إسلام ويب

البدعة - حياة الأنبياء في البرزخللشيخ : عبد الرحيم الطحان

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن الله اصطفى أنبياءه من خلقه، وخصهم بخصائص في حياتهم وبعد مماتهم، ومن تلك الخصائص بعد وفاتهم أن الأرض مأمورة بألا تأكل أجسامهم، بل ومن كمال نعمة الله عليهم أن أعطاهم ما تقر به أعينهم وتتلذذ به أرواحهم في حياتهم البرزخية، وهي عبادة ربهم، إنعاماً لهم لا تكليفاً. وكذلك قد يمن الله على من يشاء من أوليائه. ثم إن الله قد أكرم هذه الأمة، بأن جعل صلاتها وسلامها على نبيها موصولة إليه، بل ويرد السلام على من سلم عليه، ومما أكرم الله به هذه الأمة أنها وأعمالها تعرض على نبيها عليه السلام، فإن رأى خيراً حمد الله، وإن رأى شراً استغفر لها.

    1.   

    خصائص الأنبياء في الحياة البرزخية

    الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونؤمن به ونتوكل عليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً.

    الحمد لله رب العالمين، شرع لنا ديناً قويماً، وهدانا صراطاً مستقيماً، وأسبغ علينا نعمه ظاهرةً وباطنةً، وهو اللطيف الخبير.

    اللهم لك الحمد كله، ولك الملك كله، وبيدك الخير كله، وإليك يرجع الأمر كله، أنت رب الطيبين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين، وخالق الخلق أجمعين ورازقهم، وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [هود:6].

    يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ [فاطر:3] .

    وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله، أرسله الله رحمةً للعالمين، فشرح به الصدور، وأنار به العقول، وفتح به أعيناً عمياً، وآذاناً صماً، وقلوباً غلفاً، فجزاه الله عنا أفضل ما جزى به نبياً عن أمته، ورضي الله عن أصحابه الطيبين، وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

    يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1].

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

    أما بعد:

    معشر الإخوة الكرام! تقدم معنا أن أسباب سوء الخاتمة كثيرة متعددة -نسأل الله تعالى حسن الخاتمة بفضله ورحمته- وقلت: إن هذه الأسباب مع كثرتها وتعددها يمكن أن ترجع إلى سببين اثنين:

    أولهما: الأمن على الإيمان من الذهاب والفقدان، فمن أمن على إيمانه أن يسلبه سلبه عند موته.

    والسبب الثاني من أسباب سوء الخاتمة: اغترار الإنسان بحالته الحاضرة، والغفلة عما فيه من بليات مهلكة مدمرة، والعجب بما يصدر منه من طاعات ناقصة قاصرة.

    والبليات التي في الإنسان وتوجب له سوء الخاتمة عند فراق هذه الدار كثيرة، يمكن أن تجمل في ثلاث بلايا:

    البلية الأولى: النفاق.

    والبلية الثانية: البدعة.

    والبلية الثالثة: الركون إلى الدنيا.

    وقد تقدم معنا ما يتعلق بالنفاق وما قبله، وشرعنا إخوتي الكرام في مدارسة ما يتعلق بالبدعة، وقلت: سنتدارسها ضمن ثلاث مراحل:

    المرحلة الأولى: في تعريف البدعة.

    والمرحلة الثانية: في النصوص المنفرة المحذرة من البدعة.

    والمرحلة الثالثة: في أقسام البدعة.

    ولا زلنا نتدارس المبحث الأول من هذه المباحث الثلاثة في تعريف البدعة، وقد مضى معنا تعريف البدعة فقلت: إن البدعة هي: الحدث في دين الإسلام عن طريق الزيادة أو النقصان، إذا لم تشهد لذلك نصوص الشرع الحسان، مع زعم المحدث لما أحدثه بأنه يتقرب به إلى الرحمن، فهذا هو حد البدعة ورسمها، وعند هذا الحد والتعريف والضابط تعرضت لأمر ينبغي أن نعيه دائماً لا سيما في هذا الوقت، ألا وهو انحراف كثير من الناس عن هذا التعريف السديد القويم، ففريق اشتطوا وغلوا فأدخلوا في البدعة ما ليس فيها، وفريق أيضاً قصروا وفرطوا فقالوا: لا بدعة في الدين، فابتدعوا من الشرع ما لم يأذن به رب العالمين.

    وكل من الفريقين على ضلال، ودين الله بين الغالي والجافي، ولا إفراط ولا تفريط، وكنا نناقش بعض ما زعمه بعض الناس من أنه بدعة ولا ينطبق عليه مفهوم البدعة وحدها ورسمها، وقلت مراراً: كل ما احتمله الدليل، وقال به إمام جليل فلا يجوز أن نحكم عليه بأنه بدعة في شرع اللطيف الخبير سبحانه وتعالى، وضربت لذلك أمثلة، وقلت: إن أهل الشطط في هذه الأيام وسعوا مفهوم البدعة، فما احتمله الدليل وقال به إمام جليل قالوا: إنه بدعة، بل ما صرح به الدليل، وما راق لعقلهم الهزيل قالوا: إنه بدعة، وضربت لذلك أمثلة إخوتي الكرام فيما مر.

    وتقدم معنا ما يتعلق بقراءة القرآن على القبور، وما يتعلق بتلقين الميت، وما يتعلق بالقضية الثالثة، ألا وهي أن الموتى يحسون بما يجري حولهم، ويعلمون ويشعرون بمن يزورهم، ويسمعون ما يقال حولهم وعندهم، وتعرض عليهم أعمال قراباتهم بعدهم، ويتزاورون فيما بينهم، فقد تقدم معنا تقرير هذا بأدلته، وفصلت الأدلة على ذلك، وأجملها في هذه الموعظة مختصرةً؛ فقلت: صرح نبينا عليه الصلاة والسلام بذلك كما تقدمت معنا الأحاديث، وأذن لنا بزيارة القبور، ولا يمكن أن نزور جماداً لا يعي ولا يسمع ولا يشعر ولا يحس، وقد صرح نبينا عليه الصلاة والسلام بأن الميت يعرف من زاره ويرد عليه سلامه.

    والأمر الثالث: قلت: ما شرع لنا من سلام نقوله على الأموات هذا يكون في حال مخاطبة من يعقل ويسمع ويدرك ويشعر، ويتنزه الشرع الحكيم أن نخاطب جماداً بهذه الألفاظ: ( السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين ).

    هذه القضية دلت عليها النصوص الشرعية، ووجد في هذا العصر من يقول: إن القول بأن الموتى يسمعون ويشعرون ويحسون ويعلمون بمن زارهم بدعة وتخريف، سبحان ربي العظيم!

    إخوتي الكرام! إن المؤمنين بعد موتهم في حياة برزخية، والحياة البرزخية لا يعلم كنهها وكيفيتها إلا رب البرية، فنحن نثبت ما أثبتته النصوص الشرعية، ووردت به الآثار السلفية، ونفوض العلم بالكيفية إلى رب البرية جل وعلا، فينبغي أن نقول بذلك، فهذا من باب الإيمان بالغيب، وإدخال العقل في مسائل الغيب من أشنع العيب؛ لأن هذا تطاول على الرب جل وعلا، فإذا أخبرنا من لا ينطق عن الهوى نبينا فداه أنفسنا وآباءنا وأمهاتنا وعليه صلوات وسلام ربنا إذا أخبرنا بهذه القضية وأن الأموات يسمعون ويشعرون بمن يزورهم ويردون عليه السلام فلا كلام لمتكلم بعد كلام نبينا عليه الصلاة والسلام.

    إخوتي الكرام! وهذا الأمر إذا ثبت للمؤمنين فهو ثابت عن طريق الأكمل والحياة الأفضل للنبيين بلا شك، ولنبينا الكريم عليه صلوات الله وسلامه من ذلك قسط عظيم، يتناسب بمقامه عند رب العالمين.

    وسنتدارس هنا أمرين اثنين يتعلقان بهذا المبحث:

    الأمر الأول: فيما يتعلق بأحوال أنبياء الله ورسله على نبينا وعليهم صلوات الله وسلامه في البرزخ، وفي أن ما ثبت للمؤمنين يثبت لهم عن طريق الأكمل والحياة الأفضل، ثم أختم بدفع إشكال تعلق به أهل الفهم المعكوس، وأكثروا بفهمهم المعكوس من الشغب حول ما ثبت من النصوص.

    إخوتي الكرام! أما ما يتعلق بالقضية الأولى، فإذا كان المؤمنون -كما تقدم معنا- يحسون في حياتهم البرزخية، ويشعرون بمن زارهم، ويسمعون الكلام الذي يقال عندهم، وتعرض عليهم أعمال قراباتهم بعدهم، ويتزاورون فيما بينهم فإن هذا ثابت عن طريق الأكمل والأفضل والأتم والأحسن لأنبياء الله ورسله عليهم جميعاً صلوات الله وسلامه.

    سلامة أجساد الأنبياء من التغير في القبور

    (وقد خص الله تعالى أنبياءه بخصائص كثيرة في الحياة البرزخية كما خصهم في الحياة الدنيوية).

    الخصوصية الأولى: أن أبدانهم الشريفة الطاهرة الطيبة المباركة لا تفنى، ولا يمكن لأرض أن تأكل بدن نبي، على نبينا وعلى جميع أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه.

    وأما من عداهم فالأصل أن تأكل الأرض أبدانهم، وإذا أراد الله أن يكرم ولياً من أوليائه وصالحاً من عباده بعدم تسليط الأرض على بدنه فهو على كل شيء قدير، وأما الأنبياء فالأرض لا تأكل أبدانهم باتفاق، وقد ثبت هذا عمن لا ينطق عن الهوى عن نبينا المصطفى عليه صلوات الله وسلامه.

    ففي مسند الإمام أحمد والسنن الأربع إلا سنن الترمذي ، والحديث رواه ابن حبان في صحيحه، وابن خزيمة في صحيحه، والحاكم في مستدركه، وإسناده صحيح كالشمس، وصححه شيخ الإسلام الإمام النووي ، وهكذا الإمام المنذري والإمام السيوطي وغيرهم من أئمة المسلمين الجهابذة المحدثين، ولفظ الحديث: عن أوس بن أوس قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه قبض، وفيه النفخة، وفيه الصعقة، وفيه تقوم الساعة، فأكثروا علي من الصلاة فيه؛ فإن صلاتكم معروضة علي. قالوا: وكيف تعرض عليك صلاتنا -يا رسول الله- وقد أرمت؟ -أي: بليت وتفتتت عظامك وبلي جسدك الشريف- قال: إن الله حرم على الأرض أجساد الأنبياء ).

    وقد تقدم معنا ما يتعلق بهذا الحديث من قصة وقعت في القرن السادس للهجرة مع ليث الملوك وتقيهم العبد الصالح نور الدين الشهيد محمود زنكي الذي توفي سنة تسع وستين وخمسمائة للهجرة، تقدم معنا قصة طريفة ضمن مباحث النبوة على نبينا صلوات الله وسلامه.

    خلاصتها: أنه عندما جاء بعض النصارى واستوطنوا المدينة المنورة على منورها صلوات الله وسلامه، وأظهروا الإسلام وهم يبطنون الكفران، ثم بدءوا بعد ذلك يحفرون من مكان قريب من جوار مسجد نبينا الحبيب عليه الصلاة والسلام؛ ليصلوا من تحت الأرض في سرداب إلى بدنه الطاهر المبارك عليه صلوات الله وسلامه، فظهر نبينا عليه صلوات الله وسلامه في الرؤيا لهذا الملك العادل الصالح تقي الملوك وليثهم نور الدين الشهيد وقال له: يا محمود ! أنقذني خلصني من هذين، ويشير إلى رجلين بعلامات عرفها هذا العبد الصالح، وكان أميراً في بلاد الشام، ثم نام وهو فزع لا يعلم المراد، فرأى النبي عليه الصلاة والسلام ثانيةً وهو يقول له: خلصني من هذين، ثم نام الثالثة وهو فزع ولا يعلم المراد، فرأى النبي عليه الصلاة والسلام وهو يقول: خلصني من هذين، فجمع الشيوخ في وسط الليل قبل أن يطلع الفجر، وعرض عليهم ما رآه، وقالوا: طرأ طارئ في المدينة المنورة -على منورها صلوات الله وسلامه- فينبغي أن تركب لتتحقق من الخبر، فما طلع الفجر ولا أذن الصبح حتى ركب خيله وسار الجيش معه حتى وصل إلى المدينة المنورة -على منورها صلوات الله وسلامه- وأمر بأن يحضر جميع أهل المدينة للقائه، فلم ير الصفة التي رآها في النوم في الرجلين اللذين يطلب نبينا صلى الله عليه وسلم من هذا الأمير الصالح أن يخلصه منهما، فقال: هل بقي أحد؟ قالوا: رجلان مجاوران فقيران مسكينان، قال: علي بهما، فلما دخلا أشار إلى صاحبه فقبض عليهما، ثم حقق معهما، وقد استأجرا داراً قرب مسجد نبينا عليه الصلاة والسلام، ويحفران من الداخل وينقلان التراب في الليل إلى البقيع، ليصلا إلى جسد نبينا الحبيب الشفيع عليه صلوات الله وسلامه، فضرب رقابهما وكر راجعاً إلى بلاد الشام رحمة الله ورضوانه عليه.

    إذاً: إخوتي الكرام! الأرض لا تأكل أبدانهم.

    عبادة الأنبياء في حياة البرزخ ودليل ذلك

    الخصوصية الثانية:أنهم يصلون في قبورهم، ويعبدون ربهم سبحانه وتعالى؛ لأن أعظم نعيم يتنعم به الإنسان في كل حين ذكر رب العالمين، ولذلك يعطي الله أنبياءه التلذذ بذكره في عالم البرزخ كما يعطي ذلك من شاء وأحب من عباده، وأما من دخل الجنة فيتلذذ بذكر الله بعدد أنفاسه، ( يلهمون التسبيح والتحميد كما يلهمون النفس )، فهذه أعظم لذة يتلذذ بها المتلذذون؛ ذكر الحي القيوم، أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد:28] ، فقرة العين تكون عند مناجاة رب الكونين، فكيف يحرم الله أنبياءه منها؟ عليهم جميعاً صلوات الله وسلامه.

    وقد ثبت هذا عن نبينا عليه صلوات الله وسلامه.

    ففي مسند أبي يعلى والبزار ، وقال شيخ الإسلام الإمام الهيثمي في المجمع: إسناد الحديث ثقات، والحديث رواه البيهقي في كتاب حياة الأنبياء على نبينا وعليهم جميعاً صلوات الله وسلامه، ورواه ابن عدي وابن عساكر والإمام أبو نعيم في تاريخ أصبهان، ورواه ابن منده ، وإسناد الحديث صحيح كالشمس، من رواية أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون ).

    نعم، كيف يحرمون من هذه اللذة التي يناجون بها الحي القيوم؟

    وفي حديث الإسراء الثابت في مسند أحمد وصحيح مسلم وسنن النسائي ، ورواه الإمام عبد الرزاق في مصنفه، فهو في صحيح مسلم من رواية أنس بن مالك أيضاً رضي الله عنه وأرضاه، عن نبينا عليه صلوات الله وسلامه قال: ( مررت ليلة أسري بي بموسى وهو قائم يصلي في قبره ). فأبدانهم لا تأكلها الأرض، وهم أحياء بين يدي الله جل وعلا، يصلون له، ويعبدونه، ويتلذذون بعبادته في عالم البرزخ، كما كانوا يتلذذون بعبادته في عالم الحياة الدنيا.

    قيام غير الأنبياء بالعبادة في قبورهم والأمثلة على ذلك

    إخوتي الكرام! وهذا الذي يحصل للأنبياء على نبينا وعليهم جميعاً صلوات الله وسلامه قد يكرم الله به بعض الأولياء، وبعض الأصفياء؛ إذ هو الفعال لما يشاء، وقد أكرم الله كثيراً من الصالحين في هذه الأمة بهذا، فكانوا يصلون في قبورهم، وتسمع قراءة القرآن من قبورهم إذا مر الإنسان بجوارهم.

    ثبت في كتاب الزهد للإمام المبجل أحمد بن حنبل ، والأثر رواه ابن سعد في الطبقات، وابن أبي شيبة في مصنفه، والأثر رواه أبو نعيم في الحلية أيضاً، ورواه شيخ المفسرين الإمام ابن جرير في تهذيب الآثار، والإمام الفسوي في المعرفة والتاريخ، عن التابعي الجليل تلميذ أنس بن مالك رضي الله عنهم أجمعين، ألا وهو ثابت البناني من مفاتيح الخير، ومن العلماء الربانيين، وممن يستشفى بذكرهم، وتتنور القلوب بطلعتهم، ثابت بن أسلم البناني ، توفي سنة بضع وعشرين بعد المائة من هجرة نبينا الأمين عليه الصلاة والسلام، قيل: سنة ثلاث وعشرين ومائة، وقيل: سبع وعشرين ومائة، وحديثه في الكتب الستة.

    فشيخ الإسلام ثابت بن أسلم البناني قال مرةً لـحميد الطويل : يا حميد ! أتعلم أن الله أعطى أحداً الصلاة في قبره غير الأنبياء والمرسلين؟ قال: ما أعلم، وما بلغني هذا. فقال ثابت بن أسلم : اللهم إني أسألك إن أعطيت أحداً من خلقك الصلاة في قبره أن تعطيني ذلك. وكان يدعو بذلك ويلهج به، فلما قبض رحمة الله ورضوانه عليه ودفن في البصرة ما مر أحد بجوار قبره إلا سمع قراءة القرآن من قبر هذا العبد الصالح شيخ الإسلام ثابت بن أسلم البناني .

    وهذا الأمر وقع في زمن نبينا عليه الصلاة والسلام، وعرض عليه فأقره، فاستمعوا له، فقد ثبت في سنن الترمذي ، والحديث رواه الإمام البيهقي في دلائل النبوة عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، والأثر اختلف حكم الترمذي عليه حسب اختلاف الطبعات التي بين أيدينا، ففي بعض الطبعات: حسن غريب، وفي بعضها: غريب، وفيه يحيى بن عمرو النكري وهو من رجال الترمذي فقط، وقد حكم عليه الحافظ ابن حجر بأنه ضعيف، ولكن الإمام البيهقي في دلائل النبوة بعد أن رواه وقال: انفرد به يحيى بن عمرو النكري قال: يشهد له أثر عبد الله بن مسعود ، وسأبين ما يشهد له من أثر عبد الله بن مسعود ومن غيره مما هو مرفوع إلى نبينا المحمود على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه.

    ولفظ الحديث في سنن الترمذي ودلائل النبوة للإمام البيهقي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: ضرب رجل خباءه في عهد النبي عليه الصلاة والسلام على قبر، وهو لا يدري أنه قبر، فهو في سفر، فضرب خباءه -أي خيمته- ونزل ليستريح، وإذا هذا الخباء نصب على قبر وهو لا يدري أي قبر من قبور الصحابة الذين كانوا يتوفون في بلاد المسلمين وأمصار المسلمين بين مكة والمدينة.

    يقول عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: فلما ضرب خباءه ونزل سمع قراءة قرآن من القبر، فأصغى، وإذا بقارئ يقرأ سورة الملك تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [الملك:1]، فحول خباءه، وأصغى واستمع له وهو يقرأ سورة الملك بصوت واضح مفهوم، فلما ذهب إلى المدينة المنورة على منورها صلوات الله وسلامه عرض هذا الصحابي على نبينا عليه الصلاة والسلام ما حصل له، فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: (هي المانعة، وهي المنجية، تنجيه من عذاب القبر).

    والحديث -كما قلت إخوتي الكرام- فيه يحيى بن عمرو النكري ، لكن القسم المرفوع منه ثبت ما يشهد له مرفوعاً وموقوفاً مما له حكم الرفع في آثار كثيرة صحيحة ثابتة شهيرة، منها ما ثبت في المسند والسنن الأربع، والحديث رواه ابن حبان والحاكم في مستدركه، ورواه البيهقي في شعب الإيمان، وابن الضريس في فضائل القرآن، ورواه ابن مردويه في تفسيره، وإسناد الحديث صحيح من رواية أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( إن سورةً من القرآن ثلاثون آيةً شفعت لرجل حتى غفر الله له، هي سورة الملك )، والحديث صحيح، وثبت أيضاً هذا الحديث مرفوعاً عن نبينا عليه الصلاة والسلام من رواية أخرى من رواية أنس بن مالك رضي الله عنه.

    فقد روى ذلك الإمام الطبراني في معجمه الأوسط والصغير، وإسناده صحيح كما قال شيخ الإسلام الإمام الهيثمي في المجمع، والحديث رواه الضياء المقدسي في الأحاديث الجياد المختارة، ورواه الإمام ابن مردويه في تفسيره، وهو حديث صحيح أيضاً عن أنس بن مالك رضي الله عنه وأرضاه، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( سورة من القرآن ما هي إلا ثلاثون آيةً خاصمت عن صاحبها حتى أدخله الله الجنة، هي سورة الملك ).

    فقول نبينا عليه صلوات الله وسلامه في الرواية المتقدمة: ( هي المانعة، هي المنجية، تنجيه من عذاب القبر )، هذا المعنى صحيح ثابت عن نبينا عليه صلوات الله وسلامه، وأن سورة الملك لها هذه الخصيصة العظيمة الجليلة بأن من واظب على قراءتها لا سيما كما سيأتينا في كل ليلة، وعمل بموجبها، وفهم معناها تنجيه بفضل الله جل وعلا من عذاب القبر، ويدفع عنه عذاب القبر بسببها.

    فهذان حديثان صحيحان مرفوعان إلى نبينا عليه الصلاة والسلام، يشهدان لرواية عبد الله بن عباس رضي الله عنهما المتقدمة.

    وكما قلت: روي الأثر موقوفاً كما أشار إلى ذلك شيخ الإسلام الإمام البيهقي ، فقد روي الأثر موقوفاً عن عبد الله بن مسعود في معجم الطبراني الكبير والأوسط، وسنن النسائي ، وتفسير ابن مردويه ، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: كنا نسمي سورة الملك على عهد رسول الله عليه الصلاة والسلام بالمانعة، تمنع عذاب القبر، من قرأها في ليلة فقد أكثر وأطاب، والأثر إسناده صحيح عن عبد الله بن مسعود ، وله حكم الرفع إلى نبينا عليه صلوات الله وسلامه.

    وثبت في معجم الطبراني الكبير ومستدرك الحاكم وشعب الإيمان للإمام البيهقي ، ودلائل النبوة للإمام البيهقي وهو الأثر الذي ذكره بعد أثر عبد الله بن عباس وقال: يشهد له، والأثر رواه ابن مردويه في تفسيره عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أيضاً قال: يؤتى بالرجل في قبره من قبل رجليه -أي تأتي ملائكة العذاب لتباشر تعذيبه من قبل رجليه- فتأتي سورة الملك فتقول: إليكم عنه، فليس لكم إليه سبيل، فقد كانت هاتان الرجلان تقومان عند قراءة سورة الملك عند قراءته في الليل، ثم تأتي بعد ذلك الملائكة من قبل صدر هذا الإنسان المقبور، فيقال: إليك عنه، فإنه كان يقرأ به -أي بصدره- سورة الملك، فتأتي من قبل رأسه، وهكذا من سائر جوانبه، فيقال: إليك عنه، وليس لك إليه سبيل من هذه الجهة، إنه كان يقرأ سورة الملك. قال عبد الله بن مسعود : هي المانعة تمنع عذاب القبر، من قرأها في ليلة فقد أكثر وأطاب.

    إذاً: هذه كرامة يمكن أن يكرم الله جل وعلا بها غير أنبيائه على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه، فيمكن لكثير من الصالحين أن يصلوا في قبورهم، وأن يتلذذوا بذكر ربهم جل وعلا.

    إخوتي الكرام! وبالنسبة لسورة الملك فإنه يستحب للإنسان أن يقرأها في كل ليلة، والذي أدركت عليه الشيوخ الصالحين أنهم يوصون تلاميذهم وأصحابهم بقراءتها في كل ليلة، وهذا -كما قلت- مأثور عن الصحابة الكرام، وله حكم الرفع إلى نبينا عليه الصلاة والسلام.

    وشيخ الإسلام الإمام ابن رجب الحنبلي في كتاب أهوال القبور في صفحة ثمان وستين قال: إن الله جل وعلا قد يكرم في البرزخ بعض عباده وأحبابه وأوليائه بالصلاة وقراءة القرآن، وليس هذا من باب العبادة التي يثاب عليها الإنسان، فالثواب قد انقطع لهذا الإنسان بواسطة عمله؛ لأن عمله انقطع في دار التكليف، وإنما هذه الصلاة وهذه العبادة من باب النعيم الذي يكرم الله به عباده المؤمنين، فهذا نعيم، كما أنه يجعل قبورهم روضةً من رياض الجنة يتلذذون حتى يبعثون، كذلك أيضاً يجعلهم يتنعمون بالصلاة، وبذكر الله جل وعلا حتى يلاقوا ربهم، فهذا من باب النعيم، لا من باب العبادة التي يقومون بها، ويثابون عليها كما هو الحال في الحياة الدنيا.

    وهذا -كما قلت إخوتي الكرام- يذكره شيخ الإسلام الإمام ابن رجب الحنبلي الذي توفي سنة خمس وتسعين وسبعمائة، وهو من تلاميذ شيخ الإسلام الإمام ابن قيم الجوزية عليهم جميعاً رحمات رب البرية.

    إذاً: الأنبياء على نبينا وعليهم جميعاً صلوات الله وسلامه لا تأكل الأرض أبدانهم، وهم أحياء في قبورهم يصلون ويعبدون الحي القيوم.

    1.   

    خصائص النبي صلى الله عليه وسلم في الحياة البرزخية وأدلة ذلك

    إخوتي الكرام! وقد أخبرنا نبينا عليه صلوات الله وسلامه: أن سلامنا وصلاتنا عليه تبلغانه، ويرد علينا أينما صلينا عليه وسلمنا عليه صلوات الله وسلامه، والأحاديث في ذلك صحيحة كثيرة متواترة أقتصر على ثلاثة منها:

    ثبت في المسند وسنن أبي داود بسند صحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( لا تجعلوا بيوتكم قبوراً ) أي: لا يقبر الإنسان في البيت الذي يسكن، فهذا منهي عنه، وإنما يقبر في المقبرة، ومن خصائص الأنبياء: أنهم يقبرون حيث يموتون.

    ومن معاني الحديث: لا تجعلوا بيوتكم قبوراً معطلةً من العبادة وقراءة القرآن، فأكثروا فيها من قراءة القرآن؛ لئلا يكون حالكم فيها كحال الأموات الذين انقطع عملهم، ( لا تجعلوا بيوتكم قبوراً، ولا تجعلوا قبري عيداً وصلوا علي، فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم )، وهذه الصلاة إذا بلغت نبينا خير خلق الله فهو يرد عليها ويسلم علينا عليه صلوات الله وسلامه، كما أننا إذا سلمنا على الأموات فإنهم يردون علينا السلام، فنبينا عليه صلوات الله وسلامه يسمع من باب أولى، ويرد من باب أولى.

    ثبت هذا في المسند أيضاً وسنن أبي داود ، والسنن الكبرى للإمام البيهقي ، وإسناد الحديث صحيح من رواية أبي هريرة أيضاً رضي الله عنه وأرضاه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( ما من أحد من أمتي يسلم علي إلا بلغتني صلاته، ورددت عليه ) عليه صلوات الله وسلامه، والحديث -كما قلت- إسناده صحيح.

    وروى الإمام الطبراني في معجمه الأوسط بسند لا بأس به كما قال شيخ الإسلام الإمام المنذري في الترغيب والترهيب، والحديث من رواية أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من صلى علي بلغتني صلاته، وصليت عليه، وكتب الله له عشر حسنات سوى ذلك ).

    إذاً: أيضاً هذا يصل إلى النبي عليه الصلاة والسلام، ويعرف من يسلم ويصلي عليه، ويرد عليه السلام والصلاة، على نبينا صلوات الله وسلامه.

    عرض أعمال الأمة على النبي عليه السلام بعد موته كل يوم وأدلة ذلك

    إخوتي الكرام! وهكذا تعرض أعمالنا على نبينا عليه صلوات الله وسلامه في كل يوم مرتين: في الغداة والعشي، تعرض الأمة على إمامها نبينا خير خلق الله عليه صلوات الله وسلامه، فإذا عرضت أعمال هذه الأمة على نبينا عليه صلوات الله وسلامه في عالم البرزخ ورأى منهم خيراً حمد الله، وإن رأى سوءاً وشراً استغفر الله لهم.

    إن بركة نبينا عليه صلوات الله وسلامه دائمة متصلة لا تنقطع، لا في حياته ولا بعد موته عليه صلوات الله وسلامه.

    وقد ثبت في مسند البزار عن عبد الله بن مسعود ، والحديث صححه حفاظ جهابذة منهم: الإمام الهيثمي ، وشيخ الإسلام زين الدين العراقي ، وولده ولي الدين العراقي ، والإمام السيوطي ، والإمام الزرقاني ، والإمام الزبيدي وهو حديث صحيح صحيح عن نبينا عليه صلوات الله وسلامه أنه قال: ( حياتي خير لكم، تحدثون ويحدث لكم -أي: تسألون وينزل الوحي بالجواب، وتقع لكم حوادث ومسائل وينزل الوحي ببيان حكم الله فيها- ووفاتي خير لكم، تعرض علي أعمالكم، فما رأيت من خير حمدت الله، وما رأيت من شر استغفرت الله لكم ).

    والحديث روي عن أنس أيضاً في مسند الحارث بن أبي أسامة ، ورواه ابن عدي عن أنس لكن بإسناد ضعيف، وروي عن بكر بن عبد الله المزني ، وهو من التابعين الطيبين، توفي سنة ست ومائة للهجرة، شيخ الإسلام ثقة ثبت عدل رضا، حديثه في الكتب الستة، عن بكر بن عبد الله المزني بسند صحيح على شرط الشيخين في كتاب طبقات الإمام ابن سعد ، وفي كتاب القاضي إسماعيل في فضل الصلاة على نبينا الجليل عليه صلوات الله وسلامه، فالحديث صحيح، وفيه: ( أن أعمال هذه الأمة تعرض على النبي عليه الصلاة والسلام، فإن رأى خيراً حمد الله عليه، وإن رأى سوءاً وشراً استغفر الله لأمته ).

    وقد بوب أئمتنا على هذا الحديث أبواباً لطيفةً دقيقةً ظريفةً تطير القلوب فرحاً بعناوينها.

    فهذا شيخ الإسلام الإمام الهيثمي في مجمع الزوائد يبوب على الحديث فيقول: باب: ما يحصل لأمته -أي: أمة النبي عليه الصلاة والسلام- من استغفار النبي صلى الله عليه وسلم لهم بعد موته.

    وبوب عليه في كتاب كشف الأستار عن زوائد الإمام البزار ، قال: باب: ما يحصل للأمة بسبب النبي عليه الصلاة والسلام في حياته وموته.

    وبوب عليه الإمام ابن حجر في كتاب المطالب العالية فقال: باب بركة النبي صلى الله عليه وسلم حياً وميتاً.

    إذاً: تعرض أعمالنا على نبينا عليه صلوات الله وسلامه، فإن رأى خيراً حمد الله، وإن رأى غير ذلك استغفر الله لهذه الأمة المباركة المرحومة، فهو بنا رؤوف رحيم عليه صلوات الله وسلامه.

    عرض هذه الأمة على النبي عليه السلام بعد موته كل يوم وأدلة ذلك

    إخوتي الكرام! وهذه الأمة كما تعرض أعمالها تعرض هي أيضاً على نبيها عليه صلوات الله وسلامه بالغداة والعشي، فانظر يا عبد الله! على أي حال ستعرض على رسول الله عليه الصلاة والسلام.

    روى شيخ الإسلام الإمام ابن المبارك في كتاب الزهد والرقائق من زيادات نعيم بن حماد على روايات المروزي عن شيخ الإسلام عبد الله بن المبارك رضي الله عنهم أجمعين، وانظروا الأثر في صفحة ست وأربعين من رواية نعيم في زياداته في روايات كتاب الزهد لشيخ الإسلام عبد الله بن المبارك ، عن سعيد بن المسيب وهو من أئمة التابعين رضوان الله عليهم أجمعين قال: ليس يوم إلا ويعرض على النبي صلى الله عليه وسلم أمته بالغداة والعشي ليشهد عليهم؛ لأن الله يقول: فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا * يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا [النساء:41-42].

    فلأجل أن يشهد نبينا صلى الله عليه وسلم على هذه الأمة تعرض هذه الأمة عليه في كل يوم، في أول النهار وفي آخره؛ في الغداة والعشي، تعرض مرتين على النبي عليه الصلاة والسلام، وأعمالها تعرض عليه، فما رأى من خير حمد الله عليه، وما رأى من شر استغفر الله لهذه الأمة مما وقعت فيه.

    والحديث حديث صحيح لغيره.

    وهل يعني هذا أننا نعبده؟ لا ثم لا، فالعبادة لا تكون إلا لرب النبي عليه الصلاة والسلام، ولرب الخلق أجمعين، فله الخلق والأمر، وله العبادة وحده لا شريك له سبحانه وتعالى، ونحن لا نتكلم في دين الله عن طريق آرائنا وأهوائنا، إنما أمر تكرم الله به علينا.

    وأخبرنا أننا إذا لم نلق نبينا عليه صلوات الله وسلامه فلم نحرم بركته، فلنحمد الله على ذلك، فلقد أكرم الله الصحابة الكرام برؤية النبي عليه الصلاة والسلام، واستغفار النبي لهم حياً ولا يعني هذا أن الصحابة كانوا يعبدون النبي عليه الصلاة والسلام، فنحن إذ حرمنا أحد الأمرين:

    -فلقد حرمنا الله وله الحكمة البالغة من اكتحال أعيننا برؤية خير الخلق نبينا عليه صلوات الله وسلامه- أنحرم الفائدة الثانية أيضاً؟ فلا يستغفر لنا النبي عليه الصلاة والسلام، ولا نعرض عليه في عالم البرزخ، وليس بيننا وبينه لقاء ولا اتصال، لا ثم لا، بل هو مبارك وبركة على هذه الأمة عليه صلوات الله وسلامه حياً وميتاً، وهو الذي أرسل رحمة للعالمين، فكيف تحرم أمته بركته بعد موته عليه صلوات الله وسلامه؟!

    وهذا الحديث -كما قلت- حديث صحيح، وقد وصل ببعض الناس في هذا الزمان أن قالوا: هذا حديث موضوع، ووالله إن هذا كلام غير صحيح، وما ينبغي أن يقال هذا نحو حديث نبينا الحبيب الشفيع عليه صلوات الله وسلامه، حديث يثبت بسند صحيح على شرط الشيخين مرسلاً، ويثبت عن عبد الله بن مسعود متصلاً، ويصححه جهابذة المحدثين، ويروى من طريق أنس رضي الله عنه وأرضاه بسند ضعيف، ثم يتجرأ من يتجرأ في هذا الوقت فيقول: هذا حديث موضوع.

    ينبغي للإنسان أن يتقي ربه في كلامه، فكما أنه لا يجوز للإنسان أن يكذب على النبي عليه الصلاة والسلام لا يجوز له أن يكذب كلام النبي عليه الصلاة والسلام، ولا يجوز له أن يرد كلام النبي عليه الصلاة والسلام، وأي محظور في معنى الحديث؟! وإذا كان نبينا عليه صلوات الله وسلامه يستغفر لنا بعد موته فهل يلزم من هذا أننا نعبده؟ وإذا كان يستغفر للصحابة في حال حياته -عليه وعليهم جميعاً صلوات الله وسلامه- فهل يعني هذا أن الصحابة عبدوه من دون الله جل وعلا؟ لا ثم لا، إنما هي بشارة من ربنا، ومنحة من مولانا تكرم بها علينا، وأظهر فضل نبينا عليه صلوات الله وسلامه، فلنحمد الله على هذه النعمة الجليلة.

    اللهم إنا نسألك أن تعرضنا على نبيك عليه صلوات الله وسلامه في هذه الحياة بخير صورة يا رب الأرض والسماوات، كما نسألك أن تشفعه فينا يوم الدين، وأن تجمعنا معه في جنات النعيم، إنك أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.

    إخوتي الكرام! هذا ما يتعلق بالأمر الأول في لمحة موجزة عن الحياة البرزخية التي تكون لأنبياء الله ورسله، وهم خير البرية، على نبينا وعليهم جميعاً صلوات الله وسلامه.

    1.   

    أدلة المنكرين سماع الموتى والرد عليهم من قول الجمهور

    وأما الأمر الثاني: دفع إشكال يثيره كثير من أهل اللغط والجدال في هذه الأيام، ويقدمون فهمهم المعكوس على ما صرحت به النصوص، ولا يعدمون بعد ذلك نصاً ظاهره كما يقولون: موهم، ثم بعد ذلك يتعلقون به ليقرروا قولهم، وليتهم فهموا تلك النصوص على حسب النصوص الواضحة الصريحة المحكمة! فإذا وجد في النصوص محكم ومتشابه، أي: ما يحتمل دلالةً وما يحتمل دلالتين ينبغي أن نرد المتشابه إلى المحكم إذا كنا نؤمن بالله جل وعلا، وينبغي أن نفهم النصوص على ضوء بعضها، لا أن نهمل النصوص الصريحة في الدلالة ثم نأتي لنص عام ونقول: هذا يدل على خلاف ما قلتم، وهذا النص يدل على أن الموتى لا يسمعون، وأن الموتى لا يشعرون، وأن الموتى لا يعلمون بما يجري حولهم ويدور.

    إخوتي الكرام! تعلق هؤلاء ببعض آيات القرآن، منها قول ربنا الرحمن: فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ * إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ * وَمَا أَنْتَ بِهَادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ [النمل:79-81].

    ونظير هذه الآية قول الحي القيوم في سورة الروم مع زيادة حرف واحد في الآية: فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ [الروم:52] ، في سورة النمل (إنك)، وفي سورة الروم (فإنك)، وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ * فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ * وَمَا أَنْتَ بِهَادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ [الروم:51-53].

    قال هؤلاء: هاتان آيتان تدلان على أن الموتى لا يسمعون، ولا يشعرون، ولا يحسون، ولا يدركون، ولا يعلمون، ولا يستبشرون بمن يزورهم، ولا يسمعون الكلام الذي يقع عندهم، إنما هم بمنزلة الجماد، والآيتان تدلان على ذلك.

    وكما قلت إخوتي الكرام: هذا فهم أعجمي منكوس أرادوا بعد ذلك أن يردوا به ما صرحت به الأحاديث الصحيحة والنصوص.

    هذه الآية لا تدل على أن الأموات لا يسمعون، لا ثم لا، وإيضاح هذا إخوتي الكرام! هاتان الآيتان منحصر معناهما بمعنيين اثنين لا ثالث لهما كما قرر ذلك أئمتنا الكرام في سائر كتب التفسير الحسان.

    فالمعنى الأول، وهو الذي عليه جمهور المفسرين، والقول الثاني يؤول إليه ولا تعارض بينهما كما سأبين بعد حين.

    المعنى الأول: المراد من الموتى هنا موتى القلوب، الذين لم يتنزهوا من العيوب، وغضب عليهم ولعنهم علام الغيوب.

    إذاً القول الأول: المراد من الموتى موتى القلوب لا موتى الأبدان، إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى [النمل:80] أي: من قلبه خرب عشعش الشيطان فيه، إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ * وَمَا أَنْتَ بِهَادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ [النمل:80-81].

    وهذا التفسير وهذا القول يقرره ويؤكده ويحتمه ثلاثة أمور، فانتبهوا إليها إخوتي الكرام:

    أولها: قرينة في الآية.

    ثانيها: استقراء القرآن الكريم.

    ثالثها: الغرض الذي من أجله سيقت هذه الآيات.

    تأييد رأي الجمهور القائل بسماع الموتى بقرينة أن عدم إسماع الموتى اقترن بسماع المؤمنين

    أما القرينة في الآية التي تحتم هذا المعنى وتوجبه وتمنع غيره أن الله جل وعلا في هذه الآية قابل الإسماع المنفي إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى [النمل:80] بإسماع مثبت، فقال جل وعلا: إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ [النمل:81] .

    إذاً عندنا إسماعان: أحدهما منفي والآخر مثبت، وأصحاب هذين الإسماعين متقابلان متضادان، كحال هذين الإسماعين، فهنا إثبات السماع وهنا نفي السماع، هنا إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا [النمل:81] ، وهناك إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى [النمل:80] .

    لو كان المراد من الموتى موتى الأبدان لقال الله في الإسماع المثبت: إنما تسمع من لم تمت أبدانهم، أو إنما تسمع من لم يقبروا، أو إنما تسمع من هم على قيد الحياة، فلم قال في الإسماع المثبت: إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا [النمل:81] ، ضد هذا الوصف وهم الذين لا يسمعون إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى [النمل:80]؟ فما ثبت لهذا ينفى عن هذا، فهنا مؤمنون مهتدون سمعوا، وهناك كفار لم يسمعوا.

    فإن قيل لنا: الكفار لا يسمعون؟ نقول: نعم، لا يسمعون سماع انتفاع، ولا يسمعون سماع اهتداء، كما سيأتينا تقرير هذا بآيات القرآن الكثيرة، إنما هنا أذكر فقط القرينة التي تحتم هذا المعنى، فهم لهم مجرد السماع دون ما يترتب عليه من أثر الاتباع والاهتداء، فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى [الروم:52] ، إنك لا تسمع من مات قلبه إسماعاً يترتب عليه أثره من الانتفاع والاهتداء والاتباع، إنما ينتفع بالسماع منك ويهتدي ويتبعك مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ [النمل:81]، وهذا في منتهى الجلاء والوضوح والظهور، فلو أراد الله المعنى من الموتى موتى الأبدان لقابلهم بما يقابلهم مما يضادهم فقال: إن تسمع إلا من كان حياً، إن تسمع إلا من لم يمت، إن تسمع إلا من لم يقبر، ولكن ما حدث غير ذلك، فقد قال: فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى [الروم:52] قوبل بـ: إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ [النمل:81].

    إذاً إخوتي الكرام! إسماع مثبت، وإسماع منفي، المثبت للمؤمنين، والمنفي عن الكافرين، وهذه -كما قلت- قرينة في الآية.

    تأييد رأي الجمهور بدلالة استقراء القرآن

    والدلالة الثانية: استقراء القرآن، فالقرآن عبر عن الكفار بأنهم موتى القلوب، لا يعون بها ولا يفقهون، وهذا يقرره الله جل وعلا في آيات كثيرة، ويخبر الله جل وعلا فيها عن الكفار بأنهم موتى، منها: قول الله تعالى: قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ * وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ * وَإِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقًا فِي الأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا فِي السَّمَاءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ * إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ [الأنعام:33-36].

    والآية بإجماع من يعتد به من أئمتنا الكرام أن المراد بقوله تعالى: إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ [الأنعام:36] هم المؤمنون الموحدون المهتدون، (والموتى) أي: الكفار، (يبعثهم الله) ليجازيهم على أعمالهم، فإلى ربهم إيابهم وعليه حسابهم.

    وهكذا يقول الله جل وعلا: وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ * أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأنعام:121-122].

    (أو من كان ميتاً فأحييناه) أي إماتة يراد بها إماتة البدن أو القلب؟ إماتة القلب، إماتة القلب التي إذا حصلت في الإنسان ترتب عليها غضب الرب. فمعنى الآية (أو من كان ميتاً فأحييناه) بنور العلم وهداية الإسلام (كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون).

    وهكذا قول الله جل وعلا: إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ * وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ [فاطر:18-19]، -الأعمى هو الكافر، والبصير هو المؤمن- وَلا الظُّلُمَاتُ وَلا النُّورُ [فاطر:20]، -الظلمات هي الضلالات والجهالات، والنور هو الحق والإسلام- وَلا الظِّلُّ [فاطر:21] -وهو الجنة- وَلا الْحَرُورُ [فاطر:21] -جهنم- وَمَا يَسْتَوِي الأَحْيَاءُ وَلا الأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ * إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ [فاطر:22-23].

    (وما يستوي الأحياء) وهم المؤمنون الذين حيت قلوبهم بمعرفة ربهم وعبادته جل وعلا، (وما يستوي الأحياء ولا الأموات إن الله يسمع من يشاء)، فهو الذي يهدي من يشاء ويضل من يشاء، وله الحكمة البالغة سبحانه وتعالى.

    (وما أنت بمسمع من في القبور) أي: ممن ماتت قلوبهم، وصارت هذه القلوب في قبر من أبدانهم، فهذه الأبدان صارت قبوراً لذلك الجنان، كما أن القبر في الأرض يصبح قبراً للأبدان، فكذلك هنا الأبدان قبور للجنان، ولذلك قال: (إن أنت إلا نذير) أي: أنت عليك أن تبلغ دعوة الله، فالكافر يسمع ولا ينتفع، والمؤمن يسمع وينتفع.

    إذاً فقوله: (وما أنت بمسمع من في القبور) أي: من ماتت قلوبهم وقبرت في أبدانهم كما قال القائل:

    وفي الجهل قبل الموت موت لأهله وأبدانهم قبل القبور قبور

    وأرواحهم في وحشة من جسومهم وليس لهم حتى النشور نشور

    وهكذا قول الله جل وعلا: وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ * لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا [يس:69-70] -ومن هو الحي؟ هو المؤمن الذي حيي قلبه بنور الإيمان- وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ [يس:70]، والكافرون هنا هم الذين قال الله في حقهم: فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى [الروم:52]، لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ [يس:70] ، أي: على الميتين الذين سيبعثهم رب العالمين؛ ليحاسبهم على أعمالهم.

    والآيات في ذلك كثيرة، فاستقراء القرآن -وهي الدلالة الثانية- يحتم هذا المعنى، وأن المراد من الموتى من ماتت قلوبهم، لا من ماتت أبدانهم، (إنك لا تسمع الموتى) لا تسمعه إسماع إفهام وتدبر وانتفاع واهتداء.

    تأييد رأي الجمهور بسبب نزول الآية

    وأما الدلالة الثالثة المؤيدة لهذا المعنى: فهي الغرض الذي من أجله سيقت هذه الآيات، فهذه الآيات سيقت لتسلية نبينا عليه الصلاة والسلام، فكان يحزن ويأسى لعدم إيمان الكفار به، وكان يضيق صدره ويتبع نفسه حسرات، فالله جل وعلا سلاه بهذه الآيات، وقال له: هؤلاء ماتت قلوبهم، وأمرهم إلى ربهم، وإذا لم يرد الله هدايتهم فلن تستطيع أنت ولا غيرك هدايتهم، فعلام تحزن إذاً من أجلهم؟

    إذاً: فهذا المعنى لا يتحقق إلا إذا قلنا: إن المراد من معنى الموتى هو موتى القلوب، وأما موتى الأبدان فهو ليس بمكلف بإنذارهم وتبليغهم دعوة ربهم جل وعلا، وإنما هو ينذر الأحياء، ولكن هؤلاء يسمعون ولا ينتفعون، فكان يحزن نبينا عليه صلوات الله وسلامه، فسلاه الله بهذه الآيات، كما قال الله جل وعلا: وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ * وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر:97-99].

    ومثل هذا قول رب العالمين: أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ [فاطر:8] .

    ومثل هذا قول الله جل وعلا: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ [المائدة:41] إلى آخر الآيات، وهذه الآيات كلها تسلية لخير المخلوقات نبينا عليه صلوات الله وسلامه.

    ومثل هذا قول الله جل وعلا: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ * إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ [النحل:36-37].

    وهكذا قال رب العالمين: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ [القصص:56].

    فهذه ثلاث دلالات تقرر هذا المعنى ألا وهو أن المراد بالموتى في قوله جل وعلا: إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى [النمل:80] موتى القلوب لا موتى الأبدان، والمعنى لا تسمعهم إسماعاً يترتب عليه الأثر من الاتباع والانتفاع والاهتداء.

    وهذا المعنى الأول -كما قلت- ذهب إليه جمهور المفسرين.

    قول ابن تيمية في تفسير قوله تعالى: (فإنك لا تسمع الموتى)

    والمعنى الثاني: هو الذي قرره شيخ الإسلام الإمام ابن تيمية في مجموع الفتاوى في الجزء الرابع صفحة تسع وتسعين ومائتين، وفي الجزء الرابع والعشرين صفحة ثلاثين وثلاثمائة، ومآل هذا القول إلى القول الأول، قال: إن المراد من الموتى هنا موتى الأبدان، ولكن هذا مثل ضرب لموتى القلوب، فالله يقول لنبيه المحبوب على نبينا صلوات الله وسلامه: كما أنك لا تسمع من ماتت أبدانهم وقبروا في الأرض إسماعاً يترتب عليه الأثر -فهم يسمعون، ولكن لا يستطيعون أن يؤمنوا، ولا أن ينتفعوا بهذا السماع، فلو أتيت إلى كافر وقرأت عليه القرآن، وأسمعته كلمة التوحيد لسمع، ولكن حيل بينه وبين العمل، فهو في دار انقطع فيها العمل والتكليف، فالميت يسمع، ولكنه بهذا السماع لا يهتدي، ولا ينتفع، ولا يستطيع أن يعمل- فهكذا هؤلاء الذين ماتت قلوبهم فإنهم يسمعون كما يسمع الموتى من الكافرين ولا ينتفعون، فالله جل وعلا يقول له: إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى [النمل:80] أي: حال هؤلاء الأحياء من الكفار كحال من قبر في القبر ذاك يسمع ولا ينتفع وهذا يسمع ولا ينتفع، فآل هذا المعنى إلى المعنى الأول الذي ذكرناه، وهو عدم نفي السماع عن الأموات إنما هذا تشبيه، كما أن من مات بدنه يسمع ولا ينتفع، يسمع ولا يتبع، يسمع ولا يستطيع أن يتوب؛ لأنه حيل بينه وبين العمل، فالكافر كذلك منزلته بمنزلة هذا الميت الذي مات بدنه ما له من السماع إلا السماع الذي لا يترتب عليه أي أثر.

    إذاً فإذا قلنا: إن المقصود موتى الأبدان فنقول: هذا مثل لموتى القلوب، فمآل هذا إلى ما تقدم، ولذلك إخوتي الكرام! شاع عند العرب واستفاض واستعملوه في ألسنتهم نفي الحاسة عن الإنسان إذا لم ينتفع بها، فيقولون: إنه أعمى لمن لا ينتفع بعينيه، وإنه أصم لمن لا ينتفع بأذنيه، وإنه ميت القلب لمن لا يعي ولا يفقه بقلبه ولا يتبع الهدى، فهذا مستعمل عند العرب بكثرة، ولذلك يقول قعنب بن ضمرة ، وهو من الشعراء، توفي سنة خمس وتسعين، ويقال له: ابن أم صاحب :

    صم إذا سمعوا خيراً ذكرت به وإن ذكرت بسوء عندهم أذنوا

    نفى السماع عنهم ووصفهم بالصمم، ثم قال: إذا ذكر عندهم بسوء أذنوا، أي: استمعوا، كقول الله جل وعلا: إِذَا السَّمَاءُ انشَقَّتْ * وَأَذِنَتْ [الانشقاق:1-2] -أي: سمعت- لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ [الانشقاق:2]، إذا سمعوا السوء أذنوا، وإذا سمعوا الخير صم، فوصفهم بالصمم؛ لأنهم لا يستمعون ما ينفعهم، وهذا المعنى قرره الله في آيات كثيرة فقال جل وعلا: وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ [البقرة:171]، أي: حالك مع الكفار عندما تدعوهم لاتباع شريعة العزيز القهار كحالك عندما تدعو الحمار تماماً، فالحمار لا يسمع منك إلا أصواتاً لا يعي مدلولها، وهؤلاء كذلك.

    فقوله (ينعق) أي: يصيح ويرفع صوته بِمَا لا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً [البقرة:171]، لا تسمع البهائم منك إذا ناديتها إلا أصواتاً تصيح بها، وهكذا الكفار تتلى عليهم آيات العزيز القهار فلا يعونها ولا يفقهونها، صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَعْقِلُونَ [البقرة:171] ، (صم) لا سمع عندهم، (بكم) لا كلام ولا وعي، (عمي) في أبصارهم فلا يبصرون، ثم بعد ذلك قلوبهم ميتة (لا يعقلون)، وليس المراد نفي العقل عنهم ونفي هذه الجوارح وإلا لارتفع التكليف.

    ومثل هذا قوله جل وعلا في سورة الأعراف: وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ [الأعراف:179].

    ومثل هذا قول الله جل وعلا: أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا * أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا [الفرقان:43-44].

    ومثل هذا قول الله في سورة الأحقاف بعد أن ذكر إهلاكه لقوم عاد: فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ * تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ * وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصَارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون [الأحقاف:24-26].

    ومثل هذا قول الله جل وعلا: أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ [الحج:46].

    ومثل هذا قول الله الملك في سورة الملك مخبراً عن أهل النار كيف يشهدون على أنفسهم عندما يلقون في النار بأنهم ما كانوا يعقلون ولا يسمعون: وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ * إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ * تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ * قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ * وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ * فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ [الملك:6-11].

    وهنا قول الله الجليل: إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى [النمل:80] إما أن يراد بهم -كما قلت- موتى القلوب، وإذا قلنا: إن المراد من معنى الموتى هو موتى الأبدان، فهذا مثل لموتى القلوب، وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ * فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ [الملك:10-11].

    إن الإنسان إذا لم ينتفع بقلبه ولم ينتفع بسمعه وببصره صح نفي ذلك عنه، وهو في حكم ودركة البهيمة، واعلم بأن عصبته الجهال بهائم في صورة الرجال.

    أبني إن من الرجال بهيمةً في صورة الرجل السميع المبصر

    فطن بكل مصيبة في ماله وإذا أصيب بدينه لم يشعر

    وخلاصة الكلام إخوتي الكرام! إن الموتى يحسون -كما قلت- بما يجري حولهم، ويعلمون، ويستبشرون ويفرحون بمن يزورهم، ويسمعون الكلام الذي يقال بحضرتهم، وتعرض عليهم أعمال قراباتهم بعدهم، وهم يتزاورون فيما بينهم، ونفي الله جل وعلا السماع عن الكفار في قوله: فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ * إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى [النمل:79-80]، هو نفي السماع عن الموتى، والمراد بالسماع هنا السماع الذي يترتب عليه أثره، وهو الانتفاع والاهتداء، وكما قلت: هذا قول من قولين، والمراد من الموتى هنا موتى القلوب لا موتى الأبدان، وإذا قلنا: إن المراد بالموتى موتى الأبدان فالآية لا زالت تقرر القول الأول، فهذا مثل لمن ماتت قلوبهم، فكما أن ميت البدن يسمع ولا ينتفع فميت القلب يسمع ولا ينتفع، إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ [ق:37]. أقول هذا القول وأستغفر الله.

    الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله خير خلق الله أجمعين.

    اللهم صل على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وسلم تسليماً كثيراً، وارض اللهم عن الصحابة الطيبين الصادقين المفلحين، وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم ألهمنا رشدنا، اللهم ألهمنا رشدنا، اللهم ألهمنا رشدنا، اللهم قنا شرور أنفسنا، اللهم قنا شح نفوسنا، بفضلك ورحمتك يا أرحم الراحمين.

    اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    ربنا آتنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النار، اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا، اللهم ارحمهم كما ربونا صغاراً، اللهم اغفر لمشايخنا ولمن علمنا وتعلم منا، اللهم أحسن إلى من أحسن إلينا، اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، اللهم لا تجعل للظالمين عليهم سبيلاً بفضلك ورحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، والحمد لله رب العالمين.

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسم الله الرحمن الرحيم: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص:1-4].

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755909147