إسلام ويب

قاتل العفةللشيخ : محمد السبر

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الغناء آفة من الآفات، وبلية من البليات، ومرض من أمراض القلوب المفسدة له، وسماعه من أعظم أسباب الصد عن ذكر الله، وهو صوت الشيطان الرجيم. بيّن الله حرمته في كتابه، وبيّنها رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته، وهكذا كان حال السلف من الصحابة والتابعين في تحريمه وعدم استماعه. وهو بريد الزنا وداعيه، وليس بلائق بأمة التوحيد أن تنشغل بهذه الشهوات والمحرمات عن الدفاع عن حياضها، ومجاهدة عدوها.

    1.   

    الغناء من أعظم الصد عن ذكر الله

    الحمد لله الذي خلق الخلق ليعبدوه، وأمرهم بالإكثار من ذكره في جميع الأوقات، ونهاهم عما يصدهم عن ذكره وعن الصلاة، أحمده سبحانه وأشكره أن بيَّنَ لعباده طريق الخير ليسلكوه، وحذرهم من طريق الشر ليجتنبوه.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لم يخلقنا عبثاً، ولم يتركنا سدى أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ [المؤمنون:115]، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلَّغ الرسالة، وأدَّى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الله به الغمة، ورفع به الظلمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين، وعلى من سار على نهجهم واقتفى أثرهم، واستن بسنتهم إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    فاتقـوا الله عبـاد الله وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ [البقرة:281].

    يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ [النحل:111].

    معاشر المؤمنين والمؤمنات: آفةٌ من الآفات، وبلية من البليات، ومرضٌ من أمراض القلوب المفسدة لها، يقول عنه العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى: فلَعَمْرُ الله كم من حرةٍ صارت به من البغايا! وكم من حرٍ أصبح به عبداً للصبيان والصبايا! وكم من غيورٍ تبدل به اسماً قبيحاً بين البرايا! وكم من ذي غنىً وثروةٍ أصبح بسببه على الأرض بعد المطارف والحشايا! وكم أهدى للمشغوف به أحزاناً وأشجاناً! وكم جر من غصةٍ! وأزال من نعمةٍ! وجلب من نقمةٍ! وكم خبأ لأهله من آلامٍ منتظَرة! وهمومٍ متوقَّعة! وهمومٍ مستقبَلة!

    أتدرون -يا رعاكم الله- ما هي هذه الآفة والبلية والمشكلة التي ذكرها الإمام ابن القيم رحمه الله؟

    إنها استماع الأغاني والمعازف.. إنها الغناء والطرب، ولواحقه من الحفلات، والمهرجانات، والمناسبات التي عمودها الغناء، وأسها آلات المعازف، وخيمتها الغفلة عن ذكر الله جل وعلا.

    الغناء -يا عباد الله!- من أعظم الأسباب التي تصد عن ذكر الله وعن الصلاة، وتشغل عن فعل الطاعات والخيرات.

    الأغاني والمعازف، وآلاتهما على اختلاف أنواعها وتعدد أشكالها، تلكم الجراثيم والأوبئة التي احتلت غالب بيوت المسلمين اليوم إلا من رحم ربك، وحاصرت البيوت التي لم تستطع دخولها حصاراً شديداً، تحاول الدخول إليها بالتي واللُّتَيَّة.

    الأغاني، وما أدراكم ما الأغاني! التي فُتِنَ بها كثيرٌ من الرجال والنساء الذين ضعف إيمانهم، وخفت عقولهم، واقتدى بهم شباب الأمة، فشغلوا الأوقات، وملئوا البيوت والسيارات بأصوات المغنين والمغنيات، هذه الأصوات التي تبثها القنوات والإذاعات، تبثها مُزْجاةً على الأثير، ومصورةً على الشاشات، بل وخُصِّصت لها المتاجر والمحلات.

    وإن من عظم البلية أن وضعت جمعيات، بل وزارات لما يسمى -تضليلاً-: الثقافة والفنون والمسرح، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم!

    ومن وراء ذلكم -يا عباد الله- تلك الصحف والمجلات، الماجنة التي ترفع من شأن هؤلاء المطربين والمطربات، تنشر أسماءهم، وتصور صورهم، مُعَرِّفةً الناس بهم، ومُصَدِّرةً لهم، ومُرَوِّجةً لبضاعتهم المزجاة، المنتنة الخبيثة، حتى لقد أصبح شباب الأمة الإسلامية في هذه الأعصار المتأخرة يعرف عن هؤلاء المغنين والمطربين وعن أغنياتهم كل دقيقٍ وجليل، ويعرف مواقيت بثها آناء الليل والنهار، ولو سألته عن مواقيت الصلاة لقال: لا أدري، ولو سألته عن أمور دينه لقال: هاه .. هاه! لا أدري، وكيف له أن يدري؟! ومن أين له أن يدري وهمته متجهة لضد ذلك؟! كيف له بالهداية والسلامة ووسائل الإعلام تلقنه أغنية فلان وفلانة، وتعلن مواعيد بثها في كل ساعة؟! أنَّى لشبابنا السلامة والنجاة وبعض الإذاعات والقنوات -لا حياها الله- همها تصدير الأغاني في الليل والنهار وبثها على أسماع المسلمين؟!

    1.   

    أدلة تحريم الغناء

    عباد الله: أيها الشيب والشباب! من كان في شكٍ من تحريم الأغاني والموسيقى والمعازف فليزل الشك باليقين من قول رب العالمين، وهدي الرسول الأمين صلى الله عليه وسلم في تحريمها، وبيان أضرارها وأخطارها، فهناك النصوص الكثيرة من الكتاب والسنة، التي تدل على تحريم الأغاني، والوعيد الشديد لمن استحلها، أو أصر عليها، والمؤمن العاقل المستجيب لربه، المطيع لرسول الله صلى الله عليه وسلم يكفيه دليلٌ واحد من كتاب الله، أو صحيح سنة رسول الله، فكيف إذا تكاثرت الأدلة على ذلك! وأجمع العقلاء على تسفيه فاعل ذلك؟! قال الله جل وعلا: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً [الأحزاب:36].

    فاسمع يا عبد الله! اسمعوا أيها الشيب والشباب قول ربنا جل وعلا في تحريم الأغاني، وتحذيرنا منها، والوعيد لمن استعملها أو استمع إليها، يقول ربنا جل وعلا: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ * وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ [لقمان:6-7].

    وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ : قال أكثر المفسرين: المراد بلهو الحديث في هذه الآية: الغناء، ويحلف عبد الله بن مسعود رضي الله عنه بالله الذي لا إله إلا هو ثلاث مرات: [إنه الغناء، إنه الغناء، إنه الغناء]

    وقال ابن عباس ومجاهد : [الغناء، والمزامير، والاستماع إليها].

    وقال الحسن البصري رحمه الله تعالى: [نزلت هذه الآية: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ في الغناء، والمزامير].

    واستمع -يا عبد الله!- قول حبيبنا صلى الله عليه وسلم في تحريم الغناء.

    فقد روى البخاري في صحيحه عن أبي مالك الأشعري أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لَيَكُونَنَّ من أمتي أقوامٌ يستحلون الحِرَ، والحرير، والخمر، والمعازف) والمعازف هي: آلات اللهو بجميع أنواعها.

    فانظروا -يا سلمكم الله- كيف ذمهم النبي صلى الله عليه وسلم على استحلالها، وقرنها بكبيرتين عظيمتين، قرنها بكبيرة الزنا والخمر.

    بل وأخبر صلى الله عليه وآله وسلم عن عقوبة هؤلاء في الدنيا، فقال صلى الله عليه وسلم: (ويمسخ منهم آخرين قردةً وخنازير).

    وقال صلى الله عليه وسلم: (لَيَكُونَنَّ في هذه الأمة خسفٌ وقذفٌ ومسخٌ، وذلك إذا شربوا الخمور واتخذوا القينات وضربوا بالمعازف) صححه الإمام الألباني رحمه الله تعالى.

    قال ابن القيم: ومن لم يُمْسَخ منهم في حياته مُسِخ في قبره. انتهى كلامه رحمه الله.

    ويقول صلى الله عليه وسلم: (إن الله تعالى حرم على أمتي الخمر، والميسر، والكوبة، والغبيراء، وكل مسكرٍ حرام) رواه الإمام أحمد . والكوبة: آلةٌ من آلات الطرب.

    عباد الله: لقد حرم الله جل وعلا الأغاني في مكة قبل الهجرة، وقبل أن تُفْرض كثيرٌ من الفرائض، وقبل أن تحرَّم سائر المحرمات، كالخمرة وغيرها، وذلك لخطورتها على الأخلاق والسلوك، بدأ الإسلام بتحريم الأغاني في العهد المكي قبل المدني، قبل هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وقبل أن تحرَّم سائر المحرمات والرذائل، وذلك لكي يشب القلب ويُبنى على الطهارة والفضيلة من البداية.

    1.   

    بعض مفاسد استماع الأغاني

    إن مفاسد استماع الأغاني كثيرةً يا عباد الله! وآفاته وبيلة، وأخطاره جسيمة، ولعل من أهمها:

    - أنه يُفسد القلب، ويُنبت النفاق :-

    كما قال غير واحدٍ من السلف، قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى: الغناء يُنبت النفاق في القلب فلا يعجبني.

    - ومنها: أنها عدةٌ وعتادٌ للشيطان :-

    يغري بها عباد الله على الفسوق والعصيان، ويفتن بالغناء عن عبادته، ويصد عن سبيل الله وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ [الإسراء:64] قال ترجمان القرآن ابن عباس رضي الله عنه، وقال مجاهد رحمه الله تعالى: [صوت الشيطان: الغناء، والمزامير، واللهو].

    - ومن مفاسد الأغاني: أنها تمحو من القلب محبة القرآن :-

    لأنه لا يمكن أبداً أن يجتمع في القلب محبةٌ للقرآن، ومحبةٌ للشيطان، فهما ضدان لا يجتمعان؛ لأن القرآن وحي الرحمن، والغناء وحي الشيطان، وهما ضدان لا يجتمعان أبداً، فهو خيار فرد، وطريقٌ واحد، فاختر لنفسك أحد الطريقين.

    حبُّ الكتاب وحب ألحان الغنا     في قلب عبدٍ ليس يجتمعانِ

    ومن المفاسد العظيمة -بل الشنيعة- للأغاني والمعازف: أنها رُقْية الزنا، وداعية الفحشاء :-

    قال الفضيل بن عياض رحمه الله: الغناء رقية الزنا، وداعية الفحشاء. فالغناء دعوةٌ صريحة إلى الفحشاء.

    ولهذا ما هو السر في أن شعراء الأغاني -الشعبية- التي عمروها بالغزل، وبالتشبب بالنساء، ما السر في ذلك؟! لماذا يحرصون على ذكر محاسن النساء؟! ولماذا يذكرون قصص الغرام؟! ولماذا يصورون العشق والهيام؟! لماذا يصفون القدود والخدود، والثغور والنحور والأمور التي تثير في السامعين الوجد، والغرام، والهيام وتحرِّك الغرائز، وتشعل نار الشهوات؟! ما الذي جعل شبابنا في شقاء الحب، وشقاء الغرام الزائف إلا هذه الأغاني المقيتة؟!

    قال يزيد بن الوليد : [يا بني أمية! إياكم والغناء، فإنه ينقص الحياء، ويزيد في الشهوة، ويهدم المروءة، وإنه لَيَنوب عن الخمر، ويفعل ما يفعل السُّكْر، فإن كنتم لا بد فاعلين فجنبوه النساء، فإن الغناء داعية الفحشاء].

    ونزل الحطيئة -الشاعر المشهور- برجلٍ من العرب ومعه ابنته مليكة ، فلما جَنَّ عليه الليل سمع غناءً فقال: يا هذا، كُفَّ عني هذا الغناء، قال: وما تكره من ذلك يا حطيئة؟ قال: إن الغناء رائدٌ من رادة الفجور، ولا أحب أن تسمعه ابنتي مليكة، فإن كففته وإلا خرجتُ عنك. فهذا شاعرٌ؛ لكنه يحرس الفضيلة، ويحارب الرذيلة.

    قال ابن القيم رحمه الله: فإنه رقية الزنا، ومنبت النفاق، وشَرَك الشيطان، وخمرة العقل، وصده عن القرآن أعظم من صد غيره من الكلام الباطل؛ لشدة ميل النفوس ورغبتها فيه.

    من مظاهر استماع الأغاني، وجعلها ديدناً وعادةً ومُفْتَخراً:

    أنها سببٌ لأنواع العقوبات في الدنيا والآخرة :-

    قال ابن القيم رحمه الله تعالى: والذي شاهدناه نحن وغيرنا، وعرفناه بالتجارب: أنه ما ظهرت المعازف وآلات اللهو في قومٍ وفشت فيهم واشتغلوا بها إلا سلط الله عليهم العدو، وبُلُوا بالقحط والجدب وولاة السوء. انتهى كلامه رحمه الله.

    أمةُ الإسلام ارتكبَتْ جملةً من المعاصي، وكَمَّاً من المنكرات، فعاقبها الله جل وعلا بأن جعل نجمها إلى أفول، وكسر عزها ومجدها، متى كان ذلك؟!

    - في الأندلس يوم أن ارتكبت أمة الإسلام ما حرم الله من موالاة أعداء الملة والدين، والانشغال بالدنيا، والإسراف في المباهج والمفاتن، والاغترار بزينة الحياة، فاتَّخَذَت القينات، والمعازف، وأسرفت في ذلك إسرافاً شديداً، بل كانت الأموال الطائلة تصرف على الأغاني والمعازف، وتبذل لأجل المغنين والمغنيات، بل كانت الدور والبساتين توقف على الموسيقى، كان المرضى يعالَجون في مستشفيات الأندلس بالموسيقى والأغاني على أنها علاجٌ نفسي، فكان الغناء من جملة ما عصوا الله جل وعلا به، فحل بهم بلاءٌ استأصل شأفتهم ودمر دولتهم وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [البقرة:57].

    وأي ضررٍ -يا عباد الله!- أعظم من أن هذه الأغاني التي تجعل الشيطان قريناً لمستمعها، وضيفاً على البيوت التي تُشَغَّل فيها؟! مجلبةٌ للشياطين، وما كان مجلبةً للشياطين فهو مطردةٌ للملائكة، ووالله ما اشتكى مشتكٍ مِن همٍّ وقلقٍ وفزعٍ في الليالي إلا بسبب هذا الضجيج، وهذا النعيق الذي يدندن على رءوسهم.

    من مضار الأغاني ومفاسدها التي نراها في عصرنا الآن: ما فيها من تدميرٍ للغة القرآن، ونشرٍ للعامية، ونشرٍ لكلمات الفساد والبذاء، وتجريءٍ للناس على الجهر بالسوء من القول، والله جل وعلا لا يحب الجهر بالسوء من القول. كلماتٌ وعبارات لا تقال إلا في المخادع أصبحت تتردد على الأسماع، ونعرفها من كثرة ترداد الشباب الصغار لها:

    وأحبها وتحبني ويحب ناقتها بعيري
    ناهيكم عن الكلمات التي تحمل الكفر، والاعتراض على القضاء والقدر.. كلماتٌ تحمل سب الدهر، والتأفف والتضايق من القيود الاجتماعية، والأعراف النبيلة، والأوامر الشرعية، ماذا يعني هذا؟!

    هذا يشجع العامة، ودهماء الناس، والمستمعين على الافتئات على دينهم، والخروج عن قيمهم، والتمرد على فطرهم، والثوران على ما ألفوه من العادات الحميدة.

    - من مضارها يا عباد الله -وهذا والله أمرٌ خطير-: أنها تغير معنى القدوة :-

    فيُصَدَّر هؤلاء السفلة من المغنين على أنهم نجومٌ وأبطال، وإذا ماتوا سُمُّوا: شهداء، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

    يموت مغنٍ فتُفْرَد له صفحاتٌ وأعمدةٌ، بل وأعدادٌ بكاملها، ويموت عالِمٌ ومجاهدٌ ولا نسمع عن ذلك شيئاً، وإن تعجب فعجبٌ فعل صحافةٍ، وشاشاتٍ، وموجات أثيرٍ، لا هم لها إلا المغني المشهور، ولا صوت لها إلا المطرب المغرور، ولا رصيد لها إلا الحفلات، والمهرجانات، والجلسات مما يضل شباب الأمة، ويفتن السامعين، بل ويعلقهم بالفسقة والسبهلل، وقد تكون المغنية نصرانيةً، أو يهوديةً، أو بوذيةً، أو ملحدةً! بل لربما كان اسمها يفصح عن ضلالها وكفرها وردتها.

    والقدوة: محمدٌ صلى الله عليه وسلم.

    القدوة: صحابة النبي رضي الله عنهم.

    القدوة: العلماء، والدعاة، وأبطال الجهاد في الماضي والحاضر.

    إن في تصدير هؤلاء المطربين والمطربات وتلميعهم إشغالاً لشباب الأمة عن الجهاد والعمل لدينهم.

    إن أعداءنا يريدون أن يعيش شبابنا على الآهات والنغمات، ويَحْيَوا على الفسق والغرام، يريدونهم أن يناموا في أحضان البغايا، لا أن يناموا في أحضان المنايا، ولا أن يتحركوا في الجهاد، ولا أن ينطلقوا في العمل النافع، إذ لو فعلوا ذلك لدمروا الأعداء، ولو اتجهوا إلى هذا الأمر لفعلوا بأعدائنا الأفاعيل.

    1.   

    من أعظم أسباب سوء الخاتمة: الإصرار على المعاصي

    عباد الله! إن من أعظم أسباب سوء الخاتمة -والعياذ بالله-: الإصرار على المعاصي، والمداومة عليها، فإن الإنسان إذا أَلِفَ شيئاً مدة حياته، وأحبه، وتعلق به، فإنه يعود ذكره إليه عند الموت، ويردده حال الاحتضار، فيردد ما كان عليه من أمر التجارة، أو الزنا، أو البيع والشراء، أو الغناء، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

    وفي هذا يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله: إن الذنوب والمعاصي والشهوات تخذل صاحبها عند الموت مع خذلان الشيطان له، فيجتمع عليه الخذلان مع ضعف الإيمان، فيقع في سوء الخاتمة وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولاً [الفرقان:29] نعوذ بالله من الخسران، ونعوذ بالله من الخذلان.

    فينبغي علينا -يا شيب المسلمين! ويا شباب المسلمين!- أن نحذر من سوء الخاتمة، احذر أن تموت والأغاني تدندن عند رأسك، أو في أدراج سيارتك، واحذر أن تموت وهذه الآلات الماجنة -من دشوشٍ، وشاشات، وأشرطة- في بيتك، وليكن مَن رأيناه يسقط ميتاً وهو يدندن بالأغاني عبرةً وعظةً في المبادرة إلى التوبة النصوح، والرجوع إلى الله تعالى.

    وقد أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم: (أن المرء يُبعث على ما مات عليه، وإنما الأعمال بالخواتيم).

    من أراد حسن الختام فليبادر بالتوبة النصوح قبل الفوات.

    إن كان ممن يزاول الأغاني، أو يبيعها، أو يصدرها، فعليه أن يسارع بالتوبة والإنابة إلى الله جل وعلا، حتى لا تأتيه المنية وهو على تلك المعصية، وحينها يندم، ولا ينفع الندم.

    أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لذنبي وذنبكم، فإنه يغفر الذنوب جميعاً.

    1.   

    حكم الغناء

    الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه.

    أما بعد:

    عباد الله: هذا هو الغناء، وهذه هي أضراره ومفاسده، ووالله ما أكثرها! وما أشد خطرها!

    وإن الغناء -يا عباد الله- حرامٌ .. حرمه الله ورسوله، وهذا حكمٌ صريحٌ واضح في منع الغناء، وتحريمه، وتفسيق فاعله، والمستمع إليه.

    يقول العلامة ابن القيم رحمه الله: ولا ينبغي لمن شم رائحة العلم أن يتوقف في تحريم ذلك، فأقل ما فيه: أنه شعار الفُساق وشاربي الخمور. انتهى كلامه.

    وقال مالك رحمه الله تعالى لما سئل عن الغناء: [إنما يفعله عندنا الفُسَّاق].

    نعم. هو حرامٌ لا يجوز فعله، حرامٌ لا يجوز استماعه ألبتة.

    عن نافع قال: سمع ابن عمر مزماراً، فوضع إصبعيه على أذنيه، ونأى عن الطريق وقال لي: (يا نافع ! هل تسمع شيئاً؟ قال: فقلت: لا. فرفع إصبعيه من أذنيه، وقال: كنتُ مع النبي صلى الله عليه وسلم فسمع مثل هذا، فصنع مثل هذا فأنا أصنع مثله)، رواه أبو داود ، وصححه الألباني رحمه الله تعالى.

    عباد الله: إن مجالس الغناء، وحفلاته، ومهرجاناته، وأشرطته، لغوٌ ولهوٌ، فلنبتعد عنها، ولنطهر أسماعنا منها.

    ومن صفات أهل الإيمان: أنهم بعيدون كل البعد عن اللغو وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً [الفرقان:72].

    1.   

    نداءات للآباء في شأن الغناء

    أيها الآباء! أيها الأولياء! يا من أنتم مؤتَمَنون على بيوتكم، ونسائكم وذراريكم! طهروا بيوتكم من الغناء.. طهروا بيوتكم من هذه الأنجاس.. اقطعوا عنها هذه الأصوات الملعونة، والمزامير الشيطانية، إن الرجل الغيور ذا الشهامة، والعزة، والكرامة لا يرضى بحالٍ لامرأته ولا ابنته أن تسمع غناء رجلٍ يطرب بصوته، بل ويفتن بصورته، ويصف في غنائه العشق والحب والغرام.

    أين الغيرة يا عباد الله؟! بل أين الحمية؟!

    وبعض الفحول من الرجال لا يرى غضاضةً، ولا يرى بأساً في أن تتسلى ابنته بآهات المغنين عرباً وعجماً، بل وتحمل في الجيب صورهم، وتتابع أخبارهم، ناهيكم عمن يسافرون، ويبذلون الأموال لحضورها.

    فاتقوا الله أيها الآباء! اتقوا الله أيها الأولياء! اتقوه جل وعلا في أسركم وبناتكم وأولادكم، فإنهم أمانةٌ عندكم، ستسألون عنها (إن الله سائل كل رجل عما استرعاه: أحفظ ذلك أم ضيعه؟ حتى يسأل الرجل عن أهل بيته) .. (والرجل راعٍ في بيته، ومسئول عن رعيته)، (كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يعول).

    واعلم أيها الأب! اعلم أيها الولي! أنك سوف تُسأل عن نفسك، وعن ذريتك في يومٍ رهيب، لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [الشعراء:88-89] في يومٍ عصيب يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ [عبس:34-37].

    وإنني أوجه نداءً إلى طائفةٍ علَّها أن تسمع ندائي، إنها طائفةٌ استُعْمِلت فيما يغضب المولى جل وعلا، طائفةٌ تصدِّر الفساد وترعاه، وتتفنن في إضلال الشباب، إنهم أصحاب متاجر الأغاني الذين ينتجونها، ويسجلونها، ويبيعونها، ويصدرونها للشباب، والناس.

    إننا نقول لهؤلاء: اتقوا الله، واعلموا أنكم تبيعون حراماً، وتنشرون في المجتمع فساداً، وكسبُكم خبيث (إيما جسم نبت من سحتٍ فالنار أولى به) .. (إن الله طيبٌ لا يقبل إلا طيباً) ألا يخشى الذي يبيع الأغاني ويصدرها من عقوبة الله وسخطه وأليم أخذه وعقابه؟!

    فتُبْ إلى ربك، واستبدل بيع الأشرطة ببيع أشرطةٍ قد سُجِّل عليها الكلم الطيب النافع من القرآن والسنة، والمواعظ النافعة، والخطب والمحاضرات المفيدة وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق:2-3]، (من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه).

    وأنت أنت وليس غيرك، يا من تسمع الأغاني، وهي هجِّيْرات صباح مساء، تدندن عليك في كل مكان، تشتريها، وتدير مفتاح المذياع في السيارة على موجاتها، ألا تخاف من رب العالمين الذي سوف يحاسبك عن هذا السماع الحرام؟! إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً [الإسراء:36].

    أيها المسلمون: أيها الشيب والشباب! واجبٌ علينا أن نقاطع الأغاني، قنواتٍ، ومحلاتٍ، وشركاتٍ، وفنانين، وفنانات، وشعراء، وشاعرات، وأن لا نمكن لهم، فلا نؤجر لهم، ولا نساعدهم، ولا ندعمهم بأي وسيلة كانت، وأن نبرئ الذمة، وننصح الأمة ببيان الحكم الشرعي لهؤلاء من أنها حرام، وأن ما يفعلونه بنا وبالأمة من مهرجاناتٍ وحفلاتٍ وأشرطةٍ إنما هي إفسادٌ في الأرض وإضلال، وأن نتعاهدهم بالنصح والبيان بالتي هي أحسن، حتى يرجعوا ويتوبوا ويئوبوا، وإلا هجرناهم، وحذرنا منهم، فإنهم من العداة على الفضيلة والأخلاق.

    وعلينا أن نوجد وندعم ونعمم البديل الشرعي المباح الحلال من قراءة القرآن، وطلب العلم، وسماعٍ لإذاعة القرآن، والأشرطة المفيدة النافعة، والشعر الجيد الذي يشعل همم الشباب إلى العلياء، الحُداء الطيب، واللهو البريء، وفي ذلك والله غُنْيَةٌ عن صوت فاسقٍ وفاسقة، وماجنٍ وماجنة، وكفايةٌ في ذلك عن شاشةٍ ماجنة، ومجلةٍ هابطة، ولنحفظ أولادنا ونساءنا ومَن هم تحت ولايتنا من هذا الغثاء والوباء.

    وإنني -وأنتم معي في ذلك- لا نلحق اللوم ونحمِّل المسئولية على القنوات والإذاعات التي تُبَث من دولٍ كافرة؛ لأنه ليس بعد الكفر ذنب، ولا يُرْجى من كافرٍ خير؛ لكننا نحمِّل المسئولية في ذلك المسلمين الذين يغارون على دينهم، وأخلاقهم، ونسائهم، وأمتهم، بل كيف يليق بالمسلمين أن يرتكبوا ما حرم الله من الغناء واللهو والغفلة عن ذكر الله؟! كيف يليق بهؤلاء الذين اعتُدِي على دينهم، وبلادهم، وشُرِّد إخوانهم في أقطار الأرض؛ في فلسطين، والشيشان، ومقدونيا .. كيف يليق بهم مع ذلك أن يلهوا ويلعبوا بالأغاني والمعازف، وبحفلات الطرب، وهم جرحى مهددون بالأخطار؟! كيف لهم أن يغنوا وهم يسمعون مآسي مقدونيا، والقوقاز والقفقاز؟!

    1.   

    عزة الأمة ليست بالملاهي

    إن اللائق بأمة الكرامة والعزة، أمة لا إله إلا الله، أمةٌ عزمها مَضَاء، وإرادتها قوية، اللائق بهذه الأمة أن تجدَّ وتجتهد في حماية دينها وبلادها، وأن تجاهد الكفار، وتدفع الأخطار، وأن تحفظ مقدراتها وطاقاتها فيما ينفع ويفيد أبناء الأمة من علمٍ، وتعليمٍ، ودعوةٍ إلى الله، وبناءِ مرافق، وإعدادِ العدة في سبيل الله، لا أن تذهب سدى في لهوٍ باطل، أو غناءٍ حرام، وما إلى ذلك.

    ولتتذكر الأمة رعاةً ورعيةً أن عزتنا ونصرتنا لا تكون إلا بالإسلام، و[نحن قومٌ أعزنا الله بالإسلام، فمهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله] ولنعلم أننا إذا تخلينا عن هذا الإسلام تخلى ربنا عنا وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ [محمد:38].

    ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ [الأنفال:53].

    عزتنا ليست بالملاهي، ولا بالأغاني، فهذه الأمور لا تعيد حقاً مسلوباً، ولا تردع ظالماً، عزتنا بالقرآن والسنة وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلونَ [الزخرف:44] .. (إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين).

    يا أمة الحق والآلام مقبلةٌ     متى تعينَ ونار الشر تستعرُ

    متى يعود إلى الإسلام مسجدهُ     متى يعود إلى محرابه عمر

    أكل يومٍ يُرى للدين نازلةٌ     وأمة الحق لا سمعٌ ولا بصرُ

    أبالرياضة نبني مجد أمتنا     أم بالفنون، وبالأفلامِ ننتصرُ

    أسأل الله جل وعلا أن يصلح الراعي والرعية.

    اللهم آمِنا في الأوطان والدور، وأصلح الأئمة وولاة الأمور.

    اللهم انصر من نصر هذا الدين، واجعلنا من أنصاره، واخذل من خذل هذا الدين، ولا تجعلنا ممن خذله.

    اللهم انصر إخواننا المجاهدين في فلسطين، والشيشان، وكشمير، والفلبين، وبورما، ومقدونيا، وكل مكانٍ، يا رب العالمين!

    اللهم أقم علم الجهاد، واقمع أهل الشرك، والزيغ، والفساد، وانشر رحمتك على العباد.

    إن الله يأمر العدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي؛ يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه وآلائه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755794659