إسلام ويب

تفسير سورة يونس (28)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • إن إنجاء الله عز وجل لعباده المؤمنين وأخذه للظالمين المكذبين سنة ماضية، فمهما بلغ أهل الكفر والطغيان من القوة والتمكين في الأرض، إلا أن نهايتهم معلومة، والقضاء على دولتهم محسومة، وتبقى أرض الله يورثها من يشاء من عباده المؤمنين، الذين يستقيمون على دينه وبه يعلمون.

    1.   

    أركان العقيدة المقررة في السور المكية

    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    أما بعد:

    فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

    ثم أما بعد:

    أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة -ليلة الأربعاء من يوم الثلاثاء- ندرس كتاب الله عز وجل، رجاء أن نفوز بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ).

    وها نحن مع سورة يونس بن متى عليه السلام المكية المباركة الميمونة، وأعيد إلى أذهانكم يا طلبة الهدى أن السور المكية تعالج العقيدة، من أجل أن تحققها وتثبتها لمن أراد الله سعادتهم في الدارين، وأهم أركان العقيدة التي تعالج في القرآن:

    التوحيد، تقرير معنى لا إله إلا الله، فلا يخطر ببالك أن هناك من يستحق أن يؤله -أي: يعبد- مع الله، لا في الملكوت الأعلى ولا في الملكوت الأسفل؛ إذ الكل مخلوق والله خالقه، الكل مربوب والله ربه، الكل عبد والله سيده ومالكه، فلا يعبد ملك في السماء ولا نبي في الأرض ولا صالح بين الناس، لا إله إلا الله.

    والآيات في هذا تحمل البراهين والحجج القاطعة التي ما يبقى فيها للمؤمن أدنى ريب أو شك.

    ثانياً: تقرير النبوة المحمدية، وأن محمد بن عبد الله بن عبد المطلب رسول الله، ونبي الله، وهذا القرآن كله دليل على رسالته وشاهد على نبوته، فلو لم يكن رسول الله فكيف يوحي الله إليه؟ كيف ينزل عليه كتابه؟ وإذا آمنت بأنه رسول الله إليك وجب أن تجيب دعوته وأن تمشي وراءه، ولا تمش قبله أو عن يمينه أو شماله، ولكن من ورائه تقول ما يقول، وتعمل ما يعمل، وبذلك تكون قد آمنت برسالته.

    الركن الثالث: البعث الآخر والحياة الثانية الحياة بعد الموت، هذه التي تتخطفنا واحداً بعد واحد، بعدها حياة أسمى وأكمل وأعظم وأبقى وأخلد من هذه الحياة الفانية، وفيها يتم الحساب الدقيق والجزاء الكامل، فمن كانت نفسه زكية طيبة طاهرة لأنه عمل الصالحات وآمن بالله رب الأرض والسماوات؛ فهذا مأواه دار السلام الجنة دار الأبرار، فيها مواكب النبيين، والصديقين، والشهداء، والصالحين، وإن كانت نفسه خبيثة منتنة بالشرك والكفر وعظائم الذنوب وكبائر الآثام فمصيره دار البوار جهنم والعياذ بالله تعالى، وليس هناك حال وسط لا هو في الجنة ولا في النار، لا وجود لهذا، إما في النعيم المقيم، وإما في العذاب الأليم.

    سر إيجاد الحياة الدنيا وإيجاد الآخرة

    وسبقت لنا لطيفة أكررها: لو سئلت يا بني: ما سر وما علة هذه الحياة؟ هل تقول: أذهب أسأل الفلاسفة في أوروبا أو في اليونان أو في الهند؟ ما علة هذه الحياة ما سرها؟ خالقها لم يعبث، خلقها لحكمة، فبم تجيب؟

    والله! لن يجيبك أحد من أهل البصيرة والعلم إلا بقوله: سر هذه الحياة أن يُعبد الله فيها، خلقت لتعبد الله، كل الحياة هذه خلقت للعبادة، والعبادة متوقف عليها السعادة والكمال، فسرها أن يعبد الله فيها بما شرع من أنواع العبادات؛ ليؤله وحده ويعبد دون سواه.

    فإن قيل لك: وما علة الحياة الثانية؟ هل الحصاد والزرع؟ هل للعمارات والبناء؟

    الجواب: الجزاء على العمل في هذه الحياة، هذه دار عمل وتلك دار جزاء، عامل في مصنع يتقاضى مرتبه شهرياً أو سنوياً، هل يطالب بالراتب قبل أن يكتمل الشهر؟ هل يطالب بالراتب قبل اكتمال السنة إن كانت سنة؟ الجواب: لا، فمتى يتسلم؟ بعد نهاية العمل، فنحن عاملون نعمل الليل والنهار، والدار ليست دار جزاء بل هي دار عمل، وسوف نتلقى جزاءنا بعد أن نلفظ أنفاسنا وننتقل للحياة الخالدة الباقية، اعرفوا هذه الحقيقة، ولنقرأ لذلك قول الله تعالى: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنْ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ [آل عمران:185]، وإنما توفون أجوركم أيها العمال يوم القيامة، فمن كان عمله صالحاً كان الجزاء صالحاً، ومن كان عمله سيئاً فاسداً كان الجزاء سيئاً فاسداً، والله! لكما تسمعون، والكتاب كله يدور حول هذه الحقائق.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (وقال موسى ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة وأموالاً في الحياة الدنيا ...)

    وها نحن مع هذه الآيات، مع هاتين الآيتين المباركتين، فهيا بنا لنصغي مستمعين تلاوتهما مجودة مرتلة ثم بعد ذلك نتدارسهما إن شاء الله، والله نسأل أن ينفعنا بما نعمل وبما نتعلم ونسمع.

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الأَلِيمَ * قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ [يونس:88-89].

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [يونس:88].

    ما زال السياق في الحديث عن موسى وأخيه هارون مع عدوهما فرعون، هنا موسى عليه السلام يرفع يديه إلى ربه ويقول: رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ [يونس:88] أي: أعطيت فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ [يونس:88] رجاله أرباب الأموال والسلطة والدولة، آتيتهم ماذا؟ زِينَةً وَأَمْوَالًا [يونس:88] والزينة: الفرش، الملابس، الأسرة، المراكب، والأموال على اختلافها من الذهب والفضة والجواهر المختلفة، والأنعام، أموال وزينة، فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [يونس:88] هذه التي يعيشونها، رَبَّنَا [يونس:88] أي: يا ربنا! لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ [يونس:88]، هذه لام العاقبة: ربنا آتيتهم ما آتيتهم ليضلوا عن سبيلك دفعاً عن أموالهم ووجودهم ودولتهم وسلطانهم وما أعطوا، فيضلون غيرهم من الناس، ويصرفونهم عن الإيمان والدخول في رحمتك.

    رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ [يونس:88] إذاً: رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ [يونس:88]، واستجاب الله فتحولت تلك المعادن إلى حجارة، كانت عندهم معادن الذهب والفضة والجواهر فوق ما يقدر، تحولت كلها إلى حصاة وحجارة، رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ [يونس:88] جزاء كفرهم وعنادهم، جزاء إيثارهم الدنيا على الآخرة والكفر على الإيمان، اضغط على تلك القلوب حتى تتفجر.

    وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الأَلِيمَ [يونس:88] فلا يؤمنون حتى يشاهدوا العذاب الأليم.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (قال قد أجيبت دعوتكما فاستقيما ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون)

    قال الله: قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا [يونس:89] فأرسل عليهم أول مرة الطوفان، مياه تدفقت من السماء والأرض كانت تنسف كل ما يملكون، كطوفان نوح إلا أنه في منطقة خاصة، وبكوا فجاءوا إلى موسى: ادع ربك يكشف عنا هذا، آمنا! فيرفع كفيه: يا رب! اكشف عنهم هذا العذاب ليؤمنوا، وما إن تزول تلك السحب وذلك البلاء حتى يعودوا إلى اللهو والباطل.

    فأرسل الله تعالى عليهم الجراد بعد كذا سنة، بعدما انتعشوا وعادت الحياة إليهم أصروا على الكفر، فأرسل عليهم الجراد، أكلت الزروع، أكلت الأشجار، أكلت حتى وجوههم، لا تعرف كيف تمشي هذه الجيوش الجرادية، فصاحوا: يا موسى! ادع لنا ربك يكشف عنا؛ فإذا أنجانا فسنؤمن. فقال: يا رب! اكشف عنهم العذاب، فكشف العذاب فاستراحوا، فعادوا إلى الشرك والكفر، نسوا قولهم: يا رب! فأنزل بهم عذابه فأرسل عليهم القمل، فكان يدخل في آذانهم وعيونهم، خرج من أجسامهم، وقد شاهدنا القمل أيام الحاجة والفقر، هنا في المسجد القديم كنا نشاهد الرجل من المهاجرين والقمل يمشي على ظهره ورقبته، فما نفعهم حمامات، ولا غسل النيل، ولا لباس، أكلهم القمل، فصاحوا: يا موسى! ادع لنا ربك يكشف عنا؛ فنؤمن، ونتبعك، ونرسل معك بني إسرائيل! فيرفع موسى يديه: يا رب! اكشف عنهم العذاب، فيكشف الله العذاب، فيعودون كما كانوا، وعندنا لطيفة: عادت حليمة إلى عادتها القديمة.

    أيام أعلنت الحرب بيننا وبين إسرائيل منذ أربعين سنة لما دخل العرب في الحرب انتهت الأغاني والمزامير، والله! ما أصبحت تسمع مغنياً عاهراً في إذاعة من إذاعات العرب أبداً، أناشيد وأذكار، ما إن يعلن عن اتفاقية الهدنة حتى تعود الإذاعات كما كانت، ونقول: عادت حليمة إلى عادتها القديمة.

    هذه طبيعة قوم ما عرفوا الله ولا امتلأت قلوبهم بجلاله وكماله، آمنوا إيماناً صورياً وتقليدياً وقالوا: نحن مسلمون مؤمنون، إذا جاءت المحنة رجعوا إلى الله مضطرين، فإن زالت المحنة عادوا إلى الباطل والشر والفساد.

    ثم أرسل الله تعالى عليهم الضفادع، وقد رأينا في الصبا مطراً نزل بالضفادع، والله! في البساتين والشوارع كلها تمشي الضفادع، وما هي بعذاب لنا، فكيف -إذاً- بما هو عذاب لفرعون وملئه؟ الضفادع تزحف عليه حتى وهو نائم وهي تطلع على ظهره، فصاحوا: ادع لنا ربك يا موسى يكشف عنا العذاب.

    ثم كان الدم، الماء تحول إلى دم، خذ الكأس من النيل وضعه عند فيك يتحول إلى دم، تقول القبطية للإسرائيلية: صبي لي في فمي من فمك، فما تخرج الإسرائيلية الماء من فمها وينصب إلا وهو دم في فم القبطية، هذا معنى قوله تعالى من سورة الأعراف: فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلاتٍ [الأعراف:133] واحدة بعد واحدة، قد تكون بين الواحدة والثانية سنتان أو ثلاث أو أربع، فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ [الأعراف:133].

    إذاً: استجاب الله لعبده ورسوله موسى، قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا [يونس:89] يا موسى وهارون.

    مشروعية تأمين الجماعة عقب دعاء الواحد

    وهنا لطيفة علمية سبق أن علمها الكثيرون، وهي: أن الداعي هو موسى، والمؤمِّن هارون، والله قال: قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا [يونس:89]، فالسنة أن يدعو الداعي والمستمعون وإن كانوا ألوفاً يقولون: آمين، أما بدعة الطوافين يقول أحدهم والكتاب في يده: يا ربنا! يا ربنا! ومن ورائه عشرة أو عشرون يقولون: يا ربنا؛ فما حملكم على هذا؟ يكفيكم كلمة: آمين، موسى يدعو وهارون يقول: آمين، قال الله تعالى: قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا [يونس:89] استجاب الله لهما وأرسل على فرعون وملئه العذاب.

    وهنا صح الخبر: أن أمة الرسول صلى الله عليه وسلم أعطيت ثلاثاً:

    الأولى: التحية: السلام عليكم، هذه التحية ما عرفتها البشرية من آدم إلى محمد صلى الله عليه وسلم، فقولوا: الحمد لله. إذا لقي المؤمن أخاه يقول: السلام عليكم، يرد عليه: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، ما عرف اليهود هذا ولا النصارى ولا البوذيون ولا المجوس في الأمم السابقة، هذه فضيلة لهذه الأمة.

    ثانياً: أعطوا الصفوف التي تصفها الملائكة في السماء، نحن نصفها في الأرض في بيوت الله، ما يعرف اليهود هذا ولا النصارى، هذه الصفوف التي تصف في الصلاة خاصة بهذه الأمة.

    الثالثة: (آمين) مع موسى وهارون، أخذها موسى وهارون قبلنا، وأعطيناها نحن ببركة نبينا صلى الله عليه وسلم. ومعنى (آمين): اللهم استجب دعاءنا، وإن كنت وحدك فمعناها: اللهم استجب دعائي.

    وجوب لزوم الاستقامة بعد النجاة من الظلمة

    قال تعالى: قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا [يونس:89] إذاً: فَاسْتَقِيمَا [يونس:89]، كان المسلمون يدعون: العجائز وطلاب العلم والكبار والصغار، يقولون: ربنا أخرج عنا بريطانيا، ربنا طهرنا من الاستعمار الأوروبي، ربنا نجنا من أندونيسيا إلى موريتانيا، واستجاب الله لهم بدعائهم وبكائهم، وتخلت فرنسا وإيطاليا وأسبانيا وبريطانيا وبلجيكا والعجوز هولندا، وبعد ذلك قالوا: لا نستقيم، والله يقول: قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا [يونس:89] يا موسى وهارون على منهجنا، فأحلوا ما أحللنا، وحرموا ما حرمنا، وأقيموا ما أقمنا، واتركوا ما تركنا.

    هذه الكلمة ما تسمعونها في غير هذا الدرس، وستسمعونها يوم القيامة، كيف يستقل الإقليم من سلطة الكفر؟ لولا الله ما استقل، ولكن عرفنا أن ذلك كان بدعاء المؤمنين والمؤمنات وجهادهم، وإقبالهم على الله، وحين يستقل الإقليم يدبر ويعرض عن الله وشريعته، فلا تقام صلاة ولا تجبى زكاة ولا يؤمر بمعروف ولا ينهى عن منكر، وتشيع المناكير والأباطيل والترهات والخرافات والضلالات والعياذ بالله، فوالله! ليعاقبنهم الجبار؛ لأنهم هزئوا وسخروا من دينه وشرعه، ومن يعش فسيرى، ومن يمت فسيبلغه ذلك.

    الله يقول لموسى وهارون: أجبت دعوتكما فاستقيما، وكيف يستقيمون؟ يستقيمون على الحق فيوحدون الله ويعبدونه وحده ويدعون عباده إليه ليعرفوه ويعبدوه ويخلصوا له النيات والقلوب حتى يكملهم ويسعدهم، ولله سنن لا تتبدل ولا تتغير، ولن تجد لسنة الله تبديلاً.

    فالماء يروي، فهل تعطلت هذه السنة فأصبح الماء ما يروي؟! لن تتعطل، والنار تحرق، هل أصبحت النار ما تحرق؟ هل تعطلت هذه السنة؟ من آلاف السنين لم تتعطل، والحديد يقطع، وهل أصبح لا يقطع؟

    إذاً: سنن الله لا تتبدل، فالذي ينعم الله عليهم بنعمه ثم يكفروها ولا يشكر منزلها ومنعمها متوعد بأن يسلب ما أعطاه الله أحب أم كره، لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ [إبراهيم:7] هذه أبلغ من كلمة العذاب، إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ [إبراهيم:7] أنواع، وها هم العرب والمسلمون في حيرتهم، في ضلالهم، في فتنهم، في فقرهم، هل سعدوا؟ هل كملوا وطابوا وطهروا؟ ما سبب ذلك؟

    أنعم الله تعالى عليهم بالاستقلال وخلصهم من سلطة الكفر والاستعمار، ثم أعرضوا عنه ولم يعرفوه ولم يسألوا عنه وعن شرعه.

    النهي عن اتباع سبيل الجهلة

    فالله تعالى يقول لموسى وهارون: قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا [يونس:89] إذاً: فَاسْتَقِيمَا [يونس:89] أي: اشكرا الله على إجابة الدعوة وَلا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ [يونس:89] الله أكبر! لما استقل الشعب والإقليم من قلدوا؟ من اتبعوا؟ الضلال والعلمانيين والهابطين، وأعرضوا عن العلماء والفاهمين، كأن الآيات لم تنزل لنا، وإلا فما شأن موسى أن يتبع سبيل الذين لا يعلمون؟

    قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ [يونس:89] فالجهال كيف نتبعهم ونمشي وراءهم فيخططون ويقننون ويشرعون؟ هل بلغكم أن الإقليم لما استقل جمعوا العلماء؟ والله! ما كان، بل يسخرون منهم، هل تكون دستور إسلامي رباني سادت به أمة وعزت في تلك الديار؟ الجواب: ما كان والله، بل اتبعوا سبيل الذين لا يعلمون من أهل الجهل والضلال، ومشوا وراءهم، فكانت النكبة وكانت المحنة، ولهم يوم آخر.

    1.   

    قراءة في كتاب أيسر التفاسير

    معنى الآيات

    لنستمع إلى قراءة الشرح للآيتين في الكتاب.

    قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:

    [ معنى الآيتين:

    ما زال السياق في قصة موسى مع فرعون وبني إسرائيل ] أتباع موسى، [ فبعد أن لج فرعون في العناد والمكابرة بعد هزيمته سأل موسى ربه قائلاً: رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ [يونس:88] أي: أعطيتهم زِينَةً [يونس:88] أي: ما يتزين به من الملابس والفرش والأثاث وأنواع الحلي والحلل.

    وقوله: وَأَمْوَالًا [يونس:88] أي: الذهب والفضة والأنعام والحرث، فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [يونس:88] أي: في هذه الحياة الدنيا.

    وقوله تعالى: رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ [يونس:88] ] روي أيضاً: ليَضلوا بفتح الياء، لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ [يونس:88] غيرهم، أما هم فهم ضلال، [ رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ [يونس:88] أي: فيسبب ذلك لهم الضلال، إذاً: رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ [يونس:88] أي: أذهب أثرها بمسحها وجعلها غير صالحة للانتفاع بها، وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ [يونس:88] أي: اطبع على قلوبهم واستوثق منها، فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الأَلِيمَ [يونس:88] الموجع أشد الإيجاع.

    قال تعالى: قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا [يونس:89] على طاعتنا بالدعوة إلينا وأداء عبادتنا والنصح لعبادنا، والعمل على إنقاذ عبادنا من ظلم الظالمين، وَلا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ [يونس:89] أي: فتستعجلا وقوع العذاب؛ فإن الذين لا يعلمون ما لله من حكم وتدابير وقضاء وقدر يستعجلون الله تعالى في وعده لهم، فلا تكونوا مثلهم، بل انتظروا وعدنا واصبروا حتى يأتي وعد الله وما الله بمخلف وعده ].

    هداية الآيات

    قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم والمؤمنين:

    [ هداية الآيتين:

    من هداية الآيتين:

    أولاً: مشروعية الدعاء بالهلاك على أهل الظلم ]، من أين أخذنا هذا؟ من قوله: رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ [يونس:88] فيجوز أن تدعو على الظالمين بالهلاك.

    [ ثانياً: كثرة المال وأنواع الزينة والانغماس في ذلك والتلهي به يسبب الضلال لصاحبه ]، إي والله، تأملوا حتى لا تعشقوا الدينار والدرهم.

    يقول: [ كثرة المال وأنواع الزينة والانغماس في ذلك والتلهي به يسبب الضلال لصاحبه ]، فينسى الله وما عنده.

    [ ثالثاً: الذين بلغوا حداً من الشر والفساد فطبع على قلوبهم لا يموتون إلا على الكفر فيخسرون ]، فقوم فرعون رأوا تلك الآيات من الطوفان والدم وغيرهما فكانوا يؤمنون ثم يكفرون بعد ذلك؛ لأن قلوبهم طبع عليها فما يرجعون.

    [ رابعاً: المؤمِّن داع فهو شريك في الدعاء، فلذا أهل المسجد يؤمِّنون على دعاء الإمام في الخطبة فتحصل الإجابة للجميع، ومن هنا يخطئ الذين يطوفون أو يزورون إذ يدعون بدعاء المطوف ولا يؤمِّنون ]، يكفيهم أن يقولوا: آمين فقط، حين يفرغ من الدعاء يقولون: آمين.

    [ خامساً: حرمة اتباع طرق أهل الضلال، وتقليد الجهال والسير وراءهم ]، وَلا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ [يونس:89].

    وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718663

    عدد مرات الحفظ

    755952035