أما بعد:
فإن الساحة مليئة بالمحاضرات والمواعظ والخطب والندوات في كلِّ خير، وحرصاً مني على الدلالة إلى الخير ونشر العلم ونثر الفوائد، أردت أن أشارك إخواني مسيرتهم في الدعوة إلى الله بسلسلة من المحاضرات فيها فوائد متفرقة، وحكم منثورة، وهذه السلسلة تحمل العنوانين التاليين:
- قلائد الفوائد (مجمع الفوائد).
- فرائد الفوائد.
أما طريقتي في هذه الفوائد فإني قد جعلتها في التفسير، والحديث، والفقه، والنحو، والسِّيَر، والأشعار، والطرائف، والنوادر، والخواطر، وهي ليست على نسق واحد أو ترتيب واحد إنما هي قلائد من الفوائد، جمعتها تذكرة للعالِم وطالب العلم، وتعليماً لمن لم يعلم بها، عسى الله أن ينفع بها السامع والمتكلم.
وهذه الفوائد مختصرة، فليست بالطويلة المملة ولا بالقصيرة المخلة، و(يكفي من القلادة ما أحاط بالعنق)، و(إذا اتسع الخاتم سقط)، ومن لم ينتفع من فائدة فالفوائد غيرها كثيرة.
وإن من أسباب اختيار هذه الطريقة -أيها الأحباب الكرام- ما نعلمه جميعاً من وجود الفوائد العظيمة في الكتب في شتى الفنون، فأردت أن أُخْرِج بعض هذه الدرر ليسمعها من لا يستطيع استخراجها.
فإلى الشروع في المقصود، وبالله التوفيق.
الفائدة الأولى: قال الله تعالى: إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ [الإسراء:9] :-
قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى في تلبيس إبليس : الشرع كالشمس، والعقل كالعين، وأعطي ابن آدم العقل كالمؤدب يأمره فيما يفعل، ويجتنب.
قال ابن تيمية رحمه الله تعالى: العقل لا يهتدي حتى تسطع عليه شمس الرسالة.
أحدها: أن الله تعالى غايَرَ بينهما في قوله: (عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ [البقرة:157].
ثانيها: أن سؤال الرحمة مشروع لكل مسلم، والصلاة تختص بالنبي عليه الصلاة والسلام وهي حق له ولآله؛ ولهذا مَنَع كثير من العلماء من الصلاة على مُعَيَّنٍ غيرِه ولم يَمْنَع أحدٌ من العلماء من الترحم على مُعَيَّن.
ثالثها: أن رحمةَ الله عامةٌ وَسِعَت كل شيء، وصلاتَه خاصةٌ بخواصِّ عباده.
الفائدة الثالثة: غَيْرةٌ على كتاب الله :-
روى أبو العباس المبرد : أن بعض أهل الذمة سألوا أبا عثمان المازري النحوي قراءة كتاب سيبويه عليهم، وبذلوا له مائة دينار مقابل تدريسه لهم، فامتنع أبو عثمان المازري .
فقال له المبرد : أترد النفقة مع فاقتك وحاجتك؟!
فقال أبو عثمان : هذا الكتاب يشتمل على ثلاثمائة آية من كتاب الله، ولست أرى أن أُمَكِّن منها ذمياً غَيْرةً على كتاب الله وحميةً له.
الفائدة الرابعة: افتخارُ شاعر :-
قال أبو عبيدة : التقى جرير والفرزدق بـمِنى وهما حاجَّان، فقال الفرزدق لـجرير -ومعلومٌ ما بينهما من الهجاء على بعضهما-:
فإنك لاقٍ بالمنازل مِن مِنى فخاراً فأخبرني بمن أنت فاخرُ |
فقال جرير : أفتخر بـ(لبيك اللهم لبيك).
الفائدة الخامسة : قال الله جلَّ وعَلا: إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً [الإسراء:36] عاقبة الاستهزاء :-
قال أبو شامة المقدسي - في كتاب السواك -: بلغني مِمَّن أثق به أن رجلاً ببلاد بُصرى سنة (665) للهجرة استهزأ بالسواك وجعله في دُبُره، فابتلاه الله بالوَجَع أياماً، ثم وَضَعَ حيواناً على شكل جُرْذٍ له رأسٌ كبير، فصاح الحيوان ثلاث صيحات ومات، ثم مات الرجل بعده بثلاثة أيام.
قال أبو شامة : وابتُلِي بعضُ الملوك في يديه بـمكة ، وكان قد رَمَى على حَمَام الحرم، فنُهِي فلم ينتهِ.
الرسالة المصرية لـأمية بن عبد العزيز الأندلسي ذَكَر فيها أخبار مصر وعجائبها، أودعها الأستاذ الأديب عبد السلام هارون في نوادر المخطوطات .
ومما ذَكَر فيها: أن رجلاً في مصر كان يُسْتَدعى للمرضى كما يُسْتَدعى الأطباء، فيدخل على المريض، فيحكي له حكايات مضحكة، وخرافات مسلِّية، فإذا انشرح صدر المريض وعادت إليه قوته تَرَكَه وانصرف.
ومن الرسائل في هذه النوادر خطبة واصل بن عطاء : كان واصل فيه لثغة لا ينطق معها الراء؛ لكنه ذكي خطيب، يتحايل على الراء فلا ينطقها.
قال مَن يمدحه:
ويجعل البُرَّ قمحاً في تصرُّفه وجانَبَ الراءَ حتى احتال للشعرِ |
ولم يُطِقْ مطراً والقولُ يعجله فعاد بالغيث إشفاقاً من المطرِ |
وقال شاعر يمدح أحد الوزراء:
نعم. تَجَنَّب (لا) يوم العطاءِ كما تَجَنَّب ابن عطا لفظَ الراءِ |
ذكر ذلك الأستاذ عبد السلام هارون في نوادر المخطوطات في المجلد الأول، وقال: وواصل إنما يُمْدَح ببيانه وبلاغته، ولا يُمْدَح على اعتقاده؛ لأنه معتزلي جانَبَ مذهب أهل السنة والجماعة ، ومن المعلوم أنه إذا مُدِح شخصٌ في أمر فليس ذلك مَدْحاً له في كل أموره.
إنه يراعي الوقت ويحرص عليه، ولا يهدأ نومه، فإذا انشغل الناس بشغلهم فهو مشغول بدعوته ليلاً ونهاراً.
إنه يدعو إلى الإسلام بصوته، ويكفيه شرفاً هذا المجال، فهو على ثغر عظيم من ثغور الإسلام، وهو على شعيرة عظيمة من شعائر الشريعة.
إنه المؤذن الذي يدعو بالدعوة التامة إلى التوحيد، فمما جاء في فضل الأذان قوله جلَّ وعَلا: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ [فصلت:33] وهذه عامة في كل من دعا إلى خير.
قال ابن كثير رحمه الله: وقيل: المراد بها: المؤذنون الصُّلَحاء.
قالت عائشة رضي الله عنها: [إذا قال المؤذن: حي على الصلاة فقد دعا إلى الله].
وهكذا قال ابن عمر وعكرمة أنها نزلت في المؤذنين.
ومن فضائله: ما جاء في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا نودي للصلاة أدبر الشيطان وله ضراط حتى لا يسمع التأذين).
ومما جاء فيه: ما رُوِي في صحيح مسلم عن معاوية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن المؤذنين أطول الناس أعناقاً يوم القيامة -وضُبِطَت: إعناقاً يوم القيامة-).
وروى البخاري وغيره عن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يسمع مدى صوت المؤذن جنٌّ ولا إنسٌ ولا شيء إلا يشهد له يوم القيامة).
وروى الخمسة إلا الترمذي عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المؤذن يُغْفَر له مدى صوته ويَشْهَد له كل رطب ويابس).
وجاء عند الترمذي من طريق جابر الجعفي عن مجاهد عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أذن سبع سنين محتسباً كُتِبَت له براءة من النار) قال الترمذي : حديث غريب، فإن جابراً الجعفي تركه ابن مهدي ويحيى بن سعيد . انتهى كلامه. فالحديث ضعيف ويكفي الأذان من الفضائل ما تقدم.
قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: [لو كنتُ مؤذناً ما باليتُ ألاَّ أحج ولا أعتمر ولا أجاهد] أي: لا أفعل هذه الطاعة نافلةً.
وبناءً على هذه الفضائل فقد ذهب الشافعية والحنابلة إلى أن الأذان أفضل من الإمامة.
وهذا ترجيح شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وقال: هو أصح الروايتين عن أحمد ، واختارها أكثر أصحابه.
وقال شيخ الإسلام رحمه الله: أما كون النبي صلى الله عليه وسلم كان إماماً، وكذا الخلفاء الراشدون من بعده فلأن الإمامة مُتَعَيَّنة عليهم؛ لأنها وظيفة الإمام الأعظم، ولم يُمْكِنْهم الجمع بينها وبين الأذان، فصارت الإمامة في حقهم أفضل، وإن كان لِأَكثر الناس الأذانُ أفضل. انتهى كلامه.
فقيل لها: انتظري حتى صلاة العشاء، فلما سمعت أذان العشاء تأثرت وطلبت شيئاً عن الإسلام، فأعطيت بعض الكتب، فأسلمت بعد أيام، مع أن هذا الداعية وهو المؤذن لم يعلم بها، ولا كَلَّف نفسه دعوتها، فـذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ [المائدة:54].
الفائدة الثامنة: فائدةٌ عن مناسبة الوقفات :-
ألَّف بعض العلماء كتباً ولم يتموها، إما بسبب موتٍ أو انشغال.
فمن هذه الكتب: المجموع شرح المهذب للنووي وشرح العمدة لشيخ الإسلام ابن تيمية والبحر الرائق لـابن نجيم وشرح فتح القدير لـابن الهمام .
لكن بعض الكتب يكون الوقوف على بعض الأبواب فيه مناسَبة:
فمنها: فتح الباري لابن رجب ، الذي بلغ في كتابه إلى الجنائز.
وكذلك: تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد ، وقف فيه مؤلفه على القَدَر، ثم قُتِل.
وكذلك: وثر المعاني الدراري في شرح صحيح البخاري لـمحمد الخضر الشنقيطي ، وقف فيه على الجنائز.
ومن أعجب المناسبات: وقوف الشيخ محمد أمين الشنقيطي رحمه الله في كتابه أضواء البيان على تفسير قول الله جلَّ وعزَّ في آخر سورة المجادلة: أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُون [المجادلة:22].
الفائدة التاسعة: ولـابن القيم فوائد من كتاب الفوائد :-
قال رحمه الله: سَبَقَ العلم بنبوة موسى وإيمان آسية ، فسِيْقَ تابوتُه إلى بيتها، فجاء طفلٌ منفردٌ عن أم إلى امرأة خالية من ولد، فلله كم في هذه القصة من عِبرة! وكم ذَبَحَ فرعون في طلب موسى مِن ولد! ولسانُ القَدَر يقول: لا نربيه إلا في حجرك!
وقال: إنما تفاوتَ القوم وبالهِمم لا بالصوَر.
وقال: البخيل فقيرٌ لا يؤجر على فقره.
وقال: الأرواح في الأشباح كالأطيار في الأبراج، ما أعد للاستفراخ.
وتكلم رحمه الله في فصل عجيب جداً عن فضل الصديق رضي الله عنه، وسَبْقِه، والرد على مَن تكلم فيه.
الفائدة العاشرة: سرعةُ بديهة :-
يقول ابن عربي المالكي رحمه الله: جاءني يوماً شاعر، وكان عندي مجمر قد خَمَدت فيه النار وصارت رماداً، فقلت له أن ينشد في هذا.
فقال ارتجالاً:
شابت نواصي النار بعد سوادها وتستَّرَتْ عنا بثوب رمادِ |
وطَلَب مني أن أكمله.
فقلت ارتجالاً:
شابت كما شبنا وزال شبابنا فكأنما كنا على ميعادِ |
الفائدة الحادية عشر: آيةٌ وبيتٌ جَمَع كل منهما حروف المعجم :-
أما الآية التي جمعت حروف المعجم جميعاً، فهي آخر آية في سورة الفتح وهي قول الله جلَّ وعزَّ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمْ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً [الفتح:29].
وأما أول من جمع حروف المعجم في بيت واحد هو الخليل بن أحمد الفراهيدي بقوله:
صِفْ خَلْقَ خُودٍ كمِثْل الشمس إذْ بَزَغَتْ يَحْظَى الضجيعُ بها نجلاءَ مِعطارِ |
الفائدة الثانية عشرة: حديثٌ قصيرٌ وفوائدُ كثيرة :-
روى البخاري ومسلم من طريق حماد بن زيد عن أيوب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس : (أن رجلاً كان واقفاً مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة إذ وقع من على راحلته فوقَصَته، فمات، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اغسلوه بماء وسدر، وكفِّنوه في ثوبين، ولا تحنطوه، ولا تخمِّروا رأسه، فإنه يبعث يوم القيامة مُلَبياً) رواه البخاري في مواضعَ في الجنائز والحج.
وله عدة ألفاظ عند مسلم أيضاً: أما ألفاظه:
فالرجل: قال في الفتح وهذا لم أقف على تسميته في شيء من الطرق.
أما الوَقْص فهو: كسر العنق، إما من الدابة أو من الأرض لَمَّا وقع عليها.
أما الحنوط فهو: أخلاطٌ من طيب تُجْعَل للميت يُطَيَّب بها.
وأما التخمير فمعناه: التغطية.
أما فوائده: فقد ذكر ابن القيم في الزاد أن له اثنتا عشرة فائدة، منها:
أولاً: وجوب غسل الميت.
ثانياً: أن المشروع في حق الميت أن يُغَسَّل بماء وسدر، ولا يُقْتَصر به على الماء وحده.
ثالثاً: أن تَغَيُّر الماء بالطاهرات لا يسلبه الطهورية كما هو مذهب الجمهور، ونص الروايتين عن أحمد .
رابعاً: إباحة الغسل للمحرِم، وقد تناظَرَ في هذا ابن عباس والمسور بن مخرمة ، والصواب مع مَن أباح؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم اغتسل وهو محرم.
خامساً: أن المحرم غير ممنوع من الماء والسدر، وقد أباح الشافعي السدر للمحرِم، وكذا أحمد في أظهر الروايتين عنه، وهي الصواب؛ لأن السدر ليس من الطيب في شيء.
سادساً: أن الكفن مقدَّم على الميراث وعلى الدَّين، وهذا كلام الجمهور، وفيه خلاف شاذ لا يُعَوَّل عليه.
سابعاً: جواز الاقتصار على ثوبين في التكفين، هذا على قول الجمهور.
ثامناً: أن المحرم ممنوعٌ من الطيب.
تاسعاً: بدأ ابن القيم يفصِّل في استعمال الطيب للمحرِم.
عاشراً: أن المحرم ممنوع من تغطية الرأس.
حادي عشر: مَنْعُ المحرم من تغطية وجهه، وقد اختلف العلماء فيها، ومذهب الشافعي وأحمد في روايةٍ على الإباحة، وهو مذهب ستة من الصحابة، أما لفظ: (ولا تخمِّروا وجهه) عند مسلم فهي غير محفوظة.
ثاني عشر: بقاء الإحرام بعد الموت، وأنه لا ينقطع وهو مذهب عثمان وعلي وابن عباس ، وبه قال أحمد والشافعي وإسحاق . انتهى كلامه مختصراً رحمه الله.
قال الحافظ ابن حجر في الفتح : الثوب الواحد الساتر للبدن لا بد منه بالاتفاق.
أما قوله: (وهو واقف): فاستدل به على إطلاق لفظ (واقف) على الراكب.
وفيه: أن من شرع في عبادة، ثم حال بينه وبين إتمامها رُجِي أن يَكْتُب اللهُ له ذلك العمل.
أما قوله: (لا تحنطوه): ففيه المنع من الحنوط للمحرِم، وفيه مشروعية الحنوط لغير المحرم وفي رواية (ولا تمسوه طيباً) وهي في الصحيح .
أما قوله: (كفنوه في ثوبين): فهي عند البخاري ، وجاء في رواية عنده في الحج قوله صلى الله عليه وسلم: (في ثوبيه) وهذا من باب المطلق والمقيد، بل عند النسائي رواية: (في ثوبيه اللذَين أحرم بهما)، ولم يجد صلى الله عليه وسلم له ثوباً ثالثاً إكراماً له، كما في الشهداء، قال فيهم صلى الله عليه وسلم: (زمِّلوهم بدمائهم).
وفيه: دليل على أن الوتر في الكفن ليس بشرط في الصحة.
وفيه: التكفين في الثياب الملبوسة وأنه جائز.
وفيه: استحباب دوام التلبية إلى أن ينتهي الإحرام، وأن الإحرام يتعلق بالرأس لا بالوجه.
وذكر القرطبي قولاً غريباً عن الشافعي وهو: أن المحرم لا يُصَلَّى عليه كالشهيد. قال ابن حجر في الفتح : هذا ليس بمعروفٍ عن الشافعي . انتهى كلامه مختصراً.
الفائدة الرابعة عشرة: ذكر الأستاذ عبد السلام هارون في كرناشة النوادر أن الخنزير نجس العين في جميع الأديان :-
حتى عند قدماء المصريين قبل الميلاد بأربعمائة سنة تقريباً.
الفائدة الخامسة عشرة: بيتٌ له معنى :-
إن رباً كفاك بالأمس ما كـان سيكفيك في غدٍ ما يكونُ |
ونقل الأستاذ عبد السلام هارون في كرناشة النوادر عن الأصمعي قال: كان جرير والفرزدق والأخطل يسمَّون أثافي الشر؛ لأنهم تهاجَو أربعين سنة.
الفائدة السادسة عشرة: تأملات في موضعٍ من القرآن :-
الهدهد لم يحتقر نفسه، فقد حذَّر وأنذر واستنكر الشرك، حيث يسجد أولئك القوم للشمس من دون الله، فهذا دليل علو همته وحرصه على نشر الحق.
وسليمان لم يحقِّر شأن الهدهد، بل قَبِل خبره، وعمل بموجبه، فهذا دليلُ تواضعِ سليمان عليه السلام.
والنملة حذَّرت قومها بقولها: لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ [النمل:18] ثم اعتذرت لسليمان عليه السلام وجنودِه وقالت: وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ [النمل:18].
من الناس من يصدق الأقوال في الأشخاص والكتب، وما يقال فيها من مدح أو قدح، ولا يصدق عينيه، فهذا يقال له:
خذ ما تراه ودعْ شيئاً سمعتَ به في طلعة البدر ما يغنيك عن زُحَلِ |
ومما قيل في فضل العلماء ومَجالسهم:
مَجالسهم مثل الرياض أنيقةٌ لقد طاب منها الريح واللون والطعمُ |
***
العلمُ يبني الرجال وغيرُه يبني القـ ـرى شتان بين بناء قرىً ورجالِ |
ومن جميل ما ورد: أنه دخل بعض الشعراء على ابن نباته ، فرأى في نواحي منزله نملاً كثيراً، فأنشد:
ما لي أرى منزل المولى الأديبِ به نملٌ تجمَّع في أرجائه زُمَراً |
فقال ابن نباته على البديهة:
لا تعجبن إذاً من نملِ منزلِنا فالنمل من شأنها أن تتبع الشُّعَرا |
الفائدة الثامنة عشرة: أقوال لم تصح عن بعض الأئمة :-
قال ابن القيم رحمه الله تعالى في إغاثة اللهفان : نُسِب إلى مالك القول بجواز الوطء في الدبر، وهو كذب عليه، فكُتُب أصحابِه كلها تصرِّح بالتحريم.
قال ابن حجر في الفتح : ما قيل عن أبي حنيفة أنه لا يصح عنده أذان الأعمى فهذا غلط عليه، وعند الأحناف أنه يُكره.
كذلك مما غُلِط فيه على أبي حنيفة أنه نُسِب إليه القول بخلق القرآن.
وأن الشافعي يجيز اللعب بالشطرنج، ويجيز أن يتزوج الرجلُ ابنتَه من الزنا.
وكذلك نُسِب إلى أحمد القطعُ بدخولِ أطفالِ الكفارِ النارَ.
ونُسِب إلى أحمد -أيضاً- أن النكاح لا يصح إلا بلفظ: (أنْكَحْتُ) أو (زَوَّجْتُ).
وهذه مسائل معدودة في الغلط على الأئمة.
الفائدة التاسعة عشرة: الشفاءان، والشيخان، والرحلتان، والكريمتان الحبيبتان، والكذابان :-
فأما الشفاءان فهما: القرآن ، والعسل.
وأما الشيخان فهما: أبو بكر ، وعمر ، أو البخاري ، ومسلم .
وأما الرحلتان فهما: رحلة الشتاء، ورحلة الصيف.
وأما الكريمتان الحبيبتان فهما: العينان.
أما الكذابان فهما: مسيلمة ، والأسود العنسي .
لا تحتقرْ شيئاً صغيراً تُحْتَقَرْ فربما أشْعَلَتِ الدَّمَ الإبَرْ |
لا تحقرنَّ صغيراً في مخاصمةٍ إن البعوضة تُدْمِي مقلة الأسدِ |
فإن القذى يؤذِي العيونَ قليلُه ولربما جَرَحَ البعوضُ الفيلا |
الفائدة الحادية والعشرون: داعيةٌ بعد الموت :-
ذكر الذهبي في السِّيَر قال: يُرْوَى أن خالد بن سعيد بن العاص لما استُشهد قال عنه الذي قتله بعدما أسلم: [مَن هذا الرجل؟! فإني رأيت له نوراً ساطعاً إلى السماء].
قال شاعر -لله درُّه- محذِّراً المرأة من السفور:
قل لمن بعدَ حجابٍ سَفِرت أبهذا يأمر الغيل الشرفْ |
أسفورٌ والحياءُ يحضُـره وتقى الله وآدابُ السلفْ |
ليست المرأة إلا درةً أيكون الدر إلا في الصَّدَفْ |
وقال آخرُ أَسِفاً على امرأة سفرت ماشيةً مع أبيها الغافل الذي تساهل في نشر جمالها، وغفل عن لباسها، ولم يمنعها مِمَّا حرم الله، قال مخاطباً المرأة:
فُقْتِ الغزالة في جميع صفاتها فتجمَّعت كل المحاسن فيكِ |
لكِ جيدُها وعيونُها ونفارُها أما القرونُ فإنها لأبيك |
ذكر الذهبي في السِّيَر عن معمر بن راشد البصري : أنه أكل فاكهة عند أهله، فسأل عنها.
فقيل: هذه هدية من فلانة النوَّاحة.
فقام فتقيَّأ.
وذكر الذهبي في معرفة القراء الكبار عن حمزة بن حبيب الزيات قال: نظرتُ في المصحف حتى خشيتُ أن يذهب بصري.
وذكر صاحب شذرات الذهب عن الليث بن سعد : أنه كان لا يتغدى كل يوم حتى يُطعم ثلاثمائة وستين مسكيناً.
وذكر -أيضاً- صاحب الشذرات عن الإمام ابن العسير : أنه أصيب بالفالج فتعطل نصف جسمه، وله مؤلفات بعدما أصيب بالشلل.
وذكر العُليمي في المنهج الأحمد عن أحمد بن عبد السلام البغدادي المتوفى سنة (735هـ) أنه كان قبل توبته قاطعاً للطريق هو وجماعة معه، ورأى مرة عصفوراً ينقل رطباً من نخلة إلى نخلة خالية، فصعد، فنظر فإذا هو بحية عمياء والعصفور يأتيها برزقها، فتاب هو وأصحابه.
وذكر ابن كثير في البداية والنهاية عن عبد العزيز الحراني المتوفى سنة (686هـ) أنه قال: كنت بـمصر بين يديَّ قمحٌ، فجاء زنبورٌ فأخذ حبة واحدة، فذهب بها، ثم فعل هذا أربع مرات، فتبعته فإذا هو يضع الحبة في فم عصفور أعمى بين تلك الأشجار.
فسبحان من يسوق الرزق للبهائم والوحوش والطير! قال الله عزَّ وجلَّ: وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا [هود:6].
وضع رجلٌ رأسه في حِجْر امرأته فقالت: ما أثقل رأسك!
فقال: أنت طالقٌ إن كان رأسي أثقل من رأسكِ.
فذهب لأحد الفقهاء.
فلما قال له ما حصل قال: تطلُقُ امرأتُك.
فقال: لِمَ؟
فقال الفقيه: لأن القصابين أجمعوا على أن رأس الكبش أثقل من رأس النعجة.
قيل لشاعر: إن الله تعالى إذا سَلَب كريمتَي عبد عوَّضه خيراً، فما الذي عوَّضك بعدما عميتَ؟! يريد القائل بقوله هذا أن يتهكم عليه.
قال: أنني لا أراك.
تقول العرب: (فلان رقيق النعل): إذا كان صاحب نعمة.
وتقول: (خلع الله نعليه): أي جعله مُقْعَداً لا يمشي على نعل.
وتقول: (فلان كظل الذئب): أي لا يستقيم على طريقة.
وقيل لمريض: ما تشتهي؟
قال: أشتهي أن أشتهي.
ويقولون عن الشيء الذي لا يُحتاج إليه: (هو كواو عمرو)؛ لأنها تكتب ولا تنطق.
التصحيف: هو انطماس الكلمة أو زيادة أو نقص فيها بسبب أخذ الكلام من الكتب دون الشيوخ، وللسيوطي كتاب التطريف في التصحيف ، وذكر فيه أمثلة:
فمن ذلك: قول أنس في الصحيحين : [لما نزل المطر بعد استسقاء النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة على المنبر ما رأينا الشمس سبتاً -أي: أسبوعاً-] حيث تصحفت (سبتاً) عند بعضهم فقال: (ستاً).
كذلك من الأمثلة: (هدايا الأمراء سحت) هكذا عند عبد الرزاق عن جابر ، فتصحفت كلمة (سحت) عند بعضهم فقال: (تستحب)، قال الحافظ: هذا تصحيف شنيع.
أيضاً من الأمثلة: (من صام رمضان وأتبعه ستاً من شوال) قرأ بعضهم الحديث: (شيئاً من شوال).
ومن الأمثلة: (إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب) رواه البخاري ومسلم ، رواه بعضهم: (ولا يسخر)، قال النووي : هذا تصحيف.
الفائدة الثامنة والعشرون: من عجائب الحيوان :-
الأسد لا يشرب من ماء ولغ فيه الكلب، ولذا قال الشاعر:
سأترك حبكم من غير بُغْضٍ وذاك لكثرة الشركاءِ فيهِ |
إذا وقع الذباب على طعام رفعتُ يدِي ونفسي تشتهيهِ |
وتجتنبُ الأسودُ ورودَ ماءٍ إذا كُنَّ الكلابُ ولَغْنَ فيهِ |
كل حيوان أنثاه أرق صوتاً مِن ذَكَرِه إلا البقر.
كل حيوان إذا أكل حرَّك فكه الأسفل إلا التمساح.
أنثى الفيل تحرص على أن تلد في الأنهار لئلا يسقط ولدها فينكسر.
ولا يرضع من الطيور إلا الخفاش.
أما القرد، والخنزير، والحمار، والكلب فهذه أمثال لبني إسرائيل في القرآن، فقد قلب الله جلَّ وعَلا أقواماً منهم قردة وخنازير، وشبَّه علماءهم بالحُمُر، وعوامَّهم بالكلاب.
الفائدة التاسعة والعشرون: رواسب الجاهلية :-
كان عند أهل الجاهلية صفات حسنة وأخرى سيئة.
فمن صفاتهم السيئة المذمومة التي نُهينا عنها:
- الطعن في الأنساب.
- والنياحة على الميت.
- والتطيُّر والتشاؤم.
- وحرمان كلٍّ من المرأة والصبي من الميراث.
- وقتل الأولاد خشية الفقر.
- وقتل البنات خشية العار.
- وشرب الدم المسفوح، والتداوي به.
قال بعضهم:
وكان بنو عمي يقولون: مرحباً فلما رأوني فقيراً مات مرحبُ |
كانوا يرحبون به، فلما رأوه فقيراً لم يرحبوا به.
- شركٌ بالله.
- تفرقةٌ عنصرية.
- تفكُّكٌ أسري.
- تقنينٌ للشذوذ.
- الزواجُ بالمحارم.
- الزواجُ بالكلاب والقردة.
- نِسَبُ الانتحار العالية.
- تسلطُ الكنيسة.
- دعارةُ القُسُس.
- الارتباطُ المريب بالراهبات.
- تسلطُ القُسُس ومجونهم وأكلهم أموال الناس بالباطل.
فلا نقول إلا: (ما أحلم الله عنهم حيث أمهلهم).
ومن يكن الغراب له دليلاً يمر به على جِيَف الكلابِ |
أيها الإخوة الكرام: ثم ننتقل بعد هذه الفوائد إلى فائدة في التحذير.
تنتشر بين فترة وأخرى أوراق وقصاصات فيها بعض أحاديث موضوعة أو ضعيفة، ولا شك أن في هذا خطورة على الأمة.
ولهذه الظاهرة أسباب، لعلنا نتعرف على بعض، منها:
- تلقي العلم من الشاشات والمحطات، وعدم أخذ العلم من مصادره الصحيحة.
- انعدامُ السؤال عن الأحاديث من قِبَل بعض المسلمين.
- تساهلُ بعض الخطباء والوعاظ في ذِكْرها من غير تدقيق.
- كيدٌ من أهل البدع أو من الكفار.
هذه بعض الأسباب، وهناك أسباب أخرى معروفة في كتب المصطلح.
ولد النبي عليه الصلاة والسلام عام الفيل.
وبُعث وله (40) سنة.
ومات عن (63) سنة.
وفي السنة الثانية من الهجرة كانت وقعة بدر .
وفي السنة الثالثة من الهجرة كانت معركة أُحُد .
وفي السنتين الرابعة والخامسة من الهجرة كانت غزوات ذات الرقاع، والخندق، وبني قريظة.
وفي السنة السادسة من الهجرة كانت بيعة الرضوان.
وفي السنة السابعة من الهجرة كانت غزوة خيبر .
وفي السنة الثامنة من الهجرة أرسل صلى الله عليه وسلم جيش مؤتة ، فجيش حنين ، ثم حصار الطائف .
وفي السنة التاسعة من الهجرة كانت غزوة تبوك ، ثم وفود العرب.
وفي السنة العاشرة من الهجرة كانت حجة الوداع.
أما في السنة الحادية عشر فكانت وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
هذه مجملات، وتفصيل الأخبار في كتب السِّيَر.
إن من الأمثال المناسبة لليهود ما ذكر الأصمعي أن أعرابياً ربَّى جُرْو ذئب، وغذاه بلبن شاة حتى كبر، فخرج هذا الجرو يوماً للرعي مع الغنم كعادته، فحركته طبيعته الدنيئة على افتراس شاة من الشياه، فلما رآه الأعرابي قال:
عقرتَ شويهتي وفجعت قـومي بشاتهم وأنت لها ربيبُ |
غُذِّيت لِبانها ونشأت معها فمن أنبأك أن أباك ذيبُ |
إذا كان الطباع طباع سوءٍ فلا لبنٌ يفيد ولا حليبُ |
فاليهود يقال فيهم:
إذا كان الطباع طباع سوءٍ فلا لبنٌ يفيد ولا حليبُ |
مر برجل قد رمحته بغلة، فأخذ الرجل يقول: الحمد لله شكراً.
فقال له بشار : استزده يزِدْك. أي: أن الشكر ليس هذا موضعه.
يقول بشار : إن في بردَيَّ جسماً ناحلاً لو توكأت عليه لانهدم.
وقيل له: مِمَّ يهابك قومك مع قبح وجهك؟!
فقال على البديهة: ليس من حُسْنِه يُهاب الأسد.
الفائدة السادسة والثلاثون: طبيب اسمه عيسى يطبب الناس فيضرهم :-
هجاه شاعر فقال:
أرى فيك يا عيسى الطبيب فضيلة هي الضد من فعل عيسى بن مريمِ |
تميت لنا الأحياء من غير علة وتضني وتفني باليدين وبالفمِ |
فما أنت إلا خَبْط عشواءٍ مَن تُصِب تُمِتْه ومن تخطئ يُعَمَّر فيهرَمِ |
الفائدة السابعة والثلاثون: كلماتٌ نافعة :-
قال أحمد بن حنبل رحمه الله: مَن عَلِمَ أنه إذا مات نُسِيَ، أحْسَنَ ولم يسئ.
وسئل رحمه الله: كم بيننا وبين عرش ربنا؟
قال: دعوة مُسْلم يجيب الله دعوتَه.
وقال ابن الجوزي : المتعرض للنبلة أبله.
الفائدة الثامنة والثلاثون: هممٌ عالية :-
أقام أبو عبيد القاسم بن سلام في تأليف غريب الحديث أربعين سنة، يقول: ربما كنت أستفيد الفائدة من أفواه الرجال فأضعها في الكتاب، فأبِيت ساهراً فرحاً مِنِّي بتلك الفائدة، وأحدكم يجيئني فيقيم عندي أربعة أشهر أو خمسة فيقول: قد أقمتُ كثيراً! انتهى كلامه.
الفائدة التاسعة والثلاثون: من عجائب الأئمة :-
البخاري رحمه الله: كان يصلى ركعتين قبل وضع كل حديث في صحيحه .
الحافظ ابن حجر : بقي (25) سنة في تأليف وتصحيح شرح صحيح البخاري المسمى فتح الباري .
أحمد بن عبد الدائم ، شيخ من شيوخ ابن تيمية : كتب بيده ألفي مجلد.
الإمام ابن حبان : شيوخُه الذين تلقى عنهم أكثر من ألف شيخ.
الفائدة الأربعون: مَثَلٌ نافع :-
(إنما يُجزى الفتى ليس الجمل) أي: لا يجازي الفتى على الإحسان، إنما على ما فيه من إنسانية لا بهيمية.
الفائدة الحادية والأربعون: فائدةٌ في بعض الأخطاء العقدية المنتشرة بين أوساط بعض المسلمين :-
- تقديمُ العقل على النقل.
- الاحتجاجُ بالقَدَر على فعل المعصية.
- إثباتُ الأحكام الشرعية عن طريق الرُّؤى.
- اعتقادُ أن الله موجود في كل الوجود.
- ذهابُ النساء إلى المقابر.
- الاعتقادُ بأن كل الطرق تؤدي إلى الله، وأن كل الأديان تُدْخِل الجنة.
- تقسيمُ البدع إلى بدع حسنة وبدع سيئة.
- الاعتقادُ بأن مجرد الإقرار بكلمة التوحيد بلا عمل ولا نطق يُدْخِل في الإيمان.
الفائدة الثانية والأربعون: فائدةٌ في (ليس) :-
ليس في صفات الله نقص، ولا في شرعه تناقض، ولا في أخباره كذب، ولا في وعده تخلُّف، ولا في أنبيائه مَن هو متهم.
وليس في الآخرة أنساب.
وليس في القَدَر ظلم.
و [ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي؛ ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل].
وليس في الوحي ما يناقض العقل السليم، ولا الفطرة السوية.
ليس الغبي بسيد في قومه لكن سيد قومه المتغابي |
قال الإمام مالك : ليس العلم بكثرة الرواية؛ لكن العلم بالخشية.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيح : (ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب).
وقال عليه الصلاة والسلام: (ليس الغنى عن كثرة العَرَض؛ لكن الغنى غنى النفس).
الفائدة الثالثة والأربعون: فائدةٌ في خصائص الرسول صلى الله عليه وسلم :-
اختص الله نبيه عليه الصلاة والسلام بخصائص دون الأنبياء، ودون أمته.
فمن ذلك:
- أنه نُصِر بالرعب مسيرة شهر.
- وهو صاحب الشفاعة العظمى.
- وأحلت الغنائم لأمته.
- وهو الذي أسرِي به.
- وأول من تنشق عنه الأرض.
- وهو صاحب الحوض المورود دون غيره من الأنبياء.
- وأنه مَحْرَم لنساء المؤمنين.
- وأن نومَه لا يُنْقِض وضوءه.
- وأنه لا يحتلم.
- ولا يجوز في حقه الجنون؛ لكن الإغماء حصل منه عليه السلام.
- وأن الوصال في الصوم من خصائصه دون غيره.
- وأن الله أباح له مكة ساعة من نهار أن يدخلها مقاتلاً.
- وأن قبوله للهدية من خصوصياته، أما أمته فلها حديث: (هدايا العمال غلول).
ذكرها وزاد عليها الإمام ابن كثير في كتابه الفصول في سيرة الرسول .
الفائدة الرابعة والأربعون: فائدةٌ في آيات يفهمها بعض الناس خطأً :-
من هذه الآيات: قول الله عزَّ وجلَّ: وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهَانَ رَبِّهِ [يوسف:24] فيَفهم منها البعض استعداد يوسف عليه السلام للفاحشة؛ لكن الهم همان -كما قال الإمام أحمد -:
- هَمُّ خواطر، وهذا هَمُّ يوسف عليه السلام باعتبار أنه بشر يعرِض له كما يعرِض لهم.
- وهَمُّ إصرار وعزم وهذا هم امرأة العزيز .
ومن الآيات كذلك: قول الله عزَّ وجلَّ: ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ [الأحزاب:59] فيستدل بها البعض على جواز وضع المرأة حجابها في الدول الكافرة إذا خافت من الأذى، وهذا استدلال مقلوب، فالحجاب هو السبب في عدم الأذى لا السبب في الأذى.
كذلك من الآيات: قول الله جلَّ وعَلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ [المائدة:101] يَستدل بها البعض على ترك السؤال عن معاملة أو عبادة حتى لا يُفتى بشيء لا يعجبه.
الفائدة الخامسة والأربعون: مِن همم الرجال :-
قَدِم الحافظ ابن حجر إلى دمشق ، فقرأ في سبعين يوماً مائة مجلد مع أشغاله وتعليقاته.
وقال ابن الجوزي : لو قلتُ: إني طالعتُ عشرين ألف مجلد لكان أكثر، وأنا بَعْدُ في الطلب.
والإمام عبد الغني المقدسي المحدث أضافَهُ رجلٌ بـأصبهان ، فقام يصلي بالليل ويتلو القرآن ويناجي الرحمن، فسمعه رجلٌ من عباد الشمس، فأسلم، وقال: وقع الإسلام بقلبي من أول ليلة رأيته.
و حماد بن أسامة شيخ الشافعي وأحمد يقول: كتبت بإصبعيَّ هاتين مائة ألف حديث.
وسافر جابر بن عبد الله من المدينة إلى مصر لسماع حديث واحد.
وموسى عليه السلام لقي النَّصب وواجه التعب لتعلم ثلاث مسائل من رجل أقل منه.
وكان لـعبد الله بن المبارك جار يهودي وكان عبد الله يحسن إليه ويؤدي إليه حق الجوار، فأسلم اليهـودي وقال: إن ديناً أخرج مثل هذا الرجل لَهُوَ دين حق.
هم الرجال وعجزٌ أن يقال لمـن لم يتصف في المعالي وصْفَهم رَجُلُ |
***
جَمالُ ذي الأرض كانوا في الحياة وهـم بعد الممات جَمالُ الكتب والسِّيَر |
الفائدة السادسة والأربعون: خاطرة :-
لما امتدت أيدي إخوةِ يوسفَ عليه ظلماً، وباعوه بثمن بخس امتدت أكُفُّهم له وقالوا: وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا [يوسف:88].
سمع علي بن الحسين رجلاً يغتاب، فقال: [إياك والغيبة، فإنها إدام كلاب الناس].
قال الراجز:
واجتنب الغيبةَ إن الغيبةْ منها النجاة سهلةٌ قريبةْ |
والكِبْرَ إن الكِبْر كان سببا لطرد إبليس إذْ إبليس أبَى |
قال معاوية رضي الله عنه: [لم أرَ تبذيراً قط إلا وإلى جنبه حق مُضَيَّع].
إن العالم الصادق الناصح الذي يعيش لأمته لتعليمها ودعوتها ينفع الله به في حياته وبعد مماته، ولسان حال أحدهم إذا وضع الله له القبول يقول:
ترى الناس ما سِرنا يسيرون خلفنا وإن نحن أوْمأنا إلى الناس وقفوا |
***
أو سور القرآن فيهم أثرتْ ولهم تصاغ محاسنُ الأشعارِ |
***
وذَكرْني حلو الزمان وطيبُه مجالس قوم يملئون المجالسا |
حديثاً وإيماناً وفقهاً وحكمةً وبراً ومعروفاً وإنساً مؤانسا |
***
قومٌ كرامُ السجايا أينمـا جلسوا يبقى المكان على آثارهم عَطِرا |
هؤلاء هم أهل العلم العاملون.
الفائدة السابعة والأربعون: ألغاز مفيدة :-
اللغز الأول: قد يكون الأذان في يوم واحد ثلاث مرات، أو ست مرات، أو سبع مرات! فكيف ذلك؟!
أما جواب الثلاث مرات فهو: الفجر، والظهر والعصر جمعاً، والمغرب والعشاء جمعاً.
أما جواب الست مرات فهو: في يوم الجمعة؛ الفجر، والجمعة أذانان، والعصر، والمغرب، والعشاء.
أما جواب السبع مرات فهو: يوم الجمعة أيضاً؛ ويضاف إلى الست مرات الأذان الأول للفجر.
اللغز الثاني: رجلٌ يُقْبَل قولُه بغير يمين! فمن يكون؟!
الجواب: هو النبي صلى الله عليه وسلم.
اللغز الثالث: في بيت:
ما لبستِ مدى الأيام ثوباً وتكسي الناسَ أنواعَ الثيابِ |
الجواب: هي الإبرة.
اللغز الرابع: في بيت:
وذات فمٍ أضحت تسبح ربهـا ولم تكتسب أجراً بتسبيحها قَطُّ |
الجواب: هي: القِربة يغتسل منها صاحبها.
اللغز الخامس: في بيتين:
أراك تجول في حل المعاني وتزعم أن عندك منه فهما |
فما شيءٌ له طعمٌ وريحٌ وذاك الشيء في شِعْري مُسَمَّى؟ |
الجواب: هو الأراك.
الفائدة الثامنة والأربعون: فائدةٌ في أجوبة سديدة :-
محمد بن الحسن الفقيه سأل الفراء اللغوي فقال له: إذا سها الإنسان في سجدتي السهو!
فقال: لا شيء عليه؛ لأن المصَغَّر لا يُصَغَّر.
وقال رجلٌ لأعرابي: كيف أنت؟
قال: كما يسرك إن كنت صديقاً، وكما يسوءُك إن كنت عدواً.
وقال الحجاج لأحد العلماء: إنك تشبه إبليس -يريد أن يغيضه-.
فقال العالم: تعرف أن سيد الناس يشبه سيد الجن!
وقال رجل لخادمه: يا فاجر!
فقال له: مولى القوم منهم.
وقيل لرجل أديب: لم لا تقل الشعر مع كثرة علمك وحفظك؟
فقال: أنا كالمِسَم أُشْحَذُ ولا أَقْطَع.
وقيل لرجل في يده سكين: ما تقطع بهذه؟
قال: أقطع بها ما أمر الله به أن يوصل. أي: اللحم الذي يُقْطَع فيُوصَل به الفقراء.
وسافر شخص مع أمير إلى اليمن فقيل له: ماذا ولاك؟
قال: ولاني قفاه.
هذه بعض الأجوبة السديدة، وإني عازم بإذن الله عزَّ وجلَّ أن ألقي محاضرة بعنوان: (أجوبة ومناظرات) أذكر فيها بعض المناظرات الأدبية والفقهية والعلمية، وبعض المناظرات بين أهل السنة وأهل البدع، وبين المسلمين والنصارى، وغيرهم إن شاء الله جلَّ وعَلا.
منها: (أن الضحك يوجب الوضوء) قال شيخ الإسلام في القواعد النورانية : كان أحمد يتعجب ممن يعمل به. وهذا الأثر مرسل قد ضعفه أكثر الناس، وصح عن الصحابة ما يخالفه.
ومنها: (إِذَا زُلْزِلَت [الزلزلة:1] تعدل نصف القرآن): أنكره الذهبي في الميزان .
ومنها كذلك: (من أشار في الصلاة إشارةً تُفْهَم عنه فليُعِدِ الصلاة): قال أحمد : لا يثبت هذا، إسنادُه ليس بشيء.
كذلك: (إذا كتبتَ كتاباً فترجِمْه فإنه أنجح للحاجة، والترابُ مبارَك): أنكره الإمام أحمد .
الفائدة الخمسون: كيف تأثَّر هؤلاء؟! :-
في ترجمة الحـافظ البرزالي المتوفى بـخليص محـرماً في الثـالث من ذي الحـجة مـن عام:ثمانية وثلاثين وسبعمائة للهجرة :-
كان إذا قرأ حديث ابن عباس في قصة الرجل الذي وَقَصَته ناقته وهو محرم كان يبكي ويرق قلبه، فمات وهو محرم رحمه الله، وكان من تلاميذ شيخ الإسلام ابن تيمية .
وذكر أبو نُعيم في الحلية في ترجمة أبي عمرو محمد بن إبراهيم الزجاجي : أنه خرج للحج ومعه خمسون ديناراً، فاعترضه قاطع طريق، فقال له: ما معك؟
فقال: قلت في نفسي: الصدق أنجى، فقلت: معي خمسون ديناراً، فظن أني أخدعه.
فقال: هاتها.
فأخرجتُها.
فلما رآها قال: صِدْقُك أخَذَني.
ثم قال: خذ بغلتي وسِرْ أمامي إلى الحج.
فذهب معه وجاور بـمكة بعدما تاب، ومكث بها حتى مات.
ولما أصيب علَّامةُ الشام الشيخُ جمال الدين القاسمي رحمه الله بالبواسير ألَّف رسالة عن هذا المرض وما قيل فيه.
قال عنه عميد كلية الطب في وقته: إنها رسالة جامعة لكل ما يريد الباحث معرفته، مما قيل في هذا المرض قديماً وحديثاً.
وذكر الأستاذ الأديب الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله: أن شرطياً أوروبياً أسْلَم لما تعلم ترجمة معنى قول الله عزَّ وجلَّ: بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسوِّيَ بَنَانَهُ [القيامة:4].
الفائدة الحادية والخمسون: وقفةٌ حول الدعاء :-
دعاءٌ في أبيات:
يا رب هيئ لنا من أمـرنا رشدا واجعل معاونتك الحسنى لنا مددا |
ولا تكلنا إلى تدمير أنفسنا فالعبد يعجز عن إصلاح ما فسدا |
***
يا رب لا تمقت صلاتي ونجني من النار واصفح عن الهفواتِ |
***
يا رب جدْ لي إذا ما ضمني جدثي برحمة منك تنجيني من النارِ |
أحسن جواري إذا أمسيتُ جارَك في لحدي فإنك قد أوصيتَ بالجارِ |
الفائدة الثانية والخمسون: أمثالٌ وحكم :-
(أمُّ الكاذب بِكْر).
(قيل للبغل: من أبوك؟ قال: الفرس خالي).
(عِلْم الكلام كلامٌ بلا عِلْم).
(كلمة التوحيد قبل توحيد الكلمة).
الفائدة الثالثة والخمسون: كنيةُ أبي الزير :-
ذكر الأستاذ عبد السلام هارون في كرناشة النوادر : أن قاضياً في الأندلس يكنى بـأبي الزير ، وسبب كنيته هذه أنه عَمِل ذات مرة نبيذاً فوضعه في زير، فأدخل رأسه ليذوقه ولم يستطع إخراجه حتى كسر الزير فسمي بـأبي الزير .
الفائدة الرابعة والخمسون: حكمةٌ من مجنون :-
قيل لمجنون: هل لك أن تشرب الخمر؟
قال: إن العاقل يشربها ليتشبه بي، وأنا إذا شربتها أتشبه بمن؟!
الفائدة الخامسة والخمسون: مثلثات :-
المثلثات: هي الكلمات الباقية على نسق واحد في العدد والتركيب؛ لكن تختلف في الحركة، فيختلف المعنى بذلك.
مثل: الحَمام (بالفتح): اسمٌ لطير، والحُمام (بالضم): اسمٌ أو لقبٌ لرَجُل، ومنه عمير بن الحُمام ، والحِمام (بالكسر): اسمٌ للموت.
ومن ذلك غَمر (بالفتح): اسمٌ للماء الكثير، وغِمر (بالكسر): اسمٌ للحقد، وغُمر (بالضم): اسمٌ للجاهل.
ومن ذلك: رَشا (بالفتح): اسمٌ للغزال، رِشا (بالكسر): اسمٌ للحبال، ورُشا (بالضم): اسمٌ للرشوة.
ومن ذلك: القَطر (بالفتح): اسمٌ للماء، والقِطر (بالكسر): اسم للمعدن أو النحاس المذاب، وقُطر (بالضم): اسمٌ لرائحة العود.
الفائدة السادسة والخمسون: فائدةٌ في أبيات كان كثيراً ما يتمثل بها الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله إذا خرج للنزهة :-
كان يقول:
قالت قتيبة: ما تبقى دراهمُنا يوماً وما بنا فيها سرفٌ ولا خرقُ |
إنا إذا اجتمعت يوماً دراهمُنا ظلت إلى طُرُق الخرات تستبقُ |
لا يألف الدرهم المضروب صُرَّتُنا لكن يمر عليها وهو منطلقُ |
حتى يصير إلى نمل يخلده تكاد من صَرِّه إياه ينبثقُ |
قال ابنه عبد الله: إن أبي يثني على سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله في حفظه للحديث وعلم الفرائض.
يقول الشيخ محمد الأمين لابنه: كنت مرة أبحث في سنن أبي داود فزارني الشيخ ابن باز فسألته عنه فقال: افتح صفحة كذا، ففتحت فوجدته.
وقال عبد الله بن الشيخ محمد الأمين : رأيت أبي في المنام بعدما مات، فسألته عن قول الله تعالى: أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ [البقرة:237] من هو؟ فلم يجبني؛ لأنه ما رجح شيئاً في الأضواء ولا في مذكرة الأصول .
الفائدة السابعة والخمسون: فائدةٌ في بعض الرؤى :-
في شذرات الذهب عن محمد بن سيرين أنه قال له رجل: [إني رأيت طائراً أخذ حصاة من المسجد، فقال: إن صَدَقَت رؤياك مات
وقال ابن سيرين : [رأيت يوسف عليه السلام في المنام فقلت: علمني تعبير الرؤى، فقال: افتح فاك، ففتحتُه، فتَفَلَ فيه، فأصبحتُ فإذا أنا أعبر الرؤى].
وحري بالواعظ والخطيب والمتكلم والمحاضر أن ينشد أبياتاً تناسب موضوعه.
وكانت عائشة رضي الله عنها قلَّما يمر بها موقف إلا وتذكر بيتَ شعر أو أكثر.
ولهذا ألَّف ابن فارس كتابه أبيات الاستشهاد ، ومن ذلك ما يلي:
إذا وعد رفيقاً له بالسفر في غدٍ أنْشَدَ:
لا مرحباً بغدٍ ولا أهلاً به إن كان ترحالُ الأحبة في غدِ |
وإذا هجاه أحدٌ أنْشَدَ:
وما كل كلب نابحٍ يستفزني ولا كل ما طنَّ الذباب أُراعُ |
وإذا رأى من والٍ إساءة على مَن وُلِّي عليه أنْشَدَ:
وكنا نستطبُّ إذا مرضنا فصار سقامنا بيد الطبيبِ |
وإذا مشى لأخٍ في قضاء حاجةٍ أنْشَدَ:
حقوقٌ لإخواني أريد قضاءهـا كأني ما لم أقْضِهِنَّ مريضُ |
وإذا نَعَى رجلاً عظيم الشأن أنْشَدَ:
لما أتى خبر الزبير تواضعت سور المدينة والجبال خُشَّعُ |
***
لعمرُك ما وارى الترابُ فعالَه ولكنه وارى ثياباً وأعْظُما |
وإذا وَصَف رجلاً بالإعراض عن الفواحش أنْشَد:
والله لو كانت الدنيا وزينتُها في بطن راحته يوماً لألقاها |
وألَّف أبو العباس المبرد رسالة في أعجازِ أبياتٍ تغْنِي في التمثيل عن صدورها:
ومن يبكي حولاً كاملاً فقد اعتذرْ والقول ينفذُ ما لا تنفذ الإبرْ |
أولاً: إذا قال الشخص: أسأل الله بحق أوليائه أو بجاههم أو بحق النبي، فهذا ليس من الشرك، بل هو بدعة عند الجمهور، ومن وسائل الشرك.
ثانياً: حديث: (لا رُقْية إلا من عين أو حُمة) معناه: لا رُقْية أنفع.
أما تعليق التمائم والحروز فهذا محرم، وهو من أنواع الشرك، واختلف العلماء في التمائم إذا كانت من القرآن!
والصواب: تحريمها لوجهين:
الوجه الأول: لعموم النصوص.
الوجه الثاني: سداً للذريعة.
ثالثاً: الحلف بغير الله من الشرك الأصغر، إلا إذا قام في قلب الحالف أن هذا المحلوف به يستحق التعظيم أو العبادة، فيكون حينئذٍ من الشرك الأكبر.
رابعاً: الجورب الشفاف لا يصح المسح عليه.
خامساً: صلاة المستنِد إلى جدار في النافلة أفضل من الجلوس.
الفائدة الستون: فائدةٌ في بعض اختيارات فضيلة الشيخ العلامة محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله :-
أولاً: التراويح لا تفتتح بركعتين خفيفتين؛ لأن هذا لا يُشرع إلا في حق مَن نام ثم قام لصلاة الليل.
ثانياً: لا يُشرع الجمع بين أكثر من استفتاح في الصلاة الواحدة.
ثالثاً: الأرجح في صلاة الاستسقاء تقديمُ الدعاء على تحويل الرداء.
رابعاً: لا تُرْفَع الأيدي حال الدعاء للميت عند القبر.
خامساً: لُبْسُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم للعمامة لم يكن تعبداً بل هو من باب العرف.
الفائدة الحادية والستون: فائدةٌ في قاعدة فقهية :-
(إذا اجتمعت عبادتان من جنسٍ واحد وتداخَلَتْ أفعالُهما اكتُفِي عنهما بفعلٍ واحد إذا كان المقصود واحداً): هذه قاعدة متفق عليها غالباً بين بعض أهل العلم، وفي بعض فروعها خلافٌ بين العلماء.
أمثلة القاعدة: الطهارة الصغرى والطهارة الكبرى إذا تكررت أسبابهما، وكانتا متماثلتين، فإنه يُكْتَفى لهما بتطهُّر واحد.
وكذا يدخل الأصغر في الأكبر إذا كانا من جنس واحد، كما لو دخل أحد المسجد فوجد الصلاة قد أقيمت فالفرض هنا يكفي عن تحية المسجد.
وكذلك لو كَرَّر آيةَ سجدةٍ أكثر من مرة في مجلس واحد، فإنه يكفيه سجود واحد.
وكذلك طواف الوداع يدخل في الإفاضة تَبَعاً بِنِيَةِ الإفاضة.
وكذلك تدخل تكبيرة الركوع في تكبيرة الإحرام في حق مَن دخل والإمام راكع.
وثمة قاعدة مهمة أيضاً: (يثبُت تبعاً ما لا يثبُت استقلالاً): قد تمتنع بعض الأشياء أن تثبُت مستقلة؛ لكن إذا دخلت ضمن عمل أو أعمال جازت؛ لأنها تابعة لشيء مقصود وهي غير مقصودة أصلاً.
الأمثلة على ذلك:
إحراق الحشرات بالنار حرام؛ لكن إذا ماتت الحشرات أثناء حرق المحاصيل الزراعية جاز.
كذلك لا يصلي أحدٌ عن أحد؛ لكن لو حج عن عاجز أو اعتمر فإنه يصلي ركعتي الطواف، والأجر للموكِّل مع أنه حي؛ أما لو وكله أن يصلي عنه ابتداءً من غير نُسُك لم يصح توكيله.
وكذا ذكاةُ الجنين ذكاةُ أمه، فإذا ذُكِّيت الشاة وفي بطنها حمل جاز الجنين ولو لم يُذَكَّ؛ لكنه لو خرج حياً لم يَجُزْ إلا بذكاته.
الفائدة الثانية والستون: وفي الختام فائدةٌ: قَدِّم خير الخيرين :-
قد يريد بعض الناس الخير؛ لكنه لا يدري بماذا يبدأ: هل يبدأ بنوافل الصلاة! أم بالصدقات! أم بالسعي على الفقراء والمساكين! أم بطلب العلم! وكلها أبوابُ خيرٍ توصل إلى الجنة بإذن الله؛ وإليكم قواعد عامة في ذلك.
وقبل أن أبدأ بذكر القواعد أقول: من رحمة الله بهذه الأمة أن رتب لها على أعمال قليلة أجوراً كثيرة.
فمن التنبيهات والقواعد في هذا الباب ما يلي:
أولاً: ابحث عن الخير ولا تنتظر أحداً يدلك عليه.
ثانياً: يؤجَر الإنسان بمجرد نيته الطيبة إذا نوى النوافل والمستحبات ولم يعملها.
ثالثاً: مَن دل على خير فله مثل أجر فاعله سواء دل بالكلام، أو بالفعل، أو بالإشارة، أو بالرسالة.
رابعاً: الأفضل أن يقدِّم المرءُ الأهم، فالواجبات هي المقدمة ثم النوافل.
خامساً: الأفضلُ الأخشعُ للقلب.
سادساً: الأفضلُ الأنفعُ للمسلمين.
سابعاً: النفعُ المتعدي مقدَّم على النفع القاصر.
ثامناً: لا تحتقر شيئاً من الخير فربما يحصل نفع عظيم بكلمة أو رسالة أو شريط، ولربما يهتدي إنسان بكلمة في مسجد، أو مجلس، أو عبر هاتف، أو مِن مقطعٍ مِن كلام الله جلَّ وعَلا في شريط.
تاسعاً: الحرص على تنويع العمل.
عاشراً: قد يكون إخفاء العمل أفضل من إظهاره والعكس، إلا ما دل عليه الدليل.
حادي عشر: ليست العبرة بالكثرة، بل بحسن العمل مع الإتقان والمداومة واتباع المصطفى صلى الله عليه وسلم.
خاتمة :-
أموتُ ويبقى كلُّ ما لفَظْتُه فيا ليت مَن يسمع كلامي دعا ليا |
لعل إلهي أن يمُنَّ بلُطْفِـهِ ويرحمَ تقصيري وسوءَ فِعاليا |
اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى.
اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل.
اللهم عافنا، واعف عنا، وتب علينا، إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم فرِّج هم المهمومين من المسلمين، ونفِّس كرب المكروبين، واقضِ الدين عن المدينين، واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين.
اللهم عافِ مبتلانا.
سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُوْنَ [الصافات:180] وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِيْنَ [الصافات:181] وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِيْنَ [الصافات:182].
وللحديث بقية بإذن الله تعالى.
وصلى الله وسلم وبارك على نبيا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر