هناك آياتٌ عظيمة يخبر الله تعالى فيها أنه عاوض من عباده المؤمنين، فباع واشترى عن أنفسهم وأموالهم إذا بذلوها في سبيله بالجنة، وهذا من فضله وكرمه وإحسانه، قال الحسن رحمه الله: [بايعهم والله فأغلى ثمنهم] قال بعض السلف: ما من مسلمٍ إلا ولله عز وجل في عنقه بيعة وفىَّ بها أو مات عليها، ثم تلا هذه الآية: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ [التوبة:111] فهذا هو المبيع بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ [التوبة:111] وهذا هو الثمن: يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ [التوبة:111]وهذه شروط العقد: وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ [التوبة:111] وهذا الضمان لأجل العقد: وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ [التوبة:111] فلا أحد أوفى بعهده من الله، ثم طلب الاستبشار من المؤمنين: فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة:111].
قال عبد الله بن رواحة للنبي صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة: (اشترط لربك ولنفسك ما شئت، فقال: أشترط لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وأشترطُ لنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأموالكم، قالوا: فما لنا إذا فعلنا ذلك؟ قال: الجنة، قالوا: ربح البيع لا نقيل ولا نستقيل، فنزلت: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ [التوبة:111]) وقول الله تعالى: يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ [التوبة:111] أي سواءً قُتِلُوا أو قَتَلُوا، أو اجتمع لهم هذا وهذا، فقد وجبت لهم الجنة، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (تكفل الله لمن خرج في سبيله، لا يخرجه إلا جهادٌ في سبيلي وتصديق برسلي، بأنه إذا توفاه الله أن يدخله الجنة أو يرجعه إلى منزله الذي خرج منه نائلاً ما نال من أجرٍ أو غنيمة).
وهذا البيع العظيم وصفه الله بالفوز العظيم، وعلى ذلك دارت رحى المعارك.
ورمى العدو جند المسلمين بالنصل فقال معاوية رضي الله عنه: [أما إذا فعلوها فافعلوا، فكانوا يترامون بها، فتهيأ روميٌ لرمي سفينة
فلم يجبه أحد، فعاد الكرة فلم يجبه أحد، فقال في النهاية: إني أمرت حاجبي بإدخاله عليَّ حين يأتي، فعزمت عليه بما لي عليه من الحق -أي: الطاعة في الإمرة، حقي عليه الطاعة- فحلف عليه إلا أن يأتيه في أي وقت شاء من ليل أو نهار، فجاء رجل ذات ليلة إلى حاجب مسلمة ، فقال: استأذن لي على الأمير، قال: أنت صاحب النقب؟ قال: أنا أخبركم عنه، فلما صار بين يدي مسلمة قال: إن صاحب النقب يشترط عليكم ثلاثاً: ألا تبعثوا باسمه في صحيفةٍ إلى الخليفة، وألا تسألوه من هو، وألا تأمروا له بشيء، قال مسلمة: فذلك له، فقال الرجل باستحياء: أنا صاحب النقب، اتقِ الله -يا مسلمة- أحرجتني فأخرجتني، ثم انطلق مسرعاً فلم يدر من هو، فكان - مسلمة- لا يصلي بعدها صلاة إلا دعا فيها اللهم اجعلني مع صاحب النقب يوم القيامة.
ومرةً من المرات في قتال صلاح الدين مع النصارى قال بعضهم لما طال القتال: إلى كم يتقاتل الكبار، وليس للصغار حظ؟ نريد أن يصطرع الصبيان، صبيٌ منا وصبيٌ منكم، فأخرج المسلمون صبياً منهم، وأخرج النصارى صبياً منهم، واشتد الحرب بين الصبيان، فوثب الصبي المسلم على الكافر فجأةً فاختطفه ورفعه وضرب به الأرض وقبضه أسيراً، وأخذه يشتد به، فلحقه الإفرنج يشترونه، فباعه بدينارين فأطلقه، وكانت تلك من نوادر المعركة.
وكانت أقدار الله عز وجل حافلةً بالأمور العجيبة في جهاد المسلمين، فجهاد المسلمين الصادقين عجائب وملاحم وأمور عظام، وكان في المسلمين في عهد صلاح الدين رجل يستعمل ما وهبه الله من البراعة في الغطس لنصرة دين الله، كان يقال له: عيسى العوام ، وفي حصار عكا كان هذا الرجل يأخذ نفقات من الذهب للمسلمين، وخطابات توجيهية وعسكرية من صلاح الدين فيغوص بها قبل مراكب النصارى ثم يخرج بعد أن يغطس من الجانب الآخر إلى ساحل البلدة المحاصرة فيسلم ذلك، فخرج مرة وقد شد على وسطه ثلاثة أكياس فيها ألف دينار وكتبٌ للعسكر، وعام في البحر، فقدر الله أن يجري عليه ما أهلكه فأبطأ الخبر، وكانت عادته أنه إذا دخل البلد طار طيرٌ يعرفهم بوصوله، فأبطأ الطير؛ فاستشعر المسلمون هلاك الرجل، ولكن بعد أيام بينما الناس على طرف البحر ينتظرون قذف إليهم البحر ميتاً غريقاً فافتقدوه فوجدوه عيسى العوام ، ووجدوا على وسطه الذهب وشمع الكتب، وكان الذهب نفقة للمجاهدين، فما رُؤي من أدى الأمانة في حال حياته وبعد وفاته إلا هذا الرجل في ذلك الموقف.
كانت تلك جولة في عالم الجهاد وفي معارك المؤمنين، وكيف صدقوا مع الله عز وجل وباعوا واشتروا: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ [التوبة:111].
عباد الله .. إننا نتضرع إلى ربنا في هذا اليوم أن ينصر المجاهدين، وأن يعلي كلمة الدين، وأن يخذل المشركين، إنه على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير.
أقول قولي هذا وأستغفر الله، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
أيها الإخوة .. لا أكتمكم أن مما بعث على النظر في هذه البطولات، والإتيان بها، والتفكير فيها قصة ذلك المسلم الفلسطيني العجيبة التي حدثت في الساعة السادسة وأربعين دقيقة من صباح الأحد الماضي، عندما قام ذلك القناص المسلم بفتح النار على حاجز عسكري إسرائيلي من جهة الشمال من مدينة رام الله وقريبة من مستوطنة عوقرا، لتسفر العملية عن قتل عشرة من اليهود، وإصابة ستة، ثلاثة منهم جراحاتهم خطيرة، أصيبت المؤسسة الأمنية الإسرائيلية بعدها بالذهول في أعقاب التحقيق الذي أجراه الجيش، إذ تبين أن الذي نفذ عملية الإطلاق قناص واحد استخدم بندقية قديمة من طراز كارين، وحتى التحقيق فإن هذا المجاهد المسلم قد أطلق خمس عشرة طلقة بمعدل طلقة كل دقيقة بحيث أن إطلاق خمس عشرة رصاصة أسفرت عن مقتل وإصابة خمسة عشر جندياً ومستوطنٍ يهودي.
ونقلت إذاعة إسرائيل باللغة العبرية عن عدد من المستوطنين الذين كانوا في مكان الحادث ونجوا من الإصابة أن ذلك المسلم الذي اعتلى رأس تلة تشرف على الحاجز بـوادي الحرامية، الذي يمر به الشارع الذي يربط جنوب الضفة الغربية بشمالها، فأطلق رصاصتين أولاً على جنديين كانا في الحاجز فقتلهما فوراً، ثم أطلق ثلاث رصاصات على سيارة للمستوطنين فقتل الثلاثة الذين كانوا بداخلها، ثم توقف، فلما جاء البقية لإسعافهم شرع مرة أخرى يطلق النار عليهم حتى نفذت ذخيرته، واستمرت العملية عشرين دقيقة، وقتل أربعة آخرين، وأصيب البقية الجرحى، ثم قام ومشى على قدميه، واختفى في الجبال المحيطة بالحاجز.
إنها عملية عجيبة، ذكرتنا -فعلاً- بتلك القصص التي كانت في ماضي هذه الأمة، التي أحدثت جرحاً غائراً في معنويات اليهود، وكانت فضيحة كبيرة، وعاراً على القوات اليهودية، إن ذلك يذكرنا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (من بلغ بسهم في سبيل الله فهو له درجة في الجنة) رمى بسهم في سبيل الله بلغ العدو أصاب أو أخطأ المهم أن يبلغ العدو فهو له درجة في الجنة، أبو نجيح السلمي لما سمع الحديث قال: بلَّغتُ يومئذٍ ستة عشر سهماً، ماذا لدى المسلمين من القوة؟ ماذا لديهم من الإمكانات؟ يقارعون الدبابات، والأباتشي، والإف ستة عشر بالبنادق والرشاشات، هذا ما لديهم، لكن إذا صدقوا مع الله تأتي نتائج عجيبة لا تخطر بالبال.
من الذي يخطر بباله أن تقع مثل هذه العملية؟ إنها شيء من الأحلام، هذا رجل يقتل كل هؤلاء ثم ينفذ بجلده ويسلم إنه شيء عجيب! لو صدق المسلمون مع الله فماذا ستقع من المصائب على رءوس اليهود وغيرهم من أعداء المسلمين؟
ثم هؤلاء اليوم يفعلون الأفاعيل بإخواننا، ويستهدفون طواقم الإسعاف، وصبية المدارس، ويقتل أكثر من مائة وخمسين تلميذاً داخل المدارس وحولها في المدة الأخيرة، وفي الأيام الأخيرة معدل القتل في المسلمين إحدى عشر قتيلاً يومياً، هذا في الأيام الأخيرة؛ لأن الكلب شارون يريد أكبر عدد من القتلى في المسلمين، وهذه الأمة المسكينة المغلوبة الضعيفة فيها من روح البذل والفداء، وفيها أمثلها، واتصال بالماضي، وفيها بقية من خير نريده أن يتعاظم، فيها بقية خير لا بد أن يكثر ليتحقق النصر، والنماذج التي نراها أدلة واقعية على تحقق النصر لو صدق المسلمون مع الله، وعلى أن الله يسدد عباده، وعلى أن الله عز وجل يرمي وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى [الأنفال:17] ويبلغ العدو رصاص المسلمين.
عباد الله: لا زلنا مع إخواننا قلباً وقالباً، ونسأل الله تعالى أن ينصرهم على عدوهم، وأن يجمع كلمتهم على الحق، وأن يهديهم سبل السلام، ويخرجهم وإيانا من الظلمات إلى النور، وأن يجعلنا من المجاهدين الصادقين العاملين لدينه، الناصرين لشريعته.
اللهم ثبت أقدام إخواننا المسلمين، وانصرهم على القوم الكافرين، اللهم ألف بين قلوبهم، وسدد رميتهم، اللهم أيدهم بنصرك وكن معهم ولا تكن عليهم، وانصرهم ولا تنصر عليهم، اللهم أيقظ في قلوب المسلمين الحمية لجهاد اليهود، واجمع كلمة المسلمين على قتال إخوان القردة والخنازير، يا سميع الدعاء!
اللهم كن مع إخواننا في الهند يا رب العالمين.
اللهم صبرهم على ما أصابهم، اللهم ارزقهم الصبر على مصابهم، اللهم اجبر مصابهم يا رب العالمين!
اللهم اخذل أعداء الدين، واجعل بأسهم بينهم يا رب العالمين!
اللهم اجعل تدميرهم في تدبيرهم، اللهم احصهم عددا، واقتلهم بددا.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر