إسلام ويب

شرح متن الرحبية [5]للشيخ : محمد الحسن الددو الشنقيطي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من موانع الإرث: النبوة فالنبوة تمنع الإرث من جهة واحدة، معناه: من كان نبياً فإنه لا يورث، ولكنه يرث. وأما القتل المانع من الإرث فهو القتل العمد العدوان، واختلف الفقهاء في قتل الخطأ وقتل شبه العمد هل يمنع أم لا. والوارثون من الرجال عشرة على سبيل الاختصار وخمسة عشر على سبيل البسط، وأما الوارثات من النساء سبع على سبيل الاختصار، وعشر على سبيل البسط.

    1.   

    موانع الإرث

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على من بعث رحمةً للعالمين، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهديه، واستن بسنته إلى يوم الدين.

    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    بالنسبة لموانع الإرث التي ذكرناها هي موانع في اصطلاح الفرضيين، وإلا فليس ينطبق عليها تعريف المانع لدى الأصوليين؛ لأن المانع لدى الأصوليين لا بد فيه من تحقق السبب، والزنا النسب فيه- وهو سبب الميراث- غير موجود؛ لأن المعدوم شرعاً كالمعدوم حساً، فالنسب ولو كان موجوداً حساً إلا أنه معدوم شرعاً، وكذلك اللعان، فالنسب فيه معدوم شرعاً، ومعدوم حسّاً أيضاً باعتبار الدنيا؛ لأن العبرة فيها بما يحكم به القاضي؛ لذلك اعتبار اللعان والزنا ونحو ذلك من الموانع إنما هو في اصطلاح الفرضيين لا في اصطلاح الأصوليين.

    النبوة مانعة من الإرث

    ويمكن أن نضيف إلى ما ذكر النبوة، فالنبوة تمنع الإرث من جهة واحدة، معناه: من كان نبياً فإنه لا يورث، ولكنه يرث، لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( إنا معاشر الأنبياء لا نورث، ما تركناه صدقة )، فالنبوة مانعة مع قيام السبب، فالسبب مثلاً: البنوة، أو الإخوة، أو الأمومة، أو نحو ذلك؛ أي: النسب، ونحوه، والنكاح، وغير ذلك من أسباب الإرث قائمة، ومع ذلك لا يرثون نبياً مات، ولا يرد على هذا بقول الله تعالى: وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ [النمل:16]؛ لأنه لا يقصد: أنه ورثه في المال، وإنما يقصد: أنه قام مقامه في الخلافة في الأرض: يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ [ص:26]، فقد استخلف الله سليمان مكان داود، فاعتبر ذلك وراثةً، كما أن الله هو وارث الأرض ومن عليها: وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ [الأنبياء:89]، كما قال الله سبحانه وتعالى عن نفسه، والنبي صلى الله عليه وسلم وارث للأنبياء الذين قبله، ومعنى ذلك: أنه خالف لهم، أما الجهة الأخرى- وهي كون النبي يرث ممن يرثه- فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ورث دار آمنة بنت وهب، وورث من أبيه: شُقران، وبركة أم أيمن، وقطعةً من الغنم، وقطعة من الإبل أيضاً، وفي ذلك يقول الشيخ محمد عالي رحمة الله عليه:

    قد ورث النبي أم أيمنا من أبِهِ فوالها ما أيمنا

    وقطعةً من إبل لا يغتنم مثالها وثلةً من الغنم

    وهكذا ورث دار الأم ودار زوجه النبي الأمي

    دار خديجة بنت خويلد.

    اعتراض على عد النبوة من موانع الإرث

    وقد يعترض على عد النبوة مانعاً من موانع الإرث بأنها تمنع جانباً واحداً، ومن الأسباب ما لا يقع معه التوارث من الجانبين، كأم أبيك وهي: الجدة من جهة الأب (أم الأب)، فإنك ترثها ولا ترثك، وكذلك أم الأم، فهي ترثك، وأنت لا ترثها، ولا يسمى ذلك مانعاً من موانع الإرث، وسيأتينا في ميراث الجدات، وفيه يقول أحد الفقهاء:

    أم أبيك إرثها لا يجهل وهكذا إرثك منها يا فل

    وأم أمك لها الإرث وجب وأنت لا ترثها وذا عجب

    بعكسها أم أبي أبيكا فاشدد على ما قلته يديكا

    فأم أبي الأب أنت ترثها، وهي لا ترثك، وأم الأم ترثك، ولا ترثها، وأم الأب ترثها وترثك، وسيأتينا ميراث الجدات، وأن الحنابلة لهم توسع فيه، يجوز عندهم ميراث أربع جدات في فريضة واحدة، والجمهور يخالفونهم في ذلك، كما سيأتي إن شاء الله تعالى في الحجب، وفي ميراث الجدة.

    القتل المانع من الإرث وأقسامه

    كذلك ذكرنا القتل في موانع الإرث، ولكن نحتاج فيه إلى تفصيل، وقد سأل عنه أحد الطلاب في أواخر الدرس الماضي، فالقتل الذي يمنع الإرث مختلف فيه، فقد حصل الإجماع في الجملة على أن القتل مانع من موانع الإرث، وورد فيه حديثان كلاهما معلل، أحدهما: قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( ليس لقاتل ميراث )، والثاني: ( لا يرث القاتل شيئاً )، وكلا الحديثين له علة، ولكنهما باجتماعهما يكون أحدهما شاهداً للآخر، وقد قوى ( لا يرث القاتل شيئاً ) أبو عمر بن عبد البر، فالقتل أقسام، منه: القتل العمد، وهو: ما اجتمع فيه علتان أو علة مؤلفة من صفتين هما: العمد، والعدوان، كمن اعتدى على إنسان بقصد قتله فرماه برصاصة، أو ضربه بمثقل، أو ضربه بسيف، أو طعنه برمح عمداً عدواناً، فهذا القاتل عمداً عدواناً بالمباشرة لا يرث إجماعاً.

    كذلك القسم الثاني: هو القتل خطأ، وهو: أن يقتل الإنسان الإنسان من غير قصد قتله، وهذا ينقسم إلى قسمين: إلى قتل بالمباشرة، وقتل بالتسبب، فالقتل بالمباشرة ينقسم إلى قسمين: إلى ما حصل فيه الفعل بتصرف مقصود، وما لم يحصل فيه قصد أصلاً، والقتل غير المباشر: كأن يحفر الإنسان بئراً في الطريق فيقع فيها إنسان آخر، أو أن يرسل سبعاً فيعدو على إنسان فيقتله، أو أن يرمي بقية نار -كبقية دخان أو نحو ذلك- فيقع حريق، فيموت بسببه بعض الناس، فهذا القتل غير مباشر، وهو خطأ.

    والقتل المباشر منه ما يكون الإنسان غير قاصد له، كمن كان نائماً، إذا نامت المرأة فانقلبت على ولدها الرضيع فمات، وكفعل المجنون والصبي، ففعلهما لا يعتبر مقصوداً قطعاً، وكذلك فعل المكره إكراهاً ملجئاً، فالإكراه ينقسم إلى قسمين: إلى إكراه ملجئ، وإكراه غير ملجئ، فالإكراه غير الملجئ كمن يرفع سيفاً على شخص ويقول له: اقتل فلاناً أو أقتلك، وهذا لا يبيح قتله إذا كان مسلماً معصوم الدم؛ لأنه ليس أولى بالحياة من الذي يقتله، فهو مهدد بالموت ليقتل، وليس هو أولى بالحياة ممن سيقتله، فكلاهما معصوم الدم، فلا يحل له أن يقتل إنساناً بسبب الإكراه على قتله، ويدخل في هذا الأوامر التي يصدرها القادة لمقوديهم كقادة الجيوش، وقادة الشرطة ونحوهم، فإذا أطلق القائد أمراً لمقوده بأن يقتل مسلماً، أو أن يؤذيه، فإن ذلك لا يرفع الإثم عن المأمور؛ لأنه حتى ولو كان مكرهاً فإكراهه غير ملجئ؛ لأنه يستطيع ألا ينفذ العمل أصلاً، يستطيع أن يتخلص من الوظيفة بالكلية، هذا الإكراه غير ملجئ؛ فلذلك يأثم، ويشارك في الجريمة،وتكون مشتركةً بينهما، والإكراه الملجئ كمن أخذ إنساناً فرمى به من السطح فوقع على إنسان آخر فمات، فهو لا يستطيع التصرف حينئذ، هذا إكراه ملجئ؛ لأنه ألجئ إلى القتل، فقد أخذ ورمي به من سطح فوقع على إنسان فمات، فهذا قتل خطأ بالنسبة له هو؛ لأنه أكره إكراهاً ملجئاً لا يستطيع التصرف معه، ولكن الذي رماه هو القاتل الحقيقي المسئول شرعاً في هذه المسألة.

    لدينا قسم آخر، هذان القسمان وهما: القتل عمداً، والقتل خطأً منصوصان في كتاب الله، كما تقرءون في سورة النساء قول الله تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَأً [النساء:92]، وقبلها: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً [النساء:93]، فهذان قسمان هما: القتل عمداً، والقتل خطأً.

    لدينا قسم آخر يسمى: القتل شبه العمد، وهذا أثبته الجمهور خلافاً للمالكية فلم يثبتوه إلا في صورة واحدة، فالجمهور يرون أن القتل ينقسم إلى ثلاثة أقسام: إلى عمد، وخطئ، وشبه عمد، وشبه العمد هو: أن يقصد الإنسان الضرب ولا يقصد القتل، كمن أخذ عموداً أو عصاً وضرب به إنساناً يريد تأديبه أو ضربه، ولكنه لا يريد قتله، فوقع في مقتل فمات، فهذا النوع لا يكون شبه عمد عند المالكية؛ ولذلك قال خليل رحمه الله في المختصر: (إن تعمد ضرباً وإن بقضيب)، (وإن بقضيب) أشار بـ (إن) إلى خلاف خارج المذهب وهو المذاهب الثلاثة، المذاهب الثلاثة: الحنفية، والشافعية، والحنابلة، يرون هذا قتلاً شبه عمد؛ لأنه قصد الضرب ولو بقضيب، وهذا ورد فيه حديثان: أحدهما أخرجه أصحاب السنن و أحمد في المسند، من حديث يعقوب بن أوس، أو عقبة بن أوس، عن القاسم بن ربيعة، عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ألا إن قتيل خطأ العمد بالسوط والعصا والحجر فيه مائة من الإبل، منها أربعون خلفةً، في بطونها أولادها )، وهذا الحديث يقتضي تغليظ الدية، وأنه شبه العمد، ولكنه معلل بعلل منها: الاضطراب في الإسناد، فقد جاء عن عقبة بن أوس، وعن يعقوب بن أوس، عن القاسم بن ربيعة، عن عبد الله بن عمر، و عن عبد الله بن عمرو بن العاص.

    وجاء أيضاً في رواية أخرى للنسائي عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم غير مسمىً، والاضطراب في تسمية الصحابي ليس علةً لدى أهل الحديث؛ لأن الصحابة عدول جميعاً سواء كان عبد الله بن عمرو أو عبد الله بن عمر، أو صحابي آخر، فلا يضر جهل الصحابي، لكن التردد في عقبة بن أوس و يعقوب بن أوس مع الاستواء علة.

    الحديث الثاني: حديث ابن عباس، وقد أخرجه النسائي و أحمد أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الخطأ شبه العمد أن ينزو الشيطان بين الناس، فتقع الدماء في غير ضغينة ولا حمل سلاح ).

    وفي رواية: ( في رِمِّيَّا أو عِمِّيَّا )، (في رميا) معناه: ترام، أن يتراموا فيما بينهم، أو (عميا) معناه: في فتنة عمياء،لا يعرف المصيب فيها من المخطئ، فهذه الفتن التي تقع كالخلافات بين القبائل، والخلافات على الأرض ونحو ذلك، فتثور الثائرة بين الناس، ويتضاربون فيقع قتلى، فهذا القتل عند الجمهور ليس قتل عمد، وإنما هو خطأ شبه العمد، يسمى قتل الخطأ شبه العمد، وذلك أن الدية فيه مغلظة وهي مثلثة، والدية العادية دية الخطأ مخمسة في أسنان الإبل، كذلك القتل سواء كان عمداً أو خطأً أو شبه عمد ينقسم إلى قسمين: إلى قتل بحق، وقتل بغير حق، فالقتل بحق كالقتل قصاصاً، أو إقامةً للحد حد الزنا أو حد من الحدود التي تؤدي إلى القتل حد الردة مثلاً أو نحو ذلك، وهو أيضاً ينقسم إلى: مباشر، وغير مباشر، فالمباشر: كالمنفذ الذي يضرب بالسيف إقامةً لحدود الله أو إقامةً للقصاص، وغير مباشر: كالقاضي الذي يحكم، أو الشهود الذين يشهدون أن فلاناً قتل فلاناً، أو أنه زنى وهو محصن حتى يقتل، فهذه التفصيلات هي تفصيلات القتل، وعلى أساسها اختلف المذاهب، فذهب الشافعية في الصحيح عندهم إلى: تعميم القتل مانعاً من موانع الإرث، أن القاتل لا يرث مطلقا،ً سواء كان قتله بحق أو بغير حق، وسواء كان عمداً أو خطأً أو شبه عمد، وسواء كان مباشراً أو غير مباشر مطلقاً، فكل قتل سواء كان بالمباشرة أو بغير المباشرة، سواء بحق أو بغير حق، سواء كان عمداً أو شبه عمد أو خطأً فإن صاحبه لا يرث لا من الدية ولا من المال، فهذا مذهب الشافعية في الصحيح منهم.

    القول الثاني: أن القتل إذا كان بالمباشرة، وكان بغير حق، فإن صاحبه لا يرث، أما إذا كان بغير مباشرة مطلقاً، سواء كان عمداً أو خطأً أو شبه عمد أو كان بحق، سواء كان بالمباشرة أو بغير المباشرة، فإن صاحبه يرث، وهذا مذهب الحنفية، فالحنفية يرون أن القاتل إذا قتل عمداً أو خطأً أو شبه عمد بغير حق بالمباشرة فإنه لا يرث، أما إذا قتل بالتسبب أو قتل بحق أخذ القصاص من موروثه، أو أقام عليه الحد فإنه يرث.

    القول الثالث: مذهب الحنابلة: أن كل قتل مضمون بقود أو دية أو كفارة فإنه مانع من موانع الإرث، وما سوى ذلك لا يمنع، فالقتل المضمون بقود معناه: بقصاص كالقتل عمداً عدواناً، أو بدية كالقتل شبه العمد والقتل الخطأ بالمباشرة أو بالتسبب إذا لم تكن مباشرة تقطع حكم التسبب، أو بكفارة كفعل النائم والغافل، كالمرأة إذا انقلبت على ولدها فمات، فعند الحنابلة لا ترث منه؛ لأن هذا قتل مضمون بكفارة، وعند الحفية: ترث منه؛ لأنه ليس مقصوداً بوجه من الوجوه.

    المذهب الرابع: مذهب المالكية، فالمالكية يقسمون القتل إلى قسمين فقط، فليس عندهم شبه العمد إلا في صورة واحدة، وهي قتل الأب لولده بغير الذبح، إذا أخذ الوالد ولده فأضجعه وذبحه فهذا قتل عمد إجماعاً، لكن إذا رماه بسيف أو برصاصة فأصابه فمات فمذهب المالكية: أنه لا يقتص منه له؛ لأن هذا لا يمكن أن يعتبر عمداً، فيعتبرونه شبه عمد، ويغلظون فيه الدية؛ لما ثبت في الأثر الذي أخرجه مالك في الموطأ، عن عمر بن الخطاب في قصة المدلجي الذي رمى ولده بسيف فأطن ساقه فنزف فمات، فجاء عمر فأخرج مائةً من الإبل، ودعا أخا القتيل وقال: (لا يرث القاتل شيئاً)، فأخذ المالكية بهذا فرأوا: أن القتل شبه العمد إنما هو في هذه الصورة الواحدة، وهي قتل الوالد لولده بغير الذبح تغلظ فيه الدية، والمالكية يرون أن القاتل خطأً لا يرث من الدية، ولكنه يرث من أصل المال، يفرقون بين الدية وأصل المال، فيرون: أن المنع مقيد، كالقتل العمد، يُدخلون فيه شبه العمد، فهو عمد عندهم، والقتل الخطأ -سواء كان بالمباشرة أو بالتسبب- لا يرث صاحبه من الدية، ولكنه يرث من أصل المال الذي يسبق الدية.

    أقسام الكفر المانع من الإرث

    كذلك تفاصيل أخرى فيما يتعلق بالكفر المانع من الإرث، فالكفر ينقسم إلى قسمين: إلى كفر أصلي، وكفر بالردة عن الإسلام، كفر أصلي، وكفر عارض، فالكفر العارض هو: الكفر بالردة عن الإسلام، فالكفر الأصلي مانع من التوارث بين المسلمين والكفار، فلا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم، لكن الكفر العارض إذا كان الإنسان مسلماً فارتد عن الإسلام، فهل الردة مانع من موانع الإرث كالكفر الأصلي أم لا؟ ذهب الشافعية إلى: أن الردة مانع مستقل غير مانع الكفر، هي مانع آخر يعدونه مستقلاً، ويرون المنع فيها، وهذا مذهب المالكية والحنابلة، فالمالكية والحنابلة يرون: أن الكفر الأصلي والعارض سواء، فكلاهما مانع من الإرث، والحنفية يفرقون بين كفر الرجل وكفر المرأة، فالرجل إذا كفر ارتد عن الإسلام فاكتسب مالاً في ردته فإنه لا يرثه المسلم، بل هو فيء للمسلمين، وماله الذي اكتسبه في إسلامه قبل الردة يورث عنه، يرثه ورثته، هذا عند الحنفية.

    وعند الحنفية: أن المرأة إذا ارتدت لا تقتل؛ فلذلك يرون أنها تورث مطلقاً؛ لأنها لا تقتل، فالقتل بالردة مختص عندهم بالرجل، ويرون إخراج المرأة من قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( من بدل دينه فاقتلوه )، يخرجون من ذلك المرأة بنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن قتلها ولو كانت كافرةً أصلية في الحرب، هذا مذهب الحنفية، فإذاً عندهم الرجل إذا ارتد ما اكتسبه في إسلامه قبل الردة يورث عنه، وما اكتسبه في ردته لا يورث عنه، وهو فيء، والمرأة تورث مطلقاً؛ لأنها لا تقتل، فإذا ماتت على الردة ورث مالها عند الحنفية.

    والمالكية يرون أن الردة تنقسم إلى قسمين: ردة المعلن، وردة المستسر، فالمعلن بالكفر لا يرث ولا يورث مطلقاً، لا ما اكتسبه قبل ردته، ولا ما اكتسبه بردته، والمستسر معناه: الذي يكتم كفره، وهو الذي كان يسمى في صدر الإسلام: بالمنافق، ويسمى في العصور المتأخرة: بالزنديق، وهو الذي يظهر الإسلام ويبطن الكفر: كالشيوعي، والوجودي، والذي يرى الحلول أو الاتحاد أو وحدة الوجود، أو نحو ذلك، فهذا عند المالكية يورث إذا قتل، فليس ماله فيئاً؛ لأن وارثه يدعي أنه مسلم، ولا يراه كافراً أصلاً؛ فلذلك يرون أن الشيوعي إذا مات يرثه أهله من المسلمين، وأن الوجودي إذا مات يرثه أهله من المسلمين، وهكذا في كل كفر يستسر صاحبه به.

    والمالكية يفرقون بين الكفر المعلن والكفر المستسر به، فالكفر المستسر ليس له استتابة بالتوبة كما قال خليل: (وقتل المستسر بلا استتابة، إلا أن يجيء تائباً، وماله لوارثه).

    (وماله لوارثه) معناه: أن المستسر يورث، بخلاف المعلن للكفر فماله فيء، معنى فيء: أنه لبيت المال، يدخل في خزينة الدولة.

    فالقتل إذا كان عمداً بحق معناه: ثلاثة إخوة أشقاء، قتل أحدهم أخاه، فطالب الأخ الثالث بالقصاص على أخيه القاتل، فالقاتل الأول لا يرث مقتوله قطعاً؛ لأنه قتله عمداً عدواناً، هذا لا يرث بغير حق، لكن الأخ الأخير قتل أخاه أيضاً عمداً، ولكن غير عدوان؛ لأنه بحق، فلذلك يدخل الخلاف في القتل الثاني لا في الأول، وهكذا في هذه التفصيلات.

    هذا طالب بالقصاص، والقصاص حق شرعي، وقد قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: ( من قتل له قتيل فهو بين خيرتين: إن شاء أخذه برمته، أو سلم إليه برمته، وإن شاء أخذ الدية )، فهذا الحديث يدل على أن من قتل له قتيل فهو بين خيرتين، معناه: إن شاء أخذ ديةً مغلظةً، وهي دية العمد، وإن شاء قتله قصاصاً، فهو اختار القتل قصاصاً فهذا بحق، لكن مع ذلك لا وارث له إلا هو؛ لأنه أخوه الشقيق، وليس له وارث سواه، فهذا هل يرثه أم لا؟ هذا محل الخلاف الذي سقناه.

    والكفر: أصلي، ردة، والردة نوعان: مستسر، معلن، المعلن قسمان: رجل، امرأة؛ لأنه إما أن يكون أصلياً، فالكافر الأصلي لا يرث المسلم، ولا يرثه المسلم، ولكن يأتي خلافات أكبر من هذا، وهي هل الكفر ملة واحدة أو الكفر ملل؟ أو الكفر ينقسم إلى ثلاث ملل فقط؟ فقد قال بعض أهل العلم: الكفر كله ملة واحدة، فيتوارث اليهودي مع النصراني مع المجوسي مع اللاديني، وقالت طائفة: بل الكفر ملل، فكل ملة ينتسب لها إنسان، سواء كانت ديناً سماوياً، أو ديناً أرضياً، أو لا ديناً أصلاً، فأهلها يتوارثون فيما بينهم، ولكن لا يرثون غيرهم، ولا يرثهم غيرهم، فلا يرث النصراني اليهودي، ولا اليهودي النصراني، ولا المجوسي، ولا البوذي، ولا الهندوسي، ولا السيخي.. إلى آخره.

    وقال المالكية والحنابلة: الكفر ثلاث ملل: يهودية، ونصرانية، وما سوى ذلك ملة واحدة، فجعلوا اليهود والنصارى ملتين معترفاً بهما في القرآن، والملل الأخرى جعلوها كالملة الواحدة، فيمكن أن يتوارث المجوسي والسيخي أو البوذي أو الهندوسي، فتلك الملل جميعاً جعلوها ملةً واحدة؛ لأن التفريق جاء في كتاب الله، فبعض أهل العلم يميز أيضاً بين المجوسي وغيره من الملل الأخرى؛ لأن المجوسي يفرق بينه وبين غيره في الأحكام، كما في حديث عبد الرحمن بن عوف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في المجوس: ( سنوا بهم سنة أهل الكتاب، غير ناكحي نسائهم، ولا محلي ذبائحهم )، فمعنى ذلك: أنه يجوز أخذ الجزية منه وحده دون غيره من الكفرة؛ لأن الله في الأصل في سورة التوبة لم يذكر الجزية إلا من اليهود والنصارى، فقال: قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ [التوبة:29].

    وحديث عبد الرحمن بن عوف يقتضي أن المجوس كاليهود والنصارى: ( سنوا بهم سنة أهل الكتاب، غير ناكحي نسائهم ولا محلي ذبائحهم )، والمالكية والحنابلة يرون إلحاق غيرهم بهم، فيرون أن المجوس مثلهم جميع الديانات الأخرى، فيمكن أن تؤخذ الجزية من كل كافر حتى لو كان غير يهودي ولا نصراني ولا مجوسي، ولكن لا تؤكل ذبائحهم، ولا تنكح نساؤهم، هذا التفصيل ذكرناه أن الكافر الأصلي لا يرث المسلم، ولا يرثه المسلم، وأن الكافر المستسر بكفره يرثه وليه عند المالكية والحنفية، وعند الشافعية والحنابلة: لا يورث، وأن الكافر المرتد ردةً هو معلن بها ليس مستسراً فصل فيه الحنفية: بين أن يكون رجلاً أو امرأةً، فالمرأة تورث مطلقاً، والرجل يورث عنه ما كسبه في الإسلام، ولا يورث عنه ما كسبه في الردة.

    1.   

    باب الوارثين من الرجال

    يقول المؤلف رحمه الله تعالى: (باب الوارثين من الرجال).

    هذا الباب معقود لبيان أنواع من تحققت فيهم الأسباب السابقة، وانتفت عنهم الموانع اللاحقة، فالأسباب السابقة تحققت في عدد من الرجال وعدد من النساء، فعقد الباب الأول للرجال الوارثين، والباب الثاني للنساء الوارثات، فقال: ( والوارثون م الرجال عشرة )، هنا خطأ مطبعي وهو إضافة النون في (من) فنون (من) تحذف إذا كانت بعدها (أل) لكثرة الاستعمال، وذلك مشهور في اللغة كحذف ألف (على) فإن العرب يحذفون ألف (على) كقول قطري بن الفجاءة:

    غداة طفت عَلْماء بكر بن وائل وعجنا صدور الخيل نحو تميم

    ومثل ذلك ما يقولون: م الرجال، م الرجال، معناه: من الرجال، م القوم، فإنك م القوم الذين عرفتهم، فإنك م القوم، معناه: من القوم الذين عرفتهم، فالنون تحذف لكثرة الاستعمال، مثل ما تحذف نون المضارع من كان إذا كان مجزوماً اختياراً:

    ومن مضارع لكان منجزم تحذف نون وهو حذف ما التزم

    وَلَمْ أَكُ بَغِيّاً [مريم:20]، (ولم أكُ) معناها: لم أكن، وتحذف النون اختياراً، فكذلك نون (من) تحذف أيضاً إذا كانت بعدها أل.

    قال: (والوارثون م الرجال عشرة أسماؤهم معروفة مشتهرة)

    أنواع الاسم في اللغة

    أسماؤهم يقصد الأسماء الجامعة لا الأسماء المخصوصة، فالاسم: إما أن يكون علماً، وإما أن يكون اسم جنس، وإما أن يكون نكرةً، وهو هنا لا يقصد به العلم قطعاً، فإنه لا يمكن أن يكون من الرجال واحد يرث كل الأموات باسمه.

    (معروفة مشتهرة)؛ أي: باسم الجنس لا بالعلم.

    الوارثون بالنسب من الرجال

    (الابن وابن الابن مهما نزلا والأب والجد له وإن علا)

    (الابن) وهذا بنقل الهمزة حتى يتزن البيت، ( الابن وابن الابن مهما نزلا )، فالابن وابن الابن ولو نزل ابن الابن فكلاهما وارث بالفرعية، أي سبب من أسباب الإرث هنا تحقق فيهما؟ النسب (مهما ما نزلا) معناه: ولو حال بينه وبين الميت عدد من الموتى أو الممنوعين من الإرث، فالابن يرث أباه ولكن ابن الابن لا يرث مع وجود الابن إلا إذا اتصف الابن بمانع، إذا ارتد الابن عن الإسلام فإن ابن الابن يرث مع وجود أبيه، إذا اتصف بالرق أو بمانع من موانع الإرث الأخرى مثل القتل مثلاً فإنه يرث مع وجوده؛ لأن ابن الابن يرث مع وجود الابن، (مهما نزلا) معناه: ولو كان ابن ابن ابن ابن بينه وبين الابن سلسلة وبين الأب سلسلة فإنه يرثه.

    (والأب والجد له وإن علا) كذلك الأب وارث لأبنائه بأي سبب من الأسباب؟ بالنسب، والجد له معناه: الجد غير المفصول بأنثى، وهو أبو الأب وآباؤه إلى آدم عليه السلام، فهذا الجد غير المفصول بأنثى هو أب في الواقع؛ فلذلك يرث بسبب من أسباب الإرث وهو النسب، وهذان داخلان في الأصول، فقد سبق أن النسب يرث به الأصول والفروع والحواشي، فالفروع مثل: الابن، وابن الابن وإن نزلا، والأصول مثل: الأب، والجد وإن علا، وإن علا معناه: جد الأب أو جد أبي الأب إذا لم يكن بينه وبين الميت من يدلي به، مثلاً الأب يحجب الجد، والجد يحجب جد الأب وهكذا، فكل طبقة تحجب التي فوقها.

    (والأخ من أي الجهات كانا)، كذلك الإخوة وهو أجمل هنا فقال: (الأخ من أي الجهات كانا) فعده واحداً، والذين يعدون الوارثين من الرجال خمسة عشر يعدونه ثلاثاً: الأخ الشقيق، والأخ لأب، والأخ لأم، فهؤلاء ثلاثة أجملهم بقوله: (والأخ من أي الجهات كانا) معناه: سواء كان شقيقاً أو لأب أو لأم، فالأخ الشقيق والأخ للأب كلاهما عاصب، والأخ لأم ذو فرض، وسيأتي بيان ذلك.

    (قد أنزل الله به القرآنا)، فجاء ذلك في آيتين من كتاب الله، جاء ميراث الإخوة للأم في قوله: وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوْ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ [النساء:12]، وميراث الإخوة الأشقاء أو لأب بينه الله في قوله: يَسْتَفْتُونَكَ قُلْ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنْ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالاً وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ [النساء:176]، فهذا معنى قوله: (قد أنزل الله به القرآنا).

    (وابن الأخ المدلي إليه بالأب فاسمع مقالاً ليس بالمكذب)

    كذلك ابن الأخ أيضاً فيه التفصيل السابق الذي في الأخ، فالمقصود به: ابن الأخ الشقيق وابن الأخ لأب، ولا يدخل ابن الأخ لأم؛ فإنه من ذوي الأرحام، وسيأتي الخلاف في توريث ذوي الأرحام، لكن ابن الأخ الشقيق وابن الأخ لأب إذا اجتمعا فابن الأخ الشقيق مقدم كما سنذكره إن شاء الله؛ لأن الترتيب إما أن يكون بالقرب الذي يسمى بالدرجة، وإما أن يكون بالجهة؛ أي: جهة الإدلاء، وإما أن يكون بالنزول والعلو؛ فلذلك قال: ( وابن الأخ المدلي إليه بالأب )، فلا يدخل ابن الأخ المدلي إليه بالأم؛ أي: ابن الأخ لأم؛ فإنه لا يرث في الأصل إلا أنه من ذوي الأرحام، وسيأتي الخلاف في توريث ذوي الأرحام، ( فاسمع مقالاً ليس بالمكذب )، فهذا إذاً اثنان في قوله: ( وابن الأخ المدلي إليه بالأب )، ابن الأخ الشقيق، وابن الأخ لأب.

    والعم كذلك من الحواشي من الوارثين بسبب هو النسب، العم: وهو أخو الأب، وهذا ينقسم أيضاً إلى: شقيق، ولأب، فالعم الشقيق والعم لأب كلاهما وارث، وسواء كان العم بالمباشرة، أو كان عم العم وإن علا؛ فلذلك قال: من أبيه، أما العم لأم أخو أبيك لأم فإنه لا يرثك؛ لأنه ليس عماً من جهة الأب، فإذاً هذان أيضاً ينقسمان إلى قسمين: إلى عم شقيق، وعم لأب، وابن عم شقيق، وابن عم لأب، فيكمل بذلك خمسة عشر، لا، بقي الزوج والمعتق، قال: ( فاشكر لذي الإيجاز والتنبيه )، أو ( لذا الإيجاز والتنبيه )، فاشكر، والشكر معناه: الاعتراف بالجميل، فيشمل الدعاء لصاحبه، كأن ندعوا للمؤلف أن يرحمه الله سبحانه وتعالى، وهذا من حق المؤلفين الذين أفادونا بكتبهم، كما قال السيوطي رحمه الله في خاتمة عقود الجمان:

    أزفها لمن نهاه راجح ومهرها منه الدعاء الصالح

    علي إذا صرت رهين الرمس تنفعني دعوته في بؤسي

    نسأل الله أن يغفر لهم أجمعين ويرحمهم.

    و(شكر) من الأفعال التي تعدى بنفسها، وتعدى باللام، فيقال: شكره ويقال: شكر له، فشكر له هي التي جاءت في القرآن: أَنْ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ [لقمان:14]، وشكره مثل قول الشاعر:

    سأشكر عمراً ما تراخت منيتي أيادي لم تمنن وإن هي جلت

    فتىً غير محجوب الغنى عن صديقه ولا مظهر الشكوى إذا النعل زلت

    رأى خلتي من حيث يخفى مكانها فكانت قذى عينيه حتى تجلت

    هذا عمرو بن عثمان بن عفان رضي الله عنهما.

    (سأشكر عمراً) فعداها بنفسها، ويمكن أن تقول: (لذا الإيجاز)؛ أي: لهذا الإيجاز والتنبيه أنني أوجزت، فكان الكلام قليل الألفاظ كثير المعنى، ونبهتك على الشروط والفروق، فأخرج العم للأم، وابن العم للأم، وابن الأخ للأم، فذلك تنبيه على عدم الإطلاق.

    الزوج يرث بسبب النكاح

    (والزوج)، كذلك الزوج، وهو وارث بأي سبب من أسباب الإرث؟ بالنكاح، وارث بالنكاح، بسبب النكاح، سواءً دخل بالمتوفاة أو لم يدخل بها، فالميراث متعلق بالعقد، فإذا تم الإيجاب والقبول فمات أحدهما حصل التوارث مباشرةً، وهنا تأتي مسألة معروفة لدى الحنفية بمسألة الأسكفة، الأسكفة؛ أي: أسكفة الباب، الخروج، وهي أن محمد بن الحسن الشيباني كان يشرح لطلابه لو تزوج رجل بامرأة فعقد عليها وسمى الصداق، فماتت قبل أن يدفع لها الصداق، فهو الآن عليه دين، ذمته مشغولة، وله حق، فهو له حق في ميراثها هي، ولبقية الورثة حق عليه هو بالصداق، فيمكن الصلح بأن يصطلحا بأن لا طالب ولا مطلوب، فما في ذمته هو من الصداق يأخذه مقابل نصيبه من الإرث، وحينئذ تأتي صور؛ لأنه إما أن يكون هو الزائد، أن يكون الصداق زائداً على الميراث، أو العكس، أو مساو له، فإذا كان مساوياً له فلا إشكال، وإذا حصلت الزيادة فلا بد أن يكون ميراثها هي عرضاً في مقابل العين لئلا يقع الربا؛ لأن هذا النوع من الصلح هو بيع في الواقع، فإذا كان نقداً بنقد فيكون رباً إلا هاء وهاء عند محمد بن الحسن، يكون رباً إلا هاء وهاء، إلا أن يكون يداً بيد، وهذه المسألة شرحها وبينها لطلابه، فلما خرجوا قالوا: ما تجاوزت معنا أسكفة الباب؛ لكثرة صورها وتشققاتها.

    نصيب المعتق من الميراث

    (والمعتق ذو الولاء)، كذلك من الوارثين من الرجال المعتق ذو الولاء، معناه: المعتق الأعلى المباشر الذي له الولاء، فالمعتق ومعتق المعتق ومعتق معتق المعتق إلى نهايته هو الوارث، إذا لم يكن للميت وارث من النسب فالمعتق حر، فيرثه وارثه من النسب، فالنسب كما ذكرنا مقدم على السبب، فإذا كان له ابن أو أب أو أخ فإنه يرثه دون معتقه، ومثل ذلك النكاح فهو مقدم على الولاء، فإذا كانت له زوجة فنصيبها دائماً مقدم، وهكذا لو كان هو وارثاً لعتيقته، ولا تعارض بين الفرض والتعصيب، فمحل ميراث المعتق إنما هو في التعصيب، معناه: إذا لم تستحوذ الفروض على أصل المسألة فبقي شيء للعصبة، أما إذا استحوذت الفروع على أصل المسألة كامرأة ماتت ولها زوج وأخت شقيقة وهي معتقة فالزوج كم نصيبه؟ النصف، والأخت الشقيقة كم نصيبها؟ النصف، فلم يبق للمعتق شيء؛ لأن الفروض احتوت على أصل المسألة، (والمعتق ذو الولاء)، وقد سبق الخلاف في المعتق أيضاً الذي ليس له ولاء، لا يملك ولاءً، وهو المعتق بالفتح، يسمى: المولى الأسفل، فقد ذكرنا أن ابن تيمية رأى أنه يرث، واستدل لذلك بحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: ( أن رجلاً مات وله مال، وترك عبداً هو أعتقه، فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ماله ) ليس له وارث سواه، والولاء قطعاً لحمة كلحمة النسب، فهذا القول من ناحية القياس ومن ناحية مقاصد الشرع واضح جداً، فيمكن أن يرجح حتى على مذهب الجمهور؛ لأن العتيق قطعاً بينه وبين معتقه لحمة كلحمة النسب، فهو أولى بماله من أن يجعل في بيت مال المسلمين العام.

    (فجملة الذكور هؤلاء)، أي: هؤلاء جملة الذكور، الفاء داخلة في الأصل على قوله: ( هؤلاء )، وإذا أعربتم هذا الشطر تقولون: فهؤلاء: مبتدأ، جملة الذكور: هي الخبر؛ أي: فهؤلاء جملة الذكور؛ أي: الذكور الوارثين، والرجال هنا لا يقصد بها الرجال بمعناها الشرعي؛ أي: البالغين، بل هي تشمل الصغار، فهم يرثون بهذا الاعتبار الذي سقناه.

    1.   

    الوارثات من النساء

    ثم قال: (باب الوارثات من النساء):

    (والوارثات م النساء سبع لم يعط أنثى غيرهن الشرع )

    (م النساء) أيضاً صححوا الخطأ، (م النساء) ميم فقط.

    ليس في الكلمة نون أصلاً، كلمة (من) لم يبق منها إلا الميم، فتكتب ميماً وحدها.

    (والوارثات م النساء سبع لم يعط أنثى غيرهن الشرع)

    الوارثات من النساء سبع على سبيل الاختصار، وعشر على سبيل البسط كما ذكرنا في الوارثين من الرجال خمسة عشر على سبيل البسط، وعشرة على سبيل الإجمال، ( لم يعط أنثى غيرهن الشرع )؛ أي: ليس من الوارثات في الشرع سواهن.

    الوارثات بالنسب من النساء

    (بنت وبنت ابن)، وهاتان ترثان بسبب هو النسب، وهو نسب الفروع، بنت الابن معناه: ولو نزلت إذا لم تفصل بأنثى أيضاً، (وأم مشفقة) كذلك من الوارثات من النساء الأم، ووصفها بكونها مشفقةً، وهذه تسمى الصفة الكاشفة؛ أي: الصفة العامة في كل الأمهات، فكل أم في أصلها مشفقة على ولدها بسبب رحمة الله جل جلاله، قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيح أنه قال: ( إن الله خلق الرحمة يوم خلقها مائة رحمة، فادخر عنده تسعاً وتسعين رحمةً لعباده المؤمنين في الجنة، وأنزل رحمةً واحدةً في الدنيا، فبها يتراحم الخلائق فيما بينهم، حتى ترفع الدابة حافرها عن ولدها ).

    فالأم مشفقة حتى لو كانت لبؤةً؛ أي: أنثى الأسد، فهي مشفقة على أولادها برحمة الله جل جلاله، وهذه وارثة بأي سبب من أسباب الإرث؟ بالنسب، ومن النسب الأصول.

    نصيب الزوجة من الميراث

    (وزوجة) كذلك من الوارثات من النساء الزوجة، وقد اختلف أهل اللغة في تأنيث الزوج، فالزوج يطلق على ما له نظير، فالنعل زوج يطلق عليهما معاً، وعلى كل واحدة منهما، وهي تطلق على المذكر والمؤنث، وتجمع على أزواج، ولكن من النادر تأنيثها أن يقال: زوجة، وقد ورد ذلك في عدد من الأحاديث في الصحيح، كحديث زينب امرأة ابن مسعود وفيه: (زوجة غلام) بإثبات التاء، وقد ورد في ذلك شواهد من اللغة، مثل قول الشاعر:

    يا صاح بلغ ذوي الزوجات كلهم أن ليس وصل إذا انبتت عرى الذنب

    (يا صاح بلغ ذوي الزوجات) فجمعها فهذا يدل على أن مفردها مؤنث بالتاء.

    ومثل ذلك قول الآخر:

    فإنك إذ تسعى لتفسد زوجتي

    فأنثها وأضافها.

    (وزوجة) سواء انفردت أو تعددت، فهي وارثة بسبب من أسباب الإرث وهو النكاح.

    نصيب الجدة والمعتقة من الميراث

    (وجدة) كذلك من الوارثات من النساء الجدة، وهذه فيها تفصيل، فالجدة أم الزوجة، والجدة أم الأم، والجدة أم الأب وارثتان بالاتفاق، والجدة المفصولة برجل وهي من جهة الأم كأم أب الأم، أو نحو ذلك لا ترث، وعند الحنابلة تفصيل في هذه المسألة سنذكره في ميراث الجدات إن شاء الله، فإنهم يجوزون أن يجتمع في الفريضة الواحدة أربع جدات يرثن السدس، نعم يقع الانكسار على أكثر من صنفين، فيكون الانكسار على الزوجات، وعلى الجدات، وعلى الإخوة والأخوات يقع الانكسار كما سيأتينا إن شاء الله.

    (وجدة ومعتقة) كذلك من الوارثات من النساء المعتقة ومعتقة المعتقة، ومعتقة معتقة المعتقة.. إلى آخره، فالجدة تشمل أم الأب، وأم الأم، والمعتقة تشمل أيضاً معتقة المعتقة إلى تسلسلها، والمعتقة أيضاً على الخلاف الذي سبق، وهي ترث بسبب من أسباب الإرث وهو الولاء.

    نصيب الأخت من الميراث

    (والأخت من أي الجهات كانت)، الأخت على سبيل الإفراد واحدة، وهي على سبيل التفصيل ثلاثة في الواقع: الأخت الشقيقة، والأخت لأب، والأخت لأم، فالأخت الشقيقة والأخت لأب كلتاهما قد بين الله ميراثها في الآية الثانية في سورة النساء، والأخت لأم بين الله ميراثها في الآية السابقة في الآية الأولى.

    (من أي الجهات كانت فهذه عدتهن بانت)

    أي: فهذه عدة النساء، بانت؛ أي: ظهرت، وقد ذكرنا الإجمال أنها على سبيل البسط عشر، وعلى سبيل الإجمال سبع.

    وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.

    وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا إيماناً ويقيناً وصدقاً وإخلاصاً، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755962797