما غير الإسلامية -من الصحف والمجلات- في الخارج أو الداخل فإن لها وضعاً آخر، فقد يكون ذلك من باب الخطأ، لكن المقصود هو كل ما فيها من الخبث والفجور، بل وأحياناً الكفر والإلحاد.

    ويقول الشيخ أيضاً: "ثم إن هاهنا أمر أُحب أن أنبه عليه، وهو أن يكون الرد لقصد الإصلاح لا الانتقام" وهذا تنبيه حسن أثابه الله، فهو ينبه إلى أن يكون رداً يقصد به الإصلاح، فلعل الله أن يصلح ذلك الكاتب، أو الجريدة أو المجلة، وأن الرادَّ على ذلك لا يريد إلا الحق، لا الانتقام الذي قد تغلب عليه العاطفة أحياناً، فالشيخ -أثابه الله- يعرف العواطف، وكيف تتغلب، فتعصف ببعض الشباب، قال: '' فإنه إذا كان القصد في ذلك الإصلاح كانت صياغة الرد هادئةً مقبولة '' أي: مع أنها خيرٌ عند الله فإنه أيضاً يؤثر في صياغة الرد، ويكون هادئاً مقبولاً.

    ثم قال: ''وأما قول السائل: هل هذا من جهاد المنافقين؟ فلا ريب أن بيان الحق وإظهاره، وإبطال الباطل وبيانه؛ من الجهاد بالعلم، ولا يخفى أن الله تعالى جعل طلب العلم قسيماً للخروج في جهاد السلاح، حيث قال تعالى: وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ [التوبة:122]، أسأل الله تعالى أن يجعلنا جميعاً من دعاة الحق وأنصاره، وأن يهب لنا رحمةً منه إنه هو الوهاب، وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم ''.

    كتبه/ محمد الصالح العثيمين في 26/6/1411هـ، وتحته التوقيع، أثابه الله وجزاه خيراً.

    1.   

    الجمع بين الخوف والرجاء

    السؤال: كيف نجمع بين الخوف والرجاء والرغبة والرهبة؟

    الجواب: هذا له علاقة بما قاله الإمام ابن القيم: ''الرهبة: هي إمعان في الهرب من المرهوب، وضدها الرغبة''، إذاً فكيف نجمع بين اللفظتين في قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اللهم إني أسلمت نفسي إليك، ووجهت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، رغبةً ورهبةً إليك... إلخ) فنجمع بين الرغبة والرهبة، بأن نقول: إن الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- يُرهَب عذابه، ويُرهَب جانبه من جهة أنه شَدِيدُ الْعِقَابِ [البقرة:196] وأنه عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ [آل عمران:4] ويُرغَب فيما عنده -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- من جهة أنه ودود، وكريم، وغفور، ورحيم، فكل هذه من أسمائه وصفاته -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- فتجتمع الرهبة والرغبة معاً، وليس فيها شيء يناقض بعضه.

    1.   

    الكلام على أحوال المسلمين في الجزائر

    السؤال: ما حقيقة الوضع في الجزائر في ظل الأحداث التي تعصف بها عصفاً؟

    الجواب: إنه لما كثرت الطلبات، والتساؤلات سواء بالرسائل أو الأسئلة المباشرة، وذلك من قبل الكثيرين المهتمين بأحوال الأمة، مضمونها كلها حول الجزائر، وما حدث فيها، ولعلنا نعطي كل هؤلاء موجزاً عن ذلك، وعما نراه في ذلك.

    قضية الجزائر قضية إسلامية

    إن مما أمرنا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى به من بيان الحق في هذا الأمر ما يلي:

    أولاً: أن نقول للناس جميعاً: إن الله -تبارك وتعالى- أمرنا بالعدل، ففي كل جمعة -تقريباً- نسمع الخطيب وهو يقول: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى [النحل:90] فنحن مطالبون بالعدل في كل الأحوال، قال تعالى: وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى [الأنعام:152]، وقال تعالى أيضاً: وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ * أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ * وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ [الرحمن:7-9].

    ثانياً: إن الله تبارك وتعالى أمرنا بمحبة إخواننا المؤمنين، والتآزر معهم، والتعاطف معهم في قضاياهم، فقال تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات:10]، وقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {مثل المؤمنين في توادهم، وتراحمهم، وتعاطفهم، كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى} فهذا أصلٌ عظيم، وأدلته كثيرة، لا تخفى عليكم.

    ومن منطلق ما أمر الله تعالى به من العدل، ومن موالاة المؤمنين، ومحبتهم، والاهتمام بأمورهم، نقول: إن ما حدث ويحدث إلى الآن في الجزائر هو مصيبة، ونازلة، وفاجعةٌ عظيمة حلت بالإسلام والمسلمين، وليست بأشخاص معينين، ولا بجبهة معينة، ولا بحزب مقصود لذاته أبداً... لماذا؟

    بين الجبهة الإسلامية وجبهة التحرير

    لأننا من مقتضى العدل يجب أن نقول: إننا لا نعرف الكثير عن هذه الجبهة الإسلامية، أما بالنسبة لقائديها الشيخ عباس مدني وعلي بلحاج فلم نعرفهما، ولم نقابلهما، ولم نرهما، أقول هذا عن نفسي؛ وبما أنه ليس لنا علاقة شخصية مجردة بهما، ولكن من منطلق ما أمرنا الله تعالى به من العدل: أمامي رجلان، مدعيان، وهما جبهتان في الحقيقة الجبهة الإسلامية وجبهة التحرير الحاكمة، فهما المدعيان، وأنا بمنزلة القاضي المأمور بالعدل، وكلٌ منا كذلك، كما يقول شَيْخ الإِسْلامِ ابن تيمية -رحمه الله-: ''القاضي أعم من أن يكون الذي في المحكمة، فكل من قضى بين اثنين فهو قاضٍ''.

    وعليه: فأمامنا الآن قضية، مطلوب منا أن نحكم فيها، وأمامنا خصمان متنازعان.

    حجج الجبهة الإسلامية

    أحدهما: وهو الجبهة الإسلامية ونحن لا نعرفه، يقول: أنا أريد الإسلام، وأريد كتاب الله وسنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأنا عندي (80%) من الشعب، كلهم يريدون الإسلام، فهذا برنامجي، وهذا تطبيقي، وقد طلبت من الناس أن يطالبوا ببقاء نظام الانتخاب كما هو، إلا أن الحكومة عدلته، وغيرته، لتفوز وحدها، ولذلك طلبنا منها أن يظل القانون كما هو؛ ولندخل جميعاً في الانتخابات.

    فإن فزنا؛ حكمنا البلاد بكتاب الله وسنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإن فازوا قلنا: إنا لله وإنا إليه راجعون، ويكون الشعب قد اختار الاشتراكية علينا.

    ثم قال عن خصمه: هذا خصمي جبهة التحرير، وهو حزب اشتراكي علماني تابع لفرنسا والغرب، فقادته وزعماؤه فرضوا الاشتراكية على البلاد، واستوردوها من موسكو، وهؤلاء هم الذين نحوا كتاب الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- عن الحكم، فلم يقيموا حداً واحداً من حدود الله، منذ أن استقلت الجزائر إلى اليوم، بل إنهم يبنون دور السينما، ويشجعون الغناء والفساد والفجور، ويبيعون الخمر إلى الغرب، وكذلك لم يهتموا بالأمر بالمعروف، ولا بالنهي عن المنكر، كما قال الله تبارك وتعالى: الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ [الحج:41] فهذه حجتي، وهذه دعوتي.

    حجج جبهة التحرير

    قالت جبهة التحرير: نحن نُدعَى الحزب الحاكم، فنحن حزبٌ اشتراكي نؤمن بـالاشتراكية، ونحن حزبٌ علماني -وهذا في الدستور لا يخفونه أبداً-.

    قالوا: ونحن عندما حكمنا البلاد حكمناها بـالاشتراكية، لأنها أفضل المذاهب الموجودة، وحكمناها بـالديمقراطية، لأنها خير ما تحكم به الشعوب، وسمينا البلد: جمهورية الجزائر الديمقراطية، لأننا نؤمن بـالديمقراطية، ونعتقد بـالديمقراطية، ونحن أخذنا الحكم عن طريق الأسلوب الديمقراطي، وهؤلاء أصوليون ومتطرفون، يريدون الوصول إلى السلطة، ويريدون إفساد البلاد، ويريدون تحقيق مطامعهم الشخصية، وهذه الكثرة من الشعب التي معهم مغرر بها، ومخدوعة بهم، فقد خدعوها بهذه الشعارات التي يرفعونها، وأما نحن فقد فرضنا القانون والدستور، واعتقلناهم واضطهدناهم وسجناهم، لنقر الدستور، ونقر القانون، لتستمر الديمقراطية، وليستمر القانون.

    الحكم في هذه القضية

    فهذا هو ما يعلن، وهذا واضح من دستورهم ومن كلامهم، فبماذا يجيب المسلم؟ بل وماذا يقول المسلم الذي يخاف الله، ويؤمن بالإسلام، ومع أيهما يكون، مع أنه لم يعرفهما ولا علاقة له بهما؟ لكن من منهما الذي فرض الله تبارك وتعالى أن تكون معه، وأن تنصره وتؤيده، فهل في هذه المسألة خيار لنا؟! فنحن أمام إلزام وحكم قاطعٍ وصريحٍ من الله، فيجب علينا إما أن نكون مع الفجار، أو مع المتقين المؤمنين المطالبين بكتاب الله وسنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأولئك إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أعرضوا وتولوا، وقالوا: عندنا الاشتراكية، وهؤلاء يقولون نريد كتاب الله وسنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

    وهؤلاء يقولون: معنا الشعب، وهؤلاء يقولون: ونحن معنا موضوع الشعب، وليعلم الجميع أن هذه قضية منتهية ومفروغ منها، فنحن لا نحكِّم الشعب أصلاً، ولكن من حيث الواقع الشعب مع من؟ الانتخابات المحلية والبلدية واضحة: (80%) من الشعب مع الذين يريدون الإسلام و(20%) مقسمة على ثلاثين حزباً، فإذاً هو بلدٌ مسلم، وأهله مسلمون، وقد قدموا مليون شهيد بإذن الله من أجل أن يتخلصوا من الفرنجة، ومن الاستعباد للكفر؛ لأنهم يريدون تحكيم الكتاب والسنة.

    ولكن المسيرة تنحرف، فتأتي هذه الجبهة الحاكمة، وتفرض نظام ماركس ولينين على هذا الشعب المؤمن، والآن هذا الشعب أفاق واستيقظ -كما استيقظت والحمد لله الأمة الإسلامية في كل مكان- فهم يريدون كتاب الله، ويريدون أن يعودوا إلى إيمانهم ودينهم، وأصالتهم التي نزعت منهم قهراً، ويرفضون الاشتراكية التي فُرِضَت عليهم فرضاً وهم 80%.

    إذاً مع من نكون؟؟!

    موقف الغرب من الجزائر وغيرها

    أما موقف الغرب، فالغرب دائماً له معياران، وله مكيالان: معيار للإسلام، ومعيار لغيره، ولذلك الآن وفي هذه الأحداث بالذات وفي هذه الأيام، فهناك مثلان حادثان، ومشكلتان في بلدين ليس بينهما إلا البحر، وهما متقاربان تقريباً، وهما يوغسلافيا والجزائر.

    فانظروا إلى الحكم بمعيارين كيف يكون؟ ففي يوغسلافيا يقول الغرب: على الجيش أن يرجع إلى الثكنات، والناس هم الذين يختارون ما يريدون، أما في الجزائر: فليسمح للجيش أن يضرب الناس، وليفعل ما يشاء، ليفرض القانون.

    فالموقف معكوس تماماً، لماذا؟ لأن هؤلاء -في يوغسلافيا- نصارى، والديمقراطية تصلح لهم، ولا بد أن يدعوا إلى الديمقراطية.

    ومثل آخر: الصين وقفت أمريكا ضدها، حتى كاد الوفاق الذين بينهما أن ينفصل، وذلك لما ثار الطلبة، وطالبوا بالديمقراطية، فقالت أمريكا:من حق الشعوب أن تطالب بـالديمقراطية، وإن وقوف الجيش والشرطة الصينية أمام المطالبة بالديمقراطية جريمة عظيمة، فحدثت بذلك فتنة كبيرة، حتى إن أمريكا منحت الطلاب الصينيين في الولايات المتحدة الأمريكية، والمبتعثين للدراسة لديها إقامة دائمة، وذلك تمهيداً لمنحهم الجنسية الأمريكية، وعددهم أربعون ألف طالب، دفعة واحدة، وذلك تأييداً لهم لمطالبتهم بـالديمقراطية، وعندما جاءت جبهة إسلامية، وقالت: نريد أن يبقى نظام الانتخاب كما هو، ويعمل بإجراءاته في موعدها، لأننا نريد أن ندخل فيها.

    قال الاشتراكيون: لا، غيروا النظام.

    فقالت الجبهة الإسلامية: إذاً أيها الناس: يا من ستنتخبون! من تنتخبون؟ ودعوا إلى الاعتصام والإضراب، لأن القانون قد تغير -قانون الانتخابات- وطالبوا أتباعهم بعدم استخدام القوة، وكانوا يحذرون كل التحذير أن لا يستخدموا القوة، ولهذا اجتمعوا في المساجد، وفي الميادين، تجنباً لأي شيء.

    فواضح أن دعواها سلمية، وأنها تريد تحقيقها مع الذين يزعمون أنها ديمقراطية، فتريد أن ترشح وتصوت، فإن فازت فإنها تريد الإسلام، وإن لم تفز، فإنها تكون قد سلكت سبيلها، واعتذرت إلى الله، فهذا اجتهادها على الأقل، وكذلك فإنها لم تستخدم العنف، ولا القوة أبداً.

    موقف الإعلام من هذه القضية

    الإعلام الجزائري، ومن تبعه أتى بثلاثة نبيلات -أقواس أطفال- وأربع سكاكين، وثلاثة خناجر، وكذلك هراوتين أو ثلاث، ثم قالوا: هذه وسائل الأصوليين المتطرفين لقلب نظام الحكم، وصوروها في جميع تلفزيونات العالم.

    الله أكبر! أين دبابات الجيش وهي تدك المساجد؟ فهل صوروها؟! لا.

    فأعجب شيء أن جيشاً يدك عواصم ولا يصور!! ولماذا لم تنقل وسائل الإعلام هذه الصور؟! أين الذين ألقيت عليهم القنابل، والغازات الخانقة، من قنابل أمريكية الصنع، لم تستخدم من قبل؟! وأما كونها أمريكية فهذا يدل على مغزىً آخر، فالمسألة ليست فرنسية فقط، لأنها لم تستطع أن تفعل ما ينبغي، فجاءت أم الكفر، ورأس الصليبية في العالم، وأعطتها قنابل لا تعرفها فرنسا، بل إنها محرمة دولياً، مكتوب عليها (لا تقذف على الأشخاص مباشرةً؟) بل تقذف في الهواء ثم تلقي بالرذاذ؛ فيختنق المتظاهرون، وتسيل دموعهم، فتتفرق المظاهرات، لِم لم يذع عن هذا شيء؟ ولم يتكلم عنه؟

    بل إن أمريكا هي التي تدفع ذلك، وتقضي على الديمقراطية بقنابلها، وهي أم الحرية وأم الديمقراطية في العالم!! تذبح الديمقراطية بقنابلها وهي مطمئنة وراضية، لأن الموتى والمختنقين في الجزائر- مسلمون، أما في يوغسلافيا فلا، أو في الصين فلا.

    ولذلك عندما فازت الجبهة الإسلامية، قطعت المعونات التي كان من المفترض أن تعطيها السوق الأوروبية المشتركة للجزائر، وذلك حتى يحرجوا الجبهة أمام الناس، ولكنهم استعانوا بالله، وجمعوا الأموال ممن عندهم من الناس، ومن أهل الخير؛ وفتحوا مشاريع خيرية، فأعطوا الفقراء وساعدوهم، في رمضان وفي غير رمضان.

    فأحبهم الناس وتنفسوا روح العدالة الإسلامية، فأحبوا الإسلام، وأقبلوا على بيوت الله وعمروها، وانتشر الخير فيما بينهم، وكسدت تجارة الخمور والمخدرات والسينما.

    حتى إنه عندما جاءت فرقة غربية إلى الجزائر، أرادت أن تقيم حفلاً غنائياً، وعادت إلى بلادها خائبة، فذهل الغرب من هذا الموقف، ولم يعجبهم ذلك، فماذا صنعوا؟ لقد اشترطوا أن لا تُعطَى جبهة التحرير الحاكمة قروضاً إلا بالقضاء على الجبهة الإسلامية، ولما قضي عليهم، سمعنا الخبر -جميعاً- وهو أنهم أعطوا كل المساعدات التي يريدونها، وكذلك أديت عنهم الديون، لأنهم فعلوا الشيء الذي يطلبه الغرب ويريده، وهو القضاء على هؤلاء!

    إذاً فالقضية قضية دين، وإيمان، وعقيدة تحارب، وليست جبهة كذا، ولا فلان من الناس ولا علان، فديننا أكبر من كل الأشخاص، وهو أهم عندنا من كل أحد، والقضية التي نتكلم عنها ليست مجرد فلان، أو جبهة، لأنهم إن كانوا من أولياء الله، فالله ولي المتقين، والله ناصرهم ولو بعد حين، وإن كانوا غير ذلك فقد عجلت إليهم بعض ذنوبهم.

    حقيقة القضية وحقيقة الصراع

    إن القضية قضية إسلام يحارب، ومساجد تدكها المدافع والدبابات، ومصلون تلقى عليهم الغازات السامة، من قبل فجرة ملحدين، وبعضهم شيوعيون.

    كل الأحزاب العلمانية قد سُرت وفرحت بذلك، في كل مكان؛ وأما المسلمون فلا بواكي لهم!! ولا أحد يعرف قضيتهم، بل لا أحد يتفهم حال الدعوة في الجزائر، وأنها قائمة على عقيدة السلف الصالح-والحمد لله- فالشيخ عبد الحميد بن باديس، ورابطة علماء السلف، رابطة سلفية نشأت على دعوة التوحيد التي قامت عليها البلاد، وأما التهم التي يتهمونه بها، فهي نفس التهم التي توجه إلى من أقاموا هذه البلاد، وأنشأوا هذه الدولة، وهي أنهم وهابيون ومارقون، وخوارج متطرفون، فهذه تهمة توجه إلى من أقام هذه الدولة على التوحيد والحمد لله.

    ولذلك فإن من أكبر الألم عند المسلمين في الجزائر -ولا أقول الجبهة أو غيرها، بل المسلمين عامة- ألاَّ يجدوا التعاطف من أبناء هذه البلاد لقضيتهم، وألاَّ يتفهم أهل هذه البلاد ما يعانون لأنهم يريدون حكم الله، وتحكيم كتابه!

    والجبهة ليست حزباً سياسياً، واسألوا من يعرف الأحزاب، أو اقرءوا في صحيفة الحياة، أو في غيرها من الصحف، فـالجبهة ليست حزباً سياسياً ضيقاً بالمعنى المعروف، بل إنها عبارة عن تجمع عام، والدليل: أن معظم الشعب -ثمانون في المائة- معهم، لأنه يريد كتاب الله وسنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

    إذاً فالغرض هو الإسلام، والهدف هو الإسلام، فعندما يُضرب فإنما يضرب الإسلام، وعندما تكون الطعنة النجلاء فإنما هي في صدر الإسلام، وليست لمجرد فلان أو علان من البشر، بل إنه دين الله، وكتاب الله، وسنة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى إن البيان الذي تريد الحكومة الجديدة إخراجه هو باللغة الفرنسية، فإنهم أناس بعيدون عن الإسلام، وبعيدون عن العروبة التي تُزعم، متفرنجون في عقولهم، وآرائهم، وقوانينهم، وفكرهم، ومع ذلك يوجد فينا من يقف معهم -عياذاً بالله!- ونعوذ بالله من الضلالة.

    واجبنا حيال هذه القضية

    فالواجب علينا أن نناصر إخواننا المؤمنين، وأن ننصر الإسلام في كل مكان؛ فإن لم نفعل فلا أقل من أن نسكت، ونتق الله؛ أما أن نكون مثل الكاتب الذي كتب أن موقظو الفتنة هم عباس مدني وأتباعه، ونحن لا يهمنا من كان، ولكن الذي يهمنا هو: ما هي الفتنة؟ إنها الشرك بالله تعالى، يقول الله تعالى: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ [الأنفال:39] فالفتنة في هذه الآية هي الشرك كما في الحديث الصحيح، فعندما يطالب أحد بكتاب الله فهل هو داع إلى الفتنة؟

    أم أن صاحب الفتنة هو الذي ضحى بمليون شهيد من الشعب، ومع ذلك يحكم بالاشتراكية اللينينية الماركسية فأيهما أيقظ الفتنة؟ وأيهما يقف ضد الحق، وضد إرادة الشعب؟! فالمسألة واضحة.

    ولذلك نهيب بكم جميعاً -أيها المسلمون- بالاهتمام بهذه القضية، وألا ننساق وراء الإعلام الغربي المضلل، فالغرب -والله- لا يريد لنا إلا الشر، فهو يشوه قضايانا في إعلامه، وفي إذاعاته، فعندما نأخذ الأخبار منهم، أو ننقل أخبارنا مباشرة مما يقولون، فنحن بذلك نرسخ ما يريده، ونحن بذلك نحقق له أهدافه، فنحن مؤمنون، ولا بد أن نكون مع إخواننا المؤمنين، ومع قضايانا الإسلامية في كل مكان، ولا تستغفل عقولنا، فنسمع مثلاً أن دبابات الجيش نزلت إلى الشوارع، ونرى نبالاً وسكاكين، فننزل الغضب على هذه، وننسى صاحب الدبابة والمدفع لأن هذا من استغفالهم لنا، ولأنهم وجدوا أن عقولنا -مع الأسف- لا تدرك كثيراً من الأمور، فلَبَّسوا علينا ذلك.

    هذه نصيحة أخ لكم في الله، وأرجو أن تصل -هذه النصيحة- إلى هؤلاء الصحفيين الذين لا يخافون الله، فلم يعدلوا، ولم يأمروا بالمعروف، ولم ينهوا عن المنكر، بل وليتهم سكتوا! حتى لا يفضحونا في ذلك البلد الذي سكانه ثلاثون مليون مسلماً -والحمد لله- وبلد يقول الغرب عنه: إنه بعد عشرين سنة أو أقل سيصبح سكانه أكثر من سكان فرنسا الأم، وفهم يخافون منه؛ وأكثرهم من الشباب، فنسبة الشباب في الجزائر تعد من أعلى النسب في العالم، من بين السكان شباب متحمس ويريد الإسلام، وهو ما يهدد بأن ينتهي الغرب، وتنتهي مصالحه، وهو الذي يخشاه، ويخافه الغرب.

    ولذا فإنهم يضللوننا عما يجري وعما يحدث في الجزائر، فهذا البلد إذا سمع أن أهل هذه البلاد الطاهرة المقدسة، والذين يدينون الله تعالى بعقيدة التوحيد -والحمد لله- وعندهم العلماء، وفي بلادهم الحرمين الشريفين، وأن موقفهم منهم هو نفس موقف الإعلام الفرنسي والغربي، سُقط في أيديهم، وسيشعرون بالمرارة والألم، أكثر مما يشعرون به إذا رأوا أولئك المتفرنجين وأتباعهم ولا يقف أحد أمامهم.

    فمن المفروض أن يروا منا التشجيع والتأييد والنصح، وإذا رأينا فيهم خللاً أن ننصح لهم، فنحن إلى الآن لم نر في صحافتنا نقداً للحزب الاشتراكي الحاكم، إني لم أر ذلك، لماذا؟ يقولون: لأن هناك اتفاقات دولية، تنص على ألا نتكلم في الدولة الفلانية، فنقول: لماذا لم يطبق هذا أيام أحداث الخليج، فجميع صحف الجزائر -كما بلغنا- وكل الأحزاب فيها، بل والحكومة فيها أيضاً، كلهم كانوا ضد المملكة في حرب الخليج.

    إذا كان الصحفيون يريدون هذا، فلماذا نحن الآن لا نتكلم إلا عن الإسلاميين فقط، وأما الاشتراكيون الذين وقفوا ويقفون مع حزب البعث العربي الاشتراكي في العراق، فلأنهم تجمعهم الاشتراكية والعلمانية، لم نتكلم عليهم أبداً، فإذا قيل لهم: ولماذا تتكلمون عن هذه الجبهة؟ قالوا: لأنها وقفت في حرب الخليج في غير موقفنا، فنقول لهم: كلهم كانوا في غير موقفنا، فالصحافة الحكومية كانت تسخر منا، بل إنها رسمت كاريكاتيرات تسخر منا، وهي صحيفة الحزب الحاكم.

    وأما المسلمون أو الإسلاميون فما بلغنا عنهم شيء من ذلك، وإنما قرأنا عن تعاطفهم مع الشعب العراقي -فقط- ضد الأمريكان، لكنهم يكرهون صدام أشد الكره، ويعتقدون بكفر حزب البعث.

    فيجب أن لا نصدق ما يقال، فالقضية ليست بالشكل الذي صُور لنا، والمسألة ليست كذلك، فهذا الأمر أخطأ فيه كثيرون، وأصاب فيه كثيرون كذلك، فقدكانت فتنةً عمياء، والتبست على أكثر الأمة، وهذا الحال ليس خاصاً بالجزائر فقط، بل إن معظم العالم الإسلامي قد تعاطف مع العراق، ليس حباً في صدام، ولكن كرهاً لأمريكا.

    فالواجب علينا أن نتق الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في هذا الأمر، ولا ننظر لهذه الأحداث على أنها أحداث أو وقائع فقط، بل ننظر إلى أصل العقيدة والمبدأ، وأصل العدل والدين حتى نكون مع المؤمنين لا مع المجرمين، ومع المطالبين بكتاب الله لا مع المطالبين بالدساتير العلمانية الملحدة الكافرة.

    فدستور الجزائر الذي تسير عليه جبهة التحرير الحاكمة الآن، دستور كفري وإلحادي، ومن عجائب هذا الدستور أنه يتيح لفرنسا التدخل في الجزائر، إذا اقتضى الأمر، فأين الاستقلال والعدو يتدخل فيهم؟ ولهذا قال ميتران إذا فاز الأصوليون قد أتدخل في الجزائر مباشرة، كما تدخل بوش في بنما'' هذه كلمة سمعتموها جميعاً من قبل.

    ولذلك أوصيكم ونفسي بتقوى الله، وأن نناصح هؤلاء، والحمد لله جاءت هذه الفتوى بَقَدرٍ من الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعني كلام الشيخ محمد، الذي وجه بمناصحة من كتب من هؤلاء في الصحافة وغيرها، ثم إنه ليس في الكلام من بينة إنهم واسمعوا إلى ما تقوله الصحافة فيهم تقول: أبعد ما يكونون عن الصدق، لأنهم انتهازيون ونفعيون، وهم أقدر الناس على المخادعة والمراوغة، وهذا كلام مجرد ليس فيه أدلة، فأين الأدلة على ذلك، كان عليهم أن يقولوا: لقد صرح بكذا، وله كتاب كذا، وله خطبة كذا.

    فنرى أن القول بالمراوغة والمخادعة يمكن قولها لأي أحد، وهو بريء، لكننا نريد حقائق أولاً. قبل أن تتكلم.

    وقد رأينا عندما أضرب الناس وخرجوا إلى الشوارع، فقال الحزب الحاكم: الإضراب بسيط، ولا يؤثر في الحياة، وليس فيه مشكلة، فما دام الأمر كذلك! فلماذا نزل الجيش والدبابات والغازات إلى الشوارع، وبقي أسابيع لم ينته. إذاً الناس يريدون الإسلام، وهؤلاء يحولون بينهم وبينه.

    فنسأل الله أن يهدي ضال المسلمين إلى الحق، وأن تصل هذه النصيحة إلى مثل هؤلاء الكُتاب، وأن يتقوا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وما هي إلا كلمة حق وإنصاف كما أمرنا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بالعدل، فإذا أردنا أن ندرس حال الدعوة الإسلامية في الجزائر وغيرها، من خلال ما لها وما عليها.

    فإن الذي يبحث في مثل هذا الموضوع هم العلماء المختصون بالدعوة، ينقدون حركة عباس مدني، ينقدون حركة حسن الترابي، وحركة راشد الغنوشي فإن أي حركة من تلك الحركات، تُنقد ما لها وما عليها، من خلال الكتاب والسنة النبوية والأدلة الشرعية، وهذا النقد مفتوح، وليس أحد فوق النقد كائناً من كان، وإن غضب من يغضب، فلا يهمنا غضبهم في تلك اللحظة، لكن لا نريد من الدعاة والصالحين أن يغضبوا منا لأننا وقفنا مع أعداء الإسلام، فليس هذا من العدل، بل إن هذا الغضب من حقهم إن كان الأمر كذلك.

    وقد يقول قائل وكلامه صحيح: ألا تعتقد أن السكوت عن ظلم المسلمين في الجزائر هو مشابه لما حدث في حرب الخليج، في العراق؟ وأن السكوت عليهم سيجعلنا بعد فترة ننساهم، ولا نذكر ما حصل على إخواننا في الجزائر، إلا عندما تسوء العلاقات السياسية بين البلدين؟ فأقول: نعم، هذه هي المشكلة، فإنه لا يمكن أن يقف أحد مع الظالم على المظلوم إلا ويحوجه الله -عز وجل- أن يقف معه المظلوم، ونعوذ بالله أن يكون قولنا من بعد ثلاث سنوات أو أربع: هؤلاء كانوا مجرمين، أو كانوا مفسدين، أو ضربوا الحركة الإسلامية، أو أن يكتب أحدنا هذا الكلام، مثل هذا الصحفي، فنحن أمرنا الله بالعدل والقسط في الغضب والرضا، في العداوة والمحبة، فنقول الحق في كل وقت ولكل أحد، وإلا فلا فرق بيننا وبين أي انتهازي، أو كاتب صحفي مأجور في أي جريدة من جرائد العالم.

    1.   

    رسالة من حاج جزائري

    ولدينا رسالة -من القلب- من حاج جزائري، يتقدم بها إلى إخوة العقيدة في أرض الحرمين الشريفين وفي كل بلاد المسلمين، يقول فيها:

    بسم الله الرحمن الرحيم

    والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد...

    فهذه نبذة موجزة عن تاريخ الجزائر، من عهد الاستقلال إلى هذه الآونة الأخيرة، وسوف أتطرق فيها إلى الأسباب التي أدت إلى ظهور جبهة الإنقاذ الإسلامية، وكيف برزت هذه الجبهة في واقع الحياة في الجزائر؟

    أسباب الأزمة الحالية

    فشل قادة الاستقلال والمتمثل في حزب جبهة التحرير الوطني، في قيادة البلاد وإخراج الشعب الجزائري من الأزمات التي تراكمت عليه منذ عهد الاستقلال إلى هذه الآونة، والأزمة الكبيرة التي قصمت ظهره وتركته مكسور الجناح -لا يملك من أمره شيئاً- هي تلك المصيبة الكبرى التي نادى بها الطاغية الراحل -هواري بوحدين- حيث جرد الشعب الجزائري من ممتلكاته الحيوية، التي كانت تنعش البلاد بالخيرات، والأرزاق، مما كان يكفي احتياج الشعب، بل كان يصدر الفائض من الإنتاج إلى خارج البلاد، كما هو معروف في عهد الاستعمار.

    ولكن هذا الطاغية الذي تمثلت فيه كل قوى الشر، وحب الانتقام، فدعا إلى هذا النظام الظالم، الذي يخالف كل سنن الله تبارك وتعالى في تدبير خلقه، ورزقهم من فضله، وبالتالي أصبح الشعب الجزائري بعد هذا النظام عالةً لا ينظر بعضه إلى بعض، لا الغني بماله يجود به على غيره، ولا الفقير يجد من يتفضل عليه، وأصبح الجميع كما قال تشرشل أحد المحنكين الإنكليز: (إن الاشتراكية أفقرت الغني ولم تغن الفقير) وإذا رأيت هناك أثرة من غنى أو سعة في رزق، فاعلم أن صاحبها من أعضاء الحزب الحاكم، وأن لديه بطاقة انخراط في حزب جبهة التحرير الوطني، حتى أصبحت بطاقة الانخراط -هذه- مصدر رزق الكثيرين من الشعب أو حرمانهم منه.

    ولا أبالغ إذا قلت: -وأنا على يقين مما أقول لأنني عشت في تلك الظروف التي أهلكت الحرث والنسل- أن الفلاحين -على شظف عيشهم- إذا ضاقت ميرتهم، وذهبوا يشترون العلف لدوابهم من الجمعيات الحكومية، التي تحتكر العلف وغيره، وتستغله أبشع استغلال، فإن المسئولين -في هذه الجمعيات- يسألونهم على الفور: هل لكم بطاقات انخراط في الحزب؟ وهل لكم ترخيص في تربية الدواب أو غيرها، أم لا؟ وغيرها من الأسئلة التي لا تطاق.

    أسباب الثورة على نظام الحكم

    فقد مكث الشعب الجزائري المغلوب على أمره تحت هذا النظام، وعلى هذا الوضع المزري (ما يزيد على ثمانيةٍ وعشرين عاماً) وهو يرى حاله تزداد من سيئ إلى أسوأ، واليوم بعد اليوم، والشهر بعد الشهر، والسنة بعد السنة، ولم ير أحداً يلتفت إليه، أو يحاول أن يصلح حاله، أو يدخل عليه شيئاً من السرور، حتى في الضروريات التي لا غنى للإنسان عنها، وكلما رأى فئة الحزب تزداد طغياناً وغنىً وظلماً وكبرياءً، وأصبح الظلم مستشرٍ بين طبقات الشعب، وكذلك الحاجة تزداد يوماً بعد يوم، وكذلك مما يزيد الأمر شراً: اختلاق الأزمات الاقتصادية -من قبل الدولة- عند هذا الظرف الحالك.

    حتى نفذ صبر هذا الشعب الصبور الجريء، وحانت ساعة الصفر التي لم تكن وليدة الصدفة، بل كانت تجربة السنين والأعوام، ودعته بأن ينفجر ويكسر قيود هذا الحكم الظالم، فخرج من أقصى البلاد إلى أقصاها، منادياً بسقوط حزب التحرير الوطني، الذي جثم على صدر الشعب ردحاً من الزمن، ولم يكن للشعب منه فائدة واحدة تذكر، بل كانت طغياناً وعلواً وظلماً، فانفجر الشعب الجزائري بكل فئاته في 6/أكتوبر/1988م، ومما يزيدنا تصديقاً وبرهاناً على كفر الشعب بهذا الحزب الاشتراكي الظالم: أنه في معظم مناطق القطر الجزائري أحرقت مباني ودوائر هذا الحزب، ومنشئاته، ولم ينجو منها إلا النـزر القليل.

    فاستعملت الحكومة في هذا الظرف الذي لم تحسب له، بل ولم تتوقع أن الشعب قد يتمرد يوماً ما هذا التمرد الكامل، منادياً بسقوط الحزب وأعضائه، استعملت كل وسائل القمع ضد هذا الشعب، ومنها الذخيرة الحية، فكانت النتيجة سقوط ما يزيد على ألف وخمسمائة قتيل -معظمهم من الشباب وأطفال المدارس- ويعلم الله أنه لم يهدئ تمرد هذا الشعب أحد، ولم يسمع من أحد، ولم يخف أحداً، إلا ما كان من سماعه للمشايخ، وخطباء المساجد حين اجتمعوا ونادوا في الشعب بالهدوء، والكف عن الحرق والتدمير والتخريب، ثم المطالبة بحوار مع الحكومة، فهدأ -عندها- الشعب.

    وخطب بعدها رئيس الجمهورية، وأمر بإلغاء الحزب، والدعوة إلى الديمقراطية، وطرح الكلمة الأخيرة للشعب، وأمر بتعدد الأحزاب.

    فأصبح الأمر جارياً، ورأى قادة المسلمين في الجزائر أنه من الضروري شرعاً الدخول في هذا المعترك، لأنه اختيار شعبي عام، حيث إن الشعب خرج منادياً بسقوط الحزب الظالم، والمطالبة بحكم الإسلام الذي لا حكم غيره، وعندها خرجوا بهذا الاسم المبارك (جبهة الإنقاذ الإسلامية) وذلك تفاؤلاً في أن ينقذ الله بها البلاد والعباد مما هي فيه من سوء الحال.

    عقيدة جبهة الإنقاذ الإسلامية

    وقد يسأل سائل عن عقيدة هذه الجبهة، فإن عقيدة هذه الجبهة هي عقيدة السلف الصالح، التي تتمثل في الالتزام بتعاليم الكتاب والسنة، وفي فهم السلف الصالح، كما أنها امتداد لدعوة جمعية علماء المسلمين الجزائريين، وعلى رأسهم الشيخ عبد الحميد بن باديس رحمه الله.

    وأما شعارها فهو لا إله إلا الله، عليها نحيا، وعليها نموت، وعليها نبعث يوم القيامة، كما أن هذه الجبهة -أيضاً- ليس لها أي علاقة بـالشيعة أو الخوارج، بل هي دعوة سلفية محضة.

    فقادتها ملتزمون بهذه العقيدة، وإليها يدعون دائماً، وكذلك فإن هذه الجبهة قد قامت بأعمالٍ خيرية، وميزات حسنة قامت بها فمنها:

    أولاً: لجان خيرية على مستوى كل بلدية، وذلك لمساعدة الفقراء والأرامل، ومحدودي الدخل، كذلك تم فتح مطاعم خيرية في كل بلدية -في شهر رمضان- المبارك لإطعام أبناء السبيل والمنقطعين، وكذلك -أيضاً- فتح محلات تجارية خيرية لا تأخذ من المشتري ربحاً، وإنما تبيع بسعر التكلفة محاولة لحل الأزمة الاقتصادية التي افتعلها النظام، واستغلها بعض وضعاء النفوس أبشع استغلال.

    وقد نجحت هذه الأعمال في التنفيس عن الشعب نجاحاً ظاهراً الأمر الذي دعا معظم الشعب الجزائري إلى الثقة وحب هذه الجبهة، ونبذ ما عداها من أحزاب أخرى.

    موقف الصليبية من المسلمين في الجزائر

    ولا ننسى هنا أن نذكر موقف الصليبية العالمية من المسلمين في الجزائر فقد سخرت الصليبية العالمية -وعلى رأسها فرنسا-كل إمكاناتها ووسائل إعلامها للطعن، والنيل في جبهة الإنقاذ الإسلامية في الجزائر؛ لأن فرنسا -خاصة- لم تنسَ ولن تنسْ تاريخها الطويل مع الشعب الجزائري، فالذي أخرجها من أرض الجزائر مدحورةً صاغرةً هو الإسلام وحده لا غير، لذلك فهي دائماً تناصبه العداء؛ لأنها خائفةٌ منه ومذعورةٌ، وكذلك لأنه قوةٌ حية لا يمكن لها أن تموت، وإن بدت في بعض الأحيان أنها خامدة، ولكنها سرعان ما تنطلق إذا وجدت لها أنصاراً أبراراً.

    وهذا الذي دعا زعماء فرنسا السابقين إلى أن يقولوا كما قال أحد الحكام الفرنسيين في الجزائر إبان استعمار فرنسا لها فقال - في هذه الآونة عن الوضع في الجزائر محذراً في ذلك بني جلدته الفرنسيين- قال: '' إن الخطر يهدد فرنسا من الجنوب -ويقصد بالجنوب الجزائر طبعاً كما صرح الرئيس الفرنسي نفسه- وقال: سأتدخل مباشرةً في الجزائر إذا ما تسلم الحكم المسلمون، كما تدخل الرئيس بوش في بنما'' وهذا مصداقاً لقوله تعالى: وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ [البقرة:120].

    زد على ذلك كله -أيضاً- أن فرنسا قد ألغت عدة عقود كانت مبرمة مع الجزائر -في الاقتصاد وغير ذلك- لمجرد نجاح جبهة الإنقاذ الإسلامي في تسيير البلديات، وكذلك ألغت المنح والابتعاث للدراسة في جامعة فرنسا وذلك خوفاً من إمداد جبهة الإنقاذ الإسلامية بالأطر التي تزيد من نشاطها وخطرها -بزعمهم-.

    وهذه كلمةٌ صادقة، ومناشدة أخوية أقولها لإخواني في العقيدة بعد عودتي إلى الجزائر من رحلتي هذه، وبعد أن يسر الله تبارك وتعالى لي الحج في هذه السنة، ولقد رأيت الكثير مما يسر الخاطر، ويثلج الصدر في أرض الحرمين الشريفين من المشاريع العظيمة التي أدت إلى تسهيل مناسك الحج بيسرٍ وسهولة، وكذلك رأينا من كرم الضيافة، وحسن الاستقبال الشيء الكثير، ولكن الشيء الذي عكر صفو فرحتي وبهجتي بما رأيت، أنني -دائماً- كنت أتابع أخبار بلادي -الجزائر- من الصحف والإذاعات والاتصال بالبلاد هاتفياً.

    تأثر إعلام المسلمين بإعلام الغرب

    وأما الشيء الذي تعجبت منه غاية العجب! أن الصحف في بلاد الحرمين الشريفين -المعروفة بالنزاهة والموضوعية- قد تأثرت إلى حدٍ كبير بالإعلام الغربي المغرض، الذي دائماً يكيد للإسلام والمسلمين، وأصبحت هذه الصحف بكل ما تقول تتبع الإعلام الغربي حذو القذة بالقذة، وهذا مما لا يليق بالإعلام في هذه البلد حيث إن له وزنه واعتباره في جميع البلاد الإسلامية، أنه لا يذكر إلا من صدق الكلمة بحقيقة الواقع، فقد قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا ) [الحجرات:6] وفي قراءةً أخرى متواترة: (فتثبتوا).

    فالحذر الحذر! مما تبثه أجهزة الإعلام الغربية وبعض العربية، فإنها لا تصدر ذلك إلا كيداً للإسلام والمسلمين وكراهيةً لهم، ونحن لا نحبذ لكم أن تتخلوا عن إخوانكم في الجزائر فالدم الدم والهدم الهدم، فالعقيدة واحدة والمنهج واحد والحمد لله، ولا نريد أبداً أن تدافع عنا أو تتعاطف معنا أي جهة ليست على عقيدتنا ومشربنا، ولقد تزعمت دولة إيران الدفاع عنا، ولكنَّا براء من عقيدتها، ومن دفاعها عنا، وليس بيننا وبينها أي وشيجة أو رحمٍ قبل.

    طلب النصرة من أهل الحرمين الشريفين

    ولذلك فإن الشعب الوحيد الذي يمكنه أن يجرد لسانه وقلمه لنصرة قضيتنا، والتعاطف معنا هو: شعب دولة الحرمين الشريفين لما له من السابقة في الخيرات والأيدي الطيبة في جميع أنحاء العالم الإسلامي، وكذلك لصفاء العقيدة السليمة التي لم تشبها شائبة من ملل أو نحل ضالة، وهذه -والحمد لله- هي عقيدتنا التي ندعو إليها، ونرجو من الله تبارك وتعالى أن يميتنا وإياكم عليها بإذنه.

    وهانحن ننادي إخواننا في العقيدة -في أرض الحرمين الشريفين- بعد أن انتهينا من رحلة الحج المباركة، ونزلنا أرض بلادنا الجزائر وقد رأينا عن قرب سوء الحال، وما آلت إليه أوضاع المسلمين في الجزائر، وقد تحققنا تماماً أن ما كانت تقوله أجهزة الإعلام بعيدة كل البعد عن حقيقة الواقع، لذا فإننا نناشد إخواننا في العقيدة في أرض الحرمين الشريفين وفي كل مكان ونذكرهم أننا إخوة لهم وقد قال الله تبارك وتعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات:10] وقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى} فإننا وإن بعدت بيننا الديار، وحالت دوننا البحار والقفار؛ فإن قلوبنا وأحاسيسنا أقرب إلى بعضها من حبل الوريد، وإننا قد تحاببنا في ذات الله تبارك وتعالى، ونسأل من الله أن يجمعنا في ظله يوم لا ظل إلا ظله، لذا فالنداء لكم خاصة -يا إخواننا في أرض الحرمين الشريفين- إن أجدادكم الأبرار قد فتحوا البلاد وأسعدوا العباد وأنتم عليكم بإكمال الطريق ونصرة إخوانكم في العقيدة في كل مكان.

    موقف الشعب الجزائري من صدام وحزبه

    وإن كانت قضية الخليج التي أوقد نارها الطاغية صدام

    وأعوانه قد أثرت في علاقتنا وأخوتنا الإسلامية؛ فإن هذه القضية ليست بالميزان الذي نقيس به أمور المسلمين وأوضاعهم؛ بل هذه فتنة هوجاء عكرت تفكير الكثير من أولي الألباب والنهى. وبعد هذا كله فإن معظم الشعب الجزائري -وأنا قد عشت أوضاع حرب الخليج- من أولها إلى آخرها- معظمه كان ضد الطاغية صدام

    وحزب البعث، وأما البقية من الشعب والتي تعاطفت في ذلك، إنما كانت مع الشعب العراقي وليس مع حزبه الملحد. وإن الذين وقفوا مع العراق إنما وقفوا ضد الصليبية الحاقدة على شعب العراق، الذي ابتلي بحكم هذا الطاغية الذي أورده المهالك، وكان شعارهم آنذاك لا حباً في صدام

    ولكن بغضاً لأمريكا عدوة الإسلام والمسلمين، مع العلم أن الأحزاب العلمانية في الجزائر وهي تزيد على الثلاثين حزباً، منها صدام

    شخصياً ومع حزبه الملحد. كما أن أجهزة الإعلام في الجزائر -وهي في أيديهم- كانوا قد سخروها جميعاً لخدمة صدام

    وحزب البعث وجعلوا منه الزعيم الأوحد الذي قد جاء يخلصهم من مشاكلهم التي يتخبطون فيها.

    الخاتمة

    ولعلي في هذه النبذة القصيرة قد أوضحت الرؤية قليلاً عما يدور في الجزائر، وما يدبر للإسلام والمسلمين فيها، ويمكننا القول بصراحة: إن القضية في الجزائر اليوم هي محاربة الإسلام والمسلمين، وكل المبررات التي تقال عن المسلمين مدبر ومخطط لها، الجيش الجزائري -الآن- يضرب المتظاهرين ويقذفهم بقنابل أمريكية الصنع، وهي أشد من القنابل التي يقذف بها الصهاينة على الفلسطينيين في الأرض المحتلة، فهذه القنابل الأمريكية الصنع مسيلة للدموع مع وقوع الاختناق في نفس الوقت، وقد احتفظ الكثير من المسلمين بعينات من هذه القنابل وهي عندهم، وأنا مسئول على ما أقول.

    ولقائل أن يقول: ما شأن هذه الاضطرابات والمظاهرات؟ هل تأتي بفائدة للمسلمين في الجزائر؟ وهل لها مسوغ شرعي؟ ولأجل هذا السؤال فقد اتصلنا في هذا الموسم ونحن مجموعة من الشباب الجزائري بسماحة الشيخ محمد العثيمين -الذي هو أحد العلماء البارزين عندكم في أرض الحرمين الشريفين- وسألناه عن رأيه، فقال سماحته: إذا كانت هذه المظاهرات والاضطرابات قد تأتي بمصلحة ويمكن أن تخدم قضية الإسلام في الجزائر بدون أن تجر لكم مفاسد أشد، ففي هذه الحالة لا بأس، إذ هي وسيلة من الوسائل.

    وختاماً: نسأل من الله تعالى أن يبرم لهذه الأمة أمر رشد، يعز فيه أهل طاعته، ويذل فيه أهل معصيته، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر، ويحكم فيه شرعه الحكيم، آمين اللهم آمين.

    اللهم لا تمتنا حتى تقر أعيننا بدولةٍ إسلامية، وخلافة راشدة تعز بها لنا النفوس، وترفع لنا بها الرءوس، اللهم أقم لواء الجهاد، وأغث البلاد والعباد، اللهم لا تمتنا حتى تقر أعيننا بإهلاك اليهود وأعوانهم من الملحدين.

    سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    1.   

    الدستور اليمني ودور العلماء فيه

    السؤال: وهذا سؤال بشأن الدستور في اليمن؟

    الجواب: أولاً: أعتذر عن تأخير الجواب عن موضوع الدستور في اليمن، فقد اطلعت على الكتاب والحمد لله وأقول: فضلٌ ونعمةٌ من الله أن يوجد في هذا البلد -المسلم العريق الشقيق- مثل هؤلاء العلماء الذين تكلموا ووقفوا في وجه الدستور الكافر، ولم ولن يقروه بإذن الله، فقد قرأتم وسمعتم الشريط ورأيتم صراحتهم في قول الحق، وكذلك فإني قد تتبعت المواد التي انتقدوها على الدستور، ووجدت أن نقدهم كان صائباً وصحيحاً، وإنني أحمد الله أن لدينا -من هذه الأمة- من عنده هذه الدرجة من الوعي.

    والذي عكر عليّ في الحقيقة لما قرأت الكتاب وجدت أن المنافقين موجودون في كل مكان، وفي هذا الموقف، ولهذا كنت أريد من الإخوة عندما طبعوا الكتاب أن يحذفوا كلامهم منه، حتى ولو كان تعليقاً فقهياً فالذي يقول: إن ما قاله الأخ الرئيس كله الحق، وكله الصواب، وفيه الشفاء، وفيه الخير ثم يسكت، فهذا ما قال شيئاً، وهذا معدود في العلماء! فقلت: لا بد من شطب هذا الكلام من أصله، بدلاً من أن يذكر ثم يعلق عليه.

    ولكني أظن أن الإخوة الكرام أرادوا الأمانة العلمية وهي طبيعة المؤمن دائماً، فقالوا: إن الأمانة أن ننقل الموضوع كاملاً، ثم نعلق على أولئك، لكن الحمد لله فقد عوض الله عنهم بمن هم خيرٌ منهم وأكثر بأضعاف مضاعفه من العلماء الذين قالوا: لا يمكن أن نوافق على دستور مخالف لكتاب الله وسنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكذلك الوحدة إن كانت على الكتاب والسنة فنحن الذين نرحب بها وندعو إليها، وإن كانت الوحدة على هذا الدستور الوضعي الذي وضعته أيادي الاشتراكية في الجنوب، فلا، فرفضوه، وكتاباتهم وتوقيعاتهم وآراؤهم تشكر لهم، ونسأل الله أن يثيبهم وأن يجعلها في ميزان حسناتهم، وأعتذر مرة أخرى عن تأخير الجواب.

    1.   

    الكلام على كتاب كنز الدعاء

    السؤال: ورد في كتاب "كنز الدعاء" من أدعية قيل أنها تسهل حفظ القرآن فهل هذا صحيح؟

    الجواب: كلنا محتاجون إلى أن نحفظ القرآن والذي قد حفظه فليثبته، ولكن مثل هذا الكتاب كنز الدعاء الذي ذكر هذا الدعاء في صفحة تسعة وستين، فلا أعلم لهذا الدعاء أصلاً.

    السؤال: هل يجوز توزيع كتاب كنز الدعاء؟

    الجواب: لا يوزع حتى نتأكد من صحته، لأني لم أر إلا صفحة واحدة، ولا أستطيع أن أقول لك: "وزع" إلا إذا تأكدت من أنه ليس فيه أحاديث باطلة أو ضعيفة.

    1.   

    الموقف من بعض كتب الأدعية والأذكار

    السؤال: اذكر لنا بعض كتب الأدعية والأذكار التي لا مانع من توزيعها ونشرها؟

    الجواب: تحفة الأخيار للشيخ عبد العزيز بن باز، وكتاب صحيح الكلم الطيب للشيخ الألباني فهذه وزعوا منها ماشئتم، فمن أراد أن يشتري منها أو يعطي إخوانه أو يضع منها في المساجد فهذا طيب؛ لأنها والحمد لله موثقة، وصحيحة.

    1.   

    مصنع البيرة وإغلاقه

    السؤال: ما قول الشيخ فيمن يكتب أن سبب إغلاق مصنع الجعة (البيرة) في اليمن هم الأصوليون؟

    الجواب: عجيب هذا يكتب أن الأصوليين قوة جديدة، وبسبب ضغوطهم سيتوقف مصنع الجعة (البيرة) وأنه المصنع الوحيد في شبه الجزيرة العربية لإنتاجها، فهؤلاء يرون أن الأصولي هو الذي يقول الخمر حرام، وهذا نموذج مما يكتب، وأقول: خذوا نموذج للكلام بأن كلمة أصولي ومتطرف تعني أنه لا يشرب الخمر، ولا يزني، ولا يفسد، فهذه النعوت إذا أطلقت في أي بلد -من قبل الصحافة المأجورة- فإن هذا هو مرادهم، فلنحمد الله على ذلك، ولكن هل هذا هو المصنع الوحيد في جزيرة العرب، أم أنه المصنع الوحيد علناً؟ فماذا لو تم تفتيش جدة، فكم يا ترى نجد فيها، والله المستعان!

    1.   

    الفرق بين المكوس والعشور

    السؤال: ما هي المكوس؟

    وما هو الفرق بينها وبين الضرائب الحديثة؟

    وما هي العشور؟

    وهل هذه الموارد المالية محرمة شرعاً؟

    وما هي الأدلة الشرعية على التحريم؟

    وما هي أدلة التحليل؟.

    الجواب: السؤال يحتاج إلى محاضرة، وأيضاً ليست محاضرة في المسجد؛ ولكن في كلية الاقتصاد والإدارة، ولكن نوجز:

    المكوس أو الجمارك أو الضرائب أو العشور التي يأخذها الظلمة، وتُؤخذ بغير وجه حق، وبغير وجه شرعي فكلها بمعنى واحد، وكلها حرام، ويكفي في تحريمها قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المرأة التي رجمت: ( لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لقبل منه).

    إن المرأة الزانية تابت توبة لو تابها صاحب مكس وليس زنا!! أي أن المكس أعلى وأشنع وأفظع في الفساد وأجرم من الزنا، وهذا الحديث صحيح، وكذلك ورد في بعض الأحاديث التي في سندها كلام، كقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إنما العشور على اليهود والنصارى) رواه أبو داود، وهذا في سنده ضعف، لكن هذا المعنى يكفي، ففي القديم كانوا يسمونهم العشارين والمكاسين، وكان ذلك عند الرومان وعند الفرس وعند العرب في الجاهلية، وهي التي يسمونها في العرف الحاضر الجمارك.

    ولا نعني إدارة الجمارك.

    لأنها الآن تطلق على عدة أعمال، منها: التفتيش على المخدرات، وهذا عمل خير عظيم، وأجره كبير، وكذلك التفتيش على المجلات والأفلام الخبيثة، فنحن نسميه الجمارك.

    والمقصود بالجمارك في الأصل هم الذين يأخذون العشور من الأموال التي تمر، أو تقدم، أو تدخل، أو تخرج من وإلى البلاد، فهذا هو المحرم، وهو المكس، أما إذا كان عملهم مراقبة المنافذ البحرية، والجوية، والبرية وذلك بضبط ما يدخل من محرمات شرعاً، فهذا من أعظم أنواع الحسبة، وهو داخل في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لكن التسمية العامة لها تسمى الجمارك، وفي كتاب الأموال لـأبي عبيد فصل وذكر أشياء كثيرة في هذا الموضوع، وهي من الموارد المحرمة شرعاً، ولقد ذكرنا -إن شاء الله- من الأدلة ما يكفي، والحالة الوحيدة أو الصورة التي تجوز فيها إذا كانت على سبيل المعاملة بالمثل -وطبعاً هذا على غير المسلم؛ لأن المسلم لا عشور عليه، فما على المسلم في ماله إلا الزكاة- لكن الكافر الذي يمر ببلاد المسلمين مجتازاً بها، إذا كان تاجرنا إذا مر ببلادهم يؤخذ عليه (10%) أخذنا عليهم (10%) وإن أخذوا عشرين أخذنا عشرين، فهذا ليس مكساً لأنه من قبيل المعاملة بالمثل، أما أن يؤخذ من المسلمين وعلى أشياء إسلامية وبضائع إسلامية أو أمور حلال مباحة، فهذا لا يجوز.

    1.   

    الظاهرية أفكارهم ورجالهم

    السؤال: ما هي الظاهرية هل هي فرقة من الفرق الظاهرة مثل المرجئة والخوارج، ثم ما هي أفكارهم الرئيسية، ومن هم المنظرين لهم؟

    الجواب: الظاهرية مذهب فقهي، وليست فرقة عقائدية، لكنها تعد من البدع من جهة إنكارهم لكون الشريعة معللة -أي أنهم ينكرون الحكم الشرعية- وبناءً على ذلك ينكرون القياس، وحتى لا نعبر بالتعبير الأصولي، فمن القياس ما هو محمود ومنه ما هو مذموم، ومنه الصحيح ومنه الفاسد.

    فهم ينكرون أن الشريعة معللة أي أن لها أحكاماً ومصالح معروفة، فمثلاً القتل يقول الله تعالى: مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً [المائدة:32] فهذه معللة، وأكثر الأحكام معللة، وقال تعالى أيضاً: كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ ) [الحشر:7].

    أليست هذه معللة؟! إذاً فإن كثيراً من الأحكام المالية والحدود معللة؛ حتى العبادات معللة وإن كانت الحكمة خفية، كقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:183] فالعلة هنا هي علة التقوى وهكذا.

    فهم لما أنكروا ذلك أتوا بما يخالف العقل، وتعرفون رأيهم الذي يضرب به المثل -دائماً- أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: (لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يغتسل فيه) فقالت الظاهرية: إن النهي هنا عن البول في الماء، أما لو بال في قارورة، ثم صبها في الماء، فإنه يجوز ذلك، وهنا وقعوا في الخطأ، وذلك لما نفوا الحكمة، مع أن العلة واحدة وواضحة وهي تنجيس الماء وهكذا.

    ولذلك فقد أثر عن الإمام أحمد رحمه الله أنه قال: ''إن هذه من إحدى البدع'' وإمامهم القديم داود بن علي الظاهري ثم تزعمهم وأظهر شأنهم وأمرهم الفقيه المجتهد البارع أبو محمد بن حزم، فقد ملأ علمه الآفاق، وضرب في كل علم بسهم: في اللغة، والبلاغة، والبيان، وفي الفرق، فهو رجل عالم، لكنه كان سليط اللسان.

    ثم أضاف إلى ذلك أمراً آخر رغم أنه ظاهري في الفقه ترك ظاهريته وأعمل عقله في العقيدة فأتى بالعجائب التي لا يتسع المقام لذكرها، ففي بعض الأمور يوافق الجهمية، وفي بعضها وصل به الحال أنه كاد أن يوافق الباطنية والقرامطة وفي بعض الأمور وافق أهل السنة،كل ذلك كان باجتهاده الخاص وترك ما أجمع عليه السلف في موضوع الأسماء والصفات وغيرها، وإن كان له ردود قيمة وعظيمة على اليهود والنصارى وعلى الصوفية والخوارج والشيعة، فنسأل الله أن يغفر لنا وله.

    1.   

    توبة مخرج

    السؤال: سُئلتم منذ بضعة أشهر عن توبة المخرج السينمائي أنيس عبد المعطي فلم تجيبوا، حيث لم يكن لديكم معرفة كافية به، وقد علمنا أنكم قدمتم لكتابه محاكمة أهل الفن، فهل من كلمة تعرفنا من خلالها بهذا الأخ، وبتوبته، وبكتابه، عسى أن يكون في ذلك تبشير للمؤمنين، وإغراء للعصاة للتأسي به، والإقبال على الله، ويمكن تنبيه الإخوة عن وجود شريطين للأخ أنيس قذارة الفن، والسينما وتشويه المرأة.

    الجواب: نعم، أنا عرفت الأخ عن قرب، ونسأل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن ييسر ويسهل خروج كتابه هذا، فهو كتاب مفيد لأهل الفن ولغيرهم، وهو -والحمد لله- أول ما عرفت عنه قرأت في بعض الجرائد دعاية له وهو أنه يريد أن ينتج عملاً فنياً لم يسبق إليه، ويحشد فيه معظم الفنانين والمطربين المشهورين في العالم العربي، وذكروا فلاناً وفلاناً وفلانة... فقلنا: لا حول ولا قوة إلا بالله، كلما نقول سوف يهدم الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى دولة الفساد والقذارة، وإذا بها يظهر لها كل يوم عماد جديد، ومنهم هذا الشاب الذي أثنى عليه الجميع، حتى النقاد العالميين ذهلوا مما أُوتي من مهارة وملكة وذوق.

    ثم قابلناه وعرفناه، وقد هداه الله والحمد لله على ذلك، وأراد أن يكفر عن ماضيه الفني العفن، بأن يكتب هذا الكتاب مبيناً فيه خطر الفن، وكذلك خطر الأيادي الصهيونية الخبيثة في نشر التمثيل والطرب والفن وما يتعلق به، مبيناً فيه -أيضاً- بأن الأمة المؤمنة الجادة الصادقة لا تتعامل مع هذا العفن، ومع هذا النتن، ومحذراً وناصحاً أولئك بأن يتوبوا إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وذكر من سيرهم وأحوالهم ما فيه من عبرة.

    وستقرءون الكتاب وتجدون من العبر التي تراها عقولكم واضحة من حياة هؤلاء، وما فيها من التنغيص، وكذلك من التقليد الساذج لأعداء الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وما فيها من الموالاة لأعداء الله من الكفار، وما فيها من التبعية لخدمة الأغراض الصهيونية وأشباهها ممن يحاربون كتاب الله، وممن يحاربون الإسلام في عقر داره.

    نسأل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن يثيبه ويؤجره ويثبته على الحق، وأن يرد الإخوة الذين غرقوا في هذه المعاصي عن جهل وانخداع إليه رداً حميداً، وأن يعرفوا في أي ركب يسيرون، ومع من يطبلون، وأهداف من يخدمون، فيرجعون إلى الله، ويتوبون إليه توبة نصوحاً، والأشرطة موجودة يمكنكم أن تسمعوها وتستفيدوا منها بإذن الله.

    1.   

    حكم افتتاح المجامع المشتملة على باطل بالقرآن

    السؤال: ما حكم من يستهل الأعمال المحرمة، كالحفلات المحرمة، والمسرحيات بالقرآن الكريم؟

    الجواب: هذا له علاقة بالفن، فهناك تقليد جديد يتبعه الآن النجم المسرحي فلان، حيث يتفق مع قارئ قرآن لتلاوة آيات من الذكر الحكيم في السادسة والنصف مساء كل يوم على خشبة مسرحه، سواءً كانت الفرقة المسرحية تقوم بالعمل أم كانت في إجازة، وهذه الفرقة تتصدر إيرادات المسرح منذ بداية الموسم الشتوي، وهذا يحصل حتى لو كانت الفرقة تغني، لأنها تظن أن ذلك بركة من أجل ذلك يكثر الرزق، ومن أجل أن تنجح التمثيلية -أعوذ بالله- فهم يخدمون الدنيا بالدين، وهذا هو الإجرام بحق كتاب الله.

    1.   

    تصوير الصحابة في المجلات والمسلسلات

    السؤال: ما حكم ما يصدر في بعض المجلات والمسلسلات من تصوير الصحابة؟

    الجواب: عجيب أمر هؤلاء كيف يصورون الصحابة والتابعين بهذا الشكل، صور الصحابة والتابعين يوم بدر، وهذه مجلة باسم تصور معركة بدر وجبل أحد وكذلك ما حصل لـهند بنت عتبة، فعلى كل حال، فكل ما في المجلات من نشر لصور الصحابة، وأحداث السيرة والصحابيات كما هو في المسلسلات التلفزيونية حرام، ولا يجوز إقراره في أي حال من الأحوال.

    1.   

    كتب في الميزان

    السؤال: ماذا يقول الشيخ في كتاب موانئ بلا أرصفة؟

    الجواب: هذا الكتاب موانئ بلا أرصفة وكما تقول السائلة أنه يسير على منهج غازي القصيبي ونجيب محفوظ وأمثالهم في أشعارهم ثم ذكرت مثالاً من الكتاب يقول:

    '' أنا امرأة خلقت من حديد، وليس لي صلصال، ولست امرأة هشة يغريها كلام الحب، وكلام... إلى أن تقول: هأنذا أكذب نفسي بنفسي، أسحق مبادئي، أكفر بمذاهبي'' نعوذ بالله! لو كانت من حديد أو خشب لاستفدنا من الخشب والحديد.

    والعجيب أن في التقديم يقول الكاتب: ''أفلا يكون نجيب محفوظ قدوةً للآخرين في هذا الموضوع'' وهل هذا قدوة!! فمع ما في هذا الكتاب من الشنائع، فإنه يطالب بأن يكون هذا الرجل هو القدوة! فهذه مشكلة، وكذلك فإن السائلة تشكو من أن هذه الكتب والمجلات تكتظ بها مكتبة الجامعة التي لها موقع ممتاز في الجامعة، بل وترتادها الطالبات من مختلف الكليات والأقسام، وهذه المنكرات تباع أيضاً، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وكل هذا لا يجوز السكوت عليه أبداً.

    بالإضافة إلى ما ذكرت السائلة بشأن الموسيقى، والنادي الرياضي النسائي في الجامعة، وكذلك بشأن ما يلبسن من الضيق، فالله المستعان!

    السؤال: كتاب شفاء الفؤاد في زيارة خير العباد، ما رأي الشيخ فيه؟

    الجواب: هذا الكتاب الذي يسأل عنه الإخوة شفاء الفؤاد في زيارة خير العباد إلى الآن لم أره وأرجو أن أراه -إن شاء الله- وقد سمعت عنه؛ لكن من عادتي -كما ترون- أني لا أتكلم إلا عن شيء يكون في اليد حتى نقرأ من كلامه؛ فهو بمثابة عمرو بن لحي الذي أدخل الأصنام، وأفسد التوحيد، وأفسد ما ورثه الناس عن إبراهيم عليه السلام، وهكذا في كل زمان يظهر من أمثاله من يريد أن يفسد دعوة التوحيد، وهذا الكتاب وما فيه من شركيات وضلالات إن شاء الله نبينها من نصه إذا وصلتنا نسخة خاصة منه إن شاء الله تعالى.

    1.   

    الصحف والتدخين وموقفنا من ذلك

    السؤال: ما رأي الشيخ حفظه الله فيما نشرته جريدة الشرق الأوسط من أن التدخين يمنع الأصابة بمرض الخرف؟

    الجواب: هذه بشرى طيبة عند بعض الناس -مع الأسف- وهو ما نشر في جريدة الشرق الأوسط من أن التدخين يمنع الإصابة بمرض الخرف، فمعنى هذا الكلام: أن العجوز الذي يخرف يجب أن يدخن، ومعنى هذا الكلام -أيضاً- أن الذي لا يدخن يصاب بالخرف، فمثل هذه العناوين تخدم من، ولمصلحة من؟

    كلنا نعرف أن الدعاية للدخان ممنوعة في الصحف الداخلية، فصارت الصحف السعودية تصدر في الخارج، وبهذه الطريقة تكون قد تحايلت على هذا القرار، فتضع الإعلان على الصفحات الواضحة والأغلفة الملونة: " تعال إلى حيث النكهة والجمال والمتعة" وفيه أيضاً " يظهر حصان ملون وجميل جداً! " وكأن الدخان هو الذي جعله بهذا الشكل، مع أن الحيوان وبما أعطاه الله من غريزة فإنه لا يمكن أن يأكل الدخان أبداً؛ ولكنهم يأتون بصورته ويقولون: تعال إلى النكهة والمتعة والصحة، وفي نفس الإعلان وتحت تلك الدعاية، نجد تحذيراً صغيراً بأن التدخين ضار بالصحة، فما هذا الكلام؟ وهل هذا فعل عاقل؟ ما هذا التناقض المكشوف؟ وإلا فإن الله قد أعطانا العقل، فإن كان ضاراً فلا داعي له أبداً، وإن كان مفيداً فلا يقولون: إنه ضار، كيف وهو النكهة والمتعة والجمال! فلن يجتمعا أبداً!

    فهذا نموذج صغير وبسيط للتناقض الذي نعيشه للأسف، ولن يكون الخلاص من ذلك إلا إذا تمحضنا لما أمرنا الله تبارك وتعالى، وأطعنا الله ورسوله في كل أمر، ونبذنا ما عدا ذلك، وإن كانت شهواتنا تدعوا إليه.

    1.   

    حركة الإصلاح المزعومة وروادها

    السؤال: ما مدى علاقة جمال الدين الأفغاني ورفاقه بحركات الإصلاح؟

    الجواب: بالنسبة لحركات الإصلاح التي تكلم عنها السائل فليس جمال الدين الأفغاني زعيماً إصلاحياً، بل هو خبيث رافضي، وقد قرأنا كتبه مباشرة، وليس مجرد نقل عن أحد، وكتبه موجودة وتقرأ أيضاً، وأما محمد عبده فكان عقلانياً، وتلميذه رشيد رضا أفضل منه، لكن كان لديه بدع وانحرافات لا مجال لذكرها الآن.

    وكذلك الكواكبي فليس من دعاة الإصلاح؛ أما الحركة المهدية في السودان حركة صوفية باطنية، وليست من الإصلاح في شيء.

    1.   

    التجمعات السكنية الخالية من المساجد

    السؤال: ماذا يقول الشيخ عن عدم وجود مساجد بالقرب من الشقق السكنية العامة؟

    الجواب: هذا السؤال كثيراً ما جاءت الشكوى به، وهي أن شقق الإسكان مع أنها ثلاثة آلاف شقة تقريباً فليس فيها مسجد، وليست مشكلة المسجد فقط، لكن لا ندري كيف سيسكن هؤلاء الناس، وكيف يتكومون في هذه العمارة الشاهقة، وكيف يعيشون؟! وكيف يتصرفون؟! بل كيف يصعدون؟! وإذا تعطل المصعد فكيف يخرجون؟! وفي الحقيقة أعترف أنني ليست عندي خبرة في الهندسة المعمارية، لكن عندي خبرة كيف أسكن، فأرى وأعرف ما يناسبني من السكن.

    فأنا أتعجب من هذا النموذج، وهناك نماذج في البناء والمعمار بنتها أوروبا قبل أكثر من خمسين سنة، وخاصة دول الاشتراكية مثل بريطانيا وغيرها فإنها تبني أي بناء؛ لأنها حين تحشر الناس لا يهمها شيء من تعر واختلاط، وليس عندهم صلاة ولا دين، أما نحن المسلمين فإننا نحتاج إلى الذهاب إلى المسجد خمس مرات في اليوم والليلة، فإذا كان السكن بهذا الشكل، فإذاً أقول: أعان الله من يسكن فيه، لأنه لا يسكن فيه إلا المضطر، أما إصلاح ذلك فيمكن، وذلك بوضع وسائل معينة للتخفيف من هذا الضنك، الذي قد يجده السكان.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718653

    عدد مرات الحفظ

    754293751