إسلام ويب

الرسالة التربوية للأسرةللشيخ : محمد الدويش

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن الفرد حين ينطلق إلى العالم الواسع بكل ما يحويه من مؤثرات تنعكس على سلوكه وتكوين شخصيته، وما يشمله من متناقضات لا يجد لها تفسيراً، يحتاج خلال ذلك إلى موجه أمين ومرشد حكيم يرسم له طريقه، كما يحتاج قبل ذلك إلى من يمنحه الأمان النفسي والطمأنينة الاجتماعية التي تساعد في نموه وتكوين شخصيته بصورة سليمة، ولن يجد الفرد كل هذا إلا في إطار أسرة مسلمة مراعية للضوابط التربوية الصحيحة.

    1.   

    الأسرة هي المدرسة التربوية الأولى للطفل

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله.

    أما بعد:

    فنسأل الله عز وجل أن يكون هذا اللقاء لقاء طيباً مباركاً، وأن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل، والتوفيق والسداد إنه سميع مجيب.

    أسأل الله عز وجل أن يثيب الإخوة على دعوتهم، وأن يجعلني عند حسن ظنهم، وعند حسن ظن إخواني الذين قطعوا جزءاً من وقتهم لحضور هذا اللقاء، وأسأله تبارك وتعالى أن يجعلني خيراً مما يظن الناس بي، وأن يكتب لي ما لا يعلمون.

    كان الموضوع الذي اقترحه الإخوة موضوعاً مفتوحاً وهو حول حديث تربوي، لكن هذا الموضوع أو هذا العنوان عنوان واسع فضفاض، والإخوة لم يقصدوا ذلك، إنما قصدوا أن يتركوا الاختيار لي، وقد ترددت كثيراً في اختيار الجانب التربوي الذي يمكن أن نتحدث عنه في مثل هذا اللقاء، فرأيت أن الحديث عن مؤسسة تربوية مهمة ربما يكون له أولوية في مثل هذا الوقت، ألا وهي المؤسسة التربوية الأولى الأسرة.

    وحين نتحدث عن الأسرة فإن الحديث يطول، ولا يمكن أن نستوعب أطرافه ومضامينه في مثل هذا اللقاء العاجل المختصر، فرأيت أن أركز الحديث حول الرسالة التربوية للأسرة، ولئن كنا نحتاج إلى أن تؤدي الأسرة هذه الرسالة فنحن اليوم في هذا العصر وفي ظل هذه المتغيرات بل القفزات الهائلة التي تقفز إليها مجتمعات المسلمين اليوم، نحن أحوج ما نكون إلى أن نعيد لهذه المؤسسة رسالتها، وأن نرتقي بها لتؤدي هذه الرسالة.

    إن أبناءنا وبناتنا اليوم لم يعودوا أبناء لنا، بل هم أبناء لوسائل التأثير، أبناء لوسائل الإعلام، أبناء للمؤثرات المتناثرة هنا وهناك في هذه المجتمعات، أليست هذه الوسائل اليوم تزاحمنا في أولادنا؟ أليست تسهم في تشكيل كثير من قيمهم ومفاهيمهم وموازينهم؟ أليست تؤثر على كثير من سلوكياتهم؟

    إن الصور الشاذة التي نراها اليوم في الشوارع، وفي الأماكن العامة، وفي الأسواق بل وفي المدارس، إنما هي إفراز لتخلف الدور التربوي للأسرة، ربما يكون الزخم الهائل لهذه المؤثرات الوافدة أدى إلى أن تسرق الأوقات، وتسرق مساحات ومجالات التأثير من الأسرة، لكن هذا لا يعفينا من أن نسعى جادين إلى تعميق الرسالة والمهمة التربوية للأسرة.

    ومن هنا كان هذا الحديث المقتضب والمختصر الذي لا يمكن أن يأتي على أطراف مثل هذا الموضوع لسعته وشموله وأهميته في مثل هذا اللقاء، ولهذا سأسعى إلى الإجابة على سؤالين رئيسين: لماذا؟ وكيف؟ لماذا نحن بحاجة إلى أن نفعِّل الرسالة التربوية للأسرة اليوم؟ وكيف تحقق الأسرة هذه الرسالة التربوية؟

    حينما نتساءل اليوم عن أهمية الوظيفة التربوية للأسرة والرسالة التربوية للأسرة، فليس دافعنا لذلك هو مجرد إقناع الناس بالأهمية التربوية للأسرة، فأظن أن هذا أمر يتفق فيه الجميع، يتفق فيه المسلم والكافر، والجاهل والمتعلم، الجميع يتفقون على أن التربية مطلب وضرورة، وعلى أن الأسرة ينبغي أن تتحمل مسئولياتها في التربية، لكني سأحاول أن أسلط الضوء على بعض الإجابات على هذا السؤال، أعني به السؤال: لماذا الرسالة التربوية للأسرة؟ سأركز على الإجابات التي تفيدنا في الميدان العملي أكثر من أن تكون مجرد مزيد إضافة للاقتناع بهذا الجانب وهذا العمل، هناك جوانب كثيرة تبرز أهمية الرسالة التربوية للأسرة، لكني سأجتزئ منها ما أرى أننا ينبغي أن نوظفه عملياً للإجابة على السؤال الآخر وهو: كيف نرتقي بالأسرة لتؤدي رسالتها؟

    1.   

    خصائص الأسرة التي تكسبها الأهمية التربوية الأولى

    الأسرة هي الدائرة الأولى من دوائر التنشئة الاجتماعية

    أولاً: الأسرة هي الدائرة الأولى من دوائر التنشئة الاجتماعية، وهي المؤسسة الأولى من المؤسسات التربوية، فالطفل الرضيع حين يخرج من بطن أمه أول مجتمع يلتقي به هو مجتمع الأسرة، بل إن التأثير التربوي لا يبدأ من مرحلة الولادة، بل هو من مرحلة الحمل، فالطفل وهو في بطن أمه يتأثر بانفعالات الأم، يتأثر بالحالة النفسية التي تعيشها الأم، يتأثر باتجاه الأم نحو حملها ونظرتها له، ولهذا يبدأ منذ أن يكون حملاً في بطن أمه، لا يشارك الأم في تأثيرها أحد في هذه المرحلة، ثم يخرج وهو رضيع فتوصل له الأسرة رسائل تربوية يفقهها هو وربما لا تفقهها الأسرة، فهو في رضاعه من والدته، وفي مداعبة أهله له، وفي حمل أمه له ووضعها له يتلقى مشاعر عطف ومشاعر حنان تعتبر مطلباً ضرورياً في نموه الاجتماعي والنفسي والعاطفي، وهذا الأمر تجهله كثير من الأمهات، ويجهله كثير من الآباء، ثم يتدرج به العمر إلى أن يصل إلى سن المدرسة وهو لا يتعامل مع أي مؤسسة أخرى.

    إذاً هذا الأمر حين تكون الأسرة هي المؤسسة الأولى، حين تكون الأسرة هي أول ما يفتح الطفل عينيه عليه، فهذا يؤكد لنا أهمية الرسالة التربوية للأسرة، وهو في المقابل أيضاً يعيننا في الإجابة على كيف؟ فبقدر ما نواجه من تحديات نملك فرصاً في تربيتنا ربما لا نثمنها.

    الأسرة هي الجماعة الأولى التي يرتبط بها الطفل وينتمي إليها

    ثانياً: الأسرة هي أول جماعة يعيش فيها الطفل ويشعر بالانتماء إليها، وهو بهذا يكتسب عضوية في جماعة، ويظهر نمط هذه الجماعة وعلاقاتها على علاقاته فيما بعد، إنه ينتمي بعد ذلك إلى جماعة للعب، أطفال يلعب معهم يشاركهم، وعندما يتقدم به العمر ويصل إلى سن المراهقة فإنه يرتبط بثلة الرفاق أو مجموعة الرفاق، وعندما يتقدم به العمر أكثر يرتبط بجماعات أخرى من خلال الزمالة المدرسية ومن خلال العمل، كل هذه الجماعات تتأثر بالجماعة الأولى التي انتمى إليها وارتبط بها الطفل، ويتشرب قيم ومفاهيم ومعايير يزن من خلالها الناس كما سيأتي بعد قليل.

    الأسرة هي الجماعة التي يرتبط بها الفرد ارتباطاً لا ينفصم

    ثالثاً: الأسرة ولنقل جماعة الأسرة هي الجماعة الوحيدة الذي يظل الإنسان مرتبطاً بها لا يتخلى عنها، ولو عدنا إلى تاريخنا نحن فسنرى أنه كانت لنا علاقات حين كنا أطفالاً وكنا ننتمي إلى مجموعة وفئة من أهل الحي أو الجيران أو الأقارب ونمارس معهم اللعب ونعيش معهم، وحين كنا في الدراسة كان لنا رفقة وزملاء في الدراسة، وفي العمل، وجماعات كثيرة تنشأ في حياتنا ثم تنقرض، أما الأسرة فهي الجماعة الوحيدة التي يبدأ بها المرء مع بدايته في الحياة وهي التي تودعه قبره وتودعه إلى باب البرزخ. نسأل الله لنا ولكم حسن الخاتمة.

    الأسرة هي الكيان الذي يتميز بالتماسك رغم اختلاف شخصيات أفراده

    رابعاً: طبيعة العلاقة المتبادلة أيضاً بين أعضاء الأسرة تختلف بغض النظر عن نوعهم وعددهم، الأسرة هي الجماعة الوحيدة التي يلتقي فيها جيل الآباء بالأبناء، بل الآباء بالأحفاد، يتعامل فيها الرجل مع زوجته ومع بناته الكبار اللاتي تزوجن وأنجبن، ويتعامل مع بناته المراهقات، ويتعامل مع أبنائه المراهقين، ويتعامل مع الأطفال والرضع، ولهذا فإن لها طبيعة خاصة وسمة خاصة تختلف عن سائر الجماعات والسمات، بغض النظر عن نوع هذه العلاقة وحجم الأسرة وطبيعة أعضاء الأسرة من حيث الجنس والسن إلى آخره، بالرغم من كل ما سبق فإن هذه الجماعة وهذه المؤسسة تبقى مترابطة متماسكة، وهذا يؤكد كما قلت على أهمية الرسالة التربوية للأسرة، وهو أيضاً يعطينا فرصة يمكن أن نستثمرها لنجيب على السائلين: كيف نرتقي في تربيتنا الأسرية؟

    الأسرة هي النظام الاجتماعي الأكثر ثباتاً على مدى التاريخ

    خامساً: مؤسسة الأسرة هي أكثر الأنظمة الاجتماعية ثباتاً على مدى التاريخ، فمن يدرس التاريخ يعرف أن هناك أنظمة اجتماعية تحكم علاقات الناس وصلاتهم، كالقبيلة والعشيرة، وهذه العلاقات تطورت على مدى التاريخ، ومن يقرأ التاريخ يكتشف أن هذه العلاقات لم تثبت على وتيرة واحدة ولم تثبت على نظام واحد، وها نحن مثلاً اليوم نجد جماعات ومجموعات العمل والدراسة ناشئة مع ظروف الحياة الجديدة، وسينشأ في المستقبل نوع من المجموعات والعلاقات، وها نحن نرى مثلاً من خلال شبكة الإنترنت علاقات وصلات بين رجلين لو قابل أحدهما الآخر فلربما لا يعرفه، لكن تبقى هذه المؤسسة أكثر الأنظمة ثباتاً ورسوخاً على مدى التاريخ، وستبقى إلى ما شاء الله.

    الأسرة هي أكثر الأنظمة الاجتماعية استغراقاً لوقت الطفل

    سادساً: الوقت الذي يقضيه الطفل مع أسرته من أطول الأوقات، سواء من خلال المرحلة الأولى من العمر وسيأتي الإشارة إليها، أو ما سوى ذلك، فالمرء يقضي مع أسرته أطول الأوقات، وهي حين تحسن التعامل مع هذا الوقت المتاح لها ستكسب فرصاً لا تكسبها المؤسسات التربوية الأخرى، وتقصر عنها عوامل التأثير الأخرى التي يمكن أن تزاحمها في تشكيل شخصية الطفل.

    الأسرة تنفرد بالتأثير على الطفل في سنوات عمره الأولى

    سابعاً: أن الأسرة تنفرد بالطفل في المراحل الأولية من العمر، وقد أشرنا إلى شيء من ذلك، وهذه المراحل لها تأثير كبير في تشكيل شخصية الطفل، وتشكيل قيمه وتصوراته وموازينه، والرجل كبير السن اليوم يرى أن هناك قيماً ومعايير ترسخت عنده منذ أن كان في طفولته ولا تزال مترسخة ثابتة.

    في هذه المرحلة المهمة والخطيرة الأسرة تنفرد بالطفل فلا يزاحمها عليه أحد، نعم وسائل الإعلام بدأت تزاحمنا على أطفالنا في هذا السن وهذه المرحلة، لكن لا زلنا في هذا السن وهذه المرحلة نستطيع أن نتحكم في الطفل إلى حد كبير، ونستطيع أن نقلل من فرص تعرضه لتلك المؤثرات التي يمكن أن تسير به في طريق يخالف الطريق الذي ترتئي الأسرة أن تسير عليه وتسلكه.

    ومن هنا فاستثمار هذه المرحلة المهمة يمكن أن يختصر علينا خطوات كبيرة، وحينما نتحدث اليوم ونطالب بأن تستثمر هذه المرحلة المهمة -مرحلة الطفولة- فلا ينبغي أن يقف الأمر عند التصور الساذج للتربية المطلوبة التي تقتصر على مجرد إعطاء توجيهات وإعطاء أوامر والتأكيد على أن هذا يسوغ وهذا لا يسوغ إلى آخره، بل ينبغي أن نتجاوز إلى ما هو أبعد من ذلك من خلال البناء الصحيح لطريقة تفكير الطفل، والبناء الصحيح للقيم التي ينطلق من خلالها، وتنمية القدرات والمهارات التي يمكن من خلالها أن يتعامل مع ما يصل إليه بعد ذلك وما يواجهه من مؤثرات لا يمكن أن يتخلى عنها أو يتخلص منها فيما يستقبل من حياته.

    الأسرة تستقبل التأثيرات التي يتعرض لها الطفل من محيطه الخارجي وتعيد تقويمها

    ثامناً: الأسرة تختار من البيئة ما تراه مهماً ثم بعد ذلك تقوم بتفسيره وتقويمه وإصدار الأحكام عليه، فكل ما يتعرض له الطفل، سواء ما يهبط إليه في المنزل من خلال وسائل الإعلام ووسائل التأثير، أو ما يواجهه من خلال الدائرة الأوسع من أسرته القريبة من خلال الأقارب أو ما يواجهه من خلال المدرسة والمجتمع، كل هذا تتعامل معه الأسرة وتقوم باختيار ما تراه مناسباً، ثم تقوم بتفسيره وإصدار الأحكام عليه، ومن هنا تكون القيم التي يتشربها الطفل متأثرة بنظرة الأسرة إليها وبتعبيرها عنه، فتشكل هذه القيم معايير يتعامل من خلالها مع ما يواجهه في المستقبل من مؤثرات في المجتمع.

    فمثلاً: الطفل الذي يعيش في أسرة تحتقر المتدينين والتدين، سيتشرب هذه القيم من خلال ما يراه ويسمعه من والده ووالدته، وعندما تستقر عنده هذه القيم ويأتي إلى المدرسة ويجد معلماً متديناً فإن نظرته إلى هذا المعلم ستكون نظرة احتقار وانتقاص؛ لأنها نظرة تلقاها من خلال ما غرسته الأسرة عنده.

    خذوا نموذجاً آخر: الطفل الذي يعيش في أسرة متدينة، وليس فقط متدينة بل وتتقن التربية؛ لأنه ليست كل أسرة متدينة تحسن التربية وتربي بطريقة صحيحة، حين ينشأ الطفل في أسرة متدينة تحسن التربية يأتي إلى المدرسة التي تعتبر أول تجربة له مع عالم مفتوح، بغض النظر عن تجربته مع المجتمع قبل المدرسة فهي تبقى تجربة محدودة من خلال علاقاته العائلية، وتبقى غالباً لها صلة وثيقة بثقافة الأسرة وبتربية الأسرة؛ لأن هناك في الغالب قدراً من الانتماء الفكري والقيمي والثقافي بين الأسرة والمحيط المجاور، من خلال الأقارب ومن خلال أخواله وأعمامه، فيبقى التغيير محدوداً، حتى حينما يحتك بالشارع يبقى التغيير محدوداً من خلال نوعية الجيران الذين يحتك بهم، ولكن حين يأتي إلى المدرسة فيجد في فصله 35 طالباً ينتمون إلى أسر متفاوته، وتربية مختلفة، وأنماط اجتماعية مختلفة، وشرائح اقتصادية مختلفة، وثقافات مختلفة، فينتقل نقلة أخرى تصدمه، فهو سيبدأ باختيار أصدقاء، كيف سيختار الأصدقاء؟ هو تلقائياً من خلال تلك القيم التي غرستها عنده الأسرة سيجد أنه يتناغم مع هذا النوع دون ذاك، فيجد أن الأصدقاء المحافظين الذين لا يسمع منهم كلمة بذيئة، ولا يرى منهم سلوكاً بذيئاً يجدهم أقرب إليه، وأكثر تناغماً معه فيميل إليهم.

    أما الطفل الآخر الذي اعتاد على سلوك عدواني وسلوك متمرد فإنه يميل إلى تلك الفئة التي تناسبه، والطفل الآخر الذي لم يهذب سلوكه فاعتاد على اللغة غير المهذبة، وعلى الألفاظ السوقية، وعلى الأخلاق والسلوكيات الشاذة، يتجه تلقائياً إلى اختيار أصدقائه ممن يتناسب مع طريقته وتفكيره ونظرته للأمور.

    إذاً: فالأسرة هنا أسهمت في غرس هذه القيم في الطفل وصار يتصرف من خلالها من حيث لا يشعر، فيحكم على الناس من خلال ما تلقاه، نظرته إلى معلمه لا تنفك عن نظرة الأسرة إلى الآخرين وتقويم الأسرة للآخرين، القيم التي تغرسها الأسرة عنده للرجل الفاضل وكذلك بالنسبة للفتاة للمرأة الفاضلة المحافظة، والإنسان بطبيعته لا ينظر إلى الأمور نظرة محايدة، يعني: كل المواقف التي تراها وتنظر إليها تمر إليك من خلال قناة، هذه القناة تقوم بعملية فلترة لهذه المواقف، فلا تنظر أنت للمواقف نظرة محايدة، ولا تنظر للأشخاص نظرة موضوعية وتحكم عليهم بحكم موضوعي، وإنما هذه النظرة تمر من خلال تلك القناة التي تمثل إطارك المرجعي الذي تشكل من خلال التربية الأسرية، ثم بعد ذلك التربية المدرسية تعدل وتطور في هذا الإطار، هذا الإطار المرجعي الذي تشكل عندك يتحكم في محتوى ما تتلقاه، في أحكام ستصدرها على الناس، وفي نظرتك للأمور، ولهذا أنت لا تنظر إلى الأمور كما هي، بل تنظر إليها من خلال إطارك المرجعي، ومن خلال القيم والمفاهيم والموازين التي اكتسبتها، فحكمك على الناس وتقييمك لهم ونظرتك لهم، فضلاً عن حكمك على السلوكيات المقبولة أو الشاذة، كل هذا ليس حكماً موضوعياً وليس حكماً محايداً كما يقال، إنما هو حكم يمر من خلال هذه القناة التي تقوم بإعادة فلترة هذه المواقف بإصدار أحكام عليها ما بين شخص مقبول وغير مقبول، أو سلوك مقبول وغير مقبول.

    والسلوك بحد ذاته مجرداً من هذه القيم يبقى سلوكاً محايداً تتفاوت أحكام الناس بالنسبة له، فالذي يعده بعض الناس سلوكاً مقبولاً آخرون يعدونه سلوكاً شاذاً، وقس على ذلك الأشخاص الذين يعجب بهم فئة من الناس لا يعجب بهم آخرون، من أين نتلقى نحن هذه الأحكام؟ من خلال هذا الفلتر، ومن خلال هذا الإطار المرجعي الذي شكلته الأسرة، ثم لما جاء إلى المدرسة بدأت المدرسة تتحكم فيه بحيث تزيد وتنقص، وتعدل فيه وتقوم، المهم أن الأسرة شكلت هذه القيم التي ينظر من خلالها الطفل، وتنظر من خلالها الفتاة، وينظر من خلالها المراهق والمراهقة، بل والأب بعد ذلك إلى الأمور كلها، ومن ثم فهو لا ينظر إلى المجتمع ولا ينظر إلى الحوادث نظرة محايدة وإنما ينظر إليها من خلال إطاره المرجعي، بغض النظر عن كون هذا الإطار المرجعي يتفق مع الرؤية الشرعية أو لا يتفق، وبغض النظر عن حجم الاتفاق والاختلاف، فكل إنسان عنده إطار مرجعي، وهذا الإطار مكون من خليط ما بين قضايا أملاها عليه الدين -وقد يكون دينه صحيحاً أو باطلاً- وبين أمور اجتماعية وثقافية وأسرية عائلية، كل هذه شكلت هذا المنظار الذي ينظر من خلاله إلى الآخرين.

    ربما كنت استطردت في هذه النقطة لكن أرى أنها نقطة مهمة، وتبين لنا فعلاً خطورة الرسالة التربوية للأسرة، وأيضاً تبين لنا في المقابل الفرصة العملية التي يمكن أن نستثمرها في تربيتنا الأسرية.

    الأسرة هي الميدان الحقيقي لإشباع الطفل بحاجاته النفسية

    تاسعاً: الأسرة ميدان لإشباع الحاجات النفسية والاجتماعية، هناك حاجات نفسية واجتماعية مهمة للطفل وحتى للمراهق، فهو يحتاج إلى الحب، يحتاج إلى التقدير، يحتاج إلى الانتماء، يحتاج إلى الهوية، يحتاج إلى المسئولية، هناك حاجات كثيرة، أين الميدان الحقيقي لإشباع هذه الحاجات؟ الميدان الأول هو ميدان الأسرة، وسنشير إن شاء الله حينما ننتقل إلى الإجابة على الشق الثاني كيف أن الأسر غير المستقرة تترك أثرها في تربية أولادها حين ذلك.

    الأسرة أكثر حرصاً على أفرادها

    عاشراً: الأسرة أكثر حرصاً وانضباطاً في الغالب، مهما كانت الأسرة فإنها تحرص على أطفالها، حتى الآباء الذين عندهم نوع من الانحراف والتقصير كثير منهم لا يتمنى أن يكون أولاده مثله، والأمهات كذلك، فالأب دائماً يتمنى أن يكون ابنه خيراً منه، بل قد تراه يقول له بلسان المقال: إنني قد وقعت في هذه المشكلة، وقد وقعت في هذا السلوك السيئ، ولا أتمنى أن تكون مثلي، بل أتمنى أن تكون أفضل مني، بخلاف المؤسسات التربوية الأخرى.

    لهذا كله كنا بحاجة إلى أن نعيد الاعتبار للأسرة ولرسالتها التربوية، والاهتمام بالأسرة ورسالتها التربوية ليس شأن المسلمين وحدهم اليوم، بل حتى المجتمعات الكافرة تدرك الخطيئة الكبرى التي ارتكبتها حين هدمت هذه المؤسسة، وأكتفي بهذه العبارة التي يقولها مفكر غربي مشهور: لقد ارتكب المجتمع العصري غلطة جسيمة باستبدال تدريب الأسرة بالمدرسة استبدالاً تاماً، ولهذا تترك الأمهات أطفالهن بدور الحضانة، نعم كانت غلطة عظيمة وشنيعة ينبغي أن يعيها المسلمون حتى لا نبدأ من حيث انتهى الآخرون.

    1.   

    العوامل الأسرية التي تؤثر على الطفل

    ننتقل بعد ذلك إلى الإجابة على السؤال الثاني: كيف يمكن أن تفعِّل الأسرة وتؤدي رسالتها التربوية؟ وقبل أن أجيب على هذا التساؤل سأشير باختصار إلى بعض العوامل الأسرية التي تؤثر على الطفل وهي عوامل نستطيع أن نتحكم بقدر كبير منها، أول هذه العوامل:

    حجم الأسرة: فحجم الأسرة له أثر على تربية الطفل، مثلاً: الطفل الوحيد لأبويه غالباً ما يحاط برعاية تزيد عن الحاجة، ولهذا تصبح علاقات هذا الطفل بغيره على أساس أهمية مصالحه، وتظهر عنده الأنانية وحب السيطرة.. إلى آخره، بخلاف الطفل مثلاً الذي ينشأ في أسرة كثيرة الأطفال، فهذا غالباً يميل إلى النموذج السوي باعتبار أنه تعامل مع خليط وفئة عديدة من الأطفال، وباعتبار أن الحيز المتاح له من الاهتمام والديه به يبقى محدوداً باعتبار أنه توزع بين هذا العدد من الأطفال.

    تركيب الأسرة: من حيث وجود الأبوين، أو وجود الأب وحده، أو الأم وحدها، أو كونه يعيش مثلاً عند زوجة والده، أو يعيش عند زوج والدته، هذا له أثره، كذلك من حيث نسبة الذكور إلى الإناث، وترتيب الطفل بينهم، ولهذا نجد دائماً أن المرشد الاجتماعي يسأل عن معلومات عن الطفل أول ما يدخل المدرسة، وهذه المعلومات ليست من باب العبث، فهو يسأل عن حجم الأسرة، وترتيب الطفل بين أفراد أسرته، وترتيبه بين الذكور أو بين الإناث.. إلى آخره، هذا له أثر على الطفل وتنشئته وتربيته، كما أن انسجام أفراد الأسرة له أثر كبير على تنشئة الأطفال، فإذا وجد الأطفال في أسرة تعيش في جو تعاوني بعيد عن الخلافات والمشاحنات، فهذا يجعلهم أكثر استقراراً وأبعد من الانحراف والتأثر، ولهذا دلت بعض الدراسات على أن 75% من حالات الجنوح تحصل في أسر ضعيفة أو منعدمة التماسك.

    1.   

    كيف تؤدي الأسرة رسالتها؟

    أنتقل بعد ذلك إلى الإجابة على السؤال كيف، كيف تؤدي الأسرة رسالتها؟ ربما أشرنا إلى جزء من الإجابة على هذا السؤال حين أجبنا على السؤال الأول (لماذا؟)، فلم أحرص على أن يكون حديثنا عن أهمية الرسالة التربوية في الأسرة حديثاً مقتصراً على الإقناع بأهمية الرسالة فنحن ندركها جميعاً، وإنما حرصت على أن أختار من بين ما أشرت إليه ما يمكن أن نستثمره في تطوير أداء الرسالة التربوية للأسرة.

    أهمية التعامل مع الأسرة على أنها مؤسسة اجتماعية

    أولاً: ينبغي أن نتعامل مع الأسرة على أنها مؤسسة اجتماعية، وينبغي أن يسهم المجتمع في تعزيز دور الأسرة، وأن ننظر على مستوى المجتمع على أن قضية الأسرة ليست قضية تعني الأب والأم وحدهما، لا، ليست تعني هذا الرجل وتلك المرأة، إنما هي قضية تعني المجتمع، إن المجتمع حين يهمل الاعتناء بالأسرة، فإنه لن يجلب المخاطر على ذرية رجل وامرأة، وإنما سيجلب المخاطر إلى المجتمع بأسره، فالمجتمع حين يعتني بالأسرة وحين يعزز دور الأسرة فإنه سيختصر كثيراً من الخطوات، وسيحل كثيراً من المشكلات الاجتماعية، ولهذا فالحديث عن الأسرة ينبغي أن لا يكون مقتصراً على قطبي الأسرة وهما الأب والأم، فالأمر يعنيهما بدرجة مهمة ويعني بدرجة أهم المجتمع، المجتمع هو المسئول عن إتاحة الفرصة لبناء الأسر السليمة المستقيمة، المجتمع هو المسئول عن التحكم في العوامل والمؤثرات التي يمكن أن تقلص من دور الأسرة، ومن ثم فلترتقي أسرنا لتؤدي رسالتها التربوية لا بد أن نوسع نظرتنا إلى الأسرة، فننظر إليها على أنها مؤسسة تعني المجتمع، ومن ثم فأهل الرأي في المجتمع وأهل الفكر في المجتمع والمؤسسات التربوية والمؤسسات الاجتماعية اليوم ووسائل الإعلام ينبغي أن تضع هذا الأمر في الاعتبار: ماذا قدمت الأسرة على المستويين؛ على مستوى المطلب المحدود الذي يعني الأب والأم، وعلى مستوى مطلب المجتمع ككل؟ وحين تختار أسرة ما أن تسير على خلاف ثقافة المجتمع فإنها لا تجلب الضرر لها وحدها بل تجلب الضرر للمجتمع ككل، المجتمع الذي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه مثل السفينة حين يخرق فيها خرق يغرق المجتمع كله.

    الأسرة التي تخرج شاباً منحرفاً طائشاً هل يقتصر العناء على هذه الأسرة وحدها، أم يتجاوز ذلك إلى المجتمع؟ الأسرة التي تخرج فتاة منحلة هل يقتصر أثر ذلك على الأسرة نفسها، أم أن ذلك يتجاوز إلى المجتمع؟ ومن ثم فالمجتمع ينبغي أن يطور نظرته، وأن يتعامل مع الأسرة ومع مؤسسات الأسرة على أنها قضية تعني أباً وأماً وتعني أيضاً المجتمع بأسره، ومن ثم فهو مسئول على أن يقدم للأسرة الإمكانات والخبرات التي تعينها على الارتقاء برسالتها، وهو مسئول عن تطوير أداء الأسرة، وهو مسئول عن حماية الأسرة من المؤثرات، ثم هو أيضاً بمؤسساته لا يسوغ له أن يتبنى أي اتجاه يهدم تأثير الأسرة، ولعله أن يأتي مزيد حديث بهذه القضية.

    ضرورة أن تكون النظرة التربوية نظرة شمولية

    ثانياً: لا بد من الشمول في النظرة التربوية، فالتربية حتى بمفهومنا الشرعي ليست مجرد أمر بالصلاة ونهي عن المنكر والفحشاء، وهذا أمر لا شك هو الأساس والأصل، لكنها أبعد من ذلك، إنها تبدأ أولاً بغرس الإيمان والتقوى في النفوس حتى تميل النفوس إلى حب الصلاة، وإلى حب الخير والطاعة، وإلى كره الفساد وأهله، ثم هي بعد ذلك تعلم ما يجب وما يحرم، وما يسوغ وما لا يسوغ، ثم هي بعد ذلك تربي على محاسن الأخلاق ومعالي الأمور، ثم هي تعتني بالجانب النفسي والاجتماعي والصحي، وترى أنها كلها منظومة واحدة يؤثر بعضها على بعض، ويتأثر بعضها ببعض، إن الحالة الدينية للشاب لا تنفك عن حالته النفسية، فالشاب الذي يعيش في أسرة لا تعطيه الإشباع النفسي والاجتماعي ولا تلبي حاجاته ربما يكون شاباً منحرفاً حتى إن نظرته للدين والمتدينين ستتأثر بهذا الحرمان النفسي والاجتماعي الذي عايشه، ولهذا نرى المربي الأول صلى الله عليه وسلم يرعى هذا الاعتبار، وأجتزئ هنا أمثلة يسيرة:

    ما هي قرة عين النبي صلى الله عليه وسلم؟ الصلاة، قرة عين النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة، الوقت الذي يجد فيه النبي صلى الله عليه وسلم السعادة والطمأنينة هو في الصلاة؛ ولهذا كان إذا حزبه أمر صلى الله عليه وسلم فزع إلى الصلاة، كان يصلي صلى الله عليه وسلم -وليس يصلي وحده وإنما كان يؤم أصحابه- فأتى أحد أولاده الحسن أو الحسين فارتقى على ظهره صلى الله عليه وسلم فأطال السجود فاستبطأه أصحابه، ثم لما انصرف سألوه، فقال صلى الله عليه وسلم: (إن ابني هذا ارتحلني فكرهت أن أقوم حتى يقضي حاجته)، النبي صلى الله عليه وسلم المعلم الواعظ البليغ المربي كان وهو يخطب في أصحابه وهم خيار الناس وخيار القوم يأتي الحسن ويتعثر، فيترك خطبته صلى الله عليه وسلم ثم ينزل من المنبر فيحمله ثم يعود إلى خطبته فيقول: (إن ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين).

    إذاً: أولئك الذين عاشوا تربية تراعي هذا الجانب، وتلبي هذه الحاجات، وتنمي لديهم الثقة في النفس، وتنمي لديهم هذه القدرات والمهارات التي يحتاجون إليها، وتحقق عندهم الإشباع النفسي والعاطفي، خرجوا جيلاً قاد البشرية وأثر في البشرية.

    إذاً: فلا بد أن تتسع الدائرة التي ننظر من خلالها إلى مسئوليتنا التربوية، وألا تقتصر على مجرد الأمر والنهي، أو مجرد أن نعلمه الأحكام الشرعية وننهاه عما لا يسوغ له أن يفعله وإن كان هذا واجباً ومتحتماً ومتعيناً.

    يقول أحد التربويين الغربيين والحكمة ضالة المؤمن: لا تظنوا أنكم تربون الطفل عندما تتحدثون إليه فحسب أو ترشدونه أو توجهونه، بل إنكم تربونه في كل لحظة من حياتكم حتى وأنتم غير موجودين في البيت، ومما له أهمية: كيف تلبسون ثيابكم، وكيف تتحدثون مع الآخرين وعن الآخرين، وكيف تعاملون الأصدقاء والأعداء، وكيف تسرون وتضحكون.

    ضرورة السعي في زيادة الخبرة التربوية لدى الآباء والأمهات

    ثالثاً: لا بد من السعي لزيادة الخبرة التربوية من قبل الآباء والأمهات، وهذا يمكن أن يتم من خلال القراءة، وللأسف فإننا نكاد لا نقرأ كآباء وأمهات ما يتعلق بشئون التربية، إن المرأة ربما تقرأ في كتب الطبخ، والرجل يقرأ في قراءات كثيرة تهمه لكنه قلما يقرأ ما يعنيه في تربية أولاده ويعينه على ذلك.

    أيضاً: استشارة المختصين، والاستفادة منهم، ومجالستهم ومعاشرتهم، فإنهم يمكن أن يختصروا علينا خطوات كثيرة: كذلك استثمار اللقاءات العائلية التي كثيراً ما نلتقي فيها ونجتمع فيها، فعادة يلتقي الآباء بالآباء، والأمهات بالأمهات، لكن هذه اللقاءات كثيراً ما يدار فيها الحديث فارغ المضمون والحديث غير المفيد، ولو اجتزأنا جزءاً من وقت هذه اللقاءات لنتحدث فيه عن هموم أسرنا وعن تربيتنا لاستفدنا كثيراً، وكم ممن هو دونك في العلم يملك خبرات وعلوماً لا تملكها أنت، وما زال الأكابر يستفيدون من الأصاغر.

    الاستفادة من تجارب الآخرين في مجال التربية

    رابعاً: الاستفادة من تجارب الآخرين، هناك تجارب كثيرة في التربية يمكن أن ترقى بخبراتنا ومهاراتنا، لكن مع الحذر من التعليم الخاطئ، قد تكون هناك تجربة نجح فيها فلان من الناس لا تنجح فيها أنت، وقد تكون تجربة نجحت فيها أنت لا أنجح فيها أنا؛ لأن التجربة لا يمكن أن تفصلها عن شخصية المربي، ولا عن البيئة التي يعيشها، ولا عن الشريحة التي يتعامل معها، وهذا لا يعني أن لا نستفيد منها، لكن يمكن أن نستفيد من كل هذه التجارب مع الحذر من التعميم، فحين نريد أن نعمم ينبغي أن نتأكد من مدى انطباق هذه التجارب على واقعنا.

    إذاً: القراءة، واستشارة المختصين، واستثمار اللقاءات العائلية، والاستفادة من تجارب الآخرين، كلها مما يمكن أن يزيد من خبرة الأسرة.

    الاعتناء بالاستقرار الأسري

    خامساً: لا بد من الاعتناء بالاستقرار الأسري، وقد أشرنا قبل قليل إلى أثر الاستقرار الأسري على الانحراف وعلى الاستقامة، وأثره على سلوك الأطفال، وحينما نطالب بالاعتناء بالاستقرار الأسري فنحن نطالب بذلك على مستويين:

    المستوى الأول: على مستوى المجتمع، فالمجتمع ينبغي أن يسعى إلى تحقيق الاستقرار الأسري من خلال تقديم الخدمات الاجتماعية، ومن خلال مراعاة ذلك في الأنظمة، فأنظمة العمل التي تحكم علاقات الناس لا ينبغي أن ينظر إليها نظرة مادية بحتة، بل ينبغي أن نتساءل ونحن نضع أنظمتنا، سواء النظام المقنن الذي يصبح قانوناً ونظاماً يلجأ الناس إليه، أو النظام العرفي الذي نتعارف عليه، ينبغي أن نضع في الاعتبار أثر هذه الأنظمة على الاستقرار الأسري، هناك بعض أنظمة العمل تعزل الأب عن أسرته، حيث تتعامل مع الأب على أنه آلة، إذا كان يصح في العالم الغربي أن يعمل الأب لساعات طويلة بعيداً عن أسرته فأظن أننا ينبغي أن نعيد النظر في هذا الأمر، وأرى أنه ينبغي أن نضع حداً أدنى لا نسمح لأحد بتجاوزه لما يقدمه من عمل ولو كان هذا يؤدي إلى مزيد من الإنتاج والثراء بالنسبة له أو بالنسبة للمجتمع، فإن العبرة ليست بالمادة ولا بالمقياس المادي، إن الخلل التربوي يكلف المجتمع مبالغ مالية باهظة حين ينحرف فرد من أفراد المجتمع، فالفرد حين يكون مدمناً يكلف المجتمع في علاجه الصحي، وفي علاجه النفسي والاجتماعي، بل المدمن حين يقع في جريمة يكلف المجتمع تكاليف مادية في سجنه وبعد سجنه، فلو حسبنا التكاليف المادية لرأينا أن التربية حتى بالمنظور المادي تختصر علينا خطوات كثيرة، وأننا لا ينبغي أن نتعامل مع الإنسان على أنه آلة.

    إذاً: فالمجتمع ينبغي أن يسعى إلى تعميق الاستقرار الأسري من خلال تقديم الخدمات الاجتماعية، ومن خلال الأنظمة التي يضعها المجتمع، سواء أكانت أنظمة مقننة أو أنظمة عرفية يتعارف عليها المجتمع، ثم من خلال المؤثرات الإعلامية السيئة.

    ودعوني أضرب على ذلك مثالاً واحداً: المسرحيات التي تراها الأسر اليوم صباح مساء، ما هو أثرها على هدم استقرار الأسرة؟ المسرحية عبارة عن مجموعة ممثلين يقفون على خشبة المسرح، فيعيشون في صورة مثالية، المرأة تبدو أمام زوجها أولاً بمظهر لا تبدو عليه حتى وهي في بيتها في الواقع، والرجل كذلك، طريقة التعامل، الحوار، العلاقات.. إلى آخرها، ما أثر هذه المشاهد المتكررة على الأسرة؟

    ثم المشاهد التي تتحدث عن الخلافات الزوجية والطلاق والمشكلات وكأنها وسيلة لتطبيع التفتت الأسري باعتباره ظاهرة طبيعية غير شاذة، ناهيك عن وسائل الإثارة التي تحدث أثراً غير مباشر، فالرجل الذي يرى صورة فاتنة في وسائل الإعلام ربما يقوده ذلك إلى مواقعة الفساد والبحث عن ما وراء ذلك، وكذلك المرأة، وهذا من أعظم ما يهدم ويؤثر على الأسرة.

    كذلك المسرحيات والتمثيليات التي تصور أم الزوجة على أنها أكبر عدو للزوج، وعلى أنها أكبر مشكلة تواجهه، وكيف يستطيع الزوج أن يتخلص ويتهرب من حماته، بل ربما ارتكب الجريمة للتخلص منها، وقل مثل ذلك فيما يتعلق بالمرأة، كل هذه تعطي رسالة وترسخ قيماً تؤثر على استقرار الأسرة، فمن مسئولية المجتمع أن يحد من هذه المؤثرات السيئة، وأن يقيم ما يراه من مؤثرات كمجلات المرأة والأسرة اليوم، والفقرات التي تقدمها وسائل الإعلام عبر القنوات الفضائية، وعبر شبكة الإنترنت من هنا وهناك، فكل هذه تهدم بنيان الأسرة وتزلزل استقرارها، والمجتمع مسئول عن الحد من هذه المؤثرات حتى يحمي الأسرة.

    إذاً: هذا المستوى مستوى محافظة المجتمع على استقرار الأسرة.

    المستوى الثاني متعلق بالأسرة نفسها، حيث ينبغي أن يشعر الآباء والأمهات أن الاستقرار الأسري لن تعود ثمرته عليهم هم وحدهم وإنما ستعود الثمرة بعد ذلك على الأبناء والبنات، بل وعلى المجتمع كله الذي سيجني ثمرة هؤلاء، ومن ثم لا بد من أن يسعى الزوجان إلى تقوية الاستقرار الأسري، والتضحية والتحمل في سبيل تحقيق مثل هذا الهدف.

    ضرورة توفير الوقت الكافي للأسرة من قبل أفرادها

    سادساً: لا بد من زيادة الوقت المتاح للأسرة، قلنا: إن الأسرة تملك وقتاً واسعاً وكبيراً تتعامل فيه مع أولادها، لكن اليوم ثمة عوامل كثيرة استغرقت جزءاً كبيراً من وقت الأسرة، ودعوني أضرب على ذلك ثلاثة أمثلة سريعة:

    التلفزيون: الأسرة تجتمع على طعام العشاء أو في جلسة الشاي أمام شاشة التلفزيون، وهذا يعني أنهم سيجتمعون صامتين ينظرون جميعاً إلى هذه الشاشة، هذا الوقت كان من الممكن أن يشغل بالحديث بين أفراد الأسرة، وهذا الحديث له أثره، فهذا الوقت الذي تعتقد فيه الأسرة أنها قضته مجتمعة في الحقيقة هي لم تقضه مجتمعة إنما قضته أمام ما يسميه بعض التربويين المجمع المفرق، جمعهم أبداناً وفرقهم عقولاً وأرواحاً.

    السائق: كم يأخذ من وقت الأسرة، اعتاد الأب أن يوصل أطفاله إلى المدرسة، وأن يوصلهم إلى هنا وهناك، ثم جاء السائق فصار يكفيه مئونة ذلك، وهذا ربما يوفر علينا وقتاً ويحل لنا مشكلة، لكن كم هو الوقت الذي يقضيه الولد مع السائق، هذا الوقت كان من الممكن أن يقضيه مع والده، ومثل هذا لا يخفى أثره النفسي والاجتماعي في تقوية الصلة بين الأب وأولاده، وأثره التربوي كذلك ففي الطريق يشاهد الأولاد مواقف وتمر بهم أمور تستحق التعليق، وتستحق التقويم، فماذا نتوقع من هذا السائق أن يغرسه في نفوس الأولاد؟!

    الخادمة التي تبقى مع الصغار وتأخذ منهم وقتاً طويلاً، بل ربما تقوم بإعداد الطعام لهم، وتقوم بتنظيفهم ومساعدتهم في ارتداء اللباس، وترعاهم في هذه المرحلة الخطيرة المهمة التي يحتاجون فيها إلى العطف، وإلى الحنان، وإلى الإشباع العاطفي الذي حرموه بسبب هذا الوافد الغريب، ولا أريد أن أستطرد في هذا، لكن أقول: هذه الثلاثة نماذج من الوقت الذي سرق من الأسرة وهي مع بعضها، يعني: الوقت الذي يأخذه السائق وتأخذه الخادمة ويأخذه التلفزيون، كان من الممكن أن يكون مع الأسرة جميعاً أو مع الأب أو مع الأم، فما بالك بما سوى ذلك.

    فهذا يدعونا إلى أن نزيد من الوقت المتاح للأسرة، فعلى الأب أن يعيد النظر في الفترة التي يغيبها عن منزله، سواء من حيث طول الوقت الذي يقضيه خارج المنزل، أو من حيث موقع هذا الوقت الذي يقضيه في المنزل من البرنامج اليومي، فالوقت الذي تقضيه في المنزل وأطفالك نائمين لا قيمة له، بعض الآباء يقضي وقتاً طويلاً في العمل، ثم يأخذ عملاً إضافياً أو ينشغل بارتباطات اجتماعية هنا وهناك فلا يرى أطفاله ولا يرى أسرته إلا نادراً، وقل مثل ذلك أيضاً في الأم، فالأم قد تعمل، وقد تنشغل، وقد ترى أن الخادمة تكفيها المئونة، فتتنازل عن جزء من وقتها للخادمة.

    أيضاً ينبغي ألا نسمح لأولادنا أن يقضوا معظم وقتهم خارج المنزل، لا بد من أن يكون هناك وقت يلتزم الأولاد بقضائه داخل المنزل مع الأسرة، لا بد إذاً من أن نزيد الوقت المتاح للأسرة، سواء الوقت الذي تكون الأسرة موجودة فيه فعلياً أو الوقت الذي نحسبه نحن على الأسرة وهو ليس محسوباً على الأسرة وقد أخذته العوامل الأخرى كما أشرنا قبل قليل.

    إعطاء الأولوية للأسرة

    سابعاً: لا بد أن نعتبر الأسرة أولوية في أمور كثيرة، ولابد من أن نعيد تقويم عمل المرأة اليوم في ضوء مهمة الأم، ولا بد من أن نبتعد عن العقدة التي تجعل عمل المرأة مطلباً لذاتها.

    أظن أن قضية الموقف من عمل المرأة قضية واضحة وقضية لسنا بحاجة إلى تقريرها، لكن حديثنا اليوم عن عمل المرأة هل هو حديث موضوعي يمليه واقع المجتمع فعلاً أم هو حديث وافد من العالم الآخر؟ ألسنا نسمع كثيراً ونقرأ أن المرأة تقول: حصلت على شهادة ثم علقتها على الرف.

    إذاً: هل العمل غاية في حد ذاته للمرأة، أم أنه حين تكون هناك حاجة لعمل المرأة يصبح عملاً منتجاً؟ ثم لماذا نأتي إلى الخادمة التي تذهب إلى بيت وتعمل بأجر ونعتبرها امرأة عاملة، وتصنف في معيار العمل الذي تتبناه الأمم المتحدة على أنها امرأة عاملة، وأن المرأة التي ترعى أسرتها وتربيها وتقوم بأضعاف هذا الدور لا تعتبر عاملة؛ لأنها لا تتلقى على ذلك أجراً؟

    أقول: ينبغي أن نتجاوز الحساسية التي نتعامل فيها مع هذه الأمور، وأن ننظر إلى عمل المرأة نظرة موضوعية، وأن تتساءل المرأة حين تعمل: ما أثر العمل على أسرتها وعلى أطفالها؟

    لا اعتراض على عمل المرأة بشرطين: أن يكون له حاجة، وأن يكون في ظل الضوابط الشرعية، قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ [القصص:23]، فهما ذكرتا أنهما محتاجتان إلى العمل لأن أباهما شيخ كبير، وأنهما التزمتا بالحشمة فلا تسقيان حتى يصدر الرعاء، فإذا تحقق هذان الشرطان لا اعتراض على العمل، لكن أيضاً ينبغي حينما تقوِّم المرأة رغبتها في العمل أن تنظر إلى هذا الأمر وهذا الاعتبار: ما أثر العمل على تربيتي لأطفالي وأسرتي؟ وينبغي أن تكون الأسرة أولوية، أن تكون أولوية في عندنا في اختيار السكن، وأن تكون أولوية في اختيار طبيعة العمل الذي يتجه إليه الأب، وهناك ارتباطات وقضايا أخرى كثيرة، المهم أن تكون الأسرة أولوية وليس كما هو الواقع اليوم أنها تأتي في آخر اهتماماتنا.

    الاعتناء بالمشكلات الاجتماعية التي تواجه الأسرة

    ثامناً: لا بد من الاعتناء بالمشكلات الاجتماعية من خلال:

    أولاً: أن نحتوي المشكلات الاجتماعية قبل أن تقع ونقلل من أثرها.

    ثانياً: تهيئة البديل، فحين يوجد شباب أو فتيات يعانون من مشكلات اجتماعية يجب أن توجد لهم المدرسة بديلاً، وأن يوجد لهم الدعاة والمربون بديلاً يخفف على الأقل من أثر المشكلات الاجتماعية، وقد أشرنا إلى شيء من ذلك قبل قليل.

    أخذ الجانب التربوي بعين الاعتبار عند تعدد الزوجات

    تاسعاً: لا بد من اعتبار الجانب التربوي عند التعدد، وتعدد الزوجات أمر مشروع لا نقاش فيه، لكن ينبغي للرجل حين يفكر في أن يعدد أن ينظر إلى أثر ذلك على التربية، وأن تتحقق فيه الشروط التالية:

    أولاً: لا بد من أن يعتبر ضمن القدرة على التعدد، فالذي لا يستطيع أن يربي أولاده يعتبر غير قادر على التعدد، وهذا أمر شرعي لا بد أن يضعه في الاعتبار، حين لا يستطيع أن يرعى أولاده ويربيهم ينبغي له أن يتوقف عن مثل هذا المشروع.

    ثانياً: لا بد أن يحسن التعامل مع التعدد، نحن أحياناً نمارس التعدد بطريقة خاطئة، فنحسن التعامل معه بما يتناسب مع التربية، من خلال مراعاة أول شرط وهو شرط العدل؛ لأنه حين يخل الزوج المعدد بالعدل فسيترك أثره ذلك على أولاده.

    ثالثاً: الوقت الذي يصرفه لأولاده، سواء الأولاد جميعاً أو هنا أو هناك.

    رابعاً: الزوج المعدد يختار السكن الذي يتناسب مع زوجته الأخرى فهذا مطلب ربما يكون منطقياً بالنسبة للزوجة، لكن بالنسبة لإشرافه هو على أولاده ورعايتهم ربما يكون مناسباً.

    خامساً: دور الزوجة وحكمتها، فالزوجة حين تبتلى بزوج معدد ينبغي لها أن تكون حكيمة في التعامل مع هذا الواقع، ألا تكوِّن عند أولادها نظرة سلبية تجاه والدهم، ألا تؤثر هذه النظرة، أن تجعل مشكلتها مع زوجها ومشكلتها مع هذه الضرة الوافدة قضية تخصها، فلا تظلم أولادها ولا تؤثر عليهم من خلال نقلهم إلى مثل هذا الواقع.

    أعرف أن هذه النقاط الثمان التي ذكرت غير كافية في الإجابة على هذا السؤال (كيف نرتقي بالأسرة لتؤدي هذه الرسالة؟) لكن هذا قدر ما يسمح به هذا الوقت، ولعلنا أن نكون من خلال هذا الحديث قد أجبنا على هذين السؤالين: لماذا الأسرة اليوم مدعوة إلى أن تسعى لتعزيز الرسالة التربوية؟ ثم كيف تحقق ذلك؟ وما ذكرناه لا يعدو أن يكون أمثلة ونماذج.

    أسأل الله عز وجل أن يهب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين، وأن يجعلنا للمتقين إماماً، وأن يصلح ذرياتنا وأزواجنا إنه سميع مجيب، وأترك ما تبقى من وقت للإجابة على بعض الأسئلة.

    1.   

    الأسئلة

    بعض الكتب المختصة بتربية الأبناء

    السؤال: حبذا لو ذكرتم لنا بعض الكتب التربوية المتخصصة في الجانب الأسري، وكذلك المحتوية على بعض الحلول العملية لمشاكل الأطفال؟

    الجواب: كتب التربية الأسرية كثيرة ومتنوعة في كافة المجالات، فهناك كتب تعتني بالأطفال، وهناك كتب تعتني بالمراهقين، وهناك كتب تعتني بتربية الفتاة، وهناك كتب تعتني بتربية الشاب والابن، فربما لا نستطيع في هذه العجالة أن نذكر نماذج لمثل هذه الكتب، وأظن أنك حينما تزور أي مكتبة فإنك ستجد العديد من هذه الكتب المناسبة.

    بعض الكتب التي تصف الحلول العملية لمشاكل الأطفال هناك كتب كثيرة ركزت على مشاكل الأطفال، أولاً: الكتب التي اهتمت بتربية الأطفال جزء منها يتناول هذا الجانب، وهناك بعض الكتب منها سلسلة حول المشكلات السلوكية للأطفال، عن الكذب والسرقة والجنوح. والتلفزيون، وغير غيرها من المشكلات التي يمكن أن يواجهها الأطفال فهي سلسلة جيدة وموجهة يمكن أن تفيدنا في مثل هذا الأمر.

    كيفية التعامل مع الولد الناشئ بين بنات والعكس

    السؤال: ما هي الوسائل التربوية المناسبة للتعامل مع الولد الذي ينشأ بين أخواته البنات؟

    الجواب: هذه القضية لا نستطيع أن نتحكم فيها، ولا شك أنه إذا كان عدد الأطفال أقل سيتيح فرصة تربوية أكثر، لكن هذا لا نتحكم فيه بل النبي صلى الله عليه وسلم أمر بكثرة النسل، وقال: (إني مباه بكم الأمم يوم القيامة)، كذلك تربية الابن بين جماعة من البنات والعكس، فالابن حينما ينشأ وحيداً؛ ليس له إخوة يتأثر بجو البنات أو العكس، والحل لذلك أنه يمكن أن نوجد له علاقات مع بعض أقاربه من أبناء عمه أو أبناء خاله فيقضي معهم وقتاً أكثر حتى ينمو بطريقة اجتماعية صحيحة كونه يعيش بين البنات وحده فيتأثر والعكس كذلك بالنسبة للبنت.

    أثر الزواج المتأخر في تربية الأولاد

    السؤال: هل لكبر سن الأب أو الأم أو الزواج المتأخر أثر في تربية النشء؟

    الجواب: نعم له أثر من حيث الحمل نفسه، وله أثر من حيث نضج الشخص، ولا شك يعني حين يأتيه الأطفال على كبر سن يختلف حين يأتيه الأطفال وهو في سن الشباب، ولهذا نجد مثلاً أحياناً بعض كبار السن الذي يأتيه آخر الأطفال وهو كبير السن لا يتعامل معه تعاملاً متزناً، فيعطيه قدراً من الاهتمام أكثر من غيره وهذا يترك أثراً سيئاً بالنسبة له.

    كيفية التعامل مع الطفل الذي يصدر عنه سلوكيات خاطئة

    السؤال: يقوم الطفل أحياناً بسلوكيات خاطئة فكيف يغير هذا السلوك، مع العلم أني أمنعه من أشياء لمدة يوم أو يومين ثم ما ألبث أن أتراجع عن ذلك؟

    الجواب: أولاً: هناك قدر من سلوك الأطفال يجب أن نعده في إطار الطبيعي، فلا ننتظر منهم أن يكونوا نموذجاً مثالياً، هذه طبيعتهم، فينبغي أن نتقبل قدراً مما نرفضه، ثم أيضاً إتاحة البديل، ووضع الفرص، والاستفادة من اللعب وتوجيهه تربوياً يمكن أن يقلل كثيراً من مثل هذه المواقف التي تستدعينا إلى أن نغضب على أطفالنا.

    الفرق بين الانترنت والبث المباشر من حيث الأثر في تربية الأولاد

    السؤال: ما هو الفرق بين الإنترنت والبث المباشر وأثرهما في تربية النشء؟

    الجواب: هناك جوانب لصالح الإنترنت والعكس، البث المباشر غالباً التحكم فيه محدود، يعني: الشخص أمام الشاشة لا يمكنه إلا أن يغير القنوات فقط، وغالباً يركز على الإثارة والإغراء أكثر من المادة الثقافية وهو اتصال من طرف واحد، أما الإنترنت فمجال الاختيار فيها واسع، ما بين سيئ وما بين صالح، فسيئها أسوأ مما في القنوات، وصالحها ربما لا يوجد في غيرها، كما أن فيها تفاعل، فهي من جهة فيها فرص أفضل وفيها مخاطر أكثر.

    دعوة المجتمع إلى رعاية الأسرة لا يعني أنها ليست جزءاً من مكوناته

    السؤال: أنت حملت المجتمع مسئولية الأسرة، أليست الأسرة هي أساس المجتمع، فلماذا لا تكون الأسرة مسئولة عن المجتمع بالقدر نفسه؟

    الجواب: ليس هذا خروجاً عن هذا التوجيه، وأظن أن كل حديثنا هو جزء من محاولة أن نقوم بجزء من مسئولية الرعاية للأسرة، لكن لا ننظر إلى المجتمع على أنه مجموعة أسر فقط، إنما هو مجموعة أسر، ثم هناك قيم اجتماعية، وروابط اجتماعية، وهناك عوامل أخرى ليس فقط هو مجرد مجموعة أفراد، فالمجتمع عدة أفراد، لكن الأفراد كلهم أيضاً لا يشكلون المجتمع بل أضف إلى ذلك طبيعة العلاقات الاجتماعية، وأثرها، فهي تولد علاقات أخرى، وتولد طريقة تفكير، وتولد عوامل أخرى لها أثر، ثم إن المجتمع في علاقاته وصفاته يختلف عن الأسرة بهمومها التي غالباً تتمحور حول ذاتها.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755794394