إسلام ويب

الروض المربع - كتاب الطهارة [25]للشيخ : عبد الله بن ناصر السلمي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • يستحب للجنب الوضوء عند إرادة الأكل أو الشرب أو النوم أو معاودة الوطء، ولا يجوز له المكث في المسجد ولا مس المصحف حتى يرفع حدثه بغسل، أما الصيام فله أن يصوم وهو جنب.

    1.   

    حالات يستحب فيها الوضوء للجنب

    بسم الله الرحمن الرحيم.

    الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    قال المؤلف رحمه الله: [ويسن لجنب ولو أنثى وحائض ونفساء انقطع دمهما غسل فرجه؛ لإزالة ما عليه من الأذى، والوضوء لأكل وشرب؛ لقول عائشة رضي الله تعالى عنها: ( رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم للجنب إذا أراد أن يأكل ويشرب أن يتوضأ وضوءه للصلاة )، رواه أحمد بإسناد صحيح، ونوم؛ لقول عائشة : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن ينام وهو جنب غسل فرجه، وتوضأ وضوءه للصلاة )، متفق عليه ].

    يقول المؤلف: (ويسن لجنب) بعدما أنهى الغسل المجزئ والغسل الكامل للجنب، وبين طريقته فيما لو نوى جميع الحدثين أو أحدهما قال: (ويسن لجنب ولو أنثى وحائض ونفساء انقطع دمهما غسل الفرج) دليل ذلك هو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـعمر بن الخطاب رضي الله عنه حينما سأله: ( أينام أحدنا وهو جنب؟ فقال صلى الله عليه وسلم: توضأ، واغسل ذكرك ثم نم )، وهذا هو الشاهد، وهذه رواية مسلم ، وجاء في بعض رواياته أن النبي صلى الله عليه وسلم سأله أبي بن كعب قال: ( سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يصيب من المرأة ثم يكسل ) يعني: يجامع الأهل ولا ينزل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( يغسل ما أصابه من المرأة، ثم يتوضأ ويصلي ) وهذا في أول الإسلام كما مر معنا، والشاهد فيه: ( يغسل ما أصابه من الأذى ) هكذا يستحب للجنب إذا لم يرد أن يغتسل أن يغسل ما أصابه من أذى في فرجه ويتوضأ.

    الأكل والشرب

    قال المؤلف رحمه الله: ( ويُسن لجنب غسل فرجه والوضوء لأكل وشرب) المؤلف ذكر حديث عائشة الذي رواه الإمام أحمد ( رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم للجنب إذا أراد أن يأكل ويشرب أن يتوضأ وضوءه للصلاة ) هذا الحديث رواه مسلم في صحيحه من حديث عائشة من طريق شعبة عن الحكم عن إبراهيم النخعي عن الأسود بن يزيد عن عائشة : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يأكل و يشرب وهو جنب توضأ وضوءه للصلاة ) هذا الحديث تكلم فيه الإمام أحمد ، وقال: إن الحكم أخطأ في زيادة (أراد أن يأكل أو ينام) قال: زيادة (أراد أن يأكل) فيها كلام، قال: وأصح شيء في الباب رواية عائشة المتفق عليه : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن ينام وهو جنب غسل فرجه وتوضأ للصلاة ).

    وعلى كل فإنه ثبت عن علي بن أبي طالب وعن ابن عمر رضي الله عنهما كما عند عبد الرزاق أنهما كانا إذا أرادا أن يأكلا أو يشربا أو يناما توضئا للصلاة، وليس عنهما مخالف، فعلى هذا فيُسن للجنب إذا أراد أن يأكل أو يشرب أن يتوضأ للصلاة؛ لفعل الصحابة، ولحديث عائشة الذي رواه مسلم وتكلم فيه الإمام أحمد .

    النوم

    كذلك لنوم، يعني: إذا أراد أن ينام ولا يريد أن يغتسل استحب له أن يتوضأ وضوءه للصلاة؛ لحديث عائشة الذي ذكره المؤلف (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن ينام وهو جنب غسل فرجه وتوضأ للصلاة)، وقال عمر : ( أينام أحدنا وهو جنب؟ قال: نعم، إذا توضأ للصلاة ).

    قال المؤلف رحمه الله: [ ويكره تركه لنوم فقط ].

    يعني بذلك لو أنه أراد أن يأكل أو يشرب وهو جنب لا بأس ألا يتوضأ، لكنه إذا أراد أن ينام ولا يتوضأ ولا يمس ماءً فإنه يكره في حقه، هذا هو الأظهر، والله تبارك وتعالى أعلم، على أنه يكره للإنسان أن ينام من غير أن يمس ماءً؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لـعمر حينما قال له: ( أينام أحدنا وهو جنب؟ قال: نعم، إذا توضأ للصلاة ) هذه رواية البخاري و مسلم .

    وفي رواية عند أهل السنن و أحمد أنه قال: ( ليتوضأ ثم لينم ) (ليتوضأ) أمر، وأقل الأمر الاستحباب، والقاعدة الأصولية: الأمر بالشيء نهي عن ضده، وإن كانت رواية (ليتوضأ) ذكرها سفيان بن عيينة ، وكأن أهل الحديث لا يقوونها، وأما رواية حديث عائشة الذي رواه أهل السنن ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينام من غير أن يمس ماء ) فهذا حديث منكر، أنكره الإمام أحمد و أبو داود و يزيد بن هارون ، بل قال بعض المحدثين: لا يحل ذكره.

    وكل حديث ورد فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينام من غير أن يمس ماء، فإنه حديث ضعيف، بل بالغ ابن مفوز فقال: أجمع أهل الحديث على تضعيف حديث: ( من غير أن يمس ماءً ) وليس فيه إجماع، فإن البيهقي أشار إلى تحسينه. وقال: ( من غير أن يمس ماءً ) للغسل وليس للوضوء، صحح الحديث وقال: المراد من غير أن يمس ماء للغسل وليس للوضوء، ولكن الأقرب أن الحديث منكر، وعلى هذا فيكره أن ينام من غير أن يمس ماءً، لكنه لو نام جاز ذلك، وبالغ بعضهم فقال: يحرم، والراجح أن ذلك على سبيل الكراهة، والله أعلم.

    معاودة الوطء

    قال المؤلف رحمه الله: [ويُسن أيضاً غسل فرجه ووضوءه لمعاودة وطء؛ لحديث: ( إذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعاود فليتوضأ بينهما وضوءاً )].

    رواية مسلم المشهورة: ( ثم أراد أن يعود فليتوضأ بينهما وضوءاً ) يعني بذلك: أن الإنسان إذا أتى أهله، ثم انتهى، ثم أراد أن يعود مرة ثانية مجامعاً فإن السنة في حقه أن يتوضأ، جاء في رواية الحاكم : ( فإنه أنشط للعود ) وقد صححها ابن حبان وابن خزيمة وغيرهما، وقال صاحب الروض: (والغسل أفضل) يعني: إذا استحب له أن يتوضأ؛ لأنه أنشط للعود فمن المعلوم أن الاغتسال أقوى إذا علمنا العلة؛ لأن الاغتسال أقوى للنشاط وأقوى للعود.

    1.   

    أحكام الحمامات

    قال المؤلف رحمه الله: [وكره الإمام أحمد بناء الحمام وبيعه وإجارته، وقال: من بنى حماماً للنساء ليس بعدل، وللرجل دخوله في سترة مع أمن الوقوع في محرم، ويحرم على المرأة بلا عذر].

    حكم بناء وتأجير الحمامات

    المؤلف أشار إلى أن الإمام أحمد رحمه الله كره بناء الحمام، وتأمل أن الإمام أحمد كره بناء الحمام وبيعه وإجارته، ولم ير هدمه؛ لأن هدمه إسراف، فهو نهى عن الابتداء ولم ينه عن الاستدامة، كما أشار إلى ذلك أبو العباس بن تيمية ، لكن يُشكل على ذلك أنه نهى عن بيعه وإجارته، فإذا نهى عن بيعه وإجارته فيستعمل في غير الحمام.

    وابن تيمية له كلام طويل في الحمامات، وقال: إن الإمام أحمد إنما كره بناء الحمام إذا كان في بلد لا يحتاج له، كأهل الحجاز، -هذا في وقتهم- إذ الغالب أنه لا يؤمن من وقوع المحظور، من كشف للعورات أو مسها، أما البلاد الباردة التي يحتاج الناس إليها، ولا يمكن لهم الاغتسال الواجب إلا بوجودها، فلم يكن أحمد ينهى عن ذلك؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

    فعلى هذا فـأحمد رحمه الله إنما كره بناء الحمامات فيما لا يحتاج إليها، إنما هو من باب الترف والزيادة، وفيما لا يؤمن معه من وقوع المحظور، أما إن احتيج إلى ذلك أو أمن من فعل المحظور وكشف العورات فليس بمكروه، والله أعلم، وأشار ابن تيمية -وهذه مهمة جداً- إلى أنه إذا احتيج إلى مثل ذلك ولا يسلم معه من فعل المحظور أو من رؤيته فإنه يجوز، ويجوز استئجاره وتأجيره، وهذه قاعدة: أن الشيء إذا احتيج إليه، ولا يلزم بالضرورة أن تكون حاجة دينية، بل ولو حاجة شخصية، إذا احتيج ولو كان ربما معه مكروه لا ينفك غالباً، إن كان هذا المكروه أحياناً، والحاجة داعية لذلك، فيقال في قاعدة سد الذرائع وهو مذهب أحمد و مالك : أن ما ترجحت مصلحته أبيح وإن كان ثمة مفسدة.

    عندنا الآن الإيجارات، التجار يقومون بتأجير الفلل والمنازل والعمارات، لو اشترطنا وقلنا لأصحاب الملك: يجب عليكم أن تمنعوا المستأجرين من المنكر؛ من الدش أو من التلفاز المحرم، في هذا مشقة عظيمة، وكأننا نقول لهم: لا يجوز لكم أن تبقوا الأموال عندكم؛ لأنه لا بد من وجود محظور غالباً، فإذا احتاج الناس إلى مثل ذلك، وابتلوا بمثل هذا جاز لهم، ويسوغ لكبير المال أو عظيمه ما لا يساغ لقليله، والمسألة تحتاج إلى بسط أكثر.

    حكم دخول الحمام

    يقول المؤلف: (وللرجل دخوله) يعني: دخول الحمام، (بسترة مع أمن الوقوع في محرم) يعني: إذا كان في أناس يقومون بدخول الحمام مع كشف للعورات فيحرم، إلا إذا كان هناك ضرورة، مثل أنه يريد أن يغتسل غسل الجنابة، وليس ثمة مكان إلا هذا فيجوز؛ لتعارض مأمور ومحظور، أما إذا كان على سبيل الترف، وكان ثمة محظور فيُمنع منه، هذا في حق الرجل.

    أما المرأة فالمؤلف يقول: ( ويحرم على المرأة بلا عذر ) يعني: يحرم على المرأة أن تدخل الحمام إلا لعذر شرعي، والعذر الشرعي كما مر معنا مثل أن تطهر من حيض، أو نفاس، أو لغسل جنابة، وليس ثمة ما يمكن أن تغتسل به إلا بمثل هذا، فيجوز بشرط الستر والعفاف؛ لأن المرأة عورة، كما جاء عند الترمذي بسند جيد ( فإذا خرجت استشرفها الشيطان ).

    نكون هنا قد انتهينا من باب الغسل، وندلف إلى باب التيمم.

    والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755896494