إسلام ويب

الصوتيات

  1. الصوتيات
  2. علماء ودعاة
  3. محاضرات مفرغة
  4. مساعد الطيار
  5. عرض كتاب الإتقان
  6. عرض كتاب الإتقان (48) - النوع الثامن والأربعون في مشكله وموهم الاختلاف والتناقض

عرض كتاب الإتقان (48) - النوع الثامن والأربعون في مشكله وموهم الاختلاف والتناقضللشيخ : مساعد الطيار

  •  التفريغ النصي الكامل
  • من أنواع علوم القرآن: المشكل وموهم الاختلاف والتناقض، وهو من العلوم التي ألف فيها العلماء مؤلفات خاصة، وقد تأثر بعضهم بمذهبه الأصولي في الحديث عن هذا العلم، وللاختلاف في فهم الآيات أسباب ذكرها العلماء كاختلاف الزمان والحال وغير ذلك.

    1.   

    مشكل القرآن وموهم الاختلاف والتناقض

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين، أما بعد:

    فعندنا اليوم [النوع الثامن والأربعون: في مشكله وموهم الاختلاف والتناقض].

    إذا تأملنا هذا العنوان نجد أن السيوطي رحمه الله تعالى قد ذكر في العنوان نوعين:

    النوع الأول: هو المشكل.

    والثاني هو: موهم الاختلاف والتناقض، ولكي نعرف تاريخ استخدام هذا اللفظ عند السيوطي رحمه الله تعالى علينا أن نرجع إلى كتابه: التحبير في علم التفسير، وهو كتاب كتبه قبل الإتقان، واعتمد فيه على كتاب البلقيني ؛ فإنه ذكر العنوان بمشكله، قال: (النوع السادس والأربعون: المشكل)، هذا في كتاب التحبير، وأيضاً قال: (وهذا النوع من زياداتي).

    وإذا قال في كتاب التحبير: من زياداتي، فهو زياداته على كتاب مواقع النجوم من مواقع العلوم للبلقيني ، وهذا قد سبق تحريره في بداية التعليق على كتاب السيوطي : أن أصل كتاب التحبير هو من البلقيني وأضاف عليه السيوطي زيادات، وكتاب البلقيني نزلت له طبعة محققة في الأسواق، وأيضاً هناك رسالة علمية حققت في كلية طنطا فرع لجامعة الأزهر، والكتاب مفيد ونفيس، وقد سبق التعليق عليه وعلى ما فيه من الفوائد.

    تفريق السيوطي بين المشكل والمتشابه

    لكن الذي يعنينا هنا هو التنبيه على أن السيوطي رحمه الله تعالى وهو يكتب التحبير جعل هذا النوع باسم المشكل، وقال: (ويشبهه من أنواع علم الحديث مختلف الحديث)، ثم فرّق بينه وبين المتشابه، لكن المتشابه الذي يفرّق بينه السيوطي هنا وبين المشكل قال: (إن المتشابه لا يُفهم معناه والمراد منه، وهذا يُفهم بالجمع؛ إذ المراد منه الآيات التي ظاهرها التعارض المنزه عنه كلام الله).

    فإذاً هو الآن فسّر المشكل عنده في هذا الكتاب بأنه: ما يوهم التعارض، ولما جاء في الإتقان عبّر عنه بقوله: (مشكله وموهم الاختلاف والتناقض).

    من كتب في مشكل القرآن قبل السيوطي

    وقد سبقه إلى الكتابة في موهم الاختلاف والتناقض صاحب البرهان الزركشي رحمه الله تعالى، فنحن نريد أن نناقش هذا الموضوع وهو ما يتعلق بـ: هل يمكن أن نجعل المشكل نوعاً وموهم الاختلاف والتناقض نوعاً آخر أو لا؟

    بعد السيوطي كما تعلمون جاء ابن عقيلة المكي المتوفي سنة ألف ومائة وخمسين، واستدرك على السيوطي في هذا، يقول: علم ما أوهم التناقض والتعارض وليس بمتناقض ولا بمتعارض. وهذا النوع الخامس بعد المائة عند ابن عقيلة المكي .

    يقول مستدركاً على السيوطي : قال الحافظ السيوطي في الإتقان: النوع الثامن والأربعون: في مشكله وموهم التناقض.

    قلت: تقدم تعريف المشكل وأنه هو الذي أشكل معناه، فلم يتبين حتى بُيّن، وليس هذا النوع من ذلك، بل هذا النوع آيات يعارض بعضها بعضاً، وكلام الله تعالى منزه عن ذلك.. إلى آخر كلامه.

    وفي النوع الذي ذكره في المشكل قال في تعريف المشكل هناك: علم نصه ومشكله -يعني: جعل النص مقابل المشكل-، ولم يذكر الحافظ السيوطي رحمه الله تعالى في الإتقان الكلام على النص، وإنما ذكر المشكل وما يوهم التناقض، وسنذكر ما قاله عند ذكر ما أوهم التناقض.

    ثم قال: النص هو: ما ازداد وضوحه لا من حيث اللفظ.

    ثم ذكر تعريف المشكل بعد ذلك فقال: وأما المشكل فهو: ما أشكل معناه على السامع ولم يصل إلى إدراكه إلا بدليل آخر.

    أثر الكتابة في أصول الفقه على الكتابة في علوم القرآن

    إذاً هذا النوع -الذي ذكره السيوطي- يكون مستدركاً عند ابن عقيلة المكي في كتابه: الزيادة والإحسان في علوم القرآن.

    وهذا كتاب الشيخ عبد الله بن حمد المنصور : مشكل القرآن الكريم وهو كتاب نفيس ومليح، وفيه فوائد جليلة جداً، من هذه الفوائد هذا الملحظ ولم أجده لغيره، والملحظ دقيق جداً نستفيده من كلامه في استدراك ابن عقيلة على السيوطي ، لما تكلم عن موضوع المشكل، نبه على قضية مهمة جداً وهي أثر الاتجاه الأصولي على من ألّف في علوم القرآن، قال: بأن الزركشي اعتمد على كتابه في أصول الفقه البحر المحيط، ثم السيوطي استفاد من الزركشي من خلال ما استفاده الزركشي من كتابه: البحر المحيط، وكتاب البحر المحيط مشى فيه الزركشي على ما مشى عليه علماء أصول الفقه الذين كانوا ينحون المنحى الكلامي، ومعروف في كتابة أصول الفقه أن للعلماء منحيين في كتابته: أصول الفقه الذي نحا المنحى الكلامي، وأصول الفقه على مذهب الحنفية.

    قال بعد ذلك: ويؤيد هذا أن من كتب في علوم القرآن ممن نحى منحى الحنفية في أصول الفقه أفردوا المشكل.

    فإذاً: ابن عقيلة المكي حنفي، وكذلك قبله صاحب التيسير في قواعد علم التفسير الكافيجي أيضاً حنفي، فأفرد أيضاً المشكل في كتابه القواعد، ونبه على هذا المصطلح باستقلاله.

    فنفهم من هذا هذه القضية الدقيقة جداً وهي مهمة في أن استدراك ابن عقيلة المكي منطلق من أصول الفقه الحنفي عنده، وهذا يدلك على أثر الكتابة في أصول الفقه على الكتابة في علوم القرآن.

    ومع هذا فإن استدراك ابن عقيلة صحيح، بغض النظر عن كوننا نعتمد المصطلحات الحنفية أو مصطلحات المتكلمين، نقول: إن المشكل شيء، والموهم التعارض والتناقض أيضاً شيء آخر. فقد يكون بينهما تداخل وهذا سنناقشه الآن.

    إذاً: هذا يظهر لنا من خلال هذا الاستعراض السريع في هذه الكتب.

    نرجع الآن إلى ما ذكره السيوطي رحمه الله تعالى في هذا النوع.

    العلماء الذين أفردوا مشكل القرآن بالتصنيف

    يقول: أفرده بالتصنيف قطرب ، هل انفرد قطرب بتصنيف هذا، وما هو تصنيفه الذي ذكره؟

    بعض العلماء نقلوا نقلاً قليلاً جداً عن قطرب ، لكن كتاب قطرب عموماً صغير كما ذكر ذلك ابن جني في الخصائص.

    يقول: ولله در قطرب فإنه قد أحرز عندي أجراً عظيماً فيما صنفه من كتابه الصغير في الرد على الملحدين، وعليه عقد أبو علي رحمه الله كتابه في تفسير القرآن، وإذا قرأته سقطت عنك الشبه في هذا الأمر بإذن الله وعونه.

    و قطرب رحمه الله تعالى وعفا عنه في كتابه هذا كتبه على أسلوب المعتزلة؛ لأنه كان معتزلياً، فهو يورد الشبه ويناقشها على أسلوب المعتزلة.

    وليس كتاب قطرب هو أول كتاب أُلّف في هذه الفكرة وهي فكرة موهم التعارض، فقد سبقه إلى ذلك مقاتل بن سليمان ، والذي توفي سنة 150هـ، و قطرب توفي سنة 206هـ، وكتاب مقاتل بن سليمان أفاد منه الملطي في كتابه في البدع، ونقل جملة طويلة من كتاب مقاتل بن سليمان ، وهذا الكتاب الذي هو متشابه القرآن هل هو كله في الموهم، أو الذي نقل منه جزء من الموهم؟ الله أعلم، لكن كثير مما نقل منه مرتبط بما يوهم التعارض.

    كذلك الإمام أحمد وهو جاء بعد قطرب كتب في الرد على الزنادقة والجهمية، وجزء من رده كان في موهم التعارض وموهم الاختلاف.

    كذلك بعدهم جاء ابن قتيبة في كتابه: تأويل مشكل القرآن، وفي جزء من كتاب تأويل مشكل القرآن في نفس الفكرة الذي هو موهم التعارض.

    وهناك كتابات أخرى كثيرة، لكن قصدت أن نذكر من كان قبل أو من كان قريباً من قطرب رحم الله الجميع.

    الفرق بين المشكل والمتشابه

    نأتي إلى تعريف المشكل، فإذا قلنا مثلاً: هذه الآية مشكلة. فلا يعني ذلك أنها مختصة فقط بما يوهم الاختلاف والتناقض والتعارض، بل المشكل أوسع من كونه يوهم الاختلاف.

    و السيوطي رحمه الله تعالى لما ذكر في التحبير أنه بخلاف المتشابه، ذهب بالمتشابه إلى المتشابه الكلي، فهو وازن بين المشكل والمتشابه الكلي، فهو الآن قال: إن المشكل يشكل لكنه يُعلم معناه، فيمكن أن يبيَّن، يوصل إلى بيانه بالجمع، المتشابه قال: لا يعلم معناه. إذاً ذهب إلى المتشابه الكلي.

    لا نريد أن ندخل في تفاصيل هذا؛ لأنه سبق أن ناقشناه عند الكلام عن المحكم والمتشابه، لكن نريد أن ننتقل الآن إلى المشكل والمتشابه النسبي هل بينهما فرق أو لا؟

    الآن هذا تخصيص، يعني: عندما تقول: المشكل في كذا، والمتشابه في كذا.. هذا تخصيص، لكن لما نقول: هذه الآية مشتبهة عليّ، فالمعنى أو شيء مما وراء المعنى يدخل في المتشابه، بمعنى: أن مصطلح المتشابه النسبي ومصطلح المشكل مصطلحان متقاربان يعني: أن أحدهما يدل على الآخر، فإذا أردنا أن نخصص فهذا يكون اصطلاحاً خاصاً، لكن في حقيقة الأمر لا. وهذا ما نبّه عليه ابن قتيبة في تأويل مشكل القرآن، حيث ذكر أن المتشابه النسبي والمشكل معناهما متقارب ويؤديان نفس الغرض، فمن خلال هذا الكلام نقول: إن كلامنا عن المشكل قد سبق في كلامنا عن المتشابه النسبي، يبقى الآن هل موهم الاختلاف والتناقض هو شيء مغاير للمشكل، أو هو جزء من المشكل؟ هو في حقيقته جزء من المشكل؛ لأنه من أسباب الإشكال الذي هو الظن بالاختلاف والتغاير أو التناقض هذا.

    إذاً: الآن كوننا نضع السلسلة نقول: إن موهم الاختلاف والتناقض الذي نص عليه السيوطي هنا هو جزء من المشكل، والمشكل هو نفسه المتشابه النسبي، فبدلاً من أن نطول سلسلة المصطلحات ونكثر نجعل عندنا مصطلحاً واحداً وهو المشكل والمتشابه النسبي، ويدخل فيه هذا المبحث أو هذا النوع.

    لما نأتي إلى موهم الاختلاف، سنرى أن موهم الاختلاف والتناقض كما قلنا: هو جزء من علم المشكل، المشكل أيضاً قلنا: إنه أي إشكال يطرأ على الآية بالنسبة للتالي -للقارئ-، فإنه يعتبر من المشكل عنده، لكن لا يلزم أنه مشكل عند غيره.

    فالمشكل من جهة المعاني لا شك أنها معلومة، إن جهلها واحد فيعلمها غيره.

    فإذاً لو نظرنا إلى الإشكال قد يكون إشكالاً في اللفظ، قد يكون إشكالاً في المعنى، وقد يكون إشكالاً في رجل ما.. إلى آخره، بمعنى أن أسباب الإشكال قد تتعدد.

    نأتي إلى ما رواه عن ابن عباس ، قال: جاء رجل إلى ابن عباس فقال: رأيت أشياء تختلف عليّ، فقال ابن عباس : ما هو؟ أشك؟ قال: ليس بشك، ولكنه اختلاف.

    بمعنى أن هذا السائل يقول: بينما أنا أقرأ القرآن اختلفت عليّ، إذاً الآن موهم التعارض كما قال الآن الإمام رحمه الله تعالى: وكلامه تعالى منزّهٌ عن ذلك لقوله تعالى: وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا [النساء:82].

    إذاً الآن الوهم يقع في ذهن المتلقي وليس في النص، يعني: أن النص -أي: القرآن- لا يمكن أن يقع فيه تناقض أو اختلاف، وإنما هذا يقع في ذهن المتلقي، فيحتاج المتلقي إلى أن يفك له هذا الإشكال الذي يسمى موهم التعارض.

    سؤالات نافع بن الأزرق ابن عباس ومعارضته له

    من باب الفائدة: ابن حجر رحمه الله تعالى لما جاء عند هذا الأثر وأصله في الصحيح يقول: كأن هذا الرجل هو نافع بن الأزرق الذي صار بعد ذلك رأس الأزارقة من الخوارج، وكان يجالس ابن عباس بمكة ويسأله ويعارضه، ومن جملة ما وقع سؤاله عنه صريحاً ما أخرجه الحاكم في المستدرك، ثم روى بسنده عن عكرمة قال: سأل نافع ابن عباس عن قوله تعالى: هَذَا يَوْمُ لا يَنطِقُونَ [المرسلات:35]، و فَلا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا [طه:108]، وقوله: وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ [الصافات:27]، هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ [الحاقة:19].

    الحديث في هذه القصة، وهي إحدى القصص المسئول عنها في حديث الباب.

    فنلاحظ أن هناك تشابهاً بين ما رواه الحاكم في مستدركه ومنصوص على نافع ، وهذه الرواية التي بين أيدينا، ثم ذكر أمثلة أخرى في سؤالات نافع وهي وأصلها موجود فيما بين أيدينا.

    مما ذكره الآن هذا السائل وأبهم بقوله: (رجل)، وكما قال ابن حجر : يحتمل أن يكون نافع بن الأزرق ، سأل عن قول الله سبحانه وتعالى: ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ [الأنعام:23]، وفي آية أخرى قال: وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً [النساء:42].

    الآن ما وجه الإيهام الذي وقع؟ هنا يقولون: قَالُوا [الأنعام:23] يعني: إذاً تكلموا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ [الأنعام:23]، وقال هنا: وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً [النساء:42] مع أنهم الآن كتموا الشرك، هم قالوا: مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ [الأنعام:23] وقد كتموا.

    في الآية الأخرى قال: فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ [المؤمنون:101]، ثم قال: وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ [الصافات:27].

    أسباب موهم الاختلاف

    الآن لو أردنا أن نصنّف هذه الأنواع التي هي من أنواع موهم التعارض، ونذكرها سريعاً ثم نرجع إليها مرة أخرى.

    السيوطي ذكر عن الزركشي في البرهان قال: للاختلاف أسباب:

    أحدها: وقوع المخبر به على أحوال مختلفة وتطويرات شتى. يعني: اختلاف الأحوال.

    الثاني: اختلاف الموضوع.

    والثالث: اختلافهما في جهتي الفعل.

    والرابع: اختلافهما في الحقيقة والمجاز.

    والخامس: بوجهين وباعتبارين.

    الجمع بين قوله تعالى: (ثم لم تكن فتنتهم إلا ...) وقوله: (ولا يكتمون الله حديثاً)

    لو رجعنا الآن إلى ما ذكره السائل لـابن عباس وأردنا أن نصنف ما ذكره السائل، فسنقول:

    قوله: ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ [الأنعام:23] وقوله: وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً [النساء:42]، فسبب موهم التعارض عند هذا الرجل في هذه الآية هو اختلاف الأحوال، وكذلك أيضاً اختلاف الزمن، وهو أنه وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً [النساء:42] في وقت، وهذا في وقت؛ لأن يوم القيامة يوم ممتد فتقع فيه أحداث كثيرة.

    الجمع بين قوله تعالى: (... ولا يتساءلون)، وقوله: (وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون)

    كذلك في قوله: فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ [المؤمنون:101]، وقوله: وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ [الصافات:27]. أيضاً اختلاف الأحوال وأيضاً اختلاف الزمن.

    الجمع بين قوله تعالى: (خلق الأرض في يومين) وقوله: (والأرض بعد ذلك دحاها)

    آية: قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ [فصلت:9] مع أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا [النازعات:27] ثم قال: وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا [النازعات:30] يعني: الإشكال أنه في آية فصلت يوهم أن خلق السماء بعد خلق الأرض، وهنا في آية وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا [النازعات:30] أن الأرض بعد خلق السماء، فأيضاً هذا من أنواع الأطوار؛ لأنه تعددت الأطوار.. خلق الأرض في يومين، ثم خلق السماء، ثم دحا الأرض بعد ذلك وأخرج فيها أقواتها فصارت ستة أيام، يعني: يومان خلق الأرض، ثم يومان لخلق السماء، ثم بعد ذلك يومان مرة أخرى لدحو الأرض. فالخلق الأول للأرض غير الثاني.

    معنى قوله تعالى: وكان الله

    وقوله وأسمعه يقول: (( كَانَ اللَّهُ )) ما شأنه يقول: وَكَانَ اللَّهُ [النساء:85]، يعني: ماذا فهم السائل من قوله: وَكَانَ اللَّهُ [النساء:85]؟ يعني: كان وانتهى، وكأنه يقول: كان تدل على هذا.

    إذاً: فكيف نتعامل مع هذه وَكَانَ اللَّهُ [النساء:85]، يعني: ما هو سبب الإيهام عنده؟ هل هو وجهان واعتباران؟ هو توهم غير المراد، لكن ما هو سبب توهمه غير المراد في هذه؟

    من باب الفائدة: ابن عباس قال: كان ولم يزل كذلك، وهو كذلك عزيزٌ حكيم عليمٌ قدير، ثم لم يزل كذلك فما اختلف عليك من القرآن فهو يشبه ما ذكرت لك، وأن الله لم ينزل شيئاً إلا وقد أصاب به الذي أراد.. إلى آخر كلام ابن عباس رضي الله عنه.

    الطاهر بن عاشور رحمه الله تعالى له كلام عن (كان) هذه في مواطن، وأذكر من هذه المواطن قوله: على أن الإتيان بـ(كان) أيضاً للدلالة على الاستمرار؛ لأن (كان) إذا لم يقصد بها انقضاء خبرها فيما مضى دلت على استمرارية الخبر بقرينة كقوله تعالى: وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا [النساء:96].

    وفي موطن آخر قال: وفعل كان في قوله: كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا [الأحزاب:6] لتقوية ثبوته؛ لأن (كان) إذا لم يقصد بها أن اسمها يتصف بخبرها في الزمن الماضي كان للتأكيد غالباً، مثل: وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا [النساء:96] أي: كان ولم يزل.

    فنفهم من هذا أن (كان) الأصل فيها الدلالة على المضي والانتهاء، لكن وجود القرينة يجعلها تدل على أنه لم يزل.

    وهذا الذي أراد أن ينبه ابن عباس السائل أو المستشكل له: بأنه في مثل هذا المقام كان ولم يزل؛ لوجود القرينة في المقام أنها من صفات الله سبحانه وتعالى، وليس المراد أنه كان ثم انتهى.

    (كان) وأمثالها ليست من الموهم وإنما من المشكل، إذا قلنا من المشكل خرجت من جنس المشكل الموهم، ولكنها من جنس المشكل في موطن آخر.

    علاقة هذا البحث بعلوم القرآن والعلوم الأخرى

    من خلال الاطلاع على بعض الأمثلة التي ذكرها السيوطي يتبين أن هذا البحث الذي هو في موهم الاختلاف والتناقض بحث عقلي؛ لأنه آية مقابل آية، فيقع فيها إشكال فنحتاج إلى العقل لفك هذا الإشكال أو هذا الإيهام.

    إن هذا البحث له أثر في بيان المعاني، وما دام له أثر في بيان المعاني ولو أثراً جزئياً فإنا ندخله في علوم التفسير؛ لأننا أحياناً قد نحمل شيئاً على شيء كما سيأتي بعد قليل، فهو إذاً من علوم التفسير، وبناءً عليه لا شك أنه من علوم القرآن.

    وهذا البحث أيضاً له علاقة بموهم التعارض.

    كذلك له علاقة بعلوم أخرى مثل: علم العقائد وعلم أصول الفقه وهما علمان كبيران.

    ولهذا فـمقاتل و قطرب والإمام أحمد ، كل بحوثهم بحوث عقدية، والمشكل الذي ذكرناه عن السيوطي في هذا له علاقة بأصول الفقه؛ لأنه مرتبط بالناسخ والمنسوخ، وكذلك في بعض الأشياء التي وقع فيها تناقض هو في الاعتقاد، ولهذا الخوارج من أسباب ضلالهم أنهم ضربوا آيات بآيات أخرى.

    سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756305735