إسلام ويب

شرح منظومة الزمزمي [5]للشيخ : مساعد الطيار

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من المباحث المهمة في باب علوم القرآن ما يتعلق بـ: غريب القرآن، والمجاز في القرآن، وكذلك الاستعارة والتشبيه واللفظ المشترك، وتبرز الأهمية من جهة ما لبعضها من تأثير في المعنى. أما ما يرجع إلى الأحكام فيعد مبحث العام الباقي على عمومه، والعام المخصوص، والعام الذي أريد به الخصوص من المباحث التي تناولها العلماء وأفردوا لها مساحة من الكلام، والواقع أنها ليست مختصة بالأحكام.

    1.   

    الغريب في القرآن

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين.

    قال المؤلف رحمه الله تعالى:

    [ العقد الرابع: ما يرجع إلى الألفاظ، وهي سبعة:

    الأول والثاني: الغريب والمعرب.

    يرجع للنقل لدى الغريب ما جاء كالمشكاة في التعريب

    أواه والسجل ثم الكفل كذلك القسطاس وهو العدل

    وهذه ونحوها قد أنكرا جمهورهم بالوفق قالوا: احذرا ].

    العقد الرابع كما ذكر الزمزمي رحمه الله تعالى: (ما يرجع إلى الألفاظ)، وما يرجع إلى الألفاظ هنا، أي: من جهة العربية؛ لأنه سيأتينا ما يرجع إلى الألفاظ أيضاً، لكن من جهة الأحكام، وهي سبعة كما ذكرها.

    مصدرها الأول والأصل كما ذكر البلقيني (الأول والثاني: الغريب والمعرب).

    المقصود بالغريب

    والغريب: المراد به هنا: معنى الألفاظ التي يحتاج إلى البحث عنها في اللغة كما ذكر السيوطي في إتمام الدراية.

    ولو تأملنا ألفاظ القرآن من جهة معرفة الناس بها، فإن هناك من ألفاظ القرآن كما قال ابن عباس : ما تعرفه العامة، يعني: عامة الناس يعرفونه، مثل: السماء والأرض، والماء والبحر، هذا لا يكاد يخفى على أحد، وهناك نوع لا يعرفه إلا العارف باللغة، وهذا الذي يسمى عند العلماء: بغريب القرآن.

    والغرابة نسبية، فما يكون غريبًا عندك، قد لا يكون غريبًا عند صاحبك، وما يكون غريبًا عند التابعين، لا يكون غريبًا عند الصحابة، وما يكون غريبًا عند بعض الصحابة، قد لا يكون غريبًا عند آخرين منهم.

    فإذاً: الغرابة نسبية، ولا إشكال في إطلاق لفظة الغريب على القرآن، وقد تتابع العلماء على هذا المصطلح، والغرابة نسبية كما ذكرنا، وليس معنى الغريب هنا ما ذكره بعض أئمة اللغة في كتبهم في فقه اللغة في غريب الألفاظ الذي يساوي الحوشي من الألفاظ، يعني: الألفاظ التي لا تكاد تنطق بها العرب، فهي قليلة الورود والدوران عندهم، أو تكون هذه الألفاظ مما يستخدمه الأعراب، وتكون فيها معاني، أو اللفظ يكون فيه إشكال من جهة النطق به، مثل (الهعخع) كما ذكره وغيره، هذا لا يوجد في القرآن، وهو نوع من الغريب، لكنه يعتبر من الكلام المستوحش أو الحوشي كما يذكره علماء اللغة. فهذا النوع خليٌ كتاب الله سبحانه وتعالى منه ولا يوجد فيه.

    إذاً: حينما نقول نحن: غريب القرآن، لا نقصد به هذا النوع، وإنما نقصد به النوع السائد والغالب الذي قد يخفى على بعض الناس دون بعض، والغرابة تكون نسبية بالنسبة للمتلقي، ولا يلزم أن تكون غريبة بمعنى: أن اللفظة هذه لا يعرف معناها أبدًا، أو أن تكون من النوع الذي ذكرته سابقاً.

    مصادر معرفة معاني الغريب

    يرجع في الغريب إلى النقل كما ذكر الإمام السيوطي هنا، وفيه كتب، من أشهر تصانيفه: غريب العَزيزي ، أو العُزيزي، وهو لـابن عزيز السجستاني ، وكتابه طُبع بتحقيقات متعددة، فهو كتاب مشهور ومتداول، يقول: وهو محرر سهل المأخذ.

    وعندي في هذا نظر، ليس سهل المأخذ، كتاب ابن عُزيز من جهة معرفة الطالب لمكان اللفظة ليس سهلًا؛ لأنه رتبه: المفتوح، فالمضموم، فالمكسور، وأيضًا: لم يرتبه على أصل الكلمة، وإنما على استخدامها، يعني: (استحوذ) ستكون في باب الألف المكسورة التي سيكون بعدها السين؛ ولو كنت تمشي على الأصل ستذهب إلى مادة (ح و ذ) وترجع إلى أصلها.

    المقصود: أن قضية كونه (سهل المأخذ) إن كان يقصد سهولة الوصول إلى الكلمة القرآنية فيه، فهذا ليس بدقيق؛ لأن الوصول إلى الكلمة فيه صعوبة؛ لأنه بناه على قضية الحركات، وأيضًا بناه على صيغة الكلمة، ولم يبنه على أصلها، هذه القضية الأولى.

    القضية الثانية: أن هذا الكتاب قد لقي تقويمًا من بعض العلماء، ورفعوا من شأنه؛ لأن أبا بكر الأنباري، وهو من كبار علماء اللغة الكوفيين، قد قُرِئ عليه هذا الكتاب، ومصنفه حرره في سنوات، ولكن المتأمل فيه لا يجد قدرًا زائدًا على غيره من الكتب، بل إن بعض الكتب أبرع منه في نظري، وأكثر فائدة وغزارة مثل كتاب ابن قتيبة ، وهو قبله، ولا يكاد يوجد فيه شواهد شعرية إلا قليل جدًا، وليس هو بالنفيس كما ذكر هؤلاء، لكن هكذا كان نظر بعض العلماء لهذا الكتاب.

    وهناك ما هو أنفس منه بمراحل، وهو كتاب الراغب الأصفهاني ، وأنا أستغرب من أن السيوطي مع معرفته بهذا الكتاب لم يشر إليه هنا، وما ذكره من كتاب أبي حيان ، فهو بالفعل كتاب لطيف يصلح أن يكون للمبتدئ، لأنه مختصر جدًا، ومشى فيه على ترتيب (أ، ب)، فهذا يمكن أن يُجعل عمدة لمن أراد أن يبحث عن المختصرات في غريب القرآن، أعلاها شأنًا هو كتاب الراغب الأصفهاني؛ لاعتبارات ليس هذا محلها.

    ومن أنفسها أيضًا: كتاب ابن قتيبة ، ومن أسباب نفاسته أنه اعتمد على تفسير السلف في بيان معاني غريب القرآن، فجمع بين المأثور عن السلف، وما كتبه علماء اللغة، كـأبي عبيدة معمر بن المثنى وغيره، فجمع بين قول هؤلاء وهؤلاء.

    ومن نفاسته: أنه يعد من كتب الاختيار؛ لأنه نص على الاختيار، وأنه يختار التفسير المناسب، وهذا أيضًا يحسب له، فضلًا عن أنه اعتمد على تفسير ابن عباس و مجاهد و قتادة و عكرمة وغيرهم، وإذا وقع خلاف بينهم فإنه يختار من أقوالهم، والاختيار هو أحد طبقات الاجتهاد في التفسير.

    وهناك تفاصيل في قضية الغريب بالذات أو ما يتعلق بمفردات القرآن، ولعل الله سبحانه وتعالى ييسر أن أكتب مقدمة لغوية للمفسر، يعني: من أراد أن يفسر القرآن، ما هي المقدمة اللغوية التي يحتاجها لكي يفهم ما في التفاسير، أو أيضًا يستطيع أن يتعامل مع الخلاف الذي يرد في التفاسير من جهة مفردات اللغة؟ ولعلي أشير إلى بعضها فيما سيأتي إن شاء الله من القضايا المتعلقة بالعلوم العربية في هذا الكتاب.

    1.   

    المعرب في القرآن

    المعرب: -كما قال- بتشديد الراء، وهو لفظ استعملته العرب في معنىً وضع له في غير لغتهم.

    الخلاف في وقوع المعرب

    واختلف في وقوعه في القرآن، والاختلاف مشهور وقديم ومعروف، وبعض العلماء كان يشدد النكير في هذا، مثل أبي عبيدة معمر بن المثنى في مقدمة كتابه؛ فقد شدد النكير على من يرى وجود المعرب في القرآن، وكأن هذا أحد أسباب تأليفه لمجاز القرآن، لكي يبين أنه لا يوجد في القرآن لفظ غير عربي، فكل الألفاظ عنده عربية.

    وقوم آخرون: قالوا بوجود المعرب، واستدلوا بالأسماء التي حكى علماء العربية أنها أعجمية وأنها ممنوعة من الصرف للعلمية والعجمة مثل: (إبراهيم، وإسحاق، وإسماعيل) وأمثالها، وكذلك أن بعض السلف نص على ذلك كـابن عباس و عكرمة و سعيد بن جبير وغيرهم، فقد نصوا على بعض الكلمات فقالوا: هي بلغة الحبشة كذا، هي بالسريانيةكذا، هي بالطورانية كذا.. وهكذا، فموجود عندنا نقل واضح جدًا في أنه يوجد في القرآن ما ليس عربيًا.

    وآخرون قالوا: إن هذا جاء من باب توافق اللغات.

    و الطبري -وهو مذهب أبي عبيدة قبل- انتصر له واحتج بحجة عقلية، وهي أن من ادعى أنه خاص بلغة العرب، فعليه من الدليل مثل ما على من ادعى أنه من غير لغة العرب، فمن ادعى أنه ليس من لغة العرب عليه الدليل، ومن ادعى أنه من لغة العرب وأخذه قوم آخرون فعليه الدليل.

    إذاً: كان الطبري يرى أن هذا مما تتوافق فيه اللغات، وتوافق اللغات لا يمكن أن يجري إلا إذا كان الأصل الذي أخذت منه هذه اللغات واحدًا؛ لأنه لا يمكن التوافق في عدد من الألفاظ، إلا أن يكون الأصل الذي أخذت منه واحدًا، وقد انطلق معاصرون من هذه الفكرة إلى تأسيس نظرية جديدة في المعرب، وهي توافق من قال بتوافق اللغات، وهي مكملة لفكرة من رأى توافق اللغات، ومؤصلة لمن قال: بأنه لا يوجد في القرآن أعجمي. بمعنى: أن من قال بتوافق اللغات، ومن قال: بأنه لا يوجد في القرآن أعجمي، مثل أبي عبيدة ، هذا القول المعاصر يخدم هذين الطرفين، ويوصل في النتيجة النهائية إلى أنه لا يوجد في القرآن كلمة ليس لها أصل عربي، لكن يمكن أن يكون حدث لها تعجيم، مع كون أصولها الأولى عربية، هذا الرأي معاصر وأدلته قوية جدًا، وهي مرتبطة بقضية فقه اللغات القديمة، وليس هذا محل شرحها؛ لأنه يطول الأمر فيها، ولكن سأشير فقط إلى مثال لكي نتبين هذه الفكرة الجديدة.

    فالمثال الآن في (إسماعيل)، إسماعيل أصل نطقه: (يسمع إيل)، ويسمع كلمة عربية من السماع، وإيل: يطلق على الله سبحانه وتعالى في اللغات القديمة، وموجود في لغات العرب القديمة، ولكنه مما قل استعماله عند العرب، وإذا نظرنا بعض الأسماء العربية في التعبيد، مثل (عبد يا ليل) وأمثالها، نجد أنها ما زالت موجودة عند العرب، لكن استعمالها قليل، وكثر استعمال (إيل) في منطقة الشمال، يعني: في الشام منذ القدم، وهي ترجع إلى الأصول الأولى للعربية، فتتفق مع عربية القرآن في أصل الاشتقاق هذا.

    المقصود الآن: أن لفظة (يسمع إيل) إذا نطقناها بهذا النطق فواضح أنها عربية، لكن حصل لها نوع من التحوير عند أصحاب هذه اللغة في الشمال حتى تحولت إلى إسماعيل، تحورت عند عرب قريش، عرب التنزيل، من (يسمع إيل) إلى (إسماعيل)، فهذا التحوير جعلها غير مبنية على تصريف لغة العرب المعروفة، فادعي عليها العجمة، وإن كان أصلها عربياً.

    فإذاً: يمكن أن نقول: إن هذه الكلمة أصولها عربية، لكن حصل لها نوع من التحوير، فتحولت من الصيغ العربية التي كانت في عهد التنزيل إلى صيغة غير موجودة في العربية، فادُّعي عليه العجمة من هذه الجهة، فإذا فهمنا العلم الأعجمي بهذا الأسلوب، واستطعنا أن نطبق هذه الفكرة على كل كلمة قيل: إنها أعجمية ووصلنا فيها إلى هذا الحل، غير الكلمات التي قيل فيها إنها أعجمية وليست أعجمية، لكن ما ثبت أنه بالفعل فيه إشكال في عجمته، إذا ثبت عندنا في مجموع الكلمات، فهذا يدل على أن هذه الكلمة أصالة عربية، ولكنها مع الزمن تحورت إلى أن صارت تنطق بهذا النطق الذي لم يتوافق مع تصريف عربية التنزيل، لكنه قد يتوافق مع تصريف عربية ما قبل التنزيل؛ لأن عربية ما قبل التنزيل لا يلزم أن تكون موافقة في كل قضاياها النحوية والتصريفية لعربية التنزيل.

    قاعدة معرفة الأعجمي من الكلمات والألفاظ

    وما ذكر من كلمات قيل إنها غير عربية، مثل: كِفل، ومثل: أواه، فهنا أيضًا قاعدة مهمة ننتبه لها، وهي: أن تصرف الكلمة في اللسان العربي دليل على عربيتها.

    فمثلًا: (ذو الكفل) مأخوذة من مادة: (كَفَلَ: يَكْفُلُ، كِفْلًا، فهو كافل ومكفول)، فمادة (كَفَلَ) تتصرف في لغة العرب، أما حين تأتي إلى لفظة إبراهيم أو إسماعيل وترجع إلى المعجم العربي، فإنك لا تجد أن إبراهيم أو إسماعيل يتصرف مثل ما تتصرف مثل هذه الكلمة، مما يجعلك هناك تميل إلى القول بالعجمة، وهنا تقول: لا، هذه الكلمة ليست أعجمية.

    فإذاً: هذه من الضوابط التي يعرف فيها: هل الكلمة بالفعل أعجمية، أو ليست بأعجمية؟ فإذا وجدنا تصرفها في لغة العرب كثيرًا، فإنه مما يثبت عربيتها، وأن ادعاء العجمة عليها ليس بصواب.

    رأي الطبري في تعامله مع آثار السلف الواردة في المعرب

    يبقى عندنا أيضًا من القضايا المرتبطة بهذا: ما ذكر عن بعض السلف، كـابن عباس وغيره: حكاية عجمة بعض كلمات القرآن، كيف نتعامل معها؟

    مذهب الطبري رحمه الله تعالى: أنه يقول: إن من ذكر أن هذه الكلمات بغير لغة العرب، إنما أراد أن يشير إلى أن ما هو موجود عند العرب موجود عند هؤلاء فقط، ومن قال: بأنها بلسان الحبشة، أو بلسان الروم، أو بلسان السريانية، أو بلسان الفرس، لم ينفِ أنها عربية، فمن تكلم من السلف في أنهم وصفوا بعض الكلمات بأنها بلغة كذا، وبلغة كذا، قال: لم ينفِ، فعدم نفيه يستدل به الطبري على أنها عربية، ولكنها أيضًا مما نطقت به تلك اللغة، وهذا مذهبه في هذه القضية وتخريجه لأقوال السلف إذا جاءت على هذا المنوال، هو ذكرها في المقدمة، ثم بعد ذلك لم يرجع إلى ذكر هذه الفكرة، وإنما يروي الآثار، أثرًا بعد أثر دون أن يعلق عليها هذا التعليق، ولهذا لا بد من فهم هذا المنهج في رأي الطبري في المعرب من خلال مقدمته، وهذا هو باختصار رأي الطبري في تعامله مع آثار السلف الواردة في المعرب.

    بعض الكتب المؤلفة في المعرب

    والسيوطي رحمه الله تعالى كتب كتابًا في المعرب، وأيضاً نظم أبياتاً، ولكن كثيراً مما ذكر هو أو غيره أنه ليس عربي الأصل، ليس كذلك، بل هو عربي الأصل، ولهذا أنكر عليه وعلى غيره كثرة ذكر المعرب في القرآن، وهو في الحقيقة أصلي عربي بلا ريب.

    ومما كتب (معرب القرآن عربي أصيل) وهو كتاب نفيس جدًا في هذا الباب، نبه فيه المؤلف على بعض الضوابط التي تدل على تأصيل الكلمة عربيًا، ومنها: الضابط الذي ذكرته لكم في قضية تصرف اللفظة.

    وممن ذهب إلى المذهب السابق، وهو ما يمكن أن يسمى برحلة الكلمة وتعريبها، يعني: أن لها أصولاً عربية ثم أصابتها العجمة، ثم رجعت إلى لغة العرب معجمة، الدكتور علي ... وله كتابات في هذا كثيرة جدًا، من أهمها موضوع: هل في القرآن أعجمي؟ والكتاب للأسف مع أهميته ونفاسته، فإن توزيعه ضعيف عندنا في السعودية حتى في المعارض لا تكاد تجده، ولعله إن شاء الله ينزل على صيغة (بي دي إف) في النت فيستفاد منه؛ لأنه كتاب نفيس في هذا الباب، والدكتور علي فُتح له في هذا الباب، أي: في موضوع قضية تأصيل الكلمات العربية في كثير من اللغات القديمة، وله في هذا طبعًا مسلكه ومنهجه.

    أيضًا هناك غيره ممن ذهب هذا المذهب، وهم متفقون على أصل، ثم قد يختلفون في طريقة تأصيل هذه الكلمات من جهة عربيتها، فيمكن القراءة في هذه الكتب للاستفادة منها فيما يتعلق بالمذهب الجديد في المعرب. هذا باختصار ما يتعلق بالمعرب.

    1.   

    أثر الغريب والمعرب في التفسير

    لكن لو رجعنا إلى الغريب: هل له أثر في التفسير أو لا؟

    الغريب هو من أصول التفسير قطعًا، يعني: من الأصول التي يجب على المفسر أن يرجع إليها، يعني: من لا يعرف غريب القرآن، لا يمكن أن يفسر القرآن.

    كذلك المعرب، هل له أثر في التفسير؟ الجواب: لا، هذا هو الأصل؛ طبعًا إذا حررنا ووقفنا عند بعض الكلمات يمكن أن يقال: إنها معربة، وسنجد أنها ترتبط بأسماء أعلام، أو أماكن، أو آلات، مثل: (المشكاة، سندس، إستبرق، إبراهيم، إسماعيل)، وكل هذه لا أثر لها في المعاني ولا في الأساليب، ولهذا حكاية كون هذه الكلمة من المعرب -إذا عُرِفَ المراد منها- لا يؤثر على المعنى، فالمعرب من علوم القرآن من هذه الجهة، ولكن دِلالته، إذا كان له دلالة مثل (سجيل)، لو قيل: إنها أعجمية، فإنه سيكون له أثر؛ لأن معرفة الدلالة والمراد بسجيل جزء من علم التفسير.

    والمعرب إذا نظرنا إليه على حسب الاختلاف الواسع عندنا، الأصل فيه: أنه من علوم القرآن، لكن قد يدخل بعض الألفاظ التي ذُكِرت في علم التفسير؛ لأنه مبني عليها دِلالة، ومع التحرير والتحقيق سنجد أن أغلب المعرب الذي يُبنى عليه دلالة هو من العربية أصالة، وليس من غيرها، أما الذي لا يؤثر على المعنى: مثل الأسماء، فإنها لو قيل بأعجميتها فلا يؤثر.

    1.   

    وقفة مع كلام المستشرقين في المعرب

    وهنا فائدة: أن المعرب اتخذه المستشرقون مطعنًا -فيما يزعمون- من المطاعن في القرآن، ولهم في ذلك أشياء مضحكة جدًا.

    ومع الأسف هذا الشيء المضحك يكون عند قوم من باب العلم، مع أنه لا يتناسب إطلاقًا مع المنهج العلمي، ولهذا أنبه وأحذر في هذه المسألة من أن المستشرقين يدلسون علينا من حيث لا نشعر، فنحتاج أن نتنبه، حينما يتكلمون على القرآن دخلوا في هذا الباب وأفاضوا فيه، فجعلوا لفظة (سكين) ولفظة (سجيل) وأمثالها التي حكاها المتقدمون وغيرها، يعني: لم يقفوا عند ما ذكره المتقدمون، بل زادوا وجعلوها من غير لغة العرب، وأنهم بزعمهم؛ لأنهم لا يؤمنون بأن القرآن كلام الله سبحانه وتعالى، فيقولون: إن محمدًا صلى الله عليه وسلم سمع هذه الكلمة من الآراميين، فأخذها وهو لا يعرف المراد منها، وتكلم بها، وهذه أحد أقاويلهم في بعض الكلمات القرآنية، وهذا لا شك أنه في الفعل مما يضحك، كيف يكون هذا الكلام الذي يقولونه صحيحاً، ومحمد صلى الله عليه وسلم ينطق صباح مساء أمام قريش: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [يوسف:2]، ولو كان ما يقولونه حقًا لوقف أمامه صناديد قريش، بدلًا من أن يسفكوا دماءهم أمام هذه الدعوة، ويقولون: أنت تقول: إن القرآن عربي، وتكلمنا بغير العربية، لم يحتج أحد من قريش بهذه الحجة، مما يدل على أنه لو لم تكن من لغتهم هذه الكلمات الموجودة، والتي يدعى أنها معربة، وأنهم يعرفونها من لغتهم، لو لم تكن من لغتهم لاحتجوا على الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك، فهم ادعوا أنه أساطير الأولين، وادعوا أنه شعر، وادعوا أنه كذب، وادعوا أنه يعلمه بشر، وهذه دعاوى كثيرة، وهو يقول لهم: (قُرْآنًا عَرَبِيًّا)، ويسمعونه، ولا ينبري واحد منهم. ما يذكر لا في القرآن ولا في السنة، ولا في السيرة، أن أحدًا منهم اعترض عليه في هذا المجال، فعدم اعتراض القوم عليه صلى الله عليه وسلم يدل على أنه كله عربي؟

    فإذاً: دعوى المستشرقين في هذا، دعوى ضعيفة ومتهالكة، لكن تحتاج طبعًا إلى الذي يقرأ كتبهم، ويبدأ يناقشهم مناقشات كثيرة جدًا، هذه أحد الأدلة الكلية.

    يأتي المستشرق إلى كلمة مثل (الفرقان)، ويدعي أن محمدًا صلى الله عليه وسلم أخذ هذه الكلمة من الآرامية، التي هي لغة -فيما يدعون- عيسى عليه الصلاة والسلام.

    والآرامية في حقيقتها هي إحدى اللهجات العربية القديمة، لكنهم هم يصورونها على أنها لغة مستقلة، منفصلة عن لغة شبه الجزيرة العربية، وكأنها مثل ما نقول: اللغة الألمانية واللغة العربية، وهم يريدون أن يصوروا لنا: أن لغات العالم القديم في جزيرة العرب والعراق والشام مختلفة ومتباينة مثل ما تتباين الآن لغة الألمان عن لغة العرب، والحق أن الأمر ليس كذلك، بل كل هذا المحيط، وكذلك مصر معه، كانت لغتها واحدة مشتركة، وهي مجرد عدة لهجات كما نشاهده اليوم.

    ولو افترضنا أن (الفرقان) آرامية، وهي كذلك؛ لأن هناك اشتراكاً في اللغات، هل هي الآن أصل في الآرامية، فانتقلت العربية، عربية القرآن، أو هي أصل في عربية القرآن، وأصل في آرامية لسان عيسى عليه الصلاة والسلام، وكِلا هذين الأصلين أصل مشترك مع أصول أخرى في نفس اللهجات المتعددة، وهذا هو الصواب: أن لفظة (الفرقان) أصل في هذه اللهجات المتعددة، لكن تلك اللغات ماتت، وبقيت لغة القرآن هي الحية، وكما قلت في قضية تصرف اللفظة، انظر مادة: (فرق) في لغة العرب، هل هي كثيرة التصرف، أو قليلة التصرف؟ يعني: افتح لسان العرب في مادة (فرق) وانظر كم فيها من التصرفات، مما يدل على أصالتها، فلا يمكن أن تكون مادة (فرق) التي منها (الفرقان) أن تكون لفظة مأخوذة من الآرامية بحال أبدًا.

    فإذا بحثنا عن كل كلمة بهذه الطريقة، فسيدلنا البحث العلمي على أن المستشرقين يدلسون ويفترضون افتراضات وهمية لا وجود لها، وأيضًا حينما يتكلمون عن هذا، يتكلمون وكأنهم شمس تسطع على جميع لغات العالم، فعرفوا: أن محمدًا صلى الله عليه وسلم بزعمهم أخطأ في قراءة الكلمة، وأنه فهم هذه الكلمة خطأ، وأنه لما أراد أن يكتب هذه الكلمة أخطأ الذي سمعه منه، فكتب هكذا، وهذه افتراضات لا ينقضي منها الواحد منا عجبًا، وهي أشبه أحيانًا بخربشات الصبيان، لكن مع الأسف صار ما يكتبونه هو العلم، والمنهج العلمي السليم، هو منهجهم، ونحن لا ننكر أن عندهم منهجاً، لكنه ليس هو المنهج الصحيح دائمًا، وما أقاموه على كتابهم، ممكن أن يقبل؛ لأن كتابهم فيه تحريف، أما على كتابنا، فمهما احتكمنا إلى العقل السليم، العقل المنطقي الأصلي، فإنه سيثبت أن ما عندنا حق لا ريب فيه، والمسألة تطول، لكن من باب الإشارة إلى ما يتعلق بالمعرب عند المستشرقين.

    1.   

    المجاز في القرآن

    قال رحمه الله تعالى: [ النوع الثالث: المجاز.

    منها اختصار الحذف ترك الخبر والفرد جمع إن يُجز عن آخر

    واحدها من المثنى والذي عقل عن ضد له أو عكس ذي

    سبب التفات التكرير زيادة، تقديم أو تأخير ].

    المجاز كما عرفه السيوطي: هو اللفظ المستعمل في غير ما وضع له.

    وذكر هنا جملة من أنواع من المجازات، وذكر لها أمثلة، وكتب المجاز كثيرة منها ما كتبه العز بن عبد السلام وسماه مجاز القرآن، وعلى جلالة هذا العالم رحمه الله تعالى إلا أنه وقع في هذا الكتاب بمزلق المجاز الذي تصدى له جماعة من العلماء، كـابن خويز منداد و ابن تيمية و ابن القيم ومن ذهب مذهبهم في عدم وجود المجاز في القرآن.

    ومن يقرأ في مجاز العز بن عبد السلام يهوله كثرة ما ذكر من الآيات التي سلط عليها المجاز، وهذا ليس بصواب؛ حتى لو افترضنا القول بالمجاز، فالأصل في الكلام أنه على الحقيقة، فلا يصار إلى المجاز إلا لقرينة.

    والمشكلة أن كثيرًا ممن تكلم في المجاز وأثبته القرينة عنده ضعيفة، فإذا جاءت القرينة على ضعفها يتحول من الحقيقة إلى المجاز. وقرائن كثيرة الأصل فيها الضعف، ومع ذلك تحكّم هذه القرائن الضعيفة فينقل الكلام من حقيقته إلى مجازه، وقلما يسلم من يقول بالمجاز من أن يجعل القرائن الضعيفة محولة للفظة من حقيقتها إلى مجازها، وعندنا العز بن عبد السلام على ما أوتي من عقل وعلم وقع في هذا.

    أما الرافضي وهو الرضي في مجازات القرآن، فهو أشنع وأكثر في هذا الباب، له كتاب اسمه مجازات القرآن، وكأنه لو أمكن عنده أن يجعل القرآن كله مجازات لفعل، وهو مذهب ابن جني ، حيث ذهب إلى أن أغلب اللغة مجاز! وهذا لا شك أنه نوع من المبالغة، والتكلف الذي لا يدل عليه لا العقل ولا النقل.

    وقفات مع مثبتي المجاز

    والمسألة في المجاز يطول شرحها، وفيها مذهبان: مذهب يرى المجاز، ومذهب ينفي المجاز.

    وتعريف المجاز كما ذكر: اللفظ المستعمل في غير ما وضع له.

    ومن يعترض على هذا التعريف، يقول: أثبت لي الوضع الأول كي أقتنع بالانتقال منه إلى المجاز.

    إذاً: هذه قضية تاريخية، هل نستطيع نحن أن نثبت الوضع الأول؟ هذا الأمر مشكل.

    فإذاً: لو أردنا أن نبحث عن الوضع الأول فهو ادعاء، مثلًا: من خلال البحث لمادة (لبس)، هل (لبس) أصلها لبس الثوب، أو (لبس) أصلها الخلط؟

    ولو رجعنا إلى من يحرر أصول الكلمات مثل ابن فارس أو الراغب الأصفهاني في غريب القرآن، سنجد أنهم يختلفون في مادة (لبس)، فبعضهم يجعلها من الخلط، وآخر يخالفه في هذا؛ فقوله تعالى: وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ [الأنعام:9]، أي: خلطنا عليهم الأمر، وأبهمناه عليهم. وسمي الثوب لبسًا ولباسًا؛ لأنه يخالط الجسد، فسيؤصلونه بهذه القضية.

    فهل نستطيع أن نأخذ من مادة (لبس) الوضع الأول لها، وأنها بمعنى (الخلط)؟ ثم بعد ذلك نركب فيها المجازات! فهذه مشكلة.

    كذلك قوله تعالى: هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ [البقرة:187]، هل هذا النوع من الكلام مجاز، بمعنى: لو أننا رجعنا إلى الأصل الذي هو معنى (الخلط) ما يمكن أن نقول: (هن خلط لكم، وأنتم خلط لهن)، لأن هذا ليس أسلوب اللغة، وإنما المراد: هن ستر لكم، وأنتم ستر لهن، كما يستر الثوب الجسد.

    فإذاً: المسألة عندنا تحتاج -ونحن نُعمِل في إثبات أصل الوضع- أن نكون قريبين من الموضوعية، وهل نستطيع أن نثبت أصل الوضع بالفعل؟ الجواب: لا شك أن هذا يشكل مشكلة كبيرة جدًا.

    وهنا نظرة أخرى لمن يقول بالمجاز، فإن كثرة الاستعمال عند العرب، يجعل المتبادر إلى الذهن ألا يقع هناك خلاف حينما تنطق الكلمة، يعني: جل الناس وجمهورهم لابد أن يفهم منها كلمة واحدة، مثلًا: لما أقول: انتبه لثيابك، يتجه ذهنك إلى الثياب الملبوسة، وهل يفهم أحد أن مراده: انتبه لنفسك. لا يتجه إلى هذا ولا معنى انتبه لنفسك، مع أنه وارد في لغة العرب إطلاق الثوب على النفس، ومن يذهب إلى المجاز يحتكم إلى مثل هذا العمل، أنه كيف تفهم أنت أن الثوب في هذا الكلام المراد به النفس، وليس المراد به الثوب الملبوس، خصوصًا إذا احتمل السياق للمعنيين معًا كما في مثل قوله تعالى: وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ [المدثر:4]، فبعضهم قال: (وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ)، أي: الثياب الملبوسة، وأمره سبحانه وتعالى بتطهير ثوبه. وبعضهم قال: (وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ)، أي: عملك فأصلح، وبعضهم قال: نفسك فأصلح، وسواء قلنا عملك أو نفسك، فهذا ليس هو المتبادر إلى الذهن، فمثل هذا المجال يأتي من يرى المجاز فيقول: الأصل -وهو المتبادر إلى الذهن- أن المراد بالثياب: الثياب الملبوسة، وكونه يطلق على العمل أو على النفس الثوب، فهذا من باب المجاز.

    ولو كان الوضع إلى الآن بهذه الصورة لاحتمل، وتبقى المشكلة بين من يقول بالمجاز في القرينة، وليس في قضية كون هذا مجازاً أو ليس بمجاز، بمعنى: أنه لا يستطيع أن يتعدى الحقيقة إلى حكاية المجاز إلا إذا صحت القرينة، فإذاً: النقاش معه سيكون في القرينة، نقول: ما القرينة الصارفة لأن تكون الثياب هنا هي الثياب الملبوسة؟

    فإذا أثبتنا المجاز ستبقى المشكلة بيننا في القرينة، مثل: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ [المائدة:64]، عندما يقول: نعمتاه، نقول له: نحن نثبت المجاز، لكن ما القرينة الصارفة لأن تكون يدين حقيقيتين لله سبحانه وتعالى تليقان بجلاله؟ أين القرينة الصارفة؟ لماذا تجعلها نعمتيه، والآخر يجعلها قدرتيه، والآخر يقول: نعمة الدنيا ونعمة الآخرة، وكل هذا هروب من إثبات صفة اليد لله سبحانه وتعالى.

    فإذاً: ليست المشكلة في من أثبت المجاز هنا أنه أثبت المجاز، بل المشكلة بعد إثبات المجاز في قضية القرينة، هل نحن نوافق على القرينة أو لا نوافق؟ ولو ذهبنا هذا المذهب من القول بالمجاز، على ما فيه من إشكالات، فإنه لا يعني أننا نقبل كل مجاز يقال؛ لأن من يثبت المجاز وهو يؤول أيضًا الصفات، تجد أنه يتوقف في مجازات ويضعف فيها القرينة في غير الصفات، فيقول لك: وهذا ليس بصحيح لضعف القرينة، فإذا كانت القرينة الآن هي مدار المشكلة فيمكن التركيز على القرينة لمناقشة قضية المجاز عند من يثبت المجاز من أهل السنة موافقًا لغيرهم ممن أثبته.

    الموقف الصحيح من المجاز

    والذي أريد أن أصل إليه هنا، أن أقول: إن قضية المجاز لا يمكن أن نجد فيها حلًا حاسمًا، ولكن: من أثبت المجاز فله أدلته، وأيضًا: نقف معه حينما يثبت المجاز وهو من أهل السنة، فإنه لا يلزم أن يكون قائلًا بتحريف الصفات أو غيرها؛ لأنه سيناقش في القرينة، ومن نفى المجاز فله أدلته، وأدلته أيضًا قوية ووجيهة، ومعتبرة لا يمكن تغافلها أو تجاهلها، فالمسألة مسألة علمية مجردة، لكن أهم شيء في هذا الأمر كله عندنا بالنسبة لنا نحن: ألا تنفى حقائق الكتاب والسنة باسم المجاز، وهذه أهم قضية عندنا.

    وكيف لا تنفى حقائق السنة والكتاب باسم المجاز، هو في مناقشة القرينة، لأن أغلب القرائن المذكورة في نفي حقائق الكتاب والسنة، هي بحقيقتها ضعيفة، وهي التي يمكن أن يوجه عليها أو يسلط عليها النقد.

    فإذا نظر إلى هذا بهذا الشكل فلن يكون هناك إشكال في المجاز.

    من أنواع المجاز

    ذكر المؤلف مجموعة من المجازات، مثل: اختصار الاختصار، والحذف، يعني: مجاز الاختصار، ومجاز الحذف، قالوا: وهما متقاربان، وذكر مثالاً له: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ .. [البقرة:184]، فحذف منه فأفطر. فإذاً هنا: حذف أو اختصار، قال: فعدة.

    ومثله أيضًا قوله: أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ [يوسف:45]، أي: فأرسلوه، فقال: يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقَ [يوسف:46]، وهذا النوع كثير جدًا في القرآن.

    كذلك المجاز بترك الخبر مثل: فَصَبْرٌ جَمِيلٌ [يوسف:18]، الأصل: فصبر جميل صبري، فهذا من باب ترك الخبر.

    ومن المجاز: استعمال المفرد والمثنى والجمع عن بعضها، استعمال كل واحد من الثلاثة في موضع الآخر، مثال المفرد عن المثنى: وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ [التوبة:62]، على من رأى (أن يرضوه) مفرداً، والأصل أنه (يرضوهما)، وبعضهم يرى أن النص على ما هو عليه؛ لأنه إذا أرضي الله فقد أرضي رسوله.

    وهناك خلاف في نظر العلماء، لكن لو أثبتنا: أن الأصل (يرضوهما)، فهذا يكون من مجاز ما ذكر مفردًا والمراد به التثنية، وغيرها من الأمثلة التي ذكرها المؤلف ولا نقف عندها.

    علاقة المجاز بالمعنى

    والسؤال الذي يرد هنا: هل المجاز له علاقة بالمعنى أو ليس له علاقة بالمعنى؟ لكي نرى هل هو من علوم التفسير أو لا؟

    له علاقة بالمعنى؛ لأن المجاز هو في الحقيقة موضوع مرتبط بالدلالة، فعندما نأتي إلى قوله سبحانه وتعالى: وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ [المدثر:4]، فتسميتي له بالحقيقة أو بالمجاز لا يؤثر؛ لأن الثياب، كدلالة أن المراد بها العمل أو النفس، تؤثر في المعنى.

    وعندما نسميه مجازًا، فقطعًا له علاقة بالمعنى. فإذاً: المجاز بهذه الصورة عند من يرى المجاز هو أحد العلوم التي يحتاجها المفسر، يعني: أنه من علوم التفسير.

    رتبة المجاز من علوم البلاغة

    هل المجاز والحقيقة من علوم البلاغة؟ وهل هو من علوم البلاغة أصالة أو فرعًا؟

    المجاز والحقيقة من علوم البلاغة أصالة.

    1.   

    علاقة علوم البلاغة بعلوم التفسير

    علم المجاز بالذات سنلاحظ أن له أثراً في المعنى، لكن لا يعني ذلك: أن كل مسائل علوم البلاغة سيكون لها أثر في المعنى، وهذا العلم بالذات أيضًا له أثر في الإعجاز، فمن يرى المجاز يذكره في مسائل الإعجاز عنده.

    إذاً: علوم البلاغة الأصل فيها من حيث أنها مسائل مضبوطة ضبطًا خاصًا، مسائل يحتاج إليها في بيان الإعجاز، أو مسائل يحتاج إليها في بيان معاني القرآن؟ في بيان الإعجاز.

    وهذا لا يعني أن كل مسائل علوم البلاغة ليس لها أثر في المعنى، فبعض مسائل علوم البلاغة مثل المجاز الذي ذكرناه له أثر في المعنى، فيدخل هذا ضمن العلوم التي نحتاجها في التفسير.

    وكما سبق: أننا حينما نتكلم عن العلوم المرتبطة بالمعنى لبيان المعنى، فإن هذه هي الأصل التي يبنى عليها ما بعدها. فلا يمكن لأحد أن يتكلم عن إعجاز القرآن وهو لا يعرف المعاني، ومن حرف ووقع عنده تحريف وخطأ في المعاني، فإنه سيركب بلاغات خاطئة؛ لأنه ما دام أنه لم يفهم المعنى صوابًا فسيوجه المعنى الخطأ الذي عنده إلى معنى أو إلى بلاغة خاطئة؛ لأنه بناه على أصل خطأ، هذا في الغالب، ولهذا نريد أن نعرف ما هي العلوم التي لها علاقة بالتفسير، والعلوم التي ليس لها علاقة بالتفسير.

    الزمخشري رحمه الله تعالى في مقدمة تفسيره ادعى أن علم المعاني والبيان من أهم علوم المفسر، وأن الذي لا يعرف هذه العلوم كأنه يقول: ليس له حظ في التفسير، ولم يفلح رحمه الله في هذا؛ لأنه ذهب إلى المفسر الذي يزيد قدرًا في بيان الإعجاز وفي بيان البلاغة، أما التفسير كتفسير فهو مرتبط ببيان المعاني، وليس المراد أن من يفسر القرآن يقف على بيان المعاني، وإنما المراد تحديد مصطلحات وبيان حدود فقط، لنعرف: ما الذي نحتاجه حال بيان المعنى؟ وما الذي نحتاجه حول بيان إعجاز القرآن، وما الذي نحتاجه حول بيان الاستنباط من القرآن؟ كل واحدة منها تحتاج إلى علوم غير العلوم التي يحتاجها العلم الآخر.

    1.   

    اللفظ المشترك في القرآن

    قال رحمه الله تعالى: [ النوع الرابع: المشترك.

    قرء وويل ند والمولى جرى تواب الغي مضارع ورا]

    النوع الرابع: المشترك، وهو كما ذكر السيوطي: لفظ له معنيان، وهو في القرآن كثير.

    ولو أردنا أن نربط بعض العلوم ببعض، هل هناك فرق بين الغريب والمشترك؟

    الغالب: أن من أسباب الغرابة الاشتراك، لكن قد يرد أن بعض الكلمات، وإن كانت مشتركة معلومة لنا، مثل (القرء) وهذا كلام صحيح، لكن الغالب أن أحد أسباب الغرابة هو الاشتراك.

    الخلاف في اللفظ المشترك

    و شيخ الإسلام في مقدمة أصول التفسير نبه على المشترك والمتواطئ، وذكر أن اللفظ قد يعترضه أن يكون مشتركًا أو متواطئًا، وأن جمهور العلماء يجوز حمل المشترك على معنيين، يعني: هناك خلاف بين الأصوليين، هل يجوز حمل المشترك على معنيين، أو أن له معنىً واحداً؟ فجمهور الأصوليين على جواز حمل المشترك على معنيين، وإلى هذا ذهب جمهور المفسرين أيضًا، وتطبيقاتهم في التفسير يظهر منها أنهم يجيزون حمل المشترك على معنيين، إلا إذا لم يصلح حمل المشترك على المعنيين في آن واحد في الآية، وأظهر أمثلتها: (القرء)، لأننا عندما نسأل: ما هو سبب الاختلاف في: وَالمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ [البقرة:228]؟ ستقول لي: الاشتراك في لفظ (القرء). فبعضهم قال: القرء الحيض، وبعضهم قال: القرء: الطهر، والعرب تطلق هذا على هذا، وهذا على هذا، وهو من المتضاد، فإذا أردنا أن نحمله على الآية في آن واحد، فإنه لا يصلح أن نقول: إن المرأة مطالبة في آن واحد بأن تتربص ثلاثة أطهار، وثلاث حيض، هذا متعذر، وما دام أنه متعذر فلا بد أن يكون أحد القولين هو المراد، إما أن تتربص ثلاثة أطهار، وإما أن تتربص ثلاث حيض، فمن قال: إن المراد بالقرء: الطهر، مباشرة يسقط عنده أن المراد بالقرء: الحيض، ولا يكون مرادًا عنده أبدًا، لا من قريب ولا من بعيد، يعني: يسقط بالكلية، ومن عكس يسقط عنده القول الآخر بالكلية، هذا إذا كان المشترك في كلمات التضاد التي لا يمكن أن تجتمع في المعنى أو في الآية في آن واحد.

    لكن لو وجد مشترك فيه تضاد، ويمكن حمل الآية عليه لاختلاف الزمن، مثل: وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ [التكوير:17]، فبعضهم قال: أقبل، وبعضهم قال: أدبر، وإذا أردنا أن نحمل على المعنيين، فكأنه قال: والليل إذا أقبل وأدبر، فالإقسام بإقبال الليل غير الإقسام بإدبار الليل، فهذا زمن، وهذا زمن لم يشتركا في زمن واحد، لو كان اشتراكهما في زمن واحد لقلنا: هذا تضاد لا يجوز حملها على معنيين، لكن مع أنه الآن متضاد مشترك، إلا أنه جاز حمل الآية عليه؛ لأن السياق يقبله بخلاف (القرء)، وهذا إذا كان في أحرف التضاد، أما إذا كان مشتركاً، ولكن ليس من أحرف التضاد، وكانت الآية تحتمل المعاني المذكورة، فإن الآية تحمل عليها، مثل: وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ [القمر:2]، فصيغة (مستمر) تحتمل ذاهباً وزائلاً، وتحتمل أن تكون بمعنى: قوي.

    وإذا قلنا: (مستمر) بمعنى: ذاهب وزائل، فأصل اللفظة عندهم: من مر الشيء يمر إذا ذهب. ومن جعلها بمعنى قوي، فهي من أمر الحبل يمر إذا قواه، يعني: قوى جدله، فيسمى حبلاً مريراً، أي: قوياً، وبغض النظر عن الاختلاف في أصل الاشتقاق، فعند النظر إلى الصيغة نجد فيها اشتراكاً في الدلالة على معنى الذهاب، وفي الدلالة على معنى القوة.

    فيجوز أن نحمل الآية على المعنيين؛ لأنهم كأنهم قالوا: إن هذا سحر قوي وذاهب، ولو جئت أنت وفسرت: ويقولون هذا سحر قوي ذاهب، لصح المعنيان، وليس فيه أي نبو عن السياق، فالسياق يقبله، وهما معنيان متغايران.

    ومثل هذا النوع: هل يجوز حمل المشترك على معنييه أيضًا أو لا؟ الجمهور على جواز حمل المشترك على معنييه.

    وبعض اللغويين وبعض العلماء كـابن القيم يشدد في هذا، ولا يسميه مشتركًا، ويجعله من قبيل المتواطئ، ونقاش: هل هذا متواطئ أو مشترك له مجال آخر، وقد يكون لها آثار عقدية، لكن ليس هذا محلها، لكن الصحيح: أنه يجوز حمل المشترك على معنيين، سواء سميناه مشتركًا أو سميناه متواطئًا، فالتسمية لا تؤثر، والمقصود: أن هذه الكلمة يجوز أن تُحمل على هذا المعنى، وعلى هذا المعنى.

    وبعض الكلمات التي ذكرها مثل (ويل)، يقع فيها إشكال في صحة أن يكون: ويل: وادٍ في جهنم، والحديث الوارد في أن (ويل وادٍ في جهنم..) لا يصح، ولهذا الصواب أن (ويل) ليست من المشترك، بل لها معنًى واحد على الصحيح، يعني: على التحقيق سيكون لها معنىً واحد وهو التهديد والوعيد، لأنها كلمة تهديد ووعيد فقط، مثل (ويح) وغيرها.

    وكذلك (المولى) للسيد والعبد، أما (الولي) فلم يذكرها، وهي للزوج أو للأب، وأيضًا ما ذكر (الند) الذي هو للمثل والضد، (التواب) للتائب ولقابل التوبة.. وهناك أمثلة كثيرة جدًا في المشترك الذي يكون له أكثر من دِلالة، والسياق يحتمل هذه الدلالات المذكورة.

    1.   

    أثر المشترك في التفسير

    هل المشترك له أثر في التفسير؟

    المشترك من الأمور التي يجب أن يُعنى بها طالب علم التفسير، يعني: من علوم اللغة؛ لأن إدراكه للمشترك ومعرفته بالمشترك سيجعله أمام ثروة لغوية هائلة جدًا في القرآن من خلال تفسيرات المفسرين، وأيضًا سيتدرب على كيفية إعمال الأقوال التي هي من قبيل المشترك وعدم إعمالها، متى يعملها ومتى لا يُعملها؟ إذا عرف أن هذه اللفظة مشتركة، وأن المشترك يجوز أن يحمل على جميع المعاني المذكورة له ما دام السياق يحتمل هذه المعاني.

    فإذاً: هذا أيضًا من العلوم المرتبطة بالتفسير.

    1.   

    اللفظ المترادف في القرآن

    قال رحمه الله تعالى: [ النوع الخامس: المترادف.

    من ذاك ما قد جاء كالإنسان وبشر في محكم القرآن

    والبحر واليم كذا العذاب رجس ورجز جاء يا أواب ].

    المترادف: هما لفظان وضعا لمعنًى واحد، ضد المشترك، كـ (البحر واليم) لفظان لمعنى واحد، أي: لذات واحدة، ومثل (الحرج، والضيق) ومثل: (الرجز، والرجس، والعذاب) فهذه ألفاظ متعددة لمعنًى واحد.

    وهذا أيضًا مما يجب أن يُعنى به طالب علم التفسير من علوم العربية.

    القول بالفروق عند عدم الترادف

    لكن: هل أنت ترى الترادف أو تذهب إلى الفروق؟ لأن ضد الترادف: الفروق، يعني: الألفاظ التي تأتي على هذه الشاكلة، عندنا فيها من يذهب إلى أنه لا يوجد ترادف لا في اللغة ولا في القرآن، ومنهم من يرى الترادف.

    وهذان المذهبان يمكن الجمع بينهما من خلال النظر في: ما المراد بالترادف عند هؤلاء؟ لكن ليس عندنا كتب لمن أثبت الترادف تكون ظاهرة جدًا، ويتضح مراده من الترادف.

    فمثلًا: المتقدمون من علماء اللغة، عندما يقولون بالترادف، هل مرادهم نفي الفروق بالتمام، أو مرادهم: أن هذه الذوات تشترك معًا في الدلالة على هذا المعنى؟

    مثال ذلك لو قلت لك: السيف، من أسماء السيف: المهند، والحسام، والصارم. صار عندنا (السيف، والصارم، والمهند، والحسام)، مجموعة من الأسماء، هل هذه مترادفة على ذات واحدة فتطلق على ما يسمى بالسيف الذي هو العرف العام له، يعني: الذي غلب على التسمية: السيف، وهذه الآن أسماء بينها فروق، فأقول لك: بين لي الفرق.

    عندما تقول لي: سُمي السيف صارمًا لصرامته؛ لأنه يصرم، يقطع. وسُمي: حُسامًا؛ لأنه أيضًا يحسم، يعني يفصل في القضية وينتهي، وسُمي: مهندًا؛ لأنه صُنِع في بلاد الهند، أو صُنِع من شيء يأتي من بلاد الهند. فالآن نُظِر في هذه الأسماء إلى فروق دقيقة، هذه الفروق الدقيقة: هل هي غير معتبرة عند من يرى الترادف؟

    الذي يظهر أن هذه الفروق عند علماء اللغة المتقدمين معتبرة، لكنهم لم ينظروا إلى الفروق، وإنما نظروا إلى كون هذه الأسماء تطلق على هذه الذات.

    فإذاً: الترادف عندهم: إطلاق هذه المعاني المتعددة على ذات واحدة، ومن نظر إلى الفروق، نظر إلى الأوصاف، وأن هذه الأسماء المتعددة فيها أوصاف مختلفة، وكل واحد نظر إلى فرق في هذه الأوصاف فحكم بالفروق.

    فلو أردنا أن نؤلف بين القولين: نقول: ليس هناك فرق بين من يقول بالترادف، ومن يقول بالفروق، فمن قال بالترادف نظر إلى أمر كلي، ومن قال بالفروق نظر إلى أمر جزئي، هذا إذا أردنا أن نوائم بين الأقوال.

    لكن إن وُجد من يقول بالترادف المطلق، فهذا لا يكون مخالفًا، ولهذا شيخ الإسلام ابن تيمية يسمي هذه -بناء على كلام بعض المناطقة- بالأسماء المتكافئة.

    والأسماء المتكافئة: هي التي تدل على ذات واحدة، ولكنها تختلف من جهة الصفات، فإذا نظرنا إلى دلالتها على الاسم الواحد سميناها: ترادفاً، وإن نظرنا إلى افتراق كل اسم بما فيه من صفة سميناه: فروقاً، يعني: كل واحدة مفترقة عن الأخرى، هذه تسمى الأسماء المتكافئة، وذكر مثالًا لها: أسماء الله سبحانه وتعالى، وأيضًا: أسماء النبي صلى الله عليه وسلم.

    فهذه الأسماء المتكافئة هي حل وسط لمن يقول بالترادف ومن يقول بالفروق إذا فهمنا على هذا الوجه، لكن إن وجد من يرى الترادف تمامًا، وأن الكلمة هي عين الكلمة بلا ريب، ولا يوجد أي فروق، فهذا مذهب لو وجد نقول: إنه غير المذهب الذي نحكيه، أو نحاول أن نجمع بينه وبين المذهب الآخر.

    نظرة في بعض الكتب المؤلفة في الترادف

    ومن باب الفائدة، فإن الفيروزآبادي صاحب القاموس له كتاب اسمه: (الروض المسلوف فيما له اسمان إلى الألوف)، وهذا مبني عنده على الترادف، وحكي أنه من أنصار القول بالترادف، ولما جاء في كتابه (بصائر ذوي التمييز)، وهو كتاب يعتبر أسلوباً من أساليب كتابة العلماء لعلوم القرآن، يعني: نموذجاً من نماذج كتابة علمائنا السابقين لعلوم القرآن؛ لأنه بنى كتابه بطريقة مبتدعة وغير مسبوقة، وإذا به يذكر الفروق في الألفاظ، فمن أين جاءه هذا المذهب، وهو قد كتب كتابًا مستقلًا بعنوان: (الروض المسلوف فيما له اسمان إلى الألوف).

    وهنا تنتبهون إلى القضية المهمة التي كانت موجودة بين علمائنا، التي نسميها: قضية التناسخ.

    الفيروزآبادي رحمه الله تعالى في كتابه (بصائر ذوي التمييز)، كان ناقلًا ولم يكن محررًا، يجمع في عد الآي، في الوجوه والنظائر، في المحكم والمتشابه، في الناسخ والمنسوخ، ولما جاء عند الألفاظ أخذ كتاب غريب القرآن للراغب الأصفهاني وأنزله في كتابه في منازله.

    و الراغب الأصفهاني من أكبر العلماء الذين يرون الفروق، وكان قد وعد في بداية كتابه أن يخرج كتابًا يبين فيه عن الفروق بين الألفاظ التي يدعى أنها مترادفة، لكن لم يظهر هذا الكتاب، هل كتبه وفقد، أو أن المنية أدركته قبل أن يكتبه؟ الله أعلم، لكن في كتابه: (المفردات) كان من أرباب وأئمة القول بالفروق، فوقع للفيروزآبادي القول بالفروق في هذا الكتاب مخالفًا لمنهجه في الكتاب الآخر من هذه الجهة، لأنه لم يكتب الكتاب لوحده، وإنما كان هناك مساعدة من طلاب له، فكتبه وجعل له هذه الصيغة، فلا يقال: إن الفيروزآبادي وقع عنده اضطراب أو خلط، لكن إذا عرف السبب فإنه يتبين لنا: لماذا كتب هذا الكتاب على هذه الشاكلة.

    أثر الترادف في بيان المعنى

    لو أخذنا بالقول بالترادف هل له أثر في بيان المعنى أو ليس له أثر؟ فالجواب أن له أثراً، وهو أيضًا شبيه بالمشترك، فهو من العلوم التي يحتاج أن يدرسها طالب علم التفسير من علوم العربية.

    1.   

    الاستعارة في القرآن

    قال رحمه الله تعالى: [ النوع السادس: الاستعارة.

    وهي تشبيه بلا أداة وذاك كالموت و كالحياة

    في مهتدٍ وضده كمثل هذين ما جاء كسلخ الليل ].

    تعريف الاستعارة وأمثلتها

    الاستعارة هي تشبيه بلا أداة، فهي في النهاية تئول إلى التشبيه، لكن بدون أداة (الكاف) أو (مثل)؛ لأن التشبيه يكون بالأدوات، أداة الكاف أو أداة مثل.

    فإذا وجد تشبيه خالٍ من أدواته سموه استعارة، و السيوطي رحمه الله تعالى ذكر مثالًا في قوله: أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ [الأنعام:122]، هل المراد بـ: (مَيْتًا) الموت الذي نعرفه، وبـ (فَأَحْيَيْنَاهُ) الحياة التي نعرفها، الذي هو الروح في الجسد؟ لا، (مَيْتًا) أي: ضالاً، فهديناه إلى الإيمان، فكأنه الآن استعار لفظ (الموت) للضلال والكفر، و(الإحياء) للإيمان والهداية، فهذا يسمى استعارة، وهذا يعتبر من بلاغة العرب في الخطاب، وهذا يُفهم من خلال القرائن المقالية التي في السياق.

    مثال آخر: وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ [يس:37]، يقول: استُعير من سلخ الشاة، وهو كشط جلدها، بدل ما تأتي (الكاف) أو (مثل) التي تدل على التشبيه، استعير اللفظ الذي يستخدم في الشاة ليبين عن العلاقة بين كشط أو سلخ الليل من النهار، كأنه ككشط جلد الذبيحة من الذبيحة، هذا يسمى استعارة.

    تاريخ مصطلح الاستعارة

    لو تأملنا الاستعارة على هذه الشاكلة، فإن المفسرين المتقدمين، وهم يفسرون القرآن، هل كانوا يسمون هذا استعارة؟ الجواب: لا، إذاً: هذا المصطلح بُني بعدهم، أما الصحابة والتابعون وأتباع التابعين، فإذا جئنا لتفسيرهم لقوله تعالى: أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ [الأنعام:122]، نجد أن المعنى واحد عندهم وعند من جاء بعدهم، لكن من جاء بعدهم أضاف إضافة فركب مصطلحًا لهذا النوع المستخدم في كلام العرب، وهو موجود في كلام الله سبحانه وتعالى، فسمي استعارة.

    منزلة الاستعارة بين العلوم

    هل نحن بحاجة إليه في القرآن، أو يكون من صميم علم البلاغة؟

    الأقرب أنه من علم البلاغة؛ لأن المعنى الدلالي، سواء عرفنا أنه استعارة أو لم نعرف، فهذا يفسر به القرآن بدون أن يُعرف هل هو استعارة أو ليس باستعارة، أما الكلام عنه وكونه استعارة، وكيف كان استعارة، والتفاصيل هذه، إنما تؤخذ من علم البلاغة.

    أثر الاستعارة في بيان المعنى

    أيضًا: لو تأملنا عدم المعرفة الدقيقة بتفاصيل الاستعارة هذه، هل سيؤثر علينا في فهم المعنى في قوله: أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ [الأنعام:122]؟

    الجواب: لا، يعني: المعنى واضح، ولكن جاء كلام البلغاء متأخرًا، وصار فيه إضافات وتنبيهات، لكن من باب التنبيه، ولو جاءنا مثال حكم عليه بأنه استعارة، وأنه لا نستطيع أن نتبين معناه إلا بفهمنا للاستعارة، ففي مثل هذا الحال، نقول: هذه المعلومة بالذات لا شك أنها من علوم التفسير، لكن الصبغة العامة الآن عندنا أنه من علوم البلاغة، وهو يدرس في علم البلاغة، وليس في علوم التفسير.

    1.   

    التشبيه في القرآن

    قال رحمه الله تعالى: [ النوع السابع: التشبيه.

    وما على اشتراك أمر دلا مع غيره التشبيه حيث حلا

    والشرط ههنا اقترانه مع أداته وهو كثير وقعا ].

    التشبيه لكي يكون مفارقًا للاستعارة له شرط هاهنا وهو اقترانه مع أداته، يعني: إذا وجدت الأداة يسمى تشبيهاً، وإذا لم توجد الأداة يسمى استعارة.

    والتشبيه كما قال السيوطي هو الدلالة على مشاركة أمر لآخر في معنى، وهو الذي قال عنه الزمزمي:

    (وما على اشتراك أمر دلا مع غيره..)

    يعني: مشترك مع غيره، وهذا يسمى تشبيهًا.

    وقد ذكر السيوطي هنا مجموعة من الأمثلة والأدوات، مثل: الكاف، وكأن، وذكر منه في القرآن: وَاضْرِبْ لَهمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ [الكهف:45]، فلما قال (كـ)، دل على التشبيه.

    طبعًا. التشبيه أنواع، وتفصيلاته لا شك أنها في علم البلاغة.

    أيضًا: لو تأملنا (مثل) في قوله سبحانه وتعالى: مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا [الجمعة:5]، لو تأملنا هذه الآيات من جهة البلاغة، ففي الآية: شبههم لحملهم التوراة، وعدم عملهم بما فيها بالحمار في حمله ما لا يعرف ما فيه بجامع عدم الانتفاع، يعني: هذا عمل بلاغي.

    فالبلاغي حينما يأتي يفصل بهذه الطريقة، لكن من جهة المعنى: سنجد أننا نبين المعنى، قد أحيانًا نذكر وجه الشبه، وأحيانًا يكون معلومًا ولا يحتاج إلى ذكر.

    أيضًا: التشبيه وهو من أنفس علوم البلاغة وأصعبها، لو تأملناه: هو مثل الاستعارة، يعني: الأصل فيه وفي تفاصيله أنه من علوم البلاغة، لكن لو توقف المعنى على مثال من الأمثلة، فنقول: في هذا الموطن نحتاج إلى معرفة التشبيه لكي يتبين لنا المعنى.

    انتهينا من العقد الرابع، وسندخل في العقد الخامس.

    1.   

    مبحث العام والخاص

    قال رحمه الله تعالى: [ العقد الخامس: ما يرجع إلى مباحث المعاني المتعلقة بالأحكام، وهو أربعة عشر نوعًا:

    النوع الأول: العام الباقي على عمومه.

    وعزّ إلا قوله: والله بكل شيء، أي: عليم ذا هو.

    وقوله: خلقكم من نفس واحدة فخذه دون لبس ].

    هذا العقد سيكون في ما يرجع إلى المعاني المتعلقة بالأحكام؛ لأن النص صريح جدًا أننا الآن سنتحدث عن جزء من الآيات وليس عن كل الآيات، وسبق هل القرآن أخبار فقط؟ هل القرآن أحكام فقط؟ لكي نبني عليها معلومات، عندنا القرآن أخبار وأحكام، والأخبار أكثر من الأحكام.

    فإذاً: هل يصلح أن نقيد هذه المباحث بالأحكام فقط، أو للأخبار متعلق بها؟ سننظر، نناقش هذه الفكرة من خلال ما طرحه المؤلف.

    هو الآن يقول: مباحث المعاني المتعلقة بالأحكام، ونحن نعرف الأحكام المراد بها الأحكام الشرعية، التي هي مرتبطة بعلم الفقه، وذكر أنها أربعة عشر نوعًا.

    وقفة مع القول بأن ما من عام إلا وخص

    (الأول: العام الباقي على عمومه)، قال: ومثاله عزيز، يعني: قليل جدًا. إذ ما من عام إلا وخص.

    الآن الزمزمي استدل بقوله: وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [البقرة:282]، لكن هل هذا الآن من الأحكام أو من الأخبار؟ من الأخبار، والأصوليون مع أن عنايتهم بالأحكام أصلًا، لم يستطيعوا أن يتجردوا عن التمثيل بالأخبار، لأن الكلام كله أصولي، والمقصود مع أن الموضوع مرتبط بالأحكام إلا أنهم عند التمثيل لم يستطيعوا ترك التمثيل بالأخبار، وهذا يعطينا فرصة لبناء ولإضافة فيما يتعلق بقضية الأخبار، ما الذي يمكن نستفيده من هذه القضايا في الأخبار؟

    هل بالفعل أنه لا يوجد عام إلا وقد خُص؟

    هذه قضية ناقشها الأصوليون، وأيضًا نوقشت في بعض قضايا العقيدة، ولا شك أن هذا ليس بصواب، ولو وجد يعني: ولو كان عزيزًا نادرًا فهو صحيح، فقوله: وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [النور:35]، هذا عام باق على عمومه تمامًا، ولا يمكن أن يدخله التخصيص، ولهذا قال: مثال ما لا يتخيل فيه تخصيص، (.. إلا قوله تعالى: وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ، فإنه عالم بكل شيء)، يعني: الكليات والجزئيات، فهو عام باقٍ على عمومه، ولما قال: (عزيز)، ذكر مثالاً: وَحَرَّمَ الرِّبَا [البقرة:275]، يقول: خُص منه العرايا، وقوله: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ المَيْتَةُ [المائدة:3]، قال: خص منه المضطر، وميتة السمك والجراد.

    كأنه يقول: ما من عموم إلا ووقع فيه تخصيص.

    فإذاً يمكن أن نقول: هناك عمومات باقية على عمومها، وهناك عمومات وقع عليها تخصيص، فإنكار عدم وجود عموم باق على عمومه، لا شك أن فيه إشكالاً، وهي قضية ذهنية فلسفية لا أكثر ولا أقل، ولكن النصوص واضحة جدًا: أنه يوجد عمومات باقية على عمومها، ومثل ما تقدم: خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ [النساء:1]، أي: آدم، فإن المخاطبين بذلك: هم البشر كلهم من ذريته، هل هناك واحد من الناس يمكن أن نقول: إنه ليس من بني آدم.

    ثم ذكر بعدها مثالاً آخر: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ [النساء:23]، فإذاً هذه من العام الذي بقي على عمومه، فالأم سواء كانت من جهة الرضاعة أو من جهة النسب وإن علت، فإنها تعتبر من المحرمات، فإذاً هناك عمومات باقية على عمومها، وليس كما ذكر المؤلف أنه عزيز.

    مظان العموم في القرآن

    ولو تأملنا في القرآن، أيهما أكثر الآن: العموم في قضايا الأحكام، أو في قضايا الأخبار؟

    الأخبار؛ لأن الأخبار أكثر، فالعموم في الأخبار هو الأكثر.

    فالذي نريد أن ننتبه له، ولا بد من إضافته هنا، ونحن نتكلم عن قضية العموم، أن العموم ليس مرتبطًا بالأحكام فقط، بل هو مرتبط أيضًا بالأخبار، فادعاء الخصوص في الأخبار كادعاء الخصوص في الأحكام لا بد فيه من دليل، فإذا ادُّعي خصوص في خبر فهو مثل ما لو ادعي خصوص في حكم، فإنه يلزم الدليل في الحالين.

    فإذاً: الكلام عن العموم ليس خاصًا بالأحكام كما هو عند المؤلف، بل نضيف إليه أيضًا الأخبار.

    العام المخصوص والعام الذي أريد به الخصوص

    قال رحمه الله تعالى: [ النوع الثاني والثالث: العام المخصوص، والعام الذي أريد به الخصوص.

    وأول شاع لمن أقاسا والثان نحو يحسدون الناسا

    وأول حقيقة والثاني مجاز الفرق لمن يعاني

    قرينة الثاني ترى عقلية وأول قطعاً ترى لفظية

    والثان جاز أن يراد الواحد فيه وأول لهذا فاقد ].

    النوع الثاني والثالث: العام المخصوص، والعام الذي أريد به الخصوص.

    الأول كثير، الذي هو العام المخصوص، كقوله تعالى: وَالمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ [البقرة:228]، خصت الحامل بقوله: وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ [الطلاق:4]، وخصت الآيسة والصغيرة بقوله: وَاللَّائِي يَئِسْنَ [الطلاق:4].

    قال في الثاني: أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ [النساء:54]، المراد به رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه جمع ما في الناس من الخصال، وهذا من العام الذي أريد به الخصوص.

    ومثله: الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ [آل عمران:173]، أي: نعيم بن مسعود الأشجعي، وعبر بالناس لقيامه مقام كثير في تثبيط المؤمنين عن الخروج بما قال، يعني: كأنه أريد أن يعلل لماذا أطلق عليه لفظ (الناس).

    النوع الثالث: العام الذي أريد به الخصوص، أمثلته فيه خبرية، مع أنه يقول: مباحث المعاني المتعلقة بالأحكام.

    أهمية مبحث العموم والخصوص في القرآن

    ومن القضايا المهمة جدًا ونحن نأتي إلى التفسير أن ننتبه لهذا، ولو تأملنا التفسير سنجد أن هذا المبحث الذي هو قضية العموم والخصوص من أهم المباحث التي يجب أن يُعنى بها طالب علم التفسير، وأنه لا يخلو في آية من الآيات أن يتعرض للتعميم والتخصيص، فقضية العموم والخصوص أصل في علوم التفسير، وليست مستنبطة فقط من كلام الأصوليين.

    والأصوليون كلامهم يرتبط بجزء من القرآن، وكون أئمتنا الذين كتبوا في علوم القرآن رحمهم الله، اعتمدوا ما كتبه الأصوليون دون أن يضيفوا إليه، لا يعني: أن هذه المباحث فضلة في علوم القرآن، وأصل في أصول الفقه، بل هي أصل في أصول الفقه، ولكن من جهة الأحكام، وأصل في علوم القرآن، ولكنها في الأخبار والأحكام، وهذا الذي يميز علوم القرآن عن أصول الفقه.

    فإذاً: حينما نتكلم عن العموم والخصوص لا يفهم السامع: أن العموم والخصوص هو خاص بعلماء أصول الفقه، نقول: لا.

    علماء أصول الفقه لهم السبق في التصنيف والتدوين والتقسيم، ولكن مع ذلك لم يتكلموا إلا عن جزء من القرآن وما يرتبط بالأحكام.

    ولما جاء علماؤنا يكتبون في علوم القرآن، أخذوا ما عندهم ولم يضيفوا، فالإشارات التي بين أيدينا الآن، تجعلنا ننتبه إلى أننا نضيف الأخبار، فإذا أضفنا باب الأخبار، يكون باب العموم والخصوص في القرآن واسعًا، ولهذا من قرأ مثلاً في تفسير الإمام الطبري رحمه الله تعالى، فإنه سيجد حضور موضوع العموم والخصوص عنده في التفسير بشكل ظاهر جدًا، فلا يكاد يأتي على آية فيها عموم أو خصوص إلا وينبه عليها ويشير إليها، فهذا مبحث مهم جدًا أن ينتبه له.

    وعندي أن هذا المبحث لا يزال بحاجة إلى كتابة خاصة تبين مسائل هذا الموضوع بالذات؛ لأنه من أنفس ما يتعلق بعلوم التفسير، والدليل عليه واقع التفسير، ولهذا ليس من الصواب أن نجعل العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب قاعدة كلية، نقطع فيها بكل آيات القرآن، ومن فعل هذا أو ظن هذا فإنه قد خالف منهج التفسير، ومن فعل هذا في جميع مواطنها، فإنه يدل على أنه لا يعرف الفرق بين أنواع العمومات هذه الموجودة في كلام العلماء، ولم يعملها.

    هل نستطيع أن نقول: إن آية الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ [آل عمران:173]، العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب؟ أي: هل يصلح تنزيل العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب على هذه الآية؟ لا يصلح تنزيل العموم على هذه الآية.

    لكن لو وقع شبه بهذه القصة، واستدللنا بهذه الآية تنزيلًا على هذه القصة التي وقعت، يصح الاستدلال، لكن استدلالنا بها: هل هو لأن اللفظ عام، أو لقياس الحالة بالحالة؟ لقياس الحالة بالحالة، وليس لأن اللفظ عام، وبعض من لا يتقن مثل هذه الأمور يظن: أن قاعدة: (العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب) تجري على كل العمومات، وهذا ليس بصحيح؛ لأن تطبيقات العموم والخصوص، لا بد من تمييز بعضها عن بعض، كما هو موجود الآن عندنا في القضية التي ذكرها السيوطي رحمه الله تعالى خاصة في العام الذي أريد به الخصوص.

    بل أقول: إنه لو جزئ هذا الموضوع العموم ودُرِس خلال رسائل علمية بتطبيقاته في كلام السلف، ومن خلال كلام المحررين من العلماء، أمثال الطبري وأمثال ابن عطية وأمثال ابن كثير وغيرهم، فإنه بحث كبير جدًا، وسيخرج لنا ثمرات كبيرة.

    وعلى سبيل المثال فقط: كيف نستطيع أن نهتدي إلى العام الذي أريد به الخصوص؟ نتابع كلام المؤلف ثم نرجع إلى الإشارة إليه لأهميته؛ لأن العام الذي دخله التخصيص، هذا تكلم عنه العلماء وأطالوا فيه إطالة كبيرة جدًا، وأمثلته كثيرة جدًا، وموجودة عندهم خاصة فيما يتعلق بالأحكام.

    الفرق بين العام المخصوص والعام الذي أريد به الخصوص

    يقول: الفرق بينهما: أن الأول الذي هو العام المخصوص حقيقة؛ لأنه استعمل فيما وضع له ثم خص منه البعض بمخصص.

    والثاني: على من يقول بالمجاز سيكون مجازًا، فإطلاق (الناس) على محمد صلى الله عليه وسلم مجاز؛ لأن الناس كإطلاق هو عام لكل من يصلح له هذا اللفظ، فعندما نخصه بواحد، فكأنه دخل في حيز المجاز عند من يقول بالمجاز.

    قال: لأنه استعمل في أول وهلة في بعض ما وضع له، وإن الثاني الذي هو العام الذي أريد به الخصوص، قرينته عقلية، وقرينة الأول: لفظية، من شرط أو استثناء أو نحو ذلك.

    ويجوز أن يراد به واحد، كما تبين في الاثنين بخلاف الأول فلا بد أن يبقى أقل الجمع، فالعام الذي أريد به الخصوص يجوز أن يراد به واحد، بخلاف الأول فلا بد أن يبقى أقل الجمع، وأقل الجمع على خلاف العلماء: هل هو اثنين أو ثلاثة؟

    ولو راجعنا كلام الناظم ورتبناه على كلام السيوطي سيتضح أن قوله: (وأول حقيقة) يقصد به العام المخصوص، (والثاني مجاز)، العام الذي أريد به الخصوص، (الفرق لمن يعاني)، (قرينة الثاني ترى عقلية) الذي هو العام الذي أريد به الخصوص. (وأول قطعاً ترى لفظية) الذي هو العام المخصوص، (والثان جاز أن يراد الواحد) الذي هو العام الذي أريد به الخصوص، (فيه، وأول) يعني بالأول: العام المخصوص (لهذا فاقد) لأن يراد به الواحد فلا بد فيه من الجمع، هذا باختصار فك النظم.

    ولو رجعنا إلى قضية الإخبارات خاصة حينما يكون أيضًا فيها سبب، كما في قول الله سبحانه وتعالى: كَلَّا إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى [العلق:6-7]، من هو الإنسان هنا في قول أهل التفسير؟ إذا قلنا: إن المراد به أبو جهل، فلفظ الإنسان إطلاقه على أبي جهل من أي أنواع الأنواع الثلاثة: هل هو عام باقٍ على عمومه، أو عام مخصوص، أو عام أريد به الخصوص؟

    عام أريد به الخصوص.

    قلنا: إن الإنسان في هذه الآية المراد به أبو جهل بناء على سبب النزول وسياق الآية، ولو أردنا أن ندخل غير أبي جهل لكي نفهم العملية التفسيرية، فهل ندخله من باب عموم اللفظ أو من باب القياس؟

    إذا حكمنا بأنه عام أريد به الخصوص، فلن يدخل إلا من باب القياس، وإذا قلنا: لا، العبرة بعموم اللفظ، فإنا جعلنا أبا جهل مثالًا للإنسان هنا.

    وأيهما أقوى: العبرة بعموم اللفظ أو العام الذي أريد به الخصوص ثم نقيس عليه في الدلالة؟

    العبرة بعموم اللفظ أقوى، يعني: الدلالة اللفظية أقوى من الدلالة القياسية، الدلالة اللفظية كون العبرة بعموم اللفظ أقوى؛ لأننا نجعل اللفظ أصالة في كل هؤلاء، أما هناك نقول: لا، اللفظ فقط في فلان، ولا يدخل معه غيره إلا بقياس، وهذا يفك الخلاف الوارد هل العبرة بعموم اللفظ أو بخصوص السبب؟ ولا يعني أن من يقول: إن العبرة بخصوص السبب أنه لا يرى تعميمًا للمعنى، هو يعمم المعنى، لكن من جهة القياس، وليس من جهة اللفظ.

    ذكرنا أن دلالة العام الذي أريد به الخصوص، كما قال: (دلالة عقلية)، فهي تحتاج إلى إعمال الذهن، لما جئنا عند قوله: الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ [آل عمران:173]، قلنا: إن هذا من العام الذي أريد به الخصوص، وهل الدلالة عقلية أو لفظية؟

    المصدر السياق، لكن دلالته في النهاية عقلية؛ لأن الوارد عندنا في الأثر: أن الذي قال واحد وليسوا جماعة، والناس الثانية من العام أريد به الخصوص؛ لأن الناس الذين جمعوا لهم: هم أبو سفيان ومن معه فقط، وليسوا كل الناس، فصار عاماً أريد به الخصوص.

    ولو قرأنا القرآن بهذه الطريقة مع أقوال المفسرين، ونحن نتأمل أقوال المفسرين، سنجد أننا أمام ثروة كبيرة جدًا من الأمثلة لا يمكن حصرها، ونتعامل مع هذه الأقوال بهذه الطريقة، هل هي من العام الباقي على عمومه، أو من العام المخصوص، أو من العام الذي أريد به الخصوص؟ والعام الباقي على عمومه أيضًا أنواع أحيانًا، عام نسبي، وعام كلي، فالعام الكلي مثل: وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [البقرة:282].

    وعام نسبي كأن يتكلم عن حدث مرتبط بأناس في وقت معين، وهو يدخل جزء منه في العام الذي أريد به الخصوص، فيمكن أن يُجعل أو يشار إلى أنه عام نسبي، أو عام أريد به الخصوص، مثل: كَلَّا إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى [العلق:6]، فما دام أنها نزلت في شخص معين، ففيها عموم نسبي، عام أريد به الخصوص.

    ولاحظوا في قضية العموم النسبي أيضًا، فآية اللعان عامة، والعموم فيها هل هو عموم بالنسبة لهذا الحدث أو عموم مطلق؟ عموم بالنسبة لهذا الحدث، لا يجري إلا بالنسبة لهذا الحدث فقط، ولا يمكن أن نستدل بالآية على حدث آخر، لكن هناك عمومات قد تكون نزلت في مساق معين، ونستدل بها على أحداث أوسع من الحدث الذي نزلت فيه.

    ومن أشهر الأمثلة في ذلك في قوله سبحانه وتعالى: وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ [البقرة:195]، فقد ثبت عن البراء بن عازب وغيره من الصحابة، أنها نزلت في النفقة في الجهاد، لكن نحن الآن لا نجعلها في هذا العموم المرتبط بالنفقة في الجهاد، وإنما نأخذ هذه اللفظة، ونعممها في أشياء كثيرة، مما يحدث للإنسان في مواقع متعددة، فصار عمومه أعم من عموم آية اللعان؛ لأن آية اللعان لا يمكن أن تكون إلا في اللعان، وهذا طبعًا موضوع وإن كنت دخلت فيه، إلا أني أريد أن أشير إلى أننا ونحن ننظر في تطبيقات العام والخاص، سيكون عندنا فراغ كبير جدًا في مناقشات كثيرة فيما يتعلق بالتفسير.

    1.   

    الأسئلة

    المقصود بالأشباه والنظائر والوجوه

    السؤال: ما المقصود بالأشباه والنظائر، أو الأشباه والوجوه؟

    الجواب: الأشباه والنظائر مصطلح واحد، لكن المصطلح المتعارف عليه: الوجوه والنظائر، أو الوجوه والأشباه، والوجوه: يراد بها الكلمة التي يكون لها أكثر من معنى في القرآن، والنظائر أن يكون للكلمة الواحدة في أحد وجوهها أكثر من آية، مثال ذلك: (البعل) في القرآن جاء على وجهين:

    الوجه الأول: البعل: الصنم، كما في قوله سبحانه وتعالى: أَتَدْعُونَ بَعْلًا [الصافات:125]، ولا يوجد البعل بمعنى الصنم إلا في هذه الآية، فهذه ليس لها نظير.

    الوجه الثاني: البعل بمعنى الزوج كقوله: وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا [هود:72]، يعني: زوجي، ونظيره أو شبهه: وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ [البقرة:228]، وهذا الوجه فيه أكثر من نظير، يعني: أكثر من آية. وهذا يسمى نظائر.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756348082