إسلام ويب

لاتيأس .. قصص واقعيةللشيخ : طارق عبد الرحمن الحواس

  •  التفريغ النصي الكامل
  • هذه رسالة إلى إنسان مل من الحياة، وسئم العيش، وضاق ذرعاً بالأيام، وذاق الغصص: إن هناك فتحاً مبيناً، ونصراً قريباً، وفرجاً بعد شدة، ويسراً بعد عسر. إن هناك لطفاً خفياً بين يديك، ومن خلفك، وهناك أملاً مشرقاً، ومستقبلاً حافلاً، ووعداً صادقاً. فلا تجعل اليأس يثنيك عن هدفك الأسمى، وغايتك القصوى، فلرب ضيق يعقبه فرج قريب، فالمؤمن لا ييأس من روح الله، ولا يعتقد توقف عجلة الحياة، إلا بوضع الرحال على أعتاب جوده وكرمه تعالى.

    1.   

    قصص واقعية يشع منها الأمل

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد الأمين، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    فإن الإنسان في هذه الحياة الدنيا معرضٌ للخير والشر، فقد اقتضت سنة الله أن يختبر عباده ببعض الابتلاءات؛ ليعرف الذين يصبرون والذين لا يصبرون، وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ [محمد:31].

    وقد يكون هذا الابتلاء في الأموال بالخسران والضياع، وقد يكون في الأولاد والأقارب بموتهم وفقدهم، وقد يكون الابتلاء في الإنسان نفسه بتعرضه للمرض والجوع والمهالك، وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ [البقرة:155].

    وقد أمرنا الله تبارك وتعالى بتحمل هذه الابتلاءات مستعينين بالصبر والصلاة، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ [البقرة:153].

    وأمرنا تبارك وتعالى أن لا نيئس من رحمته، فقال تبارك وتعالى: وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ [يوسف:87].

    وقد وعـد الله الصـابرين بأحسـن الجزاء كما قال تبارك وتعالى: وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً [الإنسان:12].

    وقال: وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ [فصلت:35].

    وقال سبحانه: إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ [المؤمنون:111].

    وقد أكد الله في القرآن أن كل عُسْرٍ لا بد أن يعقبه يُسْر، فقال سبحانه: فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً [الشرح:5-6].

    وعلى الإنسان أن يعلم أن الابتلاء من الله دليلٌ على حب الله له، وأنه كلما عَظُم البلاء والاختبار عَظُم الجزاء من عند الله، ففي الحديث الصحيح يقول عليه الصلاة والسلام: (إن عِظَم الجزاء على عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط).

    وفي الحديث الآخر يقول عليه الصلاة والسلام: (ومن يتصبر يصبره الله).

    ومما لا شك فيه أن فرج الله قريب، وما على الإنسان إلا أن يبذل ما يستطيع من الأسباب المشروعة -وهذه أتمنى أن نضع عليها خطوطاً كثيرة لتُعلم أنها من أسباب رفع اليأس وقرب الفرج- في دفع البلاء، مع صدق التوجه إلى الله بالدعاء والاستغفار؛ راجياً أن يفرج كربته ويزيل ما ألَمَّ به من المصائب، وأن يلزم نفسه الصبر.

    وعلى العبد أن يفوض أمره إلى الله، مع صدق التوكل عليه، وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ [الطلاق:3].

    وعلى الإنسان أن يؤمن إيماناً قاطعاً بأن الله قريبٌ، مجيب دعوة الداعي إذا دعاه، قادرٌ على أن يذهب ما ألَمَّ به من ضيقٍ وهمٍّ مهما كان حجمه ونوعه، وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ [البقرة:186].

    الله تبارك وتعالى لا يضجر من كثرة إلحاح الملحين، ولا يمل من سماع دعوة الداعين، بل يحب ذلك من عبده.

    وربَّ نازلةٍ يضيق بها الفتى     ذرعاً وعند الله منها المخرجُ

    ضاقت فلما استحكمت حلقاتها     فرجت وكنت أظنها لا تفرجُ

    إنه من باب التبشير بفرج الله، ومشاركةً لإخواني المهمومين، وبقصد التخفيف من آلام المنكوبين، وتفريج شيءٍ من هموم الناس، وبث روح الأمل والتفاؤل في النفوس؛ تأتي هذه الخطبة لأسوق قصصاً واقعية يشهد لها ما أتى في الكتاب والسنة من أن الله يفرج على عباده، وأن اليأس قاتلٌ لكل نفسٍ على هذه الأرض، ولا بد من زرع التفاؤل والفأل، فتأتي هذه القصص مذكرةً بفرج الله، مصبرةً لأصحاب البلاء.

    نعمة الولد بعد طول انتظار

    من أنواع البلاء -أيها الإخوة-: العقم :-

    الأمومة والأبوة نعمةٌ كبرى أنعم الله بها على عباده؛ ولكن لا يشعر بهذه النعمة العظيمة إلا مَن حُرِم منها، واسألوا المصابين بالعقم عن ذلك، فلو طُلِب من أحدهم بيع كل ما يملك، وينفق كل ما لديه لما تردد لحظةً من أجل أن يعيش أجمل اللحظات في حياته مع مولودٍ يحمل اسمه، يرعاه بحنانه وحبه، ينشئه النشأة الصالحة، يرى فيه أحلامه وآماله وطموحاته، فمن وهبه الله هذه النعمة فليحمد الله عليها كثيراً، ومن حُرِم منها فليسأل الله فهو كريمٌ قريبٌ مجيبٌ، ولا ييئس من فضل الله وكرمه.

    ولأولئك الذين حُرِموا من هذه النعمة أذكر حادثتين لعل فيهما عزاء، تَفْتَح لهم نوافذ الأمل في قلوبهم، فليس هناك شيءٌ مستحيل.

    بعد ثمانية عشر عاماً من اليأس المختلط بالأمل تحقق حلمه المعجزة، وأصبح أباً، وانتهت مع المعجزة مراجعة المستشفيات بحثاً عن الأبوة الضائعة في وصفات الأطباء، هذه هي خلاصة قصة الشاب أحمد التي نشرتها جريدة اليوم في غرة شعبان من عام ( 1419 )هـ، والذي انتظر طويلاً وصبر كثيراً حتى جاء الفرج الموعود من عند الله، والبشارة لم تأتِ على لسان مختصٍ ولا طبيب، ولا كشف مشعوذ، بل جاءت البشارة مع تحليلٍ طبيٍ قامت به زوجته لهدفٍ آخر غير هدف معرفة الحمل، لم يصدق ولم تصدق زوجته؛ ولكن شهور الحمل انتهت بطفلةٍ سمياها (وعد) التي مضى على عمرها حتى هذا اليوم قرابة السنتين، هي في مشاعر والديها ألذ من كل متع الحياة.

    أما الحادثة الأخرى التي تدعو للتفاؤل والأمل: فقد جاء خبرها في جريدة عكاظ حيث يقول الخبر: وضَعَت سيدة من مدينة غزة مولوداً بعد ست وعشرين سنةً من العقم، وذلك في عمليةٍ نادرة الحدوث، رُزِقت السيدة هند طفلاً بعد أن خضعت لعملية جراحية بمركز العقم.

    فلكل أولئك الذين حرموا من نعمة الأبوة والأمومة أقول: لا تيئسوا، واستعينوا بالله، واجتهدوا في الدعاء والتوكل، فلن يخيب الله رجاءكم.

    عاقبة حميدة للصبر على البلاء

    من القصص :-

    النقص الذي قد يأتي مع المولود، إما عمىً، وإما صمماً، وإما شللاً: قبل عدة عقود من السنين أيام الجوع والمرض والفقر أصيب طفلٌ بداء الجدري الذي كان منتشراً في تلك الأيام والذي لا يمكن علاجه في ذلك الزمن، وكان أهله لا يملكون إلا أن يصبروا ويحتسبوا ما أصاب ابنهم.

    وفي إحدى الأيام لاحظت الأم أن ابنها يمشي وهو ممسكٌ بجدران الغرفة، حينها أدركت الأم الحنون أن الجدري قد خطف بصر ابنها وقرة عينها، وفلذة كبدها الغالي.

    وكانت الأم تستند إلى عقيدةٍ صافية، وإيمانٍ قوي وراسخ، فما جزعت، ولا صرخت، ولا ولولت، بل حمدت الله وأثنت عليه ثناءً عَطِراً، وذهبت وتطهرت وتوجهت إلى مصلاها وصلت لله ركعتين أطالت سجودها وهي تقول: يا رب! إذا عميت بصره فلا تعمِ بصيرته، اللهم فقه في دينك، واجعله من حفظة كتابك. وأطالت الدعاء والبكاء بين يدي الله، وهي تتذلل وتتوسل لرب العالمين، وأرحم الراحمين أن لا يخذلها، وأن يستجيب دعاءها.

    شب الطفل وترعرع في كنف أمه الصبور الشاكرة، حفظ كتاب الله كاملاً وهو دون العاشرة، بدأ في حفظ كتب الحديث والتفسير ومتون كتب الفقه والسيرة، وأظهر نبوغاً غير عادي حتى أصبح ذلك الطفل المجدور عالماً من كبار العلماء المعروفين، بل أخرج الله من صلبه أربعةً من حفظة كتاب الله، أصبح أحدهم أيضاً مثل أبيه من كبار العلماء الذين يشار إليهم بالبنان، وهو الآن حي يرزق، وقد رحل والده إلى بارئه، وقد ترك سيرةً حميدةً وذريةً صالحةً وعلماً نافعاً بفضل الله، ثم بفضل دعوة تلك الأم الصابرة المحتسبة التي صدقت الله فصدقها، ولم تيئس من رحمة الله وكرمه وفضله، فعوضها الله صبرها خيراً، وجعل ابنها خيراً من كثيرٍ من المبصرين، وجعل في ذريته طلاب علمٍ وفقهاء وحفظة كتاب الله.

    فالحمد لله على نعمه وفضله، إنه يجيب دعوة الداع، إنه قريبٌ مجيب.

    الشفاء بعد طول المرض

    المرض واليأس من العلاج :-

    كم هي الحالات التي قد يصاب بها بعض الناس وييئس الناس من شفائه!

    تلك المرأة التي انتشرت قصتها وقد أصيبت بمرض السرطان! وقد عجزت فنون الطب عن علاجها، وأخبروها أن بينها وبين الموت عدة شهور، فأسلمت أمرها إلى الله، وتوجهت إلى بيت الله العتيق، وسجدت بين يدي الله هناك تدعوه أن يشفيها، ثم أخذت بماء زمزم وشربته بنية الشفاء فكانت المعجزة أن ذهبت تلك الأورام، وعادت إلى المستشفى ليقولوا: لا يمكن أن تكوني أنتِ المرأة التي كانت مصابة بمرض السرطان!! أتى الفرج من عند الله.

    أحد الرجال أصيب بحادثٍ نتج عنه شلل كُلِّي، وغيبوبةٌ دامت أكثر من ستة شهور، يئس أهله منه، وأراد الأطباء أن يخففوا أمر المصيبة فقالوا: لعله؛ ولكن الأمر ميئوس منه، وشاء الله أن يقذف في روع بعض أقاربه أن يأتي بأحد المشايخ الكرام ليقرأ عليه، فإن الرقية الشرعية سببٌ شرعيٌ في الشفاء، كما أن الدواء المادي سببٌ للشفاء، وما أجمل أن يجتمع الأمران! أتى ذلك الشيخ وقال: أمسكوا رجله.

    قالوا: يا شيخ! هو لا يتحرك، له ستة أشهر وهو في غيبوبة.

    قال: أمسكوا رجله.

    قالوا: يا شيخ! لا يتحرك.

    قال: أمسكوا رجله.

    فقرأ وهو واثقٌ أن الله يجعل الشفاء فيه، قرأ ثم تحركت رجله، وإذا بها تشتد حتى احتاجوا إلى المساعدة ليمسكوا به، ثم مضى الشيخ إلى بيته، وفي منتصف الليل يطرق الباب، قال: لعله أحد أقارب المريض يفجعني بفاجعة أصابته، ففتح الباب فإذا بأحد أقاربه يقبِّل رأس الشيخ ويديه، قال: ما لك؟

    قال: أبشر، بعد نصف ساعة من ذهابك قام المريض، ورأى الأجهزة وقال: انزعوها مني، إني أشتهي عصيراً طازجاً. فأتوا له به، ونزل من سريره، وعاد إلى بيته، واحتفل الأهل بقدومه.

    مريضٌ يصاب بغيبوبة لِسَنَة، تزوره زوجته وولده كل يوم في الصباح والمساء، عَجِب الأطباء منهما، ما فائدة هذه الزيارة؟!

    قالت: نحن نأتي لندعو له، ونرجو الله خيراً، بعد سنة ونصف يفاجأ الأطباء بذلك الذي في غيبوبة ميئوسة منها إذا به يتحرك، ويفتح عينيه، ويقوم ليجلس قاعداً جالساً، وإذا بزوجته تدخل وتراه قد استقبلها.

    قال لها الأطباء: هل كنتِ تتوقعين يوماً أن تريه كذلك؟

    قالت: نعم, ما دعوت الله يوماً إلا وأنا موقنة أن الله يجيب دعوة الداعي إذا دعاه.

    قضاء الديون .. والأمل

    أيها الإخوة الكرام: نماذج كثيرة أمامي: لا تيئس يا عبد الله، فالفرج قريب.

    الديون! وما أدراك ما الديون! :-

    همٌ عظيم، اجتاح كثيراً من الناس، حتى ترى أحدهم لا يتحمل العيش في الدنيا من كثرة ما تحمَّل من ديون.

    هذه قصةٌ لأحد الناس، قرأتُها في أحد الكتب، وقد كتبها أحد المشايخ الكرام، وسندها صحيحٌ بإذن الله!

    يقول الشيخ: إن أحدهم جاء إليه، وقد اسودَّت الدنيا في عينيه، وحطمه اليأس، وسبقت الدموع كلامه، وعبراتٍ تخفي صوته المبحوح، وقال: ماذا أفعل يا شيخ؟ الديون تحاصرني ولا أطيق سدادها، ولو عملتُ خمسين سنة دون أن آخذ ريالاً واحداً من راتبي الشهري لما انتهى ديني، فماذا أفعل وقد سُدَّت في وجهي كل الأبواب.

    فقال له الشيخ بعد أن طيّب خاطره ومسح دمعته: استعن بالله، ولا تيئس، والزم الاستغفار ليل نهار وفي كل حين، ولن يخذلك الله.

    غاب الرجل عاماً كاملاً، ثم جاء إلى الشيخ وهو في صورةٍ غير تلك التي رآه فيها، وجهه مشرق، ابتسامةٌ عريضةٌ تسبق سلامه، وقُبْلة شُكْرٍ على جبين الشيخ إجلالاً وتقديراً له، فما عرفه الشيخ، فقال: هل تذكرني؟ أنا الذي أتيتك ذات يومٍ مهموماً مغموماً اشتكيتُ لك الدَّين الذي أثقل كاهلي، وأتعب نفسيتي، وشل تفكيري، فنصحتني بالتزام الاستغفار في كل حين، فعملتُ بنصيحتك، وقد قضى الله كل ديوني، بل أصبح لديَّ وفرةٌ من المال.

    فسأله الشيخ: وكيف حصل ذلك؟

    قال: ذات يومٍ ذهبت إلى أحد المكاتب العقارية القريبة من السكن للبحث عن مسكن آخر أستأجره بعدما ضاق مَن أجرني، فشهدتُ وقت حضوري إتمام صفقةٍ عقارية واتفق الحاضرون على توزيع السعي على مَن حضر، وكان نصيبه من تلك البيعة أكثر من ثلاثة آلاف ريال، ففرح الرجل فرحاً شديداً، وأخذ يزور المكاتب العقارية، يقتنص فرصاً مناسبة، وذات يومٍ أفاده صاحب مكتب بأنه إذا استطاع أن يقنع صاحب إحدى الأراضي التجارية المهمة فإن نصيبه في السعي لن يقل عن مائة ألف ريال، ووفقه الله، وتمت البيعة، وهكذا استمر سمساراً في الأراضي، وكان التوفيق حليفه من بيعةٍ إلى أخرى حتى قضى كل ديونه، وتحسنت أحواله بفضل الله، ثم بفضل نيته الأكيدة في أن الله يقضي دينه، فأعانه الله في ذلك، وقد لزم الاستغفار فتحقق له الموعود، وفي المسند بسندٍ صحيح: (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل همٍ فرجاً، ومن كل ضيقٍ مخرجاً، ورزقه من حيث لا يحتسب).

    وأرجو أن لا يفهم المدينون أن يتوجهوا إلى المكاتب العقارية ليضيق أهل المكاتب بهم؛ لكنها صورة من الفرج لمن لزم هذا الدواء الشرعي.

    ألا يا أيها المرء     الذي الهَمُّ به بَرَحْ

    إذا اشتدت بك العسرى     ففكر في أَلَمْ نَشْرَحَ

    فعسرٌ بين يسرينِ     إذا كررته فافْرَحْ

    فإن العسر مقرونٌ     ييُسرين فلا تتْرَحْ

    1.   

    أبشر بالصبح فإن الصبح قريب

    أيها الإخوة الكرام: رسالةٌ أوجهها إلى الإنسان الذي مل من الحياة، وسئم العيش، وضاق ذرعاً بالأيام، وذاق الغصص: إن هناك فتحاً مبيناً، ونصراً قريباً، وفرجاً بعد شدة، ويسراً بعد عسر، إن هناك لطفاً خفياً بين يديك، ومن خلفك، وهناك أملاً مشرقاً، ومستقبلاً حافلاً، ووعداً صادقاً، وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ [الروم:6].

    إن لضيقك فرجةً وكشفاً، ولمصيبتك زوائل، وإن هناك أنساً وروحاً وندىً وطلاً وظلاً.

    أيها الإنسان: آن أن تداوي شكك باليقين، والتواء ضميرك بالحق، وعوج الأفكار بالهدى، واضطراب المسيرة بالرشد.

    آن أن تقشع عنك غياهب الظلام بوجه الفجر الصادق، ومرارة الأسى بحلاوة الرضا، وحنادس الفتن بنورٍ يلقف ما يأفكون.

    أيها الناس: إن وراء بيدائكم القاحلة أرضاً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ [النحل:112]، وإن على رأس جبل المشقة والضنى والإجهاد جنةٌ أصابها وابل، فهي ممرعة، فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ [البقرة:265] من البشرى، والفأل الحسن، والأمل المنشود.

    يا من أصابه الأرق، وصَرَخ في وجه الليل:

    ألا أيها الليل الطويل ألا انجلِ      .............................

    أبشر بالصبح، فإن الصبح قريب، صبحٌ يملأك نوراً وحبوراً وسروراً.

    يا من أذهب لُبَّه الهم: رويدك! فإن لك من أفق الغيب فرجاً، ولك من السنن الثابتة الصادقة فسحة.

    يا من ملأت عينيك بالدمع: كفكف دموعك وأرح مقلتيك، واهدأ، فإن لك من صانع الوجود ولاية، وعليك من لطفه رعاية.

    اطمئن -أيها العبد- فقد فُرِغ من القضاء، ووقع الاختيار، وحصل اللطف، وذهب ظمأ المشقة، وابتلت عروق الجهد، وثبت الأجر عند من لا يخيب لديه السعي.

    اطمئن يا عبد الله! فإنك تتعامل مع غالبٍ على أمره، لطيفٍ بعباده، رحيمٍ بخلقه، حَسَنِ الصنع في تدبيره.

    اطمئن فإن العواقب حسنة، والنتائج مريحة، والخاتمة كريمة: بعد الفقر غنى، وبعد الظمأ رِي، وبعد الفراق اجتماع، وبعد الهجر وصْل، وبعد الانقطاع اتصال، وبعد السهاد نومٌ هادئ، لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً [الطلاق:1].

    لمعت نارهم وقد عسعس الليلُ     ومـل الحادي وحار الدليلُ

    فتأملتها وفكري من البين     عليلٌ وطرف عيني كليلُ

    وفؤادي ذاك الفؤاد المعنى     وغرامي ذاك الغرام الدخيلُ

    وسألنا عن الوكيل المرجى     للملمات هل إليه سبيلُ؟!

    فوجدناه صاحب الملك طراً     أكرم المجزلين فرد جليلُ

    أيها المعذبون في الأرض بالجوع، والضنك، والألم، والفقر، والمرض: أبشروا، فإنكم سوف تشبعون، وتسعدون، وتفرحون، وتصحون، وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ * وَالصُّبْحِ إِذَا أَسْفَرَ [المدثر:33-34].

    فلا بد لليل أن ينجلي     ولا بد للقيد أن ينكَسِر

    ومن يتهيّب صعود الجبالِ     يعش أبد الدهر بين الحُفَر

    وحقٌ على العبد أن يظن بربه خيراً، وأن ينتظر منه فضلاً، وأن يرجو من مولاه لطفاً، فإن مَن أمرُه في كلمة (كُنْ) جديرٌ بأن يوثق بموعوده، وأن يتعلق بعهوده، فلا يجلب النفع إلا هو، ولا يدفع الضر إلا هو، وله في كل نَفَس لطف، وفي كل حركة حكمة، وفي كل ساعةٍ فرج.

    جعل بعد الليل صبحاً، وبعد القحط غيثاً، يعطي ليُشْكر، ويبتلي ليَعْلَم مَن يصبر، يمنح النعماء ليسمع الثناء، ويسلط البلاء ليُرْفع إليه الدعاء، حريٌ بالعبد أن يقوي معه الاتصال، ويمد إليه الحبال، ويُكثر السؤال، واسألوا الله من فضله، ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً [الأعراف:55].

    لو لم تُرِدْ نيل ما أرجو وأطلبهُ     من جود كفك ما علمتني الطلبا

    انقطع العلاء بن الحضرمي ببعض الصحابة في الصحراء ونفد ماؤهم، وأشرفوا على الموت، فنادى العلاء ربه القريب، وسأل إلهاً سميعاً مجيباً وهتف بقوله: [يا علي! يا عظيم! يا حكيم! يا حليم]! فنزل الغيث في تلك اللحظة، فشربوا، وتوضئوا، واغتسلوا، وسقوا دوابهم، وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ [الشورى:28].

    أيها الإخوة: لا تيئسوا، لا تيئسوا، وثقوا بوعد الله، واملئوا القلوب يقيناً وإيماناً فإن الله لا يخذل مَن صدق في توكله عليه، وسعى وتلمس الأسباب التي تفرج همه وكربه، وتقرّبَ إلى ربه بالطاعات والعبادات، وتحرى ساعات الاستجابة؛ فإن الفرج قادمٌ بعد الشدة، فالمؤمن مبتلى، ولو احتسب الأجر فيما جرى له وما لقي في هذه الدنيا لعوض الله صبره خيراً في الدنيا والآخرة.

    مَن لزم الاستغفار جعل الله له من كل همٍ فرجاً، ومن كل ضيقٍ مخرجاً، ورزقه من حيث لا يحتسب.

    تعلموا الدعاء، تعلموا كيف ندعو ربنا في الملمات، فإن نبينا صلى الله عليه وسلم ما ترك لنا باباً إلا وعلمنا الدعاء فيه.

    اللهم فرج هم المهمومين، ونفس كرب المكروبين، واقضِ الدَّين عن المدينين، واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين.

    لقد خلق الله الإنسان في هذه الحياة وهيأ له من الأسباب والمسببات ما يضمن له صلاح حياته القلبية والبدنية، إن هو أحسن استغلالها وترويض نفسه عليها.

    فالإنسان في هذه الدنيا في مجاهدةٍ مع أحوالها، لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ [البلد:4]، مكابدةٍ لنفسه، ومكابدة لنزغات الشيطان، ومكابدة لمصاعب الحياة ومشاقها وأهوالها، يَغْلب تارةً ويُغْلب أخرى، يفرح ويحزن، يضحك ويبكي، وهكذا دواليك.

    فالحياة لا تصفو لأحدٍ من أكدارها، يختلف الناس في خوض معتركها، يتعثر أقوامٌ فيستبطئون، ويبادر آخرون إلى جهاد أنفسهم فيعانون, وقد تعاودهم أكدار الحياة كرةً بعد أخرى، وإن من أكدار الحياة حالةٌ تنتاب كثيراً من الناس، بل لو قيل: لا يسلم منها أحد لم يكن ذلك بعيداً، والناس فيها بين مستقلٍ ومستكثر.

    1.   

    ضيق الصدر.. وأنواعه

    أيها الإخوة: إن ضيق الصدر، وما ينتاب المسلم من القلق والأرق أحياناً مسألةٌ قد تمر على كل واحدٍ منا، تطول مدتها مع قومٍ وتقصر مع آخرين؛ لكن المشكلة فيمن تستعصي عليه هذه القضية حتى تطول، وتأخذ عليه حياته، فيصبح في قلقٍ دائمٍ وهمٍّ دائمٍ لا يكاد يخلو منه ساعة، تراه إذا أصابته تلك الحالة، كئيباً كسيراً، تتغير حاله وتتنكر له نفسه، قد يعاف الطعام والشراب، بكاءٌ وحزن، وحشةٌ وذهول، وقد تغلب أحدَهم نفسُه فيشكو أمره إلى كل من يجالسه ويهاتفه دون أن يجاهد نفسه طرفة عين، يراه جليسه ومن يشاهده فيرى عليه من لباس الهم والغم ما الله به عليم، يستسلم للشيطان بجميع أحاسيسه، فيُظْهِر لك من اليأس والقنوط والإحباط والشكوى ما يغلق أمامك الكثير من أبواب الفرج والتنفيس، حتى إن بعض أولئك يوغل في الانقياد لتلبيس الشيطان، ويكاد أن يقدم على خطواتٍ تغير مجرى حياته، من طلاقٍ للزوجة، وتركٍ للوظيفة، وانتقالٍ عن المنزل وما يتبع ذلك، وقد يصل أمره إلى الانتحار عياذاً بالله من ذلك، مما يدل على عِظَم تلبيس إبليس عليه.

    وأخوكم يعرض عليه كثير من أسئلة الناس عبر الهاتف، أو عبر المشافهة في الجامع أو في الجامعة، أو في مجالس عديدة من أصنافٍ مختلفة من الناس تشكو هذه القضية، من رجالٍ ونساء، حتى غلب عليَّ هذا الأمر فرأيت أن أطرحه في هذا اليوم، خصوصاً أن البارحة كثرت عليَّ المكالمات حول هذا الموضوع، مَن يعيش في قلق، ويشعر بهمّ، ويشعر بكآبة، وبعضهم يعرف لها أسباباً، وبعضهم لا يعرف لها سبباً، ولا أود أن أطرح موضوعاً قد عالجتُه من قبل، فقد تكلمتُ حول هذا الموضوع في خطبٍ متفرقة، عن الهم وأسباب القلق، وهو موضوع جديرٌ بالطرح والمناقشة حتى قال بعض المتأخرين: إن القلق يكاد يكون مرض هذا العصر.

    ولا ريب أن لذلك أسباباً لست بصدد الحديث عنها، فقد أشرت كما ذكرتُ آنفاً أنني قد تحدثت وتحدث غيري؛ ولكني أريد أن أعالج هذا الموضوع من جهةٍ أخرى، من جهة أن هناك أسباباً مشرقة جاءت في الكتاب والسنة تكون سبباً لانشراح الصدور، ونور القلوب، من الضروري أن يدركها الإنسان حتى يأخذ بها ليواجه هذا المرض إن تعرض له، وينبغي أن نعلم أن الهم العادي، والقلق العادي لا يسلم منه أحد، والهم نوعان:

    - همٌّ مذموم.

    - وهمٌّ محمود.

    همٌ مذموم: إذا كان على فوات الدنيا، أو على فوات المعاصي، وعلى فوات الشر والسوء عنه.

    وهمٌّ محمود: إذا كان على فوات الآخرة، وفوات الطاعة، وعلى هم المسلمين، وعلى قضاياهم، وغير ذلك من الأمور المحمودة.

    وكلنا يحفظ أن الهم من أسباب تكفير الذنوب، ففي الصحيح قوله عليه الصلاة والسلام: (ما يصيب العبد من همٍ، ولا غمٍ، ولا نصبٍ، ولا وصب، حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه).

    ولكني أتكلم عن مرض ليس مجرد خاطر، ولا عارض، بل يصبح أمراً مزمناً يكاد يفتك بصاحبه، ويدعوه إلى ما أشرتُ سابقاً من تغيرٍ عظيمٍ في مجرى حياته.

    1.   

    أسباب انشراح الصدور

    إن حالة ضيق الصدر تجعل العبد أحياناً حبيس الهواجس والوساوس، فيبقى أسيراً لكيد الشيطان، مرتهناً بقوة تلبيسه عليه وبضعف مجاهدته له.

    ولما كانت تلك الحالة تعتري كثيراً من المسلمين فتؤثر على عباداتهم وسلوكياتهم ناسَبَ أن يكون الكلام عن الأسباب التي تعين على انشراح الصدر، وتنقله من تلك الغشاوة التي أظلمت عليه إلى حالةٍ يشعر فيها بالراحة النفسية والطمأنينة القلبية.

    فأقول -أيها الإخوة الكرام-: إن أسباب انشراح الصدر كثيرة، لعل المقام يسمح بذكر بعضها، وأرجو أن تكون شاملة.

    وأرجو من الله العلي القدير أن يفرج همَّ المهمومين من المسلمين، وأن يشفي مرضى المسلمين.

    اللهم إنا نعوذ بك من الهم والحزن، ونعوذ بك من العجز والكسل، ونعوذ بك من الجبن والبخل، ونعوذ بك من غلبة الدَّين وقهر الرجال.

    قوة التوحيد وتفويض الأمر إلى الله وحده

    إن من أعظم الأسباب لشرح الصدور وطرد الغموم، بل هو أجل الأسباب وأكبرها: قوة التوحيد، وتفويض الأمر إلى الله وحده :-

    بأن يعتقد العبد اعتقاداً جازماً لا شك فيه ولا ريب أن الله عز وجل وحده هو الذي يجلب النفع ويدفع الضر، وأنه تعالى لا راد لقضائه، ولا معقب لحكمه، عدلٌ في قضائه، يعطي مَن يشاء بعدله، ويمنع ويبتلي مَن يشاء بعدله، وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً [الكهف:49].. وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ [فصلت:46].

    فعلى العبد أن يحرص على عمارة قلبه بهذه الاعتقادات وما يتبعها، فإنه متى كان كذلك أذهب الله غمه، وأبدله من بعد خوفه أمناً.

    يقول العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى: "فمحبة الله تعالى، ومعرفته، ودوام ذكره، والسكون إليه، والطمأنينة إليه، وإفراده بالحب والخوف، والرجاء، والتوكل، والمعاملة، بحيث يكون هو وحده المستولي على هموم العبد وعزماته وإراداته، هو جنة الدنيا، والنعيم الذي لا يشبهه نعيم، وهو قرة عين المحبين، وحياة العارفين". انتهى كلامه رحمه الله.

    حسن الظن بالله

    السبب الثاني من أسباب انشراح الصدور: حسن الظن بالله تعالى :-

    وذلك بأن تستشعر أن الله تعالى فارج لهمك، كاشفٌ لغمك، فإنه متى ما أحسن العبد ظنه بالله فتح الله عليه من بركاته من حيث لا يحتسب.

    فعليك يا عبد الله بحسن الظن بالله، ترى مِن الله ما يسرك، فإن الله يعامل العبد بحسب ظنه به، ففي مسند الإمام أحمد وصحيح ابن حبان من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قال الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي، إن ظن خيراً فله، وإن ظن شراً فله).

    فأحسن ظنك بالله، وعلِّق رجاءك به، وإياك وسوء الظن بالله، فإنه من الموبقات المهلكات، قال الله تعالى: الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً [الفتح:6].

    كثرة الدعاء والإلحاح على الله بذلك

    من الأسباب في انشراح الصدور: كثرة الدعاء والإلحاح على الله بذلك :-

    لأن من أعظم أسباب انفراج الهموم والغموم: التوجه إلى الله بالدعاء في الليل والنهار، في السراء والضراء، على كل حال، والله يحب أن يدعوه العبد، وسوف يجد الفرج.

    فيا من ضاق صدره، وتكدر أمره: ارفع أكف الضراعة إلى مولاك، وبث شكواك وحزنك إليه، واذرف الدمع بين يديه، واعلم -رعاك الله- أن الله أرحم بك من أمك وأبيك وصاحبتك وبنيك، ففي صحيح البخاري من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: (قدم على النبي صلى الله عليه وسلم سَبْيٌ فإذا امرأةٌ من السبي تحلب ثدييها تسقي، إذ وجدت صبياً في السبي أخذته فألصقته ببطنها، وأرضعته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أترون هذه طارحةً ولدها في النار؟ قلنا: لا، وهي تقدر على أن لا تطرحه، فقال عليه الصلاة والسلام: لله أرحمُ بعبده من هذه بولدها).

    ارفع أكف الضراعة إلى الله، واعلم أن الله عز وجل لا يضيع دعوة داعٍ أبداً.

    تفقد النفس والمبادرة إلى ترك المعاصي

    من الأسباب التي تشرح بها الصدور: تفقد النفس، والمبادرة إلى ترك المعاصي :-

    أتريد مخرجاً لك مما أنت فيه، وأنت ترتع في بعض المعاصي؟! عجباً لك!

    تسأل الله لنفسك حاجاتها وتنسى جناياتها؟!

    ألم تعلم -هداك الله- أن الذنوب بابٌ عظيمٌ تَرِد منه المصائب على العبد؟! وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ [الشورى:30].

    أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [آل عمران:165].

    ولما استسقى العباس بن عبد المطلب رضي الله تعالى عنه قال في دعائه: [اللهم إنه لم تنزل عقوبة إلا بذنب، ولا تنكشف إلا بتوبة].

    يقول ابن القيم رحمه الله: "وما يجازَى به المسيء مِن ضيق الصدر، وقسوة القلب، وتشتته، وظلمته، وحزازته، وغمه، وهمه، وحزنه، وخوفه، وهذا أمرٌ لا يكاد من له أدنى حِسٍ وحياةٍ يرتاب فيه، بل الغموم، والهموم، والأحزان، والضيق عقوباتٌ عاجلة، ونارٌ دنيوية، وجهنم حاضرة، والإقبال على الله، والإنابة إليه، والرضا به وعنه، وامتلاء القلب من محبته، واللهج بذكره، والفرح والسرور بمعرفته ثوابٌ عاجل، وجنةٌ وعيش لا نسبة لعيش الملوك إليه ألبتة". انتهى كلامه.

    فبادر رحمك الله إلى محاسبة نفسك محاسبةَ صدقٍ وإنصاف، محاسبةَ مَن يريد مرضاة ربه والخير لنفسه، فإن كنت مقصراً في صلاةٍ أو زكاةٍ أو غير ذلك مما أوجب الله عليك، أو كنت واقعاً فيما نهاك الله عنه من السيئات، فبادر إلى إصلاح أمرك، وجاهد نفسك على ذلك، وسترى من الله ما يشرح صدرك، وييسر أمرك، وصدق الله: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [العنكبوت:69].

    وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق:2-3].

    وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً [الطلاق:4].

    وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً [الطلاق:5].

    فبادر -هداك الله- إلى تقوى الله، ولن ترى من ربك إلا ما يسرك بإذنه تعالى، يقول ابن الجوزي رحمه الله: "ضاق بي أمرٌ أوجب غماً لازماً دائماً، وأخذتُ أبالغ في الفكر في الخلاص من هذه الهموم بكل حيلةٍ وبكل وجه، فما رأيت طريقاً للخلاص، فعَرَضَت لي هذه الآية: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً [الطلاق:2] فعلمت أن التقوى سببٌ للمخرج من كل غم، فما كان إلا أن هممت بتحقيق التقوى فوجدتُ المخرج". انتهى كلامه.

    ومن أعظم الذنوب -مما يدخل في هذا الباب، وهو سببٌ للقلق، والهم، والغم-: الأمراض القلبية على الناس؛ الحسد، والبغض، والكراهية، والعداوة، ما رأيت مثل هذه الأمراض تفتكُ بقلب العبد، تجعله يتنقل من نارٍ إلى نار .. من همٍّ إلى همِّ .. من غمٍّ إلى كرب، أمراض قاتلة.

    والمؤمن الصادق لا يمكن أن يتعرض أو ينتهك هذه القضايا؛ لأنه يعلم أنها تتعارض مع الإيمان، المؤمن ليس بالفاحش المتفحش، وليس بالبذيء، ولا بالحاقد .. لا يحسد .. لا يبغض .. لا يكره، بل يحمل في قلبه كل المحبة للناس، فمن أراد أقرب الطرق للخلاص من هذا الداء فعليه بسلامة القلوب، وسلامة الصدور على الناس، يجد كل حبٍّ ومودة، انظر إلى الدنيا بالحب يُنْظَر إليك بمثلها، وابتسم للدنيا تبتسم لك.

    أكتفي بهذا القدر.

    والله أسأل أن يكشف هم المهمومين من المسلمين، وأن يشرح صدورنا، وأن ينور قلوبنا، وأن يأخذ بأيدينا إلى ما فيه الخير والصلاح، إنه جواد كريم.

    المحافظة على أداء الفرائض والإكثار من النوافل

    وإن من أسباب انشراح الصدور: المحافظة على أداء الفرائض والمداومة عليها، والإكثار من النوافل من صلاةٍ، وصيامٍ، وصدقةٍ، وبرٍ، وغير ذلك :-

    فالمداومة على الفرائض والإكثار من النوافل من أسباب محبة الله لعبده، ففي الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله يقول: من عادى لي ولياً فقد آذنتُه بالحرب، وما تقرب إليَّ عبدي بشيءٍ أحب إليَّ مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببتُه كنتُ سمعَه الذي يسمع به، وبصرَه الذي يبصر به، ويدَه التي يبطش بها، وإن سألني لأعطينَّه، ولئن استعاذ بي لأعيذنَّه)، أتريد أكثر من ذلك؟!

    الاجتماع بالجلساء الصالحين

    من الأسباب في انشراح الصدور: الاجتماع بالجلساء الصالحين، والاستئناس بسماع حديثهم، والاستفادة من ثمرات كلامهم وتوجيهاتهم :-

    فالجلوس مع هؤلاء مرضاةٌ للرحمان، مسخطةٌ للشيطان، فلازِمْ جلوسَهم ومَجالِسَهم، واطلب مناصحتهم ترى في صدرك انشراحاً وبهجةً، ثم إياك والوحدة! احذر أن تكون وحيداً لا جليس لك ولا أنيس! وخاصةً عند اشتداد الأمور عليك، فإن الشيطان يزيد العبد وهناً وضعفاً إذا كان وحيداً، (فالشيطان من الواحد أقرب، ومن الاثنين أبعد، وليس مع الثلاثة، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية).

    فاحرص -أعانك الله تعالى- على عدم جلوسك وحيداً، جالس نفسك وغالِبْها على الاجتماع بأهل الخير والصلاح، والذهاب إلى المحاضرات والندوات، وزيارة العلماء وطلبة العلم، فذلك يُدْخِل الأنس عليك فيزيدك إيماناً، وينفعك علماً.

    قراءة القرآن الكريم تدبراً وتأملاً

    من أسباب انشراح الصدور: قراءة القرآن الكريم تدبراً وتأملاً :-

    وهذا من أعظم الأسباب في جلاء الأحزان، وذهاب الهموم والغموم، فقراءة القرآن تورث العبد طمأنينة في القلوب، وانشراحاً في الصدور، الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد:28].

    فاحرص -رعاك الله- على الإكثار من تلاوته آناء الليل وأطراف النهار، وسَلْ ربك أن تكون تلاوتك له سبباً في شرح صدرك، فإن العبد متى ما أقبل على ربه بصدق فتح الله عليه من عظيم بركاته، يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ [يونس:57].

    وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَاراً [الإسراء:82].

    المداومة على الأذكار

    من أسباب انشراح الصدور: المداومة على الأذكار الصباحية، والمسائية، وأذكار النوم، وما يتبع ذلك من أذكار اليوم والليلة :-

    فتلك الأذكار تحصن العبد المسلم بفضل الله تعالى من شر شياطين الجن والإنس، وتزيد العبد قوةً حسيةً ومعنوية إذا قالها مستشعراً لمعانيها موقناً بثمارها ونتاجها.

    ولتحرص -يا عبد الله- على تلك الأذكار المتأكدة فيمن اعتراهم همٌّ أو غمٌّ، ومن ذلك ما أخرجه الشيخان عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عند الكرب: (لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات، ورب الأرض، ورب العرش الكريم).

    وكذا ما أخرجه البخاري من حديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكثر من قوله: (اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، ...) إلى آخر الحديث.

    وفي مستدرك الحاكم من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نزل به همٌّ أو غمٌّ قال: (يا حي يا قيوم، برحمتك أستغيث).

    وعن أبي بكرة رضي الله عنـه كما في سنن أبي داود وصحيح ابن حبان أن رسـول الله صلى الله عليه وسلم قال: (دعوات المكروب: اللهم رحمتك أرجو، فلا تكلني إلى نفسي طرفة عينٍ، وأصلح لي شأني كله، لا إله إلا أنت).

    وفي مسند الإمام أحمد وصحيح ابن حبان من حديث ابن مسعود أيضاً رضي الله تعالى عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أصاب عبداً همٌ ولا حزن، فقال: اللهم إني عبدك، وابن عبدك، ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماضٍ فِيَّ حُكْمُك، عدلٌ فِيَّ قضاؤك، أسألك بكل اسمٍ هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي، وذهاب غمي، إلا أذهب الله حزنه وهمه، وأبدله مكانه فرحاً).

    والأذكار في هذا الباب كثيرة.

    الإحسان إلى الخلق.. طلب العلم الشرعي .. الشجاعة..

    أيها الإخوة: إن من أسباب انشراح الصدور: الإحسان إلى الخلق، والتودد إليهم بما يدخل السرور عليهم.

    من أسباب انشراح الصدور: طلب العلم الشرعي.

    من أسباب انشراح الصدور: الشجاعة، وترك الجبن.

    من أسباب انشراح الصدور: الكرم، وترك البخل.

    من أسباب انشراح الصدور: الشكوى إلى الخلق بمقدارٍ، وإلى مَن يُرَى أن الشكوى إليه نافعة :-

    بعض الناس يجيد مساعدة الآخرين في مثل هذه القضايا، ويستطيع أن يخفف عنهم مآسيهم بما عنده من العلم والدراية، فمثل هؤلاء لا بأس أن يُشْكَى إليهم لأخذ الإفادة منهم، فإن هذا مُعِيْنٌ، والنبي صلى الله عليه وسلم علَّمه ربُّه أن يستشير الناس وهو كامل العقل، تربيةً للأمة على أهمية أخذ آراء الآخرين، فإنك حينما تفكر بنفسك تفكر بعقلٍ واحد، وعندما تستشير غيرك تفكر بعقول الآخرين، بل بعقولٍ كثيرة.

    فالمقصود -أيها الإخوة- أن هذه الأسباب -وغيرها كثير- كفيلة لمن أخذها بجدٍ واهتمام أن يشرح الله صدره، وينور قلبه، وأن يريه الحياة حياةً هانئة.

    أرجو الله العلي القدير بأسمائه الحسنى، وصفاته العُلَى أن يجعل حياتنا حياةً سعيدة، ملؤها الحب والمودة والحنان.

    أرجو الله العلي القدير أن يرضِّيَنا بقضائه، وأن يبارك لنا في قدره حتى لا نعجِّل شيئاً أخَّره، ولا نؤخِّر شيئاً عجَّله.

    1.   

    الحياة الطيبة والعمل الصالح

    معادلةٌ قرآنيةٌ يقول الله تعالى في طرفها الأول: مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ [النحل:97]، فتكون النتيجة: طرفها الثاني: فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النحل:97].

    العمل الصالح ينقسم إلى قسمين:

    1- واجب.

    2- ونافلة.

    أما الواجب فلا يستطيع الإنسان الزيادة فيه أو النقصان، إنما يستطيع أن يتقنه، وأن يؤديه في أوقاته، وإنما يكون التنافس في النوافل حيث تتفاوت هِمَم الصالحين في التقرب إلى الله بها، وبالتالي تكون الحياة الطيبة بالزيادة والنقصان طبقاً لما يتقرب به العبد إلى ربه من هذه النوافل بعد أداء ما أوجب عليه كَمَّاً وكَيْفاً.

    والعمل الصالح -أيها الإخوة الكرام- بِشَكْلٍ عام تتعدد أشكاله، فأعلاه: كلمة التوحيد (لا إله إلا الله)، وما تقتضيه، وأدناه: إماطة الأذى عن الطريق، وما بينهما الكثير من هذه الأعمال الصالحة، والميدان مفتوح، والباب مُشْرَعٌ لتنافس الجميع.

    1.   

    وقفات مع كلام العلماء في تفسير الحياة الطيبة

    أحب أن أقف في هذه الخطبة وقفاتٍ مع كلام العلماء الربانيين في تفسير الحياة المذكورة في قوله: فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً [النحل:97] لنرى كيف أن كثيراً من الناس ومن المسلمين على وجه الخصوص عندهم شكٌ أو ريبٌ في هذا الوعد الرباني، والذي يؤكد هذا الشك أو التردد أعمالُهم.. أفعالُهم.. تهالُكهم على أي بابٍ يجمع الدنيا.

    كلام القرطبي في تفسير الحياة الطيبة

    قد تنوعت أقوال العلماء في مكان الحياة الطيبة؛ هل هي في الدنيا، أم في الآخرة؟

    وذهب الأكثرون أنها في الدنيا.

    وتنوعت أقوالهم في معنى الحياة الطيبة.

    تجتمع هذه الأقوال فيما قاله الإمام القرطبي في تفسيره، حيث يقول رحمه الله: وفي الحياة الطيبة أقوال:

    "الأول: أنها الرزق الحلال.

    الثاني: القناعة.

    الثالث: توفيقه للطاعات، فإنها تؤديه إلى رضوان الله.

    الرابع: السعادة.

    الخامس: حلاوة الطاعة.

    السادس: الجنة، وقال الحسن : لا تطيب الحياة لأحدٍ إلا في الجنة.

    السابع: المعرفة بالله، وصِدْق المقام بين يدي الله.

    الثامن -وما أجمله، وأروعه! وأعزه!-: الاستغناء عن الخلق، والافتقار إلى الحق جل في علاه.

    التاسع: الرضا بالقضاء".

    كلام ابن كثير في تفسير الحياة الطيبة

    يعقِّب الإمام ابن كثير على هذه الأقوال بقوله: "والصحيح أن الحياة الطيبة تشمل هذا كله، كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد في مسنده عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (قد أفلح من أسلم، ورُزِق كفافاً، وقنَّعه الله بما آتاه)".

    كلام الفخر الرازي في تفسير الحياة الطيبة

    ويثبِت الإمام الفخر الرازي في تفسيره أن الحياة الطيبة تكون في الدنيا، كما تقدم من أن أكثر أقوال أهل العلم أن الحياة الطيبة الموعودة في هذه الآية إنما هي في الدنيا، وأما ما عند الله فخيرٌ وأبقى.

    يؤكد رحمه الله على أنها في الحياة الدنيا بعقد مقارنةٍ بين عيش المؤمن وعيش الكافر، فيقول -واسمع إلى ما يقول؛ لأننا أصبحنا نعيش في زمنٍ عند بعض الناس الوَهَن في مصداقية ما يَعِدُ الله به المسلم، وأصبح الكثيرون يتلفتون إلى ذات اليمين وذات الشمال؛ لِمَ الكافر يعيش في رغدٍ من العيش، ويعيش في بسطة من الدنيا وهو يوحد الله ويعبده وقد يجد ضنكاً في العيش أو كفافاً في الرزق؟! اسمع ما يقوله هذا العالم الرباني!- يقول: "اعلم أن عيش المؤمن في الدنيا أطيب من عيش الكافر من وجوه:

    الأول: أنه لما عرف أن رزقه إنما حصل بتدبير الله تعالى، وعرف أنه تعالى محسنٌ كريمٌ لا يفعل إلا الصواب، كان راضياً بكل ما قضاه الله وقدَّره، وعلم أن مصلحته في ذلك.

    أما الجاهل والكافر فلا يعرف هذه الأصول، فكان أبداً في الحزن والشقاء.

    الثاني: أن المؤمن أبداً يستحضر في عقله أنواع المصائب والمحن، ويقدِّر وقوعها، وعلى تقدير وقوعها يرضى بها؛ لأن الرضا بقضاء الله تعالى واجبٌ -ولعله يعني بالرضا هنا: الصبر على ذلك القضاء والمقدور، وإلا فالمشهور من أقوال أهل العلم: أن الرضا درجةٌ أرفع من الصبر، والقول الراجح فيها: أنها مستحبةٌ، وعظيمٌ مَقامُهُ مَن بَلَغَها- فعند وقوعها لا يستعظمها بخلاف الجاهل أو الكافر، فإنه يكون غافلاًُ عن تلك المعارف، فعند وقوع المصائب يعظُم تأثيرها في قلبه".

    وشواهد هذا الأمر من حياة الكفار لا أظنها تغيب عن كثيرٍ من عقول الناس. فإننا نجد أن كثيراً من الكفرة إذا وقعت عليه مصيبة بفقد حبيبٍ أو خسارة تجارةٍ أو غير ذلك من مصائب الدنيا قد لا يتحملها فلا يرى حلاً لها إلا أن يقتل نفسه، أو أن ينتحر بأسهل طرق الانتحار، وما عاد خافياً أن هناك كتباً تطبع في تلك البلاد، وبرامج تُعْقَد، تَذْكُر أسهل الطرق إلى الانتحار، إنهم يخلصون ذلك الرجل الذي أصابته مُلِمَّة، فما عاد يتحمل البقاء في الدنيا لِعِظَم ما وقع عليه من المصيبة، بل بلغني -من بعض الإخوة المتابعين لِمَا يُطرح في الإنترنت- أن هناك مواقع تدل على أسهل الطرق إلى الانتحار من أجل أن يتخلص مما وقع عليه، وما أعظمها إن صدرت من مسلم.

    والله لا أخفيكم -يا إخوة- أنه قد انعقد لساني، ورأيت أمراً عظيماً لا يكاد يُتَحَمَّل أن نسمع أن في بعض بلاد المسلمين مسلماً موحداً ينتحر، سبحان الله! مسلم يعرف الله، ويعرف ما جَبَل الله عليه هذه الدنيا وما ركَّبها عليه من نكدٍ وضيقٍ، وأنها لا يسلم فيها العبد ألبتة من الشقاء، أو من أي صورةٍ من صور الضيق، كيف يبلغ به الأمر إلى أن ينهي معاناته بأن يصعد على عمارةٍ أو على جسر أو على غير ذلك؛ لينتحر، أو يأخذ مسدساً؛ ليقتل نفسه، أيفعل ذلك مسلم؟!

    ولذلك ثبت في الحديث أن من عالج نفسه بالقتل يحرِّم الله عليه الجنة، ومأواه جهنم خالداً مخلداً فيها، جاء الحديث يؤكد على أمر الخلود في جهنم لمن يقتُل نفسَه، وعلى أصول أهل السنة والجماعة يُحْمَل الخلود على طول المكث، أما الذي يموت على التوحيد، فإنه وإن طال مكثه في النار يدخل الجنة انتهاءً برحمةٍ من الله وفضل؛ ولكن عذابه في النار وخيم. يعالج نفسه؟! كأنه لا يرضى بأن يكتب الله له الحياة فلذلك أنهاها.

    المقصود: وإن كانت هذه نوادر إلا أنها -والله!- مخيفة، وتدل على عِظَم الجهل بالله، وبأمره، وبدينه، وبِعِظَم التعلق بأمر الدنيا، وأنها أصبحت المقياس في السعادة والشقاء.

    ثالث ما يذكر هذا الإمام الرباني في عَقْد المقارنة بين المؤمن والكافر أنه يقول:

    ثالثها: أن قلب المؤمن منشرحٌ بنور معرفة الله تعالى، والقلب إذا كان مملوءاً من هذه المعارف لم يتسع للأحزان الواقعة بسبب أحوال الدنيا.

    أما قلب الجاهل فإنه خالٍ من معرفة الله تعالى، فلا جَرَمَ يصير مملوءاً بالأحزان الواقعة بسبب مصائب الدنيا.

    رابعها: أن المؤمن عارفٌ أن خيرات الحياة الدنيا الجسمانية خسيسة، فلا يعْظُمُ فرحُه بوجدانها، وغمُّه بفقدانها.

    أما الجاهل فإنه لا يعرف سعادةً أخرى تغايرها، فلا جَرَمَ يعْظُمُ فرحُه بوجدانها وغمُّه بفقدانها.

    خامسها: أن المؤمن يعلم أن خيرات الدنيا واجبة التغيُّر، سريعة التقلُّب، فلولا تغيُّرُها وانقلابُها لَمْ تصل من غيره إليه". انتهى كلامه.

    وما أجملها من مقارنة!

    تفسير ابن عطية الأندلسي للحياة الطيبة

    ويرى الإمام ابن عطية الأندلسي في تفسيره أن طيب الحياة اللازم للصالحين إنما هو بنشاط نفوسهم ونبلها، وقوة رجائهم، والرجاء للنفس أمرٌ مُلِذ، فبهذا تطيب حياتهم، وبأنهم احتقروا الدنيا فزالت همومهم عنهم، فإذا انضاف إلى هذا مالٌ حلال وصحةٌ أو قناعة، فذلك كمال، وإلا فالطيب فيما ذكرناه راتب.

    1.   

    المال والحياة الطيبة

    ومن المؤسف -أيها الإخوة- أنه ما زال الكثيرون يعتقدون أن المال شرطٌ للسعادة والحياة الطيبة، وكثيرون أيضاً لا يتصورون أن السعادة يمكن أن تحدث من غير المال، لذلك فهم يهلكون أنفسهم من أجل المال، ويبيعون قيَمهم ومبادئهم من أجل المال، ويقتلون النفس التي حرم الله من أجل المال.

    وأحب أن أسلِّي إخواننا الذين كتب لهم التعاقد في هذه البلاد، فبذلوا ما في وسعهم من إخلاصٍ في العمل، ثم قدَّر الله أن تنهى عقودهم، بأن أقول: هكذا شأن الحياة، وإن كنا والله نحزن على فقدان كثيرٍ من الصالحين، وعلى فراقهم؛ ولكن هكذا شأن الدنيا.

    فيا أخي الكريم: لا ينعقد عليك الحزن والغم بسبب انتهاء هذا العقد؛ لأنك قد ترى أن باباً من الرزق قد انغلق، فاعلم أن الذي فتح عليك هذا الباب يفتحه عليك أضعافاً، فلا تيئس ولا تحزن، واعلم أن رزق المؤمن قد كتب وهو في بطن أمه، فيسعى والله يكتب له التوفيق.

    وما أجملَ ما قاله بعض المتأخرين، راداً على من يظن أن السعادة مقرونةٌ بالمال فحسب، يقول: "العمل الصالح مع الإيمان جزاؤه حياةٌ طيبة في هذه الأرض، لا يهم أن تكون ناعمة رغدةً ثريةً بالمال، فقد تكون به، وقد لا يكون معها، وفي الحياة أشياءٌ كثيرة غير المال، غير المال الكثير تطيب به الحياة في حدود الكفاية، فيها: الاتصال بالله، والثقة به، والاطمئنان إلى رعايته وستره ورضاه، فيها الصحة، فيها الهدوء، فيها الرضا، فيها البركة، فيها سَكَن البيوت ومُوادَّات القلوب، فيها الفرح بالعمل الصالح، وآثاره في الضمير، وآثاره في الحياة، وليس المال إلا عنصراً واحداً يكفي منه القليل حتى يتصل القلب بما هو أعظم وأزكى وأبقى عند الله".

    1.   

    الحياة الطيبة .. والفرح

    أيها الإخوة الكرام: ومن الحياة الطيبة: الفرح المقيد بما يرضي الله تعالى ويحبه :-

    الفرح الذي لا يطغي صاحبَه وينسيَه فضل الله عليه، إذ يقول تبارك وتعالى: قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ [يونس:58].

    ويقول تعالى: فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [آل عمران:170].

    يقول الشيخ المراغي : "أي: قل لهم: ليفرحوا بفضل الله، وبرحمته، أي: إن كان شيءٌ في الدنيا يستحق أن يُفْرَح به فهو فضل الله ورحمته.

    روى ابن مردويه وأبو الشيخ عن أنس مرفوعاً: (فضل الله القرآن، ورحمته أن جعلكم من أهله)، أي: من أهل القرآن.

    وعن الحسن والضحاك وقتادة ومجاهد : (فضل الله الإيمان، ورحمته القرآن).

    هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ [يونس:58]: أي: أن الفرح بهما أفضل وأنفع مما يجمعون من الذهب، والفضة، والأنعام، والحرث، والخيل المسومة، وسائر خيرات الدنيا؛ لأنه هو سبب السعادة في الدارَين، أي: الإيمان والقرآن، وتلك سبب السعادة في الدنيا الزائلة فحسب، أي: المال، فقد نال المسلمون في العصور الأولى بسببه الملك الواسع، والمال الكثير مع الصلاح والإصلاح مما لم يتسنَّ لغيرهم مِن قبل ولا من بعد، وبعد أن جعلوا ديدنَهم جمع المال ومتاع الدنيا، ووجهوا همتهم إليه، وتركوا هداية القرآن في إنفاقه، والشكر عليه، ذهبت دنياهم من أيديهم إلى أيدي أعدائهم". انتهى كلامه.

    حقيقة الفرح والسرور

    أيها الإخوة الكرام: وهنا سؤال: ما هو الفرح والسرور الحقيقي؟

    ويجيب عنه الإمام ابن القيم رحمه الله في المدارج فيقول: "والفرح لذةٌ تقع في القلب: بإدراك المحبوب، ونيل المشتهى، فيتولد من إدراكه حالةٌ تسمى: الفرح والسرور.

    كما أن الحزن والغم: مِن فقد المحبوب، فإذا فقده تولد مِن فقده حالةً تسمى: الحزن والغم".

    ثم يقول رحمه الله: "والفرح أعلى أنواع نعيم القلب ولذته وبهجته، والفرح والسرور نعيمه، والهم والحزن عذابه، والفرح بالشيء فوق الرضا به، فإن الرضا طمأنينة وسكونٌ وانشراح، والفرح لذةٌ وبهجةٌ وسرور، فكل فارحٍ راضٍ، وليس كل راضٍ فرحاً، ولهذا كان الفرح ضد الحزن، والرضا ضد السخط". انتهى كلامه.

    ثم اعلموا -أيها الإخوة- أن الفرح فرحان:

    فرحة بالزائل من الدنيا.

    وفرحة بالباقي.

    وكل ما يتصل بالباقي الذي لا يزول، فإن أثره باقٍ لا يزول؛ فإن حب الدنيا الزائلة وما فيها، والفرح بها يزول عندما يزول هذا الشيء، أما الفرح بما عند الله، وبما أنزله من الكتاب وما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه لا ينقطع، نعم، لا ينقطع، يبدأ في الحياة الدنيا، ويستمر، حتى يغادر الإنسان من هذه الحياة، فيتواصل في حياة البرزخ بما يجده من الفضل والنعيم في القبر، ثم يستمر يوم القيامة حين البعث عندما يرى صحائف أعماله نوراً يتلألأ، ثم يدخل الجنة فتكون الفرحة الكبرى برؤية وجه العزيز الكريم، وبما يرى من نعيمٍ دائمٍ مقيم.

    يقول الإمام ابن القيم رحمه الله: "ذكر سبحانه الأمر بالفرح بفضله وبرحمته عُقَيب قوله: يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ [يونس:57]، ولا شيء أحق أن يفرح العبد به مِن فضل الله ورحمته التي تتضمن الموعظة، وشفاء الصدور من أدوائها بالهدى والرحمة، فأخبر سبحانه أن ما أتى عباده من الموعظة التي هي الأمر والنهي المقرون بالترغيب والترهيب، وشفاء الصدور المتضمن لعافيتها من داء الجهل والظُّلْمة والغي والسفه، وهو أشد ألماً لها من أدواء البدن؛ ولكنها لما أَلِفَت هذه الأدواء لم تحس بألمها، وإنما يقوى إحساسها بها عند المفارقة للدنيا، فهناك يحضرها كل مؤلمٍ محزن، وما أتاها من ربها الهدى الذي يتضمن ثلج الصدور باليقين، وطمأنينة القلب به، وسكون النفس إليه، وحياة الروح به، والرحمة التي تجلب لها كل خير ولذة، وتدفع عنها كل شرٍ ومؤلم، فذلك خيرٌ من كل ما يجمع الناس من أعراض الدنيا وزينتها، أي: هذا هو الذي ينبغي أن يُفرَح به، ومن فرح به فقد فرح بأجلٍ مفروح، لا ما يجمع أهل الدنيا فيها، فإنه ليس بموضعٍ للفرح؛ لأنه عرضة للآفات ووشيك الزوال، ووخيم العاقبة، وهو طيف خيالٍ، زار الصُّبَّ في المنام، ثم انقضى المنام، وولى الطيف، وأعقب مزاره الهجران".

    نماذج من فرح الصحابة رضوان الله عليهم وسرورهم

    فيا أيها الإخوة الكرام: هذا الفرح بفضل الله ورحمته، الذي هو أحد المظاهر البارزة للحياة الطيبة، لا يكون إلا لأولئك المؤمنين الصادقين الذين اشتروا الآخرة، وباعوا الدنيا، فاختاروا بذلك التجارة التي تنجيهم من عذابٍ أليم، واختاروا الباقي على الزائل، فكان هذا الفرح مؤشراً دقيقاً لما في قلوبهم من إيمان، إذ أن فاقد الإيمان أو ضعيفه لا يفرح إلا بما في الدنيا من الزخارف، ويزهد فيما عند الله من الباقي، ولهذا الأمر نرى الصحابة الكرام عندما بشرهم النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يوجد على الأرض أحدٌ يصلي غيرهم صلاة العشاء فرحوا بذلك فرحاً كبيراً.

    جاء في صحيح البخاري من حديث أبي موسى قال: (فلما قضى صلاته -أي: النبي صلى الله عليه وسلم- قال لمن حضره: على رسلكم، أبشروا! إن من نعمة الله عليكم أنه ليس أحدٌ من الناس يصلي هذه الساعة غيركم، يقول أبو موسى : فرجعنا، ففرحنا بما سمعنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم).

    ونرى كيف فرحت ابنة النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة رضي الله عنها عندما بشرها أبوها صلى الله عليه وآله وسلم بأنها سيدة نساء الجنة، إذ تصف أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها لحظات تلك الفرحة الكبرى التي بدت على فاطمة رضي الله عنها فتقول كما في الصحيح: (أقبلتْ فاطمة تمشي كأن مشيتها مشي النبي صلى الله عليه وسلم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: مرحباً بابنتي ...) انظر إلى الهدي؛ الهدي النبوي في استقبال البنات! وكيف كان -كما ورد في بعض الروايات- يقوم لقدومها ويجلسها مكانه صلى الله عليه وسلم! فقبحاً لقومٍ يسخطون إذا ما رزقهم الله بالبنات!

    (... ثم أجلسها عن يمينه، أو عن شماله، ثم أسر إليها حديثاً فبكت، فقلت لها: لِمَ تبكين؟! ثم أسر إليها حديثاً فضحكت، فقلت لها: ما رأيت كاليوم فرحاً أقرب من حزن؟! فسألتُها عما قال، فقالت: ما كنت لأُفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم. حتى قُبض صلى الله عليه وسلم. تقول عائشة : فسألتها، -فانظر مدى الحرص العظيم من أم المؤمنين عائشة على العلم!- تقول: فسألتها فقالت: أسَرَّ إليَّ أن جبريل كان يعارضه القرآن كل سنةٍ مرة، وإنه عارضه العام مرتين ولا أراه إلا حضر أجله. فيقول لي صلى الله عليه وسلم: وإنكِ أول أهل بيتي لحاقاً بي، فبكيتُ، فقال لي بعد ذلك: أما ترضين أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة، أو نساء المؤمنين؟! فضحكتُ لذلك)، رضي الله تعالى عنها، وهي أهلٌ أن تنال هذا المقام الرفيع.

    كما نرى كيف فرح الصحابي الجليل أبو هريرة حتى بكى من شدة الفرح عندما اهتدت أمه ودخلت الإسلام، عندما طلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو لها بالهداية، يقول أبو هريرة عن تلك اللحظات السعيدة كما في الصحيح: (فأتيته وأنا أبكي من الفرح، قال: قلت يا رسول الله! أبشر، قد استجاب الله دعوتك، وهدى أم أبي هريرة، فحمد الله وأثنى عليه وقال خيراً).

    وينقل لنا الصحابي الجليل أنس خادم النبي صلى الله عليه وسلم فرحةَ الصحابة التي ما كان يعدلها فرحة، عندما بشرهم النبي صلى الله عليه وسلم بأن المرء يكون مع من أحب يوم القيامة، حتى إن لم يعمل العمل الكثير، يقول أنس كما في الصحيح : (أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الساعة، فقال: متى الساعة؟ قال: وماذا أعددت لها؟! قال: لا شيء، إلا أني أحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فقال: أنت مع من أحببت، قال أنس : فما فرحنا بشيءٍ فَرَحنا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: أنت مع من أحببت) قال أنس : [فأنا أحب النبي صلى الله عليه وسلم، وأبا بكر، وعمر ، وأرجو أن أكون معهم بحبي إياهم، وإن لم أعمل بمثل أعمالهم].

    اللهم اشهد إنا نحب نبيك محمداً صلى الله عليه وسلم، ونحب أبا بكر ، وعمر، وبقية صحابة نبيك، فاحشرنا معهم.

    هذه نماذج من فرح المؤمنين بفضل الله ورحمته، مما يدل على ما في قلوبهم من الإيمان الذي استحقوا أن يمنحهم الرب هذه الحياة الطيبة كنتيجةٍ لأعمالهم الصالحة، وصدق الله العظيم: مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النحل:97].

    لقد حققوا الشطر الأول من المعادلة بالعمل الصالح، فحقق الله لهم شطرها الآخر بالحياة الطيبة، ويوم القيامة يجزيهم بأحسن ما كانوا يعملون.

    فمن أراد أن يتحقق له الشطر الثاني من المعادلة وهي: الحياة الطيبة فليأتِ بالشطر الأول وهو: العمل الصالح الخالص الصادق لله، ويوم القيامة فليَبْشِر، فسيجزيه الله بأحسن ما كان يعمل في الدنيا، فهل نحن واثقون بوعد الله؟!

    أرجو الله أن نكون كذلك.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755822428