إسلام ويب

فقه العبادات - الطهارة [9]للشيخ : عبد الله بن ناصر السلمي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • للوضوء آداب يستحب الإتيان بها، فمن ذلك أن يستحضر المتوضئ أنه بوضوئه يزيل الأقذار المعنوية كما يزيل الأقذار الحسية، ومنها الدعاء بما ورد وصح في السنة بعد الوضوء، وترك الاستعانة والتنشف. ومما يتعلق بأحكام الوضوء المسح على الخفين، وهو مشروع بالسنة المتواترة، وله أحكام فقهية تخصه يجب التفقه فيها وتعلمها.

    1.   

    آداب الوضوء

    الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، وبعد:

    فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    أيها الإخوة في الله! نسعد بكم في هذا الدرس العلمي المبارك، ونكمل ما كنا قد توقفنا فيه، ونسأله سبحانه وتعالى العون والتسديد في القول والعمل.

    كنا قد توقفنا -أيها الإخوة- عند نهاية شروط الوضوء، وذكرنا أن شروط الوضوء تسعة، والآن بعد أن ذكرنا فروض الوضوء، وسنن الوضوء، وكذلك شروط الوضوء، نذكر آداب الوضوء، فنقول:

    استحضار نية التطهر عن الأوساخ المعنوية (المعاصي)

    الشيخ: أولاً: يستحب أن يستحضر العبد حين وضوئه أنه يريد بذلك إزالة أوساخه المعنوية من المعاصي التي رأتها عيناه، أو المعاصي التي بطشتها يداه، أو المعاصي التي مشت إليها رجلاه، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا توضأ العبد المسلم فغسل وجهه خرج من وجهه كل خطيئة نظرتها عيناه مع الماء، أو مع آخر قطر الماء، وإذا غسل يديه خرج كل خطيئة بطشتها يداه مع الماء أو مع آخر قطر الماء.. ) الحديث.

    وهذا يدل على أن الإنسان إذا أراد أن يتوضأ يستحضر ذلك، وأنه يريد أن يتوب إلى الله سبحانه وتعالى، وقد ذكر غير واحد من أهل العلم كـأبي بكر بن القيم رحمه الله: أنه يستحب الوضوء بسبب المعصية، وقد جاء في ذلك ما يدل عليه، من ذلك ما رواه الإمام أحمد من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: ( كان إذا حدثني أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم استحلفته، فإن حلف لي صدقته، وقد حدثني أبو بكر وصدق أبو بكر ! فقال: إذا أذنب أحدكم ذنباً ثم ذهب فتوضأ فأحسن الوضوء، ثم صلى ركعتين غفر الله له ذلك ).

    فهو حينما يتوضأ ويستشعر هذا الأمر فإنه يؤجر على ذلك، وأنت إذا جئت إلى هذه النفسية وهو قصد إزالة الذنب الذي وقعت فيه بسبب رؤيتك إلى منكر، أو بسبب سماعك إلى منكر، فإنك تستحضر انكسارك وافتقارك إلى ربك، وهذا ملحظ يجب ألا يخفى علينا جميعاً، وقد قال صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث عثمان رضي الله عنه: ( أنه توضأ ثلاثاً ثلاثاً )، يعني: غسل وجهه ثلاثاً، تمضمض واستنشق ثلاثاً، غسل يديه ثلاثاً.. الحديث ثم قال: ( من توضأ نحو وضوئي هذا، ثم صلى ركعتين لا يحدث بهما نفسه إلا غفر الله له ذنبه )، وهذا يدل على وجود أمرين: حسن وضوء، وحسن صلاة، ومن منا لا يقع في الذنب؟ ومن منا لم يقع في المعصية؟ هذه نقطة.

    استحباب قول الدعاء الوارد بعد الوضوء

    الشيخ: ثانياً: يستحب للإنسان إذا أتم الوضوء أن يقول ما ورد، والذي ورد بعد الوضوء دعاءان صحيحان، وما عدا ذلك فهو حديث ضعيف.

    أما الدعاء الأول: فما رواه مسلم في صحيحه من حديث عقبة بن عامر أنه قال: ( كانت علينا رعاية الإبل )، يعني: بعضنا يرعاها وبعضنا يبقى مع النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ( فجاءت نوبتي فروحتها بعشي.. ) الحديث وفيه: ( قال: ما أحسن هذا، قال عمر : التي قبلها أجود، سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ما من مسلم يتوضأ فيحسن وضوءه، ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية، يدخلها من حيث شاء )، وهذا حديث رواه مسلم في صحيحه. فيقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، أو يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، فكل ذلك وارد.

    والحديث الآخر ما رواه أهل السنن و أحمد من حديث أبي سعيد الخدري موقوفاً عليه: ( أنه كان إذا توضأ قال: سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك )، وهذا الدعاء هو دعاء كفارة المجلس، لكنه يقال عند الوضوء: ( سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك )، وهذا حديث صحيح موقوف على أبي سعيد ، و أبو سعيد لا يأخذ من بني إسرائيل، فيكون له حكم الرفع، والقاعدة: أن كل صحابي يقول قولاً من الغيب وليس ممن اشتهر عنه الأخذ من بني إسرائيل فإن قوله يكون له حكم الرفع.

    ومعنى (له حكم الرفع)، يعني: أنه إنما أخذه من الرسول صلى الله عليه وسلم. فهذا الذي ورد.

    وأما ما جاء في الحديث الذي رواه الترمذي ، من حديث أبي إدريس الخولاني ، و أبي عثمان النهدي ، كليهما عن عمر بن الخطاب أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من توضأ فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين )، فهذه الزيادة منكرة، وقد أنكرها الإمام البخاري ، كما نقل ذلك الإمام الترمذي ، وضعفها الإمام الترمذي ، قال البخاري : أبو إدريس لم يسمع من عمر ، وكذلك أبو عثمان النهدي ، وعلى هذا فالحديث إنما صح من حديث عقبة بن عامر عن عمر ، كما مر في رواية مسلم بدون هذه الزيادة، أما رواية أبي إدريس الخولاني و أبي عثمان النهدي عن عمر ، فإن ذلك منقطع.

    وقد جاءت رواية أخرى قريبة من ذلك رواها البيهقي من طريق زيد العمي ، عن ابن عمر و أنس ، وقد قلنا مراراً وتكراراً: إن زيداً العمي ضعيف، وعلى هذا فإن قول: ( اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين )، رواية ضعيفة، وأنا على علم أن لها طريقين، ولكنهما رواية ضعيفة، وحسبك بالإمام البخاري أنه قال: كل أحاديث الباب ضعيفة، وكذلك الترمذي رحمة الله تعالى على الجميع.

    كذلك مما جاء في بعض الروايات: ( أنه رفع ببصره إلى السماء )، فإن هذا الحديث رواه الإمام أحمد من طريق أبي عقيل زهرة بن معبد ، عن ابن عمه، عن عقبة بن عامر، وهذا الحديث ضعيف، وفيه: ( أنه توضأ فأحسن الوضوء، ثم رفع بصره إلى السماء فقال.. ) الحديث، فرواية رفع البصر إلى السماء رواية ضعيفة؛ فإن في سندها زهرة بن معبد ، وهو ضعيف الحديث.

    وعلى هذا فإن ما يقوله بعض العامة من استقبال القبلة، ورفع الإصبع: أشهد أن لا إله إلا الله، ليس له أصل، ولكن من العادة أن الإنسان إذا تشهد فرفع إصبعه فلا حرج، ولكن هل يستقبل القبلة أو لا يستقبل القبلة؟ لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك شيء. وأما إذا قال: أشهد أن لا إله إلا الله، ورفع الإصبع فإن النبي صلى الله عليه وسلم حث عليها في قوله: ( أحد أحد؛ فوالله إنها لأشد على إبليس من جبل أحد )؛ وذلك لأن ( النبي صلى الله عليه وسلم رأى سعد بن أبي وقاص يرفع إصبع يمنى وإصبع يسىرى، فقال له: أحد أحد -يعني: بإصبع واحدة- فوالله إنها لأشد على إبليس من جبل أحد )، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم. هذا هو الذي جاء في الوضوء.

    الاستعانة في الوضوء

    الشيخ: ومن المسائل في الوضوء: حكم الإعانة على الوضوء، والمقصود بالإعانة على الوضوء هو أن يصب عليه الماء، فإن النبي صلى الله عليه وسلم ثبت عنه أنه صب عليه بعض أصحابه من الماء كما جاء في الصحيحين من حديث المغيرة بن شعبة ، وجاء أنه يتوضأ من الإداوة، كما جاء ذلك عن أنس بن مالك رضي الله عنه كما في الصحيحين، ( فأحمل أنا وغلام نحوي إداوةً من ماء وعنزة، فيتوضأ بالماء )، وهذا الحديث يفيد أن النبي صلى الله عليه وسلم أحياناً يتوضأ بنفسه، وأحياناً يصب عليه بعض الناس، أما المداومة على أن يخدمه الآخرون فهذا ليس من المشروعية لمن كان ذلك يظن أنه مشروع وليس من الخلق الحسن أن يكون الإنسان دائماً يخدمه الآخرون، ولهذا قال الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: (ما أحب أن يعينني على وضوئي أحد)! لكن لو وضأه أحد، أو صب عليه الماء أحد فلا حرج.

    أما أن يقوم أحد بإمرار الماء على يديه ويمسح مرافقه، فإن كان لحاجة مثل المريض ونوى رفع الحدث، فجاء ابنه أو قريبه يصب الماء ويمر الماء على أعضائه ويفركها بيد هذا الرجل، ونوى المريض رفع الحدث، فهل يرفع حدثه؟ نقول: يرفع حدثه إن شاء الله، وأما لو صنع به وهو مغمىً عليه، أو وهو نائم فإن ذلك لا ينفع، والله أعلم.

    تنشيف الأعضاء بعد الوضوء

    الشيخ: من المسائل أيضاً: استعمال المنشفة، فإنا قد قلنا: إنه لا يصح حديث في الباب، يعني: لا يصح حديث أن النبي عليه الصلاة والسلام أمر بالمنشفة أو نهى عن المنشفة، أو أمر بالمنديل أو نهى عن المنديل، وأصح شيء في الباب هو ما جاء في الصحيحين من حديث ميمونة ، قالت: ( فأتيته بالمنديل فرده، فجعل ينفض الماء بيده )، فهذا نقول: إنه لا بأس باستعمال المنشفة في الوضوء، وقد قال ابن عباس بسند لا بأس به: ( كانوا لا يرون بالمنديل بأساً )، و ابن عباس حينما يقول هذا فإنما يقوله عن الصحابة رضي الله عنهم أجمعين.

    وعلى هذا فالأصل أن للإنسان أن ينشف أعضاءه بالمنديل أو بالخرقة ونحوها، وله أن يترك.

    وأما ما جاء في حديث ميمونة : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم رد المنديل وجعل ينفض الماء بيده )، فنقول: الجواب على ذلك أنها قضية عين، وقضايا الأعيان لا يقاس عليها، فلربما ترك صلى الله عليه وسلم ذلك لأجل أنه يحب أن يبقى الماء عليه لأجل التبرد، نقول: وذلك بدليل أنه جعل ينفض الماء بيده، فلو كان المقصود هو عدم إزالة آثار العبادة فنقول: فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد نفض ذلك، فهذا يدل على أنه لا حرج في ذلك إن شاء الله.

    فالحاصل أنه سواء نشف الأعضاء أو تركها كل ذلك جائز، وليس من التعبد في شيء، والله تبارك وتعالى أعلم.

    إذا ثبت هذا فإننا نكون قد انتهينا من باب السواك وباب الوضوء، ونشرع في باب آخر وهو باب المسح على الخفين.

    1.   

    أحكام المسح على الخفين

    الشيخ: باب المسح على الخفين.

    يبدأ المصنفون في العادة بباب المسح على الخفين بعد باب الوضوء؛ لأن ثمة مناسبة بينهما، وهو أن المسح على الخفين هو مسح لأحد أعضاء الوضوء، وأحكامه تتعلق بأحد أعضاء الوضوء، فناسب ذلك أن يذكر بعد باب الوضوء.

    فالرجلان تمسحان إذا وضع فيهما الخف، فكان أحد أعضاء الوضوء يجرى عليه حكم المسح فيما يسمى بباب المسح على الخفين، فلذلك كان من المناسب أن يذكر المسح على الخفين بعد باب الوضوء.

    تواتر المسح على الخفين عن الرسول صلى الله عليه وسلم

    الشيخ: والمسح على الخفين -أيها الإخوة- جاءت فيه أحاديث كثيرة، قال الإمام أحمد : سبع وثلاثون نفساً كلهم يروون عن النبي صلى الله عليه وسلم ( أنه مسح على الخفين ).

    وقال الحسن البصري كما ذكر ذلك ابن المنذر في كتاب الأوسط: أدركت سبعين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم يقول: ( إن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين ).

    وقد ذكر ابن المبارك رحمه الله إجماع الصحابة على جواز المسح على الخفين، وما ينقل من الخلاف فإنما ذلك في أول الإسلام، وقد أجمعوا على ذلك، حتى أصبح المسح على الخفين شعاراً لأهل السنة ضد أهل البدع والأهواء الذين يرون أن ثمة مانعاً فلا يجوزون، والصحيح جواز ذلك، ولأجل أن ذلك مخالفة لأهل البدع ذكر من ذكر ممن صنف في كتب الاعتقاد المسح على الخفين؛ كما صنع ذلك أبو علي الصابوني في كتابه عقيدة أهل الحديث وغيره.

    المفاضلة بين غسل الرجلين والمسح على الخفين في الوضوء

    الشيخ: إذاً أيها الإخوة! المسح على الخفين سنة مشروعة، وهي رخصة من سنن النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن السؤال: إذا ثبت ذلك، فهل الأفضل أن يمسح على خفيه أم يغسل رجليه؟

    اختلف العلماء في ذلك على ثلاثة أقوال:

    جمهور الفقهاء يقولون: إن الأفضل هو غسل الرجلين؛ لأن ذلك هو الأكثر من حال النبي صلى الله عليه وسلم، ولقول عمر رضي الله عنه حين سئل: لماذا خلعت الخفين؟ قال: إنه حبب إلي الطهور يعني: حبب إلي الوضوء. فهذا إنما فعله عمر لأجل أنه يحب الوضوء فقط، وليس في ذلك إنكار للمسح، كيف ذاك وهو الفاروق الذي كان يقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم في كل صغيرة وكبيرة، ولكن بعض الناس يحب الوضوء، ويحب غسل الأعضاء من جميع البدن، وليس معنى ذلك عدم استحباب المسح.

    القول الثاني وهو مذهب الحنابلة: أن الأفضل هو المسح على الخفين، قالوا: لأن ذلك إظهاراً لمخالفة أهل البدع، فإن أهل البدع لا يمسحون على الخفين، فلأجل إظهار هذا الأمر صار أفضل.

    وقالوا: ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بذلك في حديث صفوان بن عسال كما روى ذلك الترمذي و النسائي و أحمد : ( أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا ننزع خفافنا إذا كنا مسافرين ثلاثة أيام بلياليهن، ولكن من غائط وبول ونوم )، قالوا: فإن الرسول عليه الصلاة والسلام أمرهم ألا ينزعوا، وهو دليل على أن المسح أفضل، هكذا قالوا، والذي يظهر لي والله أعلم هو القول الثالث وهو اختيار أبي العباس بن تيمية رحمه الله، وهو أن الأفضل هو ما كان حال الرجل عليه، فإن كانت الرجلان فيهما الخف فالأفضل أن يمسح، ولا يخلع ليغسل، وإن كانتا ليس فيهما الخف فالأفضل أن يغسل، وهذا كان حال النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه كان إذا شرع في الوضوء فإنه ينظر إلى حال رجليه كما قال في حديث المغيرة بن شعبة، قال: ( فأهويت لأنزع خفيه فقال: دعهما، فإني أدخلتهما طاهرتين، ومسح عليهما )، فهذا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يتكلف، فمتى كانت الرجلان ليس فيهما خف غسل رجليه، ومتى كانت الرجلان فيهما الخف مسح عليهما.

    وعلى هذا فليس من السنة التكلف في الخلع ليغسل، ولا التكلف في اللبس ليمسح، هذا هو الذي يظهر والله أعلم، وهو جمع بين الأقوال، تبارك من أعطى من أهل العلم! فإن أبا العباس رحمه الله قد وفقه ربي لمعرفة أقوال الأئمة، وجمع ما لم يجمعه غيره، فوفقه ربي بمثل ذلك، والإنسان إذا سأل ربه الهداية والتوفيق بأن يمنحه الفقه في الدين نال حظاً وافراً، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم لـعلي بن أبي طالب : ( إذا سألت فقل: اللهم إني أسألك الهدى والسداد، واذكر بالهدى هدايتك الطريق، وبالسداد سداد السهم )، اللهم اهدنا وسددنا، اللهم اهدنا وسددنا، والله أعلم.

    ما يدخل في باب المسح من غير الخفين

    الشيخ: إذا ثبت هذا فإن المسح على الخفين تذكر فيه بعض المسائل، فالخفان إنما ذكرا على سبيل الغلبة، فإن كل حائل من جوارب، وجرموق، ولفائف، وعصائب، وتساخين، وعمامة، تدخل في باب المسح.

    ولهذا عبر بعض الفقهاء بدلاً من المسح على الخفين فقال: باب المسح على الحائل؛ لأجل أن يدخل الخفان، ويدخل الجوارب، ويدخل الجرموق، وتدخل العمائم، ويدخل خمار المرأة، وغير ذلك مما هو في حكم الحائل، والله أعلم.

    مدة المسح على الخفين

    الشيخ: إذا ثبت هذا فإننا نقول: هل المسح على الخفين مؤقت بمدة أم ليس بمؤقت بمدة؟

    نذكر خلاف أهل العلم في هذا:

    الجمهور من أهل العلم يرون أن المسح على الخفين مؤقت بمدة، هذا مذهب جماهير الفقهاء خلافاً لـمالك بن أنس ، فإنه قال: ليس مؤقتاً بمدة، والصحيح أنه مؤقت بمدة؛ وذلك لأن غالب الأحاديث الصحيحة دلت على ذلك، من ذلك ما رواه الإمام أحمد و الترمذي و النسائي وغيرهم من حديث صفوان بن عسال ، قال: ( أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم ألا ننزع خفافنا إذا كنا مسافرين ثلاثة أيام بلياليهن، ولكن من نوم وغائط وبول ).

    وكذلك ما رواه مسلم في صحيحه من حديث شريح بن هانئ قال: ( سألت أم المؤمنين عائشة عن المسح على الخفين، قالت: سل عن ذلك علي بن أبي طالب ؛ فإنه كان كثير الأسفار مع النبي صلى الله عليه وسلم. قال: فسألناه، فقال: جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسافر ثلاثة أيام بلياليهن، وللمقيم يوماً وليلة ).

    وهذا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما وقت للمسح بمدة ثلاثة أيام بلياليهن للمسافر، ويوماً وليلة للمقيم، وهذا هو الراجح والله أعلم.

    وأما ما جاء في سنن الدارقطني وعند الطحاوي في شرح معاني الآثار، عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أنه قال: ( خرجت من الشام إلى عمر يوم الجمعة، فوصلت إلى عمر يوم الجمعة وأنا على خفي لم أنزعهما، فقال لي عمر : متى كنت تلبس خفيك؟ قال: منذ خرجت، فقال: أصبت، وفي رواية: أصبت السنة ).

    قال مالك بن أنس : فهذا يدل على أنه مسح من يوم الجمعة إلى يوم الجمعة، ولم يخلع، فدل ذلك على أن المسح ليس له مدة، فهذا الحديث الراجح والله أعلم أن رواية ( أصبت السنة ) رواية ضعيفة، كما ذكر ذلك الدارقطني رحمه الله، وقد قال عمر رضي الله عنه: (يمسح من ساعته إلى اليوم الذي وصل منه)، وهذا أثر صحيح رواه ابن المنذر وغيره، وهذا يدل على أن عمر رضي الله عنه يرى التوقيت.

    فكون عمر رضي الله عنه يرى ذلك، فهذا يدل على أن كل الأحاديث الواردة عنه بأنه لا يرى التوقيت فيها نكارة.

    وهذه طريقة عند الأئمة في تضعيفهم للأحاديث: إذا ثبت عن عمر أنه يقول بشيء، فجاء عنه حديث مرفوع أو موقوف مخالف لقوله، فإنهم يقولون: هذا المرفوع ضعيف، وهذه طريقة الأئمة، فلا يقولون: العبرة بما روى لا بما رأى، فهذه طريقة المتأخرين، أما طريقة الإمام أحمد ، وطريقة الإمام البخاري ، وطريقة الإمام الدارقطني ، وطريقة الإمام أبي داود فإنهم يقولون: إذا جاء عن الصحابي حديث مرفوع يخالف ما رآه دل على أن ما رواه يفيد الضعف، من ذلك ما جاء في قصة حديث أبي هريرة وهو أنه روى هشام بن حسان ، عن محمد بن سيرين ، عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من ذرعه القيء فلا قضاء عليه، ومن استقاء عمداً فليقض )، هذا الحديث تكلم فيه أهل العلم بسبب وجود عيسى بن يونس ، عن هشام بن حسان ، تفرد به عيسى بن يونس ، قال البخاري : صح عن أبي هريرة أنه قال: ( الوضوء مما خرج لا مما دخل، والفطر مما دخل لا مما خرج )، قال: فهذا يدل على أن البخاري رحمه الله يرى أن ما خرج لا ينقض الصوم، فجعل ما رآه دليلاً على ضعف ما رواه؛ لأنه يبعد أن يروي الصحابي عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثاً ثم يخالفه؛ لأنهم كانوا على التقوى والبر الذي يعجز عنه الوصف، فيبعد أن يخالفوا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل كانوا يغضبون إذا رأوا أحداً يخالف النبي صلى الله عليه وسلم حتى في الأمور المباحة.

    ابن عمر -كما قلت لكم- عندما كان يأكل مع أولاده فقال لهم: ( إني أحب الدباء؛ فإن النبي عليه الصلاة والسلام كان يحب الدباء، فقال أحد أبنائه: والله لا أحب الدباء، قال: لا تحب شيئاً أحبه صلى الله عليه وسلم؟ لا كلمتك سائر اليوم )، الله أكبر!

    ( وقال عبد الله بن مغفل حينما كان ابن عمه يخذف بالحصى الصغير قال: لا تخذف؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الخذف وقال: إنها لا تصيد صيداً ولا تنكأ عدواً، إنما تفقأ العين وتكسر السن، فلما رآه بعد ذلك يخذف، قال: أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعارض فيه؟ لا كلمتك أبداً ).

    وهذا يدل على عظم محبة النبي صلى الله عليه وسلم وحسن الانقياد له في قلوبهم، فهابوا أن يخالفوه، أو أن يروا أحداً يخالفه، فهذا يدل على أن الراجح والله أعلم أن المسح على الخفين إنما يؤقت بمدة، لكن ومع القول بأن الراجح أن المسح يؤقت بمدة، فإن أبا العباس بن تيمية قال: إنه إذا كان الإنسان معذوراً بخوف فوات رفقة، فإنه لا بأس أن يترك التوقيت.

    والجمهور قالوا بخلاف ذلك، ولعل قول الجمهور أقرب؛ وذلك لأن حديث عقبة لم يتركه لأجل فوات رفقة أو غير ذلك، وما جاء في بعض كتب المغازي كما ذكر أبو العباس : أنه كان لأجل أن يدرك عمر فهذا أولاً في مغازي ابن قانع ، وهي رواية ضعيفة. ثانياً: أن رواية الدارقطني وهي أصح أنه إنما تركها لأجل أنه يرى ذلك، وهو رأي يرويه الصحابي عقبة ، ولهذا قال الإمام أحمد : العبرة بما كان عليه النبي عليه السلام، فالنبي عليه السلام أولى أن يتبع من قول عقبة ، فهذا يدل على أن قول الصحابي حجة إذا لم يخالف قول صحابي غيره، أو لم يخالف الظاهر من فعل النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن إذا كان يتضرر بنزع الخفين صار بمنزلة الجبيرة، كمن احترقت رجلاه وفيها الخفان، فإنه يصعب إزالتهما؛ فيرى الأطباء أن نزعهما ربما يكون فيه سبب لنزع اللحم، فيمسح عليهما ولا حرج في ذلك، حتى تجرى له العملية.

    ومن ذلك أيضاً إذا كان في برد شديد، مثل الذين في سيبيريا، فلربما لو نزع خفيه لاشتد ذلك عليه، ولربما وقف الدم، فحينئذ يكون هذا في حكم الجبيرة فيعذر صاحبه، وهذه ضرورة، والضرورة تقدر بقدرها، والله تبارك وتعالى أعلم.

    المسح على الخفين في سفر المعصية

    الشيخ: إذا ثبت هذا فالسؤال الآخر: لو أن مسافراً سافر سفر معصية، ولبس خفيه، مثل الشباب الذين يسافرون بنية فعل الحرام، فلو سافروا لبعض الدول الغربية لأجل أن يفعلوا الحرام، فهل لهم أن يمسحوا على الخفين؟ فهذا يوجد كثيراً.

    الجواب: ذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة إلى أن المسافر سفر معصية لا يجوز له الترخص بأحكام الرخص، قالوا: لأن ثمة قاعدة عند الفقهاء يقولون: الرخص لا تناط بالمعاصي، وعليه فلا يجوز المسح على الخفين لمن سافر سفر معصية.

    ولا يجوز له القصر عندهم؛ لأن سفره سفر معصية، يقولون: لأن الله إنما خفف ذلك لعباده، فإذا فعلوا ذلك معصية فلا يجوز، فقوله: يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ [النساء:28]، هم عباده الذين أطاعوه، هكذا قال الجمهور.

    والقول الثاني في المسألة: وهو مذهب أبي حنيفة و ابن حزم الظاهري ، واختيار أبي العباس بن تيمية رحمه الله: أن المسح على الخفين والقصر ونحوهما مناطة بمجرد وجود السفر، والمسح مناط بمجرد وجود الخفين بشروطهما، وأما كون سفره محرماً أو غير محرم فلا علاقة له بذات العبادة، فالعبادة وجدت فيها الشروط الشرعية، وليس من الشروط الشرعية وجود سفر مباح أو محرم.

    قالوا: وقاعدة الرخص لا تناط بالمعاصي، معناها أنه لا يؤجر عليها، ولكن له أن يفعلها، وهذا هو الذي يظهر والله أعلم؛ وذلك لأن المسح على الخفين ترتبت عليه شروط، وليس من شروطه وجود السفر المباح أو السفر المعصية؛ لأن هذا متعلق بذات المكلف، والمسح على الخفين له شروط متعلقة بالأحكام الوضعية، وثمة فرق بين الأمرين، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

    إذا ثبت هذا فالذين يسافرون سفر معصية نقول: أنتم آثمون بسفركم، وكل يوم تعصون ربكم فإنما تزدادون من الله بعداً، وتزدادون من الشيطان قرباً ومحبة، ولهذا: ( إذا سجد ابن آدم فر الشيطان وهو يبكي يقول: يا ويله! وفي رواية: يا ويلي! أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة، وأمرت بالسجود فأبيت فلي النار )، والعياذ بالله، وهذا حديث ثابت في الصحيح.

    خلع الخف بعد انتهاء المدة

    الشيخ: إذا ثبت هذا أيها الإخوة! وقلنا: إن الصحيح أن سفر المعصية لا علاقة له بمسألة المسح على الخفين فثمة مسألة أخرى وهي: هل يخلع عند انتهاء المدة؟

    نقول: يخلع عند انتهاء المدة، ولا يجوز له أن يمسح عليها بعد ذلك كما هو مذهب جمهور أهل العلم، والغسل إنما هو غسل الرجلين بالماء، والطهارة طهارة مائية، وليست طهارة مسحية، فلو أنه بعد يوم وليلة مسح على جورب وقال: الآن أنا مسحته على طهارة، فنقول: لا، المقصود بالطهارة طهارة غسل وليست طهارة مسح، والله أعلم، وعلى هذا فيجب عليه أن يخلع كما هو مذهب جمهور أهل العلم خلافاً لـمالك بن أنس ، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

    وقت ابتداء مدة المسح على الخفين

    الشيخ: المسألة الأخرى: متى تبدأ مدة المسح؟

    اختلف العلماء في هذا على ثلاثة أقوال:

    جمهور الفقهاء يقولون: إن مدة المسح تبدأ من أول حدث بعد لبس، يقولون: إذا غسل الإنسان رجليه، ثم لبس خفيه، أو لبس الجوارب، لم تبدأ مدة المسح، قالوا: فإذا أحدث بعد أن لبس فإنه بدأ مدة المسح وإن لم يمسح، وما سبب ذلك؟ قالوا: لأن وجود الحدث هو سبب لبداية التوقيت، أي: بداية وقت المسح الذي هو يوم وليلة، قالوا: فيأخذ حكم السبب حكم وجوده، أي: وجود المسح، هذا مذهب الجمهور.

    والقول الآخر في المسألة: إن المسح إنما يبدأ من أول مسح بعد حدث.

    صورة المسألة قالوا: فإذا غسل الإنسان رجليه ثم لبسهما فإن مدة المسح لا تبدأ، فإن أحدث وخفاه على رجليه فإن الراجح أنه لا تبدأ مدة المسح، فإن توضأ ومسح بدأت مدة المسح، قالوا: لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( يمسح المسافر يوماً وليلة )، فعلق هذا بمجرد المسح، وقد جاء في الحديث: ( أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم ألا ننزع خفافنا ثلاثة أيام بلياليها إذا كنا قد مسحنا )، وهذا يدل على أن العبرة بالمسح بعد الحدث، وهذا هو رواية عن الإمام أحمد ، اختارها جمع من المحققين، وهي المفتى بها عند مشايخنا، كما هو رأي شيخنا عبد العزيز بن باز ، وشيخنا محمد بن عثيمين ، وهو اختيار أبي العباس بن تيمية رحمة الله تعالى على الجميع.

    وعلى هذا فليست العبرة في اليوم والليلة مرور خمس صلوات كما يفهمه الناس والعامة، بل مرور أربع وعشرين ساعة، فجائز أن يلبس الإنسان خفيه، ويبقيان عليه اثنتين وسبعين ساعة، وصورة ذلك: يقوم لصلاة الفجر، فيغسل رجليه، ثم يلبس الخفين، ولا يحدث إلى أن يصلي الظهر والعصر والمغرب والعشاء بطهارة الفجر، ثم بعد ذلك ينام، ولا يتوضأ إلا قبل وقت الصلاة بعشر دقائق يتوضأ، فيكون قد مر عليه أربع وعشرون ساعة، ثم يمسح عليه، فيبقى يمسح إلى اليوم الثاني في نفس الوقت الذي ابتدأ المسح فيه، فتكون قد مرت عليه ثمان وأربعون ساعة.

    وعلى القول بأنه ما دام طاهراً فيجوز أن يصلي ولو انتهت مدة المسح، وهو اختيار ابن تيمية ورأي شيخنا محمد بن عثيمين ، فإنه لو توضأ قبل الوقت ثم استمر على طهارته إلى العشاء فيكون قد بقي على خفيه اثنتين وسبعين ساعة.

    والقول الآخر وهو مذهب الجمهور -وسوف نأتي إليه- إن انتهاء مدة المسح يعتبر انتهاء لأحكامه حتى الطهارة، وسوف نذكر هذه المسألة بنوع من الإسهاب والتفصيل.

    1.   

    أسئلة البرنامج

    الشيخ: الإخوة يقولون: باقي عشر دقائق، ولا يمكن أن ندخل في مسألة أخرى، ولعلنا نستقبل الأسئلة ونذكر أسئلة الواجب، فإن شئتم نكتب أسئلة الواجب:

    السؤال الأول: متى تبدأ مدة المسح هل من أول حدث بعد لبس، أو من أول لبس، أو من أول مسح بعد لبس؟

    السؤال الثاني: المسح على الخفين مؤقت بمدة وهو مذهب الجمهور، وليس بمؤقت وهو مذهب مالك ، فأيهما أصح؟

    1.   

    الأسئلة

    الحكم على رواية (اللهم اجعلني من التوابين) في الدعاء بعد الوضوء

    السؤال: شيخ بارك الله فيكم! أرجو أن تعيد رواية حديث: ( اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين

    الجواب: نحن قلنا: إن حديث ( اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين ) رواه الترمذي من طريق أبي إدريس الخولاني ، و أبي عثمان النهدي ، كليهما عن عمر بن الخطاب ، وقد قال الترمذي : هذا حديث ضعيف، أو حديث مضطرب، وقد سألت محمد بن إسماعيل البخاري فقال: أبو إدريس الخولاني لم يسمع من عمر ، فهذا يدل على أنه ضعيف.

    ورواية مسلم إنما جاءت من طريق أبي عثمان النهدي ، عن جبير بن نفير ، عن عقبة بن عامر ، عن عمر بن الخطاب ، فرواية مسلم غير رواية الترمذي ، فدل ذلك على أن حديث: ( اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين ) رواية ضعيفة.

    وقد جاء عند البيهقي من حديث زيد العمي ، عن ابن عمر و أنس أنه يقول ذلك، وهو رواية ضعيفة؛ وذلك لأن زيداً العمي ضعيف، فإذا قالها الإنسان أحياناً -لا على أنها سنة- فلا حرج، لكن السنة هو عدم قولها، فوجود الأحاديث الصحيحة كافية بإذن الله، والله أعلم.

    قياس خلع الجوربين على حلق الرأس في عدم نقض الوضوء

    السؤال: يا شيخنا أحسن الله إليك! من استدل على أن حلق الرأس مثل خلع الجورب فهل هذا صحيح؟

    الجواب: نعم، مسألة خلع الجوارب، هل ينقض الوضوء أم لا ينقض الوضوء؟ هي مسألة طويلة، سوف نذكرها إن شاء الله في درس آخر، وبعضهم يستدل بأنه لا ينقض وضوءه مثل ما لو حلق رأسه، فإنه لا يعيد الوضوء، فكذلك خلع الجوارب، ولكن هذه المسألة فيها نظر؛ وذلك لأن المسح إذا خلع الخفان دخل في غسل، والرأس إذا حلق فهو ما زال مسحاً، فهذا يفرق فيه بين الحكمين، ولكن العلماء رحمهم الله اختلفوا في هذه المسألة، ومع أن القول بأن الخلع لا ينقض الوضوء، أو أنه له أن يستمر على طهارته، إلا أن الأحوط مذهب الجمهور، وسوف نذكر المسألة.

    وأنا أقول: باب المسح على الخفين ليس فيه أحاديث كثيرة، وليس فيها إلا مسألة أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يمسح، وأن مدة المسح بيوم وليلة، وباقي الأمور ليس فيها أحاديث، إنما كانوا يلتمسون من حاله وفعله، فمثلاً مسألة أن يكون الخفان ساترين للمحل، ومسألة أنه لا يجوز لبس الرقيق من الخف، هذه مسألة إنما ذكروها لأجل حال فعل الصحابة أو حال فعل النبي صلى الله عليه وسلم، فهل يدل على أن غيره لا يجزئ؟ هذه مسألة تحتاج إلى بحث أطول.

    ولعل في هذا كفاية، حفظكم ربي ورعاكم، وسدد على درب الخير خطاي وخطاكم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755994298