إسلام ويب

الموقف الرهيب في اليوم العصيبللشيخ : محمد المنجد

  •  التفريغ النصي الكامل
  • يوم القيامة آت لا محالة، وهوله عظيم وحره شديد، والناس فيه على أحوال مختلفة ومواقف متباينة كما كانوا في الدنيا، وفي هذه المحاضرة وصف لذلك اليوم، وتذكير بأحوال الناس فيه، فهي موعظة عظيمة وعبرة بالغة.

    1.   

    شدة هول يوم القيامة

    إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].. يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء:1].. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70-71].

    أما بعد:

    فإن المؤمن يخاف يوماً عبوساً قمطريراً، يخاف يوماً طويلاً كان شره مستطيراً، وقد أخبرنا الله سبحانه وتعالى عن ذلك اليوم في كتابه بتفصيلات كثيرة حتى كأن الإنسان ينظر إلى الآخرة رأي العين، ومن سره أن ينظر إلى القيامة رأي العين فليقرأ تلكم السور في جزء عم: إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ [التكوير:1] وإِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ [الانشقاق:1] ذكرنا الله بذلك اليوم؛ لنستعد له بالعدة اللازمة، ونحسب للأمر حسابه، وكثيرٌ من الناس عن هذا اليوم غافلون.

    عباد الله: إن الله سبحانه وتعالى إذا قبض خلقه بنفخة الصور، ومات الناس أجمعون، وصعق من في السماوات ومن في الأرض، يمكث الناس بين النفختين أربعون، ثم ينزل الله من السماء ماءً، فينبتون كما ينبت البقل، وليس شيء من الإنسان لا يبلى إلا عظماً واحداً، وهو عجب الذنب، ومنه يركب الخلق يوم القيامة كما في الحديث المتفق عليه، وعجب الذنب مثل حبة الخردل وتكون آخر العمود الفقري، فتلك النقطة يركب منها الخلق يوم القيامة.

    يرسل الله سبحانه وتعالى سحابةً سوداء من قبل المغرب مثل الترس، فلا تزال ترتفع في السماء وتنتشر حتى تملأ السماء، ثم ينادي منادٍ: أيها الناس أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ [النحل:1] قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فوالذي نفسي بيده إن الرجلين ينشران الثوب، فلا يطويانه، وإن الرجل ليمجر حوضه فلا يسقي منه شيئاً، والرجل يحلب ناقته فلا يشربه أبداً) رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح.

    فهي تذهلهم إذاً، حتى إن الرجل يرفع لقمته إلى فيه لا يطعمها، من هول المفاجأة التي تكون، ثم يموت الناس، ويبعثون بعد ذلك.

    والمطلع قال النبي صلى الله عليه وسلم في شأنه: (لا تمنوا الموت، فإن هول المطلع شديد) وسنتحدث إن شاء الله في هذه الخطبة عن موضوع الحشر، نذكر به أنفسنا، ويتعلم من جهل، ويتذكر من غفل، ولعله يكون بعد ذلك التوبة والعودة.

    1.   

    الحشر وأنواعه

    الحشر: جمع الناس يوم القيامة، والمحشر: المجمع الذي يحشر إليه الناس.

    والحشر أربعة: حشران في الدنيا، وحشران في الآخرة، فاللذان في الدنيا أحدهما المذكور في سورة الحشر في قوله: هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ [الحشر:2] والثاني: الحشر المذكور في أشراط الساعة فيما رواه مسلم رحمه الله تعالى: (إن الساعة لن تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات) والحشر الثالث: حشر الأموات من قبورهم بعد البعث إلى الموقف قال تعالى: وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً [الكهف:47] والحشر الرابع: حشر أهل الموقف إلى الجنة، أو إلى النار.

    أما الحشر الذي يكون في آخر الدنيا قبل قيام الساعة، فإن الناس يطردون إلى المحشر وهو بأرض الشام بنارٍ يخرجها الله سبحانه وتعالى من نحو حضرموت من عدن أبين كما جاء في الحديث الصحيح، ثم تنتشر في الأرض، فتحشر الناس إلى مكان الحشر وهو الشام ، يحشرون بطرائق، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يحشر الناس على ثلاث طرائق: راغبين وراهبين، واثنان على بعير، وثلاثة على بعير، وأربعة على بعير، وعشرة على بعير، وتحشر بقيتهم النار، تقيل معهم حيث قالوا، وتبيت معهم حيث باتوا، وتصبح معهم حيث أصبحوا، وتمسي معهم حيث أمسوا) يحشرون إلى بيت المقدس في أرض الشام كما جاء ذلك في الحديث الصحيح: (فتخرج نار من نحو حضرموت تحشر الناس، قلنا: يا رسول الله! فما تأمرنا؟ قال: عليكم بـالشام) وقوله في الحديث: (راغبين راهبين) أي: ينطلقون هرباً من الفتن إلى أرض الشام في آخر الدنيا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، ومنهم من يبقى في مكانه، ثم بعد ذلك إذا جاءت الفتن والبلايا والزلازل العظام، وكثرت الصواعق، فعند ذلك يذهبون على الإبل والدواب اثنان على بعير وثلاثة وأربعة يعتقبون، يركب بعضهم ويمشي الآخر، ويبقى أناسٌ لا يلقون ظهراً كما شرح ابن مسعود فيما صح عنه: أن الله يرسل آفةً، فيفنى الظهر، فتقل الدواب جداً حتى يمشون مشياً، والنار تحيط بهم، ومن تخلف أكلته، حتى يحشرون إلى الشام التي سيكون فيها الموت لجميع أهل الأرض قبل أن يبعثوا مرة أخرى. فهذا الحشر يكون في آخر الدنيا قبل قيام الساعة مباشرةً، بنارٍ تخرج وتحيط بالناس فتحشرهم جميعاً إلى بيت المقدس في الشام ، وبعد ذلك نفخة الصعق التي يموت فيها الناس أجمعون، ثم يبعثون مرةً أخرى فينشرون كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لما سألته ميمونة بنت سعد : (يا نبي الله! أفتنا في بيت المقدس ، قال: أرض المحشر والمنشر) حديث صحيح.

    المنشر: بعث الناس من الموت إلى الحياة مرة أخرى، والمحشر جمعهم في ذلك المكان، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنكم تحشرون رجالاً وركباناً، وتجرون على وجوهكم هاهنا، وأومأ بيده إلى الشام ).

    أما أرض المحشر التي يحشرون إليها بعد قيامهم من القبور، فقد وصفها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله في الحديث الصحيح: (يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء كقرصة النقي ليس فيها معلم لأحد) عفراء: ليست نقية البياض، وإنما بياض يضرب إلى حمرة. كقرصة النقي أي: كقرص الخبز النقي الخالي من الغش والنخالة. ليس فيها معلم لأحد: لا علامة من سكنى، أو بناء، أو أثر، أو جبل، أو صخرة بارزة، وإنما هي مستوية لا ترى فيها عوجاً، ولا أمتاً، لا يستطيعون الاختباء خلف أي شيء في تلك الأرض: يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ [إبراهيم:48] فالله سبحانه وتعالى؛ يبدل معالم الأرض، ويغير صفاتها فتكون مستوية: لا تَرَى فِيهَا عِوَجاً وَلا أَمْتاً [طه:107] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (تمد الأرض مد الأديم لعظمة الله عز وجل، فلا يكون لرجلٍ من بني آدم منها إلا موضع قدميه) قال البوصيري : إسناده صحيح.

    والنبي صلى الله عليه وسلم أول من تنشق عنه الأرض، يخرج من قبره، ثم يخرج الناس على إثره بعد ذلك، قال عليه الصلاة والسلام: (أنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي) يعني: على أثري، يحشر الناس بعد قيامه صلى الله عليه وسلم، يحشرون وراءه، ويحشر المؤمنون، قال الله عز وجل: يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْداً [مريم:85] ومعنى وفداً: كوفد الملوك الذين يقدمونع على الملوك لإكرامهم، الوافد من يأتي إلى الملك في أمر له شأن ينتظر الكرامة والنعمة والضيافة: يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْداً [مريم:85].

    ويحشر بعض الصالحين من بطون الطير والسباع، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لما مرَّ على حمزة بعد وقعة أحد ، وقد جدع، أي: قطع أنفه، ومثل به: قطعت بعض أعضائه، فقال صلى الله عليه وسلم: (لولا أن تجد صفية في نفسها، لتركته حتى تأكله العافية -وهي السباع والطير التي تقع على الجيف- حتى يحشره الله من بطون الطير والسباع، ثم كفنه في نمرة صلى الله عليه وسلم) وفي هذا دليلٌ على أن الله تعالى يحشر المحترقين والذين تحولوا إلى رماد، والذين أكلتهم الحيتان والسمك في قاع البحر، والذين أكلتهم الطيور والسباع وتخطفتهم، فالله تعالى يحشرهم جميعاً، ولما أوصى بعضهم أولاده بأن يحرقوه، ويذروا رماده في البحر في يوم عاصف، قال الله تعالى: قم، فقام بين يديه، وقد جمعه الله.

    1.   

    صفة الناس في المحشر

    يحشر الناس أجمعون يوم القيامة، قال صلى الله عليه وسلم: (تحشرون حفاةً عراةً غرلاً، قالت عائشة رضي الله عنها: يا رسول الله! الرجال والنساء ينظر بعضهم إلى بعض؟!! -عفة عائشة المفقودة في كثير من بنات جنسها في هذا الزمان، حياء عائشة المفقود في كثير من بنات هذا الزمان- فقال: الأمر أشد من أن يهمهم ذلك) حفاةً: لا شيء في أقدامهم من خفٍ، أو نعل. عراةً: متجردين من الثياب. غرلاً: غير مختونين، والأغرل من بقيت غرلته وهي القلفة (الجلدة) التي تقطع في الختان، يحشرون كما خلقوا، لا شيء معهم، لا يفقد منهم شيء، حتى الغرلة تكون معهم، يحشرون حفاةً عراةً مشاةً كما جاء في حديث آخر، قالت عائشة : الرجال والنساء ينظر بعضهم إلى بعض؟!! فأخبرها النبي صلى الله عليه وسلم أنهم مشغولون، ليس لديهم أي اهتمام لهذا النظر، وفي رواية: (يا رسول الله! واسوءتاه! ينظر بعضنا إلى بعض؟!! فقال: وشغل الناس، قلت: ما شغلهم؟ قال: نشر الصحائف فيها مثاقيل الذر ومثاقيل الخردل) كل الأعمال الصغيرة والكبيرة، قال الهيثمي : رجاله رجال الصحيح غير محمد بن موسى وهو ثقة.

    والمتكبرون يحشرون كأمثال الذر في صور الرجال كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( يغشاهم الذل من كل مكان ) كما تكبروا في الدنيا يجعلهم الله على صور الرجال، لكن المقاس والحجم حجم النمل والذر، يطؤهم الناس بأقدامهم، ويحشر الكفار وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى [طه:124-126] يحشرون عمياً، وقال الله في آية أخرى: الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَاناً وَأَضَلُّ سَبِيلاً [الفرقان:34] عن أنس أن رجلاً قال: (يا نبي الله! كيف يحشر الكافر على وجهه؟ -الوجه يكون بمثابة القدمين فيمشي على وجهه، وجهه إلى الأسفل ورجلاه إلى الأعلى- قال صلى الله عليه وسلم: أليس الذي أمشاه على الرجلين في الدنيا قادراً على أن يمشيه على وجهه يوم القيامة؟) قال قتادة : [بلى وعزة ربنا] والكافر الذي لم يسجد لله في الدنيا يعاقب بأن يسحب على وجهه في القيامة إظهاراً لهوانه، فويل لتارك الصلاة الذي لا يركعها، الذي لا يسجد لله رب العالمين، حيث يحشر على وجهه، ويمشي على وجهه، ويعفر بالتراب ويلاقي ما يلاقي، يحشرون يوم القيامة عمياً وبكماً وصماً.

    والشياطين تحشر: فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيّاً [مريم:68] جاثون على الركب، وقال الله في شأن الكفرة والفسقة والفجرة: احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ * مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ [الصافات:22-23] ومعنى أزواجهم: أشباههم ونظراؤهم، ومن هو على شاكلتهم، فيحشر اليهود معاً، والنصارى معاً، ومن أحب اليهود والنصارى حشر معهم، ويحشر الزناة مع الزناة، والمرتشون مع المرتشين، والمرابون مع المرابين: احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ [الصافات:22] كل طائفة على حدة يحشرون معاً، ومن أحب قوماً حشر معهم، فمن أحب مغنياً كافراً، أو ممثلةً فاسقةً فاجرةً، كل أولئك يحشرون سوياً احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ [الصافات:22] المقتدون بهم في أفعالهم، القرناء يحشرون معاً، وما يقع على هذا يقع على الآخر، ويناله نصيبه منه، ولا يبقى شيءٌ إلا ويحشر حتى الوحوش، قال الله تعالى: وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ [التكوير:5] أي: جمعت، وقال الله: وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ [الأنعام:38] فيحشر كل شيء حتى الذباب كما قال ابن عباس رضي الله عنه وأرضاه. قال عليه الصلاة والسلام: (يحشر الخلائق كلهم يوم القيامة، والبهائم والدواب والطير وكل شيء، فيبلغ من عدل الله أن يأخذ للجماء من القرناء) التي لها قرون ونطحت أخرى ليس لها قرون، يقتص الله للمنطوحة من الناطحة وهذا من كمال عدل الله، ثم يقول لهذه الدواب والطيور والوحوش: كوني تراباً، فذلك حين يقول الكافر: يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَاباً [النبأ:40] ثم يبقى الذين قد كلفوا ليكون الحساب عليهم، يكون الحساب في ذلك الموقف العظيم، وأما حشر التجار، فقد جاء فيه حديثٌ خاصٌ عن البراء بن عازب ، قال: (أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى البقيع ، فقال: يا معشر التجار! حتى إذا اشرأبوا -ورفعوا رءوسهم- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن التجار يحشرون يوم القيامة فجاراً إلا من اتقى وبر وصدق) إلا من اتقى في بيعه وشرائه، ولم يبع المحرمات، ولم يبع بطريقة محرمة، ولا غشَّ في تجارته، وبرَّ في يمينه، لأنهم كثيراً ما يحلفون على الكذب وهم يعلمون، وصدق.

    تاجر: تاء التقوى، والألف أمانة، والجيم جرأة يحتاج إليها التجار، والراء رحمة، لكنهم في كثير من الأحيان بعيدون عن ذلك إلا من رحم الله، وفي هذا الحديث دليلٌ واضحٌ على حشر التجار الفجار، فإن الكثير يستغلون بجشعهم حال الناس، وكثيرٌ منهم يحتكر، وهم من أكبر أسباب رفع الأسعار في البلاد، ولذلك يحشرون فجاراً إلا من رحم الله، فإنهم يكرمون مع الآمنين المؤمنين.

    1.   

    أحوال الناس في يوم المحشر

    .

    الجمع إلى المحشر

    أما أحوال الناس في يوم المحشر، فإنهم يخرجون من القبور في أول ذلك اليوم كما قال الله تعالى: وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ [الانفطار:4] قلبت فأخرج ما فيها، وقال الله: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ [يس:51] أي: يسرعون، وقال الله: كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ [المعارج:43] يعني: كأنه وضع لهم شيء أو علامة يسرعون إليها: يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ [القمر:7].. مُهْطِعِينَ [القمر:8] مهطعين أي: مسرعين، في ذل، رءوسهم مرفوعة لا تنظر يميناً ولا شمالاً: وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء [إبراهيم:43] لا تعقل من الخوف: ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ [ق:42] اليوم الذي يخرج فيه الناس من قبورهم يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ [القارعة:4] في الكثرة والانتشار والضعف والتخبط، وموجان بعضهم في بعض، والذلة والاضطراب والتطاير كتطاير الفراش إلى النار، قال الإشبيلي رحمه الله: فتفكر في بهتك وحيرتك وانكسارك، وذُلِّك، وافتقارك وقلتك يوم لا تجد إلا عملك وسعيك الذي سعيت. يخرجون من القبور يتبعون الداعي، والداعي: ملكٌ موكلٌ من الله: يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً [طه:108] ملك يدعوهم إلى الحضور للحساب، يسمعون صوته، فيتبعونه لا عِوَجَ لَهُ [طه:108] أي: لا يحيدون عنه، ولا يميلون لا يميناً، ولا شمالاً وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ [طه:108] أي: خفضت وسكنت وسكتت هيبةً لله تعالى، وإجلالاً وخوفاً فَلا تَسْمَعُ [طه:108] أي: في ذلك اليوم صوتاً عالياً، بل لا تسمع إلا همساً أي: صوتاً خفياً، أو صوت الأقدام إلى المحشر، كل هذا كائن، وكل دنيانا ذاهبة، ونحن سنصير إلى ذلك اليوم.

    قال الإشبيلي رحمه الله: وتخيل قيام الناس وثورانهم من قبورهم دفعةً واحدةً، وانبعاثهم مرةٍ واحدةٍ، وأنت بينهم وفي جملتهم منكسفاً وجهك، متغيراً لونك، متعثرة قدمك، قد ملئ قلبك فزعاً، وقصم ظهرك ذلك المستمع، وأنت حيران عطشان سكران: وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ [الحج:2] شاخص البصر نحو النداء، مستمعاً لذلك الدعاء، ولو وجدت مطاراً لطرت، ومفراً لفررت. وهكذا يحشرون إلى ربهم، ويقومون من القبور عراةً، وأول من يكسى يوم القيامة إبراهيم الخليل عليه السلام. ويتم الوقوف في ذلك الموقف، وفي أرض المحشر ليس للإنسان إلا موطئ قدميه فقط يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ [المطففين:6] ليس أحدٌ جالساً، ولا مضجعاً، كل الناس واقفون في ذلك اليوم، كم طوله؟ خمسون ألف سنة، كما قال الله: سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ * لِلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ * مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ * تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ * فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً * إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً * وَنَرَاهُ قَرِيباً * يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ * وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ [المعارج:1-9] فالسماوات تطوى، وتذوب بعد ذلك ذوباناً تقطر منه، وتتغير ألوانها إلى الحمرة والزرقة والصفرة وَرْدَةً كَالدِّهَانِ [الرحمن:37] متغيرة الألوان، وتذوب وتقطر، وتكون السماء كالمهل يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ [الأنبياء:104] خمسون ألف سنة كما دل على ذلك حديث النبي صلى الله عليه وسلم في عذاب مانع الزكاة، الذي يمنع زكاة الإبل، تعضه وتطؤه إبله، وغنمه وبقره تنطحه، وتعود كلما انتهت في دورات متوالية، وكذلك الذي يمنع زكاة المال والذهب والفضة، فتصفح صفائح من نار، يطوقه ثعبان أقرع عظيم شديد السم، له قرنان، يلدغه في شفتي شدقيه، يقول: أنا كنزك: فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ [المعارج:4] ثم يرى بعد ذلك سبيله إما إلى الجنة، وإما إلى النار.

    شدة الحر في يوم المحشر

    قال الإشبيلي رحمه الله: ثم تفكر في ذلك الازدحام والانغمام، والاتساق والالتصاق، واجتماع الإنس والجن، وما يجمع من سائر أصناف الحيوان، وانضغاطهم، وتدافعهم، واختلاطهم، لا فرار ولا انتصار، ولا ملاذ ولا هروب، وقربت الشمس، وكانت قدر ميلٍ، وزيد في حرها، وضوعف في وهجها، ولا ظل إلا ظل العرش، وقد انضاف على حر الشمس حر الأنفاس لتزاحم الناس، واحتراق القلوب بما غشيها من الكروب، واشتد الفرق، وعظم القلق، وسال من الأجسام، وانبعث من كل موضع من الجسد، وكان الناس في العرق على قدر أعمالهم، فليتفكر الإنسان إذا سال عرقه، وجرى من قرنه إلى قدمه بحسب عمله، واعلم رحمك الله أنه لو سال عرقك في الدنيا طول عمرك في طاعة ربك، ورضا سيدك على ألا تعرق في ذلك اليوم، لكان ذلك يسيراً، وهذا العرق قد جاءت فيه أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال عليه الصلاة والسلام: ( يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ [المطففين:6] قال: يقوم أحدهم في رشحه إلى أنصاف أذنيه) العرق ذو الرائحة الكريهة الذي يحدث نتيجة الحر ودنو الشمس وتزاحم الناس وانضمام بعضهم إلى بعض، ينزل من هذا الإنسان، وتشربه الأرض حتى يغوص فيها سبعين ذراعاً، قال عليه الصلاة والسلام: (يعرق الناس يوم القيامة حتى يذهب عرقهم في الأرض سبعين ذراعاً) وهذا عمق العرق تحت؛ أما فوق، فقال عليه الصلاة والسلام: (ويلجمهم حتى يبلغ آذانهم) وهذا في حق الكفرة الفجرة، وقال صلى الله عليه وسلم مبيناً ما يحدث: (حتى إن السفن لو أجريت فيه لجرت) قال الهيثمي : إسناده جيد، وقال عليه الصلاة والسلام: (إن الكافر ليحاسب يوم القيامة حتى يلجمه العرق، حتى إنه يقول: أرحني ولو إلى النار)وكذلك قال ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه، قال: [إن الرجل ليفيض عرقاً حتى تسيخ في الأرض قامته، ثم يرتفع حتى يبلغ أنفه، وما مسه الحساب، قالوا: ممَ ذاك يا أبا عبد الرحمن ؟ قال: مما يرى الناس مما سيلقونه] قال الهيثمي : رجاله رجال الصحيح. وهكذا تدنو الشمس من العباد، ثم إن جهنم يؤتى بها أيضاً، ليزداد الحر حراً، يؤتى بجهنم يوم القيامة لها سبعون ألف زمام مع كل زمامٍ سبعون ألف ملك يجرونها، أربعة آلاف وتسعمائة مليون ملك يجرون جهنم، ويزداد الحر حراً، ولا ينجو إلا من عصم الله، فهل أعددنا لذلك اليوم من عدة؟ وهل تبنا وقمنا بما يلزم من التوبة؟ وهل تركنا المعاصي وعدنا إلى الله رجاء النجاة في ذلك اليوم؟

    اللهم اجعلنا في يوم الفزع من الآمنين، واغفر لنا أجمعين، وأظللنا في ظل عرشك يا كريم.

    أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

    1.   

    نزول الله لفصل القضاء

    الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ، هو الحي لا يموت، والإنس والجن يموتون، سبحانه وتعالى يفعل ما يشاء، ويحكم ما يشاء، لا إله إلا هو الحي القيوم، هو ديان يوم الدين سبحانه وتعالى، وأشهد أن محمداً رسول الله المبعوث رحمةً للعالمين، السراج المنير، والبشير النذير صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

    عباد الله: ومن أكثر الأمور فزعاً في ذلك اليوم عندما يجيء الرب نفسه سبحانه وتعالى هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ [البقرة:210] فيأتي الله لفصل القضاء بين الأولين والآخرين وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً [الفجر:22] فتأتي الملائكة صفوفاً مع الرب عز وجل، يأتي لفصل القضاء بين الخلق بعد أن توسل النبي صلى الله عليه وسلم وشفع، لأن الناس قيام في الحر، وهم في كرب شديد يفزعون إلى الأنبياء واحداً إثر واحد، والأنبياء لا يقولون إلا: اللهم سلم سلم، ويردونها حتى تنتهي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فيشفع ويسجد، ثم يقبل منه، ثم يأتي الله لفصل القضاء بين العباد.

    صحح ابن حجر عن ابن عباس أنه قال: إذا كان يوم القيامة، مدت الأرض مد الأديم، وجمع الخلائق في صعيد واحد جنهم وإنسهم، فإذا كان كذلك قبضت هذه السماء -أي: كشفت- عن أهلها، فينثر على وجه الأرض من فيها من الملائكة، فلأهل السماء وحدهم أكثر من جميع أهل الأرض جنهم وإنسهم بالضعف، فإذا مروا على وجه الأرض فزع إليهم أهل الأرض، وقالوا: أفيكم ربنا؟ فيفزعون من قولهم، ويقولون: سبحان ربنا!! ليس هو فينا، وهو آتٍ ثم يقاض أهل السماء الثانية، فلأهل السماء الثانية وحدهم أكثر من أهل السماء الدنيا -من الملائكة- ومن جميع أهل الأرض بالضعف، فإذا نثروا على وجه الأرض، فزع إليهم أهل الأرض، وقالوا: أفيكم ربنا؟ فيفزعون من قولهم ويقولون: سبحان ربنا!! ليس فينا، وهو آتٍ، ثم يقاض أهل السماوات كلها، فينثرون على وجه الأرض، فيفزع إليهم أهل الأرض فيقولون مثل ذلك، ويجيبونهم بمثل ذلك، ثم يقاض أهل السماء السابعة، فلأهل السماء السابعة أكثر من أهل السماوات الست ومن جميع أهل الأرض بالضعف، فيجيء الله فيهم، والأمم جثى صفوفاً، فينادى: سيعلمون اليوم من أصحاب الكرم، ليقم الحمادون على كل حال -أصحاب الحمد لله على كل حال- فيسرحون إلى الجنة، ثم ينادى ثانية: سيعلمون اليوم من أصحاب الكرم، ليقم الذين تتجافى جنوبهم عن المضاجع -أصحاب قيام الليل- فيقومون، فيسرحون إلى الجنة، ثم ينادى الثالثة: ليقم الذين لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله، فيقومون، فيسرحون إلى الجنة، فإذا أخذ من هؤلاء الثلاثة، خرج عنقٌ من النار، فأشرف على الخلائق، له عينان تبصران، ولسان فصيح، فيقول: إني وكلت بثلاثة: إني وكلت بكل جبار عنيد -الطغاة البغاة الذين كانوا يعذبون الناس في الدنيا ويتكبرون ويتجبرون على الخلق- إني وكلت بكل جبار عنيد، فيلقطون من الصفوف لقط الطير حب السمسم، فيحبس بهم في جهنم، ثم يخرج ثانية، فيقول: إني وكلت بمن آذى الله ورسوله، فيلقطهم من الصفوف لقط الطير حب السمسم، فيحبس بهم في جهنم، ثم يخرج ثالثة، فيقول: إني وكلت بأصحاب التصاوير -الذين يعملون التماثيل والصور ذوات الأرواح- إني وكلت بأصحاب التصاوير، فيلقطهم من الصفوف لقط الطير حب السمسم، فيحبس بهم في جهنم، فإذا أخذ من هؤلاء الثلاثة، نشرت الصحف، ووضعت الموازين، ودعي الخلائق للحساب.

    1.   

    المؤمنون في يوم القيامة

    عباد الله: في ذلك اليوم العظيم؛ في خمسين ألف سنة ما حال المؤمنين؟

    قال الله سبحانه وتعالى: وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ [النمل:89] وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (يوم القيامة على المؤمنين كقدر ما بين الظهر والعصر) على المؤمنين فقط، والإيمان ليس بالتحلي ولا بالتمني، ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل، ليست القضية بالأماني: لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ [النساء:123] سلعة الله غالية حفت بالمكاره، فالمؤمنون يكون ذلك اليوم عليهم مثل ما بين الظهر والعصر، مثل وقت وجبة الغداء ينتظرون الكرامة من الله في ظل العرش؛ لا يصيبهم لهب الشمس، ولهم طعام وشراب، بين النبي صلى الله عليه وسلم أن طعامهم الثور والحوت، ثورٌ يرعى في أطراف الجنة ينحر لهم، ويأكلون ذلك النون وهو الحوت في ذلك الموقف يأكلون الحوت، ويوزع عليهم زيادة كبد الحوت فقط، وزيادة الكبد ألذ شيء في الكبد، يأكل منها سبعون ألفاً، هذه الضيافة في ذلك اليوم كما ثبت في الحديث الصحيح، والشراب من حوض النبي صلى الله عليه وسلم الذي يصب فيه نهر الكوثر، ميزاب من الجنة يصب في الحوض، وهو نهر الكوثر، لا ظمأ، ولا جوع، ولا حر، والوقت ما بين الظهر إلى العصر، وبقية الناس يا ويلهم! وحديث وفد بني المنتفق حديثٌ مشهورٌ رواه عددٌ من الأئمة في كتبهم، وقال بعضهم إن في سنده ضعفاً، ولكن قواه بعض أهل العلم كـابن القيم رحمه الله، وقال الهيثمي عن أحد أسانيده: إن رجالها ثقاة، وإسناده متصل، قام النبي عليه الصلاة والسلام خطيباً، فقال: (أيها الناس! ألا قد خبأت لكم صوتي منذ أربعة أيام ألا لتسمعوا اليوم، ألا أني مسئولٌ هل بلغت! ألا اسمعوا تعيشوا، ألا اجلسوا) فجلس الناس، وقام هذا الوافد مع صاحبه، وحدثهم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (ثم تبعث الصائحة، فلعمر إلهك ما تدع على ظهرها شيئاً إلا مات، والملائكة الذين مع ربك) حتى هم يموتون، ثم يبعثهم الله (فأرسل ربك السماء تهضب من عند العرش) تهطل منياً كمني الرجال، فتنبت الأجساد من الأرض (فلعمر إلهك ما تدع على ظهرها من مصرع قتيلٍ، ولا مدفن ميتٍ إلا شقت القبر حتى تخلفه من عند رأسه، فيستوي جالساً) لأن الله سبحانه وتعالى وصف الحشر كالماء الذي ينزل فتحيا به الأرض مع أنها كانت ميتة كَذَلِكَ النُّشُورُ [فاطر:9] كما قال الله، فيقول ربك: متى عهدك يا بن آدم؟ يقول: أمس اليوم كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ [الأحقاف:35] لعده بالحياة يحسبه حديثاً بأهله، فقلت: يا رسول الله! فكيف يجمعنا بعد أن تمزقنا الرياح والبلى والسباع؟ فمثل له الأرض الميتة إذا نزل عليها المطر، ثم قال: فتخرجون من قبوركم فتنظرون إليه وينظر إليكم، ثم بعد ذلك قال صلى الله عليه وسلم لما سئل ماذا يفعل بنا ربنا إذا لقيناه؟ قال: (تعرضون عليه باديةً له صفحاتكم لا يخفى عليه منكم خافية، فيأخذ ربك عز وجل بيده غرفة من ماء، فينضح بها قبلكم، فلعمر إلهك ما يخطأ وجه أحد منكم منها قطرة، فأما المسلم، فتدع وجهه مثل الريطة البيضاء، وأما الكافر، فتنضحه، أو قال: بمثل الحمم الأسو)هكذا يكونون في سواد زرقة وسواد، هذا شيء مما يكون يوم الحشر، وهو شيء آتٍ آتٍ لا محالة، وكل ما حولنا من المتع والملذات سيفنى، ولا يبقى إلا العمل الصالح، فالعمل العمل، والبدار البدار.

    اللهم تب علينا وارزقنا توبةً نصوحاً، اللهم أحسن عملنا، اللهم اجعل وفاتنا على طاعتك، اللهم اجعل وفاتنا على طاعتك، فإن العبد يحشر على ما مات عليه، اللهم اجعلنا يوم الفزع من الآمنين، واغفر لنا ذنوبنا أجمعين، وأظللنا في ظل عرشك يا كريم، اللهم اجعل حسابنا يسيراً، اللهم اجعل حسابنا يسيراً، اللهم اجعل حسابنا يسيراً يا رب العالمين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    الأكثر استماعا لهذا الشهر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756004265