إسلام ويب

الروض المربع - كتاب الصلاة [13]للشيخ : عبد الله بن ناصر السلمي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • صلاة الفجر من الصلوات المفروضة التي يستحب فيها التبكير، وقد وجه العلماء حديث (أسفروا بالفجر) بعدة توجيهات أقواها: إطالة القراءة حتى يسفر. ويجب تأخير الصلاة لتعلم الجاهل الفاتحة أو طاعة للوالدين، كما أنه يستحب تأخير الصلاة للحاقن والمنفرد وعادم الماء.

    1.   

    تابع وقت صلاة الفجر

    استحباب تعجيل صلاة الفجر

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه, وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، اللهم اجعلنا ممن رسخت في العلم قدمه، وجبل على اتباع الكتاب والسنة لحمه ودمه، يا رب العالمين! وبعد:

    فقد قال المؤلف رحمه الله: [وتعجيلها أفضل مطلقاً].

    قوله: (وتعجيلها), يعني: تعجيل إقامة الصلاة, يعني: صلاة الفجر تقام مبكراً أفضل مطلقا.

    وقوله: (مطلقاً), يعني: سواء شق ذلك على المأمومين أم لم يشق, وهذا هو مذهب مالك و الشافعي وإحدى الروايتين عن أحمد , وهو المذهب عند المتأخرين, لجميع الأحاديث الواردة في أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي صلاة الفجر بغلس, كحديث عائشة وحديث جابر .

    وذهب الإمام أحمد رحمه الله في رواية وهي المنصوصة عنه, إلى أن الأفضل هو التأجيل ما لم يشق على المأمومين, فإن شق على المأمومين فالتعجل, قال القاضي أبو يعلى : الرواية عن أحمد هي رواية واحدة, وكأن أبا يعلى يرى أن القول الأول ليس رواية عن أحمد ، وإن كان هو المذهب عند المتأخرين, بل جعل المنصوص عن أحمد هو أن التأجيل أفضل ما لم يشق على المأمومين, واستدل الإمام أحمد رحمه الله بحديث جابر رضي الله عنه أنه قال: ( وأما العشاء فكان أحياناً يؤخرها وأحياناً يعجل, كان إذا رآهم تأخروا أخر, وإذا رآهم تعجلوا عجل ), ومن المعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالصلاة -يعني: صلاة العشاء- عند ثلث الليل الآخر ), فكأن صلاة العشاء لولا المشقة لكان الأفضل التأخير, فقدمها النبي صلى الله عليه وسلم مراعاة للمأمومين, فكذلك الفجر يقدمها بناء على الأفضل, فإن أخرها مراعاة للمأمومين فهذا أفضل, ولعل هذا القول أعني مذهب الإمام أحمد أظهر والله تبارك وتعالى أعلم.

    وقد كان أبو بكر رضي الله عنه يؤخر بالصلاة، حتى إنه ربما خرج من الصلاة وقد ظهر من الإسفار الشيء الكثير, حتى إنه قيل له: يا خليفة رسول الله! لقد أسفرنا: أو خشيت أن تطلع الشمس, قال: لو طلعت لم تجدنا من الغافلين.

    على كل حال فالمذهب عند المتأخرين يخالف المنصوص عند الإمام أحمد , فقول المؤلف: (تعجيلها أفضل مطلقاً), الأفضل أن يقول: ما لم يشق على المأمومين، والله تعالى أعلم.

    ما يجب فيه تأخير صلاة الفجر عن أول وقتها

    قال المؤلف رحمه الله: (ويجب التأخير), يعني: إذا كان الأفضل هو التأجيل مطلقاً, ففي بعض الحالات يجب التأخير, قال: (ويجب التأخير لتعلم فاتحة, أو ذكر واجب أمكنه تعلمه في الوقت), معنى ذلك: أن الإنسان إذا كان لم يقرأ أو لم يحفظ الفاتحة, والفاتحة قراءتها واجبة, ويستطيع أن يتعلمها عند أحد قبل خروج الوقت, فيتأخر ليتعلم الفاتحة ثم يصلي الفجر قبل طلوع الشمس, وهذا التأخر لتعلم الفاتحة واجب؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب, وهذه المسألة مبنية على قاعدة عند الأئمة، يقولون: إن العبادة المتعلقة بذاتها وماهيتها أولى من العبادة المتعلقة بزمانها ومكانها, فالصلاة هنا تعلق بها أمران: إما الزمان, وهو الصلاة أول الوقت, وإما الذات, حيث إن قراءة الفاتحة في الصلاة من الأركان, فالعبادة المتعلقة بماهيتها وذاتها أولى من العبادة المتعلقة بزمانها, وينظر في هذا المتأخر, هل هو واجب فيكون التأخير واجباً, أم سنة؟ فيكون التأخير سنة، وهل هو أقوى سنة من التعجيل, أم التعجيل أقوى, فإن كان التعجيل أقوى صار التعجيل أولى, وإن كان المتأخر أقوى من التعجيل، كان التأخير أولى، ولهذا ذكرنا في مسألة مرت معنا على أن تأخير الصلاة أولى من التعجيل, مع أن التعجيل أفضل, وهي مسألة فاقد الماء، فالذي لا يجد الماء فهو بالخيار، إما أن يصلي بالتيمم, وإما أن ينتظر فإن غلب على ظنه أنه يجد الماء في آخر الوقت, فالحنابلة والشافعية يقولون: إن الأفضل التأخير, وقلنا: إن الراجح -والله أعلم- أن الأفضل التعجيل؛ لأن صلاته بالتيمم رافع وليس بمبيح, خلافاً للجمهور.

    وكذلك مسألة العريان إذا لم يجد ما يستره في أول الوقت.

    وهكذا مسألة المنفرد, إذا كان يغلب على ظنه أنه ستأتي جماعة, فهذا المنفرد الأولى له أن يؤخر الصلاة؛ لأجل حصول الجماعة؛ لأن العبادة المتعلقة بفضيلة أولى من العبادة المتعلقة بأقل منه, فالآن فضيلة الجماعة سبع وعشرون درجة بينما المنفرد لا فضيلة له, فحينئذٍ نقول: الأفضل أن يؤخر لحصول الجماعة. والله تبارك وتعالى أعلم.

    وهكذا المسافر يأتي إلى المسجد فيصلي مع الناس المغرب, ثم ينتظر جماعة أخرى ليصلي معهم بنية العشاء فهذا أفضل من أن يعجل فيصلي وحده. والله تبارك وتعالى أعلم.

    طيب يقول المؤلف: (وكذا لو أمره والده به) (به) يعني: أمره والده بالتأخير (ليصلي به), فالوالد أحياناً يشق عليه الطهارة, أو أنه في مكانٍ بعيد فيأمرك ألا تصلي حتى يأتي فتصلي به, فالتعجيل أول الصلاة مستحب، وطاعة الأب واجبة إذا كانت بالمعروف، وهذا منها, فعلى هذا فالأفضل التأخير؛ لأن طاعة الوالد واجبة والتعجيل مستحب, وإذا تعارض واجب ومستحب قدم الواجب.

    ما يستحب فيه تأخير صلاة الفجر عن أول وقتها

    قال المؤلف رحمه الله: [ويسن لحاقن ونحوه مع سعة الوقت].

    يعني: أن الحاقن إذا كان سوف يصلي في أول الوقت وذهنه مشغول باحتباس البول, أو يذهب فيتوضأ ويصلي في آخر الوقت لكن من غير انشغال, فالأفضل له التأخير؛ لأن الصلاة هنا فيها تعجيل، وفيها نهي, فقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصلي الرجل وهو يدافعه الأخبثان, رواه البخاري و مسلم من حديث عائشة .

    بل إن ابن حزم رحمه الله من شدة ظاهريته قال: الصلاة باطلة، والحنابلة يقولون: يسن له التأخير.

    إذاً: عند الحنابلة التأخير إما أن يكون واجباً، وإما أن يكون مسنوناً, فالواجب تعلم قراءة, أو طاعة الوالد.

    وقوله: (والمستحب لحاقن ونحوه مع سعة الوقت), ومن ذلك أيضاً عند الحنابلة: كالمتيمم إذا غلب عليه وجود الماء في آخر الوقت, وكذلك المنفرد إذا غلب على ظنه وجود الجماعة مع سعة الوقت, والله تبارك وتعالى أعلم.

    أقوال العلماء في نسخ التبكير بصلاة الفجر

    هنا مسألة أخرى! وهي: هل كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الفجر بغلس, أم أن الأمر نسخ؟

    الجمهور يقولون: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصليها بغلس ولم ينسخ, وذهب أبو حنيفة رحمه الله إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصليها في آخر الوقت, واستدل الإمام أبو حنيفة بما رواه الإمام أحمد و أبو داود و الترمذي و النسائي وغيرهم من حديث عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد عن رافع بن خديج عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( أسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر ), وهذا الحديث للعلماء فيه عدة أمور:

    أولاً: الكلام عليه من حيث سنده, فذهب بعض أصحاب القول الأول -القائلين باستحباب التغليس- إلى تضعيف هذا الحديث, ومنهم أبو عمر بن عبد البر حيث قال: وعاصم بن عمر بن قتادة تفرد به وليس بالقوي, كذا قال رحمه الله, والمعروف أن عاصماً بن عمر بن قتادة من رجال الشيخين.

    يقول ابن القطان صاحب بيان الوهم والإيهام: وقد وثقه يحيى و أبو زرعة ، والنسائي ، ولا أعلم أحداً ذكره في الضعفاء, وبعضهم يقول: إن هذا الحديث لم يتفرد به عاصم , ولكن الذي رواه عن عاصم محمد بن إسحاق صاحب المغازي ومحمد بن عجلان , وقد اختلف هذا الحديث كما قال الحافظ ابن رجب : إن الحديث اختلف, فيرويه محمد بن إسحاق و محمد بن عجلان كلاهما عن عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد عن رافع بن خديج , ورواه الإمام أحمد وغيره عن زيد بن أسلم واختلف عليه, فرواه أبو غسان عن زيد بن أسلم عن عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد عن رجال من الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم, وهذه أرى أنها أصح الروايات عن زيد بن أسلم ، ولا يخالف الحديث الأول, وروي من طريق آخر عن زيد بن أسلم عن محمود بن لبيد عن النبي صلى الله عليه وسلم, وزيد لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم, وروي عن زيد بن أسلم عن عاصم بن قتادة عن محمود بن لبيد عن النبي صلى الله عليه وسلم, وهذا ضعيف.

    والذي يظهر أن الحديث حسن, وقد حسنه الترمذي و ابن حبان وقال العقيلي: إسناده جيد, وكذلك صححه ابن القطان .

    لكن المصححين فسروه بتفاسير, فذهب الشافعي والإمام أحمد إلى أن معنى (أسفروا) يعني: أضحوا بالفجر, بمعنى أنكم لا تصلون حتى يتبين لكم دخول الوقت, فهذا هو معنى الإسفار, فالإسفار هو التأكد من دخول الفجر, وهذا التفسير قد تكلم العلماء عليه، فقالوا: كيف يكون أسفروا بمعنى حتى يتبين لك الفجر, مع العلم أن التبين لدخول الفجر واجب, والنبي صلى الله عليه وسلم قال: ( فإنه أعظم للأجر ), فكأن الذي لم يتبين له، أجره قليل وهذا التفسير بعيد؛ لأن الذي لم يتبين له لا يجوز له أن يصلي قبل الوقت. فهذا يدل على أن هذا التفسير فيه إشكال.

    المعنى الثاني قالوا: إن معناه أن يصلي أول الوقت فيطيل القراءة حتى يخرج منها وفيها إسفار, فكأن هذا فيه دلالة على استحباب الإطالة في القراءة, كقول الله تعالى: وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا [الإسراء:78]، وهذا ربما يكون قوياً, وأرى أنه أحسنها.

    المعنى الثالث: قالوا: إن الحديث ناسخ لأحاديث التغليس, فهو متأخر، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يصليها بغلس، ثم كان آخر الأمرين منه هو التأخير, وهذا قال به الطحاوي رحمه الله, وهو قول عطاء ، وهو رواية أو قول أبي يعلى من الحنابلة.

    واستدلوا على ذلك بحديث أبي مسعود البدري رضي الله عنه, ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الصبح مرة بغلس, ثم صلى مرة أخرى فأسفر بها, ثم كانت صلاته بعد ذلك التغليس حتى مات لم يعد إلى أن يسفر ), قالوا: فهذا دليل على أن التغليس منسوخ.

    إذاً الطحاوي رحمه الله يرى أن حديث: ( أسفروا بالفجر ) ناسخ للأحاديث السابقة, وقال في رواية ابن عمر : ( أنه كان يصليها بغلس, ثم أخر ), فأشار ابن عمر إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم صنع ذلك, ثم ترك التغليس بعد، ولكن الحديث الوارد عن ابن عمر ضعيف, وهذه طريقة الطحاوي , وقال بعضهم: إن هذا الحديث صحيح ولكنه منسوخ بحديث أبي مسعود البدري الذي ذكرته أن النبي صلى الله عليه وسلم: ( صلى صلاة الصبح بغلس ثم أسفر بعد ذلك, ثم صلاها في التغليس ), فكان هذا آخر الأمرين, ولكن حديث أبي مسعود البدري في سنده أسامة بن زيد بن أسلم عن الزهري عن عروة عن بشير بن أبي مسعود عن أبيه, وهذا الحديث ضعفه ابن رجب وغيره.

    وعلى هذا فأحسن تأويلات الأحاديث إطالة القراءة حتى يخرج ويسفر.

    وأما معنى الإسفار فقد جاء في حديث أبي برزة: ( وإن أحدنا لا يعرف جليسه ), هذا هو معنى الإسفار والله أعلم.

    ومما يؤيد هذا ( أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الفجر في مزدلفة بغلس ), ومعنى بغلس أنه صلاها في أول الوقت, ولهذا قال ابن مسعود : ( وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ صلاة الفجر قبل ميقاتها ), ومعنى قبل الميقات: في أول الوقت, وليس قبل دخول الوقت، حاشاه صلى الله عليه وسلم أن يصنع ذلك. والله أعلم.

    وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

    مواد ذات صلة

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756234100