وبعــد:
ما من نظام يوضع في أي زمن من الأزمان أو في أي بلد من البلدان إلا وتدخل عليه تفسيرات، وتعديلات وتبدو فيه جوانب نقص؛ لأن الذي يضعه ناقص وله أهواء ورغبات، ويراعي جوانب أناس ويهمل جوانب آخرين، يعرف شيئاً من أسرار النفس ويجهل أشياء منها، ولذا يعدل ويبدل وما إن يموت إلا ويأتي غيره فيكتشف أخطاء في النظام الذي سبق، فيلغي ويبدل ويعدل ويفسر ويحول من أجل أن النظام غير متكامل.
لكن نظام الله كامل لا يعتريه نقص: وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً [النساء:82] كامل في أحكامه، شاملٌ في نظمه، فصفة الربانية فيه واضحة، ليس نظاماً بشرياً، ولو كان نظاماً بشرياً لتغلبت فيه جوانب العواطف والرغبات، وجوانب الطبقات، لكنه نظام رباني وضعه الله وهو يعلم أسرار هذه النفس وما يصلحها وما يسعدها في الدنيا والآخرة، ولذا فهو نظام لا يأتيه الباطل، قال الله عز وجل: وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ [فصلت:41-42] لا يأتيه الباطل أبداً، والواقع يثبت هذا الأمر حينما يطبق نظام الله عز وجل؛ لأن الله اختار للبشرية فيه أعظم هدى، قال الله تعالى: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ [الإسراء:9] وأقوم هنا للتفضيل، هذا القرآن يهدي ويدل ويرشد لما هو أفضل للبشرية في عقائدها، وعباداتها، وتشريعاتها، وأفضل في معاملاتها وآدابها، وأخلاقها، فما من شيء دل عليه الله وأمر به إلا وهو أفضل ما يكون على وجه الأرض، وما من شيءٍ حذر الله منه ونهى عنه إلا وهو أسوأ ما يمكن أن يكون في الأرض.
يقال: لو أنصف الناس لاستراح القاضي؛ لأن القاضي لا يعلم كيف يحكم بين اثنين أصحاب دعاوى طويلة عريضة، وأصحاب حجج قوية، والحق واحد.
وأيضاً العاطفة لا تحكم الكون، والأهواء لا تسيطر على نظام الحياة، ولو دخلت العواطف في نظام الكون لفسدت الحياة، يقول الله عز وجل: وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ [المؤمنون:71] ماذا يحصل؟ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ [المؤمنون:71] تفسد مباشرةً، لماذا؟ لأن أهواء الناس تختلف ورغباتهم تتنوع، وما يرضي زيداً لا يرضي عمراً، وما يصلح لهذا البلد لا يصلح للبلد الثاني، وبالتالي تبدأ الصراعات وتبدأ الرغبات والمنافسات، ويفسد نظام الحياة، أما النظام الواحد الموضوع من قبل الله، فيطبق على الكبير والصغير، وعلى الأبيض والأسود، وعلى العربي والأعجمي، فالناس أمام أحكام الله سواسية كأسنان المشط.
ولهذا كان الجاهليون يستصعبون أن يقام الحد على العظماء والوجهاء، فحين سرقت المرأة المخزومية قالوا: لا يمكن أن تقطع يدها، لا بد أن نرى لها حلاً، وصعب عليهم الأمر، وما تجرءوا أن يشفعوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قالوا: ابحثوا عن أحب رجل عند رسول الله، فوجدوا أن أحب رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هو أسامة بن زيد ، وكان يسمى حِب رسول الله، فجاءوا إليه وكلموه، فقام وتكلم مع النبي صلى الله عليه وسلم، فغضب عليه الصلاة والسلام وقال: (أتشفع في حد من حدود الله يا
أما في ظل دين الله فلا، وهذا معنى الكمال في هذا الدين العظيم، أنه نظام عظيم، وإن من ضمن ما شرع الله عز وجل في كتابه الكريم: الحدود الشرعية التي تضمنت العقوبة الرادعة والعلاج الناجع لقطع دابر الفساد واستئصاله من أساسه؛ لأن الإسلام لا يعرف حلولاً نصفية.
إذا كان في جسمك الدودة الزائدة وهناك علاج يسكنها لكن يحتمل أن تثور عليك في أي وقت ثم تنفجر وتموت، فماذا يقول الأطباء؟ يقولون: نجري لك عملية، ظاهرها شيء صعب، ولذا يأخذون عليك إقراراً قبل العملية، ويوقعونه من قبل شاهدين بأنك إذا مت فلا تعويض لك بريال واحد فتقول: لا مانع عندي سأوقع، أقرر أنا فلان بأنني راضٍ وموافق على إجراء العملية الجراحية لي، ومتحمل كل ما يحدث عنها من نتائج.
وتدخل غرفة العملية وتسلم نفسك، وتتناول البنج وأنت تعرف أن بعد البنج المشاريط والسكاكين سوف تبدأ تقطع في جسمك وفي بطنك، وتغرق أمعاءك، ويبحثون عن شيء في بطنك يستأصلونه، لماذا؟ أليست هذه قسوة؟ أليست هذه وحشية؟ لماذا الأطباء قساة؟ ليسوا قساة ولكنهم عندهم رحمة بالجسد الكامل فقطعوا هذا العضو الفاسد لئلا يفسد الجسم كله، فتضحي بعضو في سبيل صلاح الجسد.
القاتل يُقتل، والسارق تقطع يده، هذه اليد في الدين كم ديتها؟ نصف الدية لكنها تقطع في ربع دينار، إذا سرق رجل ما قيمته ربع دينار من حرز وتوفرت شروط القطع تقطع اليد، ولهذا يقول المعترض على حكم الشرع:
يد بخمس مئين عسجد وديت ما بالها قطعت في ربع دينار |
أي: كيف تقطع في ربع دينار وثمنها خمس مئين ذهب، قال له الناظم الآخر:
عز الأمانة أغلاها وأرخصها ذل الخيانة فافهم حكمة الباري |
هي غالية إذا كانت أمينة، لكنها رخيصة إذا خانت.
وأيضاً: الزاني يجلد جَلدَ الحمار، يخرج في السوق ويمسك ويبطح ويضرب بما يضرب به الحمار في ظهره إذا كان بكراً، وإذا كان ثيباً فإنه يرجم ليوزع الألم والموت على كل جزئية من جزئيات جسمه، لماذا؟ لأنه تلذذ بالزنا في كل جزئية من جزئيات جسمه، ولذا يرجم ويموت مائة موتة، يموت مع أول حجر ويموت مع الثانية والثالثة والرابعة والخامسة وكم يأتيه من الموت، هذا عذاب الدنيا ولعذاب الآخرة أشد، لماذا؟ لأنه ما عرف حرمة أعراض المسلمين.
والمحارب لله ورسوله يقتل أو يصلب أو تقطع يده ورجله من خلاف أو ينفى من الأرض بحسب جريمته وبحسب تقدير ولي الأمر لنوع هذه الجريمة، وما يقضي عليها وما يمنع فشوها وانتشارها، هذه أحكام -أيها الإخوة- من الذي سن هذه الأحكام؟ إنه أرحم الراحمين.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة من غزوات الإسلام -في غزوة ثقيف- وكان جالساً يقسم المغانم، إذ جاءت امرأة من النساء وهي تبحث في المعركة عن ولدها، فلقيت ولدها مع السبي وهو رضيع ضائع، وهي مسكينة تبحث عنه، فلما رأته انطلقت عليه مثل السهم ما فكرت في موت أو في حياة، ثم أخذته من الأرض وألقمته ثديها وحنت عليه وجلست تبكي، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (أترون هذه تلقي ولدها في النار؟ قالوا: لا يا رسول الله! قال: والذي نفسي بيده إن الله أرحم بعباده من هذه بولدها) ومن رحمة الله أن شرع هذه الحدود، مثل الطبيب -ولله المثل الأعلى- يرحم المريض فيستأصل هذا العضو منه، ولكن ما ظنكم لو أن الطبيب قال: هذه قسوة وهذه وحشية، لكن خذ هذه الحبوب وهذا الشراب وهذا المرهم من فوق الجلد، أين الألم يا ولد؟ قال: بطني يا دكتور من الداخل، قال: هذا المرهم فقط مسكن وأعطاك مرهماً من فوق الجلد، ماذا يصير بعد أسبوع؟ تنفجر الزائدة ويموت هذا المريض، ما رأيكم في هذا الطبيب رحيم أم عدو للإنسانية؟ عدو، إذ كان بإمكانه أن يقطع هذا الداء؛ لكنه عنده رحمة سطحية محدودة قضت هذه الرحمة على هذا الجسد، ولله المثل الأعلى.
في البلدان التي فيها أجهزة للرصد، وفيها رجال أمن متطورون، وأنظمة وآلات وليس فيها شرع الله، نسب الجرائم هناك لا يتصورها العقل، في كل دقيقة في ولاية من ولايات أمريكا ، في شيكاغو مثلاً في كل دقيقة أربع جرائم قتل، أو مائتا جريمة سطو، آلاف جرائم سرقة، لماذا؟ لأنه ليس هناك حدود، وليس هناك شرع رباني، لو طبق نظام الله فلا نحتاج إلى هذا كله، مرة واحدة نقطع عضواً واحداً وبالتالي يسلم المجتمع كله.
وأذكر وقد ذكرت هذا اليوم أن لي قريبة أصيبت بمرض وهي تعمل في الحقل دخلت في إصبعها شوكة، ودخل مع الشوكة جراثيم وما عقمت وتساهلت فيها فانتفخت إصبعها بعد فترة وآلمتها كثيراً، وعالجوها في المستوصف في القرية بمرهم وحبوب (العلاج الأولي)، لكن انتشر المرض وما استطاعت أن تنام الليل، وجئنا بها إلى المستشفى العام في أبها ، ودخل الطبيب الجراح وأشرف عليها وقال: لا بد من بتر إصبعها من المفصل الأول، وهذه بسيطة، قلنا: نحن موافقون، أتينا إليها فقالت: من أجل شوكة يقطع إصبعي! والله ما أقطعها!
يا بنت الحلال الدكتور قال ذلك.
قالت: إنها ستشفى، فرجعت وظلت تستعمل علاجات آخرى ورفضت العلاج الذي فيه رحمة، فزاد المرض ورجعت، وأجري لها إشاعة وقالوا: انتقل المرض من الفصل هذا إلى المفصل الثاني وإذا تريدون نعالجها لابد أن نقطع من المفصل الثاني، قالت: والله لا أقبل، قلنا: ارجعي فرجعت، وانتقل المرض إلى المفصل الآخر، فقال الأطباء: تقطع من أصل الإصبع، هل ترضي قالت: لم أرض بالمفصل الأول كيف أرض بهذا.
فرجعت ومكثت مدة وانتقل المرض إلى المفصل الآخر وجئنا بها وأخيراً تدخلنا وقلنا لها: إذا انتقل هذا الداء إلى العظم فمن يوم يدخل في أول العظم ينتشر مباشرةً مثل النار في الهشيم، فرفضت، فقلنا: لا بد، وأخيراً قطعت من ذلك المكان، وكان بالإمكان أن تقطع من طرفها وتسلم، لكن الرحمة السطحية وعدم التعقل يجعل الفساد والشر ينتشر وبالتالي يقضي على الجسد كله.
وهاهو واضحٌ أمام أعينكم ما تعيشونه من أمن واستقرار في هذه البلاد المباركة بسبب تطبيق شريعة الله، وما قُطعت رقاب الناس كلهم، فكم يقطع في السنة؟ لا شيء، تظلون سنين وأياماً لا ترون قطعاً ولا ترون قتلاً، لماذا؟ لأن كل واحد يفكر ألف مرة قبل أن يقدم على القتل، ويفكر ألف مرة قبل أن يقدم على السرقة، أو الزنا، فالسارق يعرف وهو يسرق أنه سيقبل يده وينظر إليها نظرة وداع، لن يراها إلا في الآخرة فيقول: لا والله إن يدي أغلى من السرقة، وإذا كان يريد أن ينتقم من عدو أغضبه أو من زميل جرحه فيفكر وهو يريد أن يقتل أنه غداً مربوط في الخشبة، وأن السيف ينسف رأسه، وأن البندقية تخرق بطنه وتخرج كبده أمامه فيقول: لا أفعل الجريمة، لكن لو لم توجد شريعة فإنه لمجرد أي غضب يقتل، يقول: يا شيخ! اقتله والدية في الجيب والجماعة كثير، والواسطة كبيرة كما يحصل في بعض البلدان، يا شيخ اسرق وأعط المسئول من السرقة وسوف تمشي الأمور بيسر، وبالتالي تزهق الأرواح يوم أن نرحم روحاً واحدة ويوم أن نرحم سارقاً واحداً تنهب الأموال كلها، وتسفك الدماء وتنتهك الأعراض ويعيش الناس في قلق وفوضى وخوف وعدم أمن لتعطيل علاج الله الذي عالج الله به أمراض هذه المجتمعات.
ويقول لي أحد الإخوة الزملاء في العمل وقد سافر ليقضي إجازته في تركيا -من الإخوة الوافدين- يقول: جلست شهراً متنقلاً بين الشام وتركيا وأنا في قلق، يقول: والله ما عرفت طعم النوم وراحته وأمنه إلا عندما دخلت وتجاوزت حدود السعودية، وجئت ووقفت بسيارتي على جنب ونزلنا وفرشنا أنا والأولاد ونمنا نومة ما لي بها عهد، قلت: لماذا؟ قال: كنت أنام وأنا خائف، أنام وأنا منتظر من يذبحني ويأخذ حقي، يقول: ولو رأى في جيبي علبة دخان لظنها دولارات، لكن لما دخلت السعودية، السيارة مفتوحة وأنا نائم وأولادي نيام ولا يأتيني شيء، لماذا؟ لأسباب العلاج العظيم الذي شرعه الله عز وجل لتطهير المجتمعات.
وإن من أعظم نعم الله على هذه الأمة أن كشف الله لها أمر هؤلاء المجرمين الذين خططوا ودبروا من أجل إرهاب عباد الله الآمنين في بلد الله الآمن في شهر الله الآمن المحرم، بينما حجاج بيت الله من كل أرض من أقصاها إلى أقصاها، كل مسلم يجهز لنفسه مالاً حلالاً، ويتحلل من التبعات، ويستسمح أهل الحقوق، ويأخذ معه كتب العلم، ويسأل كيف يؤدي هذه الشعيرة، ويأتي إلى هذا المكان الطاهر من أجل أن يطوف بالبيت، ويقف بـعرفات ، ويسعى بين الصفا والمروة ، ويرمي الجمار، وهو مبتهل إلى الله، خائف منه، يرجو رحمة الله ويخشى عقاب الله، كان هؤلاء المجرمون يجهزون الألغام والمتفجرات ويتدربون عليها نظرياً وعملياً، ويحملونها ويهربونها ويدخلون إلى بيت الله الحرام باسم حجاج يأتون إلى بيت الله، ويبحثون عن الحرم الشريف من كل جانب ليختاروا المكان الذي يستطيعون أن يفجروا فيه، ماذا يفجرون؟ يفجرون ويقطعون أجساد المسلمين، يذبحون المؤمنين عند أعظم مكان حرم فيه حتى ذبح الحمامة، تنظرون الحمام بالحرم لا أحد يجرؤ على صيدها، الحمام من ذبحها يذبح بدلاً منها شاة فدية، فكيف بذبح مسلم؟ كيف بترويع مسلم؟ كيف بتفجير منطقة من أجل أن تأخذ الناس وتزعزع أمنهم وتلطخ بهم الجدران، وتقطعهم، وتسيل دماءهم من أجل ماذا؟
قدم مجموعة من العرنيين عليه صلى الله عليه وسلم وكأنهم اجتووا المدينة ، يعني: ما ناسبتهم المدينة، انتفخت بطونهم وصار فيهم وباء، رحمهم الرسول صلى الله عليه وسلم وأشفق عليهم فأخذ مجموعة من الإبل وأعطاها لراع من الصحابة وقال: اخرج بهم في طرف المدينة لتأكل هذه الإبل من أشجار البادية ويشربون من ألبانها وأبوالها لعلهم يسلمون، وفعلاً شربوا من لبن الإبل فذهبت الأمراض عنهم، وانتفخت أجسادهم بالقوة والعضلات، وبعد ذلك قلبوا ظهر المجن وقتلوا الراعي وساقوا الإبل وسرقوها وسملوا عينيه، أخذوا حديداً وأحموه في نار وأدخلوه في عينيه بعدما قتلوه، فبلغ الخبر النبي صلى الله عليه وسلم فأرسل في طلبهم مجموعة من الصحابة منهم علي وعمار وجيء بهم، ولما جيء بهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم حكَّم فيهم شرع الله فقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، ثم سمل أعينهم، ثم تركهم في الشمس حتى ماتوا عقوبة لهم وردعاً لأمثالهم، ولهذا يقول الله: ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ [المائدة:33] هذه وجبة الإفطار والعشاء في جهنم، فنحمد الله الذي لا إله إلا هو الذي يسر للقائمين في هذه البلاد أمر القبض على هؤلاء واكتشافهم، وهذا من نعم الله، ودليل على أن الله يرعى هذه البلاد إذ لو لم تكن هناك إعانة ورعاية من الله فمن يكشفهم وسط هذه الجموع وهذه الملايين، لكن ربك بالمرصاد، ثم نشكر المسئولين على تنفيذ أمر الله بدون مجاملة؛ لأنه والله لو لم يقتل هؤلاء لجاءنا السنة الآتية أكثر منهم وبالتالي يكثر الفساد، لكن اقطعها تبرأ، ولن ترى مجرماً -بإذن الله- لأنه يعرف أن رأسه سيرمى به مثل الكرة، والله يقول: وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيراً [الإسراء:8].
فنسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يديم علينا وعليكم وعلى المسلمين في جميع ديار المسلمين أمننا واطمئناننا واستقرارنا، وأن يوفق حكام المسلمين للعمل بشريعة الله عز وجل وتحكيمها في شعوبهم، كما نسأله أن يوفق حكام هذه البلاد لزيادة التمسك والعمل بدين الله عز وجل وإعلاء كلمة الله؛ فإنهم في ذلك إنما يحققون ما أمر الله به من العدل والإنصاف والحياة المستقيمة على وجه هذه الأرض.
قلنا في الماضي: إن العلامات التي تدل على قرب الساعة منها ما وقع وانقضى، ومنها ما يقع ولا يزال يقع، ومن ذلك ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم من فشو الفساد، وأنه مؤشر وعلامة من علامات الساعة؛ لأنه إنما يتحقق الرقي للأمم والسؤدد والتقدم والرفعة، بمقدار ما يكون فيها من أفراد صالحين يتحلون بالقيم الفاضلة، والعقائد السليمة، والأخلاق الحميدة والمعاملات الحسنة، ويسعون إلى إقامة العدل في الأرض وتقويم المعوج وإصلاح الفاسد، وهؤلاء هم الذين حملوا الأمانة يوم أن تخلت عنها السماوات والأرض: إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْأِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً [الأحزاب:72] والأمانة هي كل ما اؤتمن عليه العبد من الإيمان والعمل الصالح، وليست الأمانة محصورة في الودائع، فالودائع جزء من الأمانة، لكن كل ما كلفك الله به وائتمنك عليه فهو أمانة، صلاتك أمانة عندك من يحاسبك عليها إلا أنت، قد تقول: صليت، لكن الله يعلم أنك ما صليت، فهذه أمانة خنتها.
وضوءك أمانة، فقد تصلي بدون وضوء خوفاً من مدير المدرسة، لكن الله يعلم أنك لست متوضئاً فقد خنت الأمانة، صيامك أمانة .. غسلك من الجنابة أمانة .. عينك أمانة .. أذنك أمانة .. فمك ولسانك أمانة .. بطنك وفرجك أمانة .. يدك وقدمك أمانة، كل ما أتمنك عليه الشرع وجعل أمره في عنقك أمانة عندك إن أديتها فأنت من أهل الإيمان، وإن خنتها فأنت من أهل الخيانة -والعياذ بالله- ولهذا قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [الأنفال:27].
روى الإمام مسلم في صحيحه حديثاً صحيحاً عن حذيفة رضي الله عنه قال: (حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثين قد رأيت أحدهما وأنا أنتظر الآخر: حدثنا أن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال) الأمانة إذا استقرت لا تكون في السطح بل في جذر وفي عمق قلب الرجل، ولذا ترى الرجل غير الأمين في جوف الليل يسمع أغنية، من الذي يراقبك في تلك اللحظة؟ لا أحد يراقبك إلا الله، أمانتك فرضت عليك ألا تخون الله في أذنك، الرجل الأمين وهو في الشارع يمشي يرى أمامه امرأة متكشفة ليس معها زوج ولا أب ولا أخ، ولا أحد يراه فلا ينظر إليها، من الذي جعله يغض بصره؟ خوفه من الله وأمانته على استعمال هذه العين، يستلم الراتب ويعده مرة ومرتين وثلاثاً فيرى فيه خمسمائة ريال وبإمكانه أن يخفيها؛ لكن أمانته تفرض عليه أنه يرجع الخمسمائة ريال؛ هذه الأمانة إذا نزلت استقرت في جذر قلوب الرجال، والذي ما عنده هذه الأمور ما عنده أمانة، ولا في جذر قلبه شيء.
قال: (إن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال، ثم نزل القرآن فعلموا من القرآن وعلموا من السنة) يعني: جاءت الأوامر بعد الأمانة والإيمان، والآن تأتي الأوامر قبل الأمانة والإيمان فلا يعمل الناس بالقرآن، يقرأ القرآن وهو ليس بمؤمن ويقرأ القرآن أو يسمعه ثم يغني، ويقرأه ويقوم ليزني، ويقرأه ويكذب .. يقرأه وينهب، يقرأ ويشهد زوراً، ويقرأ ويعق والديه، يقرأ ويقطع الصلاة، لماذا؟ لأنه علم القرآن قبل أن تستقر الأمانة في قلبه أي الإيمان.
قال: (فعلموا من القرآن وعلموا من السنة ثم حدثنا عن رفع الأمانة فقال: ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة من قلبه ويظل أثرها مثل الوكت، ثم ينام النومة فتقبض الأمانة من قلبه فيظل أثرها مثل المجل، كجمر دحرجته على رجلك فنفط فتراه منتبراً وليس فيه شيء) الجمر إذا دحرجته على رجلك أو يدك أو جلدك، ماذا يحدث؟ ينتفخ وينتبر وتراه كأنه شيء، لكنك لو فتحته ظهر الماء وهذا أثر الجرح، وإنما الأمانة يبقى لها شيء ظاهر لكن لو تختبرها فإنها لا شيء، اختبرها عند المرأة مباشرة تسقط، اختبرها عند الرجال مباشرة تسقط، اختبرها في صلاة الفجر فإنه ينام وليس هناك إلا أثر. (فتراه منتبراً -يعني ظاهراً كأنه أمين- وليس بشيء، ثم أخذ حصىً فدحرجها على رجله ثم قال: فيصبح الناس يتبايعون لا يكاد أحد يؤدي الأمانة، حتى يقال: إن في بني فلان رجلاً أميناً) تصبح الأمانة شيئاً عزيزاً، وتصبح نادرة حتى يقال في القبائل: إن في آل فلان رجلاً أميناً، ولقد تحقق هذا في بعض البلدان، إن القرية من أولها إلى آخرها لصوص ليس فيهم شخص يخاف الله إلا واحداً أو اثنين، فيقولون: والله فلان أمين يخاف الله، بينما الأمانة كانت موجودة في صدور الرجال كلهم ليس فيهم إلا واحد أو اثنان ليسو أمناء، وهذا من إدبار الدين وإقبال الدنيا.
قال: (حتى يقال للرجل: ما أجلده .. ما أظرفه .. ما أعقله، وما في قلبه من الإيمان حبة خردل -ذوق، أخلاق، والله يعلم أنه ليس في قلبه شيء من الإيمان- قال
يقول حذيفة : (لقد كنت ما أبالي أيكم بايعت) يقول: كنت أبيع وأشتري وأنا مغمض؛ لأني أعرف أني أبيع وأشتري من أمين لا يغشني (واليوم ما كنت لأبايع أحداً إلا فلاناً وفلانا) معدودون على الأصابع في عهده رضي الله عنه فكيف بعهدنا؟! إنا لله وإنا إليه راجعون!
من علامات الساعة، وهذه العلامات اسمها علامات فساد الضمير وفساد الذمم، ولكن ليس على العموم، بل يبقى في الأمة أفراد وتبقى في الأمة الفرقة الناجية ، وبقدر وجود العلم وانتفاء الجهل وبقدر تدعيم قضايا الإيمان في قلوب الناس يوجد الإيمان، وأنا أعرف كثيراً من الناس -بفضل الله- أصحاب مزارع عندهم إيمان، وأذكر مرة أني صليت الفجر في المسجد وذهبت إلى السوق بعد صلاة الفجر لأجل أن أشتري حوائجي من بداية النهار؛ لأنه كما قال صلى الله عليه وسلم : (بارك الله لأمتي في بكورها) فجئت ووجدت أحد المزارعين جزاه الله خيراً أتى (بفرسك) في (زنابيل) فقلت: بكم؟ قال: هذا بخمسين ريالاً، قلت: وهذا بكم؟ قال: هذا بعشرين، قلت: ماذا في هذا؟ قال: انظر هذا أمام عينك، كله هكذا، يعني: رديء، وذاك جيد، قلت: اسكبه لي، فسكبه لي وإذا به فعلاً والله ما فيه حبة ترميها، قلت: بارك الله لك، قال: ماذا تريد! أغش ذمتي، وقد كنت أغشها وربي يضربها بالبرد، ويضربها بالبلاء ويأتيه آفة، ويأتيه جذم وذهب (الفرسك) يقول: ويوم سرت أنا بالطريق الصحيح ربي أعطاني، وإذا خرب شيء بسيط فإنما هو بسبب ذنوبنا، وعنده عشرون زنبيلاً الحبة -ما شاء الله- تشتريها وأنت مغمض عينيك، فالأمة فيها خير والحمد لله، ولكن تحتاج إلى توعية وإلى دعم وإلى علم حتى تستقيم على منهج الله سبحانه وتعالى.
وقد مر زمن على الأمة الإسلامية تداعت عليها دول الكفر وتقاسموها جزءاً جزءاً، فجزء أخذته بريطانيا ، وجزء أخذته فرنسا ، وجزء أخذته أمريكا ، وجزء أخذته روسيا ، وجزء أخذته ألمانيا ، وجزء أخذته إيطاليا ، أي: كما قال النبي صلى الله عليه وسلم.
وبعدما تقاسموها صبغوا المسلمين في بلاد المسلمين بالكفر والضلال وخرجوا وسلموهم القيادة وقد صاروا مثلهم، وأصبح المسلم يتشبه بأخلاق الكفار، -ولا حول ولا قوة إلا بالله!- إلا في قليل من بلاد المسلمين، وهذا مصداق حديث النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: (يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة على قصعتها، قال قائل: أومن قلة يومئذ نحن يا رسول الله؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل) وغثاء السيل: هو الذي يأتي في أول السيل ترونه كثيراً، لكنه بعر وعيدان وشوك، تمسكه بيدك وإذا به ينتهي وكأنه لا شيء، وهكذا أكثر المسلمين -إلا من رحم الله- غثاء كغثاء السيل: (ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم) اليهود شراذم مبعثرة في كل أطراف الأرض، قال الله فيهم: وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ [البقرة:61] وهم أصلهم أولاد الخنازير، وفي نفس الوقت قال الله فيهم: لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلَّا فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ [الحشر:14] لا يقدر اليهودي أن يبرز لك بسكين أو بعصا إلا من وراء جدار أو من وراء دبابة أو من فوق طيارة: إِلَّا فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى [الحشر:14] هؤلاء هم اليهود؛ لكن في زماننا ثار اليهود واستأسدوا، واحتلوا المقدسات، وأصبحوا يرعبون المسلمين، بينما كان المسلم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ينصر بالرعب لمسيرة شهر، مسيرة شهر أماماً ومسيرة شهر وراءً ومسيرة شهر يميناً ومسيرة شهر شمالاً كل من يسمع بالمسلمين يدخل في قلوبهم الرعب ويخافون، والآن هزمنا بالرعب مسيرة سنين، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
ولن يعود لهذا الدين ولهذه الأمة مجدها إلا بما عاد لأولها كما في الأثر: لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، صلاح أولها بالزهد واليقين، وأيضاً يكون صلاح آخرها بالزهد واليقين، وهو إن شاء الله كائن بإذن الله عز وجل.
قال: (وليقذفن الله في قلوبكم الوهن، قال قائل: يا رسول الله! وما الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت) وقد وقع هذا كثيراً حينما تداعت الأمم الصليبية على المسلمين وغزوا الأمة، وحينما تداعت الأمم المغولية في عهد التتار؛ خرجوا وهم قبائل متوحشة من منغوليا ومن أواسط آسيا ، وخرجوا يسلبون ويقتلون وينهبون، وأشاعوا الرعب والفساد في الأرض حتى وصلوا إلى بلاد المسلمين، ودخلوا بغداد وقتلوا الخليفة وقضوا على الخلافة الإسلامية، وقتل في بغداد أكثر من ستمائة ألف نسمة، وقيل: ثمانمائة ألف، وقيل: مليون، حتى ورد في كتب التاريخ أن المرأة من المغول كانت تأتي على المجموعة من المسلمين فتقول لهم: ناموا فينامون، فتقول: مكانكم فتذهب وتأتي ومعها الحجر وترضخ رأس الأول وذاك جالس بجواره وهكذا، فتضرب ثمانية أو تسعة، تهشم رءوسهم كما يهشم الحبحب، واختبأ الناس أربعين يوماً في الأقبية والبيوت حتى انتشرت الروائح وتسمم الجو ومات خلق لا يعلمهم إلا الله، وخرجوا من بغداد وجاءوا إلى الشام، ولكن وقف لهم المسلمون، وخرج الجيش المسلم من مصر في عين جالوت بقيادة قطز ومعه العلماء، ومن ضمن من معه العز بن عبد السلام ، وأحمد بن تيمية يقول المؤرخون: فما استقر؛ لأنهم اختاروه، قالوا: نريد الحرب يوم الجمعة ونريدها ساعة الخطبة والأئمة على المنابر يدعون الله بالنصر للمسلمين، نريد أن نبدأ في تلك اللحظة، وبدءوا، وما هي إلا ساعة من نهار حتى رفع الله عن الكفار يده وأسلموا ظهورهم، وقتلهم المسلمون قتل رجل واحد بسبب الإسلام الصحيح.
ولكن ما الذي يعصم الأمة من هذا التداعي؟ فهناك شيء يمنعها من التداعي ألا وهو دينها الذي يقف حاجزاً دون مطامع أعدائها، فمهما مكر الأعداء ومهما كانت قوتهم؛ فإنهم لن ينالوا من هذه الأمة نيلاً إذا كانت متمسكة بعقيدتها ودينها، وأقرب دليل: ما يعيشه إخواننا في أفغانستان، فدولة الروس العظمى، وهي القوة العظمى الثانية في العالم، فهي وأمريكا سواء، يتسابقون في مجال العلم وفي مجال القوة، اجتاحوا المجر في ست ساعات، ودخلوا أفغانستان وكانوا يتصورون أنها نزهة ست ساعات أو ثمان ساعات، لكنهم مكثوا بها تسع سنوات ولعقوا الدم من أجسادهم، ثم خرجوا يجرون أذيال الهزيمة بعد أن ركعوا، أمام من؟ أمام دول؟ لا، بل أمام مؤمنين مساكين ليس معهم سلاح إلا من أيدي أعدائهم.
لما سألوا سيافاً: من الذي يمدكم بالذخيرة والسلاح؟ قال: سلاحنا من الروس نذبح الروسي ثم نأخذ سلاحه ونذبح إخوته.
وقال لي أحد الإخوة: إن من الشباب المؤمن الذي ذهب من هذه البلاد شخص من المنطقة الشرقية من الثقبة يسمونه أسد الليل، وهو لا يعرف البندق، لا يعرف إلا (الساطور)، فكان إذا ناموا سرى في الليل مثل الأسد، ولا يأتي إلا ومعه رأس أو رأسان يسحبها، من الذي ربى الإيمان في قلبه، بينما هو من قبل كان مغنياً، لكن لما دخل الإيمان في قلبه أصبح أسداً يرعب جيشاً، مثل القعقاع بن عمرو ، لما أرسل أحد القادة إلى عمر يطلب النجدة، قال: أرسلت لك القعقاع بن عمرو ، وإن جيشاً فيه القعقاع لا يهزم.
الذي يعصم من هذا -أيها الإخوة!- ويحفظ للأمة دينها ومقدساتها وبلادها هو دين الله، علينا بالدين فقط نتمسك به ولن يجعل الله لأحد علينا سبيلاً: وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً [النساء:141] لكن يوم أن نتخلى عن الدين يسلط الله علينا الأعداء: (من عصاني وهو يعرفني سلطت عليه من لا يعرفني) قبل عام (67) كان الناس يقولون في أغانيهم: (الميج يتحدى القدر).
ويقول آخر: نحن على موعد مع أم كلثوم لتغني لنا في تل أبيب : (أنت عمري، جينا راحة الدنيا كلها). لا تل أبيب ولا غيرها، والله المستعان.
لماذا؟ لأنا تركنا الله، ويوم جربوا في عام (73) الإيمان والدين والعلم؛ رد الله الكفار وقطعوا القناة وحطموا خط (برليف) الأسطوري الذي قالوا عنه: لا يمكن لأحد أن يتخطاه، قطعه الرجال بالماء وبالعزيمة، وهم يقولون: الله أكبر، ولو زاد الناس هداية لزادهم الله نصراً.
وهكذا كن مع الله يكن معك، دين الله عز وجل هو الذي تكفل الله عز وجل أن ينصرنا به، وفي الحديث الذي يرويه ثوبان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال والحديث في صحيح مسلم قال: (إني سألت ربي لأمتي ألا يهلكها الله بسنة عامة وألا يسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم، وإن ربي قال: يا محمد إني إذا قضيت قضاءً فإنه لا يرد، وإني أعطيتك لأمتك ألا أهلكهم بسنة بعامة، وألا أسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم ولو اجتمع عليهم من بأقطارها) لما تسمعون الآن تصريحات سياف وتصريحات قلب الدين حكمتيار ، يعني تصريحات شخص رأسه في السماء، يطلبون منه أن يقابل وزير الخارجية الأمريكي يقول: لا نقابله، ما هؤلاء الرجال؟! قوة الإيمان والعقيدة، يقول هنا: (ولو اجتمع عليهم من بأقطارها، حتى يكون بعضهم يهلك بعضاً) إذا كان بعضهم يقتل بعضاً نزع الله عنهم يده، وتخلى عنهم وبالتالي يحصل عليهم الفساد والدمار.
ولذا -أيها الإخوة- فلا أمن ولا أمان ولا نصر ولا سؤدد لهذه الأمة إلا في ظل دينها.
أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يردنا إلى ديننا رداً قويماً، وأن يصلح شباب المسلمين، وجميع المسلمين، وحكام المسلمين في جميع ديار المسلمين، وأن يردهم إلى دينه القويم رداً جميلاً، إنه ولي ذلك والقادر عليه، والله أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
.
الجواب: هذه الألفاظ منهي عنها وبعضها شرك -والعياذ بالله- أما (عليك وجه الله) فورد حديث والحديث رواه الإمام المنذري في الترغيب والترهيب وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب وهو من رواية الطبراني في معجمه أنه قال صلى الله عليه وسلم: (ملعون من سأل بوجه الله) فلا تقل: أسألك بوجه الله، أو عليك وجه الله؛ لأنه لا يسأل بوجه الله إلا الجنة، فإذا استرخصت هذا الأمر وعرضت وجه الله على كل شيء دل على أنك لا تعظم الله ولا تقدره، فبعض الناس يعرض عليك وجه الله على كأس ماء، عليك وجه الله أن تشرب وأنت قد شبعت ما تقدر لكن يجبرك -والعياذ بالله من ذلك- فلا يجوز، ومن وقع في هذا فعليه أن يتوب ويستغفر الله عز وجل.
أما (مثل أمي) فهذا -والعياذ بالله- في حكم الظهار، هو يقول: إن زوجته عليه مثل أمه، يعني: أن المرأة التي يأتيها هي أمه، وهذا ظهار أو بمعنى ثانٍ يقول: مثل أمي، يعني أنا امرأة مثل أمي، كأنه يقول أنا أنثى مثل أمي، بعض الرجال أمه أحسن منه ويمثل، لكن هذه الألفاظ لا تجوز ولا تنبغي أن تخرج من فم الرجل، وبعض النساء تقول: عليَّ مثل أبي، أو مثل رءوس عيالي، وهذا كله من الألفاظ التي لا تليق.
كذلك: فك الكترة أو افتح الشباك نشوف ربي وعواله، وبعضهم يقول: أشهدت عليك راعي ذا الكبد الخضراء من أجل السماء، يقول أن هذه السماء الكبد الخضراء لله، وهذا غلط وشرك والعياذ بالله.
هذه الألفاظ لا ينبغي للمسلم أن تجري على لسانه.
الجواب: روى الإمام أحمد في مسنده حديثاً صحيحاً عن جرير بن عبد الله البجلي قال: (كنا نعد الجلوس للعزاء وصنع الطعام في بيت الميت جزءاً من النياحة)؛ لأن النياحة هي إظهار أي مظهر يعترض فيه على قضاء الله وقدره، ولها صور:
فمن صورها: لطم الخدود، وشق الجيوب، ونتف الشعور، ورفع الأصوات، وهذه من صور النياحة.
ومن الصور أيضاً: تعطيل الأعمال، والجلوس في البيوت، والمظاهرة والإضراب عن العمل، ونصب السرادقات والجلوس قياماً وقعوداً، كل ما جاء شخص قاموا وكلما خرج قعدوا، وأيضاً فيه: تعطيل أعمال الناس، ومصالح المسلمين بحجة أنه في عزاء، هذا ليس من هدي الصحابة، ولا من هدي الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا أصل له في دين الله، بل الأصل أن يدفن المسلم وأن يعزى صاحب العزاء في المسجد أو في المقبرة أو في الطريق أو في السوق ولا داعي للذهاب إلى بيته؛ أينما لقيته فعزه، أما أن يجلسوا ويجلس أقاربه والجماعة كلهم والذي يغيب يا ويله، وسود الله وجهه وما فيه شيمة، وآل فلان لا ينظرون إليه، وماذا نقول لهم، فهذه عادات جاهلية ما أنزل الله بها من سلطان.
والذي يلزمنا -أيها الإخوة- نحن كطلبة علم أن نبدأ نحن بأنفسنا، إذا مات جارك أو قريبك فادخل وأنت عند الباب قل: أحسن الله عزاءكم، وجبر الله مصابكم، وغفر الله لميتكم، إن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى، ولا نقول إلا ما يرضي الله: إنا لله وإنا إليه راجعون، أما الجلوس في العزاء فغير مسنون وهو بدعة، وبعض طلبة العلم يقعدون وبعضهم يأخذ كتاباً ويقرأ ويحدث ويقول: هذا تجمع أستغله، لا تستغل التجمع الذي هو بدعة؛ لأن التجمع الذي ما هو بطاعة الله لن يكون فيه خير في طاعة الله، وإلا تجدونهم يجلسون على السواليف وعلى العلوم التي ما أنزل الله بها من سلطان.
الجواب: أولاً: بارك الله فيك وهدانا الله وإياك إلى صراط الله المستقيم، وثبتنا الله وإياك على الإيمان، وما قمت به من دعوة أهلك هو الطريق الصحيح لأن: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي) والذي لا ينجح مع أمه وأبيه لا ينجح مع الناس، وأسلوبك الطيب مع أمك وأبيك وإخوانك حتى استقاموا طيب، لكن يبدو أنك عنفت على أخيك بدليل أنك تقول: حتى أنك ضاربته، وهذه ما هي دعوة أن تضارب أخاك؛ لأنك إذا ضاربته استقطبت عداوته، وبالتالي خسرته، ولكن عليك باللطف معه، وعليك بالصبر والدعاء له، ودعوته والإهداء له، والتؤدة معه وعدم الاستعجال، الهداية ليست بيدك، أنت تريد أن يهديه الله والله ما أراد أن يهديه، والله يقول: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ [القصص:56].. إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ [النحل:37] ربما أنك حريص على هداية أخيك والله يعلم أنه ليس أهلاً للهداية، أتريد أن يغير الله سنته من أجلك؟ لا. أنت فقط تدعو والباقي على الله.
أما أمك فيبدو أن تغيير موقفها ضدك ومنعك من الذهاب إلى إخوانك بناءً على تغيير موقفك أنت منها، أو من إخوانك، إما بعصيان أو بشدة أو بعنف، لكن عد إلى اللطف واللين، فما كان اللين في شيء إلا زانه، وما كان العنف في شيء إلا شانه.
والحديث الآخر: (بشروا ولا تنفروا، يسروا ولا تعسروا)، (وما خير الرسول صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً) بعض الناس يبحث لأهله عن أشد الأمور حتى ينفرهم.
يا أخي: انظر أرخص شيء وأقل شيء وسيرهم عليه ما لم يكن إثماً، لا يفهم بعض الناس من كلامنا هذا أنه يجلب لأهله المنكر ويقرهم على الشر ويقول: يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا، فهذا ليس تيسيراً، التيسير في حدود ما أحل الله، والتبشير في حدود ما أحل الله، أما أن تحل لهم الحرام وتعطيهم الحرام، وتغير الحدود وتقول: بشروا ولا تنفروا ويسروا ولا تعسروا، فما بشرت بل عثرت -والعياذ بالله- وخربت.
الجواب: الله أكبر! يا هذا الإنسان المتحرر المتثور، حسناً.. تزوجتها وهي على الشيشة فما موقفك من شيشتها؟ موقفك أن تهديها -يا أخي- وأن تدلها، أما أن تتركها على مزاجها، فلا. هي على مزاجها في حدود دائرة الحلال أما في الحرام فليست على مزاجها، أنت تدلها على دين الله، أما هذه الشيشة فهي ضدك؛ لأنها تخرب فمها عليك وتحول فمها مثل البيارة -والعياذ بالله- ولو أنك قربت من شخص مشيش أو مدخن فإنك تهرب من رائحة فمه، فكيف إذا كان فم زوجتك -والعياذ بالله- مثل البلاعة كيف تسلم عليها؟ كيف تستأنس بها؟ إلا إذا كان فم هذا بلاعة ثانية، فإذا بهم سواء فالله المستعان.
الجواب: لا حول ولا قوة إلا بالله، هذه الأم على الفطرة ولكنك تأتي تعلمها الصلاة بالمضاربة، قبل أن تعلمها الصلاة اقرأ عليها من كتاب الترغيب والترهيب، أو من الكتب التي فيها ذكر للجنة أو النار، وأنا أدل الإخوان على كتابين يجب أن يشتروهم هذه الليلة بإذن الله، الكتاب الأول اسمه: التخويف من النار والتعريف بدار أهل الخزي والبوار للشيخ ابن رجب الحنبلي ، هذا الكتاب شيء يهول العقل، ويعطيك كل ما في النار من أولها إلى آخرها مما جاء في كتاب الله وفي سنة محمد صلى الله عليه وسلم.
والجانب الثاني في الجنة: حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح ، وثمن الكتابين عشرون ريالاً، يعني هذا بعشرة وهذا بعشرة تزيد أو تنقص، أرجو أن تشتروهما هذه الليلة، وإذا أتيت إلى الوالدة خذ لها وصف الحور العين، وما أعد الله للمؤمنين في الجنة، وقل لها: يا أمي! أتريدين أن تكوني مع هؤلاء، تريدين أن تكوني حورية عيناء؟ قالت: نعم، فقط عليكِ بالصلاة، وفي الليلة الثانية تأتي لها العذاب والنار والأغلال والأنكال والسلاسل في النار، وتقول لها: تريدين تسلمين، الصلاة، كيف يا ولدي؟ صلاتك غير صحيحة، كيف أصلي يا ولدي؟ أعلمك كيف تصلين، اقرئي الفاتحة: الحمد لله رب العالمين، علمها هذه فقط، لكن بعضهم يأتي بالآيات كلها وبعدها يخليها سنة، كيف تتعلم؟ اضبطي هذه الليلة كلها الحمد لله رب العالمين، الليلة الثانية: الرحمن الرحيم، هي في السابق تقول: الرحمنُ الرحيم، قل: لا، الرحمنِ الرحيم.
يا أخي: الحديد إذا أدخلته النار لان ولسان أمك لا يلين؟! يلين ولكن يريد صبراً، أنا أعرف أناساً والله كانت ألسنتهم أقسى من الحجر، ودرسوا على المشايخ وألسنتهم الآن مثل العسل بكتاب الله عز وجل، فأنت إذا لم تنجح مع أمك من تريد أن يكفيك بها؟ مسئوليتها عليك أنت، لكن بالترغيب وبالترهيب، باللطف، لكن بعضهم يقول: أنت لا تعرفين وليس لكِ صلاة، من يوم خلقت وأنت لا تصلي، قالت: وأنت لا ردك الله، ولا رد صلاتك؛ لأنها جاهلة لا تعرف جنة ولا ناراً، لكن رغبها بالجنة وخوفها من النار بأسلوب تستقيم معك إن شاء الله.
الجواب: هذا الموضوع يحتاج إلى محاضرة كاملة وليس هذا مكانه، وإنما أدل الأخ الكريم على شريطين أو شريط واحد اسمه: رسالة إلى كل عروسين بالإخراج الجديد.
وبعض الإخوة كتب لي رسالة جزاه الله خيراً يقول فيها: نلاحظ أنك تدل الناس على أشرطتك، وهذا شيء لا نقبله؛ لأنه جزء من الدعاية للنفس.
وأنا يعلم الله لو أعلم أن هناك شريطاً لغيري ينفع لدللت عليه، لكن مصيبتي أنني لا أسمع أشرطة غيري، والسبب: عدم وجود الوقت عندي، إلى درجة أنني لا أجد فرصة أجلس مع أهلي أو آكل أو أشرب معهم، فأنا بين عمل ودعوة، وبين سفر والتزامات ومجتمع، فما عندي فراغ لأسمع شريطاً لأدل الناس عليه، فإذا أحد سألني: ما هو أحسن شريط؟ فلا أعرف إلا أشرطتي فقط، فأقول: خذ الشريط هذا، ليس معنى ذلك أنه دعاية لي؛ لأني لا آخذ عليها فلوساً حتى أعمل دعاية لنفسي، أما لو أني أبيع الشريط بفلوس وأن المحلات يعطوني شيئاً كان يقال: إنها دعاية، لكن أشهد الله أني لا آخذ ريالاً؛ لأن الله أغناني من فضله، فإذا كنت أعرف شريطاً فيه مصلحة للمسلمين وقد سمعت أن الناس استفادوا منه، فما المانع أن أدل الناس عليه ولو كان لي، هل في هذا مانع يا إخوان؟ إن كان هناك مانع فلن أقول كلمة! قولوا بصراحة يا إخواني، بارك الله فيكم.
وهناك شريطان: واحد اسمه: حقوق الزوج وواحد اسمه: حقوق الزوجة، وهذا يكفل للرجل أن يعرف حقوق زوجته عليه فيؤديها، وتعرف المرأة حقوق زوجها عليها فتؤديها، وبالتالي إذا قام كل بحقه وواجبه، وأعطى الحق الذي عليه انتصف الناس وعاشوا في سعادة، والمشاكل تحصل الآن من عدم الإنصاف، المرأة لا تقبل الظلم والرجل لا يقبل التقصير، إذا قصرت ضربها، وإذا ظُلمت قامت عليه، لكن إذا قام بحقوقها وقامت بحقوقه فكل واحد منهما يسير بالخط الصحيح من أجل أن يسعدوا إن شاء الله.
أما هذا الموضوع فإنني إن شاء الله أطلب من الله أن يمكنني من إعطاء ندوة كاملة عن البرنامج الإيماني للمؤمن من أول يومه إلى آخره.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر