أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ليلة الخميس من يوم الأربعاء ندرس كتاب منهاج المسلم، الحاوي للعقيدة الإسلامية والآداب والأخلاق والعبادات والمعاملات الشرعية، وها نحن مع العبادات.
ومع المادة التاسعة، وهي في قصر الصلاة وجمعها، وصلاة المريض والخوف، هذه التي نتدارسها الليلة إن شاء الله.
[ أولاً: معناه: القصر: هو صلاة الرباعية ركعتين بالفاتحة والسورة ] فالقصر في الصلاة هو صلاة الرباعية كالظهر والعصر والعشاء ركعتين يقرأ في الأولى بالفاتحة والسورة، والثانية كذلك [ أما المغرب والصبح فلا تقصران؛ لكون المغرب ثلاثية ] فلا تقصر؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ما قصرها [ والصبح ثنائية ] فلا تقصر كذلك، والطويل هو الذي يقصر، وهو الظهر والعصر والعشاء.
ومن الأدلة أيضاً بعد الكتاب والسنة: [ مواظبة الرسول ] صلى الله عليه وسلم [ عليه ] على القصر [ تجعله سنة متأكدة ] فما سافر الرسول صلى الله عليه وسلم إلا قصر، فهذه الحال تستدعي أن تكون سنة مؤكدة، وهناك من شذ وقال: قصر الصلاة فريضة، فلو صلى الرباعية أربعاً بطلت صلاته، وهذا القول منبوذ مرفوض، وحسبنا قول الحبيب صلى الله عليه وسلم: ( صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته ) [ إذ ما سافر رسول الله صلى الله عليه وسلم سفراً إلا قصر فيه، وقصر معه أصحابه رضي الله عنهم أجمعين ] وأي دليل أكبر من هذا؟
إذاً: القصر مشروع ومسنون، وهو سنة مؤكدة لا ينبغي أن نتركه إذا سافرنا لحج أو عمرة أو جهاد أو تجارة، إلا سفر الفسق والفجور فلا يحل لصاحبه أن يقصر ولا أن يفطر؛ إذ يجب عليه أن يعود إلى بلده.
ولم يحدد النبي صلى الله عليه وسلم للقصر مسافة ينتهى إليها، ولهذا بعض الشاذين إذا خرج من مدينته قصر، والأقوال التي ما أجمع عليها أئمة الإسلام لا نقول بها ولا نأخذ بها، ولا نفرق كلمة المسلمين.
ومادام الرسول صلى الله عليه وسلم لم يحدد مسافة القصر فالجمهور من الصحابة والتابعين والأئمة - أي: أكثرهم- نظروا إلى المسافات التي قصر فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، مثلاً من المدينة إلى تبوك، ومن المدينة إلى بدر، ومن المدينة إلى مكة، فنظروا إلى المسافات التي قصر فيها، فوجدوها تقارب أربعة برد، فجعلوا الأربعة برد هي ثمانية وأربعون ميلاً [ حداً أدنى لمسافة القصر ] هذا الحد الأدنى، أما الأكثر فآلاف الأميال، فإذا كانت المسافة من مدينتك إلى المدينة الأخرى ثمانية وأربعين ميلاً فأكثر فاقصر الصلاة، هذا الحد الأدنى، وإذا كانت أقل من ثمانية وأربعين لا تقصر [ فمن سافرها في غير معصية الله ] وأما الذين يسافرون للمعصية فلا يحل لهم القصر، ولا أن يفطروا في رمضان [ سن له القصر ] وأصبح سنة، ومن حقه أن يفعله [ فيصلي الرباعية - الظهر والعصر والعشاء- اثنتين ].
وقد أجمع أئمة الإسلام على أن الرسول ما حدد مسافة القصر، وقد عرف الصحابة والتابعون وأولادهم وأئمة الإسلام المسافات التي قصر فيها النبي صلى الله عليه وسلم، فنظروا إليها فوجدوها في نحو الثمانية وأربعين ميلاً، فمن سافر منا مسافة ثمانية وأربعين كيلو متر قصر الصلاة، وإذا كانت أكثر فمن باب أولى، ولكن لا يقصر في أقل من ثمانية وأربعين كيلو، ولا يلتفت إلى من قال: يقصر حتى ولو كانت المسافة كيلو متر، فهذا الشذوذ لا نقوله.
والمسافر ليشرب الخمر أو ليأتي بالمنكر أو ليفعل كذا أو ليتلصص لا يحل له أن يقصر الصلاة ولا الصيام؛ إذ سفره حرام لا يحل له.
فإذا رأيت من يتنفل فلا تقل له: حرام عليك، فهذا جائز، إذا لم يكن عنده شغل ولا سفر، فليتنفل فالنافلة محمودة، وإذا كنت مشغولاً ولم تتنفل فلا شيء عليك، وكل ما كنت تفعله في الحضر فيكتب لك أجره ولا ينقص.
وفي مسألة الطائرة أفيدكم علماً إن شاء الله: لا تصلي الفريضة على الطائرة، لا الصبح ولا الظهر ولا العصر ولا العشاء ولا المغرب، إلا إذا تيقنت أنك إذا لم تصل هذه الفريضة يخرج وقتها، مثل ما لو كنت في الطائرة وسألت الملاح: متى نصل إلى جدة؟ فقال: نصل بعد المغرب بساعة أو ساعتين ففي هذه الحال يجب أن تصلي الظهر والعصر على الطائرة جالساً أو قائماً أو قاعداً كما استطعت، ركعتين ركعتين، ولو كنت مسافراً في أثناء الليل وسألته: متى نصل إلى الرحلة؟ فقال: تصل بعد الفجر فيجب أن تصلي المغرب والعشاء على الطائرة، حتى لا يخرج وقتهما، وكذلك لو قال: نصل بعد طلوع الشمس بساعة فيجب أن تصلي الصبح في الطائرة. وأما النافلة فصلها على الطائرة كما شئت ليلاً ونهاراً، فالرسول صلى على الدابة، وليس على الطائرة، والفريضة إذا كنت تعرف أن وقتها يخرج قبل أن تصل فيجب أن تصليها كيفما كانت الحالة، وإذا أيقنت أنك تصل إلى البلد الذي تنزل فيه الطائرة قبل خروج الوقت ففي هذه الحال لا يجوز أن تصلي الفريضة وأنت جالس أو في الطائرة.
[ ثانياً: الجمع ].
[ ثالثاً: صلاة المريض: إذا كان المريض لا يقدر على القيام مستنداً إلى شيء صلى قاعداً، وإذا عجز عن القعود صلى على جنبه، وإن عجز صلى مستلقياً على قفاه، ماداً رجليه إلى القبلة، ويجعل سجوده أخفض من ركوعه ] إذا ركع أو سجد [ وإن عجز عن الركوع والسجود أومأ إيماء ] فقط برأسه أو بعينيه [ ولا يترك الصلاة بحال؛ لقول عمران بن حصين رضي الله عنه: ( كانت بي بواسير، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة؟ فقال: صل قائماً، فإن لم تستطيع فقاعداً، فإن لم تستطع فصل على جنبك، فإن لم تستطع فمستلقياً ) ] ويجعل رجليه إلى القبلة [ ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها ].
وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم.
الجواب: قد أجبنا عن السؤال، إذا كان لا يستطيع قائماً ولا قاعداً ولا على جنب ولا مستلقياً فيصلي بالإيماء بعينيه. نعم.
الجواب: هذا يعقب علي، حسبنا الله ونعم الوكيل، أنا والحمد لله -حتى يتوفاني الله- كلما أجد علماً آخذ به وأعمل به، ولا أقول: أنا عالم ولا أقبل، أو مضت القرون وأنا كذا وكذا، والله ما نجد علماً صحيحاً إلا ونعمل به، ولو غداً إن شاء الله، ومن هنا أنكرت على أصحاب المسابح منذ أكثر من خمسين .. من أربعين سنة، وقلنا: هذه المسابح بدعة، ولكن مع هذا إذا خلت مسبحتك من أربعة عيوب فلا بأس، ليس فيها أجر ولا إثم، وهذه العيوب هي:
أولاً: أن يكون في السبحة صليب كصليب النصارى، فهذه لا يحل حملها، ولا أن تأخذها بيدك، ولا تجعلها في جيبك، فهم يعملون فيها حبتين متقابلتين هكذا وهكذا، وهذا شكل الصليب، وهذا عيب من أكبر العيوب؛ إذ أنك تحمل صليباً في يدك وتسبح به! والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم كان إذا وجد صليباً في ثوب نقضه بأسنانه، أقسم بالله أنه ينقضه بأسنانه، فلا بد من كسر حبة من الحبتين.
ثانياً: أنهم يحلفون بها ويقولون: بحق هذه، وهذا شرك، فلا حلف إلا بالله، فمن أراد أن يحلف فليحلف بالله أو ليسكت، ولا يحل لمؤمن ولا مؤمنة أن يحلف بغير الله أبداً، وهم يحلفون بالطعام واليوم والليلة وحتى المسبحة. وهذا شرك والعياذ بالله. ومن كان جاهلاً فيجب أن يتعلم.
ثالثاً: أن يعلقها في عنقه، ويتظاهر بأنه من الذاكرين. وهذا الرياء ممقوت ومبغوض لله، فلا تراء بعملك، فهذا عمل خير ويجب أن يكون سراً.
وبعضهم يحرك حبات السبحة في يده ويتحدث ويظن أنه يذكر، ويتحدث ويذكر، والعياذ بالله.
فإن سلمت المسبحة من هذه العيوب الأربعة واتخذت آلة للعد وكان لك ورد وما استطعت أن تأتي به إلا بهذه فإن شاء الله لا بأس، وبقينا على هذه الحال عشرات السنين.
وقبل أسبوع صدر كتاب: الدعاء المستجاب، أو صحيح الدعاء، فوجدت المؤلف ذكر عيوب السبحة، وأنها من عمل اليهود والنصارى والمجوس، والإسلام ما كان له مسبحة أبداً، والرسول وجد امرأة تسبح بحصى فقال: أصابعك أولى، فترجح أننا نسبح بأصابعنا أولى، فرمينا المسبحة وأصبحنا نأتي بالورد بالأصابع، فأستغفر الله لي ولوالدي وللمؤمنات مائة مرة كل ليلة، ونستغفر لكم وأنتم أموات وأحياء، وأستغفر الله لي ولوالدي وللمؤمنين والمؤمنات مائة مرة، وأصلي على النبي صلى الله عليه وسلم مائة مرة، هذا الورد اليومي، فنستعمل أصابعنا بدون حرج ولا كلفة، فرمينا المسبحة وسبحنا بأصابعنا. فمن خلصت سبحته من العيوب فيجوز أن يستعملها، وتركها أولى، وأصابعك أولى من حبات سبحتك.
الجواب: هذه القضية ذكرناها غير ما مرة وقلنا: طواف الوداع ليس بفرض، فمن تركه لعذر من الأعذار كالحيض أو المرض أو الضيق أو كذا لا حرج، وأما من يتركه متعمداً وهو قادر عليه فينبغي أن يذبح شاة في مكة؛ لأنه ترك هذا الواجب، هذا قد بيناه غير ما مرة، والرسول لما حاضت عائشة قال لأخيها: ( اخرج بها واعتمر من التنعيم )، لما سألته فقال: كذا، قالت: لا، أنا طفت الإفاضة، قال: ( ما دمت أفضت فلا حرج ).
وأخيراً أسأل الله تعالى أن يفتح علينا وعليكم، وأن يغفر لنا ولكم، ويرحمنا وإياكم، وأن يتوفنا مسلمين، ويلحقنا بالصالحين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر