إسلام ويب

لقاء مفتوح مع الشبابللشيخ : صالح بن حميد

  •  التفريغ النصي الكامل
  • بين يدي هذا اللقاء تحدث الشيخ عن توجيهات النبي صلى الله عليه وسلم للشباب ( في حديث ابن عباس ) ونبه إلى نعمتي الصحة والفراغ.

    وفي ثنايا اللقاء يورد الشيخ بعض القضايا التي تهم الشباب والمشتغلين بالرياضة ومما تحدث عنه: كيفية التعامل مع العصاة، وكيفية النصح والتوجيه عموماً.

    1.   

    واقع الشباب واللقاء معهم

    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونؤمن به ونتوكل عليه، ونثني عليه الخير كله، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، بعثه بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، وكفى بالله شهيداً، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

    سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا.. إنك أنت السميع العليم، اللهم إنا نسألك العلم النافع والعمل الصالح والإخلاص في القول والعمل، ونعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن عين لا تدمع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعوة لا يستجاب لها، اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه: أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ [الزمر:18].

    أما بعــد:

    أيها الإخوة في الله: أحييكم بتحية الإسلام؛ فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.

    أشكر الله عز وجل على ما منَّ به من هذا اللقاء الطيب المبارك في هذه البلدة الطيبة المباركة، حيث أزورها لأول مرة، وكم كنت متشوقاً لزيارتها واللقاء بأهلها، وبخاصة أهل العلم والفضل والناشئة والشبيبة الطيبة المباركة، وأعترف بأن التقصير هو مني، وإلا فإن الإخوة هنا كانوا يحسنون الظن، وثقتهم بمحدثكم كبيرة جداً، فكانوا يصرون على الزيارة، وكنت أتمنع ليس لأني لا أرغب، ولكن لأني أخشى ألا أبلغ الثقة التي يولوني إياها حفظهم الله، منهم فضيلة الشيخ: عبد الرحمن بن غيث ، والشيخ وجيد وغيرهم كانوا يلحون كثيراً، ولا أكتمكم أن هذا كان من سنوات وليس من أشهر، وكنت عازماً على الوفاء، ولكن تأتي عوارض وشواغل وارتباطات لا أستطيع أن أنفك عنها، وكان آخرها هو ما كان موعداً محدداً قبل الحج أو قبيل فترة الحج، ولكن موسم الحج بضغطه وكثرة الحجاج كما هو معلوم، وحاجة المسجد الحرام ومكة كلها باعتبار كثرة الزوار والحجاج، ومعلوم أيضاً أن كثيراً من الجهات الرسمية تساهم في هذا، وبخاصة في جوانب التوعية للحجاج، فمن هنا كان من الصعوبة تحقيق المطلب، فتأجل إلى أن أذن الله سبحانه وتعالى بأن كتب هذا اللقاء في هذه الليلة المباركة.

    كما قلت لكم أيها الإخوة، إني أحب اللقاء بالإخوة وبخاصة بالشباب وبطلبة العلم، وقد قدر الله عز وجل لي لقاءات كثيرة في أماكن ومواطن متعددة وفي مناسبات كثيرة في داخل البلاد وخارجها، وأوضاع المسلمين تبشر بخير، وبخاصة الشباب المسلم، على الرغم مما نرى من قصور، ومما نرى من أخطاء نحب ألا نراها، ومخالفات نحب أن نرى زوالها، وهو كائن إن شاء الله بإذنه سبحانه بعد أن تتضافر الجهود، ويصدق العزم، ويتحقق الإخلاص بإذن الله عز وجل.

    أحببت أن يكون هذا اللقاء مفتوحاً، وألا يكون ذا موضوع محدد، وبخاصة أن يكون في هذا المكان أو في مثل هذا المكان، ومن جملة اللوحات التي ترونها أمامكم أنها ترحب بأن هؤلاء الجالسين ومنهم محدثكم ليسوا ضيوفاً، وإنما هم أصحاب محل وأهل بيت، وهذا حق، ومن هنا أرجو أن يبتعد لقاؤنا عن الرسميات كثيراً، وأن يكون الحديث واضحاً وصريحاً وجلياً في حدود ما نعيش من مشكلات وما نرجوه من آمال، ونرسمه لأنفسنا من أهداف على ضوء كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.

    الحديث إلى الشباب واللقاء مع الشباب حديث ممتع وشيق ومهم وضروري، وبطبيعتي أو في نظرتي العامة أنني قد يغلب عليَّ تفاؤل كثير، وأحرص على أن أنظر إلى جوانب الخير الموجودة وأن أتلمسها وأن أجعل غيري يلمسها كذلك، على رغم ما نرى من نقص ومن أشياء لا بد من إصلاحها، ولكن حينما نكون صادقين بأن نقول للمحسن: أحسنت بجانب أن نقول للمسيء: أسأت، فإن هذا يكون فيه تعادل وتوازن، ويكون فيه نظرة أقرب إلى الوسط وإلى المنهج العدل.

    واقع الشباب -حينما نقارنه بسنوات ماضية قبل عشر سنوات أو أكثر- يبشر بخير كثير، فعمار المساجد من الشباب كثيرون: مصلون وأئمة وحفظة ورجال دعوة وآمرون بالمعروف وناهون عن المنكر، ومهتمون بالكتاب الإسلامي وبالشريط الإسلامي وبالتوجيه الأسري وبالتوجيه الاجتماعي، وهذه أمور حق يجب أن نعترف بها، وحتى في أوساط المنتسبين إلى مثل هذا النادي الرياضي، على الرغم من أنني لست مهتماً بشئون الرياضة كاهتمام أصحابها وأهلها، فأنا لا أعرف كثيراً من المنتسبين إليها والممارسين لها حقيقة، ولكن يحدثني بعض المحدثين ممن يرون كثيراً من المنتسبين للأندية الرياضية والممارسين للألعاب الرياضية أن مظاهر السنة عليهم ظاهرة من إعفاء اللحى، ومن إقامة الشعائر، والحرص على الصلاة، ومظاهر الإيمان التي تعمر القلب من حيث التوجه إلى الله عز وجل، ورفع أكف الضراعة إليه سبحانه في كثير من المناسبات، وهذا أمر يجب أن نشكر الله عز وجل عليه، وأن نلمسه في شبابنا، وأن يكون مدخل حق نعرفه ونقره ونشجع عليه.

    ثم إن الأوضاع في هذه البلاد كلها تدعو إلى هذا، ولله الحمد، فالمسئولون يؤيدون هذا، ويرغبون فيه، ويدعون إليه، ولله الحمد، خلافاً لما يلمس في كثير من البلاد، ففي كثير من البلاد وبخاصة المنتسبين إلى الرياضة والأندية الرياضية غالباً تكون سيماهم البعد عن المظاهر الإسلامية، بل لعلهم يجدون تناقضاً أن يكون المنتسب إلى الرياضة مستمسكاً بالسنة ثم يمارس الرياضة، بينما عندنا ليس نشازاً بل هو الأصل والمطلوب، وهو المنظر الذي يسر كل مسلم، مهما كان توجهه وميوله، حينما يرى أي فرد وأي مسلم، سواء كان منتسباً للرياضة أو لناد أو غيره، ويراه مستقيماً على أمر الله قد ظهرت عليه مظاهر السنة.

    إذاً، هذا أمر يجب أن نلمسه وأن نتأكد منه.

    اللقاء بالشباب لقاء ممتع، كذلك أيضاً من حيث أن الإنسان إلى حد ما، فهو تتقدم به السن، فيرى شباباً صالحاً، فيتذكر أقرانه حينما كانوا في سن ملائمة، من هؤلاء الشباب أصحاب العشرين والخامسة عشرة والسابعة عشرة والثلاثين، يرى أن سيما الصلاح فيهم أكثر ظهوراً، ولله الحمد، وكما قلت: يرى نشاطهم وتوجههم الإسلامي وحرصهم على الدعوة إلى الله عز وجل، ويسر بهذا.

    1.   

    توجيه نبوي للشباب

    لا أحب أن يكون لي حديث خاص في هذه المناسبة، أي: أن أتكلم تحت عنوان معين، فإن هذا لم أرغبه لأن يكون في مثل هذا اللقاء، أحب كما قلت أن يكون هذا اللقاء مفتوحاً، لكن لا مانع أن نشير إلى بعض موضوعات أرجو أن تكون مفتاحاً لما ترغبون أن تسألوا عنه أو تودون التنبيه إلى شيء منه.

    مثلاً: في حديث ابن عباس رضي الله عنهما حينما كان خلف النبي صلى الله عليه وسلم، وهو يمشي خلف النبي صلى الله عليه وسلم، ومعلوم أن ابن عباس كان صغيراً، وتوفي النبي صلى الله عليه وسلم وهو يناهز الاحتلام أو قريباً من الاحتلام، أي أنه كان صغيراً، يقول ابن عباس : (كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم فقال لي: يا غلام أو يا غليم ).

    إذاً: هذه التوجيهات التي في هذا الحديث مخصوص بها الشباب، ومخصوص بها من كان في مثل سن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما في ذلك الوقت أو مقارباً له، فكان يقول عليه الصلاة والسلام: (يا غلام -أو يا غليم- احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام، وجفت الصحف )، وفي رواية غير الترمذي : (واعلم أن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً ).

    حينما نتأمل هذه التوجيهات النبوية التي يوجهها النبي صلى الله عليه وسلم لابن عمه ومن في مثل سنه، نرى أنها متناسبة مع الشباب ومع طموحات الشباب.

    الشباب حيوية وطموح، والشباب دائماً يتطلع ويتطلع كثيراً، لكن حينما تتقدم به السن يكون أكثر واقعية، فاقتضت سنة الله عز وجل أن الإنسان في نموه وفي مراحل نموه الأولى دائماً يكون طموحاً ومتطلعاً وذا همم عالية؛ ولهذا الشباب مقدامون، والشباب عندهم جرأة ليست عند غيرهم، وسوف أختار من التعابير الأوضح ولو لم تكن دقيقة، لكن حتى يفهم ما المقصود، قد نقول: (تهور) على معنى أنه ليست عنده خبرة الشيوخ وخبرة من تقدم في السن، وهذا تقتضيه سنة الله عز وجل مما في الشباب من حيوية.

    حفظ الله

    إذاً: لو تأملنا هذا التوجيهات النبوية للشباب نجد أنها ترشد هذه الطموحات وهذه التوجهات: { احفظ الله يحفظك } احفظه في قوتك؛ فإنها بمنتهاها، احفظه في سمعك، احفظه في بصرك، احفظه في سائر قواك، احفظه في توجهاتك، احفظه في أهدافك يحفظك، ولهذا أغلب الانحراف لا يكون في الشيوخ، بل يكون في الشباب، والاستقامة حينما تكون في الشباب تكون أثبت وأقوى وأصدق، ولهذا كان من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: شاب نشأ في طاعة الله، ولهذا حين يمتدح من يمتدح من الناس يقال: لم تكن له في شبابه صبوة، أي: لم يكن له ميل.

    بينما إذا تقدم الإنسان في السن يستكثر منه ما قد لا يكون غريباً في الشباب، ولهذا كان من الثلاثة الذين لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: أشيمط زان.

    إذاً من أهم ما يجب أن يتنبه له الشباب: احفظ الله يحفظك.

    ولهذا مما أثر عن السلف في هذا الباب: أن شيخاً جاوز الستين من عمره، ورئي وهو يبدي قوة ونشاطاً، ويكاد يتحرك كحركة الشباب في وثبه وفي قفزه، فقيل له: كيف تفعل ذلك وأنت في هذا السن؟ قال: هذه قوى حفظناها في الصغر، فحفظها الله علينا في الكبر.

    إذاً: الشاب مطالب أن يحفظ الله عز وجل ليحفظه، يحفظ الله في أوامره فيأتمر بها، ويحفظه في نواهيه فينتهي عنها، يحفظه في قواه، في سمعه، في بصره.

    { احفظ الله تجده تجاهك } أي: تجده أمامك يحفظك ويكلؤك.

    ولهذا في حديث آخر: {ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها }.

    إذاً تجده أمامك يحفظك ويرعاك.

    سؤال الله والاستعانة به

    ثم قال: {وإذا سألت فاسأل الله } أحياناً طموحات الشباب تجعل الشاب يتعلق بالآخرين، ويجعل الغاية مبرراً للوسيلة، وأحياناً قد يشذ من أجل أن يحقق رغباته، فحينما تأتيه مغريات مادية يتعلق بها، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: {وإذا سألت فاسأل الله } حتى يكون تعلق الشاب بربه، وهذا لا يعني أنه يلغي الأسباب، والأسباب معلوم حكمها في الشريعة، أنه يأخذ بالأسباب، أسباب الكسب، أسباب طلب العلم، أسباب الإصلاح، أسباب التوجيه، ولكن يعلم أن كل ذلك مآله ونتيجته عند الله عز وجل وبإذنه: {وإذا سألت فاسأل الله }.

    { وإذا استعنت فاستعن بالله } فلا تكن طموحات الشباب وقوته وتوجهه سبيلاً لأن يجعل الغاية تبرر الوسيلة، وإنما عليه أن يستعين بالله عز وجل وأن يكون صادقاً في توحيده وفي إيمانه وفي عقيدته، فإنه { إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله } تأكيداً للتوحيد وصلاح العقيدة، والاعتماد على الله وحده في جميع أمور الدنيا والآخرة.

    النفع والضر بيد الله

    ثم قال: { واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك }.

    إذاً! خذ بالأسباب ولا تكترث بما وراء ذلك، النتائج بيد الله عز وجل، وما دام أنك سائر على المنهج، فلا يضرك من خالف، ولا يضرك من يريد إعاقتك؛ فإنهم لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، إنما السير والأخذ بالأسباب مطلوب، ولا بد منه، فالله عز وجل وضع سنناً في هذه الدنيا، ودلنا عليها، وأمرنا بالأخذ بها، فإذا ما اجتهدنا وأخذنا بالأسباب، فحينئذٍ لا يضرنا من خالف ولا ينفعنا من وافق، ما دام أننا على النهج الصحيح.

    هذه بعض التوجيهات النبوية للشبيبة والناشئة.

    1.   

    نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس

    توجيهات عامة أخرى تشمل الشباب وغيرهم، ولكن الشباب يجب أن يكونوا بها أكثر اهتماماً وأكثر عناية، منها قوله صلى الله عليه وسلم: (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ ).

    أما الصحة فشأنها عجيب!

    ومن حكمة الله عز وجل أنه لا يكاد يعرف أهمية الصحة ولا سرها إلا حينما يفقدها الإنسان، ثم يندم ولات ساعة الندم، وأظهر مظاهر الصحة تكون في الشباب، قوةً وحيويةً وحياةً ومنتهى القوة، ولهذا أحب من المدرسين والآباء والمربين أن يلمسوا الشباب هذه المسألة، لا يكاد الشاب يدركها ما دام في قوته وطاقته، لكن حينما تتقدم السن، وتبدأ آلام الظهر والركب، ويبدأ السكر والضغط، وتبدأ المشاكل والأولاد؛ حينئذٍ يدرك أن الصحة في الشباب، فالصحة هي أكثر تمثلاً في الشباب.

    وكذلك الفراغ، كنا فكل من تتقدم به السن حينما كان في أيام الشباب كان يقول: حينما أبلغ المرحلة الفلانية سوف أعمل وأعمل، فتجد الصغير يقول: حينما أتزوج، والمتزوج يقول: حينما يكون كذا وكذا، حتى المتقاعد هو يتقاعد يقول: سوف أعمل كذا وكذا.. بينما معلوم أن لك الساعة التي أنت فيها، وليس أثمن بعد توفيق الله عز وجل والتوفيق للإيمان الصالح من أوقات الشباب، هي الفراغ وهي الطاقة المكتملة، والطاقة العقلية، والطاقة البصرية، والفكرية، والاستجماع الفكري.

    على أن الإنسان مسئول عن هذا كله، فإنك مسئول عن عمرك فيم أفنيته، ومسئول عن الساعة والدقيقة والثانية، فمظهر الصحة أكثر ما يتمثل في الشباب، ولهذا أرجو من إخوتي الشباب أن يبتعدوا عن التسويف، وحتى أكون واقعياً أطلب: من أبنائي الشباب أن يكونوا واقعيين وألا يكونوا مسوفين؛ لأن هذه الفترة تنقضي، استغل وقتك، ثم لا يدري الإنسان هل يبلغ مبلغ الشيوخ أم لا يبلغ، والأعمار بيد الله عز وجل، فالذي أوصي به استغلال الصحة والحفاظ على الوقت.

    الفراغ عند الشباب

    الشباب من أكثر الأصناف البشرية والطبقات البشرية فراغاً، ولهذا يقول عمر رضي الله عنه: [[تعلموا قبل أن تسودوا ]]. فأنت حينما تبلغ مبلغ الرجال سوف تتزوج، وإذا تزوجت تأتي مشاغل الأهل ثم الأولاد، ثم التقدم في السن، ثم تأتي أمراض الشيخوخة، وتبدأ آلام الظهر كما ذكرنا، وهو أنواع وألوان وأصناف، وتجد أنك غرقت، وقد يكون لك عمل يكبر وترتبط المسئوليات وتتعدد، وتتعلق حوائج الناس بك، فتزداد أعمالك وهمومك، ولا تجد فرصة -كما يقولون- لتحك فيها رأسك..!

    فإذاً، لا تعولوا على المستقبل من أجل أن تنجزوا فيه، إنما استغلوا الوقت الذي أنتم فيه.

    أمور تستغل بها الأوقات

    ومن خير ما يستغل به الوقت:

    أولاً: عبادة الله عز وجل، والعبادة أنواعها كثيرة وأصنافها كثيرة، أهمها الواجبات الشرعية وأداء الفرائض، ولعلَّ من الأسرار التي تدل على أهمية الوقت أن الفرائض الشرعية مؤقتة بأوقات، لكل فرض وقته لا يتعداه، وإذا أخرجه المكلف عن وقته أصبح آثماً إذا كان من غير عذر.

    إذاً هذا يدل على أن شريعتنا تحاسبنا على أوقاتنا، تهتم بالأوقات، وجعلت لكل وقت عبادته الخاصة.

    إذاً: المحافظة على الفرائض من الصلوات الخمس في جماعة المسلمين، والفرائض الأخرى من بر الوالدين وصلة الأرحام والصيام والحج حسب الشروط الشرعية والزكاة، إن كنت من أهل الزكاة.. وهكذا.

    ثم أيضاً البعد عن جميع المحرمات، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: {وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم، وما نهيتكم عن شيء فانتهوا } فالمنهيات لا بد أن تترك بالكلية وليس فيها ما استطعتم، إنما يجب اجتنابها بالكلية.

    ومن أثمن ما يصرف فيه الوقت: الاشتغال بطلب العلم النافع، وأنفع العلوم علوم الشريعة، ففيها عبادة، وفيها نفع ذاتي شخصي ونفع للناس، ثم العلوم الأخرى التي تحتاجها الأمة؛ فإن أهل العلم ذكروا أنها فرض كفاية؛ كالطب والهندسة والزراعة والتجارة وأمثالها مما تحتاجه الأمة، حيث معرفة فروع هذا العلم ومقاصد هذا العلم بما تقوم به حياة الأمة، وبما تستقل به الأمة حق استقلالها، وحينما يكون المنتسب إلى هذه العلوم مسلماً صادقاً صالحاً خالصاً مخلصاً، فحينئذٍ يكون للأمة استقلالها الحقيقي، أما حينما يكون تابعاً، أو بتعبير أحق وأحط: حينما يكون ذنباً يردد ويقول ما يقوله أعداء الإسلام، فحينئذٍ يكون ضرره أكبر من نفعه، وإنما المسلم الحق هو الذي يأخذ من هذه العلوم ما وافق الشريعة منها، ويكون صادقاً في التعلم وفي نفع المسلمين.

    ومما يحفظ به الوقت كذلك وتحفظ به الصحة أيضاً والفراغ: الأعمال النافعة كالتجارة والزراعة وصنوف المكاسب والأعمال، وهي كثيرة في المجتمع، يقوم بها المسلم أولاً لينفع نفسه ثم ليقوت من تحته، وينفق على من تلزمه نفقته، ثم ينفع المسلمين، ومعلوم أن كل هذه الأمور إذا صدقت فيها النية، فهي عبادة وداخلة في مفهوم العبادة، حتى أن الصحابة سألوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: {يا رسول الله! أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر؟ } فالعلم النافع والكسب الحلال والعمل المشروع... هذا كله عبادة إذا صلحت فيه النية وصدق صاحبها، وسلك في طلبها الوسائل المشروعة.

    اللهو المباح

    لا مانع كذلك من اللهو المباح والترفيه البريء، وإن كانت لفظة الترفيه قد لا تكون دقيقة ومقبولة في المصطلحات الشرعية؛ لأن الرفاهية والترفيه قد لا يكون محموداً، إنما اللعب المباح واللهو المباح على حد قوله صلى الله عليه وسلم: {كل لهو يلهو به الرجل فهو باطل إلا -واستثنى ثلاثة أمور منها- ملاعبة الزوجة، وركوب الفرس، وكذلك الرمي }.

    وهناك وجوه من اللهو المباح، منها مثلاً: المسابقة، والمصارعة بين الرجال، والمسابقة سواء مع إخوانك وزملائك أو حتى مع أهلك؛ فقد سابق النبي صلى الله عليه وسلم عائشة مرتين، سبقته في الأولى وسبقها في الثانية، وصارع النبي صلى الله عليه وسلم ركانة وكان شديداً، فصرعه النبي صلى الله عليه وسلم، وسابق النبي صلى الله عليه وسلم بناقته العضباء فسُبقت، فشق ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم ألا يختلفوا وقال: {إن حقاً على الله ألا يرفع شيئاً إلا وضعه }.

    فكان يسابق بنفسه عليه الصلاة والسلام، ويسابق أيضاً بإبله.

    وفي المناسبات كالأعياد ونحوها يرخص في اللهو المباح كما رخص النبي صلى الله عليه وسلم للحبشان، حيث كانوا يلعبون في العيد وأراد عمر أن ينهرهم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: {دعهم، لتعلم يهود أن في ديننا فسحة } أو كما قال صلى الله عليه وسلم، بل أذن لـعائشة أن تنظر إليهم من وراء خدرها.

    فهذه أمور على حسب ما جاءت به الشريعة، وعلى حسب ما هو مبسوط في كتب الأحكام، فهذا كله من اللهو المباح، لكن في حدود ألا يطغى على المقاصد الأصلية، وألا يكون غاية، ولا مانع أيضاً من الألعاب المستحدثة، ما دامت لا تتعارض مع الشريعة، لكن تكون في حدود ما رسمته الشريعة من اللهو المباح، وهذا لا يكون غاية، ولا يجوز أن تتخذ غايات، ولهذا حينما أذن النبي صلى الله عليه وسلم بالرمي قال: {ارموا بني إسماعيل؛ فإن أباكم كان رامياً } وقال: {علموا أولادكم الرمي وركوب الخيل } لكنه قال في مقام آخر: {ألا إن القوة الرمي } إذاً، المقصود من الرمي هو الاستعداد للحاجة إليه حينما قرأ قوله تعالى: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ [الأنفال:60] قال: {ألا إن القوة الرمي } إذاً هو وسيلة لغاية إسلامية شريفة.

    ومن الشيء الذي يتلهى به، وهو مباح: الصيد، والصيد فيه متعة ورياضة، وفيه كسب مشروع عليكم، فهو مباح في حدود ما أباحته الشريعة، سواءٌ كان بآلة كنبل أو رمح أو حتى ببندقية من الأشياء المستحدثة أو عن طريق الجوارح كالكلاب والصقور ونحوها، فهذا أيضاً مباح كما هو معلوم.

    فهذه أمور يمكن أن تكون وسيلة لتغطية الفراغ في حدود ما رسمته الشريعة، واستغلالاً للقوى وللصحة، ويبدأ بالأهم فالمهم فما دون ذلك، كما قلنا في أداء العبادات الإسلامية: الفروض العينية ثم الفروض الكفائية ثم الأكثر نفعاً كطلب العلم ونحوه، ويغطي كل ذلك ويشمله الدعوة إلى الله عز وجل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهذا باب واسع وباب فسيح، منه ما يكون فرض عين، ومنه ما يكون فرض كفاية، ومنه ما يكون دون ذلك، ففروض الأعيان حينما تغير منكراً في بيتك، وحينما تأمر بالمعروف في بيتك، فأنت المسئول الأول، ولا تنتظر أن يأتي غيرك ليأمرك وينهاهم أو يأمر أهلك وينهاك، والدعوة إلى الله عز وجل باب مفتوح، ووسائلها كثيرة منها: الدعوة باللسان، الدعوة بالقلم، الدعوة بالفعل وبالقدوة الحسنة، وهذا هو أهمها، وهناك وسائل كثيرة.

    كل ذلك مما يشغل به الفراغ، ومما تستغل فيه قوة البدن وقوة الفكر والصحة العامة، ولا أحب أن أطيل، لأنني أحب أن يكون الحديث مفتوحاً، ولكن هذه أمور أحببت إثارتها من أجل أن نستجمع ما نريد أن نقول، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا جميعاً لما يحبه ويرضاه، وأن يبصرنا بأمور ديننا؛ هو ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم على خير الخلق نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

    1.   

    الأسئلة

    .

    حكم كشف الفخذ أثناء المباريات

    السؤال: يلاحظ أثناء المباريات أن اللاعبين لا يسترون عوراتهم كاملة، فيبدو جزء من الفخذ، فما توجيهكم في ذلك؟ جزاكم الله خيراً!

    الجواب: لا شك أنه إذا ظهر مثل هذا فلا بد من التنبيه عليه، ثم أولاً كل إنسان مسئول عن نفسه بخاصة باعتبار أن غالب المسئول عنهم هم مكلفون من حيث التزامهم بأوامر الشريعة، وستر العورة معلوم أنه مطلوب، وإن كان هناك من قد يبدي الخلاف المعروف في ستر الفخذ، وهل يلزم ستره أم لا، وفي ذلك نصوص يستدل بها كل فريق، ومنها ظهور فخذ النبي صلى الله عليه وسلم حينما كان جالساً ومعه أبو بكر وعمر ، فلما دخل عثمان ستر فخذه، وسألته عائشة عن السبب فقال: {ألا أستحي ممن تستحي منه الملائكة؟ }.

    ومما يدل على النهي عن كشف العورة قول النبي صلى الله عليه وسلم لـعلي : {يا علي ! لا تكشف فخذك } أو كما جاء، فلا شك أن المطلوب من الإخوة هؤلاء الالتزام بهذا الأمر، والحرص على الاستمساك بهدي الشريعة، أما خلاف العلماء فهو في أغلب المسائل، ولكن يأخذ الإنسان جانب الورع في دينه، وبخاصة أنه ليس ثمة حاجة ضرورية في هذا الأمر، كما لو كان الكشف لطبيب أو نحو ذلك، فالأمر هو كما أوضحت.

    حكم فضح العاصي وستره

    السؤال: علمت أن فلاناً من الشباب قد ارتكب جرماً عظيماً وإثماً كبيراً، فنصحته ووجهته، وقد يكون نال شيئاً من عذاب الدنيا كشيء من العقوبة أنزلها الله، فهل من الواجب علينا فضحه عند الناس؟

    الجواب: لا شك أن الإنسان قد يقع في ذنب أو في موبقة من الموبقات ويستره الله عز وجل، والنبي صلى الله عليه وسلم في مثل هذه الحالة قال: {من أصاب شيئاً من هذه القاذورات فليستتر بستر الله، فإنه من يُبْدِ لنا منكم صفحته نقم عليه الحد } فالأصل في مثل هذا أن يستر الإنسان على صاحبه حتى ولو رآه على منكر.

    لا شك أنك تنكر عليه وتنصحه، لكنك تستر عليه؛ بمعنى ألا تتحدث عن فعله، وألا ترفع بأمره إلى المسئولين، ما دام الأمر في هذه الحدود.

    أما إذا كان شره مستطيراً، أو كان ضرره يتجاوز إلى غيره، أو تخشى أن يؤثر على الناس، أو أنه تكرر هذا منه كثيراً، على الرغم من النصائح المتوالية والتوجيهات ثم خشي منه، وكان من المصلحة تنبيه أولياء الأمور والرفع إليهم، فنعم. وإلا فالأصل هو الستر، ولهذا ينبغي أن تستر على أصحاب المعاصي، ولو رأيته تنصحه.

    ولهذا رأى سعيد بن المسيب رجلاً يجر آخر كان مخموراً أو نحو ذلك قال: هلا سترته بثوبك! أو لو سترته بثوبك كان خيراً لك.

    وقال النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك لأخي ماعز عندما أتى به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: {هلا سترته بثوبك؟ }.

    فالأصل يا إخواني هو الستر على هؤلاء؛ لأن الستر غالباً يكون طريقاً إلى الرجوع والتوبة؛ لأن الفضيحة أحياناً قد تورث عناداً، وتورث استكباراً، وقد تورث غلظة في الطبع وغلظة في قبول النصائح.

    ثم الستر أيضاً حتى لا تفشو المعاصي والمنكرات في الناس؛ لأنه إذا تحدث الناس بها، ولم تقع العقوبة، هان وقعها في النفوس، لكن إذا بقيت مستورة بقيت كبيرة، ولا يحب الناس الحديث بها، لكن حينما يفشو الحديث فيها، ويتناقلها الناس، يخف ارتكابها، ولهذا كان على الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا وزر كبير وعذاب أليم في الدنيا والآخرة؛ كما قال الله عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النور:19].

    ولهذا كان من أعظم الذنوب أن يقع الإنسان في الذنب، فيستر الله عليه، ثم يذهب فيكشف ستر الله عليه ويتحدث، ويقع في هذا أحياناً بعض من سترهم الله عز وجل ثم عادوا من سفر المعصية ليتحدثوا إلى أترابهم وأقرانهم، وهذا لا يجوز بأي حال، وقد أثم في سفره وأثم بعد عودته! وهذا من إشاعة الفاحشة في الذين آمنوا.

    ومثل ذلك أيضاً: بعض وسائل الإعلام التي لها في هذا باع ليس بقصير، فإن هذا من إشاعة الفاحشة وهذا لا يجوز، ولهذا إذا أشيعت خف وقعها على الناس، وخف الإحساس بها، وكما يقال: إذا كثر الإمساس قلَّ الإحساس.

    ولهذا إذا رأيت عاصياً فينبغي لك أن تستر عليه، لكن لا يعني ذلك أنك لا تنصحه، ولا يعني أنك لا تتابعه فيما بعد في إصلاحه واستصلاحه، لكن يكون ذلك سراً بينك وبينه، لا أنك حينما تستر عليه، إذا بك تتحدث عنه إلى إخوانك أو إلى أهلك، ثم لا يمر أسبوع أو أسبوعين إلا وقد ظهر الخطأ، فهذا لا ينبغي ولا يجوز.

    الأسلوب الأمثل في النصح والتوجيه

    السؤال: يرى بعض المربين والمهتمين في أمور الشباب والطلاب نفوراً وإعراضاً عن قبول النصح والتوجيه خصوصاً في سن المراهقة، فما هو الأسلوب الأفضل الذي ترونه في الطريقة الجدية والمؤثرة حتى تكون النتيجة طيبة ومثمرة؟

    الجواب: أولاً: يجب أن يعلم الناصح والمعلم والمبلغ ورجل الدعوة أن مهمته هي البلاغ، أما التوفيق فبيد الله، لست مسئولاً عن هداية الناس، لا تفترض أنك إذا قلت لفلان أو نصحت فلاناً أنه غداً يصبح من الأولياء، وتراه في المحراب، فهذه ليست مهمتك، وهذا إلى الله عز وجل، فإذا كان أنبياء الله عز وجل ومنهم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم قال له الله عز وجل: إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ [الشورى:48].

    وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن يوم القيامة أن من الأنبياء من يأتي يوم القيامة وليس معه أحد، وهو نبي مؤيد بالمعجزات ومعصوم من الله عز وجل فيما يبلغه عن الله، ومع هذا فالتوفيق بيد الله، ولهذا لا تفترض إذا دعوت أنه سيستجاب لك، أو أنك إذا نصحت أن ينكف الناس عما نهيتهم عنه، فالمطلوب هو إشاعة المعروف والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أما الامتثال فبيد الله.

    ثم أيضاً: إذا رأيت هذا الإعراض من الناس، فلعلك تبدأ بمحاسبة نفسك قبل أن تحاسب الآخرين، قد يكون عندك استكبار، قد يكون عندك استعلاء، قد يكون عندك احتقار لصاحب المنكر، أي: أنك أعجبت بنفسك أنك من الصالحين، وأنك من الذين عصمهم الله ووقاهم، إذا دخل في نفسك شيء من الإعجاب أو العجب، وكذلك رأيت نوعاً من الاستعلاء أو نوعاً من التحقير لهذا الواقع في المعصية، فهذا يؤثر كثيراً على العمل وعلى النتيجة، إنما حقك أن ترى الناس كأنهم في نار، وأنت تنقذ إنقاذاً بشفقة كما يفعل الأب مع أولاده والأم مع أولادها، لا أن تنظر إلى الناس باستعلاء ومقت، وكما في الحديث الذي يقول: {والله لا يغفر الله لفلان -قالها حينما رأى رجلاً على معصية مرة أو مرتين أو ثلاثاً فقال: والله لا يغفر الله لفلان- قال الله: من ذا الذي يتألى عليَّ! قد غفرت له وأحبطت عملك }.

    فمحاسبة النفس في هذا الباب مهمة جداً، فالمهم أن تعلم أن مهمتك هي البلاغ والتوجيه، وإذا استدعى الأمر عقوبة أو زجراً، إن كنت من أهلها، كما لو كان ولدك مثلاً، ويؤثر فيه الأدب، أو كان من إخوانك، أو ممن لك عليهم يد، وترى أن القوة تنفع فيهم، فهذا شيء آخر، وهذا يختلف باختلاف أساليب التوجيه والنصح وإنكار المنكر.

    وإن كان ضرره مستفحلاً، واحتاج الأمر إلى الرفع به إلى الجهات المسئولة، فهذا أيضاً بابه معروف، هذا من ناحية.

    والأمر الثاني: الرفق في المناصحة، ولا بد من الرفق وعدم العنف، وألا تشعر الواقع في المعصية أنك اكتشفته، وأنك قد تحايلت عليه، وأنك أتيت بما لم تأت به الأوائل، فهذا وقعه شديد؛ لأن الإنسان إذا وقع في معصية شعر بشيء من تأنيب الضمير، ويخجل إذا اكتشفته، فينبغي أن تشعره بأن الأمر ليس بهذه الصورة التي يشعر بها، فإذا صاحب ذلك عنف منك حصل انفجار.

    ثم أيضاً الحالة المسئول عنها وهي حالة المراهق، المراهق غالباً إدراكه غير سوي، وفكره غير ناضج كما هو معلوم، عنده عنف وعناد وطموح، وعنده عدم استجابة وتطلعات واحتقار، وغالباً المراهق يحتقر غيره حتى ينضج؛ ولهذا تلاحظون فرقاً بين من عمره ما بين الرابعة عشرة إلى الثانية والعشرين أو ما حول ذلك، وبين من هو في الخامسة والثلاثين والثلاثين تجده ناضجاً، ويحسن الجواب والسؤال والتعامل مع الآخرين، بينما ذلك قد يكون عنده شيء من الجفاء أو الجفوة أو نوع من العنف.

    فإذاً ينبغي أن تنظر في كل حالة على حسب واقعها أو طبيعتها أو نوع الخطأ الذي ارتكبه، قد تكون الأخطاء متفاوتة، منها ما هو كبيرة من كبائر الذنوب، ومنها ما هو دون ذلك، فلكل حالة معالجتها.

    وأيضاً يختلف حسب علاقتك بالشخص، إذا كان من أقاربك أو من معارفك، غالباً يكون هو أكثر خجلاً، ولهذا ينبغي أن تكون رفيقاً جداً، وإذا كان بعيداً أو واحداً من المسلمين الذين صلتك بهم ضعيفة أو لا تكاد تعرفهم، ووجدته على منكر أو على خطأ، فالمعالجة تختلف.

    فينبغي ملاحظة هذا، ثم أيضاً ذكر المحاسن وفتح باب آمال التوبة وفتح باب آمال أن الإنسان يخطئ، ولهذا يقول العلماء: من وقع فحاول أن تنقذه باللين، ومن لم يقع فادرأه، والدرء أحياناً قد يكون فعلاً بعنف، أي: عندما تشعر أن أحداً يريد أن يرتكب ذنباً فلتكن عنيفاً معه، فقد ينفع العنف، لكن من وقع فلا ينفع العنف، وقد يكون الرفق أكثر تأثيراً.

    إلقاء المحاضرات في النوادي والملاعب

    السؤال: بعض الإخوان يقولون: كيف تحاضرون في النادي المعد للعب، نرجو إيضاح ذلك وتوضيح هذا الإشكال؟

    الجواب: لعلَّ فيما ألمحت فيه من كلام حول طبيعة منتسبي الأندية في بلادنا، وكذلك منتسبي الرياضة في بلادنا يختلفون كثيراً عمَّن في غير بلادنا، أولاً السمة العامة ولله الحمد هي الاستمساك بهذا الدين، ومظاهر الصلاح كثيرة ولله الحمد، ومظاهر اتباع السنة كذلك، والأبواب مفتوحة للصالحين أيضاً، بينما قد يكون في غير هذه البلاد يوشك أن يكون هناك تعارض بين الصلاح وبين الدخول إلى النادي.

    وأوضح برهان من البراهين الواضحة: اللوحات التي أمامكم؛ فكلها قال الله وقال رسوله، وهذا خير كثير، لا تجده في كثير من بلاد العالم، لا تجد هذا أبداً ولا من يتحدث بالإسلام، ولا من يفكر أنه يتحدث وهو منتسب للرياضة أو منتسب لنادٍ أو منتسب إلى كثير من المؤسسات الرسمية وغير الرسمية، فمظاهر الخير يجب أن نلمسها، ويجب أن يلمسها الآخرون، ويجب أن نحمد الله عز وجل على وجودها، ونحمد القائمين على فعلها، والأخطاء لا بد أيضاً أن نسعى في درئها والبعد عنها وإبعاد شبابنا عنها.

    على سبيل المثال: من مظاهر الخير الموجودة مثلاً أنك في الطرق العامة -حينما تحين الصلاة- تجد كثيراً من أصحاب السيارات يقفون ويصلون، لم يوقفهم أحد، لم توقفهم شرطة، ولا هيئة، ولا غيرها، فهذا خير كثير، فلا تجد أبداً في أي بلد شباباً أو شيباً أو أسراً وعوائل يقفون ويصلون.

    تجد حتى اللوحات التي فيها تذكير بالله وذكر لله وتسبيح وتحميد، فهذا خير كثير، لوحات تذكرك بالله تقول: اذكر الله، صلِّ على رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذه قضايا لا تكادون تجدونها في غير هذه البلاد.

    فمشاركة أبنائنا في نواديهم ومنتدياتهم وأن نكون معهم ونرى ما يعملون خير من أن نتركهم يذهبون لا ندري إلى أين يذهبون، ولا ندري أيضاً ماذا يعملون، وماذا يقال لهم لو تركناهم لغيرنا.

    الصحوة الإسلامية

    السؤال: ألا ترى يا فضيلة الشيخ أن الصحوة الإسلامية أعطيت أكبر من حجمها، وأنه قد يكون لأعداء الإسلام يدٌ في ذلك لتغطية كثيرٍ من الفساد وحتى يكتفي المسلمون بهذا الصحوة؟

    الجواب: أما أنها أعطيت أكبر من حجمها فلا أظن ذلك، وهي من مظاهر الخير والصلاح، والمقياس هو كتاب الله وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم؛ من حيث الاستقامة في السلوك من اتباع الأوامر واجتناب النواهي وإقامة الصلوات والمحافظة على السنن، والاجتهاد في أمر الدعوة، وإصلاح الناس وإصلاح الناشئة والشبيبة.

    لماذا ينكر تفاني الشباب في الدعوة؟ كيف صلاح البيوت والبنات؟

    الأب تجده هو الذي على المنكر، والابن والبنت يبكون على ما عليه أبوهم، وهذا كثير وظاهر.

    كيف يقال: إنها أعطيت أكبر من حجمها؟!

    ترى فيهم صلاحاً ظاهراً، استقامة، التزام النساء بالحجاب، وبعض الصور لم نرها حتى في آبائنا وأمهاتنا من حيث تغطية الأيدي والأرجل بالقفاز المعروف والجوارب، هذا كله خير كثير، وإن كانت تغطى في السابق، لكن ليس على هذا النحو.

    وأنا وإن كنت لا أحب الحديث عن نفسي، وأكره ذلك وأمقته، ولكن اضطررت لذكر شيء من باب التدليل على هذا الأمر، تصلني فتاوى وبخاصة عن طريق الهاتف، وغالباً المتحدث عبر الهاتف -سواء كان رجلاً أم امرأةً- يتحدث بمنتهى الصراحة وبمنتهى الوضوح، لا يراه أحد ولا يسمعه أحد إلا المتحدث إليه، فيتحدثون عن فضائح في البيوت بين الآباء والأمهات، والذين يشكون هم بنات وأبناء مما يدل على صلاح واستقامة؛ لأنه لو كان الأمر ليس بحق مثلاً لرأيته في الظاهر فقط، بينما في الداخل ترى أشياء لا بد أن تظهر آثارها على السطح، فهم على خير إن شاء الله، نعم هناك شذوذات وتصرفات خاطئة، وهذا أمر وارد وهذا شأن البشر، وقد يوجد نوعٌ من القصور، وقد يكون من التشدد ليس في السلوك، إنما أحياناً في بعض إيصال السلوك للآخرين أو نقد أعمال الآخرين، أما أن يكون للأعداء مدخل فيها، فأخشى أن يكون مدخلها من الجانب السلبي، كما يقال: إجهاض هذه الصحوة بأن يدخل فيها أناس ليسوا منها، ويتلبسون بالمظاهر وهم ليسوا منها، ومع الأسف أننا فيما نسمع أنه يوجد مثل هذا في خارج هذه البلاد، يأتي منتسبون إلى جهات مشبوهة، ويتزيون بزي الصالحين من الشباب، ويفعلون ما يفعلون، حتى نقل هذا لنا عن بعض من في ساحات الجهاد الأفغاني، يتزيون بزي أهل الجهاد، ويفجرون ببنات المجاهدين مثلاً، فتحدث البلبلة، فينسب هذا إلى العمل في الساحة ونحو ذلك، فقد يكون العكس، ومعلوم أن خطط الأعداء لا يستبعد منها أي شيء، ولكن حينما يكون الإخلاص والتكاتف ويكون الصدق -والصدق في العمل أن يكون على كتاب الله وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم- فحينئذٍ تكون النصرة للمؤمنين بإذن الله.

    السبيل إلى طريق الهداية

    السؤال: أنا أحد اللاعبين في هذا النادي، وأريد أن أهتدي، فما الطريق السليم إلى ذلك؟ جزاكم الله خيراً!

    الجواب: الهداية بيد الله، وأنت مسلم ومن أبناء المسلمين، وأنت تقول: أريد أن أهتدي، وأنت مهتد إن شاء الله، والمسلم الذي يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويحرص على أداء الفرائض، فهذا مسلم، وإن شاء الله من المهتدين، والقصور الذي يقع يسعى الإنسان في تلافيه.

    ويعينه على ذلك أمور كثيرة، منها: التوجه الصادق لله عز وجل، والاجتهاد في الدعاء، وألا تيئس، وأن تدعو الله عز وجل، وتكثر من ذكره على جميع أحيانك، ثم تختار لك رفقة طيبة من أهل الصلاح، وتعيش معهم، وتتعلم منهم، وتستفيد منهم، وتسأل عما يشكل عليك، ويكون لك صلة بأهل العلم وأهل الفضل، وبخاصة في مشكلاتك الإسلامية سواء التي تتعلق بالأحكام أو تتعلق بقضايا خاصة، فهذه تنفع بإذن الله، وتجعل لك وقتاً خاصاً ولو يسيراً، دقائق تقرأ فيها كتاب الله عز وجل بتدبر، وتجتهد في الاطلاع على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى بعض الأحاديث، وتحافظ على الفرائض ولا تضيع منها شيئاً، وتجتهد في ترك النواهي، وتجتهد في الرفقة الصالحة واختيار القرناء الأخيار، فهؤلاء يعينونك بإذن الله.

    الجمع بين الرياضة والأعمال الخيرة

    السؤال: للأسف من المشاهد أن الكثير من المفسدين للنوادي -وخاصة الرياضية- تغلب عليهم الميول إلى الرياضة أكثر من ميلهم إلى طرق الخير من صلاة واختلاط مع أهل الخير، فلعلك تلقي كلمة تجمع بين الأمرين! جزاكم الله خيراً!

    الجواب: هذا قد يكون ملحوظاً، ولكن يبدو لي إلى حدٍ ما أن الأمر بدأ يظهر فيه تحسن ظاهر، من حيث أنه بدأ يظهر في المنتسبين لهذه الأندية من فيهم خير وصلاح، وفيهم مظاهر الصلاح، كذلك من خير ما يفيد في ذلك الدخول معهم، وبخاصة من قبل الشباب الصالحين ممن هم في سنهم، أما الإنسان بنفسه، وإذا كان مع قرناء -على نحو ما يذكر السائل- يميلون إلى الرياضة أكثر من ميلهم إلى طرق الخير من صلاة وغيرها فقد يزل، أما هذا إذا دخل فيهم الصالحون من أقرانهم وأمثالهم، فإنهم يصلحون فيهم كثيراً.

    ثم أيضاً المحافظة على الفرائض لا بد منها ولا بد من التأكيد عليها، أما نوافل العبادات فهذه أنواعها كثيرة، قد يكون منها الصلاة مثلاً، سواء من الليل أو من النهار، وصلاة الليل أفضل من صلاة النهار، وبخاصة المحافظة على الوتر، سواء بعد العشاء، أو في آخر الليل، وإن كان قبل الفجر وآخر الليل فهو أفضل، ومن أداها بعد أو العشاء أو قبل النوم فهو خير كثير، ولكن هناك نوافل وعبادات كثيرة يقوم بها الرياضيون، وصلاة النافلة هي مظهر الاستمساك بالحق، وإنما الكلمة الطيبة، الاطلاع على الكتب النافعة، الزيارات بين الأحبة إذا كان المقصود منها التناصح وشغل الوقت بما ينفع.

    وأيضاً استغلال أوقات اللهو البريء في التوجيه ونحو ذلك، فهذه كلها طرق خير، ولهذا لا يعدم الإنسان أنه يستفيد من كل فعل ومن كل حركة ومن كل قول، وكل ذلك وجه من وجوه الإصلاح بإذن الله.

    حكم حب اللاعبين الكفرة

    السؤال: بعض الشباب يحبون كثيراً من اللاعبين الكفرة، وهذا لا يتفق مع الإيمان بالحب في الله والبغض في الله، فما توجيهكم نحو ذلك؟

    الجواب: لا شك أن هذا واقع وموجود، وهذا لا يمكن القضاء عليه إلا بالاهتمام بقوة الإيمان والعقيدة، بقدر ما يقوى إيمان العبد وحبه لله ولرسوله وحبه لهذا الدين ورغبته في أن ترتفع رايته وأن يعز الله أهله، إذا ازداد هذا عند المسلم تعمق بغضه للكافرين، والبغض للكافرين ليس لأشخاصهم ولا لذواتهم، إنما المسلم يبغض الكفار لكفرهم لا لأشخاصهم، ويبغض الكفار لما يعلمه من عداواتهم لهذا الدين، ويبغضهم لما يعلمه من كيدهم لهذا الدين، فإذا وجد هذا المعنى في قلب كل مسلم أبغضه، فحينما يستقر في عقيدة المؤمن أن هذا عدو له وأن هذا يريد الكيد له، وأن هذا سبب في انحطاط المسلمين وسبب في عدم قيام دولة الإسلام وتعثر دولة الإسلام، إذا عرف هذا فحينئذٍ يتولد البغض، لأنك تبغضه لسيئ أعماله لا لذاته، كما أنك حين تدعوه ينبغي أن يرى منك ليناً وحكمة ورأفة، ومثله العاصي، العاصي تبغضه لمعصيته وتحبه لما فيه من الخير.

    وحينما تتولد هذه المعاني عندنا، وننقلها لأصحاب الغفلة من الشباب الذين يتعلقون باللاعبين من الكفرة فإنهم سوف يبغضونهم.

    على سبيل المثال: لو أن واحداً من هؤلاء اللاعبين الكفرة صفعه وأعطاه كفاً مثلاً فإنه يبغضه ولن يحبه أبداً، فحينما نجعله يتحسس كيف أن كفر هذا الكافر وكفر من حوله من بني جلدته وجنسه والدولة التي تقوم عليه التي تكيد للإسلام فحينئذ نكون قد حققنا المطلوب.

    ثم من جانب آخر نسعى في الدعوة إلى الله عز وجل، وحينما نكون في باب الدعوة يختلف الموقف.

    الجلوس مع الشباب الطيب

    السؤال: أنا شاب وأجد في نفسي وحشة من الجلوس مع بعض الشباب الطيب؛ لما أسمع منهم أنهم متشددون وأن فيهم كذا وكذا، ما هو توجيهكم لنا؟ جزاكم الله خيراً!

    الجواب: أما فيما يتعلق بالجلوس مع الطيبين فاحرص عليه، وأنت تقول: إنك تسمع، والسماع شيء والإحساس شيء، فلا تعتمد على السماع وأنت لم تر شيئاً، مجرد أن تسمع أنهم متشددون هذا لا يكفي، إنما إذا لمست شيئاً من الشدة، فيمكن أن تفاتحهم؛ فقد تكون مخطئاً في فهمك فيما سمعت أو نقل إليك، وقد لا يكون هناك شدة، إنما سوء فهم منك، أو أنه خطأ وقع فعلاً منهم، أو أنها شدة في محلها لأن الموقف كان يستدعي مثل هذا أو نحو ذلك.

    فلا تكتف بالسماع وإنما تحرص على مجالسة الطيبين، وكل ما تراه من سلوك عليك فيه استفهام أو استشكال فإنك تسأل عنه.

    الجلوس مع أهل المخالفات

    السؤال: إنني أجلس مع شباب فيهم بعض المخالفات ولا أحد منهم ينكر على بعض، فما هي نصيحتكم؟ جزاكم الله خيراً!

    الجواب: هذا ملحظ جيد، وهذا ينبغي أن ينتبه له المسلمون وبخاصة الشباب الصالحون، فأحياناً بعض الشباب عنده خير، وفيه صلاح، وفيه استقامة ظاهرة، ولكنه حينما يجلس مع إخوانه أو مع أقرانه أو مع أحبابه، يسمح لنفسه أن يخوض في هذا وهذا وأن يقع في عرض هذا وذاك، وأن يتحدث بما لا يجوز الحديث عنه، لكنه يغفل ولا أظنه يستبيح مثل هذا، وهذه القضية يجب على الإخوة الشباب أن يفتشوا في أنفسهم وأن يهتموا بهذا، فإن هذا قد يلحظ من غيبة أو نميمة أو أن يستبيح لنفسه فعلاً لا يستبيحه لغيره، أو أنه يجيز لصاحبه الذي هو من مجموعته ما لا يجيزه للآخرين، أو يتهاون في معاملته لفلان ويتشدد في معاملته للآخرين، فهذا لا يجوز، فقد قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا [النساء:135] والآية الأخرى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى [المائدة:8].

    تجب نظرة القصد ونظرة العدل مع كل أحد.

    وما ذكرته قد يكون من الأخطاء التي قد تلحظ في بعض الإخوة الصالحين.

    كلمة للمسئولين عن الأندية

    السؤال: نرجو توجيه كلمة للمسئولين عن الأندية لحثهم على إعطاء الغذاء الروحي والفكري اهتماماً يوازي ذلك الاهتمام المعطى للجسم، خصوصاً توفير المجلات الإسلامية والرسائل المفيدة لمرتادي النادي، جزاك الله خيراً!

    الجواب: لا شك أن هذا تنبيه طيب، وكما قلت: قد يكون عندي قصور أنني ليس عندي اطلاع كافٍ على هذا الأمر، وإن كانت هذه اللوحات التي لمستها والتي هي موجودة في قاعتنا هذه تدل على توجيه حسن، وتدل على نوع من الاهتمام من إدارة النادي، ولكن إن كان ثمة قصور في هذا الباب، وبخاصة ما يتعلق بالمجلات والكتب والأشرطة الإسلامية، فإنني من هذا المقام أرجو من المسئولين في الأندية الرياضية، وعلى رأسهم صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن فهد بن عبد العزيز الرئيس العام لرعاية الشباب ووكلاءه ومساعديه أن يوجههم ويهتم بهذا الأمر -وهو مهتم به إن شاء الله- خصوصاً هذه الملاحظة التي ذكرها الأخ السائل الفاضل وهي ما يتعلق بالمجلات والكتب والصحف والأشرطة الإسلامية، وأرجو أيضاً أن تهتم الجمعية العربية للثقافة والفنون لأن لديها مطبوعات بمثل هذا النوع، وأن تستكتب أو تنشر وتطبع ما هو صالح للطبع والنشر، وتوزعه على فروعها ومكاتبها، وهي فاعلة ذلك إن شاء الله، على أن ما لمسته في هذه القاعة يدل على توجه جيد وتوجه حسن، وحقهم أن نشكرهم عليه، ونسأل الله تبارك وتعالى أن يبارك في جهودهم وأن يزيد في جهودهم الخيرة، وأن يرزق الجميع الصلاح والإصلاح.

    كيفية حفظ القرآن

    السؤال: أنا شاب ملتزم والحمد لله، وأريد حفظ القرآن الكريم، ولكن لا أعرف الطريقة السليمة والجيدة والسهلة لحفظ القرآن، أرجو من فضيلتكم أن توصيني بالطريقة السليمة، والله يحفظكم!

    الجواب: لا يبدو لي أن هناك طريقة خاصة لحفظ القرآن، وإنما هو -بعد توفيق الله عز وجل- صدق في العزيمة وقوة في الإرادة، إذا رزقك الله عز وجل عزيمة صادقة وإرادة قوية، ولازمت ولا بد من الملازمة، أما أن يكون هناك شيء من التهاون أو التساهل، فهذا لا يكون، وبخاصة طبيعة كتاب الله عز وجل، فإنه قد يكون سهل الحفظ ابتداءً، ولكنه يحتاج إلى مراجعة وإلى عناية، فهو أشد تفلتاً من الإبل في عقلها كما قال عليه الصلاة والسلام، ولعلَّ مما يفيد في ذلك أن تخصص وقتاً تحفظ فيه، وتختار الأوقات التي يكون فيها الذهن أكثر صفاءً كبعد صلاة الفجر أو قبلها، فغالباً يكون الذهن قد استعاد نشاطه بعد النوم، ويكون أسرع في الحفظ وأقدر على الاستمساك، فتحفظ ما تيسر، ثم تردد هذا الحفظ، ثم إذا حفظت بعده درساً آخر تقرؤه وتقرأ الدرس الذي قبله، وهكذا.. إلى أن تصل ما يقارب جزءاً أو جزء ونصف، الجزء والجزء والنصف هذا تردده يومياً، فإذا ما تجاوزت الجزأين، تقرأ نصف الجزء أو الجزء الذي بجانب درسك الجديد، ثم تراجع.

    وأستحب لك أن يكون لك صاحب أو أستاذ تحفظ عليه، لأنك غالباً إذا حفظت بنفسك تكسل، لكن إذا كان لك أستاذ تراجع معه، ويسألك عن حفظك، فهذا غالباً يكون أكثر اهتماماً ولتشعر بالمسئولية أكثر، فهذا يعين كثيراً، وعليك بصدق العزيمة وكثرة التكرار، والتوفيق بيد الله عز وجل.

    حكم من ترك الصلاة فترة من الزمن

    السؤال: ما حكم من ترك الصلاة لعدة أيام أو أشهر، ثم بعد ذلك واظب عليها، هل يعيد كل ما فاته أم لا، وماذا يجب عليه فعله؟ وجزاكم الله خيراً!

    الجواب: لا يتصور عذر تترك فيه الصلاة ما دام العقل موجوداً إلا عذر الحائض والنفساء، وإلا فهو الكفر نسأل الله السلامة!

    أما ما عدا ذلك فما دام العقل موجوداً، فإنه يجب على المكلف أن يصلي الصلاة في وقتها قائماً، فإن لم يستطع فقاعداً، فإن لم يستطع فعلى جنبه، فإن لم يستطع فيومئ إيماءً، فإن كان قد تركها مغمىً عليه مثلاً، فإنه يقضي ولا شيء عليه، أما إن كان تركها تهاوناً وكسلاً، فمعلوم خلاف أهل العلم في ذلك، فهناك من يرى أنه كافر وخارج من الملة، وعليه أن يعود إلى الإسلام بالشهادتين وبإتيان ما كفر بسببه، وهو الصلاة، وهذا هو الذي عليه طوائف من أهل العلم والحديث، وهو مذهب الإمام أحمد رحمه الله، ويفتي به علماء أجلاء من علماء عصرنا حفظهم الله، وهناك قول آخر بأنه لا يكفر من تركها تهاوناً وكسلاً، وإن كانوا متفقين على أنه يستتاب، فإن تاب وإلا قتل، القائلون بأنه كافر يقتل ردة، ومن قال: إنه لا يكفر فإنه يقتل حداً.

    والذي يبدو لي أن هذا الذي تركها أياماً وشهوراً كأنه كان يصلي قبلها، وعاد يصلي بعدها، أرجو أن يقضي هذه الصلوات، ولعل الله سبحانه وتعالى أن يعفو عنه ويسامحه.

    حكم رفع الصوت بالذكر بعد الصلاة

    السؤال: ما حكم رفع الصوت بالتسبيح بعد الصلاة؟ هل هو جائز أم مكروه؟ وقد ورد عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: كنا نعرف انتهاء صلاتهم بالتسبيح والتكبير أو كما قالت، هل هذا الحديث يحمله على الجواز أو يحمله على السنة أم لا؟

    الجواب: من السنة أن يرفع صوته بالتكبير والتسبيح والتهليل بعد الصلاة، ولا يقال: إن في هذا رياءً؛ لأن كثيراً من الأعمال الشرعية والعبادات الشرعية جاءت معلنة كصلاة الجماعة مثلاً، والتكبير في العيدين يكون بصوت مسموع، فهذه شعيرة شرعت معلنة، فإذاً ينبغي إحياء هذه الشعيرة، ولا يقال: إن المقصود منها الرياء؛ لأن الإنسان يسبح علانية في مواطن الإعلان، ويسبح ويهلل ويستغفر إسراراً في مواطن الإسرار.

    حكم الجماعة في غير المسجد

    السؤال: نحن مجموعة من الشباب قمنا باستئجار أرض مسورة (حوش) نجتمع فيها في أوقات فراغنا على اختلافها فيما بيننا، عصراً أحياناً، وبعد صلاة العشاء أحياناً أخرى، ونسمع الأذان، لكن المكان هذا ليس في وسط البلد، بل في أحد أطرافه، ولا بد من السيارة للذهاب إلى المسجد، فهل نصلي في هذا المكان أم نذهب إلى المسجد؟ جزاكم الله خيراً!

    الجواب: الأولى في حقكم أن تذهبوا إلى المسجد، واجتماعكم طيب ومحمود ما دام أنه على خير، لكن ينبغي أن يكون قائداً لكم إلى أن تذهبوا إلى بيوت الله، فإنها ما أنشئت إلا لأجل هذا، وبخاصة أن ذهابكم إلى هذا المكان مستمر، أو على شكل منتظم أو شبه منتظم بعد العصر أو بعد العشاء، فينبغي أن تذهبوا إلى المساجد، وإن كانت إقامتكم للجماعة تكون جماعة، ولكن حيث أن وجودكم منتظم في هذا المكان، فتذهبون إلى المسجد.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    756342861