إسلام ويب

لعبة الموتللشيخ : سامي الحمودي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • تحدث الشيخ عن ظاهرة ضارة، انتشرت بين أوساط الشباب في بعض البلاد الإسلامية، وهي ظاهرة التفحيط وقد تكلم خلال هذه المحاضرة عن الخسائر الفادحة جداً الناتجة عن هذه الظاهرة، مبيناً مظاهر التفحيط وواقعه عند الشباب، ومتحدثاً عن أضراره، وحكم الشرع فيه، والأسباب الدافعة لهذه اللعبة القاتلة، وعلاج هذه الظاهرة، وفي الختام ذكر حواراً بين أحد رجال المرور وأحد الشباب الذين يمارسون هذا العمل المشئوم.

    1.   

    تحول النعمة إلى نقمة

    الحمد لله الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى [الأعلى:2]، وقَدَّرَ فَهَدَى [الإنسان:3]، وأَمَاتَ وَأَحْيَا [النجم:44]، وأَغْنَى وَأَقْنَى [النجم:48]، اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى [طه:8].

    والصلاة والسلام على عبده المصطفى، ورسوله المجتبى محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجهم واقتفى.

    أما بعد:

    حياكم الله أيها الشباب! في هذا اللقاء، وأسأل الله سبحانه وتعالى الذي جمعنا بكم أن ينفعنا بما نقول ونسمع.

    أيها الأحباب: السيارة نعمة من نعم الله، وأي نعمة! فكم قضت من حاجة، وكم أسعفت من مريض، وكم أغاثت من ملهوف، ناهيك عن الطاعات والقربات التي يتقرب إلى الله عز وجل بها، من سيرٍ إلى المساجد، أو حجٍ وعمرة، أو بر والدين، أو صلة رحم، أو عيادة مريض.

    ولقد أشار الله سبحانه وتعالى إلى هذه النعمة المتجددة -أعني: نعمة وسائل النقل- قبل ألفٍ وأربعمائة سنة، يقول الله سبحانه وتعالى في الآية الكريمة: وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ * وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ [النحل:7-8].

    قال سبحانه: وَيَخْلُقُ [النحل:8] ماذا؟ وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ [النحل:8].

    قال الشيخ ابن السعدي رحمه الله تعالى في تفسيره : وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ [النحل:8]: مما يكون بعد نزول القرآن من الأشياء التي يركبها الخلق في البر والبحر والجو، ويستعملونها في منافعهم ومصالحهم. انتهى كلامه.

    إنها -أيها الأحباب- نعمة عظيمة تستوجب شكر المنعم سبحانه وتسخيرها فيما يحبه ويرضاه.

    لكننا في هذا الزمان رأينا والله كيف يحوِّل بعض شبابنا هذه النعمة إلى نقمة، نعم! رأيناهم بالموت يلعبون، وبالأرواح يغامرون، وبالأبرياء يضحون، وللأموال يبددون، إنها لعبة الموت؛ (تفحيطٌ وتطعيس)، (ترذيعٌ وتخميس)، و(جنونٌ وتهويس).

    وفي هذا اللقاء ننقلكم إلى مشاهد مروعة، وأحداثٍ واقعية يوم أن يتلاعب شبابنا بالموت، نعم! الموت الذي يأخذ أربعة آلاف ومائتي إنسانٍ سنوياً في هذه البلاد بسبب حوادث مرورية، ففي عامٍ واحدٍ تقول الإحصائيات: أربعة آلاف ومائتا حالة وفاة، وألفٌ ومائة إعاقة دائمة، وثمانية آلاف إعاقة مؤقتة سنوياً.

    وقد ازدادت الحوادث المرورية في المملكة العربية السعودية خلال عشر سنواتٍ فقط بنسبة (400 %)، وخلال ثلاثٍ وعشرين سنة بلغ عدد المصابين بحوادث المرور في المملكة أكثر من نصف مليون مصاب، توفي منهم ستون ألف إنسان.

    أرقامٌ مخيفة تقف وراءها ظواهر سيئة؛ كالسرعة، وقطع الإشارة، والتفحيط، وغيرها.

    ظاهرة التفحيط ظاهرة مرعبة؛ لكنها عند بعض شبابنا مجرد لعبة. إنها (لعبة الموت).

    - فما هي ظواهرها عند شبابنا؟! وما واقعها في شوارعنا؟!

    - ثم ما هي آثارها؟!

    - وما حكمها؟!

    - وما دوافعها وأسرارها؟!

    - وما هو العلاج منها؟!

    - وما هي عقوباتها؟!

    هذا ما ستستمعون إليه بإذن الله تعالى في هذه المحاضرة.

    - ونختم بحوارٍ طريفٍ بين أحد المفحِّطين، وأحد رجال المرور.

    1.   

    مظاهر التفحيط وواقعه عند الشباب

    ولنبدأ -أيها الإخوة- بالعنصر الأول من هذه المحاضرة وهو: مظاهر التفحيط وواقعه عند الشباب :

    ماذا يفعل هؤلاء الشباب في الشوارع؟! وما الذي يدور خلف الكواليس؟

    شابٌ متهورٌ يقوم بحركاتٍ قاتلة يصوب سيارته إلى مجموعة من الجماهير التي اصطفت يميناً وشمالاً في الطرقات، وبعد المباريات، وعند المدارس والساحات، يشجعون ويضحكون؛ ولكن سرعان ما يندمون ويبكون.

    الألقاب والشهرة بهذه الظاهرة

    ولعلك -أخي- تسمع ألقاباً غريبة لهؤلاء المفحِّطين:

    أحدهم لقب نفسه بـ(ليمونة). والآخر: (كازانوفا).. (قشطة).. (الشبح).. (العقرب).. (فرُّوج).. (آمري يا كامري).. (الزين يطلب).. وآخر لقب نفسه بـ(الخنزير) -أكرمكم الله-.

    هذه الألقاب تكون وسيلة لصورة المفحِّطين بين الشباب، وصعوبة معرفتهم من رجال الأمن أو من بعض أقاربهم.

    التعاون الممقوت لممارسة هذه الظاهرة

    واشتهر المفحِّطون حتى بلغ الحال ببعض شبابنا أن يدفعوا للمفحِّط المَبالغ الطائلة حتى يفحِّط، ويُنْعِش القلوب.

    يقول أحد المفحِّطين: كان بعض الناس يؤمِّنون لي السكن والرحلات مقابل التفحيط، وفي يوم من الأيام يقول: قابلني شاب في شارع التخصصي، يقود سيارة فخمة، وقال لي: هذا مبلغ خمسة آلاف ريال. قلت له: مقابل ماذا؟!

    قال: بدل مواصلات ووقود، بشرط أنك تفحِّط في حارتنا، ثم تقف ويسلم عليك أحد الشباب، ويركب معك واحد من (الشلة) حتى يعرف الجمهور أنك من (شلتنا).

    وإذا قُبِض على المفحِّط ثم خرج من السجن أقام له رفاقه الاحتفالات، واستأجروا الاستراحات، وقد يدعون إليها بعض المغنين والمطبلين في جلساتٍ على المحرمات، فرحاً بخروج هذا البطل من السجن.

    ويحدثني أحد الشباب الموظفين في المرور يقول: مع توفر الجوالات (الهواتف المحمولة) أصبح الشباب يتناقلون الأخبار أن المفحِّط المشهور سيفحِّط في الشارع الفلاني. يقول: وفي بعض الأحيان يعجز جوال المفحِّط عن الاستقبال، لماذا؟! لأن المتصلين يتصلون بكثرة عند الموعد.

    وهناك -أيها الإخوة- مواقف وأوقات تمثِّل مناخاً خصباً لهذه الظاهرة، كالمباريات، والتجمعات، وأوقات الامتحانات، حتى ينتشر طلابنا بعد الامتحان ما بين مفحِّط ومتفرج.

    التفنن المشين في هذه اللعبة

    أيها الإخوة: لقد فُتِن كثيرٌ من شبابنا بهذه الظاهرة وأصبحوا يتفننون في أنواع الحركات المميتة: (تربيع).. (تخميس).. (سلسلة أو عقدة).. (استفهام)، بل حركة اسمها (حركة الموت).

    تعرفون ما هي حركة الموت؟!

    حركة الموت أنواع:

    منها: ما حدثني به أحد الشباب الموظفين في المرور، يقول: حركة الموت إذا وصلت السيارة إلى سرعـة هائلـة؛ (180) كم، (190) كم، أميل السيارة المرة الأولى، ثم يقول: أعيدها إلى الجهة الأخرى، وأترك السيارة تمشي بسرعة على جنبها حتى تتوقف، وكم حدث بسببها من إصابات ووفيات!

    أما النوع الآخر من حركة الموت، فهو والله أشبه بالجنون: ينطلق المتحدي من جهته بأقصى سرعة، ثم يقابل المتحدي الآخر وجهاً لوجه والجبان هو الذي ينحرف عن صاحبه، وقد يكون كل واحدٍ منهما شجاعاً في تلك اللحظة فتقع الكارثة، كما يذكر لي أحد ضباط المرور يقول: كان آخر ضحايا هذه الحركة شابين قبل أيام، أحدهما توفي في الحال، والآخر نُقِل إلى الإنعاش.

    إدمان هذه الظاهرة

    ومع ممارسة التفحيط وتشجيع الشباب يصاب المفحِّط بالإدمان، كما يقول أحد الشباب عن التفحيط لما سألناه عنه، يقول: التفحيط لَهْوٌ، ثم هواية، ثم إدمان.

    بل -يا إخواني- حتى الركاب يصابون بالإدمان، يُحدثنا أحد المفحِّطين: أن اثنين من الشباب ركبا مع أحد المفحِّطين. يقول: نجاهم الله عز وجل من الموت في حادثٍ مروِّع. يقول: وفي اليوم التالي رأيتهم يبحثون عن أحد المفحِّطين ليركبوا معه ويفحِّط بهم. سبحان الله!

    ومن العادات السيئة التي ظهرت مؤخراً: التجمعات، والمواكب في الشوارع، عشرات السيارات تجتمع سوياً وتدور بسرعة واحدة، وغالباً ما يتقدم المسيرة أو التجمع سيارة أو سيارتان تقومان بالتفحيط.

    هذا هو جزء من واقع هذه الظاهرة بين شبابنا.

    ولعل أخاً كريماً وشاباً فاضلاً يعترف ويقول: لماذا كل هذا الخوف والتحذير؟!

    أنتم كل شيء عندكم حرام وممنوع؟!

    فأقول: أيها المبارك! إليك العنصر الثاني من المحاضرة وهو:

    1.   

    أضرار التفحيط

    أيها الأحبة: للتفحيط آثار وأضرار خطيرة على الشاب، وعلى الأسرة، وعلى المجتمع:

    قتل النفس

    فأول هذه الأضرار: قتل النفس.

    الموت وكفى به ضرراً.

    فالمفحِّط وهو يقوم بهذه اللعبة يغامر بروحه التي يحيا بها، وحواسه التي يشعر بها، وأطرافه التي يتحرك بها، لعبة الموت كم أزهقت من روح، وكم فجرت من جروح، إنها مسرحية الانتحار، فكيف يرضى العاقل أن يقتل نفسه أو يشل جسده؟!

    ومن المؤسف يا شباب أن أول من يتضرر من المفحِّط عند وقوع الحادث رفقاؤه الذين يركبون معه أو يشجعونه فيتركونه يصارع الموت ويهربون، وقد يعود أحدهم لأخذ جواله أو بعض أغراضه ولا يفكر في مساعدة رفيقه المصاب.

    في أحد شوارع الرياض يقوم أحد المفحِّطين المشهورين بالتفحيط في حادثة مشهورة، وبعد لحظات تصطدم سيارته بأحد الشاحنات في حادثٍ مؤلم، دخلت السيارة تحت الشاحنة فيموت هذا المفحِّط على الفور، ويُنْقل الشباب الذين معه إلى العناية المركزة.

    وهذا أبو حبل أحد المفحِّطين في الرياض يحدثنا بعد إيقافه من قبل مرور الرياض ويقول: كنت أركب مع أحد المفحِّطين، فحلف عليَّ أحد أصدقائي أن أنزل، ويركب هو مع المفحِّط، فقلت له: والله ما أنزل، ثم عاد؛ فحلف عليَّ مرة أخرى فنزلت وركب هو مع المفحِّط، يقول: بعد شوطٍ واحد فقط وقع الحادث المؤلم فمات هذا الصديق في الحال، يقول: تأثرت لفقد هذا الصديق، وكرهت التفحيط من تلك اللحظة.

    أيها الأحبة: في مستشفى النقاهة وقفتُ على شابين من ضحايا التفحيط، هذان الشابان مصابان بالشلل النصفي، أدخلُ الغرفة فإذا بالمنظر المؤلم، على السرير الأيمن شاب عمره يوم أن دخل المستشفى عشرون عاماً، ثم أمضى بعد الحادث أحد عشر عاماً على السرير، نظرتُ إليه، قد انكمشت أطرافه، وانحرفت رقبته، وشُلَّت حركته، فلم يبقَ لهذا الشاب من الحركة سوى نظرة بالعين، والتفاتة يسيرة بالعنق، نظر الشاب إليَّ وقد تغيرت ملامح وجهه كأنه يريد أن يعبر لي عن شعوره؛ لكنه لا يستطيع الكلام، حاولت -يا إخواني- أن أتكلم مع هذا الشاب، ماذا أقول له؟! عجزت -والله- أن أخرج والله كلمة! لم أجد إلا أن أرفع إصبعي إلى السماء؛ لعلي أن أذكر هذا الشاب رحمةَ رب العالمين، الذي لا يضيع أجر الصابرين.

    ثم التفت في الغرفة نفسها إلى السرير الآخر وإذا بالمصيبة الأخرى، شاب دخل المستشفى وعمره أربعة وعشرون عاماً ثم أمضى في المستشفى بعد الحادث ثمان سنوات، عندما كنت عند هذا الشاب كان بجواره أحد الممرضين، وكان مع هذا الممرض وعاء فيه طعام سائل، كيف يأكل هذا الشاب؟! رأيت والله بعيني الممرض يرفع السائل من الوعاء بالملعقة، فإذا وصلت الملعقة إلى فم هذا الشاب المسكين حرك شفتيه ليشرب، ثم ينتظر الملعقة الأخرى، وهكذا يأكل، هكذا يعيشون -أخي الشاب- بعد أن فقدوا حياتهم، إنهم أموات في صور أحياء، أسأل الله أن يلهمهم الصبر، ويُعْظِم لهم الأجر.

    هذه أحوالهم أخي الشاب! فإن لم تتعظ وترتدع فزُرْهم فليس من رأى كمن سمع.

    التعدي على الآخرين

    الضرر الثاني من أضرار هذه الظاهرة: التعدي على الآخرين بإتلاف أرواحهم، وتحطيم أبدانهم، وترويعهم في طرقاتهم :-

    أيها الأحبة: كم من رجالٍ ونساء وأطفالٍ أبرياء تحولوا إلى أشلاء بسبب تهور المفحِّطين! كل من يركب مع المفحِّط، أو يتفرج عليه، أو يسير في الشارع بأمان عُرْضَة لهذا الخطر العظيم.

    رأينا شاباً ركب مع أحد المفحِّطين في أحد شوارع الرياض ، بدأ التفحيط، وبسبب السرعة الرهيبة اختل توازن السيارة، فصارت السيارة تزحف على جنبها مسافة طويلة، ثم اتجهت إلى الرصيف، صعدت الرصيف ارتطمت بقوة هائلة في العمود، وكانت الضربة من جهة الراكب ففارق هذا الشاب الحياة فوراً.

    أما السائق المفحِّط فنزل ولاذ بالفرار مع بعض رفاقه.

    التقيت بأحد المفحِّطين في مرور الرياض وسألته عن هذه الحادثة، فذكر لي هذا الشاب أنه كان موجوداً في الشارع وقت وقوع الحادث، يقول: عندما وقع الحادث اتجهنا إلى السيارة، وإذا بالحديد قد التف على الراكب، وهذا الشاب يصرخ ويستنجد بالشباب: يا شباب أغيثوني، أخرجوني من السيارة، يقول: لم نستطع إخراجه إلا بصعوبة بسبب قوة الصدمة.

    بقي هذا الشاب شيئاً من الوقت ثم مات، وكان قد رزق ببنتٍ وحيدة، سرعان ما أصبحت يتيمة، وقد ولدتها أمها قبل أسبوع واحد من الحادث.

    وفي حادثٍ آخر في أحد أحياء شرق الرياض ، يخرج علي بعد الامتحان، أحد طلاب المتوسطة، وبينما كان هذا الطالب يقف قرب أحد المساجد أقبل أحد المتهورين المفحِّطين، ففقد السيطرة على السيارة، فانحرفت باتجاه الفتى المسكين، حاول الهرب؛ لكن السيارة المسرعة لم تدع لهذا الشاب خياراً، وسرعان ما ارتطمت به السيارة، وسحقته على الجدار، فتطايرت كتبه في الهواء، وتفجرت من أشلائه الدماء، وفي المستشفى تُبْتَر ساق علي بسبب الصدمة، ثم يموت متأثراً بإصابات في رأسه.

    وفي شارع أبي موسى الأشعري في حي الروضة يمر ثلاثة أطفال إخوة، وبينما كان أحد الشباب يفحِّط بسيارته تصطدم سيارته بسيارة أخرى، فتنحرف السيارة باتجاه الرصيف لتسحق الأطفال الثلاثة، يتوفى أحدهم في الحال، وينقل الآخران إلى المستشفى وهم بحالة خطرة.

    وأعرف -أيها الأحبة- امرأة عمرها الآن ستة وعشرون عاماً، هذه المرأة لا تشعر بمن حولها، لم يبق لها من الحياة إلا النَّفَس والأكل عبر أنبوب من أنفها وفتحة في حلقها، هي على هذه الحالة منذ ثلاثة عشر عاماً، ما السبب؟!

    كانت هذه المرأة طفلة عمرها ثلاثة عشر عاماً، خرجت من المدرسة، ومعها زميلاتها الثلاث، يقبل أحد الشباب المفحِّطين، فتنحرف سيارته إلى الرصيف لتسحق الأزهار الأربع، فتموت واحدةٌ منهن في الحال، وتصاب اثنتان بكسور، وتبقى الرابعة -التي أحدثكم عنها- ثلاثة عشر عاماً على سريرها بين أهلها؛ لكنها في عداد الأموات.

    وقبل سنوات، وفي إحدى ساحات التفحيط في جنوب الرياض وقفتُ بنفسي على دماء أحد الأطفال، خرج هذا الطفل البريء من بيت أهله وهو يلبس حذاءً له عجلات، ولما كان في منتصف الشارع أقبل أحد المفحِّطين يسير بسرعة رهيبة فيصطدم بهذا الطفل فيطير في السماء عدة أمتار ويسقط على الأرض، ثم ينزف الدم ويموت.

    بل قد يتعدى المفحِّط على أحد أقاربه، أو أحبابه، وهو لا يدري: كما وقع لأحد المفحِّطين حينما اصطدمت سيارته بإحدى السيارات نزل من السيارة، فاكتشف أنه اصطدم بأحد أخواله.

    ويحدثنا مفحِّط عمره واحد وعشرون عاماً، موقوفٌ في مرور الرياض يقول: كنتُ في أحد الأيام أفحِّط وأفحِّط حتى وقع الحادث، نزلت من السيارة وإذا بالمصدوم والدي، لا إله إلا الله! إنسان يصدم والده! إنسان يؤذي أباه! يقول: والحمد لله أن والدي لم يتأثر بسبب الصدمة.

    وهذا الشاب عمره تسعة عشر عاماً يقول: بينما كنت أقوم بالتفحيط قبل سنة اصطدمت بأحد أعمدة الإنارة، انقلبت السيارة، فتوفي أخي، وأحد أبناء عمي؛ حيث كانا يركبان معي.

    يا إخوان: حتى المتفرجون في سياراتهم لم يسلموا من الخطر! بعض الشباب يقول: أنا أتفرج على التفحيط في سيارتي من بعيد وليس علي من ضرر! فأقول: هذا شاب يتفرج على التفحيط وهو في سيارته فتنحرف سيارة المفحِّط وتتجه صوب سيارة هذا الشاب، فتصطدم بها، وتزحف السيارة ما يقارب ثلاثين متراً، ولم يوقف السيارة إلا كومة من الرمال، والنتيجة أن هذا الشاب نُقِل بعد الحادث إلى العناية المركزة.

    الخسائر المادية

    الضرر الثالث من أضرار التفحيط: الخسائر المادية في الممتلكات العامة والخاصة بسبب حوادث التفحيط:

    أيها الإخوة: هناك أموالٌ طائلة، وثرواتٌ مهدرة تنفق سنوياً بسبب تهور المفحِّطين، حوادث شنيعة، آثارها مضاعَفَة.

    ففي أحد الحوادث -على سبيل المثال- تصطدم سيارة المفحِّط بسيارة أخرى، فترتطم هذه السيارة بثلاث سيارات تقف على جانب الطريق حتى إن السيارات الواقفة -يا إخوان- تزحزحت عن مكانها بسبب قوة الصدمة، وكانت النتيجة تلفيات كبيرة في السيارات الخمس.

    التفحيط مفتاح الجرائم

    الضرر الرابع: أن التفحيط مفتاحٌ للجرائم:

    مفتاحٌ لجرائم متعددة؛ سرقات، أخلاقيات، مسكرات، مخدرات، ما إن يدخل الشاب عالم التفحيط إلا ويتعرف على مجموعة من المنحرفين الذين يفتحون له أبواب الشرور.

    يقول أحد المفحِّطين: كان الشباب يدعونني إلى أشياء كثيرة يقولون: كيف تفحِّط ولا تدخن معنا؟! كيف تفحِّط ولا تشرب المسكر معنا؟! كيف ولا تفعل كذا وكذا؟!

    يقول: كنت أحياناً أجاملهم، يقول: كنت أضع السيجارة في فمي وأنا -والله- لا أدخن.

    ويقوم بعض مروجي المخدرات بالتعرف على بعض المفحِّطين، ويعرضون عليهم الأموال في مقابل إيصال المخدرات.

    كما إن كثيراً من المفحِّطين يقومون بالتفحيط بسرعاتٍ عالية، وهم تحت تأثير المخدرات أو المسكرات، فهذا شاب عمره سبعة عشر عاماً يحدثنا في دار الملاحظة يقول: كنت في الغالب لا أفحِّط إلا وأنا محشش، كما يقول.

    أما السرقات فإن كثيراً من حوادث السرقات وسرقات السيارات إنما يعود سببها إلى التفحيط: فهذا شاب عمره سبعة عشر عاماً موقوف في دار الملاحظة يقول: قمتُ أنا وبعض رفاقي بسرقة سيارة. لماذا؟!

    يقول: لكي نقوم بالتفحيط عليها.

    وفي إحدى المرات قمت بالتفحيط بسرعة هائلة انحرفت السيارة انقلبت على طفلٍ عمره أربعة عشر عاماً، فمات هذا الطفل في الحال، يقول: هربت لكني سرعان ما اكتُشِفْت من أحد الجماهير، فتم القبض علي.

    وهذا آخر عمره أيضاً سبعة عشر عاماً موقوفٌ في دار الملاحظة في قضية سرقة، يقول: سبب قيامي بالسرقة هواية التفحيط، رأيت تجمعات الشباب بعد مباريات دورة الخليج؛ لكني لم يكن عندي سيارة، فقمت أنا وبعض أصدقائي بسرقة سيارة والتفحيط بها.

    ويقول أحد المفحِّطين: كنا نسرق كل شيء؛ نسرق السيارات، لوحات السيارات، الإطارات، وأشياء كثيرة بسبب التفحيط.

    وأيضاً -يا إخواني- من الجرائم: ما يقوم به بعض المفحِّطين من استئجار سيارة، أو يستأجرها له غيره من الشباب، ثم يفصلون العداد، ويستخدمون هذه السيارة استخداماً سيئاً دون مبالاةٍ بحقوق الآخرين.

    المعاناة الأسرية

    الضرر الخامس: معاناة أسرة المفحِّط:

    فقد تسَبَّبَ كثيرٌ من المفحِّطين في معاناة آبائهم وأمهاتهم وأفراد أسرتهم، إما بسبب كونه مطلوباً للجهات الأمنية، أو بسبب مراقبة المنزل، أو بسبب الحوادث المترتبة على قيامه بالتفحيط، أو بسبب السمعة السيئة التي تلحق الأسرة بفعله.

    فهذا أحد المفحِّطين يقول: كانت أمي مصابة بالسكر وارتفاع الضغط، وكنت أسبب لها الكثير من المشاكل، وأذكر أنه عندما قُبِضَ عليَّ وزارتني أمي أغمي عليها لَمَّا رأتني في الزنزانة.

    وهذا آخر يقول: كانت أمي تبكي خوفاً عليَّ، ووالله إنها إذا سمعت صوت الإسعاف بكت، لماذا؟ يقول: لأنها تظن أن هذا صوت الشرطة، وأنهم قادمون للقبض عليَّ.

    يقول هذا الشاب: وإذا عدتُ متأخراً في آخر الليل وجدتُ أمي تنتظرني، لا تذوق طعماً للنوم خوفاً عليَّ.

    وبعد إحدى المحاضرات حدثني أحد الإخوة الشباب أن إحدى عماته ابتليت بابن متهور، سَعَتْ هذه الأم في تزويج هذا الشاب حتى يصلح حاله، تزوج الشباب، وأنجبت زوجته بنتاً وحيدة، ثم طلقها بسبب كثرة المشاكل، عاد هذا الشاب إلى رفاقه السيئين، وبدأ يمارس التفحيط، وبينما كان يفحِّط في أحد الشوارع قام بدهس أحد الأشخاص، فمات هذا الشخص بسبب الضربة، ثم فُجِعَت الأمُّ المسكينة بالحادث، أُوْدِعَ الولد السجن، ثم سَمِعَت هذه الأم أن أهل المجني عليه سيطالِبون بالقصاص من ولدها، ظنَّت هذه الأم أن ولدها قاتلُ عَمْدٍ يستحق القصاص، فتوجهت إلى أهل القتيل، تعلقت بوالده، قَبَّلَت رأسه، فرَقَّ لها، ووعدها أن يعفو عن ولدها، وبعد أيام اجتمع أهل المجني عليه وقالوا لوالده: أبداً، ما تعفُ عن هذا الشاب، نزل الخبر على الأم المسكينة كالصاعقة، يقول هذا الشاب: أقبل الليل، فلم تر عمتي كهذه الليلة الظلماء حزنٌاً وبكاءً، هماً ودعاءً، حتى تفطَّر قلبها.

    وفي الصباح افتقد أهل البيت صوت هذه الأم المسكينة، دخلوا عليها الغرفة فإذا بالمشهد المؤلم، نعم! لقد ماتت الأم ماتت بعد همٍّ وحزنٍ على هذا الولد المتهور.

    القلق والاضطراب النفسي

    أما الضرر السادس من أضرار التفحيط فهو: ما يعيشه المفحِّط من قلقٍ واضطراب:

    يا إخوان: المفحِّطون في قلق وهَمٍّ وغَمٍّ واضطراب، ما إن يشك في سيارة إلا ويظنها من سيارات الأجهزة الأمنية، ما إن يقابل إنساناً إلا ويحسبه متعاوناً مع رجال الأمن، قلق، خائف، لا يستقر حاله، ولا يستطيع أن يجلس في مكانٍ عام.

    تعطيل الحركة المرورية

    أما الضرر السابع فهو: تعطيل الحركة المرورية :-

    وجود الازدحام واختناق السير في شوارع المسلمين.

    التفحيط سبب للتجمعات والفوضى

    أما الضرر الثامن والأخير فهو: ما يسببه التفحيط من تجمعات الشباب التي تكون سبباً في الفوضى، والتعدي على الناس، والممتلكات، وانتهاك الأنظمة.

    1.   

    حكم التفحيط شرعاً

    العنصر الثالث من هذه المحاضرة: حكم التفحيط شرعاً :-

    لا يشك من كان له أدنى رائحة من العلم الشرعي أن التفحيط محرمٌ في الشريعة الإسلامية، وأن مرتكبه متوعَّدٌ بالعقوبة جزاء إيذائه عباد الله تعالى، يقول سبحانه وتعالى: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً [الأحزاب:58].

    وفي الصحيحين أنه عليه الصلاة والسلام قال: (إن الله كره لكم ثلاثاً: قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال).

    ولهذا أفتى علماء المسلمين في هذا العصر بحرمة التفحيط، وقد جاء في فتوى اللجنة الدائمة للإفتاء في هذه البلاد ما نصه: (التفحيط ظاهرة سيئة، يقوم بارتكابها بعض الشباب الهابطين في تفكيرهم وسلوكهم، نتيجةً لقصورهم في تربيتهم وتوجيههم، وإهمالٍ من قبل أولياء أمورهم، وهذا الفعل محرمٌ شرعاً، نظراً لما يترتب على ارتكابه من قتل للأنفس، وإتلاف للأموال، وإزعاجٍ للآخرين وتعطيلٍ لحركة السير).

    1.   

    أسباب التفحيط ودوافعه

    العنصر الرابع من هذه المحاضرة: أسباب ودوافع التفحيط:

    لماذا يفحِّط الشباب؟!

    التفحيط أيها الإخوة ليس مجرد حركاتٍ بالسيارة، بل هو ظاهرة لها دوافعها وأسبابها.

    ومن الطريف -أيها الشباب- أننا سألنا أحد المفحِّطين الموقوفين في المرور عن أسباب التفحيط، قلنا له: لماذا تفحِّطون؟!

    فقال: التفحيط وراثة.

    سبحان الله! ما سمعنا أن التفحيط من الأمراض الوراثية. قلنا: لماذا؟!

    قال: أنت ما رأيت الأطفال الصغار وهم يمسكون النعال مثل مقود السيارة ويفحِّطون؟!

    طبعاً هذا الكلام غير صحيح.

    هناك أسباب ودوافع مهمة لفهم هذه الظاهرة، ولعلنا نقتصر على أهم الأسباب:

    ضعف الإيمان

    فأول الأسباب أيها الشباب: ضعف الإيمان:

    التفحيط أمرٌ محرمٌ شرعاً، لا يُقْدِم عليه إلا مَن ضعف إيمانه، وقلَّت خشيته مِن الله تعالى، وإلا كيف يرضى -يا إخوان- المسلم حقاً أن يؤذي نفسه وإخوانه بهذه الأفعال، ولهذا يقول المصطفى عليه الصلاة والسلام كما في الصحيح : (المسلم -أي: المسلم الكامل- مَن سلم المسلمون من لسانه ويده)، فإذا رأينا إنساناً يؤذي إخوانه فلنعلم أنه ضعيف الإيمان والصلة بالله تعالى.

    طلب الشهرة وحب الظهور

    السبب الثاني: حب الظهور، والشهرة:

    وهذا من أهم الأسباب التي تدفع الشاب إلى ممارسة التفحيط، رغبة في الشهرة, وطمعاً في تهافت المعجبين عليه.

    فهذا شاب عمره سبعة عشر عاماً، موقوف في دار الملاحظة، يقول لما سألناه: لماذا تفحِّط؟ يقول: أفحِّط لتشتهر سُمْعتي عند الشباب، ويعرفوا أني سائق، ولهذا قمتُ بسرقة إحدى السيارات وبعد قيامي بالتفحيط بها تم القبض عليَّ.

    إن كثيراً من المفحِّطين يُفْتَن بالشهرة، والشباب يرونه إنساناً محترفاً سواقاً، كما يقولون: (مَلِك الطارة)، فيتسابقون إلى التعرف عليه، وهذا يجعله يدمن على التفحيط، ولا يقلع عنه.

    ومن الطرائف في مسألة حب الظهور: ما حدثني به أحد الشباب الموقوفين، يقول: لما رأيتُ زملائي متجمعين بجوار سور المدرسة أردتُ أن أظهر مهارتي أمام الشباب يقول: أقبلتُ بالسيارة بسرعة ومع المنعطف سحبت الكابح اليدوي، يقول: ما شعرتُ إلا والسيارة تتجه إلى إحدى الأشجار وتصطدم بها، فيا لَلْخزي والندم! يقول: يا ليتني ما جربتُ هذا الفعل أمام الشباب.

    الفراغ

    ومن الأسباب وهو السبب الثالث: الفراغ:

    شباب يتسكعون في الشوارع، يجوبون الأحياء بلا مهمة، بلا هدف، هذا هو حال كثيرٍ من المفحِّطين، أكثرهم من أهل البطالة العاطلين عن العمل، والآخرون ممن لم يستثمروا أوقاتهم الفائضة فيما ينفعهم في الدين أو الدنيا.

    التقليد وضعف الشخصية

    السبب الرابع: تقليد ومحاكاة رفقة السوء:

    وهذا أمرٌ بارز في حياة المراهقين، حيث إن كثيراً من السلوكيات الخاطئة إنما يكتسبها المراهق من طبقة الأقران.

    لعلكم -يا شباب- تلاحظون في بعض الشلل أو تجمعات الشباب شاباً له شعبية بين الشباب، إما بسبب امتلاكه قدرات معينة، أو بسبب اتصافه بالمرح والدعابة، أو غير ذلك، فيتأثر الشباب بهذا الشاب تأثراً كبيراً في سلوكهم، وفي تصرفاتهم، وألفاظهم، بل وحتى كلمات المزاح، ومصطلحات الشباب تجد أنهم سرعان ما يحفظونها مِن فَم هذا الشاب، وتنتشر بينهم.

    ومن هنا نقول: كثيرٌ من الشباب دخلوا عالم التفحيط تقليداً ومحاكاةً لمن حولهم من الرفاق، وأشير هنا إلى قضية مهمة وهي قضية التحدي الذي يقع بين الشباب!

    فهذا أحد الشباب يقول: كنتُ أسير بسرعة (190) كيلو متر -سرعة رهيبة-، يقول: فتحداني أحد الشباب أن أفحِّط بهذه السرعة -منتهى الجنون-، يقول: قبلتُ التحدي، ومع أول محاولة للتفحيط انكسر العكس، وانقلبت السيارة، ووقع الحادث المؤلم، بعد الحادث يقول: لم أستطع الخروج من السيارة؛ لأن الحديد قد التفَّ عليَّ بسبب الصدمة.

    يقول هذا الشاب: أمضيتُ لحظاتٍ مؤلمة داخل السيارة، أنتظرُ احتراق السيارة، أو انفجارها في أية لحظة، حتى حَضَر رجال الأمن وقصوا الحديد وأخرجوني من السيارة، وكأنما خرجت إلى الحياة من جديد؛ ولكن مع كل أسف توفي أحد الشباب الذين كانوا يركبون معي.

    ومن الطريف في قضية التقليد والمحاكاة: أن أحد المفحِّطين كان يركب مع عاملٍ بنغلاديشي يعمل عندهم، العامل يقود السيارة وهذا الشاب يقول لهذا العامل: أنا اليوم إن شاء الله أعلمك التفحيط.

    قال العامل: (كيف تفحيط)؟!

    قال: أنا أعلمك، لُف المقود يميناً -لَفَّ يميناً-، لُف يساراً -لَفَّ يساراً-. والسيارة تضطرب يميناً وشمالاً.

    وبعد أول شوط من التفحيط كانت الدورية بالمرصاد في وجه هذا العامل المسكين، أوقِفَ العامل، وسجلت بحقه قضية رسمية مسجلة في مرور الرياض ؛ قضية تفحيط.

    ضعف رقابة الأسرة وغفلة الآباء

    السبب الخامس: ضعف رقابة الأسرة وغفلة كثيرٍ من الآباء عن أبنائهم:

    فبعض الآباء ينتهي دوره بشراء السيارة للولد، فلا يكلف نفسه متابعة سلوكه ومنعه من السيارة إذا أساء استخدامها، ومن جانب آخر يقوم بعض الآباء بشراء سيارة لولده الصغير، الذي لا يعي خطورة التفحيط، بعضهم -يا إخواني- يقود السيارة وعمره عشر سنوات أو أقل، حتى إنه يخيل إليك أن هذه السيارة التي تمشي بجوارك بدون سائق، فإذا اقتربتَ من السيارة وجدتَ هذا الصغير جعل تحته مخدة أو مخدتين، وتعلق بمقود السيارة، هذا الطفل سرعان ما يقلد غيره من المفحِّطين، ويسيء استخدام السيارة.

    التأثر بوسائل الإعلام والألعاب الإلكترونية

    وهناك سبب سادس، وهو: بعض ما يعرض في بعض وسائل الإعلام والاتصال وبعض الألعاب الإليكترونية:

    يتأثر الكثير من شبابنا بأفلام المطاردات والعنف التي تُعرض في بعض القنوات، يحاول الشاب تقليد هذه الحركات التي يشاهدها في الفيلم، وينتشر بين شبابنا أفلام فيديو لمشاهد تفحيط مسجلة من شوارعنا عبر الكاميرات، هذه الأفلام قد يشاهدها الشاب في بادئ الأمر لمجرد التسلية؛ لكن سرعان ما تثير هذه المشاهد في نفسه الرغبة في التفحيط.

    في دار الملاحظة لَفَتَ نَظَرَنا وجودُ طفلٍ صغير، سألناه: ما قضيتك؟ قال: تفحيط. قلنا: تفحيط؟! وهل تعرف قيادة السيارة أصلاً حتى تفحِّط؟! فرفع إبهامه وضمَّ أصابعه، يعني: علامة الجودة، قال: (تَبِيْ عُقْدَة؟)، (استفهام)، (سَفْتِي). ثم بدأ يعدد حركات، سبحان الله! قلنا: كيف تعلمت هذه الحركات؟! قال: أبداً، كنتُ أشاهد بعض الأفلام، ثم أخرج بالسيارة وأطبق هذه الحركة حتى أجيدها، وأنطلق إلى الساحة أفحِّط، وأطبق هذه الحركة أمام الشباب.

    وعلى شبكة الإنترنت وقفتُ -مع كل أسف- على مواقع سيئة تشجع التفحيط وتعرض هذه الحركات والمشاهد للشباب مما يسبب تعلقهم بهذه الظاهرة.

    ومما ينبَّه إليه أيضاً ما تتضمنه بعض الألعاب الإليكترونية مثل: (البلايستيشن) وغيره مِن إثارة، وتعليمٍ للعنف، والسرقة، والتفحيط، حتى غدا بعض أبنائنا يتنافسون في التفحيط والعنف عبر هذه الألعاب، فاليوم يفحِّطون عبر الشاشات، وغداً يفحِّطون عبر الساحات.

    الغنى والترف

    السبب السابع: الغنى والترف:

    كثيرٌ من الشباب لا يَقْدِر هذا النعمة -أعني: السيارة- قَدْرَها، ولا سيما إذا كان هذا الشاب حصل على السيارة بسهولة دون كدٍ أو نَصَب، فلو تحطمت السيارة أو احترقت لكان أمراً عادياً؛ لأن الوالد حفظه الله سيشتري له من الغد سيارة أخرى، كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى [العلق:6-7].

    العلاقات الأخلاقية الشاذة

    السبب الثامن والأخير: العلاقات الشاذة، ومحاولة بعض الشباب لفت انتباه الأحداث والمردان، واستدراجهم لعلاقات حبٍ شاذة، أو لفعل الفاحشة، أعاذنا الله وإياكم وأبناء المسلمين:

    وهذا السبب مهم، من خلال لقاءاتنا مع بعض المفحِّطين تبين أن هذا السبب كان وراء قيامهم بالتفحيط، ولهذا يكثر التفحيط عند المدارس، وفي تجمعات الشباب، التقينا بأحدهم بعد أن قُبِض عليه هو وصاحبه الذي يدعي أنه حبيبه، ولما أفرج عن صاحبه جلس وحده في التوقيف وهو يبكي لفراق هذا الحبيب، الله المستعان!

    وحتى لا أتحدث عن فراغ أو أُتَّهَمَ بالمبالغة، فليسمح لي إخواني أن أذكر بعض عبارات المفحِّطين الذين التقينا بهم في مرور الرياض :

    فهذا أحدهم عمره واحدٌ وعشرون عاماً يقول -لَمَّا سألناه: لماذا تفحِّط؟-: يقول بعبارته: (مِن أجل الحِلْوِيْن).

    وآخر يقول: (من أجل الوجوه الحلوة).

    وآخر يقول: لأن هناك بعض المردان فيهم الجمال، فنتعرف عليهم عن طريق التفحيط.

    وآخر يقول: بسبب إنسان أحبه، وعندما أراه أقوم بالتفحيط.

    وآخر يقول: لأنها هواية لي، وللشخص الذي أهواه.

    وآخر يقول: (لأن الوليد أو الحبيب فاكٌّ مع التفحيط).

    وهذا عمره عشرون عاماً يقول -لَمَّا سألناه: لماذا تفحِّط؟-: (أفحِّط لعيون خِلِّي)، ثم يقول: أفحِّط من أجله، وانقلب، وأموت، أكتب على اللوحات: (لعيون خِلِّي). الله المستعان يا شباب! الله المستعان يا شباب محمد عليه الصلاة والسلام! اتقوا ربكم يا شباب، كيف يليق بالشاب أن يقيم علاقة شاذة، ويتعلق برجلٍ مثله، فليحذر الشباب، وليجاهدوا أنفسهم على الإقلاع عن هذه العلاقة المحرمة، فالتعلق بالصور: النساء، أو المردان، مَرَضٌ في القلب، وهو تعلق بغير الله تعالى، عذابٌ في الدنيا والآخرة.

    1.   

    علاج ظاهرة التفحيط

    العنصر الخامس من هذه المحاضرة: ما هو العلاج؟

    ما هي أهم الحلول للتصدي لهذه الظاهرة؟

    هذه الظاهرة التي أقلقت المسؤولين، والمربين، والأسر جديرة بالاهتمام وتضافر الجهود من المجتمع بأكمله للقضاء عليها.

    ولعلي أذكر بعض الأمور التي يمكن القيام بها لعلاج هذه الظاهرة:

    رفع الوعي بين الشباب والتذكير بأضرار التفحيط

    أولاً: لا بد من رفع الوعي بين الشباب والتذكير بأضرار هذه الظاهرة :-

    فنخاطب المفحِّط أولاً ونقول: أيها الشاب! أيها المفحِّط! إلى متى وأنت تغامر بروحك وأرواح إخوانك؟!

    أخي: ألم تر أو تسمع ببعض المفحِّطين الذين فقدوا حياتهم، وأفضوا إلى ربهم بسبب هذا الفعل؟!

    ألم تسمع -أخي- نداء ربك وهو ينهاك عن قتل نفسك؟! وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً [النساء:29].

    أيسرك أن تلقى الله وقد قتلت نفسك بهذا الفعل؛ الانتحار طريق النار، كما قال عليه الصلاة والسلام في الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة : (مَن قتل نفسه بحديدة، فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً)، وهذا وعيدٌ شديد، نسأل الله أن يحسن لنا ولك الختام، فهل يسرك -أخي- أن تلقى الله بخاتمة سيئة.

    في بعض حوادث التفحيط يموت الشباب على ترك الصلاة، يموتون على المعصية، يموتون على الأغاني المحرمة.

    فهذا شاب يخبرنا بقصة مؤلمة: شاب عمره واحدٌ وعشرون عاماً، موقوف في مرور الرياض يقول: ركب معي أربعة من الشباب، بدأتُ بالتفحيط، وأنا أسير بسرعة (180) كيلو متر، كان أحد الشباب يرقص على الأغاني المحرمة في المرتبة الخلفية، ويشجعني بصوته المرتفع يقول: زد السرعة زد السرعة: وفي لحظةٍ واحدة انحرفت السيارة، ارتطمت بحاجزٍ ترابي على جانب الطريق، صرخ هذا الصديق الذي كان يرقص صرخةً قويةً ثم انقطع صوته، سكن كل شيءٍ في السيارة، إلا صوت الأغاني المحرمة.

    يقول هذا الشاب: بعد وقوع الحادث رفعتُ رأسي، التفت إلى الشاب الذي كان بجواري، فإذا به يبكي، ويداه مكسورتان، أما الراكب الأوسط الذي كان في الخلف فقد ارتطم وجهه بالكابح السفلي في الأمام، يقول: رفعتُ وجهه، أخرجته من السيارة وقلت له: اذكر الله، قل: لا إله إلا الله، فلم يرد عليَّ بكلمة واحدة، اذكر الله، قل: لا إله إلا الله، فلم يرد عليَّ بكلمة واحدة، وكانت الدماء تخرج من فمه، وروحه تكاد أن تخرج، رَجَعْتُ إلى أحد المصابين في السيارة، سألتُه عن حاله، حرَّكتُه، فصاح وقال بغير شعور: (عَقِّب عَقِّب) أي: أكمل التفحيط، تعلق قلبُه بالتفحيط، وأحد الشباب نُقِل إلى المستشفى وهو يغني.

    ثم يقول هذا الشاب: اتصلتُ بالمستشفى عن طريق الجوال، فقيل: الشاب هاهو الآن في الإسعاف لا يزال يغني بغير شعور. نسأل الله حسن الخاتمة.

    يقول هذا الشاب: أُغْمِي عليَّ بسبب هذه المشاهد المؤلمة، ثم استيقظتُ بعد حضور رجال الأمن والإسعاف، شاهدتُ سيارتي وهي تحترق، توجهت إلى القبلة، صليت ركعتين لله الذي نجاني من الموت.

    أيها المفحِّط: إن دماء المسلمين غالية عند الله، فكيف تكون رخيصة عندك؟! ألم تسمع قول الحبيب صلى الله عليه وسلم كما عند ابن ماجة بسندٍ صحيح: (لزوال الدنيا أهون على الله من قتل مؤمنٍ بغير حق).

    كم من نفسٍ قتَلْتَها؟!

    وكم من أسرة حصدتَها؟!

    وكم من امرأة أرملتَها؟!

    وكم من طفلةٍ يتمتَها؟!

    كم من بريء أصبح مشلولاً على الفراش، لا يتحرك منه إلا رأسه أو عيناه، يدعو عليك بأن ينتقم الله منك؟!

    وكم من أمٍ مكلومة تدعو عليك بأن يحرمك الله الجنة كما حرمتها ولدها.

    في شارع ابن الجوزي، حي العريجة في الرياض عجوزٌ مسكينة تمشي مع ابنتها في طريقهما إلى المنزل، وبعد عبورهما الشارع يقبل أحد الشباب المفحِّطين، يفحِّط بسيارته، فتزحف السيارة لتحصد المرأة وابنتها، ثم يهرب هذا الشاب تاركاً ضحيتيه أمام الناس، فزع الناس، نقلوا الضحيتين إلى المستشفى لتموت الأم، وترقد البنت في العناية المركزة بسبب إصابةٍ شديدة بالرأس، وبحمد الله يُقْبَض على هذا المفحِّط مِن قِبَل الدوريات الأمنية.

    أخي! أين خوفك من الله؟!

    أين شهامتك ونخوتك؟!

    ما هو شعورك لو كانت هذه المسكينة -لا قدر الله- أمك؟!

    هل غَرَّك حلم الله عليك؟!

    أم استخففت بنظره إليك؟!

    أهذا شكر نعمته عليك؟!

    أنسيت -أخي- إخوةً لك على تراب الأقصى ينامون على الجوع والأحزان، ويستيقظون على أزيز المدافع والطائرات، وأنت ترفل في الأمن والعافية؟!

    ومن العجيب -أيها الإخوة- ما يقوم به بعض المفحِّطين من لبس (الشماغ) الفلسطيني، نعم، يتلثم المفحِّط بهذا (الشماغ)، ويرفع إصبعيه؛ علامة النصر، ثم يقوم بالتفحيط!

    قابلنا بعضَهم بعد أن أُوْقِفَ في المرور، و(الشماغ) لا تزال على رأسه، سألناه، فقال بكل جرأة: حتى نذكر الشباب الضائع بـالقدس .

    سبحان الله! القدس ؟!

    أهكذا تُحَرَّر القدس ؟!

    يَسْلَم منك إخوان القردة والخنازير اليهود، وتقتل إخوانك في الطرقات، ثم تقول: القدس ؟!

    أين أنت يا بطل البَطَالَة من أبطال القدس ؟! أطفالٌ سطروا التاريخ بدمائهم!

    أين شجاعتك وبطولتك من شجاعتهم وبطولاتهم؟!

    أين اهتماماتك الدنيئة من اهتماماتهم؟!

    أين أنت من فارس عودة ؟!

    أتعرف فارس عودة ؟!

    فارس أحد أبطال الانتفاضة!

    كم كان عمره؟!

    عمره أربعة عشر عاماً، يخرج فارس يومياً مع رفاقه لمواجهة العدوان اليهودي، يأبى فارس إلا أن يكون في المقدمة أمام الرصاص والدبابات، تقول أمه في لقاءٍ معها في إحدى القنوات: كنتُ أقول له: يا فارس! يا ولدي! لا تكن في الصفوف الأمامية؛ لأنك صغير، فيقول: لا أقابل اليهود إلا وجهاً لوجه.

    لقد رأينا فارساً في مشهدٍ من مشاهد الموت، يقف أمام دبابة يهودية مدجَّجة بالأسلحة الثقيلة، فُوهَة المدفع تتحرك صوب رأسه الصغير، فما الذي حدث؟!

    نعم، وقف فارس كالجبل؛ جبل في يديه حجر، ورمى الدبابة بالحجر، وأتبعه بحجر، فبُهِتَ الذي كفر، وتقهقر واندحر، فصارت الدبابة الثقيلة تهرب إلى الوراء، والبطل الصغير يتقدم إليها، ويرميها بالحجارة، لله درك يا بطل! لله درك! وأعز الله الأمة بأمثالك، لا بأمثال المتهورين المفحِّطين!

    وفي مشهدٍ آخر يظهر فارس وهو يرمي الجنود اليهود بالحجارة، ثم يلاحقه جندي يهودي يحتضن رشاشه، يلتفت فارس وراءه فيرى الجندي يصوب رشاشه نحو ظهره، يستدير فارس إلى الوراء وإذا به يقف أمام الجندي اليهودي المسلح وجهاً لوجه، ثم يتوقف المشهد قليلاً، يتوقف المشهد لتنقلب الموازين، فيأخذ هذا البطل حجراً من الأرض، ويرمي به الكلب اليهودي، فيولي ذلك اليهودي بسلاحه هارباً، ويتبعه فارس بحجرٍ آخر، والجندي يركض من الخوف، فلا نامت أعين الجبناء!

    وبعد أيام في موقفٍ من مواقف الشهادة يطلق قناصٌ يهوديٌ مجرمٌ طلقاتٍ نارية آثمة على هذا البطل الصغير لينتقل إلى الله في ركب الشهداء إن شاء الله.

    وفي أحد المشاهد بعد موت هذا البطل تظهر أمه وقلبها يكاد أن يحترق لولا أن ربط الله عز وجل عليه، تقول وهي تحتضن ملابسه: أحرق الله اليهود كما أحرقوا قلبي على فارس .

    وتُفْجَع مدرستُه، ويظهر رفاقه الصغار في أحد المشاهد في فصله الدراسي وهم يبكون على فراقه بكاءً شديداً.

    كما يظهر كرسيه في الفصل بعد أن فقد هذا البطل الذي ترجل عن جواده!

    فأسألكم: هل يستوي هذا البطل وأهل الاهتمامات الباطلة؟!

    كلا.

    التحذير من التجمع للتشجيع في ساحات التفحيط

    ثانياً في العلاج: التفحيط ظاهرة جماهيرية في الغالب، فالشباب المتجمهرون المتفرجون عليهم جزءٌ من المسئولية والإثم فيما يحدث من المآسي بسبب التفحيط:

    أخي الشاب: إنك بتجمهُرك، وحضورك تغري المفحِّط بالاستمرار في التفحيط من جهة، وتعرض نفسك للتلف من جهة أخرى.

    فهذا أحد المفحِّطين الموقوفين يقول بعبارته: أنا إذا رأيت الجمهور أتخمس ولا أصبر.

    وأعرف أماً أصيبت بمأساة مفجعة، استمع أخي! إلى مشاعرها وهي تقول: رجع ولدي عبد الله بعد الامتحان إلى المنزل، ثم وضع كتبه، وخرج مع بعض زملائه، لم أكن مطمئنة في تلك الساعة، توجه عبد الله ورفاقه إلى أحد شوارع التفحيط في الرياض ، وبينما هم يتفرجون على التفحيط، انحرفت سيارة أحد المفحِّطين؛ لتسحق هؤلاء الشباب. وكان عبد الله أول الضحايا.

    أخي الشاب: إنك غالٍ على نفسك، غالٍ على أمك وأبيك، غالٍ علينا جميعاً، فلا تغامر بروحك بحضورك في ساحات الموت.

    تصدي الآباء للحيلولة دون وقوع هذه الظاهرة

    ثالثاً فيما يتعلق بالعلاج: على الآباء دورٌ كبير في التصدي لهذه الظاهرة:

    في حسن تربيتهم، ومراقبتهم سلوك أبنائهم، وعدم تمكين الصغار منهم من قيادة السيارة، فإن كثيراً من الآباء يشتري الموت لأبنائه وهو لا يشعر.

    قيام الجهات الأمنية بدورها

    الأمر الرابع في العلاج: على الجهات الأمنية دورٌ كبير في التصدي لهذه الظاهرة:

    فوصيتي لهم: بذل المزيد من الجهود المباركة، وتكثيف التواجد في الساحات والاجتماعات، وعدم التساهل أو المجاملة في تطبيق العقوبات، وهناك -بحمد الله- جهودٌ مشكورة يقوم بها الإخوة في المرور، والدورات الأمنية، والشرطة؛ لضبط المفحِّطين وتطبيق العقوبة عليهم.

    وهم -يا إخوان- يمرون بمواقف عصيبة بسبب التجمعات والفوضى التي يحدثها الشباب بسبب هذه الظاهرة، وأنا والله لا أقف في هذا الموقف للدفاع عنهم على كل حال، فهم بشر، ليسوا بمعصومين، عملهم عرضة للنقص والخطأ كغيرهم من الموظفين؛ لكنهم في الجملة يقومون بأعمالٍ جليلةٍ من أجل سلامتنا وسلامة أبنائنا وأسرنا، فلا بد أن نقف معهم صفاً واحداً، ونتعاون معهم في الإبلاغ عن المفحِّطين وضبطهم.

    فعلى سبيل المثال: في أحد أحياء مكة اجتمع بعض الشباب، وأصبحوا يمارسون التفحيط بكثرة في هذا الحي، قامت شرطة مكة -وفَّق الله القائمين عليها، وجميع رجال الأمن في بلادنا- بوضع خطةٍ محكمة تَمَّ من خلالها محاصرة الحي، والقبض على ستة عشر شاباً يقومون بالتفحيط، وتم نقلهم بعد ذلك، وتسليمهم لمرور العاصمة المقدسة.

    الحد من انتشار البرامج الإعلامية المشجعة على التفحيط

    الأمر الخامس: نناشد القائمين على الإعلام في بلاد الإسلام أن يتقوا الله عز وجل في أبنائنا:

    وأن يقوهم شر هذه الأفلام التي تعلم العنف والإجرام، وأن يكون للبرامج الإذاعية والتليفزيونية والصحافة دورٌ فعَّال في التصدي لهذه الظاهرة.

    كما أذكر نفسي، وإخواني الشباب، وإخواني الآباء والمربين بخطورة هذه القنوات على سلوك أبنائنا، فاتقوا الله، اتقوا الله، ولا تخربوا بيوتكم بأيديكم.

    ولا بد أيضاً من حجب المواقع السيئة على شبكة الإنترنت، والتي تغري شبابنا بممارسة هذه الظاهرة.

    قيام المدارس بدورها

    أما الأمر السادس فهو: دور المدارس:

    فلمدارسنا دورٌ كبير في التصدي لهذه الظاهرة، برفع الوعي بين أبنائنا، ومتابعة وتقويم السلوكيات التي تصدر من بعض الطلاب الذين يقومون بهذه الظاهرة، وكذلك التعاون مع الجهات المختصة للقضاء عليها.

    احتواء أوقات الشباب وملء فراغهم

    الأمر السابع: لا بد من احتواء أوقات الشباب، وامتصاص طاقاتِهم في النشاطات النافعة، والبرامج الترفيهية البَريئة :-

    عبر المراكز، والمخيمات، والملاعب، وغيرها.

    1.   

    عقوبات التفحيط

    أما العنصر السادس فهو: عقوبات التفحيط :-

    التفحيط معصية محرمة، ومخالَفة للأنظمة، يعرِّض الإنسان به نفسه للعقوبة في الدنيا والآخرة:

    أما العقوبة النظامية في الدنيا: فقد تضمن القرار الوزاري الصادر من وزارة الداخلية تقرير عقوبة التفحيط على النحو التالي:

    في المرة الأولى: التوقيف لمدة (5) أيام، والغرامة بحدها الأوسط، وحجز المركبة لمدة شهر.

    المرة الثانية: التوقيف لمدة (10) أيام، والغرامة بحدها الأعلى، وحجز المركبة لمدة شهرين.

    - أما في المرة الثالثة: فتُحْجَز السيارة، ويربط المخالف بالكفالة، ويُرْفع عنه لأمير المنطقة؛ لتقرير ما يجب بحقه شرعاً، مع المطالبة بمصادرة السيارة.

    أما العقوبة الأخروية: فهي أشد وأعظم، فإن الله عز وجل توعد من آذى عباد الله المؤمنين، حيث قال سبحانه وتعالى: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً [الأحزاب:58].

    ويقول عليه الصلاة والسلام كما عند الطبراني وحسنه الألباني : (مَن آذى المسلمين في طرقهم وجبت عليه لعنتهم).

    أخي الشاب: أسألك بالله إذا وجبت عليك اللعنة، وطُرِدْتَ من رحمة الله، فَمَن الذي ينجيك من عذاب الله؟!

    فاتق الله يا عبد الله!

    1.   

    حوار بين رجل المرور وأحد شباب التفحيط

    أما العنصر السابع والأخير فهو: حوارٌ طريفٌ بين أحد المفحِّطين وأحد رجال المرور:

    هذه أبيات لطيفة تحكي حواراً طريفاً بين أحد المفحِّطين وأحد رجال المرور.

    ولنبـدأ بالمفحِّط فهذا المفحِّط يقول لرجل المرور:

    دعني أفحِّط مـا الشباب بباقي     واكتب مخالفةً على الأوراقِ

    يا أيها الجندي دعني كف عن     جَلْدي، وعن حبسي، وطول لحاقي

    إني خبيرٌ مـاهرٌ متفننٌ     فاسأل رعاك الله كل رفاقي

    واسأل دروب الحي عن سيارتي     تنبيك عن نوعية السواقِ

    فرد عليه رجل المرور بحزمٍ وقال:

    يا ذا المفحِّط هاك من أعماقي     سيل الوعيد بغيبة الإشفاقِ

    قسماً وإنك عالمٌ أني لها     أن سوف يقرن راحتيك وثاقي

    يعني ماذا؟ يعني: القيود.

    يا أيها المسكين إن أرادتي     لم تستكن يوماً إلى الإرهاقِ

    بالحزم لا بتودُّدي وتخاذلي     سترى الطريق وفاضل الأخلاقِ

    وهذه أبيات طلب مني أحد الإخوة إلقاءها على مسامعكم، وهي مهداة لمُحِبي الشعر الشعبي.

    هذا أحد شعرائنا يقول:

    لا تِحْسِبِ التفحيط يا جاهلِ فُنُونْ     مع جدعة المُوْتَرْ يمينه ويسارهْ

    كم واحدٍ بأسبابه اليوم محزونْ     وكم واحدٍ راحت حياتِه خسارةْ

    كم واحدٍ خلَّف الأطفال يدعونْ     باسمه وهو عنهم بعيدٍ مزارَهْ

    هذا يَبِي دفترْ، وهذي تَبِي لونْ     وزوجة ترمَّلْ بعد موته بدارهْ

    وكم مِن بِرِي حاله اليوم وشْلُوْنْ     تبدَّلَتْ عُقْبَى الحلا بالمرارةْ

    بأسباب جُهَّل للمواتر يسوقونْ     لا رخصة بيده، ولا أيضاً استمارةْ

    وأطفالْ هُمَّه مع الشوارع يدورونْ     ومع صُغْر سِنِّه باليمين السجارةْ

    وإذا سألته: لِيْهْ تفحيطْ وجنونْ     جالَكْ جوابه: ذاك فَنْ ومهارةْ

    وفي نهاية المطاف أشكر الإخوة على دعوتهم، كما أشكركم أنتم على حضوركم، وحسن استماعكم.

    وإلى لقاءٍ آخر بإذن الله تعالى.

    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756343607