أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة..
أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة.. ليلة الخميس من يوم الأربعاء ندرس كتاب: منهاج المسلم، الحاوي للعقيدة السليمة الصحيحة، والآداب الإسلامية، والأخلاق الإسلامية، والعبادات والمعاملات، فهو الشريعة الإسلامية.
وقد انتهى بنا الدرس إلى النفاس، ومعنى هذا أننا درسنا الحيض وانتقلنا إلى النفاس.
وقد عرفنا أن الحيّض من المؤمنات ثلاثة أصناف: واحدة مبتدأة، والثانية معتادة لها عادة، والثالثة مستحاضة يسيل دمها طول سنتها، وعرفنا أحكام ذلك، ولكن نعيد القول على عجل:
هذا درسناه وهو حكم الحيض، والآن مع النفاس.
[ وأما أكثره فأربعون يوماً ] إذا ما انقطع الدم تسعاً وثلاثين يوماً فلابد أن تترك الصلاة والصيام والوطء، بلغ أربعين يوماً ولم ينقطع فهنا تغتسل وتصوم وتصلي، وهذا الذي عليه الجمهور، وسنذكر الخلاف فيما بعد [ لما روي أن أم سلمة رضي الله عنها ] صحابية [ قالت: كانت النفساء تجلس أربعين يوماً ] تخبر عن أصحاب رسول الله ونسائهم (كانت النفساء) أي: المرأة التي نفست، وخرج الجنين من بطنها تجلس أربعين يوماً [ وقالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: كم تجلس المرأة إذا ولدت؟! ] هي تسأل لتتعلم، والسؤال هو سبيل العلم وطريقه [ ( فقال: أربعين يوماً ) ] فإذا ما انقطع الدم تغتسل وتصوم وتصلي [ ( إلا أن ترى الطهر قبل ذلك ) ] إذا رأت طهر في العشر الأيام الأولى.. في العشرين في الشهر فلا يوجد خلاف أبداً، بل يوم وليلة إذا انقطع الدم تغتسل وتصلي [ وعليه فإذا بلغت النفساء أربعين يوماً ] ماذا تفعل؟ [ اغتسلت وصلت وصامت ولو لم تطهر، غير أنها إذا لم تطهر تصبح كالمستحاضة في الحكم سواء بسواء ] تتوضأ لكل صلاة، تغتسل أولاً بعد الأربعين ثم تصبح كالمستحاضة، تتوضأ لكل صلاة وتصلي، وهذا هو الذي عليه الجمهور [ وعن بعض أهل العلم: أن النفساء تجلس خمسين أو ستين يوماً ] عند بعض أهل العلم من الأئمة التابعين أنها تجلس خمسين أو ستين يوماً، ومن على ذلك الشافعي [ وكونها تجلس أربعين فقط أحوط لدينها ] ما دام الخلاف قائماً وموجوداً، هل تطهر بعد الأربعين أو حتى تكمل الخمسين والستين؟ ما هو الأحوط للمسلمة؟ الأحوط هو الأربعين، وهذا هو المنهج الذي نهجناه في كتاب: منهاج المسلم، فلا نغفل كلام العلماء ولا نهمله ولا نعكر عليه، ولكن نقول كذا وكذا.
فوالله! للأحوط لها إذا بلغت الأربعين أن تغتسل وتصلي وتصوم ذلك أحوط لدينها، أما إذا طهرت فلا خلاف، إذا انقطع الدم في أول يوم الولادة تغتسل وتصوم وتصلي.
قال:[ يعرف الطهر بأحد شيئين: ] بواحد من اثنين، صفة من صفتين [ أولهما: القصة البيضاء ] القصة ما هي القِصة، القِصة في الأحاديث والأخبار، القَصة من قَص يقص وقطع، فما هي القصة البيضاء؟ [ وهي ماء أبيض يخرج عقب الطهر ] ماء أبيض بياضاً يخرج بعد انقطاع الدم عقب الطهر، إذا رأت الحائض أو النفساء هذه القصة البيضاء علمت أنها انتهت حيضتها يقيناً، والغالب أن الدم لا يعاود بعدها أبداً، بخلاف الجفاف فقط واليبوسة فقد يحدث بعدها دم، أما القصة البيضاء فلا.
[ وثانيهما ] ثاني هذين الشيئين [ الجفوف ] اليبوسة وانقطاع الدم [ وهو أن تدخل المرأة القطنة في فرجها ] قطنة من القطن تدخلها في فرجها [ فتخرجها جافة ] يابسة ليس فيها شيء، فعلمت أنها طهرت [ تفعل ذلك قبل النوم وبعده ] تفعل ذلك قبل النوم؛ لأنها إذا وجدت الجفاف قبل النوم تغتسل وتصلي الصلاة التي سبقت، وكذلك بعد النوم لما تقوم وتستيقظ أيضاً تنظر هل بقي الدم أم انقطع؟ هل تصلي الصبح أو لا تصلي؟ [ لترى هل طهرت أم لم تطهر ] هذه المادة الثانية وهي فيما يعرف أو بم يعرف الطهر.
إذاً: الطهر يعرف بشيئين اثنين: أولهما: القصة البيضاء. وهو ماء أبيض كاللبن، إذا وجدته المرأة في فرجها انقطع الدم وجوباً، فلا تشك.
وإن لم تكن القصة البيضاء، فما هو الشيء الثاني؟ الجفوف. كيف تعرف أنها جفت؟ تدخل قطنة في فرجها بيدها فإن خرجت فيها دم فما زالت حائض، وإن خرجت يابسة لا شيء فيها من الدم فهي طاهرة.
إذاً: يمنع بالحيض والنفاس أمور منها: الوطء، لقول الله تعالى: وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ [البقرة:222] يعني: ولا تقربوهن. من هن؟ النساء الحيض والنفساء.
والأمر واضح، الصيام شهر رمضان شهر في السنة، أفطرت سبعة أيام في هذا الشهر فتقضيها؛ لأنه لا كلفة في ذلك، لكن الصلاة كل شهر سبعة أيام أو ثمانية أيام وهي لا تصلي، كيف تقضي؟ يشق عليها، هذه رحمة الله عز وجل: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج:78] والدين يسر كما يقول الحبيب صلى الله عليه وسلم، وكلمة: (بعد الطهر) ليس معناه مباشرة، يعني: بعدما تطهر تقضي بعد أسبوع بعد أسبوعين بعد شهر، فقط لا تؤخر للعام المقبل، فإن أخرته إلى العام المقبل عليها كفارة، وهي نصف صاع عن كل يوم [ وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: ( أليس إذا حاضت المرأة لم تصل ولم تصم؟ ) ] هذا الدليل [ وقول عائشة رضي الله عنها: ( كنا نحيض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ] أيام حياته [ ( فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة ) ] فلهذا لم يختلف المسلمون في هذا، لكن حسبنا معرفة الدليل، أيام حياته ( فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة ) وقد عرفتم العلة، وهي أن الصلاة تتجدد في كل يوم، وأما الصوم ففي العام مرة، شهر واحد فقط.
الآن الجامعيات المدرسات يشتكين كيف يفعلن؟ قلت لهن وبلغوهن وبلغوا المسئولين: أنها تأخذ رخصة في كل شهر، إذا جاءت الحيضة تقف وتتولى أختها مقامها تعلم أو تذكر حتى تنتهي حيضتها ثم تغتسل وتأتي، إن شاءوا أسقطوا عنها أجرة الأيام العشرة أو الخمسة أو الستة فإن لهم ذلك، وإن تنازلوا عنها فلهم ذلك.
وهنا سؤال: عاملات في المسجد.. موظفات، تأتيها العادة الشهرية، فماذا تصنع؟ هل تدخل المسجد مستذفرة وتأمر وتنهي وتربي أم كيف؟
الجواب: ينبغي أن تعلن عن حيضتها وأن يولوا غيرها حتى تطهر ثم تأتي، هذا في دخول المسجد، والقرآن أيضاً في المدرسة تعلم القرآن. هل يجوز لها أن تعلم القرآن وتقرأه؟
الجواب: لا. ( لا أحل المسجد لحائض ولا لجنب )، ( لا يقرأ الجنب ولا الحائض شيئاً من القرآن )، إن شاء الله يطبق هذا.
هل يجوز جماع الحائض؟ لا يجوز، فكذلك طلاقها لا يجوز.
قال: [ فإن الحائض لا تطلق بل تنتظر حتى تطهر، وقبل أن تمس تطلق ] أردت أن تطلق قالت المرأة: أنا حائض. إذاً اسكتي، لما تطهرين أعلميني، لما تطهر لا يجامعها بل يطلقها قبل أن يجامعها؛ لأنها قد تحمل وتصبح عدتها ثمانية أشهر أو تسعة أشهر، وهذا لا يليق بها.
إذاً: هذا الطلاق الشرعي لا يفعله في المليون إلا واحد في هذه العصور المظلمة؛ لأن الطلاق عندنا الآن في هذه القرون الجاهلية فقط: لا تخرجي، إن خرجتي فأنت طالق، وهكذا، بدون وجود أي شيء، إنما بمثل هذا الكلام، لو أراك غداً عند الباب أنت طالق. فهذا ما ينبغي هذا.
الطلاق في الكتاب والسنة هو أن ينظر الرجل إلى زوجته، وأنها متأذاة منه ما سعدت معه لعلل.. كذا؛ يرحمها فيأتي باثنين إلى منزله ويقدم الشاي واللبن، ويقول: أشهدكما أني طلقت أم فلان، يا أم فلان أنت طالق، وابقي في بيتك حتى تنتهي عدتك، هذا هو الطلاق. هل يفعل المسلمون هذا؟!
ثانياً: يرى نفسه أنه هو المتأذي المحروم التعب الشقي مع هذه المرأة، فهل يرضى الله له أن يبقى هكذا شقياً مكروباً حزيناً؟ الله لا يرضى. يرضى الله لعبده؟! والله ما يرضى، ففي هذه الحال كما قلنا يأتي باثنين، ويقول: أشهدكما أني طلقت أم أولادي، أو طلقت فلانة. يا فلانة! اعلمي أني طلقتك فابقي في بيتك حتى تنتهي عدتك ثم التحقي بأهلك. هذا هو الطلاق في الكتاب والسنة.
والله نكرب ونحزن! لو تسمعون الطلاق في كل يوم، هذا جهل مركب!
لم شرع الطلاق يرحمكم الله؟! شرع من أجل رفع الضرر، والله العظيم! ما شرع الطلاق إلا لرفع الضرر سواء على الزوج أو على الزوجة، فالله لا يرضى لأمته أن تعيش شقية تعبة مع هذا الرجل، ولا يرضى لعبده المؤمن أن يعيش شقياً تعساً مع هذه المرأة الشريرة، فيأذن له أن يطلق.
كيف يطلق؟ يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ [الطلاق:1] لأول العدة وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ [الطلاق:1] أما: أنت طالق بالثلاث طالق طالق طالق واخرجي وكذا، هذا فعل العوام، والحمد لله لعلكم تقتدون بشيخكم أو واعظكم، والله عشت مع زوجتي ستين سنة أو أكثر ما قلت يوماً طلاقاً أو طالق أبداً.
فالطلاق ما شرع إلا لرفع الضرر، فإذا لم تكن متضررة بل هي سعيدة وأنا ما عندي ضرر، فلم الطلاق إذاً؟ عبثاً يعني.
[ لما روي ( أن ابن عمر
ويوجد من بين من يدعون الإسلام من يكرهها، أعوذ بالله، ما هذا الجهل؟ ما هذا الظلام؟ ما هذا التقليد الأعمى؟ أيحب رسول الله وتكره أنت؟ أعوذ بالله! كيف تكون ولياً لله؟ ولي الله هو من يحب ما أحب الله ويكره ما يكره الله، القاعدة التي عرفناها، الولاية هي الموافقة، وافق ربك فيما يحب ويكره، أنت ولي، خالفه أنت عدو.[ وقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: ( سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن مؤاكلة الحائض؟ قال: واكلها ) ] ما معنى المؤاكلة؟ تعني: الأكل معها. قال: (واكلها).
اللهم يا أرحم الراحمين! يا ولي المؤمنين! يا متولي الصالحين! هذه أكفنا قد رفعناها إليك سائلين ضارعين! فاكشف اللهم ضر هذا العبد المؤمن، وعافه واشفه، واشف كل مؤمن ومؤمنة في بيوتنا ومشافينا ومعنا يا رب العالمين! وزكنا وآت نفوسنا هداها وتقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها.
اللهم أدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، اللهم حقق لنا ولايتك يا رب العالمين! واجعلنا من أوليائك وصالح عبادك، وارض عنا يا رب العالمين! وصل اللهم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر