إسلام ويب

هذه قدوتكللشيخ : محمد حسان

  •  التفريغ النصي الكامل
  • كثير من نساء المسلمين اليوم -وللأسف الشديد- يعرفن عن الموضة والجديد الشيء الكثير، ويعرفن من الفنانات والمغنيات ما لا يحصى من العدد! ولو سألت إحداهن عن أمهات المؤمنين، ومربيات الجيل، والأبطال المجاهدين؛ لعجزت إحداهن أن تذكر امرأة واحدة، وها هي امرأة من نساء النبي صلى الله عليه وسلم تعتبر قدوة في العفة والطهارة، قدوة في الكرم والسخاء، قدوة في الصبر والثبات، قدوة في الوقوف إلى جنب الزوج في الأزمات، قدوة في الحب والفداء وحسن العشرة للزوج، إنها خديجة زوجة النبي صلى الله عليه وسلم، وأم أولاده رضي الله عنها وأرضاها.

    1.   

    من فضائل خديجة رضي الله عنها

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين. أما بعد: فحياكن الله أيتها الأخوات الفاضلات! وأسأل الله جل وعلا أن يتقبل منا ومنكن جميعاً صالح الأعمال. ومحاضرتنا في هذا الوقت الكريم المبارك بعنوان: هذه قدوتك. أقدم لأختي المسلمة قدوة طيبة ومثلاً أعلى، في وقت قل فيه القدوة، وندر فيه المثل، أقدم هذه القدوة لأصل العز والشرف والحياء.. لصانعة الأجيال.. لمربية الرجال ومخرجة الأبطال.. لمن تربعت طيلة القرون الماضية على عرش حيائها تهز المهد بيمينها، وتزلزل عروش الكفر بشمالها. نقدم هذه القدوة الطيبة والمثل الأعلى لأختنا المسلمة.. للقلعة الشامخة أمام طوفان الباطل والكذب.. لدرتنا المصونة، ولؤلؤتنا المكنونة، نقدم لها هذه القدوة الطيبة؛ لأننا نشهد الآن حرباً هوجاء لشل حركة المرأة المسلمة، وللزج بها في مواقع الفتنة ومستنقع الرذيلة، لتقويض صرح المجتمع الإسلامي، تنفيذاً لهذه المقولة الخبيثة لأعداء الدين، والتي تقول: كأس وغانية يفعلان في تحطيم الأمة المسلمة ما لا يمكن أن يفعله ألف مدفع. فصار همُّ الأعداء أن تصبح المرأة المسلمة عقيماً لا تلد، خشية أن تجود على أمتها من جديد بالعلماء العاملين والمجاهدين الصادقين، ولكن يأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون. فهاهي الصحوة الكريمة يمدها كل يوم فتيات في عمر الورود، زانهن حجاب أصاب أعداء الإسلام بالذهول والشرود، أسأل الله أن يثبتهن على الحق. فتعالي معي أيتها الأخت الكريمة! لنقضي هذه الدقائق المعدودات مع هذه القدوة الطيبة، والمثل الأعلى في عالم النساء، مع رمز الوفاء، وسكن سيد الأنبياء، مع الطاهرة في الجاهلية والإسلام، مع أول صديقة من المؤمنات، مع أول زوجات المصطفى عليه الصلاة والسلام، مع أول من صلى على ظهر الأرض مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، مع أول من أنجبت الولد لرسول الله صلى الله عليه وسلم، مع أول من بشرت بالجنة، مع أول من استمعت إلى القرآن بعد رسول الله، مع أول من نزل إليها جبريل عليه السلام ليبلغها من ربها السلام، مع نهر الرحمة، وينبوع الحنان، مع أصل العز وقلعة الإيمان، إنك الآن أيتها الأخت الفاضلة على موعد مع قدوتك الطيبة أم المؤمنين خديجة بنت خويلد رضي الله عنها وأرضاها.

    خديجة ممن كمل من النساء

    أيتها الأخوات! والله إن الكلمات لتتوارى خجلاً وحياء أمام هذه القلعة الشامخة، والزوجة الوفية المخلصة، التي بذلت مالها وقلبها وعقلها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فآمنت به حين كفر الناس، وصدقته حين كذبه الناس، وواسته بمالها حين حرمه الناس، فاستحقت هذه الزوجة التقية النقية أعظم الثناء من رسول الله صلى الله عليه وسلم. ففي الحديث الذي رواه البخاري ومسلم من حديث أبي موسى الأشعري أنه صلى الله عليه وسلم قال: (كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران ، وآسية امرأة فرعون، وخديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمد ، وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام). وفي الصحيحين كذلك من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (خير نسائها مريم بنت عمران ، وخير نسائها خديجة بنت خويلد). والراجح من أقوال أهل العلم أن معنى (خير نسائها) أي: خير نساء زمانها، فـمريم خير نساء زمانها، وخديجة رضي الله عنها خير نساء زمانها.

    الله سبحانه وتعالى يقرأ على خديجة السلام

    أيتها الأخت الفاضلة: لم تبلغ خديجة رضي الله عنها هذه المكانة عند الله وعند رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بإيمانها الصادق، فأنا أقول: قد بلغت هذه المنزلة عند رسول الله، بل وعند الله جل وعلا، ولك أن تتخيلي امرأة تقية نقية يرسل ربنا جل وعلا جبريل ليبلغها منه سبحانه وتعالى السلام. ففي الحديث الذي رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: (أتى جبريل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! هذه خديجة قد أتت ومعها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب، فإذا هي أتت فأقرئها السلام من ربها ومني، وبشرها ببيت في الجنة من قصب، لا صخب فيه ولا نصب). تصوري أيتها الأخت الكريمة! أن خديجة رضي الله عنها قد بلغت هذه المكانة، فأنزل الله جبريل عليه السلام بهذه البشرى وبهذا السلام من ملك الملوك وجبار السماوات والأرض. وفي رواية النسائي أن خديجة رضي الله عنها لما قال لها النبي صلى الله عليه وسلم ذلك: إن الله يقرئك السلام وجبريل يقول: بلغها من ربها السلام ومني، فسيدتنا خديجة الفقيهة العالمة، لم تقل: وعلى الله السلام، وإنما قالت: إن الله هو السلام ومنه السلام، وعلى جبريل السلام، وعليك يا رسول الله السلام ورحمة الله وبركاته) .

    مكانة خديجة من قلب النبي صلى الله عليه وسلم

    انظري أيتها الأخت الكريمة الفاضلة! ولذا بلغت خديجة مكانة عالية في قلب النبي صلى الله عليه وسلم، حتى غارت عائشة رضي الله عنها من خديجة غيرة شديدة، مع أن عائشة لم تدرك خديجة قط، فلقد توفيت خديجة رضوان الله عليها قبل أن يتزوج النبي صلى الله عليه وسلم عائشة. ومع ذلك ففي الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (ما غرت على أحد من نساء النبي ما غرت على خديجة ، وما رأيتها قط، ولكن كان النبي يكثر ذكرها، وربما ذبح الشاة، ثم يبعثها في صدائق خديجة -أي: في صويحبات خديجة - وربما قلت له: كأن لم يكن في الدنيا امرأة إلا خديجة ، فيقول صلى الله عليه وسلم: إنها كانت وكانت، وكان لي منها الولد، ويظل النبي عليه الصلاة والسلام يعدد مناقب خديجة رضي الله عنها) .

    1.   

    حياة خديجة رضي الله عنها ونشأتها

    أيتها الأخت المسلمة! أسألك الآن: ماذا تعرفين عن خديجة ؟ هذه أمك أم المؤمنين، وهذه قدوتك، فأنا أسألك الآن وأجيبي بصدق، ماذا تعرفين عن خديجة ؟! والجواب إن صدقنا سيكون مؤلماً للغاية، لأننا انصرفنا في هذا الزمان عن هذه القدوات الطيبة والمثل العليا، فانتبهي معي أيتها الأخت الفاضلة لأعرف لك أمك خديجة رضي الله عنها في لمحات سريعة:

    زواجها قبل رسول الله ولقبها قبل الإسلام بالطاهرة

    فلقد نشأت خديجة رضي الله عنها في مكة المكرمة، في مكانة وشرف ومال، فتزوجت بـعتيق بن عائذ المخزومي فمات عنها، فتزوجت أبا هالة بن زرارة التميمي وأنجبت منه هند بن أبي هالة رضي الله عنه، ثم مات عنها زوجها، فأعرضت عن الزواج بعد ذلك، وتقدم لخطبتها كثير من أشراف قريش؛ لشرفها ونسبها وخلقها، فلقد كانت تسمى في الجاهلية قبل الإسلام بالطاهرة.

    زواج خديجة بالنبي صلى الله عليه وسلم

    ولكنها لما سمعت بأخلاق النبي عليه الصلاة والسلام أرسلت إليه ليتاجر لها في مالها، فرأت أمانته وصدقه وعفته، فرغبت في الزواج منه عليه الصلاة والسلام. واتفقت الروايات كلها على أن خديجة رضي الله عنها هي التي خطبت النبي صلى الله عليه وسلم لتتشرف بالزواج منه، وذهب الرسول صلى الله عليه وسلم إلى بيت خديجة في صحبة عمه حمزة وأبي طالب الذي قام خطيباً في قوم خديجة ، وكان مما قاله أبو طالب: الحمد لله الذي جعلنا من ذرية إبراهيم، وزرع إسماعيل، وجعلنا حضنة بيته، وسواس حرمه، وجعل لنا بيتاً محجوباً، وحرماً آمناً، ثم إن ابن أخي هذا محمد بن عبد الله لا يوزن به رجل من قريش شرفاً ونبلاً وفضلاً إلا رجح به محمد، ومحمد من قد عرفتم، وله في خديجة رغبة، ولها فيه مثل ذلك، وما أحببتم من الصداق فعليه. فقال عمها عمرو بن أسد موافقاً على هذا العرض الكريم: هو الفحل لا يقدح أنفه. أي: هو الكفء الكريم الذي لا يرد. والجمهور من العلماء يقولون: إن خديجة رضي الله عنها كانت في الأربعين من عمرها، وكان النبي صلى الله عليه وسلم في الخامسة والعشرين من عمره، وكان زواجاً سعيداً ميموناً مباركاً، ضربت فيه خديجة أروع المثل في الوفاء والبر والصلاح، والإيثار والكرم.

    أولاد النبي صلى الله عليه وسلم من خديجة

    وأكمل الله السعادة، فولدت له خديجة : القاسم ثم زينب ثم رقية ثم أم كلثوم ثم فاطمة؛ عليهم جميعاً سلام الله وصلواته. وامتلأ البيت بالحب والرحمة والحنان، ودبت في جنباته حياة جديدة مزينة بأسمى العواطف وأنبل المشاعر، عواطف الأبوة الرحيمة من رسول الله، ومشاعر الأمومة الكريمة من خديجة ، وضم هذا البيت المبارك إلى جانب أولادها من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولدها من زوجها السابق هند بن أبي هالة ، وكذلك ضم هذا البيت علياً بن أبي طالب رضي الله عنه، وزيد بن حارثة وأم أيمن ، وهي حاضنة النبي عليه الصلاة والسلام، هذا هو بيت خديجة.

    وقوف خديجة إلى جانب النبي صلى الله عليه وسلم عند بعثته

    ومرت الأعوام تلو الأعوام على أكرم زوجين، ولما اقترب النبي عليه الصلاة والسلام من الأربعين من عمره الشريف بدأت إرهاصات النبوة تلوح في أفق حياته، فكان أول ما بدئ به من الوحي الرؤيا الصادقة، فكان لا يرى النبي صلى الله عليه وسلم رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح كما في صحيح البخاري. وحبب إليه في هذه المرحلة الخلاء، فخلا بنفسه واعتزل الناس، فكان يخرج إلى غار حراء يتعبد فيه الليالي ذوات العدد، وتزوده الزوجة الوفية المخلصة بما يحتاج إليه من طعام وشراب، فما سفهت رأيه، وما احتقرت عمله، فهو الذي كان يترك الدار والأولاد وينطلق بعيداً عن مكة بأصنامها ليتعبد لله جل وعلا في هذه الخلوة في غار حراء. وكانت خديجة تقطع هذه المسافة على قدميها لتقدم له الطعام والشراب بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم. ومرت الشهور الستة للرؤيا الصادقة، وجاء شهر رمضان، وخلا النبي في غار حراء، وفي ليلة كريمة مباركة خيم على الكون هدوء خاشع، ثناه جبريل عليه السلام يقف أمام الغار، ويضم النبي المختار ضمة شديدة ويقول له: اقرأ. والرسول يقول: ما أنا بقارئ، قال: (فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني، فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثالثة، ثم أرسلني فقال: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ))[العلق:1-5]، فرجع النبي عليه الصلاة والسلام بهذه الآيات الكريمات يرجف فؤاده، فدخل على خديجة -رمز الوفاء وسكن سيد الأنبياء- وهو يرتعد ويضطرب ويقول: زملوني زملوني! فزملته حتى ذهب عنه الروع). فسيدتنا خديجة رضي الله عنها ما صرخت في وجهه وما قالت: ما الخبر؟ وإنما هدأت من روعه فلما استيقظ واستراح وذهب عنه الروع، قالت له: ما الخبر؟ فقال لها: (لقد خشيت على نفسي وأخبرها بما كان، فقالت الزوجة الصابرة الوفية الذكية: كلا! والله لا يخزيك الله أبداً؛ إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل -أي: تساعد العاجز الضعيف- وتكسب المعدوم -أي: تعطي المحروم- وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق)، وهاهي الزوجة العاقلة التي تذكر زوجها بفضائله ومناقبه إذا وقع في وقت عسرة أو أزمة أو في شدة، فلا تصرخ في وجهه ولا تعنفه ولا توبخه إذا رأته في أزمة أو ضيق. ولم تكتف خديجة بهذا، بل ذهبت برسول الله إلى ابن عمها ورقة بن نوفل وكان قد تنصر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العبراني، وكان شيخاً كبيراً قد فقد بصره، فقالت له خديجة : (يا ابن عم ! اسمع من ابن أخيك، فقال له ورقة : ماذا ترى يا ابن أخي؟ فأخبره النبي صلى الله عليه وسلم بما رأى، فقال له ورقة : هذا هو الناموس الذي نزل الله على موسى، يا ليتني فيها جذعاً -أي: شاباً صغيراً- ليتني أكون حياً إذ يخرجك قومك، فقال المصطفى: أومخرجي هم؟ قال: نعم، لم يأتِ رجل بمثل ما جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصراً مؤزراً، ثم لم ينشب أن توفي ورقة ، وفتر الوحي، أي: انقطع)، والحديث رواه البخاري . ثم بعد ذلك نزل على رسول الله قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ [المدثر:1-4]، وبهذا بعث النبي عليه الصلاة والسلام. وفي ميدان السبق الإيماني كانت الطاهرة الفائزة بالدرجة العليا، برتبة صديقة المؤمنات الأولى، لم يتقدمها رجل ولا امرأة كما قال جمهور أهل العلم، ومن يومها قامت بدور جديد في تثبيت وتبشير رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومؤازرته ومعاونته في تبليغ الدعوة إلى الله، والصبر على عناد المشركين، وقدمت لرسول الله مالها وعقلها وفكرها ونفسها ووقتها، بل وجعلت من دارها حصن أمن وهدوء واستقرار، بل ومن دارها سطع نور الإسلام، ومنها أضاء على الدنيا كلها. وازداد أهل مكة عداء وإيذاء للنبي عليه الصلاة والسلام، وتمادت قريش في طغيانها، وقاطعت بني هاشم مقاطعة اقتصادية كاملة مدة ثلاث سنوات، ودخلت الحصار مع رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجته الصابرة الطاهرة، التي راحت تبذل مالها كله، ووقفت تشد أزره، وتشاركه في تحمل الأذى بنفس راضية صابرة محتسبة، حتى انتهى هذا الحصار الظالم وقد ازداد حب النبي صلى الله عليه وسلم لها، وازداد النبي صلى الله عليه وسلم تقديراً لمواقفها. وهكذا تعلمنا خديجة درساً آخر من دروس الوفاء والصبر -أيتها الأخت المسلمة المؤمنة- فإن وقع الزوج في شدة وضيق فالزوجة الصابرة هي التي تقف إلى جوار زوجها، هي التي ترفع عنه الكرب بكلمة حانية طيبة، ولا تفرط في بيته، وسرعان ما تهرول إلى بيت أبويها حتى يرجع إلى الزوج خيره وماله، ويسترد عافيته! فهذا ليس من الوفاء، بل يجب على الزوجة أن تصبر مع زوجها في السراء والضراء على الخير والشر، لتعاونه وتؤازره إذا مر بضيق أو بأزمة من الأزمات! صبرت خديجة رضي الله عنها راضية مطمئنة، وخرجت من هذا الحصار مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وقد ازداد النبي صلى الله عليه وسلم حباً لها وتعلقاً بها.

    وفاة خديجة رضي الله عنها

    ثم ما لبثت خديجة بعد هذا الحصار أن لبت نداء الله تبارك وتعالى راضية مرضية، مبشرة من سيد النبيين بجنات ونهر بمقعد صدق عند مليك مقتدر. وبكى النبي صلى الله عليه وسلم وآله وسلم عليها كثيراً، وحزن النبي صلى الله عليه وآله وسلم عليها حزناً شديداً، ونزل النبي بنفسه إلى قبرها، وأدخلها بيديه إلى القبر لعشر خلون من رمضان، وهي في الخامسة والستين من عمرها الكريم المبارك. ثم تزوج النبي صلى الله عليه وسلم بعدها، ولكنها لم تفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلقد ظلت ذكراها العطرة في قلبه إلى آخر أيام حياته، وظل النبي صلى الله عليه وسلم وفياً لها أشد الوفاء، ولم لا وهي نبع الوفاء، وسيدة النساء، حتى غارت منها عائشة بعد موتها من كثرة ذكر النبي صلى الله عليه وسلم لها، فقال لها النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوماً : (لقد رزقت حبها).

    1.   

    دعوة للنساء إلى الاقتداء بالصالحات والتخلي عن دعايات التغريب

    أيتها الأخت الفاضلة! هذه قدوتك، هذا أعظم مثال أقدمه لك الآن، وهذه أكرم قدوة للزوجة الوفية المخلصة وقد آن لكن -أيتها الأخوات المسلمات- بعد سنوات التيه والتغريب والشرود.. آن لكل مسلمة على ظهر الأرض أن ترنو ببصرها إلى هذه المثل العليا، والقدوات الطيبة الصالحة؛ لتشق المرأة المسلمة من جديد طريق المجد والعزة والكرامة، ولتنجب لأمتها العلماء العاملين والمجاهدين الصادقين. وبعد هذه الكلمات المختصرة أنصحك أيتها الأخت المسلمة بأن تفرغي قليلاً من وقتك لقراءة القرآن، وللوقوف على حديث النبي عليه الصلاة والسلام، وأن تجلسي مع زوجك وأولادك على مجلس يقرأ فيه القرآن، ويذكر فيه حديث النبي عليه الصلاة والسلام، فإن أعظم خطوة عملية على الطريق أن تفهمي الإسلام بشموله وكماله، وأن تخصصي وقتاً لك لتتدبري فيه سير الطاهرات العفيفات، سير أمهات المؤمنين، وسير الصحابيات الجليلات، وسير التابعيات المخلصات من هذه الأمة على مدار تاريخها الطويل. يجب عليك أيتها المسلمة أن تتعلمي شيئاً من العلم الشرعي، أن تتعلمي الحلال والحرام، والحق والباطل، والسنة والبدعة؛ لتتفرغي بعد ذلك لتربية الأبناء تربية طيبة على كتاب الله، وعلى سنة رسول الله، فإنني أعتقد اعتقاداً جازماً أنك في البيت تمثلين العمود الفقري، بل وتمثلين الركيزة الأولى لبناء الأسرة المسلمة التي نعتقد أنها هي اللبنة الأولى في بناء صرح مجتمع إسلامي ننشده جميعاً، فلقد ضحكوا علينا يوم أن قالوا: إن المرأة تمثل نصف المجتمع. نحن نقول: كلا، بل إن المرأة هي المجتمع كله، نعم هي نصف المجتمع، ولكنها تقدم للمجتمع نصفه الآخر، فهي الأم، وهي الزوجة، وهي البنت، وهي الأخت، وهي الخالة، وهي العمة، وهي التي تنجب بعد ذلك الرجال الأطهار، والقادة الفاتحين الأبطال. فأنت مجتمع بأسره أيتها الأخت الفاضلة! فاعتزي بهذا الإسلام، وارفعي رأسك بهذا الدين، ولا تستمعي إلى هؤلاء الكذابين الذين يدعونك في الليل والنهار للتحرر والحرية، وللتفلت من ضوابط الشرع وقواعده المعلومة المرعية. زعموا أنهم يريدون أن يرفعوا عنك الظلم، ولا والله! بل ما جاء الإسلام إلا ليرفع قدرك، وليعلي شأنك، وما أمرك بالحجاب إلا ليصون كرامتك، فأنت درتنا المصونة، ولؤلؤتنا المكنونة، وأنا لا أعلم عاقلاً على ظهر الأرض أهديت إليه درة غالية ثمينة فراح ليلقيها في الشوارع والطرقات، وإنما يبحث عن أعظم وأطهر وآمن مكان ليحفظ فيه هذه الدرة المصونة، وهذه اللؤلؤة المكنونة. وهاأنت يا أختاه درتنا المصونة، ولؤلؤتنا المكنونة، فاعتزي بهذا الدين، واسمعي له وأطيعي، واعلمي بأنه لا يريد لك إلا الفلاح والنجاة، والفوز في الدنيا والآخرة، فهيا خرجي لنا العلماء العاملين، والأبطال المجاهدين الفاتحين، والدعاة العاملين الصادقين. والله أسأل أن يسترك في الدنيا والآخرة، وأن يمن عليك بالسعادة في الدنيا والآخرة، وأن يبارك لك في زوجك وولدك، إنه ولي ذلك ومولاه، وأن ييسر لك الزوج الصالح إن كنت لم تتزوجي بعد، والله أسأل أن يتقبل مني ومنكن صالح الأعمال، وجزاكن الله خيراً، والسلام عليكن ورحمة الله وبركاته.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756228668