إخواني الحاضرين والحاضرات، والمستمعين والمستمعات.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسأل الله عز وجل أن يجعلني وإياكم من المتجالسين فيه والمتذاكرين فيه والمتحابين فيه.
"أدرك أهلك قبل أن يحترقوا" أخذاً من قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ
[التحريم:6] هذا الموضوع: يدور حول العناية بالأهل، والعناية بالأسرة، والسبيل نحو أسرة مستقيمة ومستقرة، موضوع يمس كل إنسان له أهل، أب وأم وزوجة وقريبة وأولاد وإخوان وأخوات، والاهتمام به طاعة لأمر الله واستجابة لداعي الله ورسوله، وإهماله يؤدي إلى فساد عظيم كما نشاهد ذلك في الواقع.
أهل الإنسان -أيها الإخوة- هم أصله ومحيطه وبيئته وردؤه المحامون عنه ومستودع أسراره وأعرف الناس به وأحرصهم على مصلحته في الغالب، ألم تر أن الله قال عند شقاق الزوجين: وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا
[النساء:35].
تربية الأهل والاهتمام بهم من قوله تعالى: قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً
[التحريم:6] قال مجاهد : أوصوا أنفسكم وأهليكم بتقوى الله وأدبوهم، وهو اقتداء بأنبياء الله الكرام:
فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ
[الأنعام:90]..
وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَبِيّاً * وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً
[مريم:54-55].
أيها الإخوة.. هذه الآية يجب أن تتردد في أنفسنا كثيراً وباستمرار: قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً
[التحريم:6] نادانا الله بنداء الإيمان:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً
[التحريم:6] قال قتادة : يأمرهم بطاعة الله وينهاهم عن معصيته، وأن يقوم عليهم بأمر الله يأمرهم به ويساعدهم عليه.
فإذا رأيت معصية ردعتهم، وزجرتهم عنها، قال الضحاك ومقاتل : حق على المسلم أن يعلم أهله من قرابته وإمائه وعبيده ما فرض الله عليهم وما نهاهم عنه كما في ابن كثير ، وقال علي رضي الله عنه في الآية: علموهم وأدبوهم، ونقل القرطبي عن الكيا رحمه الله: فعلينا تعليم أولادنا وأهلينا الدين والخير وما لا يستغنى عنه من الأدب.
إن الحديث عن تربية الأهل هو حديث عن تحصين حارسة القلعة، بل حراس القلعة جميعاً، إنه أمر بالمعروف: وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً
[مريم:55] إنه صبر ومصابرة:
وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا
[طـه:132] إنه تعاون ومؤازرة داخل في عموم قوله تعالى:
وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ
[المائدة:2] إنها مسئولية، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته) وقال: (إن الله سائل كل راع عما استرعاه، أحفظ ذلك أم ضيع، حتى يسأل الرجل عن أهل بيته) رواه النسائي وهو حديث صحيح.
أدرك أهلك قبل أن يحترقوا .. كيف نفعل؟ كثير من الشباب يتساءلون: نحن مع إخواننا في الله نتفاهم، نحن مع إخواننا في الله نتجالس، ونتذاكر، ونشتغل بالدعوة، وبطلب العلم، وباللقاء مع الإخوان وزيادة الإيمان، لكن مع أهلينا قد نشعر كثيراً بالفشل وأننا لا نؤدي دورنا .. ماذا نفعل؟ الزوج ماذا يفعل مع زوجته؟ الأب ماذا يفعل مع أولاده؟ الابن ماذا يفعل مع أبيه وأمه؟ الأخ ماذا يفعل مع إخوانه وأخواته؟ الأخت ماذا تفعل مع إخوانها وأخواتها؟ هناك أدوار عظيمة جداً، تستغرب أحياناً عندما يقول لك بعض الناس: الوقت عندي لا أعرف بماذا أملؤه؟ هل نظرت إلى أقرب الناس إليك في من حولك، وفي بيتك؟ هل نظرت إليهم فرأيت ماذا يحتاجون؟ وهل تعمل على وقايتهم فعلاً من النار كما أمر الله سبحانه وتعالى؟
نحتاج لوقاية أهلينا من النار إلى أمور كثيرة تقدم ذكر بعضها في كلام السلف الذين فسروا الآيات، ومن ذلك أيضاً: تعليمهم، قال البخاري رحمه الله تعالى: باب تعليم الرجل أمته وأهله، أخذه من قوله صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة لهم أجران -ذكر منهم- ورجل كانت عنده أمة فأدبها فأحسن تأديبها، وعلمها فأحسن تعليمها، ثم أعتقها فتزوجها فله أجران) قال ابن حجر رحمه الله: مطابقة الحديث للترجمة في الأمة بالنص وفي الأهل بالقياس، إذ الاعتناء بالأهل الحرائر في تعليم فرائض الله وسنن رسوله آكد من الاعتناء بالإماء، فإنه إذا حث على الاعتناء بالإماء فالاعتناء بالأهل الحرائر أولى وأوجب لأنك منهم نسباً وهم منك.
وحتى لا يقول أحد: أنت تتكلم للأب والزوج ونحن الشباب دورنا ضئيل في هذا الموضوع.. فأقول: لا. خذ هذا الحديث:
عن أبي سليمان مالك بن الحويرث قال: (أتينا النبي صلى الله عليه وسلم ونحن شببة متقاربون -شباب- فأقمنا عنده عشرين ليلة فظن أنا اشتقنا أهلنا وسألنا عمن تركنا في أهلنا فأخبرناه، وكان رفيقاً رحيماً فقال: ارجعوا إلى أهليكم فعلموهم ومروهم وصلوا كما رأيتموني أصلي... الحديث) رواه البخاري.
وكان النبي عليه الصلاة والسلام يهتم بتعليم النساء، وأتاهن في خطبة العيد فوعظهن موعظة خاصة، وجعل لهن يوماً يحاضرهن فيه وواعدهن بيتاً من البيوت.
إن القضية -أيها الإخوة- جد خطيرة، ولذلك اعتنى بها إمام الأنبياء وسيد المرسلين صلى الله عليه وسلم.
فهل علمنا أهلنا ما يحتاجون إليه من الدين؟! هل علمناهم ما هو حق الله، وما هو حق رسوله صلى الله عليه وسلم؟ أدعوناهم إلى عبادة الله وقمنا بتربيتهم على هذه العبادة؟
كان النبي عليه الصلاة والسلام يوقظ عائشة لقيام الليل، إذا أوتر قال: (قومي فأوتري يا
كنت قد سألت شيخنا -الشيخ عبد العزيز بن باز تغمده الله برحمته- قلت له: يا شيخ .. لو أن شخصاً عنده درس في المسجد بعد صلاة الفجر فخرج وأهله نائمون إلى الصلاة، فهل يجب عليه أن يرجع إلى البيت ويوقظ أهله ولو فات جزء من الدرس أو فات الدرس كله أم يجلس في الدرس؟ فقال: بل يجب عليه أن يرجع؛ لأن أمره أهله بالصلاة واجب وحضوره الدرس مستحب، فلا يقدم المستحب على الواجب، وعليه أن يرجع لإيقاظ أهله.
ومع أن المسألة معروفة وكثير من الوعاظ يتكلمون عن الصلاة وأمر أهل البيت بالصلاة، لكن إذا جئنا نتفكر في الواقع من هذه الجهة وجدنا تقصيراً كبيراً جداً في قضية أمر الأهل بالصلاة.
وكذلك جاء عن نبي الله إسماعيل عليه السلام أنه كان يأمر أهله بالزكاة أيضاً: وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَبِيّاً * وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً
[مريم:54-55] قد يكون عندها مال، أو إرث، أو حلي، فيجب عليه أن يأمرها بالزكاة، وكذلك أن يتعاهدهم في الصيام، وأن يتعاهدهم في الحج والعمرة من بلغ منهم واستطاع، وأن يأمرهم بذلك، وألا يقف الزوج في طريق زوجته إذا أرادت أن تؤدي الحج المفروض عليها ولها محرم، لا يقف في طريقها ولا يجوز له ذلك ولا يجب عليها أن تطيعه إذا أمرها بالبقاء وهي قادرة على الذهاب.
نحتاج إلى أن نربي أهلنا على الاعتناء بكتاب الله تعالى، سأل أحد طلاب العلم شيخاً له قبل أن يذهب للسفر قال: يا شيخ .. أريدك أن توصيني -لقد كان الصحابة يسألون الوصية من النبي عليه الصلاة والسلام قبل السفر، وهكذا كان الطلاب يسألون العلماء قبل السفر- بأي شيء توصيني؟ قال: أوصيك بكتاب الله تعالى تلاوة وتدبراً وحفظاً ومعرفة للتفسير. ألا ما أجمع هذا الوصية! فنحتاج أن نقيم فيهم كتاب الله عزَّ وجلَّ، وأن نحيي فيهم الاعتناء بالقرآن الكريم وبسنة النبي عليه الصلاة والسلام: وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ
[الأحزاب:34] والحكمة هي السنة، وإقامة ذكر الله عموماً في البيت.
و أنس رضي الله عنه كان إذا ختم القرآن جمع أهله فدعا بهم، وبعض السلف قال عن أبيه في رمضان: كان أبي يجمعنا كل يوم؛ من اجتهادهم في الختمة.
لماذا لا نبدأ -يا إخواني- بقضية ذكر عظمة الله تعالى، وحق الله عزَّ وجلَّ واليوم الآخر والجزاء والحساب والجنة والنار والصراط والميزان والشفاعة والحوض، والقبر وفتنته وعذابه، وعند الموت والنزع، وكيف تنزع روح المؤمن، وكيف تنزع روح الكافر قبل أن نذكر لهم تحريم الأغاني وغيرها، حتى إذا جاءت الأحكام كان الطريق ممهداً، وكانت النفوس مستعدة للتلقي، فمشكلة الدعوة مع أهالينا، وهذا من الأخطاء التي نفعلها في الدعوة، أننا لا نمهد لأحكام الشريعة بالتمهيد الصحيح، ندخل مباشرة: هذا حلال، هذا حرام، هذا لا يجوز. ولا نمهد لهذه الأحكام بترقيق القلوب، والترغيب والترهيب.
ولهذا الأحكام التي ذكرها ربنا في كتابه كيف ذكرها؟ هل قال: هذا حلال وهذا حرام وهذا حلال فقط أو أنه سبحانه وتعالى ذكر آيات كثيرة عن اليوم الآخر، وذكر آيات كثيرة عن عظمته وحقه عز وجل، ذكر آيات كثيرة في طاعته سبحانه وتعالى وتنفيذ أوامره والاستجابة له، ذكرنا بناره وبعذابه وببطشه ونقمته وقوته وجبروته سبحانه وتعالى، ثم بدأ بنداءات محببة قبل الأحكام: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
[البقرة:104]..
يَا عِبَادِيَ
[العنكبوت:56] نداءات محببة تستجذب نفوس المؤمنين.
ثم بأي شيء ختم الآيات حتى التي فيها أحكام؟: وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ
[البقرة:196] ومرة يقول:
غَفُورٌ رَحِيمٌ
[البقرة:173] ومرة يقول:
يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ
[البقرة:235] وهكذا من الأشياء التي تأتي في الآيات مما فيه موعظة، مما يدل على أن طريقة الشارع في تقرير الأحكام ليست التقرير المجرد عن الوعظ ولا التقرير المجرد عن فتح النفوس بالنداءات التي تمهد الطريق لقبول الحكم، وإذا كان عندنا فقه في الدعوة فلابد أن نعي هذه القضية، وإلا فسيكون عندنا قصور كبير في دعوة الأهل والناس عموماً.
عائشة رضي الله عنها بينت أن النبي عليه الصلاة والسلام ما قال للناس بداية: إن الخمر حرام،وإن الزنا حرام، وإن الربا حرام.. لا. قبل هذا ذكرهم بأشياء كثيرة جداً، تلا عليهم النبي عليه الصلاة والسلام أموراً كثيرة عن عظمة الله واليوم الآخر.
أيها الإخوة .. إننا نحتاج -ونسأل الله أن يبارك في الجهود- إلى سلوك الطرق الصحيحة في دعوة الأهل؛ لأن الله قال: قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ
[التحريم:6] والسلف قالوا: علموهم، أدبوهم، وعظوهم.. هذا الكلام كله داخل فيه، نحن أحياناً يقول الواحد منا: أعطيتهم الكتب والأشرطة .. حسناً هذا عمل تؤجر عليه وعمل طيب وجزاك الله خيراً على هذا، لكن -يا أخي- المسألة تحتاج أحياناً إلى تحريك قلوبهم بكلام منك، وحسن الدعوة يكون بمناقشة هادئة، تذكير، تليين القلوب، ولذلك ينبغي علينا أن نحسن المدخل للقلوب.
وبعض هذه المراكز -تحفيظ القرآن وغيرها- تؤدي دوراً عظيماً في إصلاح النساء وتعليمهن، وحتى بعض الأزواج لا يملك سلطة تأثيرية على زوجته مثل ما يلاحظ من التحسن عندما تذهب زوجته لمركز تحفيظ القرآن الكريم، وتسمع من بنات جنسها من الداعيات الفاضلات الطيبات كلاماً مؤثراً يجد الزوج أو الابن أو الأب أثره الطيب على بناته، فلا بد أن تستثمر هذه المراكز الخيرية لأن فيها نفعاً عظيماً وأثراً كبيراً، وإذا لاحظت أن المرأة لا بد أن تخرج في الأسبوع مرة أو مرتين، لأنها لا تطيق القرار في البيت فاجعل خروجها لمثل هذه الأماكن الطيبة، مع التأكيد على أن الخروج الكثير من أسباب الفتنة، وذكرها بالآية: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ
[الأحزاب:33] وهي بيوت إذا قرت فيها المرأة صلحت، وهذه هي البيوت الطيبة.
إنني أفرح -والله- لو أن واحداً من الشباب في العائلة -أو حتى كبيراً في السن- احتسب الأجر ساعة ونصف أو ساعة في الأسبوع يلم أطفال العائلة في مجلس ويعمل لهم برنامجاً لطيفاً؛ فيه موعظة، فيه مسابقة، أو قصة، أو لعبة مباحة، ويعلمهم شيئاً من الأدب، شيئاً من الخلق؛ لأن أولادنا يفتقدون أشياء كثيرة من الآداب الشرعية، فإن هذا يثمر أشياء عظيمة، كل هذا من باب قوله تعالى: قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ
[التحريم:6] فإذا صارت المرأة أو صار الولد من الدعاة إلى الله سبحانه وتعالى، وسلك سبيل الاستقامة، وصار ملتزماً بالإسلام ومهتدياً، وبدأ يتجه للدعوة والعلم؛ فعند ذلك سوف تطمئن إلى أن الأمور بدأت تأخذ مجراها الصحيح، وأن هذه الأقدام بدأت ترسخ وتثبت على طريق الطاعة والهداية.
ثم إن النبي عليه الصلاة والسلام لما قال: ( خيركم خيركم لأهله ) أي: في كل شيء؛ في تعليمهم، وفي كونه قدوة في العبادة، وفي كونه مانعاً للشر عنهم، وفي كونه قدوة بالأخلاق والأدب وحاملاً لهم على طاعة الله، ومحسناً لهم بالمال وبالكرم وبالخلق، فهو لا شك داخل في الخيرية.
فلابد أن ننمي الصفات الحميدة في أهالينا، كالصدق، والأمانة، والسماحة، والقناعة، والتأني، وأن نعلمهم التواضع والحياء، وأن نعلمهم كيف يتعاملون مع الوالدين والجيران والأقارب والأصدقاء وهكذا.
وإننا بأشد الحاجة أيضاً أن يكون عملنا متتابعاً وليس منقطعاً، وأن يكون مرتباً مع أهلينا، وأن يكون هناك أشياء من الخير المتواصل والمتنوع، فنحدثهم عن مسائل في العقيدة، مثلاً: لو قلت: أنا أريد أن أعطي أهلي كتاباً صغيراً في العقيدة كمثل كتاب 200 سؤال وجواب للحافظ الحكمي رحمه الله وأدرسهم شيئاً من القرآن، جزء عم -مثلاً- أو تبارك، وأدرسهم شيئاً من الحديث، مثلاً أعطيهم كتاب الأربعين النووية ، وفي الفقه: أعطيهم صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم، وصفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، والأشياء المتعلقة بالمرأة كالحجاب والزينة وأحكام الحيض، وكذلك دروس في السيرة، وخصوصاً للأولاد الصغار.
ثم هناك أشياء يمكن أن تؤخذ مثل قصة ابن عمر مع راعي الغنم لما قال: قل أكلها الذئب، وقصة عمر مع المرأة بائعة اللبن وابنتها في إناء اللبن، لما قالت لها: قومي فشوبي هذا اللبن بالماء، وكذلك قصة أصحاب الأخدود إذا عرضت بطريقة مبسطة، وقصة يوسف إذا عرضت بطريقة مختصرة مبسطة، وقصة أم موسى: فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ
[القصص:7] وكذلك قصة أبي هريرة مع الشيطان في فضل آية الكرسي، وغيرها من القصص التي سترى أثرها -إن شاء الله- على الأطفال لو أنك أحسنت عرضها عليهم.
ثم قال: أنا لي أربع سنوات وما أحد فتح معي موضوعاً في الدين وهو ماشي معي في السيارة..!
إذاً: عندنا تقصير يا إخوان، أحياناً الخير بجانبنا وليس صعباً ولا يحتاج إلى جهد لكن نقصر فيه، كم مرة تركب "ليموزين" في البلد؟ كم مرة فكرت أن تغتنم هذه الفرصة لتعلم هذا الشخص شيئاً من الدين؟
إذاً: نحن نحتاج إلى التأكيد على قضية الأخلاق والآداب الشرعية.
وعلينا كذلك تفقد الأهل في عباداتهم كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يوقظ أهله في رمضان في العشر، أحيا ليله وأيقظ أهله، ولما قام مرة فزعاً من النوم، قال: من يوقظ صواحب الحجرات؟
و البخاري رحمه الله من أبوابه في الصحيح "باب إخراج أهل المعاصي من البيوت بعد المعرفة" والنبي عليه الصلاة والسلام أخرج هيتاً وكان يوصف بأنه ليس له إرب بالنساء، أي فيه علة: ليس فيه شهوة بالنساء، كان يدخل ويخرج على نساء النبي صلى الله عليه وسلم، ثم وصف امرأة من نساء أهل الطائف فانتبه له النبي عليه الصلاة والسلام، لأنه يمكن أن يصف زوجات النبي عليه الصلاة والسلام فقال: (لا يدخل عليكن هذا).
أيها الإخوة: إذا كنا نقول عن أنفسنا: نحن متمسكون بالدين وملتزمون به؛ فينبغي أن يكون أهلنا على هذا المستوى، إن من العيب الشنيع جداً أن ترى الآن إنساناً ملتحياً يمشي في الشارع بجانبه زوجته وهي تمشي سافرة، والعطر فوَّاح، الوجه مكشوف، الغطاء رقيق، الفتحة في التنورة.
لا يوجد تناسب بين منظر هذا الإنسان وبين المرأة التي بجانبه، أو التي تركب بجانبه في السيارة! ثم إنه الناس يشنعون يقولون: هذه زوجة فلان، هذا فلان شيخ، وهذا طالب علم، وهذا متدين وهذه زوجته وهذه بنته!!
إليكم هذه القصة: قال ابن مسعود مرة: [لعن الله الواشمات والمستوشمات، والنامصات المتنمصات، والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله] فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها: أم يعقوب فجاءت فقالت: إني أرى أهلك يفعلونه -انظر إلى الكلام!- قال: فاذهبي وادخلي البيت وتأكدي من هذا الذي تقولينه، فذهبت فنظرت فلم تر شيئاً، -تهمة باطلة وامرأة ابن مسعود بريئة- فقال ابن مسعود رضي الله عنه: [لو كانت كذلك ما جامعتها]. رواه البخاري ، والراجح في معنى كلامه: ما اجتمعت أنا وإياها في بيت واحد ولا صاحبتها ولا بقيت معها ولا أبقيتها في بيتي.. هذه القصة في البخاري .
قصة في صحيح مسلم : عن أبي وائل قال: [غدونا على عبد الله بن مسعود يوماً بعد ما صلينا الغداة -الغداة: صلاة الفجر- فسلمنا فأذن لنا فمكثنا بالباب هنيهة -أي: ما استعجلنا بالدخول مع أن الإذن حصل- فخرجت الجارية فقالت: ألا تدخلون؟ فدخلنا فإذا هو جالس يسبح، فقال: ما منعكم أن تدخلوا وقد أذن لكم؟ فقلنا: لا. إلا أنا ظننا أن بعض أهل البيت نائم. -أي: قالوا: خفنا أن ندخل عليك يا عبد الله بن مسعود وبعض أهلك نائمون، فنزعجهم وخاصة أن الوقت بعد الفجر، فنحن تأخرنا عند الباب قليلاً لهذا- قال: ظننتم بآل ابن أم عبد غفلة؟ -تظنون أن أهلي لا يقومون لصلاة الفجر أو لا يسبحون الله بعد الفجر ولا يذكرون الله؟- ثم أقبل يسبح حتى ظن أن الشمس قد طلعت فقال: يا جارية .. انظري هل طلعت؟ قال: فنظرت فإذا هي لم تطلع، فأقبل يسبح حتى ظن أن الشمس قد طلعت قال: يا جارية.. انظري هل طلعت؟ فنظرت فإذا هي قد طلعت، فقال: الحمد الله الذي أقالنا يومنا هذا ولم يهلكنا بذنوبنا].
يقول النووي : وفي هذا الحديث مراعاة الرجل لأهل بيته ورعيته في أمور دينهم.
ومن أسباب انحراف بعض الزوجات: أن زوجها ليس فارغاً لها -ولاطها كما يقول الناس- لا يصاحبها ولا يجالسها فضلاً عن أن يعلمها ويدلها ويرشدها، وهذا من أخطائنا.
لاحظ الحديث مرة أخرى .. (إذا أنفق الرجل على أهله يحتسبها فهو له صدقة) لقد ربط الصدقة بالاحتساب، فما هو الاحتساب؟ قال ابن حجر رحمه الله: الاحتساب القصد إلى طلب الأجر، ويستفاد منه أن الأجر لا يحصل بالعمل إلا مقروناً بالنية، ولهذا أدخل البخاري حديث أبي مسعود المذكور في باب ما جاء أن الأعمال بالنية والحسبة، وقوله ( على أهله ) يحتمل أن يشمل الزوجة والأقارب، والنفقة على الأهل واجبة بالإجماع، وإنما سماها الشارع صدقة خشية أن يظنوا أن قيامهم بالواجب لا أجر لهم فيه، وقد عرفوا ما للصدقة من أجر، فعرفهم أنها لهم صدقة حتى لا يخرجوها إلى غير الأهل إلا بعد أن يكفوهم.
إذاً: لا منافاة بين كونها واجبة وبين تسميتها صدقة، بل هي أفضل من صدقة التطوع.
كم الذي نصرفه على مقاضي البيت وأغراضه؟ كثير، متى تؤجر عليه؟ إذا احتسبت عند الإنفاق ونويت وقصدت أجر الإنفاق على الأهل، كم واحداً فينا عندما يصل إلى آلة المحاسبة أو إلى العامل الذي يحاسب في باب البقالة يحتسب عند الدفع أجر الإنفاق على الأهل، ويقصد أجر الصدقة وثوابها؟ كم فاتنا من الأجر؟ وكم سيفوت إذا ما انتبهنا لهذا؟ لذلك ابن حجر رحمه الله قال: المراد بالاحتساب القصد إلى طلب الأجر.
فيا أخي، يا عبد الله .. إذا أتيت تحاسب المحلات على طعام لبيتك أو ملابس لأولادك أو أشياء لزوجتك فعليك أن تحتسب الأجر، هذه نصيحة لوجه الله.
يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (ابدأ بنفسك فتصدق عليها، فإن فضل شيء فلأهلك، فإن فضل عن أهلك شيء فلذي قرابتك) وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن واحداً من أصحاب الغار الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة قال في عمله الذي دعا الله وتوسل به: إنه كان لي أبوان شيخان كبيران، فكنت أخرج فأرعى ثم أجيء بالحلاب فآتي به أبواي فيشربان ثم أسقي الصبية وأهلي وامرأتي.
والنبي عليه الصلاة والسلام كان يحبس لأهله نفقة سنة.
طبعاً بهذا الكلام لا يعني أن ننسى الصدقات الأخرى، وننسى إخواننا في الشيشان وفي غيرها، ونقول: كله للأهل .. لا. بل ينبغي أن يكون لجوانب الخير الأخرى نصيب من صدقاتنا، وألا نسرف في الإنفاق على البيت؛ لأن بعض الناس يصرفون أكثر من المطلوب وزيادة على الحاجة، ثم يقول: ما عندنا والله يا أخي شيء نتصدق به، كله صرفناه على البيت. وقد يكون رمى من الطعام أشياء كثيرة، والاقتصاد من النبوة، فأين الاقتصاد؟ أين صرف المال في وجهه الصحيح؟
وكذلك لا يطرق زوجته ليلاً إلا أن تعلم أنه سيأتي لأن النبي عليه الصلاة والسلام نهى أن يطرق الرجل زوجته ليلاً وقال: (إذا دخلت ليلاً فلا تدخل على أهلك حتى تستحد المغيبة -التي غاب زوجها- وتمتشط الشعثة).
وقال لـجابر : (عليك بالكيس الكيس) رواه البخاري الكيس معناه: الرفق وحسن التأتي، وأيضاً يؤخذ من معناه إتيان المرأة، ولذلك لما قال جابر لزوجته لما دخل عليها: (إن النبي عليه الصلاة والسلام أمرني أن أعمل عملاً كيساً. قالت: سمعاً وطاعة فدونك، فبات معها تلك الليلة).
السمر مع الأهل: كان النبي عليه الصلاة والسلام يفعله، وابن عباس أخبر أنه عليه الصلاة والسلام تحدث مع أهله ساعة قبل أن ينام، وقال البخاري في صحيحه : باب السمر مع الضيف والأهل، والنبي عليه الصلاة والسلام كان في السفر بعيره يمشي وبجانبه بعير حفصة وعائشة يسامرهن في الطريق في الليل.
وفي هذا الحديث فوائد كثيرة، وليس صحيحاً ما يراه بعض الناس أن العمل مع الأهل عيب كبير، لا يا أخي، إذا عملت مع أهلك في البيت، ولا بأس عليك لو غسلت لهم الصحون مرة، وساعدتهم في نقل الغسيل مرة، وطبخت مرة .. فهذا فعل النبي عليه الصلاة والسلام، ومن فوائده: أن المرأة ترتاح جداً إذا شاركها الرجل في بعض أعمالها، وتحس أن هذا إنسان وفي يريد أن يحمل عنها شيئاً من المسئولية ويساعدها، وفيه تواضع عجيب، ولذلك النبي عليه الصلاة والسلام كان يكون في مهنة أهله، وهذا من أعظم أسباب التواضع، وبعض الرجال يكون عنده عظمة في نفسه، لا تعالج تربوياً إلا بمثل هذه الخدمة في البيت.
وأيضاً: من الفوائد التي ذكرها العلماء البعد عن التنعم، لأن بعض الناس يقول: هذه ليست شغلتي، هذه شغلة الخدامة.
فمن فوائد العمل في مهنة الأهل البعد عن الترفه والتنعم، ولئلا يخلد الشخص إلى الرفاهية المذمومة التي أشير إليها في قوله تعالى: وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ
[المزمل:11] أولو النعمة هم المرفهون المترفون، هؤلاء أولي النعمة، فهذه تربية عظيمة للنفس.
ولو وصل الدفاع عن الأهل إلى درجة القتال وإراقة الدم، فأرق دمك في سبيل الدفاع عن أهلك وأنت مأجور بالشهادة؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (ومن قتل دون أهله فهو شهيد).
أيها الإخوة .. إن القيام بالمسئوليات في الأسرة مسألة متكاملة في الإسلام، إنها مسألة موزعة على الأفراد، إن كل واحد في العائلة عليه مسئولية، وإن عظمة هذا الشرح الذي جاءت به الشريعة في هذا التوزيع يدل على عظمة الشريعة نفسها، هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، الإمام راع ومسئول عن رعيته، والرجل راع في أهله ومسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده ومسئول عن رعيته، والرجل راع في مال أبيه ومسئول عن رعيته، وكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته) رواه البخاري ما هي رعاية الرجل أهله؟ أن يسوسهم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ويوصل إليهم الحقوق، ويقيم فيهم الدين ويربيهم عليه.
ما هي رعاية المرأة في بيت زوجها؟ تدبير أمر البيت والأولاد والخدم والنصيحة للزوج في كل ذلك.
ما هي وظيفة الخادم والخادمة؟ حفظ ما تحت يده والقيام بما يجب عليه من الخدمة، ووظيفة الولد أن يقوم على مال أبيه ينميه ويثمره ويقوم بما يجب فيه.
إن من حسن المعاشرة للأهل أيها الإخوة: العطف والحنان والحنو عليهم كمثل فعل نبي الله موسى عليه السلام عندما سار بأهله: فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَاراً قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَاراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ
[القصص:29] فمن حنانه وعطفه على أهله ورعايته لهم أوقفهم بعيداً عن مكان النار لأنه لا يدري ماذا يوجد عندها، عدو أو صديق أو خير أو شر، ثم قال لأهله: امكثوا لعلي آتيكم بجذوة من النار لعلكم تصطلون، أي: تستدفئون من هذا البرد، ففي هذا حرص الزوج على زوجته بتدفئتها من البرد.
إذا مرض أحد من أهلك فطبق الحديث، بل وتعلمهم الرقية أيضاً، عن عثمان بن أبي العاص أنه قال: (أتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم وبي وجع قد كاد يهلكني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: امسح بيمينك سبع مرات، وقل: أعوذ بعزة الله وقدرته وسلطانه من شر ما أجد، قال: ففعلت فأذهب الله ما كان بي، فلم أزل آمر به أهلي وغيرهم) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
ولذلك بعض أهل العلم قال: من الغلط أن يتخذ المزاح حرفة .. نقله ابن حجر في فتح الباري ، يأتي واحد يشتغل مهرجاً أو ممثلاً كوميدياً، ليس هناك شيء اسمه ممثل كوميدي في الإسلام؛ لأن هذا يتخذ المزاح حرفة، ولذلك فإن الإكثار منه يقضي على جدية الإنسان وعلى كلامه عند الناس، لكن الإنسان إذا كان عند أهله فله أن يمازح أكثر مما يمازح خارج البيت، لأن طبع المعاشرة للأهل الممازحة والملاطفة وفيهم صبيان وأطفال، والرجل مع زوجته ربما تغضب الزوجة فيعطيها من الكلام الطيب والضحك، فتنتهي المشكلة وتمشي الأمور والحمد الله.
لما جلس إمام الحرمين موضع أبيه سئل: لِمَ كان السفر قطعة من العذاب؟ فأجاب على البديهة: لأن فيه فراق الأحباب؛ فلذلك ينبغي ألا نتغيب عن أهلنا فترة طويلة، وإذا انتهت الحاجة من السفر رجعنا لهم مباشرة، بعض الناس يتحجج بالدعوة، ويخرج أياماً طويلة يقول: في الدعوة، وقد ترك أهله ما عندهم قطعة خبز، والولد يريد المستشفى ولا يوجد أحد يذهب به، ماء عذب للشرب لا يوجد ... الخ.
حنان الأب وجلوسه بجانب أطفاله أمر في غاية الأهمية، إنه يعوض الطفل عن حاجة نفسية متأصلة في نفسه، وقد وجد الأطباء النفسانيون أن الولد إذا غاب عنه أبوه افتعل أشياء في مخيلته، عن قصة فيها ولد ومعه أبوه وأن أباه أتى له بلعبة كذا وأعطاه لعبة كذا وخرج معه كذا، ويفتح القناة الثانية على التخيل ويتخيل هذا الوضع ليعوض عن نفسه بالخيال، يعوض نقص الواقع بالخيال؛ ولذلك تنشأ المشكلات النفسية والاضطرابات العاطفية، فسبب ذلك وقوع حوادث الاعتداءات، هذه من الأمور التي تترتب على هذا، إنها المخالفة لما جاء به الإسلام من تربية الأهل والقيام عليهم وملازمتهم والحرص عليهم، (46%) من الأسر التي يغيب عنها الأب وتشرف عليها الأمهات تحت مستوى خط الفقر.
إن غياب الأب يزيد احتمال تعرض الأطفال للانطوائية والتعطل وإدمان المخدرات والجريمة والانتحار والاعتداءات الجنسية، وعدد القتلى على أيدي مراهقين تقل أعمارهم عن 18 سنة ارتفع بنسبة (125%) بين عام (84-94) في خلال عشر سنوات فقط، وأنتم تسمعون حوادثهم وجرائمهم، وتسمع أن ولد في المتوسط الثانوي يفتح النار على طلاب أو مدرس أو مدرسة، فيقتل ثلاثة أو يقتل ثمانية، وحوادث متوالية .. لماذا وقعت هذه الأشياء؟ لهذه الأسباب أيها الإخوة، هؤلاء ضحايا الابتعاد عن الأبوين، ضحايا الترك والإهمال، إنه شيء يدفعونه من دمائهم وصحتهم بسبب البعد عن الدين.
أيها الإخوة .. ينبغي علينا نفع الأهل بكل طريقة، إن موسى عليه السلام ما زال يدعو ربه أن يجعل أخاه هارون نبياً حتى استجاب الله له: وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي * كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً * وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً * إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيراً * قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى
[طه:29-36] ولذلك ليس أحد أعظم منة على أخيه من موسى على هارون.
وكذلك يجب حفظ أسرار الأهل، النبي عليه الصلاة والسلام سألهم مرة عن الذين يكشفون أسرار الحياة الزوجية، فاعترفت امرأة من الموجودات بأنهم يفعلونه، فأخبر عن مثل ذلك بمثل شنيع، شيطان لقي شيطانة في الطريق فقضى حاجته والناس ينظرون.
إذاً لابد من حفظ أسرار الأهل، والدعاء لهم دائماً بالصلاح والهداية، كما هو الحال في دعاء السفر: (اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي، اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل -كأنه يستودعهم الله عزَّ وجلَّ، والله إذا استودع شيئاً حفظه- اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة المنظر، وسوء المنقلب في المال والأهل) والحديث في صحيح مسلم.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فتنة الرجل في أهله وماله وولده وجاره تكفرها الصلاة والصوم والصدقة والأمر والنهي) رواه البخاري ومعنى فتنة الرجل في أهله وولده الالتهاء بهم عن طاعة الله، وأن يترك واجبات بما يولدونه عليه من الضغوط، هذه فتنة الرجل في أهله وولده، أو يفعل المحرمات أو يأتي بها لأجلهم، يأتي لهم بأجهزة لهو، أجهزة محرمة، ألعاب محرمة، الولد يقول: أريد سوني بلير ستيشن، الأولاد كلهم في المدرسة يتكلمون عن سوني بلير، حسناً أتى به، ماذا فيها؟ موسيقى، نساء متعريات، صلبان .. وكلها لا تجوز لكن تحت الضغط جاء بها، وتحت الضغط أتى بكذا وجاء بكذا من المحرمات، وأحياناً يتكاسل الإنسان في الصلاة بسببهم، ولذلك كان النبي عليه الصلاة والسلام يكون في مهنة أهله فإذا سمع نداء الصلاة خرج.
وفي قصة الغلام والراهب وأصحاب الأخدود كيف علم الراهب الغلام كيفية التصرف مع أهله، كان يجلس ويذهب إلى الساحر يعلمه السحر، وفي الطريق يرجع إلى أهله يجلس إلى هذا الراهب المسلم يعلمه الدين؛ فكان يتأخر على الساحر ويتأخر على أهله، فشكا إليه ذلك، فقال: إذا خشيت الساحر، فقل: حبسني أهلي، وإذا خشيت أهلك فقل: حبسني الساحر .. وهذا الحديث في صحيح مسلم.
كيف يكون التصرف مع الأهل إذا صاروا فتنة، وإذا صاروا أعداء، وإذا صاروا ضد الدين: وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً
[لقمان:15] هذا قد يكون كثيراً في زمن الفساد؛ ولذلك ينبغي أن نعرف كيف نواجه مثل هذه المواقف.
وينبغي أن نتحسب كثيراً لقضية المشكلات، وأن نراعي الأمور بحيث نقيم البيت على الدين كما أمر الله عزَّ وجلَّ.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا وإياكم ممن يحل حلاله، ويحرم حرامه، ويحفظ حدوده، ويقيم شرعه.
اللهم اجعل عملنا في رضاك، وأسعدنا بتقواك، ولا تشقنا بمعصيتك، ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماماً.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه.
الجواب: يا أخي .. كيف يترك الشاب أو أي إنسان الواجب الشرعي حياءً؟ لا يمكن، ولذلك جرئ نفسك على قول الحق وعلى القيام بالواجب، ولا بأس أن تأخذ المسألة بتمهل خطوة خطوة، لكن لا بد أن تكون دائماً في ازدياد.
الجواب: هذا التساهل مذموم ومحرم ولا يجوز، والذاهب والسامح بالذهاب آثم؛ ولذلك لابد أن نتقي الله عز وجل في هذا الأمر.
الجواب: أما أنها تفشت نعم يا أخي، الإحصاءات تقول: أنه من كل أربع زوجات فيها واحدة تنتهي بالطلاق، معنى ذلك: خمسة وعشرين في المائة (25%) من الأسر تتفكك، وهذه إحصائية مخيفة جداً يا إخوان! ربع المجتمع ينهار! أسر تنهار! بنت تمسك في حالة مزرية جداً، فتتبع القضية فتجد -أحياناً- أباها طلق أمها والبنت تعيش عند خالها، أو تعيش عند جدتها، لاحظ أنه عندما تعيش بنت عند جدتها أو خالها بعيداً عن رقابة الأبوين، وليس عليها رقابة مثل ما تكون عند والدها يحدث الفجور، فهو سبب عظيم للفجور؛ ولذلك الطلاق فيه مصائب عظيمة، وأنا أنصح كل امرأة أن تتحمل إلى أقصى ما يمكن قبل أن تطلب الطلاق، وألا تستجيب لنزغات الشيطان فتسارع بطلب الطلاق في أي مشكلة، حصول الطلاق يسبب فراغاً عاطفياً وفقدان مصدر الحنان، وإذا صادفت الفتاة أماً تخلت أو أباً مشغولاً سقطت بسهولة بين براثن الذئاب.
ولا ينبغي أن تطلب المرأة الطلاق إلا إذا صار الزوج منحرفاً في أخلاقه، تاركاً لدينه، مجاهراً بالمعاصي كشرب الخمر أو المخدرات، ولا تطيق إصلاحه ولا الصبر عليه، لأنه صار من معتادي الإجرام، تردد على السجون ومخافر الشرطة .. هذا حال لا يطاق، لكن بعض النساء تطلب الطلاق لسبب تافه.
لاحظ معي ما يحدث عند بعض الناس حتى ممن عندهم شيء من العلم، إذا طلق قال لها: اذهبي إلى أهلك. أو هي تقول فوراً لأهلها: تعالوا خذوني. كلاهما عاصيان، ألم يقل الله عز وجل: لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ
[الطلاق:1]؟! لماذا يريد الشارع أن المرأة تبقى في البيت في وقت العدة في الطلقة الرجعية؟ ولماذا ينهى عن الطلاق في حيض أو في طهر جامعها فيه ويقول له: إذا أردت أن تطلق وهي حائض: انتظر حتى تطهر؟ لأنه في خلال هذه الفترة ربما اشتاق إليها ونسي الموضوع أصلاً، هناك حكم من وراء هذه العملية، ومع ذلك تجدهم يطلقون في الحيض وفي النفاس وفي طهر أتاها فيه، ويطلقها بالثلاث دفعة واحدة ويخرجها من البيت ..! مخالفات كثيرة في الطلاق، وأهلها يقولون: لست بدار هوان ولا مضيعة الحقي بنا نواسك .. الله أكبر!
ولذلك يقع الخطأ في الطلاق ويقع الخطأ بعد الطلاق وتتشتت الأسر وتحدث النكبات العظيمة، لا يكاد يوجد زوجين افترقا إلا ونالهما أذى، والمرأة أحياناً تريد أن تهرب من ظلم الزوج، فتقع في ظلم المجتمع وتقول بعد ذلك: ليتني ما طلبت الطلاق، ليتني ما طلبت الطلاق.
وبعض الناس في سبيل العلاج من المشكلات الأسرية يذهبون إلى الدجالين .. هذه حقيقة، بعض الناس يذهبون إلى الدجالين، وبعضهم من أصحاب الشهادات الجامعية كما أفادت بذلك بعض الأبحاث، وبعض النساء يترددن على الدجالين لأسباب: تريد أن يعمل لها شيئاً حتى يحبها الرجل، أو يعمل لها عملاً لكيلا يتزوج عليها، أو لكي تنجب ذكوراً، أو يعمل لها عملاً لحل العقم: لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً
[الشورى:49-50] ما دخل الدجال والذهاب إليه أصلاً حرام؟ تصور 50% من الذاهبين إلى الدجالين في بعض البلدان العربية من المثقفين أصحاب الشهادات!
الجواب: جاهد في تعليمه، فإذا رفض فقد أديت ما عليك، الإنسان أحياناً يحس أن ضميره مرتاح داخلياً لأنه قام بما عليه، علم ونصح واجتهد ثم أعرض الطرف الآخر فهذا -إن شاء الله- لا يأثم.
الجواب: ينبغي التنسيق بين الزوجين وألا يكسر أحدهما كلام الآخر أمام الأولاد؛ لأن في هذا ضرراً بالغاً في نفسية الأولاد، فلا بد أن يكون الأب حكيماً والأم حكيمة، ولا بد أن يؤكد الأب دائماً على احترام الأم، وتؤكد الأم على احترام الأب، وهذه قضية خطيرة، بعض الأولاد لا يحترمون أمهاتهم، لأن الأب دائماً ينزل عليها أمام الأولاد، يشتمها أمام الأولاد، يعنفها أمام الأولاد. تقول إحدى الأمهات: أنا في المطبخ مع الأولاد، فتحنا إذاعة القرآن الكريم فأخذ الشيخ يتكلم قال: "والزوجة العاصية الناشز ..." والأطفال الصغار كلهم ينظرون إليها، كل الأولاد التفتوا على أمهم، معناها أن عندهم شعوراً من خلال التعامل في البيت أن هذه هي المقصودة بالحديث، معناها سلوك الأب أدى إلى أن الأولاد لما سمعوا الزوجة الناشزة العاصية أول شيء استداروا كلهم واستدارت وجوههم إلى أمهم.
فإذاً: يا إخوان! لابد أن يكون هناك حكمة، وإذا كان هناك خلاف بين الأبوين ولابد؛ فإنه لا يكون أمام الأولاد.
نكتفي بهذا القدر ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يهدينا سبلنا، وأن يقينا شر أنفسنا، إنه سميع مجيب جواد كريم، وهناك دعوة للإنفاق في سبيل الله والصدقة لدعم نشاطات تحفيظ القرآن الكريم، فلا تبخلوا رحمكم الله وتذكروا أن الإنسان في ظل صدقته يوم القيامة.
وفقني الله وإياكم لما يرضيه، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر