أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة..
أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ليلة الخميس من يوم الأربعاء ندرس كتاب منهاج المسلم، وقد درسنا العقيدة والآداب والأخلاق وها نحن في العبادات، وها نحن في [ الفصل السابع: في حكم الحيض والنفاس] وقد عرفنا الوضوء والغسل والتيمم، والآن مع حكم الحيض والنفاس وهما يتعلقان بالمؤمنات، أما الرجل فلا يحيض ولا ينفس، لكن عليه أن يعرف حكم الحيض والنفاس ليبلغ.
قال: [ الفصل السابع: في حكم الحيض والنفاس: وفيه ثلاث مواد: ]
خلاصة الأمر: أن أكثر الطهر لا حد له، يمكن تبقى شهراً أو شهرين وهي لا تحيض، لكن أقل الطهر ثلاثة عشر يوماً أو خمسة عشر يوماً، والصواب خمسة عشر يوماً، أما أكثر الطهر فلا حد له، ولكن الغالب وأكثر ما يكون ثلاثة وعشرون أو أربعة وعشرون يوماً، أما الأصل فقد يكون أكثر، والأقل لا يقل على خمسة عشر يوماً.
والراجح أن الحامل لا تحيض، وما ذهب إليه أحمد وأبو حنيفة أقرب إلى الصواب، وحديث مالك ضعفوه؛ لأن الدم لما تكون المرأة حبلى هذا الدم يتغذى به الجنين فكيف يخرج منها؟ فإذا حملت المرأة انقطع الحيض؛ لأن الدم هذا يصير غذاء يتغذى منه الجنين، وعليه فإذا خرج دم وهي حبلى؛ فهو دم فاسد، هذا استحاضة فقط، فلا يمنعها من صلاة ولا صيام.
والاحتياط أن نقول: تصوم وتصلي وإن خرج الدم وهي حبلى، لا نقول فيه دم حيض وهو مشكوك فيه والخلاف قائم. أليس الاحتياط أن نقول: تصوم وتصلي؟! هذا الذي أقوله.
وخلاصة الأمر: ذهب أحمد وأبو حنيفة رحمهم الله إلى أن الحامل لا تحيض، والدم إذا وجد يكون دم استحاضة.. دم فاسد، وذهب تلامذة مالك والشافعي إلى أن الحامل تحيض، والأحوط أن نقول: لا نعده حيضاً فنوقف الصلاة والصيام في أمر مشكوك فيه، بل تغتسل وتصوم وتصلي. وهذا هو الجمع بين هذه الآراء، وهو الأقرب والأحوط.
ويوضح ما يراه المالكية والشافعية في هذه القضية قول ابن القاسم : إذا مضى على حملها ثلاثة أشهر وجاء الدم تمكث له خمسة عشر يوماً ثم تغتسل وتصلي ولا تبالي به، وبعد الستة أشهر إذا جاء الدم تمكث عشرين يوماً إذا كان الدم يسيل، تزيد لأن المدة زادت، وتمكث في آخر الحمل ثلاثين يوماً، هذا إذا هي حبلى في الشهر السابع أو الثامن والدم يسيل. قال: بحجة أن دم الحيض يكثر كلما كبر الحمل أو الولد.
وأما الحنابلة والأحناف فلا يعدون الدم في الحمل حيضاً، وما يرى من الدم إنما هو دم علة وفساد، فلا حكم له، اللهم إلا ما كان قبيل الولادة بيوم أو يومين أو ثلاثة فإنه دم نفاس، فتقطع الصلاة والصيام كالنفساء.
كيف نخرج من هذا؟
نقول: ترجيح مذهب أحمد وأبي حنيفة في هذا الباب أحوط للدين. وذلك لأسباب:
أولاً: الغالب أن الحبلى لا تحيض. لماذا؟ لأن الدم يتغذى به الولد، تحيض المرأة عندما يجتمع الدم في رحمها وليست حاملاً فيخرجه الله منها فتستريح، لكن إذا كانت حبلى فإنه يتحول إلى غذاء تتغذى به هي وولدها، إذاً فلا يكون حيضاً، وإن وجد في المرأة بعد مائة يوم نقول: هذا دم استحاضة، دم فاسد فقط، وعليه فلتغتسل وتصوم وتصلي.
فنقول أخيراً: النساء ثلاث: مبتدأة ومعتادة ومستحاضة، ولا نضيف إليها الحامل، وهو والله أحوط، إذ كلما كان الخلاف في مسألة بين الأئمة فالعمل بذلك الاختلاف أحوط لدين المرء.
وخلاصة القول: أن الحُيَّض ثلاث، والرابعة عزلناها احتياطاً لديننا: المبتدأة والمعتادة والمستحاضة.
والمبتدأة هي التي ترى الدم لأول مرة. وحكمها: أنها إذا رأت الدم تركت الصلاة والصيام والوطء -أي: الجماع- وتنتظر الطهر.
لما ينقطع الدم ويجف تغتسل وتصوم وتصلي وتوطأ، فإذا رأته -أي: الطهر وانقطاع الدم- بعد يوم وليلة أو أكثر.. إلى خمسة عشر يوماً اغتسلت وصلت، فإذا لم تر الطهر في اليوم الثالث، الرابع، السابع، الثامن، التاسع، ما رأته إلا في الخامس عشر فحينئذٍ تغتسل وتصوم وتصلي، فإذا لم ينقطع فحينئذٍ تغتسل وتصوم وتصلي إذ هو دم استحاضة وليس بدم حيض، وإن تقطع دمها خلال الخمسة عشر يوماً فكانت تراه يوماً أو يومين وينقطع مثل ذلك، فإنها تغتسل وتصلي كلما رأت الطهر، وتترك كلما رأتِ الدم.
إذاً: المستحاضة هي: من لا ينقطع عنها جريان الدم، دائماً يسيل.
حكمها: أنها إذا كانت قبل أن تستحاض معتادة، قبل أن يأتيها هذا المرض كانت تعرف أيامها.. معتادة، وعرفت أيام عادتها، فإنها تقعد عن الصلاة أيام عادتها من كل شهر وبعد ذلك تمضي، ما دامت معتادة وعرفت أيام عادتها إذا دخل الشهر وجاءت أيام العادة فتترك الصلاة والصيام والوطء، وإذا انتهت تلك الأيام تغتسل وتصوم وتصلي، وإذا كانت لا عادة لها، ما عندها عادة لا سبعة أيام ولا خمسة ولا تعرفها فماذا تصنع؟ أو كانت لها عادة ونسيتها، الناسية كالتي لا عادة لها، فإنها تنظر: إذا تميز الدم كان أسود والآن أصبح أحمر فتغتسل وتصوم وتصلي، كان أحمر ثم أسود فتقف عن الصلاة والصيام حتى يتغير، وهكذا. كل هذا ما لم تزد على خمسة عشر يوماً.
[ثانياً: حديث فاطمة بنت أبي حبيش: أنها كانت تستحاض] يعني: يأتيها دم الحيض [فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا كان دم الحيض فإنه أسود يعرف، فإذا كان كذلك فأمسكي عن الصلاة)] كما علمنا [(فإذا كان الآخر فتوضئي -بعد الاغتسال- وصلي، فإنما هو عرق) وفي هذا شاهد لغير المعتادة، أو لمن نسيت عادتها وكان دمها متميزاً.
ثالثاً: حديث حمنة بنت جحش رضي الله عنها قالت: كنت أستحاض حيضة كثيرة شديدة، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم أستفتيه ] أرأيتم نساء الصحابة كيف يستفتين؟! [ ( فقال: إنما هي ركضة من الشيطان، فتحيضي ستة أيام أو سبعة أيام ثم اغتسلي، فإن استنقأت فصلي أربعة وعشرين يوماً أو ثلاثاً وعشرين يوماً وصومي وصلي، فإن ذلك يجزيكِ، وكذلك فافعلي كل شهر كما تحيض النساء ) ] هذه حيضتها دائمة، ما عندها عادة، نسيتها ما عرفتها، تقعد عدة أيام من كل شهر وبعد ذلك تغتسل وتصوم وتصلي [ وفي هذا الحديث شاهد لمن لا عادة لها ولا تمييز ] لدمها، إذا كانت لها عادة فتلزم العادة، الدم يتميز بالسواد تعرفه، وهذه لها عادة ولها دم يتميز، ماذا تفعل؟ تقعد من كل شهر أربعة وعشرين يوم والباقي تترك فيه الصلاة والصيام.
لا نزيد فوق هذا حتى لا ننسى.
الحائض ماذا يحرم عنها؟
الصلاة والصيام والجماع ومس المصحف، ولا تقرأ إلا إذا خافت أن تنسى بعض ما حفظته.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر