إسلام ويب

فتاوى نور على الدرب [57]للشيخ : محمد بن صالح العثيمين

  •  التفريغ النصي الكامل
    1.   

    الجمع بين الأحاديث الموجبة للجنة والأخرى الموجبة للنار

    السؤال: قرأت في كتاب رياض الصالحين: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من قال في آخر حياته -يعني: عند موته- لا إله إلا الله دخل الجنة). و( من مات له ثلاثة أولاد أو أقل قبل البلوغ دخل الجنة، ومن كان له أربع بنات ورباهن على تربية الإسلام دخل الجنة، ومن مات له ولد في السن الصغير وقال: الحمد لله عند موته بني له بيت في الجنة ).

    وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من صام يوماً في سبيل الله أبعد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً ).

    وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( في الجنة باب يقال له: باب الريان، يدخل منه الصائمون ).

    فإذا كان ذلك من الأحاديث الصحيحة فما بال آكل الربا والزاني والقاتل والسارق والكذاب؟

    الجواب: هذا السؤال مهم وهو موضع إشكال كما ذكره الأخ، لأن ما ذكره من الأحاديث التي ترتب دخول الجنة على هذه الأعمال يعارضها أحاديث كثيرة تدل على دخول النار لمن عمل أعمالاً أخرى مع قيام صاحبها بهذه الأعمال الموجبة لدخول الجنة.

    فجوابنا على هذا وأمثاله من النصوص سواء من القرآن أو من السنة أن يقال: إن ذكر بعض الأعمال التي تكون سبباً لدخول الجنة، ما هو إلا ذكر للسبب، وكذلك ذكر بعض الأحاديث التي ذكر فيها أن بعض الأعمال سبب لدخول النار ما هو إلا ذكر للسبب فقط، ومن المعلوم أن الأحكام لا تتم إلا بتوفر أسبابها وشروطها، وانتفاء موانعها، فهذه الأعمال المذكورة هي سبب لدخول الجنة، لكن هذا السبب قد يكون له موانع، فمثلاً: ( من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة)، هذا إذا قالها على سبيل اليقين والصدق، فإذا قالها على سبيل النفاق -وهو بعيد أن يقولها على سبيل النفاق في هذه الحال- فإنها لا تنفعه، وهكذا: ( من مات له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحلم، كانوا ستراً له من النار)، هذا سبب من أسباب الوقاية من النار، لكن قد يكون هناك موانع تمنع نفوذ هذا السبب، وهي الأعمال التي تكون سبباً لدخول النار، فإن هذه الموانع وتلك الأسباب تتعارضان، ويكون الحكم لأقواهما، فالقاعدة إذاً: أن ما ذكر من الأعمال مرتباً عليه دخول الجنة ليس على إطلاقه، بل هو مقيد بالنصوص الأخرى التي تفيد أن هذا لابد له من انتفاء الموانع، فلنفرض مثلاً: أن رجلاً من الناس كافر، ومات له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث، وصبر، فهل نقول: إن هذا الكافر يدخل الجنة، ولا يدخل النار؟

    لا، كذلك أيضاً في أكل الربا، وكذلك في أكل مال اليتيم، وكذلك في قتل النفس وغيرها مما وردت فيه العقوبة بالنار، هذا أيضاً مقيد بما إذا لم يوجد أسباب أو موانع قوية تمنع من نفوذ هذا الوعيد، فإذا وجدت موانع تمنع من نفوذ هذا الوعيد فإنها تمنع منه، لأن القاعدة -كما أسلفنا- هو أن الأمور لا تتم إلا بتوفر أسبابها وشروطها وانتفاء موانعها.

    مداخلة: لو أن إنسان -مثلاً- قال: لا إله إلا الله عند موته لكنه قالها وهو بعيد عن النفاق في هذه الحال، وكان على غير سبيل الهدى في حياته الدنيا، وإنما لما أوقف في هذا الموقف تذكر أعماله المنافية للإسلام، وأراد أن يتوب، أو أن يقبل على الله عز وجل بعدما رأى الموت.

    الشيخ: هو إذا رأى الموت ولم يكن منه عمل صالح من قبل فقد قال الله عز وجل: وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ [النساء:18] ، فهذا لا ينفعه إيمانه بعد أن يشاهد الموت، لأنه صار إيماناً عن مشاهدة، لكن المقصود إذا كان الإنسان عنده إيمان، وعنده سيئات من قبل، ثم قال هذا عند موته، ولا يقولها إلا مخلصاً، فإنها تمحو السيئات التي سبقت منه.

    1.   

    حكم من جامع أهله في نهار رمضان

    السؤال أضع أمامكم مشكلتي متمنياً لكم التوفيق والسداد في وضع الحل المناسب، وللعلم أنني رغم مضي فترة سنتين ما زلت أتأسف وأتألم حزناً على ما حدث، وخلاصة ذلك: كان الوقت في شهر رمضان، وفي أحد الجمع فيه فبينما كنت نائماً جاءت زوجتي وأرادت إيقاظي وبالفعل نهضت من الفراش في ذلك اليوم الفضيل، وأمسكت بزوجتي وأرغمتها رغم محاولتها بأن الوقت رمضان صباحاً وجامعتها في ذلك اليوم، وبعد ذلك شعرت بالأسف الشديد وحزنت على ما جرى، ولم نكمل اليوم صياماً بل أفطرنا، ومن ذلك الوقت إلى هذا الحين وأنا في دوامة أريد الخلاص من ذلك، ولكني لم أجد أحداً يرشدني إلى التكفير عما حدث؛ لكي أكون مطمئناً وبعيداً عن العقاب، وللعلم البعض نصحني بصيام شهرين متتابعين، ولكن جسمي نحيل، ولا أستطيع صيام تلك المدة، لذا كتبت لكم مشكلتي، راجياً من المولى العلي القدير أن ترشدوني إلى ما هو الأفضل؟

    الجواب: نرجو أن يكون ما وقع منك مكفراً لسيئاتك حيث ندمت على ما مضى، ونرجو أن تكون عازماً على عدم العود لمثل هذا العمل المحرم، ولكن الواجب عليك كفارة: وهي عتق رقبة، والآن هذا أمر متعذر، فإن لم تجد وليس بواجد الآن، فعليك صيام شهرين متتابعين، فإن لم تستطع لا صيفاً ولا شتاءً، فأطعم ستين مسكيناً، وبذلك تكفر عن نفسك، أما بالنسبة لزوجتك، فإن كانت مكرهة لا تستطيع الخلاص منك فليس عليها كفارة، وليس عليها قضاء، لا تقضي ولا تكفر؛ لأنها مكرهة، إلا إذا أفطرت فيما بعد، كما هو ظاهر سؤالكم أنها أفطرت وأكلت وشربت، فعليها القضاء فقط من أجل أكلها وشربها.

    وأما إذا كانت موافقة على هذا الأمر وتستطيع أن تتخلص، ولكنها لم تحاول فإن عليها مثل ما عليك، يعني: كفارة، عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستين مسكيناً على الترتيب.

    مداخلة: كم يعطى المسكين؟

    الشيخ: المساكين إما أن يغديهم أو يعشيهم، وإما أن يعطي كل واحد ربع صاع، والصاع النبوي هو كيلوان وأربعون غراماً.

    1.   

    قراءة النبي صلى الله عليه وسلم وكتابته

    السؤال: أسأل عن النبي صلى الله عليه وسلم هل كان يقرأ أم كان أمياً؟

    الجواب: النبي صلى الله عليه وسلم كان أمياً، لقول الله تعالى: فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ [الأعراف:158].

    ولقوله تعالى: وَمَا كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ [العنكبوت:48].

    فهو عليه الصلاة والسلام كان أمياً لا يقرأ ولا يكتب، فلما نزل عليه القرآن صار يقرأ، ولكن هل كان يكتب؟ هذا موضع خلاف بين أهل العلم:

    فمنهم من قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن أنزل عليه الوحي صار يقرأ ويكتب، لأن الله إنما قيد انتفاء الكتابة قبل نزول القرآن، وَمَا كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ [العنكبوت:48]، وأما بعد ذلك فقد كان يكتب.

    ومن العلماء من قال: إنه لم يزل عليه الصلاة والسلام غير كاتب حتى توفاه الله.

    1.   

    مصير والد النبي صلى الله عليه وسلم

    السؤال: أسأل وأنا أعتقد بأن علي إثم في هذا السؤال، وهو أن لدينا أناساً يقولون: إن عبد الله أبا محمد صلى الله عليه وسلم هو في النار، وأناس يقولون: لا، بل هو في الجنة؛ لأنه أبو نبي، أفيدونا؟ وهل عليّ إثم في هذا السؤال، وإذا كان عليَّ إثم فهل له كفارة؟

    الجواب: أولاً: ليس عليك إثم في هذا السؤال، لكن هذا السؤال، ليس من الأسئلة التي يستحسن أن يسأل عنها؛ لأنه لا فائدة منها إطلاقاً، ولكن بعد السؤال عنها لابد من الجواب، فيقال: إن أبا النبي صلى الله عليه وسلم مات على الكفر وهو في النار، كما ثبت في الصحيح: ( أن رجلاً جاء إلى النبي عليه الصلاة والسلام فقال: يا رسول الله! أين أبي؟ قال: أبوك في النار، فلما انصرف دعاه النبي عليه الصلاة والسلام، فقال له: أبي وأبوك في النار).

    وهذا نص في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا فيكون أبو النبي صلى الله عليه وسلم كغيره من الكفار في النار.

    والأخ السائل يقول: إن بعض الناس يقولون: ليس في النار؛ لأنه أبو نبي، وهذا لا يمنع إذا كان أبا نبي أن يكون في النار، فهذا آزر أبو إبراهيم كان كافراً، وكان في النار، ولهذا لما استغفر إبراهيم لأبيه قال الله تعالى: وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ [التوبة:114].

    1.   

    حكم إقامة الفاتحة على الميت الذي لا يصلي ويشرب الخمر

    السؤال: هل يجوز إقامة الفاتحة على الميت الذي يموت على ترك الصلاة وشرب الخمر، أو على كل ميت، والحزن على الميت مدة طويلة مع لبس الثوب الأسود، فبما توجهون الناس؟

    الجواب: إذا مات الإنسان وهو لا يصلي فإنه لا يجوز أن يدعى له بالرحمة، ولا أن يهدي إليه ثواب شيء من الأعمال الصالحة، بل ولا يجوز أن يغسل ولا يكفن ولا يدفن في مقابر المسلمين، والواجب على أهله إذا مات وهو لا يصلي، أن يخرجوا به في الصحراء بعيداً عن المنازل فيحفروا لها حفرة ويدفنوه فيها، ولا يحل لأحد علم من ميته أنه لا يصلي أن يغسله أو يكفنه، ثم يقدمه إلى المسلمين يصلون عليه، لأن الله يقول: وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ [التوبة:84] ، وهذه مصيبة عمت في عصرنا هذا، فإن بعض الناس لا يصلي، ويعرف ذلك أهله، ثم يموت، ثم يقدمونه إلى المسلمين ليصلوا عليه، وهذا لا شك أنه حرام عليهم، وأنه خيانة خدعوا بها المسلمين، فكما أنه لا يجوز أن نأتي بيهودي أو نصراني لنصلي عليه، فكذلك لا يجوز أن نأتي بمرتد لأن نصلي عليه، بل حال المرتد أسوأ من حال اليهودي والنصراني، ولهذا المرتد لا يقر على دينه بل يؤمر بالإسلام، أي: بالعودة إليه وإلا قتل، والمرتد لا تحل ذبيحته، واليهودي والنصراني يقر على دينه وتحل ذبيحته، ومعنى يقر على دينه: ليس معناه أنه يقر على أنه دين صحيح، فإن اليهودية والنصرانية وغيرها من الأديان كلها نسخت بهذا الدين الإسلامي، وأصبحت ديناً لا يدان الله به، بل قال الله تعالى: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ [آل عمران:85]، لكن يقر على دينه، بمعنى: أننا لا نلزمه بالإسلام إذا كان راضخاً لأحكام الإسلام وباذلاً للجزية.

    مداخلة: ليس بمقدور العائلة ولو كانوا يعرفون أن ابنهم هذا لا يصلي أو لا يأتي بشيء من شعائر الدين، لا يستطيعون أن يرموه مثلاً في حفرة أو يذهبوا به من دون تغسيل ولا تكفين، لأن هذا يحرجهم جداً؟

    الشيخ: سبحان الله! ما الذي يمنع ما هو السبب؟ لأن الواجب على العائلة إذا كان من أبنائهم من هو بهذه الصفة، الواجب عليهم ألا يحبوه؛ لأنهم إذا أحبوه فقد أحبوا أعداء الله، لأن الكافر عدو لله، وقد قال الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ [الممتحنة:1].

    وقال تعالى: لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ [المجادلة:22].

    فالعطف أو المودة أو المحبة لمثل هذا الذي هو عدو لله هذا أمر لا يجوز، وهو ينافي الإيمان، وكيف يدعي محبة الله من يحب أعداء الله، هذا لا يمكن.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755978589