إسلام ويب

أولادنا أكبادناللشيخ : طارق الطواري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الأولاد نعمة عظيمة، امتن الله بها على عباده في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، فكان حقها أن تشكر ولا تكفر. وأهم أركان شكر هذه النعمة هي القيام بحقها من رعاية وصيانة، وسلوك السبل الصحيحة لتكون هذه الذرية عابدة قانتة لله عز وجل، وإبعادها عما يخلِّ بسيرها في هذا السبيل.

    1.   

    أسباب الكلام عن الزنا

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسولنا محمدٍ وعلى آله وصحابته والتابعين.

    وبعد:

    سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما جهلنا، وارزقنا العمل بما علمتنا.

    في الحقيقة كنت أريد أن يكون عنوان هذه المحاضرة هو ما سأطرحه نفسه في هذا اليوم وهو الكلام عن الزنا.

    عن الزنا!! أليس شريطنا بعنوان: أبناؤنا أكبادنا؟ فكيف يكون الحديث عن الزنا؟

    كيف لا؟! وإذا علمت أن الغرب قد سعى بقضه وقضيضه وبكل ما يملك لإغواء شباب هذه الأمة المحمدية، خاصةً وقد قرأت بالأمس بعض المقالات، وبعض القصاصات من المجلات التي تحكي عن الإحصاءات، وعن انفتاح أوروبا فيما يتعلق بالعلاقات الجنسية، أو ما يتعلق بالعلاقات المحرمة.

    لك أن تتصور إذا علمت أن في أمريكا وحدها أربعة عشر مليون إنسان يتابعون المحطات الخلاعية، وأنه من مجلة خليعة واحدة يطبع ستة مليون وأربعمائة ألف نسخة، وهذا حسب ما كنت أقرؤه في الإحصائيات، وهناك سن القوانين التي تسمح بالسياحة من أجل الجنس والفساد، وأيضاً القوانين التي ألزمت بها الأمم المتحدة (118) دولة في مؤتمر بكين ، وفي مؤتمر القاهرة ، والتي كان أحد بنودها: إعطاء المرأة الحرية الشخصية، فجسدها بالنسبة لها ملكٌ كامل، فهي تتصرف في هذا الجسد كما تشاء، وقد رفضت بعض الدول التوقيع على هذا القرار، مع السماح بإجهاض الأجنة، والسماح بنوادي الشواذ وأمورٍ أخرى.

    في الحقيقة كنت أريد أن يكون موضوعي في هذه الليلة عن قضية الزنا؛ لأنه من أخطر المواضيع، وأكثر المواضيع انتشاراً، وأقل المواضيع خدمةً، فتجولت كثيراً في الأسواق، فلم أجد شريطاً يتكلم عن موضوع الزنا مدعماً بإحصاءات أو أرقامٍ أو قصصٍ من الواقع، بحيث لو سمعها الإنسان تكون رادعاً له أن ينتهي، أو يبتعد، أو ألا يمارس هذا أبد الدهر وأبد حياته، فلم أجد من ذلك إلا الشيء النادر اليسير، بل بعض الناس عرج إليه تعريجاً ولم يفرد من أجله خطبةً أو كلمةً مستقلة.

    ونظراً لأنني لم أتمم بعد القصص التي ما زلت أجمعها في هذا الباب، ولم أتمم بعد الإحصاءات التي ما زلت أجمعها حتى أعطي الموضوع حقه، وكان قصدي ومرادي أن الشاب إذا استمع إلى هذا الشريط ينكفّ إما خوفاً من الله تعالى، أو خوفاً من العواقب التي ربما تطرقت لبعضها في هذه المحاضرة، فلذلك أعتذر منكم جميعاً عن الكلام عن قضية الزنا.

    1.   

    نعمة الأولاد .. وضرورة شكرها

    أما موضوعنا اليوم فهو لا يقل أهميةً عن هذه القضية، بل هو المدخل أصلاً لوقوع كثيرٍ من الشباب في قضية الزنا، موضوعنا اليوم هو: أبناؤنا أكبادنا.

    نعم. أبناؤنا أكبادنا، قد لا يشعر بقيمة الابن إلا من كان محروماً من الأبناء، ومن كان عقيماً ومن ليس له ذرية، قال الله تعالى وهو يمتن على الناس بوجود الأبناء والذرية: ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً * وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَمْدُوداً * وَبَنِينَ شُهُوداً * وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً * ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ * كَلَّا... [المدثر:11-16] فالله تعالى لما امتن على هذا الإنسان امتن عليه بوجود الأموال وبوجود البنين.

    وقال الله تعالى: وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً [النحل:72] فهذه من المنن التي يمتن الله تعالى بها على كل إنسان ذكراً كان أو أنثى أن وهبه الله تعالى الحياة مع أبناء.

    ولك أن تتصور بيتك خالياً ليس فيه أولاد، وليس فيه شغب الأطفال، فتدخل بيتك كأنك داخلٌ إلى قبرك، وتغلق على نفسك الباب، أنت وامرأتك بلا أولاد ولا ذرية.

    نعم. أنت لا تشعر بذلك، وإنما يشعر بذلك من حرمه الله تعالى من الأولاد، ومن حرمه الله تعالى من الذرية، فبيته بالنسبة إليه أشبه ما يكون بقبرٍ مغلقٍ يغلقه على نفسه في كل يوم، ولذلك قال الله تعالى: يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً [الشورى:49-50] فبين الله تعالى أن الأبناء هبة من الله تعالى، وعطية من الله تعالى.

    وما يزال الإنسان في حياته يشمهم ويحبهم ويلمهم ويضمهم وهم زهرة الحياة الدنيا وبهجتها، كما قال الأول:

    لولا بنيات كزغب القطا     رددن من بعضٍ إلى بعض

    لكان لي مضطربٌ واسع     في الأرض ذات الطول والعرض

    وإنما أولادنا بيننا     أكبادنا تمشي على الأرض

    لو هبت الريح على بعضهـم     لامتنعت عيني عن الغمض

    نعم. أولادنا أكبادنا تمشي على البر، ولو تصور الإنسان أنه رزق بابنٍ مشوهٍ، أو معاقٍ، أو أعمى، أو مصاب بمرضٍ أو مخدجٍ، لعلم قيمة هؤلاء الأبناء، ولعلم كيف أن الله تعالى امتن عليه بابنٍ صالحٍ سويٍ عاقلٍ مميزٍ، معه كامل قواه العقلية والبدنية.

    وهذا يستلزم أن يشكر الإنسان منا ربه عز وجل شكراً، والشكر ليس بمجرد الكلمات والألفاظ، كلما قمت وقعدت قلت: الحمد لله، وكلما تكلمت قلت: نحن شاكرون وحامدون.

    بل الشكر يكون بالعمل أيضاً، كما قال الله تعالى: اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ [سبأ:13].

    فربنا عز وجل أراد من العباد أن يكون شكرهم عملاً أيضاً ولا يكون شكرهم مجرد كلامٍ نظري فقط، فتذكر أن شكرك لله تعالى لا يكون بمجرد الكلمات فقط، وإنما بالأعمال أيضاً.

    وأول شكرك لله تعالى على هذه الأعمال -وهذا سيدخلنا إلى مقدمات حتى نتكلم عن المواضيع الأخرى- أن ربنا عز وجل سائلك يوم القيامة عما ستوفره لهؤلاء الأبناء.

    عن بيتك: هل أسكنتهم في مسكنٍ حلال، أو اقترضت من بنكٍ ربوي، فبنيت وعمرت لهم داراً؟

    ثم إن الله تعالى سائلك عن الكساء: هل ألبستهم ملبساً حلالاً، أو أنك ألبستهم ملابس أخذتها من الرشوة، أو أخذتها من أموال الحرام؟

    ثم إن الله تعالى سائلك عن الطعام الذي أطعمته أولادك: هل أطعمتهم من مالٍ حلال محضٍ، أو أنك أطعمتهم من أموال ربوية، أو من فوائد بنكية، أو من أموالٍ فيها دخنٌ وشبهة، فصار هؤلاء الأبناء وبالاً عليك في دنياك، ووبالاً عليك يوم القيامة عند الله تعالى؟

    كان أبو بكر رضي الله عنه له غلامٌ، وهذا الغلام كان مملوكاً عند أبي بكر، ثم أعتقه أبو بكر رضي الله عنه مكاتبةً، يعني يذهب يشتغل ويعطيه من الأموال.

    ولما جاء الإسلام وأسلم أبو بكر كان هذا الغلام مازال يدفع مالاً لـأبي بكر، وكان أبو بكر رضي الله عنه في كل مرة يسأل عن هذا المال الذي أتى به هذا الغلام: أهو من الحلال أم هو من الحرام؟ وفي مرةٍ من المرات جاء هذا الغلام بالمال، ولكن لم يأتِ به نقداً، وإنما أتى به طعاماً، فأكله أبو بكر رضي الله عنه.

    ولما أكله قال له الغلام: لم تسألني يا أبا بكر! من أتيت بهذا المال، قال: لعلك أتيت به من حلال. قال: لا. هذا المال كنت قد تكهنت كهانةً لقوم -جاء أناس من غير أهل البلد وسألوا فظنوني كاهناً أو عرافاً، فتكهنت لهم كهانة، وأنا ليس عندي علم، ولكن أصابت هذه الكهانة فجعلوا لي جعلاً- فجعلوا لي هذا المال، فاشتريت بهذا المال طعاماً، ودفعت لك هذا الطعام.

    فوضع أبو بكر رضي الله عنه إصبعه في فمه وجعل يتقيأ، فقالوا له: كيف تفعل ذلك؟ قال: والله لو لم تخرج آخر لقمة منه إلا مع آخر نفسٍ مني ما تركته في جوفي قط، كيف وقد سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (أيما جسدٍ نبت من الحرام فالنار أولى به).

    حرامٌ عليك أن تتسبب في دخول أبنائك النار، وحرامٌ عليك أن تتسبب في دخول ابنتك إلى النار، وحرامٌ عليك أن تجعل أبناءك ينبت جسدهم من حرام، حتى إذا جاءوا إلى الجنة أُخروا عنها بسبب إطعام والدهم لهم الحرام.

    فضلاً عن هذا أن الأجساد إذا نبتت من حرام فإن ربنا عز وجل سيحرمها من بركة الدنيا وبركة الآخرة، فإنها أجسادٌ نبتت من مطعمٍ حرام، وربما لم يكن للطفل جناية، ولم يكن له ذنبٌ، إلا أن الأب تسبب في نشوء هذا الجسد عن حرام.

    1.   

    واجب التربية الدينية للأبناء

    ثانياً: ما يتعلق في واجبنا نحو أبنائنا وهم أكبادنا التي تمشي على الأرض:

    إن التربية الدينية والقيام عليهم لا بد منه، فالأب قد يكون مشغولاً في تجارته، وقد يكون مشغولاً في وزارته، وقد يكون مشغولاً في الدعوة، بل ربما كان هو داعية أصلاً، وربما كان هو إماماً، وربما كان خطيباً، ولكن ليس لأهله، ولا لبيته، ولا لأولاده من حياته أي نصيب.

    فبدأ حين كبر الأولاد، ورآهم لا يصلون، ولا يقومون بحقوق الله، وقد انتشل هؤلاء الأولاد أبناء الشوارع، فصاروا جزءاً من الشارع، وتأثروا بالتلفاز، وبالستلايت، وتأثروا بالمغريات، فقال: أبناء هذا الزمن لا يوجد فيهم خير، وقال: الله المستعان! أبناء هذا الزمان ... وبدأ يتأثر ويقول: لا يبرون أباهم، وأهاليهم، ولا يزورون أعمامهم، و... و... إلخ.

    والحقيقة أن العيب منك أنت، والنقص فيك أنت، والتقصير منك أنت، كما قال الأول:

    نعيب زماننا والعيب فينا     وما لزماننا عيبٌ سوانا

    وقد نهجو الزمان بغير جـرمٍ     ولو نطق الزمان بنا هجانا

    وليس الذئب يأكل لحم ذئـبٍ     ويأكل بعضنا بعضاً عيانا

    العيب منا نحن، نحن الذين لم نربهم وهم صغار .. نحن الذين ما علمناه على المساجد .. نحن الذين ما علمناه على الطاعة .. كان كل همك هو أنك تدرسه، وأنه يحصل على شهادة، وكل همك في البنت أنها تنجح وتدخل إلى الجامعة، ثم تتوظف.

    أما ما يتعلق بتعليمها لدينها وأركان إسلامها وحيائها وغيره، فهو أمرٌ موكولٌ للتلفاز، وللشارع، وأمرٌ موكولٌ للمدرسة، وهي في الحقيقة تُثقف ولا تُعلم أو تُربي، فالمدرسة تعطي ثقافة وعلماً، أما التربية الحقيقية الجادة، فإنها من واجب الآباء والأمهات.

    هل سمعت في يومٍ من الأيام بمزارعٍ يرجو ثمراً ولا يعتني بالزرع ولا يسقيه، إنك لا تجني من الحبة التي لا تسقيها ثمراً، ولا تجني منها زرعاً.

    كذلك أولادنا إنما هم ثمارٌ، وإنما هم نتيجةٌ حتمية فعلية لسقايتك لهم أثناء شبابهم، ولذلك كلما اعتنيت بابنك أثناء الشباب، وعلمته العادات الحسنة، وتعاليم الدين، كلما جنيت ثمراً بعد ذلك.

    1.   

    وسائل تربية الأبناء

    ومن حسن تربيتك لأبنائك -وهذه أبواب متفرعة كثيرة- كما يقولون: حسن اختيار الاسم، وحسن اختيار الزوجة، وقضايا أخرى جانبية، لست بصدد الكلام عنها.

    زرع الحنان في الأبناء

    قالوا: من الوسائل كذلك عنايتنا بزرع الحنان في الأبناء، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يهش ويبش ويشم أبناء ابنته وهم الحسن والحسين ، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم.

    قالوا: فلا يصلح أن يكون الأب مقطب الجبين، ولا يصلح أن يكون شديداً شرساً على أبنائه: لا يبتسم، ولا يضحك في وجوههم أبداً، فإن النبي صلى الله عليه وسلم ربما ضم الطفل، ووضعه في حجره، وربما قبله، بل وشمه، بل ربما بال الطفل في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن كانت بنتاً غسله، وإن كان ولداً نضحه صلى الله عليه وسلم.

    وكان صلى الله عليه وسلم يأتي إلى بيت علي بن أبي طالب فيقول له: (أين لكع؟ أين لكع؟ -يعني: الحسن - فيأتي الحسن إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيفتح له ذراعيه، وينزل له صلى الله عليه وسلم ثم يضمه، ثم يحمله، ثم يشمه صلى الله عليه وسلم).

    بل إن أعرابياً رأى النبي صلى الله عليه وسلم يقبل الأطفال ويحملهم، فقال: (أتقبلون أبناءكم؟! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: نعم. فقال: إن لي عشرة من الأبناء، ما قبلت أحداً منهم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أو أملك لك أن نزع الله الرحمة من قلبك).

    يجب أن نعلم أن الذين يخربون المجتمعات إنما هم أطفالٌ نشئوا في بيئات نزع منها الحنان.

    إن الإحصائيات تثبت أن الشواذ جنسياً، وأن متعاطي المخدرات، وأن الذين يسرقون، ويتلفون في البلاد ويؤذون العباد إنما هم الشباب الذين لم يجدوا طعم الحنان والراحة، ولا أبوين مجتمعين.

    فهم إما من أسرةٍ متفرقة بسبب الطلاق، أو من أسرةٍِ لا حنان فيها، فالولد ليل نهار يرى الأب يضرب الأم ويشتمها، والأم ليل نهار ترادد الأب، وينشأ الابن في بيئةٍ منزوعة الحنان، ثم يطبق ما رآه على مجتمعه، ويكون قاسياً في التعامل مع الناس.

    وهكذا البنت، فإن البنت إذا نشأت في بيئةٍ معزولةٍ عن حنانٍ، ومعزولةٍ عن عطف والديها، فإنها لا تجد وسيلة أقرب لكي تجد حناناً، وصدراً حانياً، إلا باستخدام التلفون، فترفع السماعة وتتعرف على شخص، أو ربما قبلت رقم شخص فتكلمت معه تبحث عن حنان، وتبحث عن إنسان يفتح لها ذراعيه لكي يضمها ويستمع إلى مشاكلها، ويستمع إلى همومها.

    وسرعان ما يجد هذا النوع من الشباب قرناء السوء الذين سرعان ما يتسابقون إلى هذا الجزء من المجتمع المدمر، فيجدون الذين يعوضونهم عن حنانهم المفقود في بيوتهم بحنانٍ زائفٍ مزيف مصطنعٍ، المقصود من ورائه إنما هو الوقوع في الرذيلة، والوقوع في الفساد.

    أمرٌ آخر لا بد من التفاهم بين الزوجين، إذا أردت أن ترعى أبناءك رعايةً حقيقية، فلا بد من التفاهم، كيف تظن أن يكون حال أسرة أبناؤها وأولادها يطعمون، ويسقون، ويأكلون ويشربون شتائم ليل نهار؟

    يقول لي أحد الإخوة: والله لا أنسى في يوم من الأيام نادانا جارنا، وقد سمعنا صياحاً في بيت جارنا وصراخاً، فدخلنا فإذا الأب قد أخذ الأواني وكسرها على رأس امرأته، وأبناؤه ثلاثة صغار يصيحون ويبكون ويتضاغون والدم ينـزف وينـزل من رأس الأم على أنفها ووجنتيها، وهي تصيح وتبكي وقد تمزقت ملابسها.

    وشخصٌ آخر يقول: لا أنسى في يومٍ من الأيام أن والدتي كانت تصبّح وتمسّي والدي بالسب والشتم، وهو كذلك يرد عليها بالسب والشتم، حتى أصبحت معيشتنا في بيتنا نوعاً من الكدر، ونوعاً من الجحيم، فأصبحنا ندور في الشوارع، وبعضنا لجأ إلى بيت جدي، والآخر لجأ إلى بيت أخوالي هروباً من هذا الجحيم المتكرر.

    إن هذه المشاكل التي تنشأ في البيوت على مرأى ومسمع من حياة الأبناء، إنها تدمر أبناءنا، إن شئت أو أبيت.

    وكما قلت لكم: إن معظم المتعاطين والشاذّين والسراق إنما نشأوا في بيئةٍ مفقودة الحنان.

    القدوة الحسنة

    من وسائل تربيتنا لأبنائنا وهم أكبادنا التي تمشي على الأرض ما يسمى: بالقدوة الحسنة، القدوة الحسنة سواء كان ابنك صغيراً، أو كان ابنك كبيراً هو يرى فيك المثل الأعلى في شرب الدخان، ويرى فيك المثل الأعلى في نومك عن صلاة الفجر، ويرى فيك المثل الأعلى في متابعتك للتلفاز والستلايت.

    بل ربما تلفظ ببعض الألفاظ التي سمعها من والديه شتماً وسباً وغيره، وربما ضحكت أنت لأن الابن بدأ يتكلم، وما دريت وما علمت أن الضحك والابتسامة منك أنت والزوجة إنما هو إقرارٌ للولد على السب والشتم، الذي كان أول ما نطق به في حياته الدنيا.

    إن الأب يجب أن يكون قدوةً حسنة كما قال قائلهم:

    مشى الطاوس يوماً باختيـالٍ     فقلد شكل مشيته بنوه

    فقال على ما تختالون مشياً     قالوا سبقت به ونحن مقلدوه

    وينشأ ناشئ الفتيان منا     على ما كان عوده أبوه

    فالناشئ ينشأ على ما كان عوده أبوه، إذا علمه أبوه الكذب يتعلم الكذب، وإذا أبوه يدخن يدخن مثله، وإذا أبوه يشرب يشرب مثله، هو يرى أن والده هو القدوة المطلقة في حياته.

    واعلم أن كل كلمة ترددها في البيت سواءً كان بالتلفون، أو مع زملائك، أو جيرانك، أو أضيافك في الديوان، إنما هي نقاطٌ تكتب وتنقش في قلب أبنائك، لا ولن ينسوها أبداً ما حيوا.

    مراعاة الغرائز الكامنة في الأبناء

    كذلك من وسائل تربيتنا واعتنائنا بأبنائنا -وهذه في الحقيقة قضية مهمة، لا بد من المصارحة والمكاشفة فيها، وربما أغفلها كثيرٌ من الناس وعرجوا عنها، ولكنني أجدني مضطراً أن أتكلم فيها صراحةً ألا وهي- مراعاة الغرائز الكامنة في نفوس أبنائنا. إن ابنك اليوم إذا وصل إلى سن البلوغ ثلاث عشرة سنة، أو أربع عشرة سنة، فهو في سنٍ غريزي، وفيه فطرةٌ مركوزة، وهذه الغريزة لا بد لها أن تتفجر في يومٍ من الأيام.

    إن صدك عن ابنك، وعدم مصارحته ومكاشفته، وعدم توجيه غريزته التوجيه السليم بنتاً أو ذكراً فيه مأساةٌ كبيرة سيأتي بيانها.

    فلاشك أن في أبنائنا فطرٌ مركبة وغرائز، فطرهم الله تعالى عليها، وركبهم الله تبارك وتعالى عليها، وهذه الغرائز المركبة في نفوس الناس، لا تذهب بمجرد أن الإنسان يصوم فتذهب غريزته وتقل غريزته، ولا تذهب هذه الغريزة بمجرد أن الأب يأتي بابنه إلى المسجد كل يوم، ولا تنتهي هذه الغريزة بمجرد أن الأب يمنع أبناءه من التلفزيون والستلايت، لا. إنما هي غريزةٌ مركوزة مع الشباب، وتتطور معهم بالغذاء والسن.

    ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يدرك هذا، فأرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى تزويج الشباب صغاراً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (يا معشر الشباب! -ليس الشيوخ- من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للطرف وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء).

    وجاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم جالساً مع بعض الشباب من أصحابه، فقالت: (يا رسول الله! قد وهبت نفسي لك، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يصعد النظر فيها، فقال أحد الشباب من الصحابة -وهو يعلم أن الغريزة المركوزة في نفسه إذ لم توجه إلى الخير فإنها في النهاية ربما انحرفت في الإنسان فجنى وبالاً على أهله وعلى أسرته- فقال: يا رسول الله! زوجنيها، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: اذهب فالتمس شيئاً -ابحث عن شيء، فذهب يبحث ثم رجع- قال: يا رسول الله! لم أجد شيئاً، قال: التمس ولو خاتماً من حديد -فذهب يبحث ثم رجع- قال: لم أجد شيئاً يا رسول الله! قال: هل معك شيء من كتاب الله؟ قال: نعم. أحفظ سورة كذا وكذا، قال: زوجتكها على ما معك من كتاب الله).

    إن هذا الصحابي قد علم أن دينه ناقص، وأن أولى الأوليات، وأهم شيءٍ في حياته أن يتزوج، وأن يتمم الدين، ولو كلَّمت أي إنسان هذا اليوم، وقلت له: يا أخي! تزوج، أو زوِّج أبناءك، فقد أصبحوا كباراً، قال: لا. أمامه كثير، أمامه ثلاثة إخوة كبار لم يتزوجوا بعد، أو البنت قال: أمامها ثلاث ما زوجناهم، ثم إن أمامها الجامعة، وبعد الجامعة إن شاء الله تتخرج وتحصل على وظيفة، وتمسك شهادتها بيدها، وبعد ذلك نفكر في الزواج.

    وأما الشاب فيقول لك: والله -يا أخي- ليس عندي سكن، والشيء الثاني أنا أمامي ثلاثة إخوة، والشيء الثالث أحتاج مهراً، والمهر أنت تعرف أنه غالٍ ومرتفع، ويجعل لك ألف عائق حتى يعوق هو أو والده بينه وبين الرغبة الحلال.

    ولكن في المقابل إذا أغلقنا هذا الباب، سلوا أنفسكم أيها الرجال، ولتسأل الأمهات أنفسهن: إذا أغلقنا هذا الباب في وجه أبنائنا وشبابنا الذين يرغبون بالتعفف بالحلال، أو البنات اللاتي وصلن إلى سن الزواج، وأغفلنا هذا الجزء من حياتهم ما هو البديل يا ترى؟

    1.   

    بدائل العفاف

    إن البديل كما قال العلماء: إما السفر، كما قال عمر لرجل: [يا هذا إما أن تتزوج، وإلا اتهمتك بالفساد، وإلا أنت عنين] يعني: ليست لك رغبةٌ في الزواج.

    قالوا: البديل لأبنائنا -نتكلم عن الشباب-: إما السفر، والسفر ميسور لكل إنسان حيث يشاء، بل ربما سافر إلى بعض الدول، وادعى أمام الناس أنه مسافر للسياحة، وهو يعرف أنه سافر لقضاء وطره، وقضاء حاجته.

    أو البديل .. النظر إلى الحرام؛ لأنه تبريرٌ، وهو في نفس الوقت تهدئةٌ عن شهوةٍ في نفسه هو يراها، وما زالت تتفجر وتكبر في نفسه يوماً بعد يوم. فالنظر إلى الحرام، إما بالمباشرة أو بغير مباشرة:

    بالمباشرة بأن يقضي أوقاته في الأسواق، فتجده جالساً على ناصية الطريق، وتجده حريصاً على الإتيان بأخته من الثانوية، فيذهب يجلس عند المدرسة الثانوية من أجل أن يحضر أخته، وليس هذا قصده، بل قصده أن يمتع نفسه بالنظر الحرام بالمباشرة.

    أو أن يمتع نفسه بالنظر الغير مباشر، وهذا يحصل له -أحياناً- من خلال صديق على مجلة، أو من خلال الدخول على الإنترنت على المواقع الإباحية، أو من خلال الكلام بالتليفون مع صديقة، فينفس عما في نفسه أو هي تنفس عما في نفسها، أو يشتري له ستلايت ويفتح على قنوات العالم، ويدخل عليها كما يشاء، فينظر كما يشاء، ويرى أن هذا متنفس طبيعي للكبت الذي يعانيه بسبب أن والده لا يسأل فيه، ولا والدته سائلة فيها، وهم لا يريدون لها زواجاً، وهم أبناؤنا أكبادنا التي تمشي على الأرض.

    أو ربما كان هنا متنفسٌ ثالث ألا وهو التعلق بالحرام، وبناء العلاقات، فهو يرى من خلال بناء علاقةٍ مع صديقة نوعاً من التنفيس عن الشهوة المحترقة في نفسه، وهي ترى أن في بناء علاقةٍ مع صديق في الجامعة، أو صديق في العمل، أو صديق وقع رقمه خطأ في يدها، نوعاً من المتنفس عن الشهوة الملتهبة في نفسها.

    وربما كان أوله لعب، وأخره عطب، وربما كان أوله شهوة، ثم صار في آخره نكسة على الإنسان، ولكن هذه هي الحقائق التي لا يجوز أن نتنكر عنها، أو أن نتجاهلها.

    كذلك ما يتعلق في هذا الموضوع، أنه ربما كان هناك تصريفٌ آخر، فهذا الإنسان ما تعلق بصور الحرام، وربما ما سافر، ولكن ربما تعلق بالشباب وهو الذي يسمى بالعلاقة المثلية، هو ممنوع من الزواج، وهي ممنوعة من الزواج، وهذه شهوةٌ متدفقة في نفوسهم، فهو يرى أن التعلق المثلي، يعني أن يتعلق بصديق جميل، ويمشي معه، ويمسك يده، ويرى أنه صديقه، وفي الحقيقة هي علاقاتٍ محرمة تبدأ بالصداقة، وتنتهي بعد ذلك بالعلاقات الشاذة المثلية.

    ونفس الشيء البنات، ربما كانت محرومة من الزواج، فتلجأ إلى ما يسمى بالعلاقة المثلية، تتخذ لها صديقة، فهي صديقتها تتصل عليها في الصباح وفي المساء، وقبل الغروب، وبعد الغروب، وفي الليل، وفي اليوم الذي ما تكلمها فيه فإن حياتها نكدٌ وجحيم، حتى تجد أن فيها متنفساً عن رغبتها، وربما كان هذا الإنسان يمرض إذا حرم هذا الصديق أو حرمت هذه الصديقة.

    وربما لجأ إلى متنفسٍ أخر وهو الاستمناء، وهو إخراج الشهوة بطريقةٍ محرمة إما باليد أو غيرها.

    كثير من الشباب الذين التقيت بهم يشكون من أن أهلهم يمنعونهم أحياناً من الزواج، والزواج بفضل الله تعالى يتيسر على الإنسان كما قال النبي صلى الله عليه وسلم عن المتعفف: (ثلاثةٌ حق على الله أن يغنيهم -ومنهم-: الشاب الذي يبتغي الإحصان والعفاف) فإن على الله تعالى أن يغنيه، وأن يسعده، وأن يوفقه لمراده.

    إذاً الشاب ربما لجأ إلى الاستمناء، وفي الاستمناء أمراضٌ ستقع على هذا الإنسان إما عاجلاً وإما آجلاً. وهو يرى أن في هذا قضاءً لشهوته وقضاءً لوطره.

    1.   

    النتائج المترتبة على عدم الاهتمام بغرائز الشباب

    ما هي النتائج التي تترتب على هذه الأمور؟

    لو أغفلنا أبناءنا، وكبر ابنك وصار ابنك عمره ثلاث عشرة أو أربع عشرة سنة، أو بنتك صار عمرها أربع عشرة سنة أو خمس عشرة، وأصبحت على عاداتك وتقاليدك، لا تناقش معها قضية البلوغ، ولا تنظر إلى رغباتها، وظلت هي تتأثر بما يعرض بالستلايت، وتتأثر بالمجتمع، فهي تجلس سبع ساعات في المدرسة، أو سبع ساعات في الجامعة، وتتأثر بالشارع، وتتأثر بالمجلات المقروءة، ما هي النتيجة يا ترى؟

    انظروا النتائج، طبعاً هي وجدت تصريفاً لها في هذا الباب، وهو وجد تصريفاً له في هذا الباب، ولكن انظروا إلى النتائج.

    زيادة اشتعال الشهوة

    أول النتائج -كما يقول الإمام ابن القيم - زيادة اشتعال الشهوة، فإن الإنسان يظن أنه حينما ينفس عن شهوته بالصور، أو بالمجلات، أو بالجلوس في الأسواق، أو بالذهاب إلى المجمعات أن الشهوة ستنطفئ في نفسه، وما علم أن الشهوة ستزيد وستشتعل في نفسه، بل ربما لم تعجبه واحدة، فظل يتمتع ويكثر من النظر إلى هؤلاء الفتيات، كما قال ابن القيم: ومن أحب شيئاً غير الله تعالى عذب به.

    الحرمان من المتعة الحلال

    ثانياً: ربما منع من المتعة الحلال، فهو تعلق بالصور، ويرى جميلات العالم وعارضات الأزياء، وأنا أعرف ناساً كثيرين لما أرادوا ورغبوا في الزواج لم تملأ عينهم أي بنت أبداً، ولم يقتنعوا بأي واحدة أبداً؛ لأنه تعود على صور وعلى أشكال، إنما دفع لها أموال لكي تعرض جسدها وتعريه، حتى يأخذ صحتك، ومالك، ويأخذ وقتك، فهؤلاء الصنف من المعروضات من النساء لسن للحمل ولا للولادة، ولسن للتكاثر، وللتربية، إنما هن مجرد عارضات يستفيدون منهن أن يسلبوا مالك وعقلك وصحتك وعافيتك.

    ولذلك هو لما تعلق بالصور الحرام عاف كل صور الحلال، بل ربما من تعود وأدمن على الاستمناء، لم يتمتع أبداً بزواجٍ ولا بلذةٍ مع أهله.

    الفضيحة

    ثالثاً: ربما عاجله الله تعالى بفضيحة، وهي إما أن تكون أن يتكلم الناس فيه، إن فلاناً زنى، أو هي زنت، أو هي لها في يوم من الأيام علاقة، أو ربما صور لها فيلم، أو صور لها شريط كما يفعل كثير من الشباب حينما تكون له علاقة مع بنت، فإنه يحاول قدر المستطاع أن يسجل لها مكالمة، أو يسجل لها شريط، وعندي قصص من ذلك كثيرة أؤجلها إلى محاضرة (دقة بدقة) فكانت بعد ذلك الفضيحة، وربما كانت الفضيحة ليست عليها فقط، بل ربما عليها وعلى أهلها، وعلى جماعتها، وقبيلتها، وعلى من حولها؛ لأنها تسبب في ضياع شرفها، ومن ثم شرف أهلها.

    وربما كانت الفضيحة من صورة أخرى وجنسٍ آخر، ألا وهي المرض الجنسي، ربما انتشر في هؤلاء الناس مرضٌ جنسي، سواء كان الإيدز، أو الهربز، أو السيلان، أو غيرها من الأمراض المعدية، التي ربما انتشرت وظهرت على الإنسان بعد عشر سنوات من ممارسته للحرام، أو ربما تزوج فانتقلت لزوجته، أو ربما ظهرت وطفحت عليه وعلى جلده فأصبح مريضاً يرمى في مستشفى الأمراض السارية، ويُسأل عنه فيقال: مصابٌ بمرضٍ جنسي، فيا لها من فضيحةٍ تنكس فيها هذا الإنسان!!

    أو ربما كانت الفضيحة من نوعٍ رابع، ألا وهي أن البنت الزانية تحمل، ثم إذا حملت هذه البنت فهي لا تجد طريقاً إلا أن تقتل هذه النفس وتجهضها، أو ربما رمته لقيطاً حتى يرعى في دور الرعاية، كلهم إذا كبروا يدعون على آبائهم وعلى أمهاتهم باللعنة والويل والثبور.

    إنك -والله- حينما تدخل إلى دور الرعاية، وتنظر إلى هؤلاء الأطفال تأخذك الرحمة، ولا تستطيع أن تملك دمعك من أن يسيل على وجنتيك، لما ترى من شفقةٍ على هؤلاء الأطفال الذين ليس لهم ذنبٌ في الحياة، فإنهم سيعيشون طيلة حياتهم في عقدٍ نفسيةٍ؛ لأنه يرى في نفسه أنه ابن زنا، وليس ابن شرف.

    ولكن المتسبب الأول هو ذلك الأب الذي حرم ابنه أو ابنته من التوجيه الصحيح، فلم يوجه ابنه للزواج، ولم يوجه ابنته للتربية، ثم انحرف الأبناء وانحرفت البنات، وأخرجوا هذا الطفل اللقيط، الذي عاش وبالاً على مجتمعه أو أهله.

    وربما كانت الفضيحة من نوعٍ خامس وهي أعظم وأكبر، ألا وهي الفضيحة على رءوس الخلائق يوم القيامة، فربما فضحك الله تعالى، وهي ليست فضيحة يوم أو يومين، وليست فضيحة ساعة أو ساعتين، وليست فضيحة بين الناس، ثم تنتهي هذه الفضيحة، إنها فضيحة على رءوس الخلائق، ربما ناداك الله تعالى: يا فلان! أنت الذي زنيت، وأنت الذي فعلت في اليوم الفلاني، وفي المكان الفلاني، ومع فلانة الفلانية، فيفضحك الله تعالى ويلتفت الناس إليك وينظرون إليك، ولا ترى مكاناً تختبئ فيه من هذا الجرم.

    كما تدين تدان

    وكما تدين تدان، فإنك مهما فعلت في بنات الناس سيفعل في بناتك، حدثني شخص قد حج معي وعمره ثلاث وستون سنة، قال لي: والله يا شيخ! هذه أول مرة أحج فيها، وقد كنت يوم كان الناس يذهبون لقضاء الصيف إلى البصرة ، كنت أذهب إلى لبنان وأوروبا -وكان الرجل قد أغناه الله تعالى- وما تركت باباً من أبواب الحرام إلا فعلته، والآن وعمري ثلاث وستون سنة بدأت أتوب، ولكن ابتلاني الله تعالى في بنتي، فبنتي تفعل كما كنت أفعل اليوم، وهي على أشد ما تكون من الفساد وليس لي عليها سلطة.

    قلت له: نعم. وقد صدق الإمام الشافعي يوم أن قال:

    عفوا تعف نساؤكم في المحـرم     وتجنبوا ما لا يليق بمسلم

    من يزنِ في بيتٍ بألفي درهـمٍ     في بيته يزنى بغير الدرهم

    من يزنِ يزن به ولو بجداره     إن كنت يا هذا لبيباً فافهم

    إن الزنا دينٌ فإن أقرضته     كان الوفاء من أهل بيتك فاعلم

    يا هاتكاً ستر الرجال وقاطعـاً     سبل المودة عشت غير مكرم

    لو كنت حراً من سلالة طاهرٍ     ما كنت هتاكاً لعرض المسلم

    نعم. إن الدين من جزاء العمل، وربنا سبحانه وتعالى يجازيك كما كنت تفعل بالناس، وأؤجل الكلام عن الزنا، وكيف يعاجل الله تعالى الزناة بالعقوبة في الدنيا قبل الآخرة، لموضوع (دقة بدقة).

    1.   

    ضرورة العناية بتربية الأولاد

    أما العلاج:

    فالعلاج أن نكاشف أبناءنا، وأن نعتني بهم منذ الولادة، وليس اعتناؤنا بالأبناء إلى أن يبلغ الولد ثم نزوجه وتنتهي العناية، لا. وإنما تستمر العناية بأبنائنا من الحياة إلى الممات، كما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه جاء في يومٍ من الأيام إلى بيته، فوجد فاطمة رضي الله عنها سيدة نساء الجنة، وهي زوج علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وهي الشريفة العفيفة الطاهرة، رآها صلى الله عليه وسلم قد عادت من الخارج، فقال لها: (من أين يا فاطمة ؟) من أين جئتِ يا فاطمة ؟ فهي متزوجة وكبيرة ومع هذا يسأل عنها، قال: (من أين يا فاطمة ؟ قالت: يا رسول الله! جئت من عند بيت أهل هذا الميت -مات شخص وذهبت أعزيهم- ففقال صلى الله عليه وسلم: يا فاطمة لعلكِ بلغت معهم الكُدَى، -يعني: وصلت معهم إلى القبور- قالت: معاذ الله يا رسول الله! كيف أبلغ معهم الكدى، وقد سمعتك تنهى عن زيارة النساء للمقابر، قال: لو بلغت معهم الكدى ما رأيتِ الجنة حتى يراها جد أبيكِ) أو كما قال صلى الله عليه وسلم تشديداً وتحذيراً على بنته وهي الشريفة العفيفة، وعناية ورعاية لأبنائه وبناته.

    لذلك أقول: يا أحباب! إن عنايتنا بأبنائنا تبدأ منذ أن يختار الإنسان الزوجة، فكما يضع لنفسه خانة في سؤاله عن شكلها، وجمالها، وطولها، وعرضها، ونسبها، وشهادتها، ضع لنفسك خانةً أخرى في سؤالك عن دينها وعن أخلاقها.

    ثم في تسمية أبنائنا واختيار الاسم الحسن لهم.

    ثم بعد ذلك في أن يكون الأب صدراً حانياً لأبنائه.

    ثم أن يوجههم توجهاً دينياً يشكر نعمة الله تعالى فيه، ويرعاهم بالحلال مطعماً وسكناً وكسوةً ورعايةً ولبساً، ولا يسكنهم في مسكنٍ فيه حرام.

    ثم يظل معهم حتى إذا بلغ الشباب، ووصلوا إلى سن المراهقة من ثلاث عشرة سنة، تبدأ تتحاور بشيء من الوضوح مع أبنائك ومع بناتك؛ لأن هذا أمرٌ فيه تغيرٌ وانحرافٌ سلوكيٌ عجيبٌ في حياة الأبناء، إذا لم يهتم الآباء بأبنائهم في هذه المرحلة، فعلى أبنائنا السلام، وإذا لم تهتم الأمهات ببناتهن في هذه المرحلة فعلى البنات السلام، فإن المغريات كثيرة، والستلايت اليوم يفعل ما يفعل.

    وقد جاءني شخص وقال: يا شيخ! ليتك تخطب في الستلايت، قلت: والله خطبت فيه حتى تعبت وأنا أخطب في موضوع الستلايت، قال: يا شيخ! أنا عامي، ولست متديناً، ولكن أنا الذي أدخلت الستلايت إلى أولادي، كان نعم المسلي، وكان نافذتنا إلى العالم، وكان أول ما يبتدئ الستلايت في المباراة، ويقول: بعد الساعة التاسعة كل قنوات المباريات تنقلب وتصير أشياء أخرى، حتى رأيت أن أبنائي انحرفوا أخلاقياً وسلوكياً، ورأيت -والله- بعيني ما لا يرضى أب أن يراه أبناؤه، وهذا بطوعك أو بغير طوعك، فالأبناء أنت لا تستطيع أن تحجب عنهم كل شيء، ولا تستطيع أن تجعل ولدك مقيداً في البيت، أو تسجنه، أو إذا كبر الولد تحقنه حقناً تجعله متديناً وتنقلب حياته، لا. وإنما تبدأ العناية بالابن منذ أن يكون صغيراً، ثم تنشئه نشأة صالحة.

    ثم تغرس فيه المعاني الحميدة الحسنة التي تستمر معه، وحينما تتوفر لابنك فرصة الزواج وله عقلٌ تامٌ مدبرٌ، أو بنتك فرصة الزواج لا تؤخرها، زوجها ورب العالمين يستر عليها، ويرزقهم الله تعالى، ولا تتأخر أبداً في هذه القضية، فإن فيها سداً للذرائع، وفيها سد لباب الزنا، ولطرق الحرام الأخرى التي ذكرتها لكم: إما سفر، وإما تمتع بصور الحرام بالمباشرة أو بغير المباشرة، وإما بناء العلاقات الجنسية الخطيرة المثلية أو غير المثلية، وإما الاستمناء، أو غيرها من صور الحرام التي تأتي على الإنسان في النهاية بالفضيحة والعار.

    عموماً أسأل الله تعالى أن يحفظ أبناءنا، وأن يوفقنا الله تعالى وإياكم لكل خير.

    وما زال الموعد قائماً حول قضية (دقة بدقة). وإن شاء الله تعالى أحضرها تحضيراً يليق بأسماعكم وبأفهامكم وبمستوياتكم إن شاء الله تعالى، وهذا من باب احترام الحضور، فإن الإنسان يجب أن يحضر تحضيراً جيداً لقضية خطيرة مثل هذه، فإننا نريد من هذه المادة أن تنتشر بين الشباب بحيث إذا سمعها الإنسان انكف وانزجر عن فعل هذه المعصية التي رخصت وانتشرت بين الناس انتشار النار في الهشيم.

    أسأل الله تعالى أن يتقبل منا ومنكم، وأن ينفعنا وإياكم، وأن يصلح لنا النية والذرية إنه ولي ذلك والقادر عليه.

    ما كان من صوابٍ فمن الله وحده، وما كان من خطأ فمني ومن الشيطان، وأبرأ إلى الله تعالى من حولي وقوتي، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

    وأحسن الله إليكم أولاً وثانياً وثالثاً، وشكر الله تعالى حسن استماعكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755929288