إسلام ويب

عمدة الفقه - كتاب البيع [1]للشيخ : عبد الله بن ناصر السلمي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • البيع ثابت في الكتاب والسنة وإجماع العلماء، وله شروط منها: أن يكون المبيع مملوكاً مباح النفع، وأن يكون البيع من جائز التصرف، واختلف العلماء في بيع المعدوم وما لم يملك وأجازوا بعض صوره بشروط، وفرقوا بين بيع العين الموصوفة وبيع الموصوف في الذمة.

    1.   

    التكييف الفقهي لمسائل البيوع

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين، وصلى وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً وعملاً يا كريم، اللهم اجعلنا لك شاكرين, لك ذاكرين, لك راهبين أواهين منيبين.

    اللهم تقبل توباتنا, واغسل حوباتنا، وثبت حجاتنا, واسلل سخيمة قلوبنا، اللهم اغننا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك وبفضلك عمن سواك، وبعد:

    أحبتي الكرام! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل هذا الاجتماع اجتماعاً مرحوماً، وألا يجعل فينا ولا منا شقياً ولا محروماً، وأن يجعلنا من عباده المتقين، ومن حزبه المفلحين, وأن ينفعنا بما نسمع ونقول، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

    وباب البيوع يكتنفه أمران:

    الأمر الأول: تصور المسألة: الذي يسميه الفقهاء التوصيف الفقهي.

    الأمر الثاني: هو ذكر الأمثلة والواقعة المعينة التي يتحدث الناس فيها ما بين حل وحرمة، وأكثر مسائل المعاملات خاصة التي تختلف أنظار الفقهاء فيها ما بين حل وحرمة أو كراهة وغيرها من الأحكام التكليفية الخمسة هو بسبب عدم التوصيف الفقهي، أو قلة المعرفة الفقهية.

    فإذا أردت أن تتحدث عن مسألة في حكمها الشرعي فلا بد أن تذكر وصفها الفقهي الذي يسميه الناس فقه الواقع أي واقع المسألة، وفي ظل تلاحم التجارة العالمية أصبحت هناك لا أقول نوازل فقهية؛ لأن النازلة هي شيء جديد نريد أن نكيفها؟ لكن أصبح هناك كيان قائم امه التجارة العالمية من الضروري أن يكون لدى المسلمين من يتصور هذا المسائل ويكيفها التكييف الفقهي؛ لأن أسلمة العلوم ليست حكراً على شرق أو غرب، إنما هي على حسب ما يؤتاه المرء من تفرغ وتأمل وتدقيق.

    ولهذا أيها الإخوة ينبغي أن يكون عندنا خاصة نحن الدارسين في باب المعاملات أن يكون عندنا رحابة صدر، وأنا أحاول ألا أجعل القول الراجح هو أهم شيء، أهم شيء أن نتصور المسألة الفقهية ثم نذكر من قال بها من أهل العلم ما بين حل أو تحريم.

    وأنا أقول دائماً: لا يكاد توجد مسألة من مسائل المعاملات المعاصرة إلا ولها أصل في كتب الفقهاء وفي خلاف الفقهاء علمها من علمها وجهلها من جهلها.

    1.   

    مقدمة في البيع

    البيع لغة واصطلاحاً

    يقول المؤلف: [كتاب البيوع].

    البيوع لغة: حيث أن كل متعاقد يمد باعه إلى صاحبه.

    وأما في الاصطلاح فقد عرفه المؤلف بقوله: [والبيع معاوضة المال بالمال]، وهنا ينبغي أن نعرف أن محاكمة المتأخرين بتعاريف الفقهاء بالمنطق الفلسفي، وهو أن يكون التعريف جامعاً مانعاً لم يكن ذا بال عند المتقدمين، فلهذا لا ينبغي لنا أن نحاكم تعريفات الفقهاء على كلام منطقي، وهو أن يكون التعريف جامعاً مانعاً.

    فهم رحمهم الله يحاولون أن يجعلوا صورة تلم جميع الأمثلة عليها وإن كانت لا يخرج بعضها عمداً، ولهذا تجد في تعريف الشافعي في الأم تعريف مالك رحمه الله في الموطأ يعرفونها كما يقول علماء المناطقة تعريف الرسم بالمثال، ما هو النجش؟ هو الزيادة في ثمن السلعة من غير إرادة الشراء، هذا جزء من النجش، لكن هناك نجش في صور كثيرة بواقعنا بالعكس كما سوف نتحدث عنه إن شاء الله. هذا هو التعريف.

    ومن التعاريف هو مبادلة مال بمال ولو في الذمة أو منفعة مباحة بمثل أحدهما، على التعريف غير ربا وقرض، والبيع بهذا التعريف يعطينا صوراً كثيرة, إما أن يكون مبادلة مال بعين، أو عين بما في الذمة أو عين بمنفعة، أو ما في الذمة بعين, أو ما في الذمة بما في الذمة, أو ما في الذمة بمنفعة.

    يقول المؤلف رحمه الله: [مبادلة مال بمال].

    أفادنا رحمه الله أن البيع لا بد أن يكون على شيء ممول يمكن تموله، والمال هو كل ما أمكن الانتفاع به وحصل به التملك من غير حاجة. وهذا التعريف ينبغي أن يضبط؛ لأنه سوف يدخل معنا في كثير من المعاملات التي سوف نتحدث عنها.

    حكم البيع

    البيع ثابت في الكتاب والسنة والإجماع، وأنا لن أتحدث عن هذا لأنه معروف لديكم؛ فالمسائل المعروفة سوف نتركها لمعرفتكم لها ولاستطاعتكم القراءة في أي كتاب.

    الفرق بين البيع وغيره من العقود

    أفادنا المؤلف رحمه الله: بأن البيع هو معاوضة، وهناك من العقود ما ليس بمعاوضة كعقود التبرعات، فعقود التبرعات تختلف عن عقود المعاوضات، فعقود المعاوضات لا يغتفر فيها الغرر، أما عقود التبرعات فيجوز فيها الغرر؛ لأن المرء متبرع، فهو له أن يتبرع بمجهول أو بمعلوم، أمكن تحصيله أو لم يمكن تحصيله.

    أما عقود المعاوضات فكل واحد من المتعاقدين بذل مالاً أياً كان هذا المال إما أن يكون عيناً, وإما أن يكون منفعة ولو في الذمة، فكل واحد من المتعاقدين بذل مالاً، فلا بد أن يقابل بمال، أما لو قوبل بما فيه غرر يعني إما أن يحصل وإما ألا يحصل فيكون التحريم.

    ولا يمكن أن نقيس عقود التبرعات بعقود المعاوضات, وأذكر مثالاً بسيطاً: شركة التامين إما أن تكون شركة معاوضة وإما أن تكون شركة تبرع، إن كان الربح لشخص واحد لا يعود على الجميع ويدخل المؤمن ما بين الغرم المتحقق والغنم المتوقع فإنه يكون محرماً؛ لأنه عقد معاوضة، لو أنني قلت لك: تعامل مع أي شخص أو اسلك أي طريق وسوف أتحمل هذا الأمر فهذا تبرع؛ لأنه لم يبذل هو لأجل أن يؤمن ماله، فأنا متبرع فيجوز الغرر في هذا الأمر، فلهذا ينبغي أن نعرف أنه ثمة فرق بين عقود التبرعات وعقود المعاوضات.

    1.   

    شروط البيع

    يقول المؤلف رحمه الله: [ويجوز بيع كل مملوك فيه نفع مباح].

    الآن دخل المؤلف في شروط البيع، وشروط البيع سبعة شروط، عرفت بالاستقراء، أول شرط المؤلف قال: (يجوز بيع كل مملوك فيه نفع مباح)، هذه الجملة فيها ثلاثة شروط من شروط البيع:

    الشرط الأول: تملك البائع للمبيع أو الإذن لغيره

    الشرط الأول: أن يكون المبيع مملوكاً للبائع أو مأذوناً له فيه، وعليه لا يصح للمرء أن يبيع ما لا يملك؛ لما جاء عند أهل السنن من حديث حكيم بن حزام أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لا تبع ما ليس عندك )، وعليه فما يفعله بعض شركات المساهمة العقارية حيث تتجمع لديها أموال لبناء برج معين، هذا البرج مدته سنتان, فما يحصل هو أن يشتري هذا الشخص بأموال المساهمين أراضي غير ما بني العقد عليه، فيكون بيع ما لا يملك.

    وهذه الصورة كثيرة في واقعنا مع الأسف الشديد, وبالتالي تصرف المرء هنا محرم حتى لو تيقن الربح؛ لأن بعض الناس يقول: أنا مسلم طيب أعطيهم أرباحاً وهو ما تكلم، نقول: لا, لا يجوز ذلك؛ لأن هذا المشروع بني لأجل أبراج, فتصرف المال في غير ما أذن لك يعتبر تصرف فضولي.

    فالشرط الأول أن يكون المبيع مملوكاً للبائع أو مأذوناً له فيه، فإذا باع ما لا يملك فإن أهل العلم اختلفوا: فذهب الشافعية والحنابلة إلى أن بيع الإنسان ما لا يملكه يعتبر عقداً باطلاً، وما قبضه أحد المتعاقدين من هذا العقد الباطل يكون مضموناً له.

    مثال: هذه سيارة ليست لي إنما هي لزيد، زيد يريد أن يبيعها, فجعلها عندي ليذهب بحاجته، فجاء شخص فقال: السيارة للبيع؟ قلت: نعم، فقال: بكم؟ -زيد يتمنى أن يبيع هذه السيارة- قلت: بستين, فقال: تم، فأبرمت أنا وإياه عقداً ودفع عربوناً، العقد تم فهل هذا العقد صحيح؟

    مذهب الشافعية والحنابلة يقولون: باطل، لأني لا أملكه وليس عندي إذن في التصرف فيه.

    ومذهب المالكية والحنفية ورواية عند الحنابلة قالوا: إن العقد يسمى عقداً موقوفاً، فعليه فيكون العقد موقوفاً لحين إذن ورضا صاحب الملك؛ لأن العقد ينقسم إلى قسمين:

    القسم الأول: العقد الصحيح. القسم الثاني: العقد الغير الصحيح.

    والعقد الصحيح ينقسم إلى قسمين:

    القسم الأول: عقد نافذ.

    القسم الثاني: عقد موقوف.

    العقد النافذ: هو العقد الذي صدر ممن له أهلية التعاقد وله ولاية فيه على إبرامه، ويقصد بمن له أهلية في التعاقد: أي أن يكون حراً مكلفاً راشداً، هذا يسمى العقد النافذ.

    العقد الموقوف: هو أن يكون صادراً ممن له أهلية التعاقد، رجل حر رشيد، أما البيع والشراء ليس له ولاية فيه وهذا العقد الموقوف.

    العقد الموقوف قلنا فيه: أن مذهب الشافعية والحنابلة أنه عقد باطل؛ لحديث حكيم بن حزام : ( لا تبع ما ليس عنده )، ولحديث عبد الله بن عمرو بن العاص : ( لا يحل سلف وبيع، ولا شرطان في بيع، ولا بيع ما لا يملك، ولا ربح ما لم يضمن )، فقالوا: هذا داخل في هذا الحديث طبعاً فهو باطل.

    أما المالكية والحنفية ورواية عن أحمد فقالوا: إن البيع فيما لا يملكه الإنسان باطل في الجملة، ولكن هذا البطلان إنما بطل لأجل عدم دخول الضرر على المالكين، فإذا أمكن تصحيحه برضا المالك صح، وإلا فلا.

    يقولون: لأن في الغالب أن الذي يبيع ما لا يملك إنما يقصد الإعانة، والنفع بالغير، فلأجل عدم إقفال هذا الباب قلنا: هذا موقوف على إجازة المالك.

    واستدلوا على ذلك بأدلة، قالوا: لما روى البخاري من حديث شبيب بن فرقد أن أهل الحي حدثوه ( أن عروة البارقي أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم ديناراً ليشتري له شاة، فذهب إلى السوق فأشترى بالدينار شاتين، ثم باع إحداهما بدينار، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم بشاة ودينار، فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبركة )، قالوا: فـعروة تصرف تصرفاً فضولياً لم يؤذن له فيه, وأجاز النبي صلى الله عليه وسلم هذا التصرف, وهذا القول في القوة كما ترى.

    طيب لو أن المشتري علم أن البائع لم يكن مالكاً للسلعة فنقول ينظر على قول المالكية والحنفية: ينظر, فالمشتري إن رجع عن المبيع، يعني قال: أنا لا أريدها رجع قبل إذن المالك فله حق الرجوع.

    مثال: أنا اشتريت من علي سيارة ولم أعلم أن علياً غير مالك فأبرمت معه عقداً وأعطيته عربوناً لإبرام العقد أولم أعطه لكننا أبرمنا عقداً, الآن أعتبر أنا في نظري مالكاً للسلعة لو أردت أن ألغي العقد هل لي ذلك بعد ما تفرقنا؟ ليس لي ذلك، لكن لو علمت أن الذي أبرم العقد معي هو علي، وليس هو مالكاً السلعة, إنما مالك السلعة زيد، ولم يأذن زيد بذلك فلي حق الفسخ وهذا يسمونه الرجوع، لكن لو أن زيداً رضي بالعقد وقال: أنا رضيت بما تصرف به علي فحينئذٍ ليس لي الرجوع، وهذا ما يسمى بالعقد الموقوف.

    وأمثلته في واقعنا كثيرة، أحياناً يتصرف صاحب المعرض بالسلعة وهو لا يملكها ولم يعط إذناً في ذلك، لأنهم أحياناً يضعون المأذون أو يسمون المندوب في المعرض هو الذي يبرم العقد في المعرض، فالمندوب يأخذ إجازة ولم يخبر البنك بذلك، فيأتي العميل يقول لصاحب المعرض: أنا صاحب السيارة كذا يعطيه السلعة والسلام, مع العلم أنه ليس له إذن إلا إذن في إخراج السيارة، وفرق بين الأمرين، هذا يسمى تصرف فضولي، فعلى مذهب المالكية والحنفية يكون موقوفاً على إذن البنك، والبنك في الغالب يأذن، لأنه ما قصد بهذه السلعة إلا الربح والمال.

    فالشرط الأول أن يكون المبيع مملوكاً للبائع أو مأذوناً له فيه، ومعنى مأذوناً له فيه يعني يؤذن له بالتصرف فيه.

    الشرط الثاني: أن يكون البائع جائز التصرف

    الشرط الثاني للبيع: أن يكون البائع جائز التصرف، ومعنى جائز التصرف عند الفقهاء أن يكون حراً رشيداً مكلفاً، أما الصغير فينقسم بيعه وشراؤه إلى قسمين:

    القسم الأول: الشيء الحقير اليسير، الذي تعارف الناس على أنه يسير فيصح هذا العقد من غير إذن، واستدلوا على ذلك بحديث عند ابن أبي شيبة من حديث أبي الدرداء أنه اشترى عصفوراً من صبي فأطلقه.

    ولو لم يبرم هذا العقد لوقع في ذلك حرج. ومثاله أن الصبي الآن يذهب إلى الخباز فيعطيه ريالاً ويشتري خبزاً وهذا جائز عند عامة الفقهاء ولم يخالف في ذلك إلا الشافعية.

    وبالمناسبة أوسع الناس في المعاملات المالية المعاصرة هم الحنابلة, ثم المالكية, ثم الحنفية, ثم الشافعية، فالشافعية أضيق الناس؛ لأنهم يرون في العقود لا بد من وجود لفظ وصيغة، والصيغة لا بد أن تكون مقصودة، فلو قلت خذ هذا المال، لابد أن يقول: بعتك، أما الحنابلة فهم أوسع الناس في هذا الباب.

    وقد تكلم ابن تيمية رحمه الله في القواعد النورانية عن سبب ذلك حيث أن مالكاً رحمه الله أعلم الناس في المعاملات قد أخذ هذا من سعيد بن المسيب ، وسعيد بن المسيب هو أعلم الناس في باب المعاملات, وهو من علماء أهل المدينة, و أحمد رحمه الله أخذ من هذه المدرسة وزاد عليها علماً في الآثار رحمة الله تعالى على الجميع.

    فجائز التصرف يخرج بذلك الصبي، وقلنا: إن بيع الصبي إذا كان في الأشياء اليسيرة فيجوز، والصبي عند الفقهاء يقصدون به المميز الذي لم يبلغ، فالصبي الذي لم يجعلونه من ضمن المجنون لا يصح بيعه, فلو نزل ابن ثلاث سنين ودخل البقالة أعطى صاحب البقالة ريالاً وأخذ له حلاوة، فإن عند الجمهور باطل.

    والراجح والله أعلم أن ذلك يجوز سواء كان من المميز أو غير المميز في الأمور اليسيرة التي تعارف الناس عليها، لكن نقول في الأشياء اليسيرة التي تعارف الناس عليها فإنه يبرم العقد؛ لأن هذا عرف قائم، والآن الصبيان هم الذين يذهبون إلى البقالة وهم الذين يتعبون صاحب البقالة.

    القسم الثاني: هو في الأشياء العظيمة، فقال الجمهور: لا يصح إلا بإذن؛ واستدلوا على ذلك بقوله تعالى: وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ [النساء:6]، والابتلاء لا يتحقق إلى بماذا؟ إلا بالاختبار, وهذا يدل على إذن، وينبغي أن يكون هذا الإذن إذناً صريحاً أو ضمنياً.

    الآن لو ذهبت إلى سوق الخضار تجد أن بعض الذين يبيعون أبناء إحدى عشرة سنة وأثنا عشرة سنة هذا عند الفقهاء يسمى صبياً، فلا نبطل تلك العقود ونقول لهم: من أذن لكم؟ لأنهم في الغالب أعلم بعملهم من الذي يأذن لهم.

    إذاً: يقال: هذا الإذن لا بد أن يكون صريحاً أو ضمنياً.

    لأنه ربما يريد الأب أن يشتري بضاعة مثلاً الطماطم ويجد أن ابنه هو الذي اشترى هذه البضاعة من سوريا، والسوق قد أغرق بالطماطم، فهو يريد أن يلغي هذه الصفقة فيقول والله ما أذنت للصبي فنقول: وضع الابن في هذا المكان يبيع ويشتري من الناس فإنه يعتبر هذا إذناً صريحاً أو إذناً ضمنياً.

    والصحيح أنه هذا الإذن لم يكن صريحاً فلابد من الإذن الصريح أو إذناً ضمنياً، ولا بد ألا نغفل جانب العرف.

    الشرط الثالث: أن تكون العين المباعة مباحة النفع

    يقول المؤلف: [مملوك فيه نفع مباح].

    هذا الشرط الثالث من شروط البيع: وهو أن تكون العين المباعة مباحة النفع من غير حاجة، قولهم رحمهم الله مباحة النفع يخرج بذلك ما لا منفعة فيه، مثل الحشرات، وقد كانت الحشرات لا نفع فيها، والآن لها نفع، فأحياناً الحشرات لها نفع عند أصحاب الطب حينما يجرون عليها بعض التجارب فيكون فيها منفعة.

    بعض الحشرات فيها منفعة عظيمة، تعرفون حينما جاءت قبل سنوات دودة تخرم النخل فلم يمكن مقاومتها إلا بدودة أخرى, هذا الدودة كانت تباع، فشراؤها فيه مصلحة فالعبرة في كونها مباحة النفع, أيضاً بعض الحشرات تشترى لصيد السمك فيجوز بيعها لمن ينتفع بها.

    وقولنا: (مباح) يخرج ما يحرم مثل الخمر الميتة الخنزير الأصنام وآلات اللهو، فآلات اللهو إبرام العقد فيها باطل، فلو أن شخصاً اشترى عود طرب فالعقد باطل.

    ويكون المال مضموناً على قابضه, وبذلك يكون العقد الغير المباح باطل كالخمر والميتة والخنزير والأصنام كما جاء في الصحيحين من حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام ).

    طيب! هل بيع بعض مواد الكحول تدخل في ذلك؟ نعرف نحن أن الطبيب الكيميائي يستخدم مادة اسمها مادة السبرتو هذه تدخل من ضمن الكحول, ويستخدمها الأطباء في عملهم، هل يجوز بيع هذه المادة؟

    نقول: العقد هنا ليس لأجل ما فيه من السبرتو، بل لأجل المنفعة الحاصلة من مجموع هذا الشيء، فالعقد على مباح وليس على هذه المادة.

    1.   

    أمثلة لما يجوز بيعه وما لا يجوز بيعه

    بيع الحيوانات المحنطة

    ما تقولون: في الحيوانات المحنطة يكثر السؤال عليها ما حكم بيعها؟ بعض الإخوة من ضعف التوصيف الفقهي قال:لا يجوز بيع الحيوانات المحنطة لأنها ميتة، والميتة لا تجوز بالإجماع.

    والصحيح أن الحيوان المحنط اللحم الذي فيه قد أزيل ولم يبق إلا الجلد, والجلد يجوز بيعه على الراجح إذا كان مأكولاً، أمر آخر أن شراء الحيوانات المحنطة إذا لم يكن فيه إسراف فالعقد إنما كان لأجل ما فيه من منفعة النظر والاستئناس بها لا لأجل الميتة.

    قد يقول شخص: وهل الاستمتاع بالنظر منفعة؟ نقول: نعم؛ ولهذا قال العلماء: يجوز بيع البلبل لأجل صوته وهذه المنفعة مباحة فأنت لو حرمت الحيوانات المحنطة فسوف تضطر إلى إجازة أشياء أخرى مثلها أو غيرها.

    الآن المناظر التي توضع على الجدر حكم شرائها جائزة، بل أحياناً تباع بعض المناظر بأغلى الأثمان، وأذكر أني دخلت على شخص عنده منظر لخيل مرسوم باليد فقلت له: لو وضعت صوراً فتوغرافية لكان أفضل قال: والله! إني اشتريتها بخمسة وأربعين ألف ريال صورة واحدة، أعوذ بالله! هذا نوع من الإسراف وهو محرم أيضاً.

    بيع ما كان مباح النفع لحاجة كالكلب

    قوله: (مباحة النفع)، قيد المؤلف أن تكون هذه مباحة النفع قالوا: من غير حاجة لا بد أن تكون مباحة النفع من غير حاجة، فلو كانت مباحة النفع لحاجة لا يجوز بيعها مثل الكلب، الكلب يجوز الانتفاع به في ثلاثة أشياء الصيد والزرع والماشية, يعني بالحراسة للماشية؛ لأن كلمة حراسة يمكن تضع للكلب قصراً وإلا بيتاً يحرسك لا، فلا بد أن يكون ثلاثة أشياء وإلا أنتقص من أجرك كل يوم قيراطان.

    هذا الكلب لحراسة الماشية أو لحراسة الزرع أو للصيد مباح النفع لحاجة، فذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة إلى أن العقد باطل فلا يجوز بيع الكلب؛ لما جاء في الصحيحين من حديث أبي مسعود البدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ثمن الكلب خبيث, ومهر البغي خبيث، وحلوان كاهن خبيث )، وحديث جابر عند مسلم : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب ) . فالكلب باطل لا يجوز بيعه, وما حصل من انتفاع إنما هو لحاجة.

    وذهب المالكية في قول عندهم إلى أن الكلب المعلم يجوز بيعه لما فيه من تعليم، والكلب غير المعلم يعلم، وهذا القول من النظرة البدائية قوي، لكن من حيث النظرة التدقيقية لا تجوز صحته؛ لأني حينما أقول: كلب معلم فمن المعلوم أن الكلب المعلم أنواع: فبعضهم معلم بالصوت, وبعضهم معلم بالرائحة, وبعضهم معلم بالرؤية, فهذا التعليم التفاوتي فيه نوع غرر، فلو بعت شيئاً لا أعلمه يكون فيه نوع غرر؛ ولهذا لا يجوز.

    وذهب الحنفية إلى قاعدة عندهم: كل ما أمكن الانتفاع به يجوز بيعه مطلقاً في الحال أو المآل، وهذه القاعدة قوية لكن لا بد أن نقول من غير حاجة.

    بيع الاسم التجاري

    من أمثلة واقعنا المعاصر، أن نقول: هذه المنفعة مباحة النفع، وهي مهمة الآن ولذا كان الفقهاء يقولون: كل عين مباحة النفع, الآن من الأفضل أن نقول: كل ما أمكن الانتفاع به؛ لأن هناك أشياء ينتفع بها ويحصل بها التملك وليست بأعيان مثل السمعة التجارية.

    السمعة التجارية الآن لها قيمة مالية، وليست عيناً ما رأينا سمعة تجارية تقف برجليها، فالسمعة التجارية أحياناً أعظم بكثير من الأعيان، فمثلاً شركة ميكروسوفت أصولها لو فتشت عنها ليست لها أصول أعيان, لكن أعظم أصل عندها السمعة التجارية.

    ولهذا عرف البيع في المجامع الفقهية: بأنه مبادلة مال بمال كعين أو منفعة أو حق اختصاصي, هذا الحق يمكن أن يكون عيناً ويمكن أن يكون معنوياً، وبالتالي يجوز بيع الاسم التجاري؛ لأنه تحقق فيه الشرطان, يمكن تملكه وأيضاً يمكن الانتفاع به.

    بيع الرقم في الصندوق العقاري للاقتراض

    من أمثلة هذا أيضاً بيع الاسم في الصندوق العقاري، بعض الناس له سنين طويلة ينتظر اسمه متى يخرج ليحق له الاقتراض، فيخرج اسمه ويبيعه لشخص آخر يأخذ مكانه في الصندوق العقاري، فهل يجوز له بيع اسمه؟

    أنا أحاول التوصيف الفقهي لهذه المسألة، فبعض الفقهاء قال: لا يجوز بيعه؛ لأن هذا الحق لا يملك, فبالتالي يكون باع ما لا يملك، قالوا: هذه المنفعة لا تملك وحق لك لكنك لا تملكه، فأبطلوا التنازل عن الاسم، وهذا هو رأي اللجنة الدائمة للبحوث العلمية.

    والقول الثاني في المسألة: يجوز إذا علقنا الأمر على المنفعة، قالوا: بلا شك فانتظار الشخص اثنتي عشرة سنة ليس بالأمر السهل، ثانياً: هو حينما يبيع فلا يبيع الدين كما يتصور بعض الناس، بل يبيع حقه في الانتظار؛ لأنه سوف يتنازل عن حقه في الانتظار، وبلا شك حقه في الانتظار حق معنوي, فإذا جاز التنازل عنه بغير مال فيجوز التنازل عنه بمال.

    وأرى أن هذا القول قوي, لكن الإشكال فيه ليس لأجل بيع المنفعة هنا, بل بما يترتب عليه من مشاكل تمنعه إذ لا تستطيع تحويل الاسم إلا بعد تسديد قسطين من أقساط الصندوق العقاري، يعني بعد أن يقوم البناء ويكون بينك وبينه عقود جانبية, لكن عند الصندوق العقاري أنها مملوكة لفلان، أرى أنه تمنع لا لأجل أنه بيع ما لا يملك, ولكن لما فيه من مشاكل، ومعلوم أن الشارع يمنع العقود التي تؤدي إلى النزاع والشقاق والفرقة.

    فهذا يدل على أن انتظار المرء هذه المدة يجوز أن يتنازل عنها للمنفعة؛ لأن هذه منفعة لي حق الانتظار يجوز أن أجعل شخصاً مقامي وأتأخر بمقابل، ولعلكم تذكرون حينما كانت التلفونات تباع، بعض الفقهاء منع قال: لأنك لا تملكها, إنما هي لشركة الاتصالات أو لوزارة البرق.

    والقول الثاني: يجوز لأنك أنت لا تبيع إلا منفعتك من هذا الخط، ووزارة البرق تسمح بالتنازل, فإذاً جاز التنازل بمال أو بغيره، أنا أحاول أني أذكر الشروط وأطبق عليها أمثلة في الواقع المعاصر.

    بيع الاسم المساهم في الأسهم

    ومن أمثلة ذلك حكم بيع الاسم في الشركات المساهمة ما حكمه؟

    أولاً: قبل أن ندخل المسألة نكيف هل الاسم يباع أم لا؟ أرى والله أعلم أن العقد المبرم والعين المباعة أو العين المعقود عليها هو حق تقديمي لهذه الشركات، هذا الحق حق لي كمواطن في هذا البلد، وهذا الحق مباح؛ لأن الشركة التي سوف تتفق معها جائزة فهو مباح.

    هذا المباح ينقسم إلى أقسام:

    القسم الأول: الذي هو بيع الاسم، إما أن أبيع ما يحصل لي من أسهم جراء التقدير، بأن يكون سعر السهم كذا إن حصل لي سهم, فهذا لا شك في أن العقد باطل.

    مثال: أقول للشخص: أي سهم يخرج لك سأشتريه بثلاثمائة ريال، الآن هو باع الاسم الذي لا يملكه, فيكون العقد هناك باطلاً؛ لأنه قال: كل سهم يحصل لي سأشتريه بكذا, هذا باطل؛ لأنه بيع ما لا يملك، هذه الصورة الأولى.

    القسم الثاني: أن يبيع حقه على التقدير سواء حصل لك ألف سهم أو مائة سهم أو سهم واحد، فأرى أن هذا إذا لم يكن مخالفاً للنظام فإنه جائز؛ لأن تقديم المرء منفعة فهو يتنازل عن هذا المنفعة، ولا يقال أنه فيه نوع غرر؛ لأنه ربما يحصل لك ستة أسهم أو عشرة نقول: هذا العقد مغتفر فيه، أرأيت لو استأجرت شقة في مكة في رمضان، الآن قد أسكن هذه الشقة كاملة وقد أسكنها بعض الأيام وقد لا أسكنها, ما دام العقد على ما يمكن الانتفاع به فلا بأس، لكن يشترط ألا يكون بيع الاسم في التظالم بين الطرفين، وذلك بأن أذهب إلى شخص عنده عشرة أبناء كلهم مساهمين، فأقول له: تبيعني أسماءهم كلهم بثلاثمائة ريال كل الدفتر, هذا فيه غبن فيمنع لأجل الغبن وقد نهى الشارع عن البيع الذي فيه غبن، فقال عليه الصلاة والسلام: ( لا تلقوا الركبان )، كل ذلك لأجل أنه غبن فلابد أن يكون البيع بالمتعارف عليه بأنك تبيع الاسم بثلاثمائة ريال بخمسمائة ريال كل اسم، عشرة أولاد بخمسمائة يعني بخمسة آلاف، فهذا أرى أنه جائز، بشرطين أن يبيع حق الانتفاع، وأن يكون الثمن مما يتعارف فيه فلا يحصل غبن.

    القسم الثالث: أن تكون الشراكة بين صاحب الاسم وصاحب المال، منه المال ومن الآخر الاسم، وبعض الفضلاء جوز هذه الصورة ومنع الصورة الثانية، وهذا فيه نظر؛ لأننا لو قلنا لم جوزت الصورة الثالثة؟ قال: لأنها مشاركة، قلنا: عقد المضاربة أو عقد الشركة لا بد أن يكون من الطرفين شيء إما مال وإما عمل، قلنا: قد عرفنا صاحب المال منه المال، ولكن صاحب الاسم ماذا عليه؟

    ولهذا بعض الإخوة جوز المشاركة بشرط أن يكون صاحب الاسم هو الذي يذهب إلى البنك وهو الذي يتقدم، وهو الذي يبيع وهو الذي يتصرف، قالوا: فيكون منه عمل ومن الآخر المال، وهذا لا يوجد في واقعنا؛ لأن صاحب المال هو الذي ينظر متى يبيع ومتى يشتري، فهو الذي يتحكم بالبيع.

    قلنا: في هذه الحالة العقد باطل والشركة باطلة على تكييفكم أنتم؛ لأن الواقع أن صاحب المال هو الذي يتصرف منه المال ومنه العمل، وماذا يكون على صاحب الاسم؟ لا شيء فالشركة هنا باطلة.

    ولذلك نص لائحة هيئة سوق المال بمنع التداول بالصورة الثانية، بل يمنع كل انتفاع بالاسم سواء كان ببيع الاسم أو بالمشترك, وكل ضرر يحصل بالطريقة الثانية هو حاصل بالطريقة الثالثة، بل أرى وهذا واقع أن التداول بالصورة الثانية أسلم من الصورة الثالثة.

    وأكثر الفقهاء المعاصرين وأكثر المجامع الفقهية أن كل شركة حديثة التأسيس لا يجوز تداول أسهمها حتى تعمل العمل الذي أنشئت من أجله, أو حتى يصير لها أصول أكثر من النقود على قولهم.

    فهناك قول له نظرة اقتصادية قالوا: إن مجرد الإعلان من وزارة التجارة أن هذه شركة فيجوز تداول أسهمها وهذا فيه نظر، لكن لو قلنا على رأي أكثر الفقهاء أول ما تأسس لا يبيع، وصاحب الاسم فقير فهو يريد مال ماذا يصنع؟ يقول: بع علي أسهمك، فيحصل ضرر.

    ولهذا أرى إما أن يمنع من هذه العملية مطلقاً من باب أنه يحصل تنازع واختلاف كما أفتى به بعض مشايخنا أرى أن هذا تكييف سليم، أو يجوز مطلقاً وتوضع بعض الضوابط، أما أن نجوز صورة ونمنع صورة فهذه في الحقيقية تفريق بين متماثلين.

    هذا مسألة المنفعة، فالمنفعة أنواع: منفعة مباحة, والمنفعة إما أن تكون عيناً, وإما أن تكون معنوية.

    الضمان في إتلاف الكلب

    قول المؤلف: (إلا الكلب فإنه لا يجوز بيعه ولا غرم على متلفه)، يجوز لولي أمر المسلمين إذا أتلف شخص كلب صاحبه المعلم أن يضمنه لا لتضمين الكلب ولكن من باب العقوبة المالية، فتجوز العقوبة المالية.

    فقول المؤلف: (فإنه لا يجوز بيعه ولا غرم على متلفه)، يعني: لا غرم على متلفه؛ لأنه لا مال له، ولكن لو قصد ضرر صاحبه فلا بأس أن يعاقبه ولي أمر المسلمين من باب العقوبة المالية.

    نكتفي بهذا، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

    مواد ذات صلة

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755928964