إسلام ويب

من سير الصالحاتللشيخ : محمد سالم الدوسري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • في هذا الزمن المليء بالفتن، لابد للمرأة التي تريد النجاة لنفسها من عذاب الله، أن تبحث عن سبيل النجاة، لينقذها مما أحاط بها. وإن من السبل النافعة -بإذن الله- بعد الرجوع إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، التمثل بسير من سبق، وجعلهم قدوة تحرص المرأة على تتبع آثارهم، وخاصة النساء الأوائل اللائي سطرن أمجاداً ومواقف بأحرف من نور في خدمة هذا الدين.

    1.   

    صور من سير الصالحات

    إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    أما بعد:

    فيا أيها الإخوة والأخوات: يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الدنيا كلها متاع، وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة) رواه مسلم .

    لقد كرم الإسلام المرأة تكريماً ما مر عليها في تاريخ الأمم جميعاً، فأي تكريم للمرأة أرفع من تكريم الإسلام، حين يضعها الأم التي يجب برها، والبنت التي تجب رعايتها، والزوجة التي يجب إحسان عشرتها، والأخت التي تجب صلتها؟!

    أي تكريم للمرأة فوق أن يسمي الله عزَّ وجلَّ سورة من كلامه باسم النساء، وسورة أخرى باسم امرأة؛ مريم ؟!

    أي تكريم للمرأة أجلَّ من أن القرآن كان ينـزل في مخدع عائشة ؟!

    أي تكريم أعلى من أن يُنزل الله قرآناً في براءة امرأة؟!

    أي تكريم أسمى من أن يتولى الله عزَّ وجلَّ تزويج امرأة بنفسه؟!

    وما التأنيث لاسم الشمس عيبٌ     وما التذكير فخر للهلال

    فأنتِ -أيتها المرأة!- نصف الأمة، ثم إنك تلدين لنا النصف الآخر، فأنتِ أمة بأسرها.

    صَنَعْتُنَّ ما يُعيي الرجال صنيعه     فزِدْتُنَّ في الخيرات والبركاتِ

    أيها الإخوة والأخوات: في زمن عظمت فيه الفتنة في النساء وبالنساء، فنطق فيه دعاة الضلال مطالبين بتحرير المرأة؛ مطالبين بتحريرها من عفتها وديانتها، وبتحريرها من حجابها وسترها، ومطالبين أيضاً بخروجها من بيتها، واختلاطها بمن لا يحل لها؛ لتَفْتِنَ وتُفْتَن، فتخرج لتدخل.

    نعم، تخرج من بيتها لتدخل أوحال الرذيلة، وتخرج من سترها لتدخل مستنقع الفساد، مع ما تتقيؤه وسائل الإعلام المرئي منها والمقروء والمسموع، من فساد، وانحلال، وعري، ومجون، وإثارة للغرائز، وبث للشبهات.

    في هذا الزمن المليء بالفتن كان لا بد للمرأة التي تريد النجاة لنفسها من عذاب الله، أن تبحث عن سبيل نجاة ينقذها مما أحاط بها، وإن من تلك السبل النافعة لها -بإذن الله- بعد الرجوع إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم: سبيل النظر في حياة من سبق زمناً وفضلاً.

    إن تقليب النظر في حياة الصالحين من الرجال والنساء، لمن أعظم الوسائل التي تعين العبد والأمَة على الاستقامة والثبات، وصدق الله حيث قال: وَكُلّاً نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ [هود:120].

    قال بعض الأخيار: اليوم جلوسك مع الأموات خير من جلوسك مع الأحياء.

    ويعني بالجلوس مع الأموات: القراءة في كتب سِيَر الصالحين، والأحياء: هم الأصدقاء والزملاء الذين تجالسهم.

    وصدق في مقولته؛ لأن الغالب على مجالسنا اليوم هو: الكلام فيما لا ينفع، وهذا إذا سلمت مما يضر، ولله در القائل:

    والله يعلم ما قلَّبتُ سيرتهم     يوماً وأخطأ دمع العين مجراهُ

    أيها الإخوة والأخوات: سِيَر الصالحات، إنها صور من حياة أولئك الخيرات المؤمنات، إنهن نساء عرفن الله فأحببنه؛ فأحبهن الله، نساء عرفن قيمة الحياة الدنيا، وأنها رخيصة وحقيرة، ومن رخصها وحقارتها: أن ينام محمد صلى الله عليه وسلم أفضل خلق الله على الحصير حتى تؤثر أعواد الحصير في جنبه الشريف، ويُبكي ذلك المشهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

    من رخصها وحقارتها: أن يمر الهلال والهلال والهلال ولا يوقد في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم نار.

    من رخصها وحقارتها: أن يمر الشهر والشهران، ولا يوجد في بيت محمد صلى الله عليه وسلم إلا الأسودان: التمر، والماء، وفي المقابل: كسرى وقيصر، أهل الجحود والنكران، والفساد والطغيان، ينامان على الحرير، ويفترشان الديباج، ويأكلان ألذ المطاعم، وأحسن المشارب. وما ذاك إلا لأنها حقيرة.

    عرفنَ حقيقة الدنيا أولئك النسوةُ، وأنها لا تساوي شيئاً، فشمَّرن عن ساعد الجد، فبذلن وقدمن أغلى ما يملكن لهذا الدين، بحثاً عن رضا رب العالمين.

    سارة بنت هاران

    أول تلك الصور: سارة بنت هاران ، زوجة خليل الرحمن إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام:-

    تلك المرأة التي لم يكن على وجه الأرض مسلم إلا هي وزوجها إبراهيم صلى الله عليه وعلى نبينا وسلم، يقول لها إبراهيم: والله يا سارة ! ما على الأرض مسلم غيري وغيرك.

    فكان المجتمع من حولها يعج بالكفر، والجحود، والطغيان، والفساد، أبوها كافر، وأمها كافرة، وإخوانها، وقبيلتها، بل الأرض كلها تعج بالكفر، فلم يكن ضغط المجتمع مُجبراً لـسارة على أن تسير في ركابه، بل إنها تعرف حقيقة الدنيا، وتعرف عظمة الله عزَّ وجلَّ.

    فكانت مع زوجها إبراهيم، تذهب هي وإياه داعيين إلى الله عزَّ وجلَّ، فيقفان على أرض مصر .

    وحينما وصلا إلى تلك البلاد رآها الوشاة والظلمة والطغاة، وكانت كما يقول ابن كثير: من أجمل النساء، بل إنه يقول: لم يكن قبل زمنها ولا في زمنها من هو أجمل منها؛ ولكن جمالها لم يدفعها لتفتن شباب حيها، أو شباب مجتمعها؛ لأنها تعلم أن هذا الجمال منحة ومنة من الله جلَّ وعزَّ، وأنها إذا لم تشكر هذه المنة والنعمة، فإن الله سيسلبها منها، فما كان منها إلا أن أخفت محاسنها إلا على زوجها.

    فلما رآها الوشاة ذهبوا إلى الطاغية في ذلك الزمان، وأخبروه أن هناك امرأة لا تصلح إلا لمثلك، فقال: ائتوني بها.

    فلما جاءوا بـسارة ، وأدخلها ذلك القصر العظيم، ورأت تلك النعمة، ورأت شيئاً لم ترَ مثله قبلُ لم يفتنها هذا؛ لأنه كما أسلفتُ كانت تعلم قيمة الحياة الدنيا، وأن ما عند الله خير وأبقى.

    فأدخلها في حجرته، يريد أن يفعل بها الفاحشة، يريد أن يفعل بالنقية الطاهرة ما حرم الله.

    فلما أدخلها وأغلق الأبواب ولا أحباب ولا أصحاب، ولم يكن هناك إلا الله رب الأرباب، قامت تلك المرأة، ووقفت تدعو وترفع يديها، يدان طالما رُفِعَت في جوف الليل تستجدي جود الله عزَّ وجلَّ، وتستمد من كرمه سبحانه وتعالى، فرفعت يديها، ثم قالت: اللهم إنك تعلم أني أسلمتُ لك، اللهم اكفنيه بما شئتَ. فيرتفع الخطاب، ويخترق السحاب، إلى أن يكون بمسمع من رب الأرباب، فيأتي الجواب أسرع من الخطاب، فتغوص قدم الكافر في الأرض.

    فقال: أطلقيني ولا أقرب.

    فقالت: اللهم إن يمت يقولوا: هي قتلته. فأخرج الله رجله.

    فأراد أن يقرب؛ لأنه يرى جمالاً لا صبر له عليه، ولا طاقة له به، ثم ترفع يديها وتستجدي جود الله، أن يكف شر هذا الظالم، فما تنتهي من دعائها إلا ويأتي الجواب، فتغوص قدم الكافر، ثم قالت: اللهم إن يمت يقولوا: هي قتلته، اللهم أطلقه، فأطلقه الله عزَّ وجلَّ.

    فأراد أن يقرب مرة ثالثة، فرفعت يديها ودعت ربها، فغاصت قدم الكافر مرة ثالثة، ثم أطلقه الله عزَّ وجلَّ، ففتح الأبواب، وقال: خذوها، لم تهدوا لي امرأة، وإنما أهديتم لي شيطاناً، ثم أرسلوها.

    فجاءت فإذا إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام يصلي، يسأل الله أن يفك عرضه من هذا المجرم، وأن يحمي عرضه من هذا الطاغية، فلما أقبلت عليه التفت إليها وقال: ما الخبر؟

    قالت: احمد الله عزَّ وجلَّ، سلمني الله عزَّ وجلَّ منه، وأخدمني وليدة.

    وتلك الوليدة هي: هاجر ، أمنا بني العرب.

    فهذه امرأة يُستفاد من قصتها: صدق اللجوء إلى الله، وصدق النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: (تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة).

    هاجر أم إسماعيل

    أخذ إبراهيم تلك الوليدة هاجر ، أم إسماعيل.

    فلما وضَعَتْه رضيعاً جاء أمر الله عزَّ وجلَّ لإبراهيم: أن يا إبراهيم! اذهب إلى الحجاز وضع تلك المرأة وذلك الصبي في أرض الحجاز ، وكانت في ذلك الوقت أرضاً مقفرة، لا شجر، ولا ماء، بل حتى الكعبة ليست موجودة.

    فأخذ إبراهيم زوجه وفلذة كبده إسماعيل الذي ما أتى إلا على كِبَر، فذهب بهما تنفيذاً لأمر الله واستجابة له، فيضع تلك المرأة ووليدها في تلك الجبال السوداء، وفي ذلك الوادي، رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ [إبراهيم:37].

    فيضع ذلك الصبي مع أمه في ذلك الوادي، لا أنيس، ولا جليس، ثم يدبر مولياً، فتقوم هاجر وتتعلق في طرف ثوبه: يا إبراهيم! لمن تتركنا؟! فما ردَّ عليها.

    يا إبراهيم! لمن تتركنا؟! فما ردَّ عليها.

    يا إبراهيم! لمن تتركنا؟!

    وفي الثالثة أو الرابعة قالت: يا إبراهيم! آلله أمرك بهذا؟

    فقال: نعم.

    قالت: اذهب فإن الله لن يضيعنا.

    ووالله ما ضيعها الله جزاء هذه الكلمة التي قالتها -اذهب فإن الله لن يضيعنا- فحفظها الله بهذه الكلمة.

    أي يقين ملأ قلب هذه المرأة؟! وأي توكل ملأ فؤادها؟!

    وأنت إذا أردت أن تعرف مقدار ما هي فيه من الوحشة إذا ذهبت إلى مكة منطلقاً سواء من جدة أو الطائف ، انظر إلى تلك الجبال السوداء، في الليل المظلم وأنت رجل، لو وُضِعتَ بين جبلين لهالك ذلك المنظر، ولأفزعتك تلك الظلمة، فكيف بامرأة وحيدة، لا أنيس ولا جليس؛ لكنه الإيمان حين تخالط بشاشتُه القلوب.

    وتمضي فترة وينفد الزاد، وينفد الماء، والأم تموت ثم تموت ولا ترى طفلها أمام عينها يتلبط من الجوع أو يتلمظ من العطش، لو كان عليها هي لكان هيناً؛ لكن أن ترى هذا الطفل يريد الماء فلا يجد، فتنطلق من حر ما بها إلى الصفا، وكان من أكبر الجبال في ذلك الوقت.

    فتصعد الصفا، ثم تنظر يميناً وشمالاً، حتى كاد اليأس أن يقطع قلبها، فلم ترَ إلا سواد الجبال، وسراب الحر، ثم تنزل منطلقة إلى المروة، شوطاً وشوطين وثلاثة وأربعة وخمسة أشواط وستة أشواط وفي الشوط السابع تصعد ذلك الجبل، ثم تنطلق إلى الجبل الآخر، والله عزَّ وجلَّ ينظر إليها من فوق سبع سماوات، وهي تسعى بين ذينك الجبلين، وهي التي قالت ما قالت قبل فترة، حيث قالت: اذهب فإن الله لن يضيعنا، ثم في الشوط السابع وهي على المروة، سمعت صوتاً، فقالت لنفسها -وإلاَّ ليس عندها أحد-: صَهْ، تسكِّت نفسها؛ لأنها لم تعهد صوتاً في ذلك الوادي.

    فماذا كان جزاء تلك الكلمة؟! وماذا كان جزاء ذلك اليقين والتوكل؟!

    أولاً: أن ينزل جبريل أكرم الملائكة، وقد كان بالإمكان أن ينزل غير جبريل؛ لكن تكريماً لهذه المرأة لا ينزل إلا أكرم رسل الله، فينزل، ثم يضرب الأرض بجناحه، فتنبع ماءً.

    ثانياً: أن يخرج الله لهذه المرأة ماءً معيناً لا ينفد إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

    ثالثاً: من كرامة الله عزَّ وجلَّ لهذه المرأة حين قالت ما قالت: أن الله لا يقبل حج مسلم ولا مسلمة، ولا عمرة مسلم ولا مسلمة، حتى يسعى في مسعى هذه المرأة، وحتى يمشي ممشى هذه المرأة، تكريماً لها، جزاء إيمانها ويقينها.

    خديجة بنت خويلد

    صورة ثالثة: خديجة .

    وما أدراكم ما خديجة !

    أحب نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قلبه.

    قال ابن الأثير : خديجة أول خلق الله أسلم بإجماع المسلمين. أول من أسلم من الرجال والنساء والموالي والأطفال: خديجة بنت خويلد رضي الله عنها وأرضاها، زوجة نبينا صلى الله عليه وسلم، وأم أولاده.

    خديجة وقفت في أول الدعوة عضداً وسنداً للنبي صلى الله عليه وسلم، حتى إن العام الذي ماتت فيه هي وأبو طالب سُمِّي بـ(عام الحزن)؛ لحزنه عليها صلى الله عليه وسلم.

    كان يحبها، حتى تقول عائشة : (ما غرتُ من أحد من نساء النبي صلى الله عليه وسلم مثلما غرتُ من خديجة ، وهي تحت التراب؛ وذلك لِمَا كان يكثر من ذكرها عليه الصلاة والسلام، وكان إذا ذبح شاة وزَّع بعض لحمها على صديقات خديجة؛ تكريماً لها. وفي يوم من الأيام قلتُ: يا رسول الله! أنت تكثر من ذكر خديجة، وقد أبدلك الله خيراً منها، قالت عائشة رضي الله عنها: فغضب النبي صلى الله عليه وسلم غضباً حتى تمنيت أنا الأرض تنشق وتبتلعني، ثم قال صلى الله عليه وسلم: تلك امرأة رزقني الله حبها...) الله عزَّ وجلَّ هو الذي وضع حب خديجة في قلب محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأنها كانت نعم المعين، يأتيها صلى الله عليه وسلم ترجف بوادرُه، خائفاً يقول: (زَمِّلُوني.. زَمِّلُوني! دَثِّرُوني.. دَثِّرُوني! ويقول: يا خديجة ! إني خشيتُ على نفسي، فتقول له: كلا، والله لا يخزيك الله أبداً، إنك لتصل الرحم، وتقري الضيف، وتكسب المعدوم، وتعين على نوائب الحق).

    إنها عرفت برجاحة عقلها أن صاحب هذه الصفات لا يخزيه الله أبداً. ويوم جاءها بالرسالة كانت أول من استجاب.

    يقول: (... يا عائشة ! تلك امرأة رزقني الله حبها، صَدَّقَتْني إذ كَذَّبني الناس، وآوَتْني إذ طَرَدَني الناس) والمعنى: كيف لا أحب من كانت هذه صفاتها؟!

    خديجة رضي الله عنها وأرضاها ماذا كان جزاء إيمانها؟

    في الصحيحين : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أتاني جبريل فقال لي: يا رسول الله! هذه خديجة أتتك بإناء فيه طعام، فإذا أتت، فأخبرها أن الله يقرئها السلام -الله يسلم على خديجة !- وأني أقرئها السلام، وبشرها ببيت في الجنة من قصب -والقصب هو اللؤلؤ المجوَّف- لا تعب فيه ولا نصب، فلما أقبلت، تبسم صلى الله عليه وسلم وقال: يا خديجة ! أتاني جبريل آنفاً فقال لي: إن الله يقرئك السلام، قالت: هو السلام، ومنه السلام، قال: وجبريل يقرئك السلام، قالت: وعليك وعلى جبريل السلام، ويبشرك ببيت في الجنة من قصب، لا تعب فيه ولا نصب).

    هذا جزاء الإيمان, وجزاء الدعوة إلى الله، والوقوف مع الدعاة، فجزاؤه مثل جزاء خديجة رضي الله عنها وأرضاها.

    الصديقة بنت الصديق

    رابع تلك الصور: الصديقة بنت الصديق ، حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، زوجة نبينا في الدنيا والآخرة، الفقيهة الربانية، المبرأة من فوق سبع سماوات.

    مات عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن أقام معها تسع سنوات، وحين مات صلى الله عليه وسلم ما كانت تخطو بعد إلى السنة التاسعة عشرة، إلا أنها ملأت أرجاء الأرض علماً وفقهاً، حفظت من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ما لم تحفظه امرأة من نسائه، وروت عنه ما لم يرو مثله أحد من الصحابة، إلا أبو هريرة, وعبد الله بن عمر رضي الله عنهم.

    قال الذهبي في سير أعلام النبلاء : لا أعلم في أمة محمد صلى الله عليه وسلم، بل ولا في النساء مطلقاً أعلم منها، ونشهد -والكلام للذهبي- أنها زوجة نبينا صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة.

    فهل فوق ذلك مفخر، فهذا علمها.

    أما عبادتها: فيقول ابن القاسم : أنها رضي الله عنها وأرضاها كانت تصوم الدهر ولا تفطر، إلا يوم الأضحى، أو يوم الفطر، يعني بذلك: العيدين.

    وعن عروة قال: [كنتُ إذا غدوتُ -يعني: ذهبتُ مبكراً من بيتي- أبدأ ببيت عائشة رضي الله عنها فأسلم عليها، فغدوتُ يوماً، فإذا هي قائمة تصلي وتقرأ قول الله عزَّ وجلَّ: فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ [الطور:27] وتدعو وتبكي، وترددها، فقمتُ حتى مللتُ القيام -يعني: وقفتُ حتى مللتُ من الوقوف- فذهبتُ إلى السوق لحاجتي، ثم رجعتُ فإذا هي قائمة كما هي، تصلي وتبكي].

    وقال عروة : [بعث معاوية مرةً - معاوية بن أبي سفيان - إلى عائشة بمائة ألف درهم، فقسمتها، فلم تترك منها شيئاً، فقالت لها مولاتها بريرة : أنتِ صائمة، فهلاَّ ابتعتِ لنا منها بدرهم لحماً؟! -هلاَّ اشتريتِ لحماً بدرهم من هذه المائة ألف؟!- قالت: لو ذكرتني لفعلتُ] سبحان الله! مائة ألف تُنفق في يوم واحد، وفي أي شيء: أفي حطام الدنيا الفاني؟! أفي الخرق والذهب؟! كلا، بل تنفق لتبقى، إنها تعمل بما تعلم، وتطبق ما تسمع، ألم يقل لها رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم من الأيام حين ذبح شاة ورجع يسألها عنها، قالت: (ذهبت الشاة كلها، ولم يبقَ إلا كتفها، فقال عليه الصلاة والسلام: بل بقيت كلها إلا كتفها) والمعنى: أنها تصدقت بالشاة، ولم يبقَ إلا الكتف، فقالت: ذهبت كلها، قال: كلا، إن الذي تصدقت به هو الذي يبقى، والكتف الذي عندك هو الذي ذهب.

    ومع ذلك رضي الله عنها وأرضاها كانت عظيمة الخوف من الله، ففي مرض موتها دخل عليها ابن عباس -ولتعلمي أُخَيَّة أن النبي صلى الله عليه وسلم قد بشرها بالجنة، وقال لها: (أنتِ زوجتي في الجنة)- فقال لها: [أبشري فما بينك وبين أن تلقي محمداً صلى الله عليه وسلم والأحبة إلا أن تخرج الروح من الجسد، كنتِ أحب نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه، ولم يكن عليه الصلاة والسلام يحب إلا طيباً، وسقطت قلادتكِ -يذكرها بأعمالها الصالحة- ليلة الأبواء ، فاحتبس الناس يبحثون عن قلادتك، حتى أصبحوا في منزلهم، فأصبح الناس ليس معهم ماء، فأنزل الله آية التيمم: فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً [النساء:43]، وكانت هذه الرخصة لهذه الأمة بسببك يا عائشة! وأنزل الله براءتك من فوق سبع سماوات، جاء بها الروح الأمين، فأصبح ليس مسجد من مساجد المسلمين يُذكر الله فيه إلا تُتلى فيه آناء الليل وآناء النهار، فقالت -واسمع ما قالت-: يا بن عباس ! دعني منك ومن تزكيتك، فوالله لوددتُ أني كنتُ نسياً منسياً].

    أي خوف ملأ هذه الطاهرة، مبشرة بالجنة، وتود أنها لم تكن؟! فما بال نساء اليوم وقد تُوُعِّدْن بالنار، فلا يخفن منها، يقول عليه الصلاة والسلام: (رأيتُكُن أكثر أهل النار).

    وقال عليه الصلاة والسلام: (صنفان من أهل النار ... وذكر منهما: نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات، رءوسهن كأسنمة البُخت).

    حفصة بنت عمر

    الصورة الخامسة: حفصة بنت عمر ، أم المؤمنين، زوجة نبينا صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة.

    وفي يوم من الأيام حصل بينها وبين النبي صلى الله عليه وسلم خلاف، فطلقها طلقة واحدة، فمن الذي يدافع عنها، المعلوم والمعروف عند الناس أن المرأة إذا طُلِّقت يُدافع عنها أبوها، أو إخوانها، أو قبيلتها، أما حفصة ، من الذي يدافع عنها؟

    لما جاءت لأبيها عمر ، تقول: (يا أبت! لقد طلقني رسول الله صلى الله عليه وسلم. أخذ يحثو على رأسه ويقول: ويحكِ! أغضبتِ رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! والله ما يبالي الله عزَّ وجلَّ بكِ ولا بأبيكِ...) هذا هو الدفاع عنها، يوبخها على ما فعلت؛ لأنه يعلم منزلة رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الله، فمن الذي يدافع عن حفصة ؟

    إنه الله رب العالمين.

    لما طلقها رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل جبريل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (يا محمد! إن الله يأمرك -بماذا يأمره؟!- أن تراجع حفصة ...) ، ولِمَ؟ ما السبب؟

    أتظن أن السبب لأن ثيابها تأتي بها من خارج الجزيرة ؟!

    أتظن أن السبب لأنه ليس في الجزيرة امرأة مثل جمالها؟!

    أتظن أن السبب في المراجعة أن وسائل الزينة التي تستخدمها تأتي من خارج الجزيرة ؟!

    ألأن عندها فساتين ليس في المدينة امرأة عندها مثلها؟!

    كلا! أبداً، فهذا ميزان أهل الدنيا، أن يقيموا الناس بما عندهم من المتاع الفاني، أما ميزان الله عزَّ وجلَّ فليس هذا، (... إن الله يأمرك أن تراجع حفصة ، فإنها صوَّامة قوَّامة...) فسبب المراجعة أنها عابدة، صوَّامة أي: كثيرة الصيام، قوَّامة أي: كثيرة القيام، فامرأة هذا شأنها وهذا حالها لا يُفرَّط فيها أبداً، (... إن الله يأمرك أن تراجع حفصة ؛ فإنها صوَّامة قوَّامة، وإنها زوجتك في الجنة) وفي هذا إشارة ألا تطلق يا رسول الله؛ لأنها زوجتك في الجنة أيضاً.

    أم حبيبة: رملة بنت أبي سفيان

    الصورة السادسة: أم حبيبة ، رملة بنت أبي سفيان.

    لا إله إلا الله! يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ [الروم:19] أبوها: أبو سفيان ، أكبر كفار قريش، ولم يكن هناك حرب بعد بدر تقاد ضد النبي صلى الله عليه وسلم والإسلام، إلا كان هو رئيسها وفي مقدمتها، وابنته رملة أم حبيبة، انظر ماذا يكون شأنها:

    آمنت وأسلمت لله رب العالمين، فآذتها قريش، فهاجرتْ إلى الحبشة مع زوجها عبيد الله بن جحش .

    قالت -وتحكي قصتها-: (لما ذهبنا إلى الحبشة رأيتُ رؤيا، وهي: أن زوجي عبيد الله دخل في النصرانية ، قالت: فلما أصبحتُ كان ما رأيتُ، أتاني زوجي عبيد الله في ديار الغربة، وقال لها: إني نظرتُ في الأديان، فلم أجد ديناً خيراً من النصرانية ، وإني داخل فيها، فهيا معي ندخل في النصرانية ، قالت: ويحك! ويحك! هاجرتُ وتركتُ الأهل والأوطان، والأحباب والإخوان، وتغربتُ في هذه الديار فراراً بدين محمد صلى الله عليه وسلم، ثم أتركه وأدخل معك في النصرانية ؟! لا والله، قالت: فدخل في النصرانية ، وأخبرتُه بالرؤيا، فلم يبالِ، ثم أكب على الخمر، فشَرِب وشَرِب حتى ثَمِل، ثم مات متنصراً مخموراً -والعياذ بالله، فآلَمَها وأوجعها حال زوجها مع حالها في هذه الغربة؛ ولكن فرج الله قريب- قالت: فما انتهت العدة، إلا وتدخل عليَّ أمة مخصصة للنجاشي وهي تبشرني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل إلى النجاشي يخطبك، ويريدك رسول الله أن تكوني زوجة له، قالت: فوالله ما وسعتني الفرحة، فأعطيتها كل ما أملك، حتى إن ذهباً كان في رجليَّ، أخرجته وأعطيتُه إياها، فرحةً بهذا الخبر ...) وهذا تعويض من الله، وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى [طه:132] ، إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ [يوسف:90] . (... قالت: فوكَّلتُ خالد بن سعيد بن العاص رضي الله عنه كي يزوجني، قالت: فحضر النجاشي وكيلاً عن النبي صلى الله عليه وسلم في الزواج، قالت: فزوجني من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأعطاني الصداق، مهراً كثيراً، فاستدعيتُ الجارية التي بشَّرتني، وقلتُ لها: إني قد أعطيتكِ في ذلك الوقت شيئاً قليلاً، وهو كل ما أملك، فخذي هذا، قالت: لا، إن النجاشي قال: لا تأخذي منها شيئاً، وردي عليها ما أخذتِ؛ لأني أنا أمته الخاصة، قالت الأمة: وإني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإن معك أمانة، إذا جئتِ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبلغيه السلام -هذه الأمة التي كانت على دين النصرانية آمنت- قالت: وحينما جهَّزت متاعي، أريد السفر إلى النبي صلى الله عليه وسلم، لَحِقَتْنِي، وظننتُها تريد شيئاً، فقالت لي: لا تنسي حاجتي، أوصيكِ أن تسلمي على رسول الله صلى الله عليه وسلم).

    فعادت أم حبيبة من ديار الغربة بأعظم كرامة، إنها أم المؤمنين، وزوجة رسول الله رب العالمين في الدنيا والآخرة.

    ولها موقف آخر في الولاء والبراء: أبوها أبو سفيان جاء متسللاً إلى المدينة، يريد تمديد فترة الصلح مع النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يجد إلا بيت ابنته رملة فدخل عليها، وبيت ابنته هو بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما دخل البيت أراد أن يجلس على فراش النبي صلى الله عليه وسلم، فاستعجلت وسحبت البساط من تحته، قال: [ويحكِ! أرغبتِ بي عن الفراش، أم رغبتِ بالفراش عني؟! -يعني: أنتِ كرمتني ألا أجلس على هذا الفراش؟! أم كرَّمت الفراش ألا أجلس عليه؟!- قالت: لا والله، بل كرَّمتُ فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تجلس عليه وأنت كافر نجس -وهو أبوها- قال: ويحكِ! لقد أصابكِ بعدي شر]، نعم، في نظرته هو شر؛ لكن في نظرتها هي خير، إنه الإيمان، وإنه الحب في الله والبُغض في الله.

    الرميصاء بنت ملحان

    ومع صورة سابعة: إنها الرميصاء ، وقيل: الغميصاء بنت ملحان ، أم سليم ، أم أنس بن مالك رضي الله عنه وعنها.

    امرأة من أهل الجنة، مثل كريم في الصبر والدعوة إلى الله.

    إنها صاحبة أعظم مهر في الإسلام، لله درها أم أنس بن مالك ، خادم النبي صلى الله عليه وسلم! تأتي به إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، ثم تقول: (يا رسول الله! هذا أنس خادمك، فيدعو له النبي صلى الله عليه وسلم).

    وكان أنس رضيعاً في حجرها، ترضعه ثديها، وكان أبوه مالك كافراً، وكانت -وانظر إلى التربية- أم سليم تقول لابنها أنس : [يا أنس ! قل: لا إله إلا الله -وهو رضيع- قل: لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله -تردد عليه- أشهد أن محمداً رسول الله، فيدخل أبوه الكافر مالك فيقول: ويحكِ! أصبوتِ؟! مِلْتِ عن دين آبائك وأجدادك؟! قالت: كلا، والله ما صبوتُ؛ ولكني آمنتُ بالله ورسوله، قال: إذاً لا تفسدي عليَّ ولدي، قالت: إني لا أفسده؛ ولكن أعلمه كلمة التوحيد].

    هذه المرأة شأنها عجيب، وأمرها غريب عمَّن لم يدخل الإيمان قلبه، فعن أنس قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (دخلتُ الجنة البارحة، فإذا أنا بـالرميصاء امرأة أبي طلحة ).

    وهي صاحبة أعظم مهر في الإسلام، خطبها أبو طلحة وهو مشرك، فقالت: [مثلك من الرجال لا يُرد يا أبا طلحة ؛ ولكنه لا ينبغي لي أن أتزوجك؛ لأنك مشرك وأنا مسلمة -وانظر إلى الدعوة والإقناع- أما تعلم يا أبا طلحة أن آلهتكم ينحتها عبد آل فلان، لو أشعلتم فيها ناراً لاحترقت -هذا الصنم وهذا المعبود الذي اتخذتموه من دون الله ينحته عبد آل فلان، ولو أشعلتم فيها ناراً لاحترق، والمعنى: كيف تعبدونها؟!- قال أنس : فانصرف أبو طلحة وفي قلبة ذلك الأمر، ثم أتاها وقال: الذي عرضتِ عليَّ قد قبلتُ، فأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، قالت: هذا صداقي يا أبا طلحة ، لا أريد صداقاً غيره -فما أعظمه من صداق!- يقول أنس : فما كان لها مهر إلا الإسلام].

    أما صبرها الجليل، وإيمانها الشامخ، فيبدو في هذه الحادثة:

    قال أنس بن مالك رضي الله عنه: (مرض أخٌ لي من أبي طلحة -بعدما تزوجها أبو طلحة بعد إسلامه أنجبت منه ولداً، فمرض هذا الولد، وهو يُدعى: أبا عمير -فبينا أبو طلحة في المسجد مات الصبي، فهيَّأت أم سليم أمره، وقالت: لا تخبروا أبا طلحة بموت ابنه، فرجع من المسجد، وقد تطيَّبت له وتصنَّعت، وأعدت له الطعام، فقال: ما فعل ابني؟ قالت: هو أسكن ما كان -وصدقت، لا يتحرك فيه شيء؛ لأنه قد مات- وقدَّمت له عشاءه فتعشى هو وأصحابه الذين قدموا معه، ثم قامت إلى ما تقوم له المرأة، فأصاب من أهله ما أصاب، فلما كان آخر الليل، قالت: يا أبا طلحة، ألم ترَ إلى آل فلان؟ فقال: ما بهم؟ قالت: استعاروا عارية فتمتعوا بها، فلما طلبها أصحابها -أصحاب العارية- شق عليهم، وأبوا أن يعيدوها، قال: ما أنصفوا، كيف يمنعوا ما ليس لهم؟! قالت: فإن ابنك فلاناً كان عارية من الله فقبضه الله إليه. فاسْتَرْجَعَ وحمد الله، وقال: تركتيني حتى تلطختُ بكِ! فذهب يشتكيها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رآه قال: بارك الله في ليلتكما) فحملت منه تلك الليلة بـعبد الله بن أبي طلحة ، ولم يكن في الأنصار شاب أفضل من عبد الله هذا، وخرج منه رجل كثير، يعني: وُلد له أبناء كُثُر، ولم يمت عبد الله هذا الذي حملت به تلك الليلة، حتى رُزِق عشرة أبناء، كلهم حفظ القرآن، وأبلى في سبيل الله.

    1.   

    شتان بين الكفر والإيمان

    أيها الإخوة والأخوات: تموت المسلمات وتموت الكافرات، تموت المؤمنات وتموت المنافقات، تموت الصالحات وتموت الطالحات، تموت المتحجبات وتموت المتبرجات؛ ولكن شتان بين من أمضى عمره في طاعة الله، وبين من أمضت عمرها في معصية الله وسخطه، كلهن يمتن؛ لكن النهاية والمقر يختلف، فليس من دخل الجنة كمن دخل النار، وليس من عاش على الطاعة، كمن عاش على المعصية أبداً، أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لا يَسْتَوُونَ [السجدة:18].. أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ [القلم:35-36] ، ليس هذا بالعدل، وليس هذا بالنصف.

    ماتت سارة بنت هاران، وهاجر أم إسماعيل، وخديجة، وعائشة، وحفصة ... وغيرهن كثير.

    وماتت امرأة نوح، وامرأة لوط، وغيرهما كثير؛ ولكن من سنوات طويلة، بل من دهور طويلة مات أولئك.

    فالأخيار والخيرات فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ [القمر:54-55] ذهبت اللذات، وذهبت الشهوات، وانتهى ما أمضوه في هذه الحياة الدنيا من متاع، فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ [التوبة:38].

    ماتت الفاجرة، وماتت المتبرجة، وماتت الساخرة، وماتت الكافرة؛ ولكن أين المصير؟ كيف حالهن الآن في القبور؟

    إنهن إحدى امرأتين:

    - إما في قبرها قد مُدَّ لها وفُسح لها مد البصر، وفُتح لها باب إلى الجنة، يأتيها من طيبها وريحها ونعيمها إلى أن تقوم الساعة.

    - وبين أخرى قد فُرش لها من النار، وفُتح لها باب إلى النار، يأتيها من حميمها وسمومها إلى أن تقوم الساعة.

    فلا طريق أسعد من طريق الطاعة، ولا راحة إلا في ذلك الطريق، ولا طمأنينة، ولا سكينة، ولا هداية للقلوب، ولا راحة لها، إلا في ذكر الله وطاعته. حُكْم من الله عز وجل أن هذه القلوب لا تطمئن ولا ترتاح إلا بشيء واحد: أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد:28].

    فإنها وصية لنفسي وإياكم أيها الإخوة والأخوات: أن نستقيم على منهج الله، وطريقته، ونتبع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فالحياة -والله- قصيرة.

    أرأيتم تلك السِّيَر؟!

    أرأيتم تلك الأخبار؟!

    إنها مرت من سنين طويلة؛ ولكن كأنها بالأمس؛ لأن الحياة كلها قصيرة، فهي مهما طالت قصيرة، ومهما عظمت حقيرة.

    فأسأل الله جلَّ وعزَّ بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى أن يجمعنا بالصالحين من عباده في مستقر رحمته.

    ونسأله جلَّ وعزَّ بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجعل جميع أعمالنا صالحة، ولوجهه الكريم خالصة، ولا يجعل لأحد فيها شيئاً، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

    والله أعلم.

    وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

    1.   

    الأسئلة

    حكم اللعن والدعاء على الأولاد وتأخير الصلاة عن وقتها وعدم طاعة الزوج

    السؤال: أكثر الدعاء على الأولاد واللعن، وأؤخر الصلاة عن وقتها، ولا أطيع زوجي في بعض الأحيان، فما حكم هذه الأفعال؟

    الجواب: هذه كلها معاصٍ، لذلك حينما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أنه رأى النساء أكثر أهل النار، سألنَه، وقلن: (لِمَ يا رسول الله؟ قال: تكفرن، قلنَ: نكفر بالله؟ قال: لا، تكفرن العشير، وتكثرن اللعن).

    أما اللعن فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عنه أحاديث كثيرة، وهذا من أخْوَفِه، خاصة على النساء، (تكثرن اللعن) فهذا سبب لورود المرأة النار، والقضية تحتاج إلى تعويد النفس، وضبطها، سواء في الامتناع عن اللعن أو الدعاء على الأولاد، أو حتى على أي شخص، دائماً الإنسان يعود نفسه أن يقول: الله يهديك .. الله يصلحك، فإذا عود نفسه على هذا يضبط أعصابه.

    مثلاً: كسر الطفل كأساً، فهل إذا دعوتِ عليه أو لعنتيه سيرجع هذا الكأس؟! أو إذا كسر طقماً من الزجاج ثمنه ألف ريال، هل إذا دعوتِ عليه أو لعنتيه سيرجع هذا؟! أبداً، الأمر انتهى، ما حدث انتهى، ثم إن الأطفال مجبولون على هذا الأمر: كثرة الحركة، وتخريب الأشياء.

    فينبغي للإنسان أن يعود نفسه ويضبط لسانه، والله عزَّ وجلَّ يعينه على هذا؛ لأن هذا أمر مجرب، فإذا عوَّد الإنسان نفسه على شيء فترة يصبح لسانه يسلك هذا: الله يهديك .. الله يصلحك، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تَدْعوا على أموالكم، ولا على أولادكم، فتصادفوا ساعة من الله، أو ساعة فيها استجابة فيستجيب الله لك) أقل شيء، بعض الناس يدعو على ولده: الله يعطيك المرض. فهذا لو أصابه هذا ماذا ستكون النتيجة؟! أو أقل من هذا: وذلك: الله لا يوفقك؟! هذه معناها عظيم، لا يوفَّق لا في دين ولا في دنيا، فانظر ماذا تكون النتيجة إذا دعا الوالد على ولده فاستجاب الله له، لا يوفَّق الولد، لذلك بعض الناس يشتكي من أولاده إذا كبروا، يقول: لا يطيعونني، ولا ينفعونني، أنت إذا رجعتَ إلى ماضي هذا الرجل وجدت أنه كان قليل الدعاء أصلاً للولد.

    ومن الثلاثة الذين لا ترد دعوتهم: الوالد على ولده، والوالد لولده، على ولده بالشر، ولولده بالخير، فلو أن الإنسان أكثر من الدعاء أن الله يصلحه، ويهديه، ويوفقه، ويقومه، ويصلحه لكان خيراً وأولى.

    أما تأخير الصلاة عن وقتها، فهذا ورد فيه وعيد من الله عزَّ وجلَّ: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ [الماعون:4-5] ، قال بعض الصحابة لابنه: [أما إنهم لا يتركونها؛ ولكنهم يؤخرونها عن وقتها] يصلون لكنهم يؤخرونها عن وقتها، و(ويل) هذه كلمة هلاك، وقيل: هي: وادٍ في جهنم، لو سُيِّرت فيه جبال الأرض لذابت من حره، هذا وهم يصلون، فما بالك بالذي لا يصلي أبداً، أو يصلي ويترك.

    فينبغي للإنسان أن يستعين بالله عزَّ وجلَّ، وهل بقي من الدين شيء غير الصلاة؟!

    وهل هناك أعظم من الصلاة؟!

    إذا فرطت المرأة أو الرجل في الصلاة ماذا بقي من الدين؟!

    لم يبق شيء.

    ولا أطيع زوجي في بعض الأحيان: لا شك أن طاعة الزوج واجبة، ومحتمة على المرأة، وقد ورد فيها أحاديث كثيرة لا يتسع المجال لذكرها؛ لكن منها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لو أنه امتلأ قيحاً من رأسه إلى أخمص قدميه ثم لحسته بلسانها لا توفي حقه) أو كما قال صلى الله عليه وسلم. (ولو أمرتُ أحداً أن يسجد لأحد، لأمرتُ المرأة أن تسجد لزوجها؛ لما له عليها من الحق) .. . (إذا أطاعت المرأة زوجها، وصلت فرضها، وصامت شهرها، وحفظت فرجها دخلت من أي أبواب الجنة شاءت).

    وينبغي للرجل أيضاً أن يحسن إلى زوجته، ولا يأمرها بما لا تستطيع، ويقدر ظروفها، فالنساء عندهن أمراض، وعندهن حمل، وثقل، وتعب، فينبغي إحسان العشرة كما قال الله عزَّ وجلَّ: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [النساء:19].

    معنى كاسيات عاريات مائلات مميلات

    السؤال: نرجو توضيح أصناف النساء التي لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها، وخاصة: المائلات المميلات!

    الجواب: هذه ورد فيها تفسيرات، قيل: المائلات: تميل في مشيتها، وتتمايل لتجذب أو تلفت الأنظار.

    ومميلات: أي: مميلات لقلوب الرجال إليهن بما يلبسن من لباس فاتن.

    كاسيات عاريات: هي: التي تلبس وكأنها لا تلبس، كما ترون الآن في الأسواق وفي المحلات، وكأن المرأة لا تلبس شيئاً، بعضهن تلبس بنطالاً، وبعضهن تلبس عباءة كأنها فستان مخصر على جسدها، وهؤلاء قد يدخلن في هذا الحديث.

    الأمور التي تساعد المرأة على اللحاق بركب الصالحات

    السؤال: ما هي الأمور العملية التي تساعد المرأة في الوقت الحاضر على اللحاق بركب الصالحات؟

    الجواب: أولاً: العزم، نحن نعرف كثيراً ونعلم كثيراً؛ لكن القضية هي قضية تطبيق. العزم وقوة الإرادة والحزم مع النفس، يعني: النفس تريد أن تنام عن صلاة الفجر، فإذا حزم الإنسان مع نفسه: كيف تنام عن صلاة الفجر؟! ماذا يساوي لذة في النوم عشر دقائق عن صلاة الفجر؟ ماذا تساوي في غمسة في جهنم؟ لا تساوي شيئاً أبداً.

    فيحزم الإنسان مع نفسه: يا نفس أنتِ تريدين الراحة؟ الراحة ليست هنا، الراحة في الجنة، أعظم الناس نعيماً، أعظم الناس ملكاً لا يستريح في الدنيا؛ لأن الدنيا ليست دار راحة، فهي مبنية على الهم والغم والنكد والتعب والوصب؛ لذلك لا تجد إنساناً مرتاحاً في هذه الدنيا، بل تجده في هم وغم إلا من أطاع الله عزَّ وجلَّ، فإن الله ينـزل السكينة في قلبه, ويزيده إيماناً.

    أغنى الناس وأفقر الناس كلهم سواء، تجد أغنى الناس مهموماً مغموماً؛ لأنه ما زاد دخله، يخاف على المال الذي عنده أن يذهب، ولو ذهب ماذا يفعل؟ ولو نقص كيف ستكون حياته وقد تعوَّد على حياة معينة؛ لذلك تجده يعاني، كما ذكر ابن القيم كلاماً قريباً من هذا.

    فالأمور العملية: أن يحزم الإنسان مع نفسه، يعني: لا تعطِ نفسك هواها في معصية الله، النفس تريد أن تنظر إلى المحرمات، فامنعها كيف تنظرين إلى المحرمات وأنتِ تعرفين عاقبتها؟! لذلك يقول الله عزَّ وجلَّ: وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى [النازعات:40-41].

    ثم من الأمور العملية: أن يقبل الإنسان على هذا القرآن، فيقرؤه في الليل، وفي النهار، ويداوم على تلاوته، ويحفظ وقته من المجالس التي لا تنفع؛ وخاصة مجالس أوقات الفراغ في العمل، يعني: يكثر بين النساء في المدارس الغيبة والنميمة، والحديث فيما لا ينفع، هذا على أقل الأحوال، وإلاَّ فأكثر ما يكون غيبة الطالبات، وغيبة المدرسات، والحسد، والبغض، وكذلك أيضاً عند الرجال.

    الأمر الأول قلنا: الحزم مع النفس.

    الثاني: الإقبال على كتاب الله عزَّ وجلَّ.

    الثالث: الرفقة الطيبة: الإنسان يجعل له رفقة طيبة تعينه إذا تذكر، وتذكره إذا نسي.

    فهذه الأمور التي تحضرني الآن.

    مصير أم النبي صلى الله عليه وسلم وأبيه

    السؤال: ما هو مصير أم النبي صلى الله عليه وسلم وأبيه في الآخرة؟

    الجواب: الأسئلة التي قد لا يستفيد الإنسان منها أريد أن نتركها، فماذا نستفيد من معرفة أن أم النبي صلى الله عليه وسلم في النار؟! هل هذا ينفعنا في شيء نتعبد الله به؟!

    وهذا كمن يسأل عن الجنة -سبق أن ذكرتُ لكم هذا أو في مكان آخر- التي أهبط منها آدم هل هي الجنة التي في الآخرة، أو جنة من جنان الدنيا.

    أو من الذي قتل الآخر: قابيل قتل هابيل ، أو هابيل قتل قابيل ؟!

    ماذا تستفيد من هذا؟!

    إبليس: هل كان ملَكاً من الملائكة، أو كان من الجان؟!

    فهذا ما نستفيد منه شيئاً، ولو أنك تستفيد منه شيئاً لأنزله الله عزَّ وجلَّ في الكتاب، ووجدتَه في السنة.

    وهذا كالسؤال عن الكهف الذي نام فيه الفتية: أين هو؟! هل هو في الأردن ؟! هل هو في الشام ؟! هل هو في عُمان ؟!

    هذه أسئلة يضيع فيها وقت المجيب ووقت المستفتي.

    إذاً: يسأل الإنسان عن أشياء عملية، فالصحابة رضي الله عنهم لما قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الدجال يمكث في الأرض يوماً كسنة، ويوماً كشهر، ويوماً كجمعة، والباقي كأيام الدنيا -الصحابة ما قالوا: كيف يا رسول الله؟! متى تطلع الشمس؟! ومتى تغيب؟! أو هذا اليوم كم ساعة؟!- قالوا: كيف نصلي -يا رسول الله!- في هذا اليوم الذي كسنة، قال: اقدروا له قدره) .

    فهم يسألون عن أشياء يستفيدون منها.

    أما أم النبي صلى الله عليه وسلم فقد صح الحديث أنه عليه الصلاة والسلام دخل المقبرة مع الصحابة، فبكى، فجاءه عمر وسأله: (يا رسول الله! لم بكيتَ؟ قال: استأذنتُ ربي أن أزور قبر أمي فأذن لي -أزور قبرها- واستأذنته أن أستغفر لها فلم يأذن لي، فبكى عمر ، ولم يُرَ باكياً أكثر من ذلك اليوم) كل من في المقبرة بكوا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (استأذنتُ ربي أن أستغفر لها فلم يأذن لي، فأصابتني رقة عليها) أي: رحمتُها من النار.

    وهذا ليس فيه قدح للنبي صلى الله عليه وسلم، فأبو إبراهيم كافر، وزوجة نوح كافرة، وابنه كافر، وعم النبي صلى الله عليه وسلم الذي دعاه ودعاه ودعاه كافر، فهذا لا يقدح في النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يقدح في الداعية أن زوجته غير صالحة، أو أولاده غير صالحين، إذا بذل معهم الأسباب؛ لأن الهداية ليست بيده، إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ [القصص:56] نعم، إذا قصر الإنسان في دعوة أبنائه، أو دعوة زوجته، فهذا الذي يُلام، أما الذي بذل الأسباب، ودعا ووجه ونصح، خاصة الأبناء؛ لأنهم يخرجون عن طوع أبيهم، فبعض الناس يقول: انظر! هذا يدعو الناس وأبناؤه فسقة، أو يشربون الدخان، أو في أماكن الفساد. فهذا ليس بعيداً.

    أما أبو النبي صلى الله عليه وسلم فقد صح الحديث عند مسلم وغيره: (أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءه رجل فقال: يا رسول الله! أين أبي؟ قال: أبوك في النار، فولى الرجل، قال: فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إن أبي وأباك في النار) وإنك لتعجب من تأويل بعض الناس لهذا الحديث، حيث يقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال هذا تطييباً لخاطر الرجل، سبحان الله! الرسول عليه الصلاة والسلام يضع أباه في النار ترضية للرجل؟!

    فالصحيح: أن أبا النبي صلى الله عليه وسلم وأمه عليه أفضل الصلاة والسلام في النار، كما بيَّن هو صلى الله عليه وسلم ذلك.

    ضرورة إلزام الخادمات بالحجاب الشرعي ومنع النساء من الركوب مع السائق بمفردهن

    السؤال: أرجو أن تقدم نصيحة للإخوة والأخوات أن يجعلوا الخادمات محجبات بالحجاب الشرعي، وأن يحفظوا بناتهم من الركوب بمفردهن مع السائق!

    الجواب: هذه مشكلة، فإذا ابتُلي الإنسان بخادمة في بيته، أو جاء بها بالشروط الشرعية:

    - أن تأتي مع محرمها.

    - وأن تكون هناك حاجة لها.

    فعليه أن يلزمها بالحجاب الشرعي.

    وبعض الناس يتساهل في هذا، فهناك خادمة تأتي بالطعام وتضعه أمام الرجل أو الرجال وهي متكشفة، بل إن بعضهم يدخل عليها بثياب النوم، وإذا قلت له في ذلك قال: يا أخي! أنا نفسي لا تلتفت لهذه، ألتفت لخادمة؟! فحتى إن كنتَ لا تلتفت، هي تلتفت، فهي في قلبها مثل الذي في قلبك.

    ثم هذا -يا إخوة- من كفران النعمة، وليس هو من شكر النعمة، فالله أنعم عليك بمن يخدمك ويعينك، فهل يكون شكر النعمة أن تعصي الله عزَّ وجلَّ، وتدخل عليك كاشفة شعرها، أو حتى غير كاشفة لشعرها، بل مجرد دخولها عليك بالطعام، ثم تنحني أمامك، ثم تدبر بين يديك؟!

    هذا يغضب الله عزَّ وجلَّ، والله عزَّ وجلَّ يغار، وغيرة الله أن يأتي العبد ما حرم الله عليه.

    فننتبه لهذه النقطة، فيجب أن تحجب بالحجاب الشرعي، ثم إذا خرجت من البيت تُحَجَّب بالحجاب الشرعي أيضاً، فهي امرأة، إذا أنت لا تنظر لها، والرجل الذي من بلدك لا ينظر إليها، فهناك من ينظر إليها من أبناء جلدتها.

    فإذا ابتُلي الإنسان بامرأة هذه حالها، أو بخادمة هذه حالها، فيجب عليه أن يحجبها الحجاب الشرعي، وأن تكف محاسنها عن نظر الرجال.

    أما قولها: أن يحفظوا بناتهم من الركوب مع السائق: فهذه حالٌ تدمي القلب، حينما ترى بعض الفتيات تركب مع السائق وحدها، فيجول بها، ويصول، ثم تحدث الخلوة التي حرم الله عزَّ وجلَّ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يخلو رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما) والناس قد تساهلوا في هذا الأمر جداً. (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر إلا مع ذي محرم) فهذا تشديد من النبي صلى الله عليه وسلم، وأنا أذكر هذا؛ لأن بعض النساء تسافر معه إلى منطقة ثانية، سواء كانت تدرس، أو طالبة في منطقة ثانية، والأمر عندهم عادي ويسير، سبحان الله! أين الإيمان؟! أين الغيرة؟!

    فينبغي حفظ النساء والبنات من الخلوة.

    إذا احتاج الإنسان حاجة شديدة فإنه يجعل مع السائقُ محرماً لها، أو يجعل مع هذه المرأة نساءً أخريات، أما أن يخلو بها فإنه يقع في المحذور، خاصة إذا كانت فتاة وهو شاب، أو حتى امرأة وهو شاب، أو حتى كبير سن، فإن الشيطان لم يمت بعد، ولا يزال يحرك القلوب بعضها إلى بعض رغبة في الإفساد، فاتقوا الله في أنفسكم، واتقوا الله في نسائكم، ومن ولاكم الله عزَّ وجلَّ أمرهم.

    نسأل الله أن يرزقنا وإياكم الإخلاص في القول والعمل، وأسأله سبحانه وتعالى أن يجعل ما قلتُ وسمعتم في ميزان الحسنات يوم نلقاه, وأن يجعله ذخراً لنا، وأن ينفعنا وإياكم بما قلتُ وسمعتم.

    وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

    وجزاكم الله خيراً على حسن استماعكم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    الأكثر استماعا لهذا الشهر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756008823