إسلام ويب

أسماء الله الحسنى - السميعللشيخ : عبد الحي يوسف

  •  التفريغ النصي الكامل
  • الله سبحانه وتعالى هو السميع، لا تخفى عليه خافية، يسمع دعاء المضطر فينجيه، وتأوه المكلوم فيعافيه، فليراقب المؤمن أقواله وليصحح أعماله وأفعاله، فإن الله يراه ويسمعه، ولا يعجز أن يدعو ربه فإنما يدعو قريباً سميعاً مجيباً.

    1.   

    معنى اسم الله (السميع)

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    أما بعد:

    فأسأل الله سبحانه أن يجعلنا من المقبولين!

    الاسم الحادي والثلاثون من أسماء ربنا جل جلاله: (السميع), وهذا الاسم المبارك ورد في القرآن خمساً وأربعين مرة, مقروناً باسمه العليم أو اسمه البصير أو اسمه القريب, أو غير ذلك من الأسماء كما في دعاء الخليل عليه السلام مع ولده إسماعيل بعدما رفعا القواعد من البيت قالا: رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ[البقرة:127]، قال الله عز وجل: وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ[الحج:61].

    والسمع للإنسان وغيره من المخلوقات هو حاسة الأذن, أو ما وقر في الأذن من شيء تسمعه, فيقال: رجل سميع أي سامع, ويقال: سماع إذا كان كثير الاستماع لما يقال, فإذا قلنا بأن الله عز وجل (سميع) فمعنى ذلك أنه: سميع لأقوال عباده, وهو سبحانه يسمع السر والنجوى, سواء عنده الجهر والخفوت, والنطق والسكوت.

    وقد يكون السماع في حقه جل جلاله بمعنى: الإجابة، كما في قول النبي صلى الله عليه وسلم في دعائه: ( اللهم إني أعوذ بك من قول لا يسمع )، وكما يقول المصلي إذا رفع من الركوع: ( سمع الله لمن حمده ) فسمع هنا بمعنى: أجاب.

    قال ابن القيم رحمه: فعل السماع يراد به أربعة معان:

    أولها: سمع إدراك وهو متعلق بالأصوات, ومنه قول الله عز وجل: قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا[المجادلة:1].

    ثانيها: سمع فهم وعقل, ومتعلقه بالمعاني, ومنه قول الله عز وجل: لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انظُرْنَا وَاسْمَعُوا[البقرة:104], أي: اعقلوا عن الله عز وجل أمره وتأدبوا بهذا الأدب.

    ثالثها: سمع إجابة وإعطاء ما سئل, ومنه قولنا: سمع الله لمن حمده.

    رابعها: سمع قبول وانقياد, ومنه قوله تعالى عن اليهود عليهم لعائن الله: سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ[المائدة:42], (سماعون للكذب) أي: قابلون للكذب منقادون له.

    1.   

    آثار الإيمان باسم الله (السميع)

    فإذا آمنت أيها المسلم! بأن الله سميع فإن لهذا الإيمان آثاراً:

    أولاً: إثبات صفة السمع لربنا جل جلاله كما وصف بها نفسه.

    ثانياً: أن تعتقد يقيناً أن سمعه جل جلاله ليس كسمع أحد من المخلوقات, فالله عز وجل سميع وأنت سميع، كما قال سبحانه: إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا[الإنسان:2], لكن شتان بين سمع وسمع, شتان شتان بين سمعك أيها الإنسان! وبين سمع ربنا الرحمن.

    يقول أبو القاسم الأصبهاني رحمه الله في بيان الفرق بين سمع الله وسمع الإنسان: خلق الإنسان صغيراً لا يسمع, فإن يسمع فإنه لا يعقل ما يسمع, وهذا معلوم, فالطفل لما كان صغيراً فإنه لا يسمع, ثم بعد ذلك يسمع ولكنه لا يعقل ولا يميز, فإذا عقل ميز بين المسموعات فأجاب عن الألفاظ بما تستحق, وميز الكلام المستحسن من المستقبح, ثم كان لسمعه مدى فإذا جاوزه لم يسمع, يعني: لو كلمني إنسان ها هنا سمعت, لكن لو كان بعيداً فلا أسمع, ثم إن كلمه جماعة في وقت واحد عجز عن استماع كلامهم وعن إدراك جوابهم, فهذا سمع الإنسان.

    أما ربنا جل جلاله فهو سميع لدعاء الخلق وألفاظهم, عند اجتماعهم وتفرقهم, مع اختلاف ألسنتهم ولغاتهم, يعلم ما في قلب القائل قبل أن يقوله, ويعجز القائل عن التعبير عن مراده فيعلمه الله فيعطيه الذي في قلبه, والمخلوق -أنا وأنت- يزول عنه السمع بالموت, فإذا مات لا يسمع, والله تعالى لم يزل ولا يزال يفني الخلق ويرثهم, فإذا لم يبق أحد قال: لِمَنِ المُلْكُ الْيَوْمَ[غافر:16], فلا يكون من يرد، فيقول: للهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ[غافر:16], يجيب نفسه بنفسه جل جلاله.

    ثالثاً: أيها الإخوة الكرام! نحن نعبد إلهاً موصوفاً بالكمال, ومن كماله أنه سميع بصير, أما من يعبدون غير الله ومن يشركون مع الله غيره فإنهم يدعون مخلوقات لا تسمع ولا تجيب.

    وقد حدثنا بهذا القرآن الكريم، كما في قول إبراهيم عليه السلام في وصف آلهة المشركين: قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ * أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ[الشعراء:72-73]. وقال الله عز وجل: أَلَهمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا[الأعراف:195].

    وقال في آية ثالثة: إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ[فاطر:14], وقال الله في آية رابعة: وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ[الأحقاف:5].

    أيها الإخوة الكرام! المشركون لسوء ظنهم بالله ظنوا أنه سبحانه فقط يسمع الكلام الذي يكون جهاراً, أما الكلام الذي يكون سراً أو مخافتة أو نجوى فلا يسمعه جل وعلا.

    قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: ( اجتمع عند البيت ثقفيان وقرشي, كثيرة شحم بطونهم, قليلة فقه قلوبهم, فقال أحدهم: أترون أن الله يسمع ما نقول؟ قال الآخر: يسمع إن جهرنا ولا يسمع إن أخفينا ..), هذا ظنه بالله قاتله الله, ( وقال الآخر وهو أعقل: إن كان يسمع إذا جهرنا فإنه يسمع إذا أخفينا, فأنزل الله عز وجل: وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللهَ لا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ * وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ[فصلت:22-23] ).

    أيها الإخوة الكرام! الله عز وجل هو السميع, يسمع السر والنجوى, يجيب الدعاء عند الاضطرار, ويكشف السوء ويقبل الطاعة, وقد دعاه أنبياؤه فاستجاب لهم, فهذا نبي الله يونس دعاه وهو في بطن الحوت، قال الله: فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ[الأنبياء:87]، فقال الله عز وجل: فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي المُؤْمِنِينَ[الأنبياء:88], ونوح عليه السلام لما دعا استجاب الله له ونجاه وأهله من الكرب العظيم, وكذلك لوط عليه السلام, لما دعا فقال: رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ * فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا وَنَجِّنِي وَمَنْ مَعِيَ مِنَ المُؤْمِنِينَ[الشعراء:117-118], قال الله عز وجل: وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ[الأنبياء:74].

    رابعاً: مراقبة الله تعالى فيما يقوله اللسان, سواء أسر القول أو جهر به, وسواء كان في جماعة أو في خلوة, قال الله عز وجل: مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا[المجادلة:7], وقال: سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ[الرعد:10].

    خامساً: أن تلجأ إلى الله عز وجل في حاجتك, إذا كانت لك حاجة يسيرة أو عظيمة فباب الله مفتوح, وهو يسمع من يدعوه, وقد كان الصحابة يرفعون أصواتهم إذا دعوا, فقال عليه الصلاة والسلام: ( أيها الناس! أربعوا على أنفسكم, فإنكم لا تدعون أصم ولا غائباً, ولكن تدعون سميعاً قريباً ).

    وفي الحديث ( أن الصحابة قالوا: يا رسول الله! أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه؛ فأنزل الله عز وجل قوله: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ[البقرة:186] ).

    سادساً: أن تصبر على ما تلاقيه من أذى الخلق, سواء كان من الكفرة أو من المنافقين أو من الفاسقين, سواء سبوك أو شتموك, طعنوا في عرضك أو بهتوك، أو ظلموك واتهموك؛ لأنك توقن بأن الله عز وجل يسمع ولا يخفى عليه شيء, وسينصفك أيها المؤمن! إن عاجلاً أو آجلاً.

    ولذلك نبي الله موسى لما أمره الله بالذهاب إلى فرعون مع أخيه هارون: قَالا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى[طه:45], فماذا قال الله عز وجل: قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى[طه:46]، وقال تعالى: أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ[الزخرف:80].

    أسأل الله إيماناً صادقاً! وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    الأكثر استماعا لهذا الشهر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756362380