وإن مآسي أمتنا الإسلامية التي تعاني منها سواءً في كوسوفا أو كشمير أو فلسطين أو غيرها لتجعل المسلم يراجع نفسه ويسائلها عن أسباب هذه المآسي التي تقع هنا أو هناك، وما هو واجبنا كولاة وعلماء ودعاة وآمرين بالمعروف وناهين عن المنكر ورجال إعلام... نحو ما يجري لأمتنا.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، هو الأول وعليه المعول، وهو المرتجى ومنه المبتدى وإليه المنتهى، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله سيد الأولين والآخرين، وأفضل الأنبياء وأشرف المرسلين، الحبيب المصطفى، والرسول المجتبى، هادي البرية، ومعلم البشرية، ومجدد الحنيفية، ومزعزع كيان الوثنية، ومحطم شعارات الجاهلية صلى الله عليه وعلى آل بيته الأطهار، وصحابته الأبرار، وتابعيه الأخيار، صلوات تامات شاملات متعاقبات ما تعاقب الليل والنهار، وسلم تسليماً كثيراً.
الله أكبر! الله أكبر! الله أكبر! الله أكبر! الله أكبر! الله أكبر! الله أكبر! الله أكبر! الله أكبر!
الله أكبر كبيراً! والحمد لله كثيراً! وسبحان الله وبحمده بكرة وأصيلاً!
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله!
والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد!
لا إله إلا الله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد .. لا إله إلا الله الولي الحميد، سبحان من خلق الخلق وأحصاهم عدداً! سبحان من لم يتخذ صاحبة ولا ولداً!
الله أكبر عدد ما تحركت قوافل الحجاج شوقاً إلى البيت الحرام!
الله أكبر عدد ما اهتزت مشاعر الحجيج لرؤية البيت العتيق!
الله أكبر ما كبروا وأحرموا ولبوا! الله أكبر ما طافوا وسعوا وشربوا من ماء زمزم!
الله أكبر عدد ما خرجوا إلى منى ووقفوا بـعرفة ! وباتوا بـمزدلفة .. الله أكبر عدد ما غمروا وحلقوا ونحروا وكبروا وشكروا.
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله! والله أكبر الله أكبر، ولله الحمد؛ الله أكبر عدد ما ذكر الله، ذاكرٌ وكبر، الله أكبر عدد ما حمد الله حامدٌ وشكر، الله أكبر عدد ما تاب تائبٌ واستغفر.
اللهم لك الحمد كالذي نقول وخيراً مما نقول، لك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيت، ولك الحمد بعد الرضا، ولك الحمد على كل حال.
اللهم لك الحمد بكل نعمة أنعمت بها علينا في قديم أو حديث، أو خاصة أو عامة، أو سرٍ أو علانية .. لك الحمد بالإسلام، ولك الحمد بالقرآن، ولك الحمد بالإيمان، ولك الحمد بالأمن والأمان، ولك الحمد بالأهل والمال والمعافاة، بسطت رزقنا، وكبتَّ عدونا، وأظهرت أمننا، وجمعت فرقتنا، ومن كل ما سألناك ربنا أعطيتنا. فلك الحمد كثيراً كما تنعم كثيراً، ولك الشكر كثيراً كما تعطي كثيرا، فأهلٌ أنت أن تُحمد، وأهلٌ أنت أن تُعبد، وأنت على كل شيء قدير.
سبحانك ربنا وبحمدك على حلمك وعلمك! سبحانك وبحمدك على عفوك ومقدرتك! سبحانك ربنا ما أكرمك! سبحانك ربنا ما أعظمك! سبحانك ربنا ما أحلمك! سبحانك ربنا ما أعلمك! سبحانك ما عبدناك حق عبادتك! سبحانك لا نحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك!
اللهم لك الحمد على ما مننت به علينا من بلوغ هذا اليوم العظيم، وعلى ما يسرت لحجاج بيتك الحرام من الوصول إلى هذا المكان المبارك، والوقوف بـعرفة ، والمبيت بـمزدلفة ، والإفاضة إلى منى بكل يسر وأمان، وراحة واطمئنان.
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله! والله أكبر الله أكبر ولله الحمد!
أما بعـد:
عباد الله: حجاج بيت الله! أتدرون ما يومكم هذا؟
إنه يوم عيد الأضحى المبارك الذي عظم الله أمره، ورفع قدره، وسماه يوم الحج الأكبر؛ لأن الحجاج يؤدون فيه معظم مناسكهم، يرمون جمرة العقبة ويذبحون هداياهم، ويحلقون رءوسهم، ويطوفون بالبيت، ويسعون بين الصفا والمروة ، في هذا اليوم المبارك ينتظم عقد الحجيج على صعيد منى بعدما وقفوا الموقف العظيم يوم عرفة ، ورفعوا أكف الضراعة، وذرفوا دموع التوبة والإنابة، وتضرعوا إلى من بيده التوفيق والإجابة، ثم أفاضوا إلى المزدلفة ، وباتوا بها اتباعاً لسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم القائل: (خذوا عني مناسككم )
هذا اليوم المبارك -يا عباد الله- جعله الله عيداً يعود بخيره، وفضله، وبركته على المسلمين جميعاً، حجاجاً ومقيمين، في هذا اليوم يتقرب المسلمون إلى ربهم بذبح هداياهم وضحاياهم، اتباعاً لسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم، فقد نحر صلى الله عليه وسلم الهدي بيده الشريفة، في حجة الوداع ثلاثاً وستين بدنة، وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ضحى بكبشين أملحين أقرنين ذبحهما بيده وسمى وكبر ).
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله! والله أكبر الله أكبر ولله الحمد!
أيها المسلمون: لقد ورد الفضل العظيم والثواب الجزيل لمن أحيا شعيرة الأضاحي في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم حيث قال: (ما عمل ابن آدم يوم النحر عملاً أحب إلى الله من إراقة دم، وإنها لتأتي يوم القيامة بأظلافها وقرونها وأشعارها، وإن الدم ليقع من الله بمكانٍ قبل أن يقع على الأرض، وإن للمضحي بكل شعرة حسنة، وبكل صوفة حسنة، فطيبوا بها نفسا ) رواه أحمد ، والترمذي ، وابن ماجة .
أولها: بلوغ السن المعتبر شرعاً، وهو خمس سنين في الإبل، وسنتان في البقر، وسنة في المعز، ونصف سنة في الضأن.
ثانيها: أن تكون سليمة من العيوب التي تمنع الإجزاء، وقد بينها صلى الله عليه وسلم بقوله: {أربع لا تجزئ في الأضاحي: العرجاء البين ضلعها، والعوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعجفاء } وهي الهزيلة التي لا تُنقي.
خرجه الإمام أحمد وأهل السنن من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه.
ثالثها: أن تكون الأضحية في الوقت المحدد شرعاً، وهو: من طلوع الشمس من يوم العيد إلى غروب الشمس من اليوم الثالث من أيام التشريق، والأفضل في يوم العيد نهاراً، ولا بأس بالذبح ليلاً، وتجزئ الشاة الواحدة عن الرجل وأهل بيته، كما في حديث أبي أيوب رضي الله عنه.
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله! والله أكبر الله أكبر ولله الحمد!
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله! والله أكبر الله أكبر ولله الحمد!
لقد جاءت هذه الشريعة السمحة، فأشرقت على أصقاع المعمورة أنوار الإيمان، ورفرفت على أرجائها رايات العز والأمن والاطمئنان، بعد أن كانت البشرية غارقة في أوحال الشرك والوثنية، ومستنقعات الرذيلة والإباحية، وأودية البغي والظلم والجاهلية، فحمل المصطفى صلى الله عليه وسلم راية الدعوة إلى الحنيفية السمحة، فأخرج الله به الناس من الظلمات إلى النور، وكانت دعوته عليه الصلاة والسلام مرتكزة على أهم قضية على الإطلاق، وأصل القضايا باتفاق، تلكم هي قضية العقيدة وتوحيد الله جل وعلا في ربوبيته، وألوهيته، وأسمائه وصفاته، فلا إله غيره، ولا رب للناس سواه، بذلك أنزلت الكتب، وأرسلت الرسل: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:36] .. ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ [لقمان:30]
فمن الذي خلق العباد ورزقهم، وأمدهم بالأسماع والأبصار والعقول والأفكار إلا الله وحده؟ وما سواه من ملكٍ أو نبيٍ أو ولي أو بشرٍ أو حجرٍ أو شجر أو قبر أو ضريح أو سواه كائناً ما كان لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضرا، ولا يملكون موتاً ولا حياة ولا نشورا، فالعجب أن يستمرئ أناس التقرب للمخلوق الفقير الضعيف، وينسون الخالق القوي الغني: آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ [النمل:59] .. أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ [يوسف:39] سبحانه وتعالى عما يشرك به المشركون علواً كبيراً.
فوحدوا ربكم -يا عباد الله- وأثبتوا له الأسماء الحسنى والصفات العلى التي أثبتها لنفسه في كتابه، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، من غير تكييف ولا تمثيل، ومن غير تحريفٍ ولا تعطيل، ومن غير تشبيه ولا تأويل: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى:11].
احذروا إتيان السحرة والمنجمين، والكهنة والمشعوذين، وأدعياء علم الغيب والرمالين قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ [الزمر:38].
ألا ما أحوج الأمة الإسلامية وهي تمر في هذه المرحلة الدقيقة واللحظات الحاسمة من تاريخها، أن تعود إلى مصدر عزتها وقوتها وانتصارها، لا سيما وهي تواجه التحديات الخطيرة، والهجمات الشرسة من أعدائها الذين يريدون نزع هويتها الإسلامية، وسلب مقوماتها، ونهب خيراتها ومقدراتها، لتكون لقمة سائغة لهم.
فيا أمة الإسلام: هذا دينكم، وشرع ربكم، وسنة نبيكم صلى الله عليه وسلم بين أيديكم، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، فوالله وبالله وتالله لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، وإياكم والمحدثات من المناهج والأفكار والأهواء، والطرق والآراء، فإن خير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار -والعياذ بالله-
وحينما يتأمل المسلم أوضاع أمتنا الإسلامية عبر التاريخ كله، ويديم النظر في أحوالها على امتداد القرون والدهور، واختلاف الأنظار والعصور، يدرك تماماً أنه ما تمسكت الأمة بالثوابت والأصول العقدية والمنهجية والأخلاقية لها إلا حققت آمالها، ولا انحرفت عنها إلا تصدع بنيانها، واهتز كيانها، وأصبحت فريسة في أيدي أعدائها .. يحتلون ديارها، ويعبثون بخيراتها ومقدراتها، ويمزقونها كل ممزق، حتى تصير أثراً بعد عين، وتمر القرون وتمضي الأعوام والسنون على هذه الأمة وترسو سفينتها على شاطئ عالمنا المعاصر بما فيه من أخطار وتحديات ودسائس ومؤامرات وتصيب الأمة ألوانٌ من المحن، وصنوفٌ من الفتن .. ضعف ومهانة .. فرقة وخلاف .. تفرقٌ في الكلمة .. تبعثرٌ في الجهود.. اختلال في الصفوف .. تسلطٌ من الأعداء .. غزوٌ فكري وعقائدي وثقافي وأخلاقي، وصدق الله سبحانه: أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ [آل عمران:165].
وهذا يدعو كل مسلم يمثل لبنة من لبنات المجتمع الإسلامي أن يعيد النظر في حاله، ويحاسب نفسه، ويعلم أن الطريق إلى إصلاح حال الأمة هو البداية بإصلاح النفوس، وتقويمها على ضوء الكتاب والسنة، ومنهج سلف هذه الأمة.
ومن هنا يأتي دور القادة والولاة، والعلماء، والدعاة، والمفكرين، ورجال التربية والتعليم والإعلام، وحملة الأقلام، ليؤدوا رسالتهم العظيمة، في نشر الإسلام الحق، وتربية الأجيال عليه، ويقفوا سداً منيعاً في وجه كل من أراد النيل منه والإساءة إليه.
أما حقكم فالسمع والطاعة لكم بالمعروف يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ [النساء:59] ، والنصح لكم والدعاء لكم وعدم الخروج على جماعتكم، ووضع الأيدي في أيديكم، لما فيه صلاح العباد والبلاد.
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله! والله أكبر الله أكبر ولله الحمد!
هذا وإن الواجب على الناس أن يحفظوا للعلماء مكانتهم، ويعرفوا قدرهم ومنزلتهم، ويذبوا عن أعراضهم، ويحذروا من الوقيعة بهم.
حذارِ من العنف والغلظة، وغلبة الحماس والعاطفة المنافية للتحصيل العلمي، والتعقل في الأمور، وبعد النظر، وسعة الأفق في الدعوة، لا تستعجلوا النتائج وقطف الثمرات، فلستم مطالبين بذلك، تدرعوا بالصبر على ما تلاقون من الأذى الحسي والمعنوي .. ترفعوا عن الخلافات الجانبية، والإغراق في القضايا الفرعية .. ركزوا على أصول الدين وقواعده الكلية .. ابدءوا بالمهمات والكليات، ولا تختلفوا بسبب وسائل وجزئيات.
حذار أن يشتغل بعضكم ببعض، وأن تجعلوا من الخلاف فيما فيه سعة ومندوحة طريقاً للشقاق والخلاف، وإيغار الصدور بالحسد والبغضاء، والغل والشحناء: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا [آل عمران:103].
واعلموا يا دعاة الإسلام! أنكم ستجدون في طريق الدعوة ألواناً من الابتلاءات، فالصبر الصبر، والاحتساب الاحتساب، وإياكم واليأس والقنوط: أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ [العنكبوت:2].
وثقوا جميعاً -يا رعاكم الله- بنصرة دين الله، وأن العزة والكرامة لأهل الإيمان طال الزمان أو قصر فتلك سنة الله وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً [الأحزاب:62].
في الحديث الصحيح عند الإمام أحمد والحاكم بسندٍ صحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {ليبلغن هذا الدين ما بلغ الليل والنهار حتى لا يدع بيت شجرٍ ولا حجرٍ إلا دخله، بعز عزيز وذل ذليل، عزاً يعز الله به الإسلام وأهله، وذلاً يذل به الكفر وأهله }.
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله! والله أكبر الله أكبر ولله الحمد!
فيا رجال الإعلام: اتقوا الله في مسئولياتكم .. أدوا أمانة الكلمة، ولا تضيعوا مصداقية الحرف، تحروا الحقائق واحذروا التهويل والاثارة.. اجعلوا من وسائلكم قنواتٍ للدعوة والتوجيه لما فيه صلاح البلاد والعباد في المعاش والمعاد.
هذا وإن مما ينبغي أن يعمل له المسلمون بجد وإخلاص -لا سيما أهل الثراء والمال وأصحاب المسئولية ورجال
الأعمال- الإسهام بإيجاد القنوات الإعلامية الإسلامية حتى لا تقع هذه الأمة في الانهزامية والتبعية لأعدائها.
معاشر المسلمين: الغزو الفكري والأخلاقي المركَّز ضد المسلمين عبر الوسائل المختلفة مما ينبغي أن يحذره المسلمون ويتصدوا له بالتربية الصحيحة، والعناية بتقوية الإيمان في نفوس النشء وتنشئة الأجيال على ذلك، وعدم إتاحة الفرصة لوسائل الغزو الفكري والأخلاقي أن تتسلل إلى البيوت والأسر، كما ينبغي الحذر مما تبثه بعض وسائل الإعلام المغرضة عن الإسلام وأهله، ووصفهم بأبشع الأوصاف، وإلصاق التهم بهم، وإشاعة مصطلحات موهنة يريدون بذلك تشويه صورة المسلمين، فكونوا على حذر من ذلك -إخوة الإسلام- درءاً للفساد والجريمة أن تتسلل إلى المجتمعات، فتطوح بها بعيداً عن بر الأمان وشاطئ السلام.
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله! والله أكبر الله أكبر ولله الحمد!
إننا لنتساءل! أين العالم عن هذه المأساة؟ بل أين المسلمون عن الانتصار لإخوانهم ومعايشتهم لمآسيهم، ومشاطرتهم آمالهم وآلامهم؟ أين أدعياء حقوق الإنسان؟ أين المتبجحون بالإنسانية؟ لو قتل أو علج سجن أو أهين واحدٌ من أعداء الإسلام لقامت الدنيا ولم تقعد، ولاشتغلت وسائل الإعلام بالحديث حوله، والمطالبة بالإفراج عنه والانتصار له، ولكن المسلمين لا بواكي لهم، ودماؤهم أرخص الدماء مع الأسف الشديد!
هل قتل عِلْج واحدٍ جريمة لا تغتفر |
وقتل شعب مسلم مسألة فيها نظر |
حسبنا الله ونعم الوكيل .. إلى الله المشتكى! ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم! أين الحمية والغيرة؟ أين الإباء والشجاعة؟ أين الشهامة والرجولة؟ أين الإسلام والإيمان؟
إن واجب المسلمين تجاه إخوانهم المستضعفين في شتى بقاع العالم الدعاء والضراعة إلى الله، أن ينصرهم، وأن يفرج عنهم، وأن يبذل المسلمون أموالهم لا سيما الأثرياء منهم لدعمهم.
لقد قضى عليهم الوثنيون بطمس هويتهم، وتشريدهم من ديارهم، وحرمانهم من ممتلكاتهم، وعملوا فيهم قتلاً وتشريدا، وتخويفاً وتنكيلا، ونحن لا نملك إلا شجباً وتنديداً.
في الأرض المباركة ما هي أحوال الأقصى الجريح والقدس الشريف؟
هذه إسرائيل الحاقدة، تعيث في الأرض المباركة فساداً تريد الاستيطان، والتوسع لنشر مذهبها الباطل ودينها المحرف، وبناء هيكلها المزعوم، كل ذلك بتحدٍ واستفزاز لمشاعر المسلمين، وعلى حساب المسلمين وبلادهم.
إن ذلك امتدادٌ لأحلامهم في الانتشار في العالم الإسلامي، ألا شاهت وجوه الصهاينة!
أيعجز المسلمون وهم أكثر من مليار مسلم أن يقفوا أمام هذه الحفنة المجرمة، والشذرمة الآثمة، غير أننا أصبحنا كما أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم بقوله: {ولكنهم غثاء كغثاء السيل } فالله المستعان!
لا بد من رفع راية الجهاد في سبيل الله؛ لتحرير المقدسات الإسلامية، وإقامة علم الجهاد لدرء الشر وأهل الشقاق والفساد والكفر والعناد .. لا بد من رفع راية الجهاد في سبيل الله، لتحرير المقدسات الإسلامية من براثن الصهيونية الحاقدة الماكرة، ونرجو أن يكون ذلك اليوم قريباً -بإذن الله- متى ما حققنا كلمة التوحيد، ووحدنا كلمتنا عليها: وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ [الحج:40].
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله! والله أكبر الله أكبر ولله الحمد!
نسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى، أن يصلح أحوال المسلمين في كل مكان، وأن يهيئ لهم من أمرهم رشداً، وأن يتقبل من حجاج بيته الحرام حجهم، وأن يجعل حجهم مبروراً، وسعيهم مشكوراً، وذنبهم مغفوراً، إنه جواد كريم.
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله! والله أكبر الله أكبر ولله الحمد!
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله، وحبيبه وخليله، وأمينه على وحيه، وخيرته من خلقه وصفوته من رسله، أرسله الله هادياً ومبشراً ونذيرا، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه وإخوانه وأتباعه، وسلم تسليماً كثيراً.
الله أكبر الله أكبر الله أكبر .. الله أكبر الله أكبر الله أكبر .. الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله! والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.
أما بعــد:
فاتقوا الله عباد الله وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ [البقرة:281].
واعلموا أن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة، وعليكم بالجماعة؛ فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار.
حجاج بيت الله الحرام: ضيوف الرحمن! اشكروا الله على ما مَنَّ به عليكم من الإفاضة من مزدلفة إلى منى ، بكل يسرٍ وسهولة، واستفتحوا أعمالكم بـمنى برمي جمرة العقبة بسبع حصيات متعاقبات، ثم بعد الرمي ينحر المتمتع والقارن هديه، ثم يحلق أو يقصر والحلق أفضل، وإذا فعل الحاج اثنين من ثلاثة هي: الرمي والحلق والطواف حلَّ له كل شيء حرم عليه بالإحرام إلا النساء فإنها لا تحل له إلا بعد التحلل الثالث، بفعل هذه الأمور الثلاثة كلها، ومن قدم بعض هذه الأمور على بعض فلا حرج؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم: (ما سئل يوم النحر عن شيء قُدِّم ولا أُخِّر إلا قال: افعل ولا حرج ) وطواف الإفاضة ركنٌ من أركان الحج لا يتم الحج إلا به، يقول سبحانه: ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ [الحج:29] وبعد الطواف يسعى المتمتع سعياً ثانياً لحجه، وكذا المفرد والقارن إن لم يسعيا مع طواف القدوم، ثم يبيت الحجاج بـمنى ليالي أيام التشريق، ويرمون الجمرات الثلاث بعد الزوال، والرمي والمبيت بـمنى هذه الليالي واجبٌ من واجبات الحج، وإذا فعل الحاج هذه الأمور فإن أحب أن يتعجل فله ذلك، وإن تأخر فهو أفضل، يقول سبحانه: وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى [البقرة:203].
وإذا أراد الحاج الرجوع إلى أهله ومغادرة المشاعر المقدسة، وجب عليه أن يطوف للوداع لحديث ابن عباس رضي الله عنهما: (أُمِر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت ) إلا أنه خفف عن المرأة الحائض.
الله أكبرالله أكبر لا إله إلا الله! والله أكبر الله أكبر ولله الحمد!
حجاج بيت الله الحرام: التزموا السكينة والهدوء والنظام، واحذروا كل ما يكون سبباً في زعزعة الأمن، وجلب الخوف والفوضى، والانصراف عن المناسك.
تذكروا -يا عباد الله- يوم تحشرون إلى ربكم حفاةً عراةً غرلاً كما ولدتكم أمهاتكم، قد حفيت منكم الأقدام، وعريت منكم الأجساد، وشخصت الأبصار.
تذكروا -عباد الله- الموت وسكراته، والقبر وظلماته، والحشر وكرباته، واستعدوا لذلك بالتوبة النصوح، والعمل الصالح الذي يقربكم إلى الله.
كل امرئ مصبح في أهله والموت أدنى من شراك نعله |
يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ [الحاقة:18].
أمة الإسلام: الذنوب والمعاصي خطرها عظيم، وشغلها جسيم، ما حلت في ديارٍ إلا أهلكتها، ولا مجتمعات إلا دمرتها.
عباد الله: جاء دينكم بتحقيق المصالح ودرء المفاسد، والمحافظة على الضرورات الخمس (الدين، والنفس، والمال والنسب، والعقل) وتحريم الاعتداء عليها، وأحاطها بسياج منيع، من الحصانة والعناية والرعاية.
الزنا واللواط عملان شنيعان، وجرمان فظيعان، فيهما انتكاس للفطرة، ومخالفة للشرع والعقل والحكمة، وإضرارٌ بالبدن والصحة، وجلبٌ للخطر على المجتمع بأسره، ويكفي واعظاً ما أخرجته الحظيرة الشهوانية من أمراضٍ جنسيةٍ خطيرة، وما الزهري والسيلان والإيدز إلا نماذج من عقوبات الله على المرتكسين للفطرة، المنتكسين في حمأة الفساد والإباحية.
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله! والله أكبر الله أكبر ولله الحمد!
وإن على الزوجين المسلمين أن يقوم كل واحدٍ منهما بحقوقه وواجباته تجاه الآخر، فما حصلت المشكلات الأسرية، والمعضلات الاجتماعية، وارتفعت نسب الطلاق في كثيرٍ من المجتمعات إلى حدٍ ينذر بخطرٍ على الأسر والبيوتات، إلا بسبب عدم قيام كل واحد من الزوجين بما يجب عليه تجاه الآخر، وكم كان ذلك سبباً وراء انحراف الأحداث، وتشرد الأبناء، ووقوعهم فريسة في أيدي قرناء السوء.
فالواجب علينا أن نتكاتف -جميعاً- على حل مشكلاتنا الاجتماعية، وأن يكون أهل الحل والعقد وحملة الأقلام بإيلاء هذه الموضوعات نصيباً كبيراً من اهتماماتهم، ومن ذلك -يا عباد الله- قضايا الزواج، وغلاء المهور، ورد الاكتفاء، وعنوسة البنات، والتفاخر والمباهاة، والتكاليف والإسراف، والتبذير والبذخ .. وما إلى ذلك.
وإن مما يؤسف له! أن هناك خللاً في العلاقات الاجتماعية بين كثيرٍ من الأقارب نتيجة شبرٍ من الأرض، أو قليل من حطام الدنيا والعياذ بالله.
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله! والله أكبر الله أكبر ولله الحمد!
أنتم أحفاد الأبطال الفاتحين، والقادة المجاهدين .. قوموا بواجبكم واعرفوا مكانتكم وتمسكوا بدينكم، وتلاحموا مع علمائكم، واسلكوا المنهج الوسط، فلا غلو ولا جفاء، ولا إفراط ولا تفريط، حذارِ من الاسترسال في الغفلة والشهوات، والانخداع بالشبهات.
واشكروا الله عز وجل على عموم نعمه وآلائه، فدينكم الإسلامي يحقق لمعتنقيه الراحة والطمأنينة بعيداً عن القلق والاضطراب، والتوتر والاكتئاب، وصدق الله: وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ * وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ [الزخرف:36-37].
الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله! والله أكبر الله أكبر ولله الحمد!
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر