إسلام ويب

فقه أحاديث الصيام [11]للشيخ : عبد الله بن ناصر السلمي

  •  التفريغ النصي الكامل
  • وردت أحاديث تدل على فطر الحاجم والمحجوم، وأحاديث تثبت احتجام رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم وصائم، وعلى ضوء هذه الأحاديث كان اختلاف الفقهاء، والراجح أن الحجامة لا تفطر الصائم، ويقاس عليها التبرع بالدم ونحوه.

    1.   

    حكم الحجامة للصائم

    المقدم: الحمد لله حق حمده, والصلاة والسلام على رسوله وعبده.

    أما بعد: فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ومرحباً بكم إلى لقاء جديد من لقاءات برنامجكم اليومي: فقه أحاديث الصيام.

    أرحب في مطلع هذا اللقاء بضيف البرنامج والذي سيتولى مشكوراً مأجوراً التوضيح والبيان لمسائل هذه الحلقة, أرحب بصاحب الفضيلة الشيخ الدكتور: عبد الله بن ناصر السلمي , الأستاذ المشارك في قسم الفقه المقارن بالمعهد العالي للقضاء في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية, أهلاً بكم صاحب الفضيلة!

    الشيخ: حياكم الله يا شيخ ناصر ! وحيا الله المستمعين والمستمعات.

    المقدم: أحسن الله إليكم، الحديث عن الحجامة وكلام الفقهاء عنها، وهل تفطر الصائم أم لا؟

    الشيخ: الحمد لله رب العالمين, وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    بداية نذكر الأحاديث الدالة على الفطر في الحجامة, أو عدم الفطر في الحجامة, فالأحاديث الواردة في هذا الباب مثل: حديث رافع بن خديج وكذلك حديث ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم, وكذلك حديث شداد بن أوس , وكذلك حديث أنس بن مالك , وكذلك حديث ابن عمر , وكذلك حديث ابن عباس .

    أما حديث رافع بن خديج , وحديث ثوبان وحديث شداد بن أوس فكلها بلفظ: ( أفطر الحاجم والمحجوم ), والحديث هذا صححه الإمام علي بن المديني والإمام أحمد و أبو حاتم , والإمام البخاري , و أبو داود و الترمذي , إلا أنهم اختلفوا أي الأحاديث أصح؟

    فذهب أحمد رحمه الله إلى أن حديث رافع بن خديج : ( أفطر الحاجم والمحجوم ), أصح, وضعف الحديث علي بن المديني وصحح حديث ثوبان وحديث شداد بن أوس , والإمام أحمد رحمه الله له رواية أن أصح شيء في الباب حديث: ثوبان , فالحديث: ( أفطر الحاجم والمحجوم ), الأصح أنه حديث صحيح, وقد صححه الأئمة الكبار ومن الأئمة بعدهم.

    وهنا مسألة: هل تحمل هذه الأحاديث بألفاظها على ظاهرها, بأن الحاجم والمحجوم أفطر أم لا؟

    الجواب: ادعى بعض الفقهاء أن الحاجم -وهو الذي يفعل الحجامة- أنه لا يفطر بالإجماع, وفي نقل هذا الإجماع نظر, كما ذكر ذلك الإمام الشوكاني في نيل الأوطار, نقله عن بعض الفقهاء ونقله لهذا الإجماع فيه نظر؛ وذلك لأن أحمد رحمه الله يرى أن الحاجم يفطر, وكذلك روي عن عطاء وغيره, وعلى هذا فنقل الإجماع في هذه المسألة محل نظر, والمسألة فيها قولان:

    الأول: مذهب الإمام أحمد وقول بعض الصحابة وإن كان لم يثبت عن واحد من الصحابة بعينه إلا ما ينقل على طريقة بعض الفقهاء أنه إذا روى الصحابي حديثاً في حكم نسبه إليه, وهذا لا يلزم, وهو اختيار ابن تيمية واختيار محمد بن إسحاق بن خزيمة , واختيار الأوزاعي و إسحاق : على أن الحجامة تفطر الصائم؛ لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: ( أفطر الحاجم والمحجوم ), وقالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم مر على رافع وهو يحتجم فقال: ( أفطر الحاجم والمحجوم ), وكذلك جاء في حديث الحسن عن عقيل بن سنان الأشجعي، قالوا: فهذا يدل على أن الحاجم والمحجوم يفطران.

    والقول الثاني: مذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية, وهو قول جمهور الصحابة, فقد ثبت عن ابن عمر و أنس , و أبي سعيد الخدري , و ابن عباس و أبي هريرة أن ذلك لا يفطر, فإنهم قالوا: الوضوء مما خرج لا مما دخل, والفطر مما دخل لا مما خرج, ومن المعلوم أن الحجامة يخرج الإنسان الدم ولا يدخله؛ وعلى هذا فذهب جمهور الصحابة إلى أن الحجامة لا تفطر, وقالوا: إن حديث: ( أفطر الحاجم والمحجوم ), إما أن يحمل على أنه من باب المجاز, كما أشار إلى ذلك الإمام الشوكاني وهذا الأولى بذلك, بأن نقول: ليس الحديث على ظاهره, ولا نتكلف بتفسير كلمة: (أفطر), بدليل أن المفتي أو طالب العلم أو الباحث لا يجوز له أن يبطل حديثاً باحتمالات أصولية, أو احتمالات عقلية, أو احتمالات ظنية إلا بدليل قوي.

    فعندنا نحن الآن أحاديث الذين يقولون بالفطر, وهي حديث رافع بن خديج وحديث ثوبان وحديث شداد : ( أفطر الحاجم والمحجوم ).

    وعندنا أدلة تدل على عدم الفطر, منها:

    الدليل الأول: ما رواه البخاري في صحيحه أن أنس رضي الله عنه, سئل أكنتم تكرهون الحجامة للصائم؟ قال: لا, إلا من أجل الضعف, وكذلك روى البخاري في صحيحه من حديث ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: ( إن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم واحتجم وهو صائم ), وهذا الحديث بهذا اللفظ صحيح, وقد جاء من أربع روايات:

    منها: ( احتجم وهو محرم ), وهذا ثابت في الصحيحين من حديث عبد الله بن مالك بن بحينة , والرواية الثانية: ( احتجم وهو صائم ), وهذا الحديث تكلم فيه الإمام أحمد ؛ لأن الحديث روي من حديث الحكم عن مقسم عن ابن عباس , و الحكم لم يسمع من مقسم .

    والرواية الثالثة: أن النبي صلى الله عليه وسلم: ( احتجم وهو محرم, واحتجم وهو صائم ), وهذه الرواية رواها البخاري و الإمام أحمد وهي بإسناد صحيح.

    والرواية الرابعة: أن النبي صلى الله عليه وسلم: ( احتجم وهو محرم صائم ), وهذه الرواية رواها أهل السنن وهي ضعيفة.

    إذاً: الحديث جاء من أربع طرق, طريقان صحيحان وطريقان ضعيفان, فالصحيحان يدلان دلالة واضحة على أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم, بأبي هو وأمي.

    الدليل الثاني: لم ينقل أنه صلى الله عليه وسلم أفطر بقية يومه أو لم يفطر, وترك الاستفصال في مقام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال, ولو كان ثمة فطر لبينه النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة.

    ومعنى قاعدة: ترك الاستفصال في مقام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال: أن العلماء رحمهم الله وهم الشافعية والحنابلة وأكثر الحنفية يقولون: إن النبي صلى الله عليه وسلم إذا لم يكن بأبي هو وأمي فصل شيئاً من الأحكام مع احتمال اختلافها دل على أن جميع هذه الاحتمالات داخلة في عموم هذا اللفظ, فيقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفصل: هل يفطر من احتجم, أو يستمر، والأصل أنه لم ينقل, فيقال: ترك الاستفصال في مقام احتمال, الاحتمال أنه أفطر, واحتمال أنه لم يفطر, فترك الاستفصال في مقام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال وهو أنه كان صائماً في أول اليوم.

    الدليل الثالث: ما رواه البخاري في صحيحه أن أنساً سئل: أكنتم تكرهون الحجامة للصائم؟ قال: لا، إلا من أجل الضعف.

    الدليل الرابع: ما رواه الإمام أحمد و أبو داود وغيرهما من حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الوصال والحجامة للصائم, ولم يحرمهما إبقاء على أصحابه ), وهذا الحديث إسناده صحيح, وقد صححه الحافظ ابن حجر وغير واحد من أهل العلم.

    وفي هذا الحديث دلالة واضحة على أن النبي صلى الله عليه وسلم حينما قال: ( أفطر الحاجم والمحجوم ), أنه لم يكن على سبيل التحريم, ولكنه على سبيل الكراهة, بدليل فهم الصحابي عندما سئل أنس: أكنتم تكرهون الحجامة للصائم؟ قال: لا, إلا من أجل الضعف كما فهمه أنس , وكذلك ما قاله بعض الصحابة قال: ( ولم يحرمهما إبقاء على أصحابه ), ومما يقوي ذلك: أن الدارقطني و البيهقي رويا عن أبي سعيد الخدري وروي مرفوعاً: ( أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للصائم في الحجامة ), وهذا الحديث روي مرفوعاً وموقوفاً, والصواب وقفه على أبي سعيد , فدل ذلك على أن الذي يظهر والله تبارك وتعالى أعلم: أن الأحاديث الدالة على عدم الفطر قوية, والأحاديث الذي ظاهرها الفطر قوية، والأصل أنه إذا صح الحديثان أو الأحاديث المتعارضة فإننا نجمع, والجمع هو أن الذي دل على عدم الفطر هو الأصل, والذي قال بالفطر قال ذلك بناء على أنه ربما يضعف الصوم أو غير ذلك.

    والذي حدانا لذلك أننا نقول: إن أبا العباس بن تيمية رحمه الله الذي يرى هذا الحديث ويقول رحمه الله: إن الصوم لا يبطل إلا إذا كان عالماً ذاكراً مختاراً, ومن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على رافع بن خديج وهو يحتجم, وعلى ثوبان وهو يحتجم فقال: ( أفطر الحاجم والمحجوم ), فعلى قاعدة بعض الفقهاء كــــأبي العباس بن تيمية أنه لا يفطر إلا مع العلم, وهذا لم يعلم إلا بإخبار النبي صلى الله عليه وسلم, فقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( أفطر الحاجم والمحجوم ), مع العلم أن القاعدة عند الجمهور أنه لا يفطر إلا بالعلم أو الذكر أو الاختيار دل على أن الحديث ليس على ظاهره.

    والحنابلة أخذوا بأن الرجل إذا أفطر عن جهل فإنه يبطل صومه, و أبو العباس لا يقول بذلك وهو مذهب الشافعية, وهذا يدل على أن الحديث ليس على ظاهره: والله تبارك وتعالى أعلم.

    فإن قال قائل: ألا يفهم من قوله عليه الصلاة والسلام أنه إنما قاله؛ لأجل رؤية أصحابه عليهم رضوان الله, فعندما رآهم يحتجمون قال هذا القول, فالحكم إنما صدر منه عليه الصلاة والسلام وهو الأصل الثاني من أصول التشريع, فلا يمكن أن يقال: إن علمهم إنما حصل بمجرد قوله عليه الصلاة والسلام؟

    فالجواب: هو أن نقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم خاطبهم, فقال: (أفطر هذان), في رواية: (وهما لم يعلما), وعلى قاعدة الجمهور أو اختيار ابن تيمية أن الإنسان لا يفطر إلا بالعلم, فكيف يقال: إن هذا يدل على الفطر وهم يقولون: إن الإنسان لا يفطر إلا بأن يكون عالماً ذاكراً مختاراً؟!

    وهذا يدل على أن الحديث ليس على ظاهره، وقد قلنا: إن الحديث: ( احتجم وهو صائم, واحتجم وهو محرم ), رواية صحيحة, والإمام أحمد إنما ضعف رواية: ( احتجم وهو صائم ), فقط, وقلنا: إن الحديث في سنده الحكم وهو لم يسمع من مقسم كما قال ذلك الإمام أحمد و أبو حاتم والله تبارك وتعالى أعلم.

    1.   

    مدى صحة قياس التبرع بالدم على الحجامة

    المقدم: أحسن الله إليكم! هل يمكن أن يقاس الحادثات الأخيرة كالفصد والتبرع بالدم بالحجامة؟

    الشيخ: بعض الفقهاء رحمهم الله قالوا: إن هذا خاص في الحجامة, والصحيح كما هو اختيار ابن تيمية : أن كل ما كان في حكم الحجامة كالفصد والتبرع بالدم والتحاليل إذا كان الدم فيها كثيراً, وأما إذا كان يسيراً مثل أنبوبة صغيرة فإن الأقرب والله تبارك وتعالى أعلم على القول بأن الحجامة تفطر أنه لا يفطر, وعلى القول: بأن الحجامة تفطر فإنه لا يفطر البتة, كما هو على الراجح. والله تبارك وتعالى أعلم.

    المقدم: أحسن الله إليكم! بهذا نصل إلى ختم هذه الحلقة من حلقات برنامجكم اليومي: فقه أحاديث الصيام, الشكر ختاماً بعد شكر الله جل في علاه لفضيلة ضيفنا الشيخ الدكتور: عبد الله بن ناصر السلمي , الأستاذ المشارك في قسم الفقه المقارن بالمعهد العالي للقضاء في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.

    شكراً لكم وشكراً لمتابعتكم وإلى اللقاء في الحلقة القادمة وأنتم على خير, والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755829282