إسلام ويب

فضل الصيامللشيخ : محمد حسان

  •  التفريغ النصي الكامل
  • شهر رمضان شهر عظيم مبارك، اصطفاه الله تعالى من بين شهور السنة؛ لأداء فريضة عظيمة فيه، وركن من أركان الإسلام، وهو: الصيام. وهو موسم فيه بركات إلهية كثيرة، تفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق أبواب النار، وتصفد الشياطين، وتكثر فيه أبواب الخير.

    1.   

    (وربك يخلق ما يشاء ويختار)

    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه، واستن بسنته، واقتفى أثره إلى يوم الدين، أما بعد: فمرحباً بكم أحبتي في الله، لقد كان من المنتظر أن يكون لقاؤنا في هذا اليوم المبارك هو الدرس السادس من دروس سورة الستر والعفاف سورة النور، ولكن اسمحوا لي -أيها الأحبة- أن نتوقف عن مواصلة دروس سورة النور لنحيي ضيفاً كريماً قد حل بنا ونزل علينا، إنه ضيف كريم يحل بنا وتحل معه البركات، إنه ضيف عظيم ينزل علينا وتنزل معه الرحمات، إنه ضيف مبارك تخشع فيه القلوب، وتصفو فيه النفوس، وتلين فيه الجلود، وتخشع فيه الجوارح، إنه شهر رمضان، إنه شهر الصيام، إنه شهر القرآن، إنه شهر القيام، إنه شهر الإحسان، إنه شهر العتق من النيران لمن تاب وأناب إلى الرحيم الرحمن جل وعلا. تعالوا بنا -أيها الأحبة- لنعيش بعض الوقت مع هذا الشهر العظيم المبارك، ومع هذا الضيف العزيز الخفيف الذي سرعان ما يحل بنا، وسرعان ما يولي من بين أيدينا وظهورنا، فلقد كنا نقول منذ يومين أو ثلاثة: غداً رمضان، وسوف نقول بعد وقت قليل: لقد انتهى رمضان، وها هي أيام الخير، وها هي أيام البركات والرحمات تولي سريعةً من بين أيدينا وأظهرنا، فالله الله في هذه الأيام، الله الله في شهر القرآن، الله الله في شهر الصيام، الله الله في شهر الإحسان. يا عباد الله! يا أبناء هذه الأمة الميمونة المباركة! يا من اختصكم الله جل وعلا بهذا الشهر العظيم المبارك واختصكم فيه بليلة هي خير من ألف شهر، وصدق الله جل وعلا إذ يقول: وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ [القصص:68]، والاختيار هنا بمعنى الاصطفاء والاجتباء كما قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى. إن الله جل وعلا هو الذي يخلق وهو الذي يفضل ما يشاء، ويختار من بين خلقه ويصطفي ما يشاء؛ فلقد خلق الله جل وعلا السموات سبعاً واختار العليا منها، فاختصها بالقرب من عرشه جل وعلا. وخلق الله الجنان واختار منها جنة الفردوس، فجعل عرشه سقفاً لها، ويا لها من كرامة! وخلق الله الملائكة واصطفى من الملائكة جبريل وإسرافيل وميكائيل، فجبريل هو صاحب الوحي الذي به حياة القلوب والأرواح، وإسرافيل صاحب الصور الذي إذا نفخ فيه أحيت نفخته جميع الأموات بإذن رب الأرض والسماوات، وميكائيل هو صاحب القطر الذي به حياة كل شيء وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ [الأنبياء:30]. وخلق الله جل وعلا البشر، واصطفى من البشر الأنبياء، واصطفى من الأنبياء الرسل، واصطفى من الرسل أولي العزم الخمسة، واصطفى من أولي العزم الخمسة الخليلين الكريمين: إبراهيم ومحمداً صلى الله عليهما وسلم، واختار محمداً صلى الله عليه وسلم ففضله على جميع الأنبياء والمرسلين، فجعله إمام الأتقياء، وجعله إمام الأنبياء، وجعله سيد المرسلين، ورفعه الله جل وعلا على جميع الخلائق، وزكاه في كل شيء، فرفع له ذكره، ووضع عنه وزره، وشرح الله صدره. زكاه في عقله فقال: مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى [النجم:2]. وزكاه في بصره فقال: مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى [النجم:17]. وزكاه في فؤاده فقال: مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى [النجم:11]. وزكاه في صدره فقال: أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ [الشرح:1]. وزكاه في ذكره فقال: وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ [الشرح:4]. ووضع عنه وزره فقال: وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ [الشرح:2]. وزكاه في علمه فقال: عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى [النجم:5]. وزكاه في صدقه فقال: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى [النجم:3]. وزكاه كله فقال: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم:4]، بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم. وخلق الله جل وعلا الأمم، وعددهم كما ورد في الحديث: (خلق الله سبعين أمة)، واختار من بين هذا العدد الضخم الكبير أعظم الأمم وأفضل الأمم وخير الأمم، وهي هذه الأمة، أمة النبي صلى الله عليه وسلم، فضلها الله على جميع الأمم، وكرمها الله على جميع الأمم، وخاطبها بقوله جل وعلا: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [آل عمران:110]. وفي الحديث الذي رواه الإمام أحمد بسند حسن ورواه الحاكم في المستدرك وصححه وأقره الذهبي من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: (أنتم موفون سبعين أمة، أنتم خيرها وأكرمها على الله عز وجل). وجعل الله هذه الأمة الأخيرة هي الأمة الوسط، أي: هي الأمة العدل، وهي الأمة الشاهدة على جميع الأمم، فقال ربنا جل وعلا: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا [البقرة:143]، جعل الله هذه الأمة الأخيرة هي الأمة الشاهدة على جميع الأمم السابقة، وفي الحديث الذي رواه البخاري وأحمد والترمذي من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: (يدعى نوح يوم القيامة فيقال له: هل بلغت قومك؟ والله جل وعلا أعلم، فيقول نوح عليه السلام: نعم بلغت قومي، فيدعى قومه فيقال لهم: هل بلغكم هذا؟ فيقولون: لا ما أتانا من نذير، وما أتانا من أحد، فيقول الله جل وعلا لنوح: من يشهد لك يا نوح أنك بلغت قومك؟ فيقول نوح عليه السلام: يشهد لي محمد صلى الله عليه وسلم وأمته). هل رأيتم نوحاً؟ هل عاصرتم نوحاً عليه السلام؟ لا والله ما رأيناه ولا عاصرناه، إذاً ما الذي سيجعلنا نشهد لنوح عليه السلام أنه بلغ قومه وأنذر قومه، يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (فتدعون فتشهدون لنوح أنه بلغ قومه، وذلك قوله تعالى: (( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا ))[البقرة:143] ، ثم قال عليه الصلاة والسلام: الوسط: العدل)، ويقول صلى الله عليه وسلم: (ثم أشهد عليكم). وفي رواية الإمام أحمد (يقال لهذه الأمة -المباركة الميمونة- ما الذي جعلكم تشهدون لنوح؟ فتقول الأمة: أتانا رسولنا وأخبرنا أن الرسل قد بلغوا قومهم فصدقناه وآمنا به). نزل القرآن على قلب نبينا صلى الله عليه وسلم فقرأنا فيه قول الله جل وعلا: إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [نوح:1]، إلى آخر السورة التي سماها الله جل وعلا في قرآننا باسم نبي الله نوح، تشهد هذه الأمة المباركة لنوح عليه السلام أنه بلغ قومه وأنذر قومه. هكذا أيها الأحباب! وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ [القصص:68]، إنه فضل الله جل وعلا ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ [الحديد:21]، فأنتم خير أمة، وأنتم أكرم أمة على الله جل وعلا، وفضل الله عليكم عظيم، وصدق -والله- من قال: ومما زادني فخراً وتيها وكدت بأخمصي أطأ الثريا دخولي تحت قولك يا عبادي وأن صيرت أحمد لي نبيا يا أمة القرآن! يا أمة الإسلام! يا أمة التوحيد! يا أمة الإيمان! يا أمة الإحسان! يا أمة التصديق! يا أمة الشهادة! أنتم خير أمة أخرجت للناس: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [آل عمران:110]، بماذا ولماذا؟ بهذه الشروط وتلك القيود: تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران:110]، فوالله إن اختلت هذه الشروط اختلت النتيجة، وضاعت الخيرية عنكم، فإنكم إن لم تأمروا بالمعروف، وتنهوا عن المنكر، وتؤمنوا بالله جل وعلا؛ فلستم بخير أمة أخرجت للناس.

    1.   

    فضل شهر رمضان

    يا أبناء هذه الأمة الميمونة المباركة! إن نعم الله علينا لا تعد ولا تحصى، ومن أعظم هذه النعم هذا الضيف الكريم الذي حل بنا، من أعظم النعم التي امتن الله جل وعلا بها عليكم يا أمة الإسلام والتوحيد شهر رمضان، شهر القرآن والصيام والقيام والإحسان، قال ربنا جل وعلا: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ [البقرة:185]، إنها نعمة عظيمة يا عباد الله! إنه فضل كبير عليكم، إنه فصل الخيرات والرحمات، إنه موسم البركات والنفحات، ألا فتعرضوا لرحمة الله جل وعلا، ألا فتعرضوا لنفحات الله جل وعلا في الطاعة: بالصيام والقيام وقراءة القرآن والإحسان. إنه موسم الطاعات .. إنه موسم الرحمات .. إنه موسم البركات، أما سمعتم إلى كلام سيد البريات صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الطبراني ورواته ثقات من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أقبل شهر رمضان يقول بأبي هو وأمي: (أتاكم رمضان شهر بركة يغشاكم الله فيه فينزل الرحمة، ويحط الخطايا، ويستجيب فيه الدعاء، ويباهي بكم ملائكته، وينظر فيه إلى تنافسكم في الخير، فأروا الله من أنفسكم خيراً، فإن الشقي من حرم فيه رحمة الله عز وجل). يباهي بكم ملائكته فيقول: انظروا إلى عبادي .. انظروا إلى الصائمين في النهار .. انظروا إلى من أقاموا الليل ركعاً سجداً بين يدي الله جل وعلا .. انظروا إلى من قضوا الليل مع قرآن الله وكتابه، وهذه علامات من علامات الحب لله تبارك وتعالى؛ لأن الليل كما قال أستاذنا ابن القيم : إن الليل أنس المحبين، وروضة المشتاقين، ومدرسة الصالحين، من هذه المدرسة تخرّج العارفون بالله جل وعلا، وتخرج الصادقون مع الله جل وعلا، إن عباد الله الصالحين ينتظرون هذا الليل يرعونه بالنهار كما يرعي الراعي غنمه، ويحنون إلى غروب الشمس كما تحن الطير إلى أوكارها، حتى إذا ما جنهم الليل، واختلط الظلام، وبسطت الفرش، وخلا كل حبيب بحبيبه؛ قام عباد الله الصالحون فنصبوا إلى الله أقدامهم، وافترشوا جباههم، وناجوا ربهم جل وعلا طيلة الليل بقرآنه، وتضرعوا إليه تبارك وتعالى، وطلبوا منه تكرمه وإنعامه وإحسانه، هذه علامات عباد الله الصالحين، (ويباهي بكم ملائكته وينظر فيه إلى تنافسكم في الخير)، هذا ذاكر لله، وهذا صائم لله ذاكر صابر، وهذا صائم لله ذاكر شاكر، وهذا متصدق محسن، وهذا قارئ للقرآن، وهذا مستغفر لله جل وعلا، وهذا متصدق على الفقراء والمساكين، وهذا يمر بين الجائعين من الفقراء ليحسن إليهم. قال: (فأروا الله من أنفسكم خيراً، فإن الشقي من حرم فيه رحمة الله عز وجل)، ولهذا الحديث المبارك شاهد صحيح من حديث أبي هريرة رواه الإمام أحمد في مسنده والإمام الترمذي والإمام النسائي، وصححه شيخنا الألباني في صحيح الجامع، وهو: (أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا أقبل رمضان يقول: أتاكم شهر رمضان، شهر مبارك فرض الله عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغل فيه مردة الشياطين، وفيه ليلة هي خير من ألف شهر). وروى ابن حبان والحاكم وابن ماجة والبيهقي وحسنه شيخنا الألباني في صحيح الجامع من حديث أبي هريرة أيضاً أنه صلى الله عليه وسلم قال في حديث: (وينادي مناد كل ليلة -أي: من ليالي رمضان- يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر). اسمع -أيها الحبيب- لتسجد لربك شكراً أنك من أمة النبي صلى الله عليه وسلم، يقول صلى الله عليه وسلم: (ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة)، اللهم اجعلنا من عتقائك من النار في هذا الشهر الكريم. وفي الحديث الذي رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: (من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه). وفي الحديث الذي رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه). وفي الحديث الذي رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة أيضاً: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه). وفي الحديث الذي رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قال الله عز وجل: كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي، وأنا أجزي به. والصوم جنة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل: إني صائم. والذي نفس محمد بيده! لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، وللصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه). وفي الحديث الذي رواه أحمد في مسنده بسند حسن والحاكم في المستدرك وصححه وأقره الذهبي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة -اسمع أيها الحبيب! ماذا يقول الصيام وماذا يقول القرآن- يقول الصيام: أي ربي! منعته الطعام والشراب والشهوة -أي: من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، الطعام بين يديه وامتنع عنه طاعة لله، زوجته بين يديه وامتنع عنها امتثالاً لأمر الله، والشراب بين يديه وهجره طمعاً في رحمة الله جل وعلا- فشفعني فيه، ويقول القرآن: أي ربي! منعته النوم بالليل فشفعني فيه)، يا عبد الله! هل أنت من هؤلاء؟! أيها الحبيب الكريم! يا من هجرت النوم في الليل طاعة لله جل وعلا، وجلست مع كتاب الله تبارك وتعالى؛ هل أنت من هؤلاء أم أنت ممن سهر الليل مع المسلسلات الفاجرة، والأفلام الداعرة والعياذ بالله؟ أسأل الله أن يحفظني وإياكم من المعاصي، وأن يعزني وإياكم بطاعته، وأن يشرفني وإياكم بالعمل لدينه إنه ولي ذلك ومولاه. أتدرون ماذا قال حبيبكم ورسولكم المصطفى صلى الله عليه وسلم؟ قال عليه الصلاة والسلام: (فيشفعان)، أي: فيشفع الصيام فيك أيها الصائم، ويشفع القرآن فيك أيها القارئ، يا لها من كرامة، ويا له من فضل، ويا لها من عظمة، ويا لها من رحمات! هذه بعض الأحاديث الصحيحة أيها الأحباب التي أخبرنا بها النبي صلى الله عليه وسلم في فضل الصيام، والأحاديث كثيرة طويلة، إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ [ق:37].

    1.   

    الحث على اغتنام رمضان فيما يقرب من الله

    الله الله -أيها الأحباب- في هذه الجائزة، وفي هذه المنحة، وفي هذه الصفقة! فوالله الذي لا إله غيره لو قيل لك يا عبد الله: إن هناك صفقة تجارية تستطيع لو دخلت فيها أن تربح ألف ريال، والله لن تتخلى عنها ولن تتركها، فما قولك بصفقة تعرض عليك فتربح فيها جنة عرضها السماوات والأرض؟ جنة عرضها السماوات والأرض بالصيام والقيام، فيغفر الله لك أيها الصائم القائم (من صام وقام -كما ذكرت آنفاً- غفر له ما تقدم من ذنبه)، صفقة عظيمة يا عباد الله، ورحمة كريمة من الله جل وعلا. فهيا أيها الحبيب! هيا أيها المسلم! هيا أيها المكرم من الله جل وعلا! أقبل، تعالَ تعالَ إلى الله، عد إلى الله، ارجع إليه، استغفر الله جل وعلا، وامش بين يديه، وقف على بابه ذليلاً خاشعاً طالباً منه العفو والرحمة والغفران، ولا تيئس ولا تقنط مهما ارتكبت من الذنوب والمعاصي، ومهما وقعت في الكبائر، عد إلى الله جل وعلا، واعلم بأن عفو الله أعظم من كبائرك، وأعظم من ذنوبك، وأعظم من معاصيك. الله جل وعلا -وهو ملك الملوك، وجبار السماوات والأرض- يتنزل كل ليلة إلى السماء الدنيا، كما ورد في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، يتنزل الله تنزلاً يليق بكماله وجلاله، فلا تعطلوا صفة النزول، ولا تكيفوها، ولا تؤولوها، إنما نؤمن بصفة النزول كما أخبر بذلك نبينا ورسولنا صلى الله عليه وسلم، ونقول: يتنزل تنزلاً يليق بكماله وجلاله، فكل ما دار ببالك فالله بخلاف ذلك لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11]، لا تدركه العقول ولا تكيفه الأفهام، فاقطع الطمع عن إدراك ذات الله جل وعلا، لا نعطل ولا نكيف ولا نؤول ولا نشبه، ولكن نردد مع الإمام الشافعي قوله: نؤمن بالله، وبما جاء عن الله، على مراد الله، ونؤمن برسول الله، وبما جاء عن رسول الله، على مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال عليه الصلاى والسلام: (ينزل الله تعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يمضي ثلث الليل الأول ويقول: أنا الملك أنا الملك، من ذا الذي يدعوني فأستجيب له؟ من ذا الذي يسألني فأعطيه؟ من ذا الذي يستغفرني فأغفر له؟ يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: فلا يزال كذلك حتى يضيء الفجر). قم يا عبد الله، قم يا حبيبي في هذا الليل وكن من الساجدين بين يدي الله جل وعلا، كن من الراكعين، كن من القائمين، كن من الذاكرين والمستغفرين في الأسحار. (من ذا الذي يسألني فأعطيه؟ من ذا الذي يستغفرني فأغفر له؟) الله جل وعلا يناديك فهل أنت ممن سيقول لربه: هأنذا يا ربي بين يديك أسألك العفو والمغفرة، أسألك أن تغفر لي ما قد سلف من الذنوب والعصيان، وكن على يقين بأن الله جل وعلا سيستجيب منك الدعاء، وكن على يقين بأن الله جل وعلا غفور رحيم، قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53]. أما علمت أيها الحبيب أنك إذا عدت إلى الله جل وعلا سيفرح الله تبارك وتعالى بتوبتك وأوبتك وعودتك، وهو الغني عنا فلا تنفعه الطاعة، ولا تضره المعصية ففي حديث أبي ذر الطويل الذي رواه مسلم ، أنه صلى الله عليه وسلم قال: (قال الله عز وجل: يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئاً. يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئاً). وصدق الله جل وعلا إذ يقول: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ * إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ [فاطر:15-17]، أنت الفقير إلى الله، والله هو الغني، لو عدت إليه -وهو الغني عنك- لفرح الله بك، ولا تعطل أيضاً صفة الفرح لله جل وعلا؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم هو أعرف الناس بربه، ورد في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الله أفرح بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة، فانفلتت منه راحلته وعليها طعامه وشرابه فأيس منها، فأتى شجرة فاضطجع في ظلها وقد أيس من راحلته، فبينما هو كذلك إذ به يرى راحلته قائمة عنده وعليها طعامه وشرابه -فأراد أن يعبر عن شكره لله جل وعلا- فقال: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح)، هذه الفرحة أنست الرجل نفسه؛ فجعلته يقول هذه المقولة، فالله جل وعلا يفرح بك إذا تبت إليه وعدت إليه أشد من فرح هذا العبد بعودة أسباب الحياة إليه مرة أخرى، إنه فضل الله جل وعلا. وفي الحديث الذي رواه مسلم وأحمد من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل). فهيا أيها اللاهي .. أيها الساهي .. أيها الغافل .. عد إلى الله جل وعلا، وذكر نفسك بأن الدنيا مهما طالت فهي قصيرة، ومهما عظمت فهي حقيرة؛ وأن الليل مهما طال لابد من طلوع الفجر؛ وأن العمر مهما طال لابد من دخول القبر، دنياك مهما طالت لابد وحتماً أن تلقى الله جل وعلا، وذكر نفسك بقول من قال: يا نفس قد أزف الرحيل وأظلك الخطب الجليل فتأهبي يا نفس لا يلعب بك الأمل الطويل فلتنزلن بمنزل ينسى الخليل به الخليل وليركبن عليك من الثرى ثقل ثقيل قرن الفناء بنا فما يبقى العزيز ولا الذليل وذكرها بقول القائل: دع عنك ما قد فات في زمن الصبا واذكر ذنوبك وابكها يا مذنب لم ينسه الملكان حين نسيته بل أثبتاه وأنت لاه تلعب والروح منك وديعة أودعتها ستردها بالرغم منك وتسلب وغرور دنياك التي تسعى لها دار حقيقتها متاع يذهب الليل فاعلم والنهار كلاهما أنفاسنا فيها تعد وتحسب اسأل الله جل وعلا بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يتقبل منا وإياكم الصيام والقيام، وأن يجعلنا وإياكم من المقبولين، وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

    1.   

    التحذير من التفريط في رمضان

    الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه، واستن بسنته، واقتفى أثره إلى يوم الدين، أما بعد: فيا أيها الأحباب! لا تضيعوا رمضان، ولا تنشغلوا في رمضان بما لا ينفعكم عند الله جل وعلا في الآخرة في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، احذروا هذه الملاهي والشواغل التي تشغل العباد عن رب العباد جل وعلا! احذروا المسلسلات! احذروا الأفلام! احذروا التلفزيون! احذروا كل هذه الأمور التي ستشغلكم عن العزيز الغفور جل وعلا! وأقبلوا على الله تبارك وتعالى، أقبلوا على القرآن، اقرءوا القرآن وتدبروا معانيه، وقفوا بين يدي أوامره ونواهيه وحدوده، أقبلوا على الذكر، أقبلوا على الاستغفار، جددوا التوبة للعزيز الغفار، واعلموا بأنها فرصة، ووالله لا يضمن واحد منا أن يعيش إلى رمضان القادم، فلا تضيع هذه الفرصة من بين يديك، واعلم أن رمضان سيولي سريعاً سريعاً، وبعد أيام قلائل سنقول بملء أفواهنا وبحسرة مؤلمة: لقد انقضى رمضان، ربح فيه من ربح، وخسر فيه من خسر. نسأل الله جل وعلا أن يجعلنا وإياكم من الرابحين ومن الفائزين، اللهم تقبل منا الصيام والقيام يا رب العالمين، اللهم كما بلغتنا رمضان فبارك لنا فيه، اللهم كما بلغتنا رمضان فبارك لنا فيه، اللهم كما بلغتنا رمضان فبارك لنا فيه. اللهم اجعلنا ممن صام وقام ورضيت عنه يا رب العالمين، ولا تجعلنا ممن صام وقام ولم يرضك يا أرحم الراحمين. اللهم تقبل صيامنا وقيامنا واجعلنا من الفائزين. اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك. اللهم عافنا واعف عنا واغفر لنا وارحمنا واقبلنا وتقبل منا إنك أنت التواب الرحيم. اللهم إنا عبيدك بنو عبيدك بنو إمائك نواصينا بيدك، ماض فينا حكمك، عدل فينا قضاؤك، نسألك اللهم بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك؛ أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا، ونور أبصارنا، وشفاء صدورنا، وجلاء أحزاننا، وذهاب همومنا وغمومنا، أنت ولي ذلك والقادر عليه. اللهم اجعلنا ممن أقام حروف القرآن وحدوده يا رب العالمين، ولا تجعلنا ممن أقام حروفه وضيع حدوده يا أرحم الراحمين. اللهم قيض لأمة التوحيد أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر، أنت ولي ذلك ومولاه. هذا وأكثروا من الصلاة والسلام على نبينا وحبيبنا محمد كما أمركم الله جل وعلا بذلك في قوله: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56]، اللهم صل وسلم وزد وبارك على نبينا وحبيبنا محمد، وعلى آله وصحبه. هذا وما كان من توفيق فمن الله وحده، وما كان من خطأ أو سهو أو نسيان فمني ومن الشيطان، والله ورسوله منه براء وأعوذ بالله أن أذكركم به وأنساه!

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755986562