إسلام ويب

الطيور المهاجرةللشيخ : محمد عبد الله الهبدان

  •  التفريغ النصي الكامل
  • كثيراً ما نلاحظ في مجتمعاتنا الراقية شوق الشباب إلى الهجرة إلى البلاد الإباحية أو الكافرة؛ متجاهلين أثر ذلك على دينهم وأخلاقهم وصحتهم، وقد ذكر الشيخ في هذه الخطبة: طبيعة الحياة في بلاد الغرب، ثم ذكر حكم السفر إلى بلاد الكفر، وأثر ذلك على الشباب المسلم، مردفاً ذلك بتحذير الآباء وتذكيرهم بمسئوليتهم تجاه أبنائهم، مع بيان الضوابط الشرعية التي يجب توفرها في السفر الذي يقصد منه التنزه والترويح عن النفس.

    1.   

    طبيعة الحياة في البلاد الغربية

    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

    يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء:1].

    أما بعد:

    أيها الإخوة الفضلاء: قتل وخطف واغتيالات، سرقات ونهب واختلاسات، خداع ونصب واحتيالات. أمراض فتاكة، وأوبئة متفشية، شذوذ جنسي، وجنون بشري، واستفزاز للمشاعر، وتهييج للأحاسيس، تبرج صارخ، وسفور فاضح، لحوم عارية، وأجساد بادية، ومناظر مقززة، ومشاهد تبعث على الاشمئزاز.

    هذه -أحبتي الكرام!- هي طبيعة الحياة الغربية، والتي يتسابق إليها عند بوابة الإجازات الصيفية فئام من أبناء وبنات هذه البلاد المباركة، وإليكم هذه الأرقام.

    يقتل في أمريكا يومياً (65) شخصاً بسبب العنف وجرائمه، ويجرح للسبب ذاته أكثر من (6000)، وسجلت حوادث السرقة في العاصمة البريطانية لندن خلال شهر يوليو 2001م (5427) حالة، أي (175) حالة في اليوم الواحد.

    وأعلنت المفوضية الأوروبية للشئون الاجتماعية أن امرأة من أصل خمس في أوروبا تقع ضحية للعنف، وأفادت إحصائية رسمية صادرة عن وزارة الداخلية الألمانية بأن أعمال التطرف العنصري ازدادت زيادة ملحوظة في عام (2000م) بنسبة (40%) مقارنة بالعام الذي قبله.

    أيها المسلمون! تختلف رحلات المصطافين إلى خارج هذه البلاد، فمن الناس من يسافر إلى بلاد فيها الكفر ظاهرٌ شاهر، فلا تسمع الأذان، ولا ترى شعائر الإسلام بل تسمع فيها النواقيس تقرع، والصلبان تتلألأ على شرفاتها، والخمور تباع في محالها، والعري والتفسخ سمة نسائها، ترى شعب الكفر في طرقاتها وأسواقها، ترى ما يسخط الجبار ويعلن الحرب على القهار، وترى أعداء الله الذين أمر الله بعداوتهم وبغضهم، دينهم التثليث أو الإلحاد، فهم ما بين من يقول: إن الله ثالث ثلاثة، والمسيح ابن الله، وبين من يعبد الشهوات والملذات، ويسجد (للدولارات)، لا يعرف ديناً سوى النفعية المادية، ولا موقفاً للعبادة إلا البنوك الربوية ودور السينما وأماكن الرقص والخلاعة.

    مجتمع وصفهم الله بأنهم قوم ضالون، تنكبوا الصراط المستقيم، قوم يستعلنون بالكفر، قوم قد ضلوا ضلالاً بعيداً.

    أيطيب للمسلم بعد هذا أن يكون سائحاً في ديارهم، مرتاحاً متنقلاً بين معالمها، يملؤه السرور، ويشعر بالغبطة والحبور، وهو يرى معالم الكفر، وصروح الضلال، ونداءات الباطل، ثم هو لا يحرك فيه ذلك كله ذرة من غيرة، أو غضب من أجل الله الواحد القهار، ثم هو لا يظهر دينه -على ما ذكره أهل العلم في المراد بإظهار الدين- من سب دينهم والبراءة منهم والتحفظ من مودتهم والركون إليهم؟! فأي دين وأي إيمان لدى هذا الصنف من الناس! الذين يرتادون هذه البلاد ويسيحون فيها، ويأخذون أبناءهم وبناتهم ونساءهم إليها؟!

    فيا لله العجب.. يا لله العجب! إن ذهب الدين، وضعف البراء من الكافرين، فأين الغيرة على الحرمات؟ وأين الغيرة على الأعراض؟ أين الشهامة والرجولة؟ فإلى الله المشتكى.

    ومن الناس من اختار أن تكون سياحته في بلاد الإباحية المنحلة وإن نسبت إلى الإسلام، فلا تكاد تسمع فيها صوت الأذان، وترى فيها الكنائس شامخة كالقلاع، والأسواق والطرقات عامرة في أوقات الصلوات، بحيث يمكن أن يدخل وقت صلاة ويخرج من غير أن تشعر به، لأنك لا تسمع أذاناً ولا ترى تغيراً في حركة الناس وبيعهم وشرائهم، ولهوهم وعبثهم، وبخاصة المواقع السياحية التي يستهدفها الزوار، فهي أكثر المرافق جمعاً لأنواع الفساد، فمن الخمور التي تباع على قارعة الطريق، إلى المسارح التي تعج بألوان الرذيلة، إلى معالم الزنا والفاحشة التي تبث لها ألوان الدعاية إلى المومسات والبغايا اللاتي يتعرضن للمارة، ويطرقن أبواب الغرف في الفنادق ونحوها.

    فما تراه في طريقك أو تستهدفه بزيارتك لا يذكرك إلا بألوان الفسق والفجور، أو أماكن التراث التي هي في الغالب إحياء لعصور وثنية، ومعالم شركية اندثرت فعادوا يحيونها، ويزورون الناس لها، لا ترى إلا شِعب الكفر والتي هي المعاصي، ولا تكاد ترى مشهداً يذكرك بالله، أو يدعوك إلى طاعته، ففي هذا الجو العفن كيف يكون قلب المؤمن؟! وأي شيء سيتشربه في تلك المواطن المملوءة بألوان الضلال والفساد من الشهوات والشبهات.

    1.   

    حكم السفر إلى بلاد الكفر والبلاد الإباحية

    فيا ترى ما حكم السفر إلى تلك البلاد؟

    أما بلاد الكفر والضلال فالأمر فيها واضح، يقول الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً * إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً * فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً [النساء:97-99].

    قال ابن كثير رحمه الله: هذه الآية الكريمة عامة في كل من أقام بين ظهراني المشركين وهو قادر على الهجرة، وليس متمكناً من إقامة الدين، فهو ظالم لنفسه، مرتكبٌ حراماً بالإجماع وبنص هذه الآية.

    وقال بعض المفسرين في قوله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً [النساء:63]: أمر الله نبيه بالإعراض عن المنافقين، وإغلاظ القول عليهم، ولا يلقاهم بوجه طلق، بل يلقاهم بوجه عابس مكفهر، متغير من الغيظ، فإذا كان هذا مع المنافقين الذين هم بين أظهر المسلمين يصلون ويصومون، يحجون ويجاهدون فكيف بمن سافر إلى المشركين وقام بين أظهرهم وأقام أياماً وليالي؟!

    يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من جامع المشرك أو سكن معه فإنه مثله) رواه أبو داود .

    وفي قصة إسلام جرير لما قال للنبي صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله! بايعني واشترط، فقال عليه الصلاة والسلام: أن تعبد الله ولا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتناصح المسلمين، وتفارق المشركين) رواه النسائي .

    وقد أدرك علماء السلف رضي الله عنهم من هذه النصوص وغيرها تحريم السفر إلى بلاد الكفار لغير عذر شرعي، فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أنه قال: [من بنى بأرض المشركين فصنع نيروزهم ومهرجانهم وتشبه بهم حتى يموت وهو كذلك، حشر معهم يوم القيامة].

    وقال القرطبي رحمه الله في شرح مسلم : ولا يختلف في أنه لا يحل لمسلم المقام في بلاد الكفر مع التمكن من الخروج منها، لجريان أحكام الكفر عليه ولخوف الفتنة على نفسه، وهذا حكم ثابت مؤبد إلى يوم القيامة.

    وقال الشيخ عبد اللطيف بن حسن آل الشيخ رحمه الله: إن الإقامة ببلد يعرض فيها الشرك والكفر ويظهر فيها دين الإفرنج والروافض ونحوهم من المعطلة للربوبية والألوهية، وترفع فيها شعائرهم، ويهدم الإسلام والتوحيد، ويعطل التسبيح والتكبير والتحميد، وتقلع قواعد الملة والإيمان، ويحكم بينهم بحكم الإفرنج واليونان، فالإقامة بين ظهرانيهم -والحالة هذه- لا تصدر عن قلب باشره حقيقة الإسلام والإيمان والدين، وعرف ما يجب من حق الله في الإسلام على المسلمين، بل لا يصدر عن قلب رضي بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً، فإن الرضا بهذه الأصول الثلاثة قطب رحى الدين، وعليه تدور حقائق العلم واليقين، وذلك يتضمن من محبة الله وإيثار مرضاته والغيرة لدينه والانحياز إلى أوليائه ما يوجب البراءة كل البراءة، والتباعد كل التباعد عمَّن تلك نحلته وذاك دينه، بل نفس الإيمان المطلق في الكتاب والسنة لا يجمع هذه المنكرات.

    ويقول العلامة ابن باز رحمه الله تعالى: السفر إلى البلاد التي فيها الكفر والضلال والحرية وانتشار الفساد من الزنا وشرب الخمر وأنواع الكفر والضلال فيه خطر عظيم على الرجل والمرأة، وكم من صالح سافر ورجع فاسداً، وكم من مسلم رجع كافراً، فخطر السفر عظيم والواجب الحذر من السفر لبلادهم لا في شهر العسل ولا في غيره.

    ويقول الشيخ صالح الفوزان حفظه الله: لا يجوز السفر إلى بلاد الكفار من أجل النزهة لما في ذلك من الخطر على العقيدة والأخلاق، ولا يجوز للمرأة أن تطيع زوجها في السفر في هذه الحالة؛ لأنه معصية، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. ا.هـ.

    أما بلاد الإباحية والفساد فإن المرء لو دعي إلى وليمة مما يجب عليه حضورها فإنه لا يحل له أن يذهب إذا علم أن فيها منكراً لا يستطيع تغييره، فكيف بمن ينفق المال ويبذل الجهد ليأتي تلك البلاد وهو يعلم ما فيها من المنكرات التي لا ينوي إنكارها فضلاً عن تغييرها!

    وتعظم الرزية -والله- حينما يصطحب الأب أسرته وعائلته إلى تلك الديار البائسة، فكيف يستطيع التحكم بهم ومراقبتهم، والمحافظة عليهم من أسباب الفساد، وإذا كنا نشكو اليوم من الآباء والأمهات الذين يذهبون إلى جوار بيت الله الحرام ولا يعنون بأولادهم ولا يراقبونهم ويحصل منهم ألوان من المنكرات في هذه البلاد المقدسة، فكيف سيكون حالهم في بلاد الكفر، أو البلاد الإباحية، التي قد يكون فيها من التفنن في الفتنة والإغراء والاستدراج للفاحشة أضعاف ما يوجد في بلاد الكفر خاصة مع وحدة اللغة وسهولة التفاهم؟!

    1.   

    أثر السفر إلى الخارج على الشباب المسلم

    كم من شاب ذهب سائحاً مع أسرته وقد كان خيّراً نظيفاً، ثم لم يرجع إلا بعد أن تدنس بالفاحشة واستمرأها بعد أن كان يستوحش من سماعها.

    كم من شاب معظم لحرمات الله وشعائره يستعظم ترك الصلاة أو التخلف عنها تأثر بتلك المجتمعات، وضعف تعظيم الله في قلبه، فتجرأ على التخلف عن صلاة الجماعة، ثم تجرأ على ترك الصلاة بالكلية، عافانا الله وإياكم.

    يقول الله جل وعلا: ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ [الحج:30] ويقول سبحانه: ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ [الحج:32].

    كم من شاب قد استقر في قلبه، وتمكن منه مفهوم الولاء والبراء، وعلم قول الله تعالى: لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ [المجادلة:22] فضعف الإيمان في قلبه وأصبح يرى مشاهد الكفر فلا يتمعر وجهه، ولا يضطرب خاطره، ولا ينزعج ضميره، حتى أصبح لا يجد في قلبه أي عداوة للكفار، ولا أي غضاضة في مودتهم ومحبتهم والتعامل معهم، وإحسان الظن بهم، والثقة في مشورتهم.

    كم من شاب طيب المعشر، حسن السمت، نظيف السيرة، تعرف في سفراته لوحده أو مع أسرته على فتاة منحرفة من أصحاب المخدرات حتى تغيرت حاله، وتلطخت سيرته، وذهب نوره وبهاؤه، وتدنس بألوان الشر والفساد.

    كم من فتاة عفيفة طاهرة كثيرة الحياء، لا تستطيع النظر إلى الرجل الأجنبي، محتشمة اللباس، انكسر حياؤها، واستبدلت بثوبها الساتر وجلبابها لباس التهتك والتبرج، وتقليد المرأة الغربية الكافرة، أو الفتاة الفاجرة التي طالما ملأت عينيها من تلك المظاهر القبيحة الفاضحة، فأصبحت تلبس البنطال أو اللباس المشقوق، وتعودت على كشف الوجه في تلك السفرات، فذهب ما كانت تجده من الحياء، وأصبحت الفتاة التي تستوحش من الرد على الهاتف في البيت خشية أن يكون رجلاً يريد أباها أو أخاها أصبحت تحادث الشباب وتضاحكهم، وهكذا تمادت في هذا الطريق.

    إذا قل ماء الوجه قل حياؤه     ولا خير في وجه إذا قل ماؤه

    كم من فتاة تعرفت على قراصنة الأعراض في تلك الرحالات السياسية المشبوهة، وانتهى الأمر بها إلى ذهاب العرض وكسر الشرف والوقوع في حمأة الرذيلة.

    كم من فتاة تنطوي على قلب يخاف الله ويراقبه، يرجو رحمته ويخاف عذابه، تحولت بفعل هذه الأسفار إلى فتاة عابثة لاهية، قد تعلق قلبها بآخر الصيحات، وبالجديد من الموضات، تتابع بنهمٍ أغاني المطربين وحفلات الماجنين، وتبحث بشغف عن الجديد من الأفلام مما يلبي طموحاتها ويغذي اهتماماتها الساقطة.

    كم من فتاة غافلة محصنة ساكنة ألهبت هذه الأسفار غريزتها، وأشعلت النار في أحشائها، فأصبحت قلقة تبحث يمنة ويسرة عن من يطفئ هذه الغريزة المتوقدة، وقد تصفحت خلال هذه الأسفار على وجوه الرجال، وقلبت ناظريها في سواعدهم وعضلاتهم، وأصبحت تمني نفسها أن تكون ضجيعة لبعض أولئك الذين علقت صورهم في مخيلتها، وتغيرت صحتها، وانقلب مزاجها، وأصبحت تعيش بنفسية قلقة سارحة الذهن، تفكر فيما يمكن أن تتحول إليه حياتها في ظل المتغيرات الجديدة.

    ورب فتاة تحفظ شيئاً من القرآن تترنم به في دار أبيها، وتتردد في دار التحفيظ النسائية لتزداد من هذا الخير، وتتلقى التربية الصالحة والعلم النافع، إلا أن أباها يقطع عليها الطريق بسفر تحت مسمى السياحة، وتغيير الجو مما يكون سبباً في قلب حياتها، وتغيير مساره باتجاه آخر.

    1.   

    تحذير الآباء من خطر سفر الأبناء إلى الخارج

    يا تُرى هل يدرك الأب أي خطر أنزله بفلذات أكباده؟ وأي شيء جلبه لهم باصطحابهم في تلك السفرات الآثمة وقد أمر الله بوقايتهم فإذا به يخالف أمر ربه ويقحمهم في النار: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم:6].

    قد يكون الأب رجلاً صالحاً خيراً، أعجبته فكرة تغيير الجو والتنقل بين الدول حيث الأجواء اللطيفة والأنهار الجارية، والخضرة النضرة، وقد يقلد فلاناً وفلاناً من الأخيار، الذين سافروا بأهليهم، وتحدثوا عن أسفارهم بكل إعجاب، لكنه غفل عن الآثار السيئة، التي تتركها مثل هذه الأسفار، ولعله قد كبر سنه فلا تحركه المشاهد المثيرة التي يراها ويشاهدها، أو أن عنده من الورع ما يمنعه من إطلاق النظر، لكنه غفل عمن يصطحبه معه، وأثر هذه المشاهد في نفسياتهم.

    ولعله قد غفل أيضاً أنه من المحتمل أن قلوب الأبناء والبنات قد تعلقت بتلك الديار، مما يحدو بهم في المستقبل أن يذهبوا إليها، وإن لم يرغب هو بذلك، فمن يتحمل أوزارهم التي ارتكبوها، وخطاياهم التي اقترفوها؟

    أيها الأب تصور لو أن عدواً أراد أن يغزوك في عقر دارك، وأراد أن يحدث أعظم نكاية في أبنائك وبناتك، هل يستطيع أن يفعل أكثر مما فعلت بهم، هل تعلم أنك حطمت مستقبلهم؟! ليس فقط مستقبلهم الدنيوي، بل وحتى مستقبلهم الأخروي، هل تعلم أنك سلبت سعادتهم وأشغلت قلوبهم وأورثتهم أنواع الأمراض القلبية والنفسية؟! لقد حطمت طموحاتهم، وقضيت على الأمل في نفوسهم، ثم هم بعد ذلك يعيشون في هذه الدنيا بدون اهتمامات عالية لائقة، منشغلين بالأمور التافهة الساقطة، التي قطعاً لن تلبي طموحاتهم، ولن تملأ الفراغ النفسي، والخواء الروحي الذي حصل بفقدهم للإيمان والقرآن، والعبادة والمراقبة والخشية وغير ذلك مما كنت أنت سبباً في حرمانهم إياه.

    - إن الرجل الصالح العابد الذي بلغ رشده، واكتمل عقله، لا يطيق الذهاب إلى تلك البلاد الموبوءة؛ وبقاؤه فيها يسبب ضعفه وقلة دينه وتساقط الفضائل عنه شيئاً فشيئاً حتى يتأثر بمن حوله، ويبدأ العد التنازلي ويستمرأ الباطل، ويألف المنكر وتضعف غيرته حتى إذا انتبه إلى نفسه وجد أنه شخص آخر غير الذي كان.

    فقل لي: بالله عليك كيف بشاب ناشئ، سريع التأثر في مرحلة التكوين والتلقي؛ كيف سيكون حاله ولم يشتد عوده بعد؟

    بل كيف بفتاة في مثل سن ذلك الشاب، كيف سيكون حالها؟!

    وحتى تعلم صدق ما أقول إليك هذه الأرقام:

    نشرت منظمة الصحة العالمية في العام الماضي -أي عام (2001م)- أن عدد الإصابات بمرض الإيدز في السعودية (1100) حالة.

    ووجد في عيادة واحدة خاصة للأمراض التناسلية في السعودية ما يقارب من (100) حالة لمرض الهربس الجنسي في سنة ماضية، معظمها لشباب سافروا في الإجازة إلى أوروبا وأمريكا وجنوب شرق آسيا وعادوا منها بمرض الهربس، كما صرح بذلك أحد الأطباء السعوديين لـمجلة اليمامة.

    وقد أثبتت الدراسات الاجتماعية أن معظم متعاطي المخدرات في السعودية قد وقعوا في تجربتهم الأولى في رحلاتهم السياحية خارج السعودية .

    وإذا سألتم عن أبي فأبي له     رسم على بوابة السفرات

    أرخى زمامي ثم راح يلومني     ويهينني بقوارع الكلمات

    أنا يا أبي الغالي ضحية ثروة     فتحت لقلبي أسوأ الصفحات

    أغرقتني فيها وما راقبتني     وتركتني كالصيد في الفلوات

    كم كنت أبحث عنك يا أبتي فما     ألقاك إلا تائه النظرات

    هلا أبيت علي أن أمشي إلى     حتفي وأن أسعى إلى صبواتي

    أرسلتني للغرب يا أبتي ولم     تشفق على عقلي من السكرات

    أنسيت أن الغرب سر شقائنا     وإليه تنسب أبشع الآفات

    إنه نداء إلى الآباء! بأن يتقوا الله في أنفسهم وفيمن ولاهم الله.

    نداء إلى الآباء أن يتقوا الله في هذه الرعية التي استرعاهم الله عليها، يقول صلى الله عليه وسلم: (كلكم راع ومسئول عن رعيته، والرجل راع في أهله ومسئول عن رعيته) رواه البخاري و مسلم .

    ويقول عليه الصلاة والسلام: (كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يعول) رواه أبو داود . وقال عليه الصلاة والسلام: (إن الله سائل كل راعٍ عما استرعاه الله حفظ أم ضيع، حتى يسأل الرجل عن أهل بيته) رواه ابن حبان وحسنه الألباني .

    فأعد للسؤال جواباً وللجواب صواباً.

    بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.

    أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم.

    1.   

    معنى السياحة في الإسلام وضوابط الخروج للنزهة

    الحمد لله حمداً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

    أما بعد:

    فيا أيها الإخوة الأكارم! للعلماء في بيان معنى السياحة في قول الله تعالى: التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ [التوبة:112] أقوال كلها تدل على ارتقاء الإسلام إلى معالي الأمور، وبناء الأمة على مكارم الأخلاق وجميل الخصال، فمنهم من فسر السياحة بالسفر في طلب العلم، قال عكرمة: [السائحون هم طلبة العلم].

    وفسرها بعضهم بالجهاد في سبيل الله، كما جاء في الحديث عند أبي داود عن أبي أمامة أن رجلاً قال: (يا رسول الله ائذن لي في السياحة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله).

    وقال عطاء: [السائحون هم الغزاة المجاهدون في سبيل الله] وفسرها بعضهم بالصيام، فإن الله تعالى قد وصف النساء اللاتي يتزوجهن رسوله صلى الله عليه وسلم بذلك فقال: سَائِحَاتٍ [التحريم:5].

    وكذا فسر السياحة بالصيام: أبو هريرة و ابن مسعود و ابن عباس و عائشة وغيرهم، رضي الله عنهم.

    ولكن يا حسرة على العباد، فقد دنس هذا اللفظ حيث أصبح مصطلحاً معاصراً تشم منه رائحة التلوث العقدي، والفساد الأخلاقي، والتحلل من الضوابط والقيم، فإلى الله المشتكى، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

    أيها الإخوة النبلاء! لا مانع أن يقصد المرء تغيير الجو والتنزه في الأماكن الجميلة، ذات الخضرة النضرة، والجمال الأخاذ، والجو البارد، والمناظر الحسنة، وإعطاء الأولاد فرصة اللعب واللهو المنضبط، ولكن عليك أن تتنبه لأمور:

    تجنب مواقع اللهو والفسوق والعصيان

    أولاً: أن تتجنب مواقع اللهو والفسوق والعصيان، كالحفلات الغنائية، والتجمعات المختلطة، فإن الله يمهل ولا يهمل، وإن الله يغار وغيرته أن تنتهك حرمته، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (في هذه الأمة خسف ومسخ وقذف، فقال رجل من المسلمين: يا رسول الله ومتى ذاك؟ قال: إذا ظهرت القينات والمعازف وشربت الخمور) رواه الترمذي وصححه الألباني .

    فلا تأمن من مكر الله: فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ [الأعراف:99].

    استثمار الوقت فيما يعود بالنفع

    ثانياً: أن تستثمر وقتك وأوقات رفقتك فيما يعود عليهم بالنفع من التعلم والتعليم، والدعوة إلى الله، في الأماكن التي ترتادونها، بإلقاء الكلمات في المساجد والتجمعات المناسبة، وحضور المحاضرات والأمسيات النافعة، وتوزيع الأشرطة والكتيبات المفيدة.

    الآخذ بآداب السفر وأحكامه

    ثالثاً: أن تأخذ بآداب السفر وأحكامه المتعلقة به، ويمكن أن تطلع على ذلك من خلال مطوية أو كتيب صغير.

    المحافظة على الأبناء

    رابعاً: المحافظة على أبنائك وبناتك ومراقبتهم وإعانتهم على أنفسهم، حتى لا يقعون فريسة لصحبة السوء، والعلاقات الآثمة.

    خامساً: الإفادة من فترة الإجازة بالمشاركة في البرامج الصيفية النافعة، من حفظ المتون، والمشاركة في المسابقات، وحضور الدورات العلمية، والمراكز الصيفية، حتى لا يمضي الوقت من غير فائدة، وتشجيع أبنائك وبناتك بوضع الحوافز لهم، وإجراء المنافسات فيما بينهم.

    اللهم يا حي يا قيوم، أحينا سعداء، وتوفنا على التوحيد شهداء، واحشرنا مع زمرة الأنبياء.

    اللهم اجعلنا مباركين أينما كنا، وفي أي أرض حللنا، وتحت أي سماء استظللنا.

    اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى، اللهم إنا نسألك علماً نافعاً وعملاً صالحاً ورزقاً طيباً، اللهم آمنا في الأوطان والدور، وأصلح الأئمة وولاة الأمور، يا عزيز يا غفور.

    اللهم انصر إخواننا المجاهدين في كل مكان، اللهم عليك باليهود الغاصبين والنصارى الظالمين، والمنافقين المندسين، اللهم لا تقم لهم راية، ولا تحقق لهم غاية، واجعلهم لمن خلفهم عبرة وآية.

    اللهم من أراد بنسائنا سوءاً فأشغله بنفسه واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميراً عليه، يا رب العالمين.

    سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

    وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755785429