إسلام ويب

مباحث النبوة - من مقاصد النكاح إنجاب الذرية [2]للشيخ : عبد الرحيم الطحان

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن النفقة على العيال أجرها كبير وفضلها عظيم، وكما كان العيال أكثر ضعفاً كان الإنفاق عليهم أكثر أجراً، فالنفقة على البنت التي لا يرجى نفعها عندما تكبر أفضل من النفقة على الولد الذي يرجى خيره ونفعه في المستقبل، وقد رتب الشارع على الإنفاق على البنات وحسن تربيتهن أجوراً عظيمة، ومن أجلها وأعظمها الأجر الأخروي المتمثل في وقاية عائلهن من النار يوم القيامة.

    1.   

    أجر النفقة على العيال

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.. أما بعد:

    فإن النفة على الأهل والعيال أجرها كبير، وفضلها عظيم، وأي رجل أعظم أجراً من رجل ينفق على أولاد له صغار يعفهم الله به، أو ينفعهم الله به، ويغنيهم به سبحانه وتعالى.

    والأحاديث في ذلك كثيرة وفيرة، منها ما ثبت في المسند ومعجم الطبراني الكبير، والحديث رواه أبو نعيم في الحلية، ورواه البيهقي في السنن الكبرى، والبخاري في التاريخ الكبير، وإسناد الحديث صحيح كما نص على ذلك شيخ الإسلام الإمام المنذري في الترغيب والترهيب في الجزء الثالث صفحة اثنتين وستين، ولفظ الحديث: من رواية المقدام بن معدي كرب قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( ما أطعمت نفسك فهو لك صدقة، وما أطعمت ولدك فهو لك صدقة، وما أطعمت زوجك فهو لك صدقة، وما أطعمت خادمك فهو لك صدقة )، تطعم نفسك، تطعم ولدك، تطعم زوجتك، تطعم خادمك، كل هذا لك صدقة، فأنت عندما تنفق على الأولاد تؤجر عند رب العباد سبحانه وتعالى، ولذلك إذا جاءتك ذرية فإنك تحصل المغانم من جميع جهاتها -من جميع جهات الذرية- إن عاشوا تنتفع، وإن ماتوا تنتفع، وإن ربيتهم تنتفع، وإن أنفقت عليهم تنتفع، أي أجر أعظم من هذا الأجر؟! هذا إذا أردت وجه الله، وسلكت على حسب شرع رسول الله عليه الصلاة والسلام، فهنيئاً لك تحصيل أجور عظيمة، مع أنه في الأصل أن أي إنسان يفعل هذا بمقتضى الطبيعة والجبلة، كما تقدم معنا في مقاصد النكاح في الأمر الأول وهو: تحصين النفس البشرية من كل آفة رديئة حسية ومعنوية، فأنت تحصن نفسك من الأخطاء، ثم لك هذه الأجور عند العزيز الغفار سبحانه وتعالى.

    أجر النفقة على البنات

    إخوتي الكرام! والأجور تتضاعف كثيراً إذا كان الولد ضعيفاً، ولا تتوقع منه منفعة كبيرة في المستقبل، وهذا يكون في صنف الإماء، إذا كان الولد أنثى وأنفقت عليه، فهل تتوقع منفعة من الأنثى؟ ولذلك تؤجر على النفقة على الأنثى أكثر مما تؤجر على النفقة على الذكر؛ فمن أجل أن يرغبنا نبينا عليه الصلاة والسلام بالإحسان إليها، والنفقة عليها، وعدم التقصير في حقها، أخبرنا أن الأجر يضاعف لنا إذا كان المولود أنثى؛ ولذلك إذا رزقت بأنثى فلا يكن حالك كحال المشركين، الذين قال الله عنهم: وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ [النحل:58]، يمتلئ غيظاً وهماً، بل احمد الله، فإنك ستحصل مغانم أكثر مما لو كان ذكراً، ولا تتضايق وتقول: الولد سوف يساعدني، وهذه لن تساعدني، والأنثى لا تخرج من البيت، ولا أنتفع منها بشيء، يا عبد الله! بالأنثى يزيد رزقك ويبارك لك في بيتك.

    روى الإمام البخاري عليه وعلى أمتنا رحمة ربنا في كتاب الأدب المفرد صفحة خمسة وعشرين: أن بعض التابعين -ولم يسم- رزق ببنات فتمنى موتهن، فسمعه عبد الله بن عمر فغضب وصاح به وقال له: أنت ترزقهن؟ يا قليل العقل! أنت ترزقهن؟ لعلك ترزق بسببهن، ويفاض عليك الرزق بسبب وجود هؤلاء البنات في بيتك، لماذا تتمنى موتهن؟! رزقك ورزقهن ورزق المخلوقات من أولهم لآخرهم على خالقهم: وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [هود:6].

    فإذا كان الولد أنثى فتؤجر عليه أجراً زائداً مما لو كان ذكراً، واستمع لتقرير هذا من كلام نبينا عليه الصلاة والسلام، ثبت في المسند والصحيحين، والحديث في سنن الترمذي والنسائي ، ورواه البيهقي في السنن الكبرى وأبو داود الطيالسي ، وهو في أعلى درجات الصحة، من رواية أمنا عائشة رضي الله عنها قالت: ( دخلت علي امرأة ومعها ابنتان تسأل )، أي: معونة ومساعدة، قالت أمنا عائشة : ( ولم يكن عندي ما أعطيها إلا تمرة )، في بيتي من أوله لآخره بحثت فما وجدت إلا تمرة واحدة، وتقدم معنا أن هذا الأمر ليس بعجيب ولا غريب في بيوت النبي عليه الصلاة والسلام، وأحياناً كان لا يوجد في بيوته التسعة ما يأكله ذو كبد ويقضون الليالي جياعاً لا يدخل جوفهم طعام، نبينا وزوجاته أمهات على نبينا وعليهن صلوات الله وسلامه، تقدم معنا تقرير هذا في خلق النبي عليه الصلاة والسلام مع أهله، فما عند أمنا عائشة إلا تمرة، فأعطتها هذه التمرة، ولا تستقلها أخي؛ لأن الله يقول: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه [الزلزلة:7]، وكم في هذه التمرة من مثاقيل الذر؟! فيها مثاقيل لا يعلمها إلا الله الجليل، وإذا كنت -أخي- تملك ألوفاً مؤلفة وتصدقت بتمرة، فهذه منقصة فيك، وأما إذا تصدقت بتمرة ولا تملك إلا التمرة فأجرها عظيم.

    فأعطتها التمرة، فأخذت هذه المسكينة التمرة فقسمتها قسمين، وأعطت كل بنت قسماً، وحرمت نفسها، فهي ما أكلت من التمرة شيئاً، أعطت نصفها لهذه البنت، ونصفها لهذه البنت، فتعجبت أمنا عائشة ، هذه المرأة فيها هذا الحنان، وهذه الرقة والرأفة والرحمة نحو بناتها بحيث تقدم البنات على نفسها، ولا يوجد أحد يقدم أحداً على نفسه إلا الأبوان، يقدمان الأولاد على أنفسهم، الأم تسهر من أجل راحتك، وكم من ليلة ما نامت من أجلك! كم لا يعلم هذا إلا الله جل وعلا، لكن إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ [إبراهيم:34]، عندما يكبر الإنسان ويمشي على الأرض يضرب الأرض برجليه، يظن أنه ولد هكذا، ما يعلم أن أمه قاست فيه في الحمل وفي الوضع وفي الرضاع وفي التربية، قاست منه ما تنوء بحمله الجبال، لكن الإنسان ظلوم كفار، كم من ليلة منعت نفسها من النوم من أجلك! وكم من لقمة أخرجتها من فيها لتضعها في فيك!

    فأمنا عائشة لما رأت هذا المشهد أكبرت هذه المرأة وأجلتها، فلما دخل النبي عليه الصلاة والسلام ذكرت له ذلك، فقال: ( يا عائشة ! من ابتلي من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن كن له ستراً من النار )، وقوله: ( من ابتلي من هذه البنات بشيء )، يعني: بقليل، ولو ببنت واحدة، ولو ما رزق إلا بنتاً، ثم أحسن إليها، ( كانت له ستراً من النار )، وإذا رزق ببنات كن له ستراً من النار، ولذلك يحصل الإنسان أجراً عظيماً إذا رزق أنثى وأحسن إليها.

    أجر تربية البنات

    لقد وردت الأجور الكثيرة في تربية البنات إذا كن ثلاث بنات أو اثنتين أو بنتاً واحدة، ففي مسند الإمام أحمد وسنن ابن ماجه ، والحديث رواه البخاري في الأدب المفرد وأبو يعلى وإسناده صحيح من رواية عقبة بن عامر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من كان له ثلاث بنات فصبر عليهن، وأطعمهن، وسقاهن، وكساهن من جدته، كن له حجاباً من النار )، قوله: (وكساهن من جدته)، يعني: من تعبه وكسبه، ( كن له حجاباً من النار )، والإنسان يحصل هذا الأجر لو كان عنده ابنتان وابنة واحدة كما سيأتينا.

    ثبت في المسند والبزار ومعجم الطبراني الأوسط ومسند أبي يعلى في كتاب الأدب المفرد للبخاري ، والحديث رواه أبو نعيم في الحلية وإسناده صحيح أيضاً من رواية جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من كان له ثلاث بنات يؤويهن، ويكفلهن، ويرحمهن، فقد وجبت له الجنة، فقال بعض الصحابة: وثنتين يا رسول الله ) يعني: إذا رزقه الله ثنتين فقط؟ فقال النبي عليه الصلاة والسلام: ( وثنتين )، أي: إذا أعطاه الله ثنتين له هذا الأجر أيضاً.

    وثبت هذا الأجر لمن رزق أيضاً بنتاً واحدة، ثبت ذلك في مستدرك الحاكم بسند صحيح أقره عليه الذهبي ، من رواية أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( من كان له ثلاث بنات فصبر على لأوائهن وضرائهن )، والمراد من اللأواء من الشدة التي يحصلها الإنسان في تربية الأنثى، ( أدخله الله الجنة لرحمته إياهن، فقال رجل: واثنتان يا رسول الله؟ قال: واثنتان؟ فقال آخر: وواحدة؟ قال: وواحدة )، فمن رزق أنثى واحدة فصبر على لأوائها وضرائها يدخله الله بها الجنة.

    إذاً: هذه أجور عظيمة يحصلها الإنسان عندما يربي الذرية، ولذلك لا يجوز للإنسان أن يزهد في هذا أو ذاك، فهذه مغانم تأتيك بسبب الأولاد، فاحمد الله عليها، لكن العباد في هذه الأيام انتكست، ورأوا أن الأولاد شؤم ليس بعده شؤم، وكانت الأنثى عند أجدادنا وسلفنا المسلمين الطيبين أماً تكرم، وريحانة تشم، وبنتاً يعطف عليها، وعرضاً يصان، كانت هكذا، فصارت في زمننا مشكلة المشاكل، وبلية البلايا، ونسأل الله أن يتولى أمورنا، وأن يصلح أحوالنا، إنه أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.

    1.   

    حسن عشرة الزوج لزوجته

    إخوتي الكرام! هذه خمس فوائد من إنجاب الذرية، أعيدها على سبيل الإجمال ثم ننتقل إلى الفائدة الثالثة من فوائد النكاح، أما فوائد إنجاب الذرية فهي: السعي في إبقاء جنس الإنسان لعبادة الرحمن؛ محافظة على إرادة ذي الجلال والإكرام، تكثير نسل أمة نبينا عليه الصلاة والسلام، الانتفاع بالولد إن عاش، تحصيل الأجر بسبب الولد إن مات صغيراً أو كبيراً، تحصيل الأجر الكبير عن طريق تربية الولد والنفقة عليه.

    أما الحكمة الثالثة من مشروعية النكاح، وهي من الحكم العامة والمقاصد البالغة للنكاح فهي: تحصيل الأجر للزوجين عن طريق حسن عشرة كل منهما لصاحبه، وعن طريق نفقة كل منهما على صاحبه، فإذا أنفق أحدهما على الآخر يؤجر، وعندما يعاشر أحدهما الآخر عشرة شرعية يؤجر، فأنت تؤجر أيضاً في معاشرة الزوجة، عشرة حسنة، معاملة كريمة طيبة تثاب عليها، نفقة تنفقها على زوجتك تثاب عليها، وهي كذلك، تعاشرك عشرة شرعية تثاب، ولو قدر أنه كان عندها مال، ووهبت لك وأعطتك وساعدتك، كما سيأتينا تقرير هذا من كلام نبينا عليه الصلاة والسلام.

    إذاً: هذا مغنم من المغانم التي يحصلها المسلم بالنكاح، إذا تزوج وعامل زوجته معاملة شرعية، كتب الله له من الأجر ما لا يخطر بباله، وعندما ينفق عليها فله كأجر من يتصدق ويجاهد، بل أكثر، ثم بعد ذلك هي إذا اتقت الله في عشرتك تؤجر إذا أنفقت عليك، فالحمد لله الذي هدانا للإسلام، وشرع لنا هذه الأمور الحسان، نفعلها ونحصل بها خيراً في العاجل والآجل.

    إخوتي الكرام! سأتكلم على حسن عشرة الزوج لزوجته، ثم نفقة الزوج على زوجته، ثم حسن عشرة الزوجة لزوجها، ثم النفقة من الزوجة على الزوج إن كان عندها مال، هذه الأمور الأربعة لابد من تقرير كل منها بشكل موجز.

    حسن عشرة الزوج لزوجته يثاب عليها، وقد تقدم معنا: أن أكمل المؤمنين أحسنهم أخلاقاً، وأن خيرهم خيرهم لنسائهم، تقدم معنا هذا في أحاديث كثيرة متعددة وفيرة، قلت: إن الحديث ثبت في المسند وسنن الترمذي وابن حبان والسنن الكبرى للبيهقي وشرح السنة للبغوي ، من رواية أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً، وخياركم خياركم لأهله )، خير هذه الأمة خيرهم لأهله، ونبينا عليه الصلاة والسلام هو خير أمته لأهله على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه، وتقدم معنا أن هذا الحديث مستفيض يقرب من درجة التواتر، فقد روى عن أمنا عائشة ، وعن عبد الله بن عباس ، وعن عبد الله بن عمرو ، وعن أبي كبشة ، وعن عبد الرحمن بن عوف ، وعن معاوية ، وعن الزبير بن العوام ، هؤلاء سبعة من الصحابة، ورواية أبي هريرة ، ثمانية من الصحابة يروون هذا المعنى: ( أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً، وخياركم خياركم لأهله ).

    إذاً: أنت عندما تعاشر أهلك عشرة شرعية فأنت تكتسب بهذه العشرة الخيرية والأفضلية على أمة نبينا عليه الصلاة والسلام، وحقيقة أولى الناس بمعروفك هم أهلك، وإذا حرمت زوجتك من حسن خلقك، فمن الذي سينال حسن خلقك؟ زوجتك التي هي ألصق الناس بك، ومع ذلك كلام فظ وغليظ وضرب وشتم، وعبوس واستكبار بالوجه، فكيف ستكون نحو الآخرين؟ ربما لو تمكنت من شرب دمائهم لشربتها، إذا كانت زوجتك التي تعاشرها تسمعها هذا الكلام الفظ والضرب وكأنك جلاد، فكيف سيكون حالك مع غيرها؟! ولذلك ( خيركم خيركم لأهله ).

    إخوتي الكرام! تقدم معنا أن حسن الخلق ليس هو كف الأذى، إنما هو نيل الأذى، أن تجد الأذى ثم تتحمل، وأما كف الأذى فكل إنسان بإمكانه أن يكف أذاه عن غيره، لكن حسن الخلق أن يتحمل أذى غيره، لو قدر أن المرأة صار منها خلل وتقصير فتصبر وتحلم وتقابل هذا بالصفح بالابتسامة، وتسيير الأمور على حسب شرع الله، ولا داعي للصياح ولا للضرب ولا غيره، وتقدم معنا في حياة نبينا عليه الصلاة والسلام ومعاشرته لأهله أنه ما رفع يده على واحدة في يوم من الأيام عليه الصلاة والسلام.

    رجل يرفع يده على امرأة، والله إنه سخافة بك، يا رجل! تظهر رجولتك على امرأة! إذا كنت شجاعاً فأعداء الله أمامك تفضل إلى الميدان، أما امرأة عندك مسكينة أسيرة في بيتك، لا يجوز أن تظهر رجولتك عليها بأن تضربها، هذه ليست رجولة هذه نذالة، ولذلك فإن الخيار لا يضربون نساءهم، إنما يضربهن من نزعت عنه الخيرية، لقد بلغني كلام عن هذا الأمر -وهو ضرب النساء- حقيقة يؤذي الأسماع، وآخرها قصة جرت هنا، امرأة تكتب لي رسالة، وقد أحضر لي الرسالة بعض محارمي، أتت تبكي، وأن زوجها طلقها ثلاثاً مع طلقات متعددة قبلها، وسبب الطلاق -يا إخوتي الكرام- أنه عندما يعاشرها وتعاشره في حال عشرة جنسية أباحها الله، تطلب منه -على تعبيرها في الرسالة- أن يرفق بها، أن يتأنى، أن لا يستعجل في قضاء شهوته، قالت: فبصق عليها وضربها وطلقها ثلاث مرات، هذا في حال الاتصال بها.. لماذا؟ أريد أن أعلم هذا شيطان أم إنسان؟! ترسل هذه الرسالة وتقول: ما الحكم؟ هي الأخرى متعجبة؛ لأن السبب في العشرة الجنسية، وزوجها سريع الإنزال، فتطلب منه أن يتمهل لتنال حظها، وهذا حقها، وهذا مقرر في أحكام العشرة، إذا كان الرجل سريع الإنزال فليقبض من أجل أن تنال المرأة حضها كما تريد أنت، فهذا أمر أباحه الله وتؤجر عليه، وهذه لما قالت له: تمهل، بصق عليها وشتمها وطلقها ثلاثاً! أهذه عشرة مسلمين إخوتي الكرام؟! هذه -كما يقال- هي أصفى ساعة بين الزوجين ومع ذلك فيها هذه المهاترات، فكيف في الساعات الأخرى؟! إذا كان في ساعة العشرة سب وطلاق! فماذا يوجد في الساعات الأخرى من العذاب، فجاءت تسأل هذا السؤال، وهل تحل له؟ فقلت: لا تحل له ولا في شريعة من الشرائع، لقد طلقها بالثلاث وانتهى الأمر.

    1.   

    النهي عن ضرب النساء وبيان ما أبيح من ذلك

    إخوتي الكرام! موضوع الضرب الذي أبيح في الأصل، ومع إباحته أخبرنا نبينا عليه الصلاة والسلام أن الخير لا يضرب، ولا يلوح بيده لزوجته، وإذا ضرب زوجته فقد خرج عن هذا الخلق العظيم، الله جل وعلا رخص وأباح ضرب الزوجة إذا نشزت على زوجها، وتكبرت عليه، وتطاولت عليه، وقصرت في حقه، لكن مع ذلك أخبرنا النبي عليه الصلاة والسلام أن هذا الحق الذي أبيح للرجال لا يفعله خير، وإذا فعله الإنسان فقد زال منه ذلك الخير، قال الله تعالى: وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا [النساء:34]، فاستمع لتقرير ما ذكرته من كلام نبينا عليه الصلاة والسلام.

    ثبت في السنن الأربعة إلا سنن الترمذي ، والحديث رواه الإمام الدارمي وابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه وصححه، وأقره عليه الذهبي ، ورواه الإمام الطبراني في معجمه الكبير والضياء المقدسي في الأحاديث الجياد المختارة والبغوي في شرح السنة والبيهقي في السنن الكبرى وابن سعد في الطبقات، والإمام الشافعي في مسنده، وانظروه في مسند الإمام الشافعي في الجزء الثاني صفحة ثمان وعشرين، والحديث رواه من كتبوا في تراجم الصحابة الكرام ممن يروون التراجم بالأسانيد، كالإمام البارودي وابن قانع عليهم جميعاً رحمة الله، كما نقل ذلك الحافظ في شرح البخاري في الجزء الأول صفحة تسعين، وإسناد الحديث صحيح، وذكره ابن عبد البر في الاستيعاب، وهو يروي أيضاً بالأسانيد، وهو أيضاً في أسد الغابة للإمام ابن الأثير الجزري ، والحديث صحيح صحيح.

    من رواية إياس بن عبد الله بن أبي الذباب ، وهو مختلف في صحبته، والراجح أنه صحابي كما حقق ذلك الإمام ابن حجر وغيره، عن إياس بن عبد الله بن أبي الذباب قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( لا تضربوا إماء الله )، وفي رواية قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( لا تضربوا النساء، فجاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقال: يا رسول الله عليه الصلاة والسلام! ذئر النساء على الرجال )، وفي رواية: ( ذئرن النساء على الرجال )، وقوله: (ذئرن) فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير رفع متحرك، ونون النسوة فاعل، والنساء بدل، وهذا كقوله تعالى: وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ [الأنبياء:3]، وقيل: إنه على لغة أكلوني البراغيث، لغة بني الحارث، وعليه فالنساء أيضاً فاعل، نون النسوة فاعل، والنساء أيضاً فاعل وليس بدلاً من نون النسوة، ويصح أن يكون فيه تقديم وتأخير، والتقدير: النساء ذئرن.

    والذي يميل إليه الجمهور هو القول بأن النساء بدل من نون النسوة، وذئر بمعنى: اجترأت ونشزت، وترفعت وتعالت قال علماء اللغة: والذائر: هو المغتاظ على النعمة المستعد للشر، فـعمر رضي الله عنه يقول: يا رسول الله عليه الصلاة والسلام! أنت عندما نهيت عن ضرب النساء، تطاولن على الرجال، وعندما تعلم أنه لا يوجد ضرب، فسوف تنطلق في الكلام، والخصومة، لا يوجد من يوقفها عند حدها، فرخص النبي عليه الصلاة والسلام في ضربهن، ثم قال: ( لقد طاف بآل محمد عليه الصلاة والسلام نساء كثيرات يشكون أزواجهن )، وورد تحديد هذه الكثرة في بعض الروايات: ( طاف بآل محمد صلى الله عليه وسلم سبعون امرأة كل واحدة تشتكي زوجها )، أي: أنه في تلك الليلة ضربت من قبل زوجها، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: ( لا تجدون أولئك من خياركم )، هؤلاء الذين ضربوا ليسوا من الخيار.

    إذاً: إخوتي الكرام! الخير لا يضرب، قال الإمام البغوي عليه رحمة الله: إن النهي عن ضرب النساء قبل نزول الآية في سورة النساء: وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا [النساء:34]، إذاً النهي قبل نزول النهي، ثم رخص النبي عليه الصلاة والسلام، فنزلت الآية تقر الترخيص، وهذا هو الحكم الثالث المستقر في هذه الشريعة المباركة المرحومة، لكن انظروا إلى هذا الترتيب: وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ [النساء:34]، إذا حصل منها خصومة، وتغير على الرجل، وترفع عليه وتكبر وعدم انقياد له، فله طرق: أولها: فَعِظُوهُنَّ، فلا داعي أن تمد اليد، بل خوفها بالله، وذكرها أن عدم إعطاء الزوج حقه معصية، وستحاسب أمام ربها، الأمر الثاني: وَاهْجُرُوهُنَّ، وليس الهجر أن تذهب إلى بيت آخر، فلا يجوز أن تهجر إلا في المضجع فقط، أما أن تفارق البيت فلا يجوز، ثم بعد ذلك إن لم ينفع ذلك وَاضْرِبُوهُنَّ فرخص لك في هذا، لكن إن فعلت زال عنك الفضل، وأنت لست بخير، ولست من خيار هذه الأمة.

    وهذا الحديث -إخوتي الكرام- ورد بمعناه أحاديث كثيرة، منها: ما رواه ابن حبان في صحيحه والبزار في مسنده من رواية عبد الله بن عباس رضي الله عنهم قال: ( استأذنوا في ضرب النساء )، يعني استأذن الرجال النبي عليه الصلاة والسلام في ضرب النساء، ( فأذن بضربهن )، رخص عليه صلوات الله وسلامه، والحديث قيل: حتماً هو مختصر، فهم قد استأذنوا لما حصل النشوز من النساء نحو الرجال، فرخص النبي عليه الصلاة والسلام في الضرب، ثم سمع النبي عليه الصلاة والسلام صوتاً عالياً من البيوت، وأنه قد حصل الضرب، وتوسع من قبل بعض الناس في هذا الأمر، فقال عليه الصلاة والسلام: ( خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي )، عليه صلوات الله وسلامه، وكما تقدم معنا أنه ما ضرب امرأة ولا لوح بيده عليه الصلاة والسلام نحوها، بل عندما أتى أبو بكر ويريد أن يضرب ابنته، فغضب النبي عليه الصلاة والسلام، وقام وحجز زوجته عن والدها من أجل أن لا يضربها، وأبو بكر لا يضرب زوجته، لكن هنا من أجل النبي عليه الصلاة والسلام يضرب ابنته، فشتان بين ضرب الولد وضرب الزوجة.

    وتقدم معنا قول عمر رضي الله عنه: ( يا رسول الله عليه الصلاة والسلام! والله لو أمرتني أن أذبح حفصة لذبحتها )، فالمسألة لا يوجد هوادة، أنت رسول الله عليه صلوات الله وسلامه تقدم على النفس فما دونها، فليس الموضوع هنا موضوع زوجة، لكن أنا من أجلك، من أجلك أضحي بالكبير والصغير، تأمرني أن أذبح حفصة ذبحتها أمامك، عليه صلوات الله وسلامه، والحديث -كما تقدم- في صحيح مسلم وغيره.

    وهنا أبو بكر رضي الله عنه لا يمد يده على زوجته، لكن هنا من أجل النبي عليه الصلاة والسلام، لما جاء وسمعها ترفع صوتها أراد أن يضربها، فقال النبي عليه الصلاة والسلام ويقول: ( ما أردنا هذا منك وما دعوناك لهذا )، قف عند حدك، ولذلك كان يغتاظ عليه الصلاة والسلام ممن يضرب النساء، ويقول: ( خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي )، وكل بني آدم خطاء، فإذا أخطأت المرأة مع زوجها إذا لم يتحملها زوجها فمن الذي سيتحملها؟! فلابد إخوتي الكرام! من وضع الأمر في موضعه.

    أسأل الله تعالى أن ينفعنا بما سمعنا، وأن يعلمنا علماً نافعاً.

    والحمد لله رب العالمين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755987665