إسلام ويب

قبل أن ينكسر الزجاجللشيخ : محمد عبد الله الهبدان

  •  التفريغ النصي الكامل
  • حفظ الأعراض من أهم ما نادت إليه الفطر السليمة منذ فجر التاريخ، وجاءت الشرائع السماوية بالدعوة بحفظه، والتحذير من عواقب التفريط فيه، وبعد ذلك جاء الإسلام مؤكداً على ضرورة المحافظة عليه، ومتمماً لمكارم الأخلاق، فعلينا أن نسعى جاهدين للمحافظة على العرض، واتخاذ الوسائل الشرعية في سبيل ذلك، وبما أننا في عصر قد تفسخت فيه الأخلاق؛ كان لزاماً علينا أن نحرص على نشر الفضيلة، ومحاربة الرذيلة ودعاتها، والحذر من مكائد الشيطان ووساوسه.

    1.   

    الغيرة والذب عن العرض عند العرب قبل الإسلام

    بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وإمام الغر المحجلين، وعلى آله وصحبه الميامين، وعلى من سار على نهجهم إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    أيها الإخوة! أحييكم بتحية الإسلام: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسأل الله تعالى أن يجعل اجتماعنا هذا اجتماعاً مرحوماً، وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، وألا يجعل منا ولا معنا ولا من بيننا شقياً ولا محروماً.

    أيها الإخوة في الله: لقد كان العرب في الجاهلية يعدون المرأة ذروة شرفهم، وعنوان عرضهم، ولذلك فقد تفننوا في حمايتها، والمحافظة عليها والدفاع عنها زوجة وأماً، ابنتاً وأختاً، قريبة وجارة، حتى يظل شرفهم سليماً من الدنس، ويبقى عرضهم بعيداً من أن يمس، ولم يكن شيء يثير القوم كالاعتداء على نسائهم أو المساس بهن، ولذلك كانوا يتجشمون في الدفاع عنهن كل صعب.

    وفي بيئة العرب التي قامت فيها الأخلاق على الإباء والاعتزاز بالشرف، كان لا بد للرجال والنساء من العفة ومن والتعفف؛ لأن العدوان على العرض يجر الويلات والحروب، وكان لا بد من الغيرة على العرض حتى لا يخدش، وقد وصل العرب في الغيرة أن جاوزوا الحد، حتى كانوا يئدون بناتهم مخافة لحاق العار بهم من جهلهم.

    ومن نخوة العرب وغيرتهم على أعراضهم أنهم يكنون حرائر النساء بالبيض، وقد جاء القرآن الكريم بذلك، فقال جل في علاه: كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ [الصافات:49].

    وكان من مظاهر الغيرة عند العرب أنهم يكنون عن أسماء نسائهم، لئلا تتمتع به أذان غيرهم، يقول أحدهم:

    وأنزه اسمك أن تمر حروفه     من غيرتي بمسامع الجلاس

    كان من مظاهر الغيرة عند العرب ستر النساء، ومنعهن من الظهور أمام الرجال، يقول أحدهم:

    نقاتل أقواماً فنسبي نساءهـم     ولم ير ذو عزٍ لنسوتنا حجلا

    أي: خلخالاً.

    على أنهم كانوا يفخرون أيضاً بغض البصر عن الجارات، ويعتبرون ذلك من العفة والغيرة على الأعراض، كان كشف الستر بجارح النظرات، وهتك الأعراض بخائنة الأعين، وفضح الأسرار باستراق السمع لا يترفع عنه إلا كل عفيف، وما أجمل قول عروة بن الورد حينما قال:

    وإن جارة ألوت رياحٌ ببيتها     تغافلت حتى يستر البيت جانبه

    وكذلك قول عنترة :

    وأغض طرفي إن بدت لي جارتي     حتى يواري جارتي مأواها.

    ويقول آخر:

    أصون عـرضي بمالي لا أدنسه     لا بارك الله بعد العرض بالمال

    1.   

    إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق

    لقد كانت عند العرب أخلاق كريمة بعث نبي الرحمة عليه الصلاة والسلام ليتمِّمها ويقوِّم ما انحرف منها، ويسموا بها وبأمثالها.

    أخي ولي الأمر! لقد حمد الإسلام الغيرة وشجع المسلمين عليها؛ ذلك أنها إذا تمكنت في النفوس.

    كان المجتمع كالطود الشامخ حمية ودفاعاً عن الأعراض، والمؤمن الحق غيور بلا شطط، يغار على محارم الله أن تنتهك، وفي الحديث أن سعد بن عبادة رضي الله تعالى عنه قال: [لو رأيت رجلاً مع امرأتي لضربته بالسيف غير مصفح] أي: بحده لا بعرضه، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (أتعجبون من غيرة سعد ! والله لأنا أغير منه، والله أغير مني، ومن أجل غيرة الله حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن) رواه البخاري.

    هذه هي الغيرة! غيرة الإسلام على المحارم والأعراض المنبثقة من غيرة رب العباد، والمتمثلة في خاتم المرسلين، وهي ليست بخافية على أحد من الناس، يقول الله عز وجل: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ [الأعراف:33].

    أخي الكريم! بعد أن استعرضنا واقع العرب في جاهليتهم، ثم واقع الجيل الفريد وغيرتهم، فإننا ننتقل لنفتح صفحة من صفحات هذا القرن، لنفجع بتلك الحكايات المفزعة والقصص المروعة، والتي تحكي واقعاً مريراً، وتصور وضعاً مزرياً لحال أعراض بعض المسلمين، وما آل إليه حال بعضهم من التساهل والتهاون، سهرات مع الأصحاب والزملاء إلى ساعات متأخرة من الليل في المقاهي والاستراحات، أو على الأرصفة والطرقات، أو انشغال بمزاولة التجارة والرحلات، أو سهر على القنوات، ويصاحب ذلك كله إهمال كبير في متطلبات المنزل وحاجاته، وإبداء للأصدقاء ونحوهم بأسرار المنزل الخاصة، والتي قد يستغلها مرضى القلوب، حتى فجعنا بمثل هذه الحكايات والقصص التي ينقلها الثقات عن الثقات ممن وقفوا على بعضها، وعاشوا في ملابساتها.

    تقول إحداهن في رسالة كتبتها بنفسها: أحببت شاباً منذ ستة أشهر، ثم تطورت علاقتي به تطوراً سريعاً، وأخجل من القول أنني كنت أذهب معه إلى إحدى الشقق المفروشة التي يمتلكها صديق له، ذلك أنه استطاع أن يقنعني بأن المكان المغلق سوف يحميني من نظرات الآخرين حين يروننا معاً، وانسقت معه لأنني أحبه، ولأنه وعدني بالزواج والمشكلة أنني طالبت هذا الشاب بالزواج ولكن منذ ذهابي معه إلى الشقة بدأ يتهرب مني، إنني أعيش اليوم في جحيم من الخوف والمهانة، ولا أعرف كيف أتصرف، ولا أستطيع مواجهة أهلي، فهم يثقون بي تماماً علماً بأني أبلغ السابعة عشرة من عمري.

    وهذه أخرى تقول: تعرفت عليه بعد فترة من التعارف أعلن عن استعداده للخطبة، فرحنا، وظن الجميع أن الزواج قادم، ولكن للأسف تكررت لقاءاتنا بشكل منفرد خارج إطار الأسرة، وبعدها سولت لنا أنفسنا ارتكاب بعض الآثام التي بدأت تتزايد مع مرور الأيام، وللأسف تركني بعد ارتكاب جريمته بحجة أني لم أحافظ على نفسي، وبالتالي لا يمكن أن يستأمنني على نفسي بعد الزواج.

    1.   

    أرباب الأسر وجلب أسباب الشقاء

    الحكايات في ذلك كثيرة، والوقائع أكثر، فكيف يمكن لقلب أن يبقى في مكانه دون أن يفجع؟ وأي عين يجمل بها أن تبقى في محجرها دون أن تدمع؟ ويشتد خطبك، ويعظم كربك إذا علمت أن بعض أرباب الأسر قد يكونون سبباً لحصول تلك الرزايا، ووقوع تلك البلايا، التي يشيب لهولها الولدان، حينما يجلبون لأهليهم وبناتهم أسباب الشقاء والبلاء، فها هو يدخل في بيته الأطباق المفسدة التي تجلب كل شيء إلا الفضيلة، وتأتي بكل شيء إلا العفة والكرامة، إلا ما رحم الله.

    وأيم الله.. وأيم الله لقد أثارت في النفوس كوامن الشهوات، وألهبت في القلوب غرائز الملذات، والتي لو رآها شيخ كبير قد بلغ من الكبر عتياً، واشتعل الرأس منه شيباً لعاد شاباً فتياً، فكيف بمن هي في زهرة عمرها، وريحانة شبابها، ما حالها؟ وكيف تقضي ليلها؟!

    تعرفت إحدى الفتيات على العلاقة الشريفة عبر القنوات الفضائية، فأرادت أن تخوض التجربة، فماذا جنت؟ لقد جنت هذه البكر العذراء جنيناً بين أحشائها بعد قصة دامية مؤلمة، وقعت الفتاة مع صاحبها في قبضة رجال الأمن، ثم جاء أبوها بعد استدعائه ليرى الفاجعة، وقف أمام ابنته وقد تمنى الموت قبل أن يراها في ذلك الموقف، صرخ بأعلى صوته: لقد لطختي سمعتي! لقد دمرتي شرفي! لقد سودتي وجهي أمام الناس! ولكن يا ترى من الملام في هذه القضية، من الملام في هذه القضية، هل هي الفتاة أم هو الولي؟!

    كفى لوماً أبي أنت الملام     كفاك فلم يعد يجدي الملام

    أبي هذا عفافي لا تلمني     فمن كفيك دنسه الحرام

    زرعت بدارنا أطباق فسق     جناه يا أبي سم وسام

    نرى قصص الغرام فيحتوينا     مثار النفس ما هذا الغرام

    نرى الإغراء راقصة وكأساً     وعهراً يرتقي عنه الكلام

    فلو للصخر يا أبتاه قلب     لثار فكيف يا أبت الأنام

    أبي حطمتني وأتيت تبكي     على الأنقاض ما هذا الحطام

    أبي هذا جناك دماء طهري     فمن فينا يا أبت الملام

    أيها الولي! أتهدم بناءً شيدته عقوداً من الزمن، بشهوة سمع أو بصر، إني أسائلك لو دخل على بيتك رجل بكامل زينته، وأنت مع أهلك وزوجك فماذا تفعل به، وتصور لو أنه دخل عليك وليس عليه إلا ما يستر عورته فماذا يكون شعورك أمام هذا المنظر.

    إذاً ها أنت قد أدخلت على بنيتك وفلذة كبدك هؤلاء الرجال الأجانب، عراة أو شبه عراة، فأين غيرتك وحميتك؟! وأين شهامتك وكرامتك؟! ألم تعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بإخراج المخنثين من البيوت، وأنت تنفق على إدخالهم، ليعششوا ويفرخوا في قلوب أبنائك وبناتك.

    لقد رأى من جلب ذلك الأثر، فأكثر من تسعين بالمائة من القضايا الأخلاقية، التي ألقي القبض عليها، وجد أن في بيوت أصحابها هذه الأطباق المفسدة، ومن يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، يقول عليه الصلاة والسلام: (ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة) رواه مسلم .

    أخي: إن للشيطان خطوات فالبداية أخبار والنهاية هتك أستار، مع أنك لو صدقت مع الله أولاً ثم مع نفسك ثانياً لقلت: إنني لم أشتر هذا الجهاز من أجل عيون الأخبار، ولكن من أجل عيون الصبايا:

    أتلقف اللذات غير محاذر     وأعب في الزلات والآثام

    أخي الولي! أرضيت أن تستحل اقتناء هذا الجهاز بحجة أنه آلة تستخدم للخير والشر، وأنت تقرأ قول الله عز وجل: يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا [البقرة:219] فإذا سلمت لك بأن في هذه البرامج منافع فاصدقني يا مؤمن أليس إثمهما أكبر من نفعهما؟! وقد علمت يا رعاك الله، بأن درء المفاسد أولى من جلب المصالح، فاتق الله -أيها الولي!- فالحياة قصيرة وإن طالت، والفرحة ذاهبة وإن دامت، ويزداد الأمر سوءاً حينما يستقدم الولي لأهله السائق الأجنبي، وخذ من صور التفريط والإضاعة: صغر سنه، وحسن سمته وجماله، الخلوة بهن في المنزل أو في السيارة، التساهل في الحديث معه، التكشف والتهاون في الحجاب عنده، وهو يغدو ويروح بهن حيث شئن، وفي أي وقت أردن، بلا ضوابط ولا قيود، فهو رهن الإشارة، وتكفيه اللمحة عن العبارة، الولي مشغول بنفسه وأعماله وأصدقائه وخلانه، وقد ترك الأمر للسائق والمرأة، تراجع الدوائر الحكومية، وتذهب إلى المستشفيات والمستوصفات، بل وصل الأمر ببعضهم أن تذهب المرأة مع السائق لشراء الذبيحة من مكان بيعها، بل محلات مواد البناء والمستودعات، تخالط الرجال وتحادثهم، ويا ترى من الذي يتصل بالمدارس للسؤال عن الأبناء؟!

    بل الأدهى من ذلك والأمر ما نراه من اشتعال النيران في الحدائق والمنتزهات وعلى شواطئ البحار! نعم والله إنه نيران الألم والحسرات على تبرج بعض النساء وقلة حيائهن، فتيات أعمارهن فوق العاشرة تلبس البنطال الذي يحدد مفاتن الجسم وجماله! ومجموعة من الفتيات قد لبسن النقاب ويتمايلن بمشيتهن! ويتلاعب الهواء بأعبئتهن.. ليظهر بعد ذلك البنطال الضيق! ثم لا تسأل بعد ذلك عن الضحكات.. والنظرات هنا وهناك.. والشباب في سباق محموم لتصيد إحداهن، فلا حول ولا قوة إلا بالله!

    ومن رعى غنماً في أرض مسبعة     ونام عنها تولى رعيها الأسد

    ثم بعد ذلك -أخي الولي- كم من المواكب نراها في الطرقات خلف سيارة تحمل مجموعة من الفتيات المتبرجات يقودهن السائق حيث شئن؟ فأين الأولياء.. أين الأولياء؟!

    عجباً لك أيها الولي! لا تأمن سائقك على نقودك وتأمنه على عرضك وشرفك بأن يذهب بهن إلى الأسواق والحدائق العامة! بل تعدى بك الأمر أن ترسلهن في نزهة خارج المدينة! فيعلم الله كم من المصائب وقعت! وكم من الأعراض انتهكت! وكم من المواعيد قد ضربت!

    آهٍ ثم آهٍ لو رأيتم منظر تلك الفتاة التي وقعت فريسة لذئب ضارٍ ملأ أحشاءها من نطفة حرام! ووالدها المكلوم قد أسقط في يديه وضاقت عليه الأرض بما رحبت! ها هي زفراته المتصاعدة تكاد تخرج معها روحه التي بين جنبيه إن لم تكن قد خرجت!

    يحدثنا أحد رجال الأمن بأنهم ألقوا القبض على سائق قد استخدم محارم كفيله في البغاء؛ وذلك بعد أن أوقعهن في المخدرات والإدمان، وبعضهم وقع على محارم كفيله في داخل السيارة التي قد ظُلِلَتْ من كل جانب، فإلى متى يغفل بعض الآباء عن ماء وجوههم؟ وإلى متى يتساهل بعض الأولياء في فلذات أكبادهم؟ وإلى متى يتهاون بعض أرباب الأسر في أعراضهم؟ من أي نوع من أنواع الحجارة نحت هذا القلب الذي ينطوي بين جوانحه والذي لا تروعه أنّات من فجعوا في محارمهم، ولا تحركه آهات مجروحين في نسائهم؟! إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ [ق:37].

    1.   

    أسباب الفتن ونتائجها الوخيمة

    أولاً: الذهاب بالأهل إلى بلاد الكفار وأماكن الدعارة

    ومن أعظم أسباب الفتن الذهاب بالأهل إلى بلاد الكفار أو بلاد تشابهها، بل لقد وصل الأمر ببعض الأولياء أن يرسلوا إلى تلك الديار البائسة فلذات أكبادهم، مهج نفوسهم وماء وجوههم، تلك الأفلاذ الغالية التي نشأت على التوحيد، وتغذت بلبان العقيدة، وترَّبت على الستر والحياء والحشمة والنقاء، فلم تر عيونهم مناظر مقززة، ولم تسمع آذانهم كلاماً ممجوجاً وسخيفاً، ولم تمش أقدامهم إلى أماكن (البارات) وحانات الخمور، وفي لمحة بصر وغمضة عين ينقلب الأمر رأساً على عقب، فيرون هناك كل شيء إلا الفضيلة.

    يا ترى ماذا يدور في خاطر تلك الفتاة المسكينة، وماذا يتحرك في نفسها وهي ترى نظيرتها الأوروبية والأمريكية على حالة من التفسخ والانحلال، وقد تأبطت ذراع شاب عربيد، يجوبان الشوارع على أنغام الموسيقا الصاخبة؟! كم من القيم تهتز؟! وكم من المبادئ والأخلاق تذهب أدارج الرياح؟! وكم من القناعات الراسخة تتغير وتتلاشى، من خلال رؤيتها لتلك الحياة الغربية؟! كم من الفتيات اللاتي قد ألفن حياة التبرج والسفور هناك ولم تجد ذلك في بلدها فإذا بها تضيق ذرعاً بدينها فتتمنى رجوعها أو تحول بلادها؟!

    وما الحوادث التي بدأت تظهر في الساحة من النساء اللاتي انخلعن من جلباب الستر والاحتشام إلا برهان على ذلك، فمن المسئول عن ذلك؟!

    ثانياً: تساهل بعض أولياء الأمور في عرض محارمهم على الأطباء والخلوة بهن

    لقد تساهل بعض أرباب الأسر في عرض محارمهم على الأطباء والخلوة بهن، بل وصل الأمر ببعضهم أن يفضل أن يتولى الكشف على موليته طبيب لا طبيبة، وهذا فيه من الفتنة ما فيه، ويسبب للمرأة الافتتان بالرجل الأجنبي عنها، وضعف الحياء الذي هو جوهر المرأة وزينتها، ولذلك يحدثنا بعض الأطباء عن مآسٍ تتكرر عندهم باستمرار، حتى قال بعضهم: إن المرأة تدخل علينا ثم تخلع عباءتها وتضع حجابها، ثم تستلقي على سريرها كأنها في غرفة زوجها! بل أشد من ذلك والله وبكل جرأة وقلة حياء! وبكل فتنة وإغراء!

    وإذا ذُكِّرَ الولي بذلك قال: الضرورات تبيح المحظورات، سبحان الله! أي ضرورة في أن تخلع المرأة ضرسها عند رجل أجنبي عنها؟! أي ضرورة في أن تكشف المرأة بطنها من أجل أن تعرف مراحل جنينها، مع توفر البديل -ولله الحمد- في بعض المستشفيات والمستوصفات.

    وهذه الأحداث تؤكد ضرورة وجود مستشفيات نسائية خاصة لتلافي هذه السلبيات الخطيرة.

    ثالثاً: وضع الهاتف داخل غرفة الفتاة

    أخي ولي الأمر! وإن من أسباب وقوع الفتنة وضع الهاتف داخل غرفة الفتاة، وأنت تعلم أن الهاتف يفسد في ساعة ما لا يفسده الساحر في سنة، وأعظم من هاتف المنزل الهاتف الجوال، نعم. الذي قد تمتلكه الفتاة من غير علم وليها، بل من خلال القضايا التي ألقي القبض عليها وجد أن أكثر من سبعين بالمائة من الأولياء لا يعلمون عن امتلاك محارمهم للهاتف الجوال، الذي من خلاله تتم الرسائل والمواعيد، وتبادل الصور الخليعة التي تنقل من شبكة (الإنترنت) كل ذلك بسرية تامة، من خلال وضع الجوال على نغمة الهزاز، أو نحوها..

    وعندها تتم مكالمة الفتاة مع ذئب ضار في صورة حمل وديع، في ظلمة الليل البهيم، فيراوغها كما يراوغ الثعلب فريسته، يخادعها بالحب تارة، ويوهمها بالعشق تارة أخرى، ويصور لها أن حياته شقاء بدونها، وجحيم إذا لم يسمع صوتها الرقراق، وأخيراً يعدها ويمنيها بالزواج، فهو فارس الأحلام، وعشيق الآمال، فما تكاد تسمع تلك الفتاة المسكينة عبارات الحب والغرام، والعذب والهيام؛ حتى يطير لبها، ويأخذ حديث ذلك الذئب بمجامع قلبها، ثم لا تزال تنتظر مهاتفته على أحر من الجمر، حتى يتم اللقاء فتقع في قفصه، ويصيدها لمصيدته، فإذا سلب منها حلاوتها وسرق منها عفتها، ووضع قيداً في عنقها بتصويرها أو تسجيل صوتها كشر عن أنيابه وأظهر ما كان خافياً، وتعالت ضحكاته وصار يهددها ليل نهار، ويجلبها لصحبه الفجار.

    وتصور -أيها الأب الرءوف- حالة تلك الفتاة المسكينة، وهي تتوسل إليه وتذكره بوعوده الماضية وأمانيه السالفة فتتجرع آلام الحسرات والآهات، والأنات والزفرات، ولكن دون جدوى، ولا حياة لمن تنادي!

    تقول إحداهن: أنا فتاة جامعية أحببت شاباً بكل معنى الكلمة، واخترته حبيباً لقلبي، ورفيقاً لدربي، بموافقتي وبمباركة الأهل، وفيما كنا نقوم بالاستعداد للزواج فوجئنا باعتراضات رسمية، وعقبات وهمية، حالت دون إتمام فرحتنا، لكننا لم نستسلم، فحاولنا التغلب عليها، وضحينا بالكثير دون جدوى ولم نفقد الأمل رغم وصولنا إلى طريق مسدود، واستمرت اللقاءات والاتصالات، وفي ذات يوم نسينا أنفسنا في غمرة الحب فكان الشيطان ثالثنا، ومن هنا بدأت المشكلة أو المأساة الكبرى، فبدلاً من تصحيح غلطته أو غلطتنا فوجئت به يتهمني زوراً وظلماً بأبشع التهم، ويزعم ويدعي بأني لم أكن عذراء، واتخذ من ذلك حيلة للتهرب من المسئولية، وتصحيح غلطة فظيعة ارتكبناها في لحظة طيش، كيف يمكن أن يحدث لي هذا ولم يمسسني أحد غيره؟! وقد أقسمت له أني لم أعرف رجلاً قبله ولا بعده وبكيت أمامه، وتوسلت إليه ألا يتخلى عني، فوعدني خيراً وعاد يؤكد حبه لي، ثم كثرت اللقاءات بيننا فكنت أحرص خلالها على عدم إغضابه، وكان هو الآمر الناهي والقاضي والجلاد، ثم بدأ يتهرب مني، وينتحل الأعذار، وأخيراً طال غيابه، وانقطعت أخباره فأدركت أنني كنت الجانية على شرفي والضحية، وأنني قد حكمت على نفسي بالإعدام، لقد صبرت وانتظرت بما فيه الكفاية، ورفضت عشرات الشبان خوفاً من افتضاح أمري فتكون نهايتي!!!

    فمن المسئول يا ترى عن حال تلك الفتاة، من المسئول عن تلك اللقاءات المتتابعة، التي جرت بينهما؟! يا ترى أين الأولياء من إخوة وآباء؟!

    كيف تمكن هذا المخادع الماكر أن يجلس مع الفتاة مرات عديدة وكرات مديدة حتى وقعت فيما وقعت فيه؟! أليست الخطيئة الأولى كانت بسببك وثقتك الزائدة، وتفريطك في المتابعة؟!

    قنوات فضائية تثير الشهوات.. ومجلات هابطة تحرك الملذات.. وسائق يذهب بها إلى أي مكان.. ثم عدم متابعة.. فماذا تكون النتيجة يا ترى؟!

    إن كل واحد منا لا يخالجه شك في عفاف وطهر ونقاء بنيته وزوجته، ولكن من منا يأمن الفتنة على نفسه؟ فكيف إذاً يأمن على امرأة ضعيفة سريعة التأثر، قوية العاطفة، مرهفة الإحساس، سلطت عليها دعوات الشر والفساد، خاصة إذا كانت قد فقدت حنان الأبوة وعاطفة الزوجية؟

    عن أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول: (يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، فقلت: يا رسول الله! آمنا بك وبما جئت به فهل تخاف علينا؟ قال: نعم. إن القلوب بين إصبعين من أصابع الله يقلبها كيف يشاء) رواه الترمذي.

    فيا لله العجب! رسول الله صلى الله عليه وسلم يخشى على نفسه وهو من؟!! ونحن نأمن الفتنة على أنفسنا ومحارمنا.

    1.   

    مكائد الشيطان وسعيه لإفساد الأسر

    وبعد أن عرفت -أيه الولي- باباً من أبواب الشر فأغلقته، هل تظن أن الشيطان سيتوقف وييأس من إفساد أهلك عليك؟! إن الشيطان في كل يوم يفتح باباً من أبواب البلاء، ومدخلاً من مداخل الفساد فيأتي إليك ويطالبك عبر مكالمة صديق لك، أو محاكاة قرين في إحضار جهاز الحاسوب، والاشتراك في الشبكة العالمية، والتي تسمى بـ(الإنترنت) من أجل أن تواكب العصر، ولا توصم أنت وأهلك بالتخلف والرجعية، فإذا بك تفتح الباب على مصراعيه، وتترك الحبل على الغارب، تجلس موليتك في غرفتها وتقلب صفحات المواقع صفحة صفحة، وموقعاً موقعاً وهي خالية، بل يرافقها الشيطان فيزين لها ذلك الموقع التي رأت فيه صورة فاتنة، فتبلغ الشهوة ذروتها وتصل الفتنة قمتها، أو تتعرف من خلال تنقلاتها على شاب فيراسلها وتراسله فمن المسئول عن إثارة الغرائز الكامنة في صدر فتاة غافلة عفيفة لا تعرف إلا الطهر والحياء، والعفة والنقاء؟!

    ثم أيها الولي العزيز! قد يأتيك الشيطان بصورة الشفقة والحنان فينفث في روعك تلك الأحاسيس: كيف تحجر على بنيتك، وتغلق الباب على صغيرتك..؟!! دعها تتمتع بحياتها وتشم ريحانة شبابها، دعها تغدو إلى الحدائق وتذهب إلى الملاهي وتمرح وتسرح في الأسواق كما يمرح ويسرح أترابها، ثم لا يزال بك يوسوس لك حتى تفعل ما يريد، وتصنع له ما يشاء.

    والذي نفسي بيده إن هذه الأماكن مصيدة من مصائد الشباب للفتيات، ولن أخوض في التفصيلات ولا في الكيفيات؛ لأنها تفتح آفاقاً لمن في قلوبهم مرض، وإذا أردت -يا رعاك الله- أن تعلم صدق ما أقول فما عليك إلا أن تسأل رجال الأمن، فكما قيل: (عند جهينة الخبر اليقين).

    أنا أعلم أنك واثق من أهلك، وفي طهرهم وزكائهم، لكني سائلك أيها الولي الحنون، أليس رسول الله صلى الله عليه وسلم يثق في زوجاته؟! بلى. ومع ذلك لم تمنعه صلى الله عليه وسلم -هذه الثقة- من أن يسأل عائشة رضي الله عنها عن سر خروجها ليلاً خلفه، عندما ذهب يدعو لأهل البقيع ، ويسألها عن نَفَسِهَا المتزايد بسبب الهرولة، وعندما رجعت ورجع صلى الله عليه وسلم، ولم يمنعه صلى الله عليه وسلم من ضربها حتى أوجعها، تقول عائشة رضي الله عنها: [فلهدني في صدري لهدة أوجعتني] رواه مسلم.

    ولن تكون أنت أرحم من رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهله وألطف، ومع ذلك أدبها بهذا التأديب.

    ثم ثمة سؤال آخر: أيها الولي الحنون! يا ترى بنات من تلك اللاتي وقعن في شباك الذئاب البشرية؟ ويا ترى زوجات من تلك اللاتي أصحبن فريسة للأرجاس الأنجاس؟

    هل هن بنات كوكب آخر؟ هل كان أولياء هؤلاء النسوة يشكون في بناتهم أو يفقدون الثقة في زوجاتهم؟

    بالفعل لا، هم كانوا يثقون في بناتهم وزوجاتهم ومحارمهم.

    إن القضية باختصار: الثقة الزائدة، والتي يتبعها تفريط كبير في رعاية الأسرة والاهتمام بهم، ومتابعة شئونهم.

    ثم أيها الولي الحنون! هل تثق في الشباب الذين يحومون كالنسور حول الفريسة؟! كلٌ يحمل رقمه ليرى أقرب فتاة فيلقيه عليها، فيؤزها الشيطان أزاً، ويدفعها حب الاستطلاع والتعرف فتهاتفه.. وتحادثه.. فتقع الكارثة، ولا تذهب بك الظنون أني آمرك أن تحبس محارمك، أو أن تحجر عليهن بالسلاسل والأغلال، كلا. ولكن الذي أدعو إليه وأنادي إليه: أن الذي لا حاجة للمرأة فيه لا داعي للذهاب إليه، فإن أقرب ما تكون المرأة من ربها ما كانت في بيتها.

    في الأثر: [المرأة عورة فاحبسوها في البيوت، فإن المرأة إذا خرجت إلى الطريق قال لها أهلها: أين تريدين قالت: أعود مريضاً أو أشيع جنازة، فما يزال بها الشيطان حتى تخرج عن دارها، وما التمست المرأة رضا الله بمثل أن تقعد في بيتها، وتعبد ربها، وتطيع بعلها].

    وقال علي رضي الله عنه لزوجه فاطمة رضي الله عنها : [ما خيرٌ للمرأة؟ قالت: ألاّ ترى الرجال ولا يرونها] وكان علي رضي الله عنه يقول: [ألا تستحون! ألا تغارون! يترك أحدكم امرأته تخرج بين الرجال تنظر إليهم وينظرون إليها].

    1.   

    اتقاء الشبهات ومتابعة الأهل ومراقبتهم

    فحري بك أن تصرف أهلك ونفسك عن تلك المواطن المشبوهة والموبوءة، خاصة ونحن مأمورون باتقاء الشبهات، كما أمرنا صلى الله عليه وسلم بقوله: (إن الحلال بين وإن الحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه) رواه مسلم .

    وإذا كان لأهلك حاجة فلا تتردد في الذهاب معهم، فهي ساعة من نهار، واختر الأوقات المناسبة، والتي يغلب على ظنك خلوها من الزحام، وابتعد عن الأسواق التي تكثر فيها الفتن، ومرها بالستر والاحتشام، وإياك أن تأذن لهن بلبس النقاب، فهو بوابة شر ومفتاح فتنة، ولا يخفى عليك أن للعيون لغة ساحرة.

    إن العيون التي في طرفها حور     قتلننا ثم لم يحيين قتلانا

    وانظر أخي الولي إلى نفسك! ماذا يحدث النقاب في قلبك؟ فتعلم ماذا يدور في قلوب الرجال من أمثالك؟ ثم إياك أن تأذن لها بلبس العباءة على الكتفين، أو لبس العباءة المتبرجة، فقد اعترف 86% من النساء اللاتي أجري عليهن استبيان أنهن يتعرضن للمضايقات من قبل الشباب، أو بعض أصحاب المحلات التجارية.

    وهذه نسبة لا بد أن يقف الولي معها وقفة جادة، قبل أن يقع الفأس على الرأس، فيندم في ساعة لا ينفع فيها الندم، وليكن الولي حصيفاً لبيباً يعلم مكان ذهاب موليته، وإلى من تذهب، فإن بعض الجليسات عتبات فساد، فكم من صالحة وضعت قدمها فدمر دينها، وقضي على عفافها، وكن على حذر من مشاغل الخياطة وأماكن التجميل، فإن بعضها بؤرة فساد.

    أيها الأولياء! إننا مطالبون بمتابعة بناتنا وزوجاتنا وأخواتنا، وقضاء حوائجهن والإحسان إليهن: (فخيركم خيركم لأهله) كما قال عليه الصلاة والسلام، وأنت -أيها الولي- مسئول عن أهل بيتك يوم القيامة، كما قال عليه الصلاة والسلام: (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، فالرجل راع في أهله وهو مسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها...) رواه البخاري و مسلم .

    لماذا -أيها الأولياء- لا تربى البنية منذ الصغر أن تسلم حقيبتها لوالدتها في كل يوم لتنظر ما بداخلها، فلا تشعر بالحرج أثناء الكبر، وأنها متابعة من قبل وليها، وبذلك تسلم من الأفلام والصور ونحوها، والتي تتداولها بعض من وقعن فريسة لأهل الشر والفساد من طالبات المدارس؟

    ولماذا لا تربى الفتاة على عمل المنزل، ويكون لها نصيب من ذلك، فتعدو لتكون مربية أجيال وصانعة أبطال، بدلاً من حياة الفراغ والترف التي تعيشها كثير من الفتيات، حتى وصل الأمر ببعضهن أن تذهب الخادمة معها لتحمل حقيبتها إلى المدرسة، وتنزع عنها عباءتها داخل الفصل؟!

    فقل لي بربك أيها الولي! هل يمكن لمثل هذه الفتاة أن تحسن التصرف في عش الزوجية الجديد، أو أن تكون قادرة على تحمل أعباء الحياة ومشاكلها؟! وماذا سيفعل الزوج بمثل هذه الفتاة المدللة؟!

    ولماذا لا تربى الصغيرة على عدم رفع سماعة الهاتف في المنزل وأن يوضع في مكان واحد فقط، فإذا ما بلغت الفتاة سن الرشد لم تشعر بالحرج في عدم وجود الهاتف في غرفتها؛ لأن الأسرة نشأت على هذا المنوال، فيصبح أمراً طَبَعياً وبدون أدنى حرج؟!

    ولماذا لا تفتش غرفة الفتاة بحجة تنظيف المكان وتنظيمه، بين كل فينة وأخرى بدون علمها؟ ليس شكاً فيها، ولكن ليطمئن القلب، كما قال إبراهيم عليه السلام حينما طلب من ربه أن يريه كيف يحيى الموتى: قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي [البقرة:260]؟!

    ولماذا يسمح بعضنا لمحارمه أن يلبسن ملابس فاضحة؟ بل أين مراقبة اللباس عند شرائه وبعد شرائه؟ ولماذا لا يكون الولي حكيماً فيطلب من موليته إن كانت زوجته أن تلبس له اللباس الجديد قبل الناس بحجة التمتع برؤيته عليها، فإن رآه شرعياً أثنى عليها خيراً، وشكر صنيعها، وحمد فعلها، وإن رآه خلاف ما يرضي الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم أثنى على دينها وصلاحها وحيائها ثم قال: ما مثلك من الصالحات تلبس الشفاف أو الرقيق أو المفتوح، لعلك تستبدلينه بما هو أفضل.

    فهذا الأسلوب يحفظ الود ويزيل المنكر بإذن الله تعالى، وإن لم ينفع أظهر الولي ولايته وقوامته على المرأة ولو بكت، فهو أسلوب ضغط مكروه معروف.

    ولكن تذكر -أيها الولي- أن بكاءها في منعها من الشر خير من بكائها غداً في وقوعها في الشر، ثم حينها لا ينفع الندم، لقد اشتكت النساء الصالحات ما يواجهنه في حفلات الأعراس من لحوم عارية وأجساد بادية، و(موضات) فاضحة، مع أن فتاوى العلماء الأجلاء في بيان حرمة ذلك أشهر من أن تذكر.

    يقول عليه الصلاة والسلام: (صنفان من أهل النار لم أرهما: -وذكر منهم- نساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رءوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا) رواه مسلم .

    وفي رواية في المسند : (العنوهن فإنهن ملعونات) ولذلك تصاب كثير من النساء بعد حفلات الأعراس بالعين، بسبب ما تظهره من الزينة، فتراها من هي أقل منها فتحسدها على هذه النعمة، وأكثر من يموت من أمة محمد صلى الله عليه وسلم بالعين، كما أخبر بذلك المصطفى صلى الله عليه وسلم، فمن المسئول عن ذلك كله؟!

    ولماذا لا تخصص أيها الولي المبارك وقتاً للجلوس معهم والتحدث في مشاكلهم، ومحاولة إزالة العقبات أمامهم، وإشعارهم بالحنان والرحمة والشفقة عليهم، وتذكيرهم بالله تعالى وبوعده ووعيده، بدلاً من السيل الجارف من السخرية والاستهزاء، والغلظة والجفاء بالزوجة والبنات والأبناء؟!

    لماذا لا تأمر أهلك بالالتحاق في حلقات تحفيظ القرآن الكريم، ففيها تتعلم الهدى والنور، وتتعرف على الصحبة الطيبة، وتسمع الموعظة الحسنة، ولا تنسى أن تحضر لهن الأشرطة النافعة، والكتب المفيدة، وتعلمهن المهن النافعة، كالخياطة ونحوها؟

    ويا ترى لماذا تتهاون في تزويج بنيتك متى ما تقدم إليها من ترضى خلقه ودينه؟ فالزواج وسيلة فاعلة في إعفاف الزوجين وتحصين الفرجين، يقول عليه الصلاة والسلام: (إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض) رواه الترمذي .

    ولكن احذر من التساهل في التثبت والسؤال عن الخاطب حتى لو كان أقرب قريب، ولو كان والده من أزكى الناس وأتقاهم لله تعالى، واللبيب بالإشارة يفهم. كم سمعنا الكثير عن أسر تم عقد الزواج، ثم لم تلبث الأيام اليسيرات والأشهر القليلات أو السنوات المعدودات حتى تم الفراق وحصل الطلاق؛ بسبب أن الزوج لا يصلي أو أنه صاحب مسكرات، أو مخدرات ونحوها، أو أنه يسومها سوء العذاب، ولأن تبقى الفتاة بدون زوج خير من أن ترزح تحت وطأة رجل لا يرضى دينه ولا خلقه، فكم من الفتيات خدعن أو رغبن فندمن، بعد أن ذقن صنوفاً من الويلات!

    أيها الأولياء! إننا مطالبون جمعياً بوقاية أنفسنا وأهلينا من النار، يقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم:6] إنها نار كلها بؤس وعناء، نار كلها عذاب وشقاء، نار عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون.

    رحماك يا رب! رحماك يا رب! نسألك اللهم أن تجعلنا ممن قلت فيهم: قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ [الأحقاف:15].

    فيا من أعطاه الله قلباً رحيماً ارحم بناتك، فإنهن أجساد ناعمة، لا تتحمل وهج الشمس فكيف تتحمل نار جهنم؟ والتي قعرها بعيد وحرها شديد، فأْمُرْهَا بطاعة الله تعالى، واعزم عليها على السير على منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن بهما السعادة في الدنيا والآخرة، يقول الله تبارك وتعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النحل:97].

    وأخيراً: أيها الولي الحنون! أنا أعلم أن ملامسة الجراح مؤلمة، ولكن والله لولا خوفي عليك، ومحبتي لك، ما تجرأت على القول بهذه الكلمات، وبتلك العبارات والتي أسأل الله تعالى أن تكون من القلب، لتصل بإذن الله تعالى إلى القلب، وهأنا أقول لك: أما آن لهذا القلب أن يتحرك؟ أما آن لهذا الفؤاد أن يلين؟ أما آن لهذه النفس أن تحافظ على ماء وجهها، وثمرة فؤادها، قبل أن تقع الكارثة، وينكسر الزجاج؟!

    أسأل الله تعالى أن يعينك على أداء الأمانة وتحمل المسئولية، وأن يسدد خطاك، وأن يصلح لك النية والذرية، وأن يحفظك من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه.

    وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756213317