إخواني! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وبعد:
فهذه فرصة طيبة أن ألتقي بهذه الوجوه الطيبة في هذه البلدة الطيبة، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا وإياكم من الطيبين، وأن يرزقنا الفوز بدار النعيم، إنه سميع مجيب.
أيها الإخوة: لعل لقاءنا في هذا المكان يُذكر بتواصل العهد واتباع السنة والتمسك بحبل الله القويم، والسير على منهاج النبوة، هذا العهد الذي أخذه الله تعالى علينا جميعاً في السير على طريق التوحيد، أخذه الله علينا ونحن في ظهور آبائنا، ونحن في ظهر آدم عليه السلام، استخرج الله ذريته كأمثال الذر وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم؟ قالوا: بلى، وقد كانت هذه البلاد فيها من أهل الدين والتوحيد والسنة أناس عظماء، ينبغي أن نسير على نهجهم وطريقتهم، ولعلي أستفتح الكلام برسالة لشيخ الإسلام ابن تيمية تؤكد هذا المعنى:
بسم الله الرحمن الرحيم، وبه نستعين، وصلى الله على سيدنا محمدٍ وآله وصحبه أجمعين.
من أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية إلى من يصل إليه كتابي من المؤمنين والمسلمين من أهل البحرين -وهذه المنطقة هي المعروفة تاريخياً بـالبحرين - وغيرهم عامة ولأهل العلم والدين خاصة سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أما بعد:
فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو، وهو للحمد أهل وهو على كل شيء قدير، وأسأله أن يصلي على خيرته من خلقه محمدٍ عبده ورسوله وخاتم أنبيائه، الذي بعثه بالبينات والهدى ودين الحق؛ ليظهره على الدين كله، وكفى بالله شهيداً، صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
فإن وفداً قدموا من نحو أرضكم، فأخبرونا بنحوٍ مما كنا نسمع عن أهل ناحيتكم من الاعتصام بالسنة والجماعة، والتزام شريعة الله التي شرعها على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، ومجانبة ما عليه كثير من الأعراب من الجاهلية التي كانوا عليها قبل الإسلام من سفك بعضهم دماء بعض، ونهب أموالهم وقطيعة الأرحام، وخروج عن ربقة الإسلام، وتوريث الذكور دون الإناث، وإسبال الثياب، والتعزي بعزاء الجاهلية وهو قولهم: يا بني فلان، يا لفلان، والتعصب للقبيلة بالباطل، وترك ما فرضه الله في النكاح من العدة ونحوها، ثم ما زينه الشيطان لفريقٍ منهم من الأهواء التي باينوا بها عقائد السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، وخالفوا شريعة الله لهم من الاستغفار للأولين بقوله: وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ [الحشر:10] ووقعوا في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالوقيعة التي لا تصدر ممن وقر الإيمان في قلبه، فالحمد لله الذي عافانا وإياكم مما ابتلى به كثيراً من خلقه، وفضلنا على كثيرٍ ممن خلق تفضيلاً، ونسأل الله العظيم المنان بديع السماوات والأرض أن يتمم علينا وعليكم نعمته، ويوفقنا وإياكم لما يحب ويرضى من القول والعمل، ويجعلنا من التابعين بإحسانٍ للسابقين الأولين، وليس هذا ببدع، فإن أهل البحرين ما زالوا من عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل إسلام وفضل، فقد قدم وفدهم من عبد القيس على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيهم الأشج فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مرحباً بالوفد غير خزايا ولا ندامى، فقالوا: يا رسول الله! إن بيننا وبينك هذا الحي من كفار مضر -بيننا نحن في شرق الجزيرة وأنت في غربها هذا الحي من كفار مضر- وإنا لا نصل إليك إلا في شهر الحرام، حيث يتوقف القتال عند العرب، فمرنا بأمرٍ فصلٍ نعمل به ونأمر به مَن وراءنا، فقال: آمركم بالإيمان بالله، أتدرون ما الإيمان بالله؟ شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان، وأن تؤدوا خمس ما غنمتم) ولم يكن قد فرض الحج إذ ذاك، وقال للأشج : (إن فيك لخلقين يحبهما الله: الحلم والأناة، قال: خلقين تخلقت بهما أو خلقين جبلت عليهما؟ قال: خلقين جبلت عليهما، فقال: الحمد لله الذي جبلني على خلقين يحبهما الله) ثم إنهم أقاموا الجمعة بأرضهم، فأول جمعة في الإسلام بعد جمعة المدينة ، جمعة بـبجواثى قرية من قرى البحرين .
ثم إنهم ثبتوا على الإسلام لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وارتد من ارتد من العرب، وقاتل بهم أميرهم العلاء بن الحضرمي -الرجل الصالح- أهل الردة، وله في السيرة أخبار حسان، فالله سبحانه يوفق آخرهم لما وفق له أولهم، إنه ولي ذلك والقادر عليه ... إلى آخر الرسالة رحمه الله.
ونحن ننطلق من الدعاء الذي دعا به شيخ الإسلام في رسالته، ونقول: نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفق آخرهم لما وفق له أولهم، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
كنت أريد أن أتكلم في موضوع الأمراض، ولكن رأيت أن موضوعها طويل، وأن الكلام يمكن أن يكون أهم إذا تكلمنا في أصل الأمراض ومرض الأمراض؛ لأننا -أيها الإخوة- إذا نظرنا إلى الأعراض المرضية الموجودة لوجدنا أنها منبثقة عن خللٍ في الأساس، فنتكلم في المرض الأساسي وهو مرض الخلل في التصورات؛ لأنه ما من ذنب أو انحراف يقع فيه الناس إلا وهو ناتجٌ عن فساد في التصورات أو خلل فيها أو غيابٍ تغيب عن الأذهان أو جهلٍ بها، هذه التصورات والقواعد الشرعية الجهل فيها هو سبب ما نراه من النفاق والكذب والكبر والعجب والحسد وغير ذلك من الانحرافات الكثيرة الموجودة في الواقع، وكل تصورٍ خاطئ يؤدي إلى سلوكياتٍ منحرفة، والسلوكيات المنحرفة تكون نتيجة غياب التصور الصحيح أو انحراف التصور أو نقص التصور أو الغبش الموجود في التصور في عقول وأذهان كثيرٍ من الناس، ولذلك قبل تغيير السلوك ينبغي أن نغير التصور الذي هو أساس الأمراض.
وهم يعلمون أن مقولة: لا إله إلا الله؛ سينبني عليها تغييرات جذرية في حياتهم الاجتماعية والاقتصادية وفي أخلاقهم وعاداتهم، سينبني عليها تغيير جذري للمجتمع.
إن الأمراض في المجتمع كثيرة، والإنسان إذا صار يعالج عارض السخونة وعارض الصداع وعارض المغص وعارض الإسهال وعارض القيء، سيتعب، وربما لا يكافح المرض ولا يحاصره ولا يقضي عليه، لكنه إذا اتجه إلى معالجة أصل المرض؛ فإن هذه الأعراض ستختفي، ولذلك يمكن أن نشبه حال الأمة المصابة بالأمراض المتعددة اليوم، بحال رجلٍ فيه أمراضٌ كثيرة، فيه أمراضٌ من السكر والنـزيف والسرطان والزكام والحمى وغير ذلك من الأمراض والأعراض، وعندما ينشغل الإنسان بمعالجة الأعراض ويغفل أصل المرض؛ تتفشى الأمراض وربما لا يستطيع السيطرة عليها، أو يتظاهر له أنه سيطر عليها وليس كذلك، لكن إذا انشغل بمكافحة أصل المرض وتقوية الجسم على المرض، واستنبات الخلايا السليمة، وتكثير هذه الخلايا في الجسم، وبناء الجسم بناءً صحيحاً وتغذيته ودفع هذه الأمراض لا بد منهما معاً، ولذلك نحن نقول الآن: كما أننا نذكر علاج الحسد والعجب والكبر مثلاً، ونكافح الكذب والغيبة والنميمة؛ فإننا ينبغي أن نصحح الأصل ونصحح التصورات، ولعلنا نرى من خلال عرض بعض الأمثلة الارتباط بين الانحرافات في الأعمال وانحرافات التصورات الأصلية.
وكذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يبين لأصحابه عندما تبدر من الواحد منهم بادرة سوء أو خطأ؛ يبين له أصل الداء، فمثلاً حديث أبي ذر رضي الله عنه: (جاء
فالنبي صلى الله عليه وسلم لما سمع الكلمة أراد أن يعيدها إلى الأصل قال: (إنك امرؤ فيك جاهلية) ولذلك ينبغي علينا أن نتخلص من شوائب الجاهلية في أنفسنا، وأن نخلع على عتبة الإسلام كل أردية الجاهلية، ونغير من أفكارنا التي فيها انحراف أو قصور أو جهل، وينبغي أن نضع بدلاً منها قواعد الدين وأسس الشريعة والتصورات الشرعية.
كثير من الناس لا يفهمون أن الإيمان قول وعمل، ويظنون أن النية الطيبة وحدها تكفي، ولذلك تراهم قنوعين بهذا الشيء؛ الانتساب العام للإسلام والشهادة اللفظية بلا إله إلا الله، مطمئنين بذلك، قانعين به وراضين، ولذلك لا يضيفون إلى هذا المفهوم القاصر والسطحي شيئاً جديداً ولا يهتمون بالأعمال.
كثير من الناس لا يفهمون أن الإيمان قول وعمل، ويظنون أن النية الطيبة وحدها تكفي، ولذلك تراهم قنوعين بهذا الشيء؛ الانتساب العام للإسلام والشهادة اللفظية بلا إله إلا الله، مطمئنين بذلك، قانعين به وراضين، ولذلك لا يضيفون إلى هذا المفهوم القاصر والسطحي شيئاً جديداً ولا يهتمون بالأعمال.
لأنهم لما غفلوا عن هذا المفهوم؛ صاروا يأخذون من العادات والتقاليد المخالفة للشريعة، والعيب عندهم صار شريعة، وليس العيب هو ما عيب في القرآن والسنة، لكن العيب ما عابوه هم وعابه المجتمع وما نظر إليه أغلب الناس على أنه عيب، أو يقولون: مادام أن هذا موجود في الواقع؛ فإنه الصحيح، أو يقولون: أكيد ما اتفق أكثر الناس عليه إلا وهو صحيح وجائز ومشروع، ولا شك أن هذا مخالف لمسألة مصدر التشريع والتلقي عند المسلمين، ولذلك يقدمون أمور العادة على أمور الشرع.
مثلاً: كثير من الناس يقدمون في أمور النكاح والزواج العادة على الشرع، ويأخذون بالعادة ولو خالفت الشرع، فهم يستمدون أمورهم من الواقع الموجود على عجره وبجره، على عيوبه وما فيه من الأخطاء والانحرافات، التي تراكمت بمر السنين والجهل وسير الناس على هذه القواعد التي اختصوها لأنفسهم، ولذلك تجده يقدم الجمال على الدين، وإذا جاءه شخص يقدم الغني الفاسق على الفقير المتدين، فيفعلون ذلك؛ لأن هذه العادات الموجودة عندنا هو ما تعارف عليه المجتمع في النظر إلى شهادته والنظر إلى غناه وماله وهكذا.
نحن نقول: إن رحمة الله تعالى قريبٌ من المحسنين، فينبغي أن نكون من المحسنين، أنت تقول له: إن رحمة الله قريب من المحسنين، فأين الإحسان؟ ثم تقول له: إن الله تعالى قال: نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ [الحجر:49-50] وقال تعالى: اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [المائدة:98] فقرن بين شدة العقاب والمغفرة والرحمة، فهو سبحانه شديد العقاب وهو سبحانه غفور رحيم، نعم إن رحمته سبقت غضبه، ولذلك أهل الأعراف الذين استوت حسناتهم وسيئاتهم مصيرهم إلى الجنة في النهاية؛ لأن رحمة الله سبقت غضبه، فلما تساوت حسناتهم وسيئاتهم، ورحمة الله سبقت غضبه؛ كان مصيرهم إلى الجنة، لكن بعد دخول أهل الجنة الجنة، يقفون في ذلك الموقف العظيم، وتصرف وجوههم قبل أصحاب الجنة وأصحاب النار، وتحدث المحاورة التي ذكرها الله تعالى في كتابه في سورة الأعراف، لكن ينبغي ألا يجعل هذا المفهوم وهذه القاعدة أهل الفسق يتمادون في فسقهم ويتكلون على رحمة الله يقولون: الله غفور رحيم، وهم غارقون في المعاصي.
إذا استيقن العبد بقضاء الله وقدره وهو من أركان الإيمان؛ فإن كثيراً من الانحرافات التي تقع من الناس لا تقع عنده، فمثلاً: بعض الناس يسرفون على أنفسهم في المعاصي، ويقولون: نحن مجبورون ومرغمون على ذلك، فالإنسان مسير وليس بمخير، وليست القضية طبعاً هل الإنسان مسير وليس بمخير أو هل الإنسان مسير ومخير؟ هذه النقاشات لم تكن موجودة بين السلف ، وإنما هي أمرٌ حادثٌ جرى بعد ذلك، والله سبحانه وتعالى قضى الأمر وأعطانا إرادات، ولا تجد أحداً مكرهاً على عمل المنكر، وهو لا يريد، وتجد الناس يستمرئون المعاصي بحجة أنهم مجبرون وأن الأشياء مكتوبة وأن القدر مكتوب، ويحتجون على المعصية بهذا.
وفي جانبٍ آخر يعترضون على القضاء والقدر ولا يرضون ولا يسلمون، فما هو السبب؟ قل لي الآن: النياحة وشق الثوب، وتقطيع الشعر هذا معصية وانحراف، لكن مرده إلى أي شيء؟ نحن نعلم أنه معصية لكن حلل موقف النائحة عندما تصيح وتشق ثوبها وتقطع شعرها وتقول: يا ويلي يا ويلي، يا ظلام ليلي، وافلاناه، ما سببه؟ مرده إلى أي شيء؟ نحن نريد أن نكون أكثر عمقاً في النظر إلى الواقع، حتى نوجه الدعاة إلى الله سبحانه وتعالى أنه لا بد أن ينظروا إلى الواقع ويتلمسوا مواطن الخلل والعلل.
الجواب: أن مرد هذه المسألة ليس أن المرأة مثلاً عندها قدرة على الصياح، وأن هذا الشخص كان عزيزاً عندها، وأن عندها قدرة على التقطيع، لا، المسألة تتعلق حقيقة بقضية الاستسلام لقضاء الله وقدره، وعقيدة القضاء والقدر، والرضا بما قضى الله وقدر، وأن السخط حرام ولا يجوز، فقضية تقطيع الثياب وتقطيع الشعر والصياح تعبر عن عقيدة مخلخلة في موضوع القضاء والقدر.
ويقول: ماذا فعلت لك يا رب؟ أو ماذا فعل فلان لك يا رب؟ أو فلان لا يستحق! نستغفر الله العظيم مما يقول هؤلاء الظالمون، يقول أحدهم إذا أصاب الآخر حادث شنيع: فلان لا يستحق، كيف لا يستحق! حلل العبارات والكلمات، تجد أنها منطلقة من قواعد سيئة أو من جهل أو من غياب التصور أو غبش أو تصور منحرف مستقر في النفس.
مثلاً: إن تصور أن الجنة تنال بمنتهى السهولة، وأن الإنسان سيدخل الجنة بسهولة، هذا من المفاهيم المنحرفة عن التصور الصحيح في أن سلعة الله الجنة غالية، والجنة حفت بالمكاره، فليست جنة عدن التي خلقها الله بيده، وجعل فيها الحور العين في الأنهار والأشجار والثمار والأطيار، ليست هذه الجنة سلعة رخيصة ينالها أي أحد من الناس.
هناك شخص مضيع للصلوات، جاءه قريب له ينصحه فقال له: يا فلان! جاء وقت الصلاة وأنت لم تصل، وهذه مسألة عقوبتها كذا، والله يعاقب ويحاسب، قال هذا الرجل: المسألة هي كلام، أي: ظن أن الله يوم القيامة يأخذ الواحد فينا ويحاسبه: أنت لماذا ما صليت الصلاة يوم كذا وما صليت يوم كذا؟ ثم يأتي إلى هؤلاء الذين يقولون: لا إله إلا الله كلكم ادخلوا الجنة، لا يدقق معنا في الصلاة، فاتت صلاة ما فاتت صلاة. عندهم الجنة فوضى، كل الناس داخلون، إذاً أين يذهب الفسقة والفجرة؟ وقد دلت الأدلة الشرعية على أن الذين لن يخلدوا في النار سيمكثون فيها فترة من الزمن، ثم يخرجون وقد احترقوا وانتهشوا ثم ينبتون عندما يلقون في نهر الحياة كما تنبت الحبة في حميم السيل، قل لي من هم هؤلاء؟ إذا لم يكونوا هم المضيعون للصلوات فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً * إِلَّا مَنْ تَابَ [مريم:59-60].
إذاً بني الإسلام على خمس، يعني: هذا بناء عظيم فيه شعائر كثيرة جداً لكن مبانيه على خمسة أسس، فالناس جاءوا بالأعمدة ونسوا بقية البنيان، فحصر الدين في شعائر معينة من الأشياء التي تجدها موجودة عند العامة.
أنت يا أخي الداعية -أيضاً- فكر كيف تعالج هذه القضية، وَسَّع مفهوم الدين، وبحسب ما جاء في الكتاب والسنة تجد أن كثيراً من حجج الناس تتهاوى، وكثيراً من تصرفاتهم تتعرى، ويصبحون على المحك فعلاً، ولا يؤدي هذا في النهاية إلى ما يؤدي إليه غياب التصور الصحيح من عدم الاحتساب على بقية الأعمال، والتهاون في الأحكام الشرعية خارج نطاق الشعائر التعبدية التي حصل بها الدين، وهكذا.
يقول لي أحد الشباب: تقدمت إلى عائلة، فقالوا لي: ما اسم الأخ؟ فقلت لهم: فلان الفلاني، وبعد فترة عدت إليهم من أجل الجواب فقالوا: والله نحن عندنا تقاليد معينة وأنتم ما نزوجكم؛ لأنكم لستم بأكفاء لنا، قالوا: لأني موظف في نظرهم بسيط. يقول: ثم تقدم ولد عمي من نفس العائلة ومن نفس القبيلة ومن نفس الأسرة، ولكنه تاجر، قال: فقبلوه، وأهلاً وسهلاً وأنت من الأكفاء وعلى الرأس والعين، قال: لقد كنت غير مكافئ ولا أناسبهم، ثم جاء ابن عمي الذي يحمل نفس الاسم ونفس العائلة صار عندهم مكافئاً ومناسباً؟!
شخصٌ آخر جاءهم بسيارة الشبح طالباً ابنتهم، فلما جلس في المجلس كان صريحاً فقال: يا جماعة الحقيقة أنا من الأشراف قالوا: ما فيها شيء، أبوها -الله يرحمه- كان نفس الشيء، وطلعت البنت وجلست.
إذاً: المسألة الآن أن الناس لا ينظرون إلى دينه ولا إلى خلقه، بل ينظرون إلى سيارته، ووظيفته، وماله، وبيته، وأثاثه، ولباسه، هذا نتيجة اضطراب الميزان الشرعي: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13]، الميزان الشرعي: (إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم) هذا هو الميزان الشرعي: (إذا أتاكم من ترضون خلقه ودينه؛ فزوجوه، إلا تفعلوا؛ تكن فتنة في الأرض وفسادٌ عريض).
مر رجلٌ مسكين بالنبي صلى الله عليه وسلم، فسأل أصحابه عن رأيهم فيه، قالوا: (هذا حري إن نكح؛ ألا ينكح، وإن خطب؛ ألا يزوج، وإن قال؛ ألا يسمع لقوله، وإن شفع؛ ألا يشفع، فلما مر رجلٌ آخر ذو شارة حسنة وذو هيئة وأبهة قالوا: هذا حري إن خطب؛ أن ينكح، وإن قال؛ أن يسمع لقوله، وإن شفع؛ أن يشفع، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هذا خيرٌ من ملء الأرض من مثل هذا) فالميزان الصحيح هو ميزان التقوى.
انظر الآن إلى احتقار الناس للهند والبلقان على مستوى الناس العامة، حتى إنهم يهزءون ويجعلون هذا مثلاً للغباء وللسذاجة، وهكذا يفعلون، والحقيقة إنني أتعجب فعلاً من هؤلاء الهنود المساكين الذين يدخلون المساجد للصلاة، يعني: نحن استهزأنا بهم، وسخرنا منهم وعاملناهم بسائر الإهانات، وهم مسلمون ويعلمون أننا مسلمون مثلهم، ومع ذلك إن دخلوا المساجد وصلوا تجد أحدنا يقول: يا مقرف! يا صاحب الرائحة الكريهة! اخرج. صحيح إن بعضهم ذو روائح كريهة، لكن: ما هكذا يا سعد تورد الإبل، ليست هذه الطريقة، فنحن سواء كانوا مخلين بأشياء أو مستقيمين على أشياء نهزأ بهم باستمرار! كذلك تجد تصرفات لا شعورية من الواحد تخرج أحياناً تجاه عامل مسلم فقير مستضعف وربما أخرنا عليه الراتب وأهناه وخصمنا عليه وهو مظلوم، وربما يقبل قدميك لأجل أن يمسح سيارتك؛ لأن الكفيل يطالب بثلاثمائة ريال في الشهر، لو كان كافراً فإنه يستحق الإذلال والإهانة، لكن الظلم لا يجوز حتى على الكافر، لكن المشكلة أنه مسلم يشهد بأن لا إله إلا الله ويقيم الصلاة ويدخل المسجد.
كذلك إذا جئت إلى قضية تقديم الكفار على المسلمين في الوظائف؛ تجد العجب العجاب ونتائج واضحة للانحراف في مسألة الولاء والبراء.
بعضهم يعتقد أن فلاناً من الناس يستطيع أن يفعل به ما يشاء كيف يشاء في أي وقتٍ شاء، إذا اعتقدت هذا وقعت في الشرك .. ولذلك ترى استيلاء الخوف على قلوب الكثيرين سبب إرجافاً وتركاً للمنكر وإنكاره، وذلاً بل وردة عن الدين عند بعض الناس وتركاً للشعائر الإسلامية وإزالة للمظاهر الإسلامية، بسبب الخوف من غير الله، وترك أشياء من الدين خوفاً من غير الله، لو كان مكرهاً مستضعفاً لقلنا معه عذره، لكن لأدنى شيء يترك الالتزام بالإسلام خوفاً. هذه الشخصية الجبانة المترددة التي لا تقوى على مواجهة الباطل ولا على إنكار المنكر، ولا على رفض الباطل.
هذا الإنسان الجبان الذي لا يريد الصدع بالحق، ولا عنده جرأة في دين الله، ولا تغيظٌ على أصحاب المنكرات ولا إنكار بسبب خلل في مسألة الخوف من الله تعالى، قال الله عز وجل: إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ [آل عمران:175] ما معنى أن الشيطان يخوف أولياءه؟ يعني: يخوفكم بأوليائه، يجعل أولياءه سبباً لإخافتكم: إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ [آل عمران:175] يعني: يخوف المؤمنين بواسطة أوليائه من الطواغيت وغيرهم، فإذا هذه المسألة ينبغي أن ينتبه لها.
وبعض الناس يعمل مفاسد متوهمة، ويترك أشياء من الدين لأجلها، ونحن أصلاً لو نظرت إلى معاملتنا وتربيتنا للأطفال تجد أننا ننشئهم على الخوف، ونخوفهم من الجن والبعبع والغول والحرامي، فينشأ الولد خائفاً مذعوراً من الصغر، والتخويف من الصغر حاصل وموجود.
في نفس الوقت تجد عدم فهم الحدود الحقيقية للمسئولية يجعل الإنسان متسلطاً، فما دام أن لديه هذا القدر من المسئولية؛ فيجب أن يرجع إليه الجميع في كل شيء، يستفتونه ويسألونه ويستشيرونه، ولو أن واحداً منهم ما استشاره -مثلاً- في العلامة التجارية للنعل التي يريد أن يشتريها فهو خارج عن الأدب، لماذا لم يستشره في الذهاب إلى السوق؟ وأي نوع من أنواع الكمبيوتر يشتري وأي علامة؟
إذاً: الخلل في فهم قضية المسئولية إما أن يوقع الشخص في التخلي عن الواجبات المفروضة منه وعدم القيام بالدور وسد الثغرة، أو يوقعه في التسلط والعجرفة وتكليف الناس ما لا يطيقون.
فإذاً: مسألة الاستفادة من الناس والدروس ينبغي أن تكون عائدة إلى تصور صحيح في إمكانية توظيف الحدث واستغلال الفائدة من أي شيء، مَنِ الذي علم أبا هريرة أن آية الكرسي قبل النوم وقاية من الشيطان؟ استفاد أبو هريرة هذه الفائدة من الشيطان نفسه، فهو الذي علمه إياها، لما جاء في صورة رجل يأخذ من الصدقة ويسرق، فأمسكه وقد رآه في المرة الأولى والثانية والثالثة.
كذلك قضية سوء الظن بالآخرين، والافتراء عليهم، فتجده يقول: فلان هذا ما جاء إلا وهو يريد شيئاً، أكيد إنه ما جاء لوجه الله.
كذلك ينبغي على الشخص الاستفادة من كل ما هو متاح، وعدم الاستهانة به، ومن ذلك مثلاً أن بعضهم لا يسمع لشخصٍ غير مشهور، أو لا يقرأ شيئاً لشخصية مغمورة، ولو كان مفيداً؛ لأنه ليس بمشهور، أو إذا لم يكن يعطي الدرس الشيخ فلان الفلاني؛ لا أجلس في كل الحلقات الموجودة، أنا أريد شخصاً مشهوراً، وإذا جلس في درس يقول: ما سمعت شيئاً جديداً، هذا الدرس ليس فيه فائدة، فهؤلاء الشباب يفوتهم خيرٌ كثير.
أولاً: لا يشترط أن الذي تسمع له يكون شخصاً مشهوراً، مادام أنه من أهل السنة والجماعة ، يقول الحق فأنت تستفيد منه، حتى لو كان شخصاً غير مشهور.
ثانياً: لو كانت الحلقة ليس الذي يدرس فيها عالم من العلماء، وإنما متوفر طالب علم، لماذا لا يستفاد منه؟ هل لا بد أن يكون أحد المشهورين؟! قد يبسط لك طالب العلم في أغلب الأحيان أكثر مما يبسط الشيخ الكبير.
وكذلك قولهم: حضرنا ما سمعنا شيئاً جديداً، أولاً: لماذا ننسى الأجر والفضل الموجود في الدرس من حضور الملائكة ونزول الرحمة والسكينة؟
ثانياً: الاستفادة من الدروس ليست فقط في المعلومات، كان الآلاف يجلسون عند الإمام أحمد رحمه الله، بعضهم يستفيد من معلوماته، وآخرون كثر يستفيدون الأدب من الشيخ، ثم إن الإنسان قد يحضر ويفيد، قد يستدرك شيئاً فيكمل الآية ويصحح خطأً، ومشاركته في الدرس تسبب فاعلية للآخرين، انظر إلى الأدوار التي يقوم بها المخلصون يمكن أنه يجلس وهو يعلم أنه لن يسمع شيئاً جديداً، لكن حضوره تشجيعٌ لغيره، فهو يحضر لتشجيع الآخرين، هذا الرجل رجل عظيم ومخلص، ما يقول: أنا لا أستفيد شيئاً لماذا أحضر الدروس.
ثم إنه ينبغي النظر إلى مسألة أخرى: أين يذهب إذا لم يحضر الدرس؟ أي: هل سيقرأ هو في كتابٍ مستواه متقدم في وقت الدرس، أم أنه سيذهب يتجول في الشوارع والمحلات والأسواق، فلو كان عنده شيء مهم أو أكثر فائدة لقلنا: معه عذره، لكن في كثير من الأحيان لا تجد هؤلاء الذين يستهينون بالدروس الموجودة ينطلقون إلى مجالات أرحب وأوسع أو إلى مستويات أعلى، وإنما تضيع أوقاتهم.
فكذلك نرى أحياناً من التشبه بالكفار أن ننقل تجاربهم أو أشياءهم بالدقة والتفصيل إلى أماكننا، ولذلك تجد أحياناً بعض الحمامات فيها أماكن للبول واقفاً بدون ساتر، وبعض الحمامات والمراحيض ليس فيها ماء يستنجى به بعد قضاء الحاجة، لو أن الإنسان أراد أن يبني بيتاً، فإسلامه يفرض عليه أن يبني البيت بطريقة تختلف عما يبني به الكافر، فالكفار يبنون صالات مفتوحة لأنهم مختلطون أصلاً، وبعض تصميمات بيوت المسلمين الآن فيها هذا، حتى رأيت بنفسي في بعض البيوت نفس تصميم الباص، ماذا يتعاطون فيه؟ الله أعلم، لكن التصميم نفس تصميم الباص.
كذلك المسلم إذا صمم بيتاً يجعل المرحاض إلى غير جهة القبلة إذا كان يسكن في هذه المنطقة، يجعله (شمال جنوبي) لا يجعل مكان الجلوس لقضاء الحاجة (شرقي غربي) حتى لا يستقبل القبلة، ولا يستدبرها لبول ولا غائط، ويهتم بالفصل بين أماكن الرجال وأماكن النساء على سبيل المثال، ولو أراد أن يبني مجمعاً قبل أن يبني مسبحاً أو صالة -كما يوجد في بعض المجمعات- يبني مسجداً، على أية حال المسألة تستحب هذه، فكثير من القضايا الموجودة في الواقع في حياة الناس مبنية على خللٍ في هذه المسألة وهي قضية التشبه، أو تعميم التجربة وأن ما يصلح لهم يصلح لنا، وهكذا.
إن النبي صلى الله عليه وسلم علمنا كما جاء في صحيح مسلم في استخراج نوى التمر إذا أكله أنه كان عليه الصلاة والسلام يلقيه على ظهر كفه الأيسر أو بين أصبعيه، ولا يأخذه بيمينه، فيجعل التمر مع النوى أو يخلط نوى التمر الخارج من فيه بالتمر الذي يأكله الآخرون؛ حتى لا يسبب ذلك تقززاً ممن يأنف مثل هذه الأشياء.
إذاً: الإسلام فيه ذوق وآداب وفيه أخلاق، وفي بعض أسواق المسلمين القديمة، كان التاجر في السابق إذا فتح محله في الصباح فجاء رجل يشتري منه ثم جاءه رجل ثان يقول: اذهب إلى جاري التاجر الثاني، أنا استفتحت، اذهب فاشتر منه هو، أين هذه الأشياء الآن؟ صار الناس الآن يبيع الرجل على بيع أخيه، يسوم على سوم أخيه، يشتري على شراء أخيه، ويناديه من بعيد يقول: تعال أعطيك بأقل، وهكذا ويكذبون ويغشون.
فإذاً: تصور أن الإسلام فقط عبادات وصلوات وزكوات وصيام وأنه ليس فيه ذوق ولا أخلاق ولا آداب؛ هذا ما يجعل بعض الناس عندهم جفاء الأعراب، حتى بعض المتدينين عندهم جفاء الأعراب، خشونة، وغلظة، وقسوة، وقلة أدب، وعدم احترام الكبير ورحمة الصغير، وهذه مسائل ينبغي أن توسع فيها المدارك، وندرك عظمة شريعة الله، ونلم بما نستطيع الإلمام به من جوانب هذا الدين؛ هذا الدين عظيم جداً ويكفي أننا نأخذ منه بما نطيق، ونسأل الله أن يغفر ويتجاوز عن الباقي، والكلام في هذا يطول، وهناك أمور أخرى من الأخطاء والتصورات، لكن حتى لا نأخذ كل الوقت، فنبقي شيئاً للأسئلة.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يسامحنا وأن يعفو عنا، وأن يغفر زلاتنا، وأن يرزقنا الجنة ويعيذنا من النار، ونسأله سبحانه وتعالى العفو والعافية في الدنيا والآخرة، إنه سميع قريب مجيب.
الجواب: الشاب لا يقدر تسلط هذه الشهوة المركوزة في نفسه، وهذه من حكمة الله، لو لم يفعل هذه الشهوة؛ ما صار هناك زواج ولا تناسل الناس، فمن حكمة الله أنه ركب الشهوة في الإنسان، والشهوة ليست شراً محضاً أبداً، لكنها إذا صرفت في غير طريقها الشرعي صارت شراً، وقد سبق أن ذكرت بعض الوسائل التي تقي الشاب أو الإنسان من الوقوع في الشهوة المحرمة بعنوان "عوائق في طريق المعصية" أو "حواجز في طريق المعصية" ومن هذه الأمور:
أن الشاب إذا أراد أن يعالج موضوع الشهوة ينبغي عليه أن ينظر في المواد التي تشعلها فيخففها، والأشياء التي تقوي الإيمان فيكثر منها، فمما ينظر له في موضوع الأشياء التي تشعل الشهوة:
أولاً: موضوع الأكل، الإكثار من الأكل يسبب ولا شك توقد الشهوة، فينبغي عليه أن يحجم ويقلل الأكل، وعلى رأس هذا الصيام، ولذلك نصح به النبي صلى الله عليه وسلم الشباب، وليست نصيحة عابثٍ أبداً وإنما نصيحة من وحي، والله يعلم الطبائع ويعلم ما هو مركب فيها، ويعلم ما الذي يشعل الشهوة وما الذي يطفئها، فدل على قضية التقليل من الطعام.
لكن بعض الشباب الآن يقبلون على المطاعم والوجبات، ويأكلون بين كل وجبتين وجبة، وإذا نظرت إلى أسباب اشتعال الشهوة عندهم تجد عدم الاعتناء بتقليل الأكل وبقضية الصيام.
ثانياً: من أسباب اشتعال الشهوة قضية النظر، كل شهوة مشتعلة لا بد أن تكون مبنية على خيال شيء مرئي نظر إليه، فاستقرت الصورة في ذهنه، فتخيلها فصار يكرر ويعاود هذا الخيال، فيقع في المحرمات، ولو أنه غض البصر؛ لاستراح، لكنه ما غض البصر، ولذلك لو أن الشاب المسلم يعود نفسه على غض البصر، لا ينظر إلى هذه الصور في المجلات وعلى الأغلفة وفي الأفلام، ولا يرى صور النساء الحقيقية التي تمشي في الشوارع وغير ذلك، وخصوصاً هذا النقاب الذي انتشر الآن الذي يظهر العينين، وفيها الكحل وأدوات الزينة ولو سفرت عن وجهها؛ لصارت أقبح مما يراها وهي مبـرقعة، فأقول: إن هذا النظر من الأشياء التي تشعل الشهوة، فينبغي لمعالجة قضية الشهوة التركيز على غض البصر.
ثم هناك أشياء كثيرة من ذكر الله تعالى، وتأمل عواقب المعصية الوخيمة، وأن الله ينقله من جوار السعداء إلى جوار الأشقياء، وأنه يخرج من اسم المحسنين المخبتين التائبين الذاكرين الله كثيراً إلى جوار العصاة الفسقة الذين لا يراقبون حق الله تعالى.
فأقول: إن هذه الأشياء ينبغي أن يتبصر فيها الشاب حتى يعالج مسألة الشهوة عنده، ولا شك أن قضية التعجيل بالزواج مطلوبة. الآن كثير من الشباب مقبلون على الزواج، لكن العوائق المادية وبعض العادات الاجتماعية السيئة تقف عائقاً، لكن من أراد النكاح فالله يعينه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، والشاب الذي يريد العفاف هو من الثلاثة الذين حقٌ على الله عونهم.
الجواب: إذا دخل عليك شخص وأنت تصلي، فالحمد لله أنك ابتدأت صلاتك لله، إذاً أكملها لله، ولا شك أن الشيطان سيلقي في نفسك مراعاة الذي دخل أنه الآن ينظر إليك، ويصبح عندك صراع نفسي، ماذا تفعل؟ هل تفسد الصلاة وتترك أشياء كنت ستفعلها أم ماذا تفعل؟
أكمل الصلاة على ما كنت تريد أن تفعل، وقد يقتدي بك هذا الشخص فيصلي، فتكسب أجره، المهم أن تجعل نيتك لله، قاوم داعي الرياء، وأكمل النية لله، والله يعينك، ولا داعي للوسوسة أو قطع العمل؛ لأن ترك العمل من أجل الناس؛ لا شك أنه وقوع في الشرك، فلا تقصر الصلاة واستمر على ما أنت فيه.
الجواب: مرت موجة من انتكاسات الشباب، كانت موجة لا يستهان بها، كما مرت موجة صحوة والتزام للشباب عالٍ والحمد لله، ويبقى ولله الحمد والمنة أن عدد المنتكسين أقل بكثير من عدد المهتدين الجدد، وهذا دال على أن هذا دين الحق، وأنه إذا دخل؛ فإنه يشع فيه النور والإيمان واليقين والحمد لله.
لكن ظهرت عندنا أنواع من الالتزام -إن صح التعبير- خطيرة، صار عندنا التزام بارد، يعني لا يريد أن يضحي بشيء، الشيء الذي لا يكلفه يفعله مثل: اللحية والثوب، أما الشيء الذي فيه مقاومة نفس، مقاومة شهوة، قيام لصلاة الفجر، مقاومة نوم، لا يفعل ذلك، فهذا التزام ناقص وبارد، والتزام مؤقت لوقتٍ دون آخر، فتجده في العطلة في مكان فسق، وإذا رجع إلى البلد التزم وأظهر الدين وصار مع الجماعة، وإذا ابتعد عن إخوانه فعل ما فعل، وإذا عاد إليهم رجع مرة أخرى.
فينبغي أن نفهم القضية والأشياء الطارئة التي تطرأ الآن مثل ترك الشباب للالتزام لداعي الخوف والجبن الذي حصل عند بعضهم، فينبغي أن يعودوا إلى الله ويصدقوا معه، ولا يخافوا إلا منه سبحانه وتعالى، وإلا فإن مشهد يوم القيامة مشهد عظيم والفزع يوم الفزع الأكبر.
الجواب: الاستهزاء بالناس وليد العجب، ولا بد لمعالجة العجب من أشياء:
أولاً: أن تنظر في الشيء الذي أنت معجبٌ فيه من نفسك، إذا كنت صادقاً من الذي أعطاك إياه؟ أنت معجب بحفظك، أو بذكائك، أو بقدرتك على الخطابة، من الذي أعطاك الموهبة؟ إنه الله، إذاً أنت لم تكتسبها بيدك وعرق جبينك، وإنما الله هو الذي أعطاك الموهبة، فاشكره بدلاً من أن تتكبر على خلقه.
ثانياً: انظر في الأشياء التي عندك من الميزات، وتأمل في أحوال الذين يفوقونك تجد أنهم كثر، وأن عندهم أضعاف أضعاف ما عندك، مهما كان عندك من الحفظ، اقرأ سيرة البخاري لتعرف ضعفك بالنسبة للبخاري في الحفظ، ومهما كان عندك من مجهود في الدعوة؛ فاقرأ في سيرة مصعب بن عمير وأنه ليس عندك عشر معشار ما بذله للدعوة، وإذا كان عندك ذكاء؛ فانظر في ذكاء شيخ الإسلام ابن تيمية وذكاء الشافعي ومالك وأبي حنيفة وأحمد والأئمة رحمهم الله لترى أنه ما عندك عشر معشار ما عندهم فقد كانوا أذكياء للغاية.
إذاً: إذا تأملت الذي فاقوك؛ هانت عليك نفسك، ثم انظر إلى هذا المسكين الذي تحتقره، أليس قد يكون عند الله أفضل منك وأعلى منك قدراً؟ وأن هناك من عباد الله من هو تقي نقي خفي مدفوع بالأبواب ذي طمرين لا يؤبه له، لو أقسم على الله لأبره، وأنت لو أقسمت على الله عشرين مرة؛ ما أعطاك وما أنفذ لك ما تريد، عند ذلك تترك الاستهزاء بالناس، ثم إن الإنسان إذا وقع في استهزاء فعليه:
أولاً: ينبغي أن يعتذر إلى الله ويتوب.
ثانياً: يعتذر إلى الذي استهزأ به قبل أن يكون يومٌ لا دينار فيه ولا درهم.
الجواب: طبعاً الواجب عليك النصيحة، لكن إذا نصحت واستغرقت في الجهد وما وجدت فائدة، بل وجدت أذىً لا تطيقه، أو ضياع وقت في النقاشات والأشياء التي تقسي القلب، فعند ذلك تكون قد أقمت الحجة عليه، وأديت ما عليك والحمد لله، لكن الإنسان بين الفينة والفينة والمدة والمدة يتعاهدهم بالنصيحة ويتخولهم بها، وليس في كل زيارة ينكر عليه، يمكن بعد زيارتين أو أكثر يقوم فيها بواجب النصيحة، مرة باللين ومرة بالتخويف ومرة بالترهيب ومرة بالترغيب، ومرة بقصة، ومرة بحدث، ومرة بآية ومرة بحديث، وهكذا من الأشياء التي فيها تنويع في الأسلوب، ثم يدعو له الله عز وجل أن يهديه.
الجواب: غريب أنها رضيت بك، المفروض أنك تقول: رضيت بها، لأن الأعلى يرضى بالأدنى، فكونها رضيت بك؛ فليست نعمة تحسد عليها، لكن أنت الآن كيف رضيت بها؟ فناقش نفسك، على أية حال ما دام قد حصل ما حصل، فإن الناس تصرفاتهم تختلف، وردة الفعل تختلف، بعضهم إذا كان رأى أن الفتاة غير ملتزمة أسرع إلى طلاقها، وليس الوقت مناسباً أن يفعل هذا خصوصاً وقد دخل بها، وربما حملت منه، وطلاقها فيه إيذاءٌ لها، وفيه أيضاً تكليفٌ له بمهرٍ جديد مع ما يدفعه من مهرها الذي خسره عليها، وقد يكون هناك مؤخر صداقه يجب دفعه، أي أن هناك اعتبارات تجعل قرار الطلاق ليس قراراً سهلاً، ولذلك ينبغي أن يحاول استصلاحها ما أمكن، ويصبر عليها وعلى أذاها، فربما يجعل الله هدايتها على يده.
وكذلك هي لو أنها تزوجت من شابٍ غير ملتزم، وهذا كثير، ثم تقول: عرفت أنه يستعمل مخدرات، يشرب الخمر، يسافر إلى الخارج، يعمل الفاحشة ويأتي معه بصورة، واكتشفت أن له علاقات، وأنه يكلم بناتاً في الهاتف، واكتشفت أنه لا يصلي الفجر، واكتشفت واكتشفت، فنقول : أين السؤال عن الزوج من البداية؟ أين التحري؟ لماذا قصرتم وأهملتم هي وأولياؤها؟ بالذات الولي عليه مسئولية أكبر، فالمرأة ما عندها استطاعة أن تذهب وتسأل وتتحرى مثل الرجل، فقد يجرم الولي في حق وليته جرماً عظيماً بترك التحري والسؤال، فنقول: هذا ما دام قد حصل نقول: هل زوجك مسلم يصلي ليس عنده مكفرات؟ إذا قالت: نعم، قلنا: اصبري عليه عل الله أن يهديه، اصبري على ظلمه، اصبري على سيرته هذه عل الله أن يهديه، ما لم يتعد الأمر إليك، ويسبب ضعفاً في دينك بحيث إنك تقعين في المعاصي، فعند ذلك لا يجوز لك البقاء على هذا الحال، أما إن تحصنتي بالله وكان لديك قدرة على المهاجمة والمقاومة، ولديك قدرة على النصيحة، فعند ذلك من الإحسان إليه وهو زوج أن تستمري في محاولة النصح له، وقد عرفنا شباباً تابوا إلى الله على أيدي زوجاتهم، وهناك أيضاً فتيات تبن إلى الله على أيدي أزواجهن، ويوجد شباب أصروا على الفسق بعد الزواج، وشابات كذلك أصررن على الفسق بعد الزواج، ويوجد شباب انتكسوا بعد الزواج وكانوا من قبل مستقيمين على شرع الله، وطبعاً المسألة يأتي فيها تدرج وتوسع في المباحات، فتجد تغيير الأثاث والاهتمام والمزهريات والنجف والنقوشات وإضاعة الأموال فيها، ثم بعد ذلك يقول: نسافر للسياحة ونذهب إلى تركيا فإن فيها مسلمين، وتتوسع المسألة شيئاً فشيئاً ويبدأ يشاهد المناظر ويقول: أشاهد الأخبار على الشاشة، ثم يشاهد ما قبلها وما بعدها، وبعض البرامج التي فيها أشياء علمية وموسيقية، وبعد ذلك يتوسع في الأشياء شيئاً فشيئاً، وينوع من صداقاته وعلاقاته، حتى يخالط أناساً من غير أهل الدين مخالطة ضارة، ويبدأ عليه الانحراف والتغيب وترك صلاة الفجر وهي أول الصلوات تركاً وبعدها صلاة العصر، وهما البردان اللذان من صلاهما دخل الجنة، وهكذا تقاسي معه المسكينة، وتعتصم أو يقاسي هو معها، فلذلك أيها الإخوة لا بد أن ينشغل الإنسان بتربية نفسه، وإلا فإنه سيضيع، وليس الزواج دائماً يكون خيراً للإنسان إذا لم يتحصن بتقوى الله تعالى.
ثم الانزلاق في مجاراة العادات الاجتماعية، أحياناً يكون الشاب في السكن الجامعي مع إخوانه الشباب عنده طريقة معينة لا يخرج عنها، لا يرى محرماً، لا يدخل مع أشخاص في منكرات، ولا يجلس مجالس منكرة، وبعد الزواج تجده لا بد أن يذهب إلى بيت أهلها، وتذهب هي إلى بيت أهله، وتنشأ علاقات، وإذا دخل ضاع نصيبه في بيتٍ غير متدين، يذهب إليهم ولا بد أن يتعرض إلى منكرات، وخالها يعزمه وعمها يعزمه، وعمتها تعزمه، وعمه يعزمها ويعزمهم، وهكذا، فالمسألة تدخل في أشياء، مع أن صلة الرحم واجبة ولا ينبغي قطعهم أبداً، لكن تبدأ تدخل في حياة الشاب أنماط وأشياء اجتماعية فيها منكرات لم تكن معهودة، مما يسبب ضعفاً بدلاً من استمرار المقاومة، وانتقال الدعوة من مجال زملائه الطلاب إلى مجالٍ أرحب أيضاً؛ فبالإضافة إلى الشباب أيضاً يدعو كبار السن والنساء بالطريقة الشرعية طبعاً، كذلك الرجال وأطفال العائلة الأخرى مثل إخوان زوجتك لهم حقٌ عليك أيضاً في التدريس والنصيحة وتحفيظ القرآن، والدلالة على مسجد فيه تحفيظ قرآن أو وسط طيب، أو مكتبة إسلامية تتعهدهم. هناك أناس لما تزوجوا؛ نشروا الدين في البيت الآخر، وهناك أناس تأثروا سلباً من البيت الآخر.
الجواب: أيتها الأخت المسلمة! الله يقول: يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ [الأحزاب:59] وإدناء الجلباب كما ذكر العلماء أنه يكون من الأعلى إلى الأسفل، أي من الرأس يكون إدناء الجلباب، فإذاً لبس الكاب هذا، وجعل الخمار المشدود عليه الذي يجسم حجم الرأس وحجم الكتفين لا يجوز، وهذا الكاب أنا أعتبره من المصائب التي ابتلينا بها؛ لأنه بتفصيله المنتشر -قد يكون له تفصيلات أخرى شرعية- فيه إخلال بالحجاب الذي أمر الله به، فلو كانت مثلاً تلبس شيئاً واسعاً ليس له أكمام ضيقة ولا هو ضيق في وسطه، وتلبس عليه خماراً مثلما تلبس بعض المسلمات في بعض البلدان، طويل إلى منتصف الظهر، وخمار فضفاض ليس مشدوداً على الرأس شداً، لقلنا: ما يهمنا شكل الزي المهم أن تتوفر فيه شروط الحجاب وهي:
أن يكون فضفاضاً غير ضيق.
أن يكون سميكاً غير شفاف.
أن يكون طويلاً غير قصير.
ألا يكون مطيباً ولا مبخراً، ولا يكون زينة في نفسه، ولا يشبه لباس الرجال، ولا يشبه لباس الكافرات، وهذه الصفات التي يستجمعها حجاب المرأة، وما يهمنا بعد ذلك ما اسم الحجاب الذي ترتديه، المهم أن تنطبق عليه الشروط، ثم بعض الرجال مع الأسف ليس عندهم غيرة ولا عندهم العفة المطلوبة، ولذلك تلبس زوجته ما شاءت، وتجده والله أحياناً بلحيته يمشي معها في السوق، حجابها سيئ وهو ماشٍ بجانبها، يعني: هذا الدين الذي ظهرت عليك آثاره ما تعدى نصف متر إلى التي تمشي بجانبك، لماذا؟!
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ [التحريم:6] أختك أمك خالتك ابنتك أين المسئولية أمام الله سبحانه وتعالى؟
وختاماً: أيها الإخوة نسأل الله عز وجل أن يثيبنا جميعاً وأن يرحمنا جميعاً في هذا المجلس، وألا يفرق جمعنا إلا بذنبٍ مغفورٍ وعمل مبرور، ونسأله أن يجمعنا وإياكم في جنات النعيم، وأن يجعلنا إخواناً على سررٍ متقابلين، وألا يجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا وأن يجعل صدورنا سليمة لإخواننا ومشايخنا وعلمائنا، وزملائنا من المسلمين من أهل السنة أجمعين.
وأشكركم على حضوركم وإنصاتكم، وأعتذر عن الإطالة عليكم، وأسأل الله أن يجمعنا في المستقبل على خيرٍ وطاعةٍ وعافية، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر