إسلام ويب

تفسير سورة العنكبوت (10)للشيخ : أبوبكر الجزائري

  •  التفريغ النصي الكامل
  • ما زال الله يقص علينا نهاية الظالمين وعاقبة المكذبين، فها هم قوم شعيب طففوا المكيال وتمادوا في الجدال حتى أهلكهم الله بالرجفة وأصبحوا لمن خلفهم عبرة، وكذلك ثمود وعاد حين تجبروا في البلاد، وأطاعوا الشيطان وأفسدوا العباد، أخذهم الله وهم على بصيرة فخاب المصير ولم يسعفهم النصير، وهذا فرعون بملكه وهامان بوزاراته وقارون بماله كلهم قصم الله ظهورهم وقطع شرورهم، وكل طاغية يؤخذ بذنبه، فمنهم من تكون له الصيحة جزاء قبيحه، ومنهم من يكون غرقه عاقبة ترفه، ومنهم من يرسل الله عليه حاصباً لأنه كان لعداوة الله ناصباً، ومنهم من يكون له الخسف مقابل العسف، وما ظلمهم خالقهم ولكن أوبقتهم أعمالهم.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (وإلى مدين أخاهم شعيباً فقال يا قوم اعبدوا الله...)

    الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

    وها نحن اليوم أيضاً مع سورة العنكبوت المكية المدنية، فهيا بنا نصغي مستمعين إلى تلاوة هذه الآيات، ثم نتدارسها، والله تعالى نسأل أن ينفعنا بما ندرس ونسمع.

    قال تعالى: وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الآخِرَ وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ * فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ * وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ * وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ * فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [العنكبوت:36-40].

    معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات!

    أسألكم بالله من قص علينا هذا القصص؟

    والله ما هو إلا الله، ولا يستطيع إنسان على وجه الأرض أن يقص مثل هذا القصص.

    إذاً: فالذي نزل عليه هذا القصص يستحيل أن يكون غير رسول الله، ووالله إن محمداً لرسول الله وإن كفر الناس أجمعهم.

    كيف لا يكون رسولاً وهذا الوحي الإلهي ينزل عليه؟!

    وهذه الأخبار من أخبر بها؟ الله، ليس إلا الله، وهل يكون جائزاً أن يخبره بالخبر وهو غير موجود كما يقول الملاحدة والعلمانيون؟! مستحيل. ما من خبر إلا والمخبر موجود؛ لأنه أخبر به.

    كيف يخلق هذه الأشياء ويقولون غير موجود؟ عمى هذا أم ماذا؟ ضلال بين.. فساد في القلوب، أينكرون وجود الله؟! إذاً: من أوجد هذا الكون؟

    لكن السر في ذلك أنهم لا يريدون أن يعبدوا الله، يريدون أن يفسقوا ويفجروا اتباعاً لوحي الشيطان وبياناته.

    قول ربنا وَإِلَى مَدْيَنَ [العنكبوت:36] أي: أرسلنا وبعثنا إلى مدين.. قرية كبيرة تسمى مدين باسم الرجل الأول، بعثنا لهم أَخَاهُمْ شُعَيْبًا [العنكبوت:36] وشعيب نبي من أنبياء العرب، أنبياء العرب أربعة شعيب منهم.

    ومدين هذه ما بين فلسطين والأردن والشام والحجاز أيضاً وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا [العنكبوت:36] أرسلناه فماذا قال؟ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الآخِرَ وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ [العنكبوت:36] هذه دعوته، ما قال أعطوني ديناراً ولا درهماً ولا اتركوا نساءكم، ولا تفرطوا في أولادكم.

    ماذا قال لهم؟ اعبدوا الله. أذلوا له واخضعوا بطاعته، إن قال صوموا صمتم، وإن قال أفطروا أفطرتم، وإن قال اركعوا ركعتم، وإن قال اسجدوا سجدتم. هذه هي العبادة.

    اعْبُدُوا [العنكبوت:36] من؟ الله، وكانوا يعترفون بوجود الله، عرفوا أن الله هو خالق الخلق وأنه بيده كل شيء، وهذا المذهب العقدي استمر طول الحياة إلا منذ زمان بسيط لما ظهرت الشيوعية والماسونية فكذبوا بوجود الله وإلا فالمشركون على أصنافهم لا ينكرون وجود الله.

    كيف يقولون: الله غير موجود، وأنت من أوجدك؟ أمك من أوجدها؟ مستحيل!

    يؤمنون بالله لكنهم يعبدون سواه، يعبدون سواه بعبادات ما شرعها الله، فكيف يسعدون بها ويكملون عليها؟

    ماذا قال شعيب عليه السلام: يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ [العنكبوت:36] أولاً وَارْجُوا الْيَوْمَ الآخِرَ [العنكبوت:36] ارجوه وآمنوا به وانتظروا مجيئه؛ لأنه يكشف الستار ويظهر العار ويتبين السعيد والشقي في هذا اليوم!

    لا تنسوه ولا تغفلوا عنه ولا تعرضوا بل اذكروا الدار الآخرة، وما أحوجنا إلى هذه، والله ما أحوجنا إلى هذه.

    ملايين المسلمين لا يذكرون الدار الآخرة ولا يفكرون فيها، والله عز وجل امتدح رجالاً من عبيده فقال تعالى: إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ [ص:46] ميزناهم بميزة وهي أنهم ما ينسون الدار الآخرة، هؤلاء رسل الله وأنبيائه وصالح عباده إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ [ص:46] خاصة وهي ذِكْرَى الدَّارِ [ص:46] الآخرة.

    هذا شعيب يقول لأهل مدين وَارْجُوا الْيَوْمَ الآخِرَ [العنكبوت:36] لا تنسوه.. لا تكذبوا به.. لا تعرضوا عنه!

    فكروا فيه؛ لأنه يوم الجزاء، هذا اليوم يوم عمل وذلك يوم جزاء، فما دمتم تعملون اليوم ففكروا في يوم جزاء أعمالكم التي تعملونها.

    ومرة ثانية: الذي ينسى الدار الآخرة قريب ممن ينسى الله ولا يستقيم أبداً ولا يفعل خيراً ولا يكف عن شر ولا خبث ولا فساد.

    الذي ينسى الله كالذي ينسى الدار الآخرة يموت موتاً كاملاً ويصبح حيواناً كالحية والثعابين.

    ثالثاً: وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ [العنكبوت:36] لا تعصوا الله في الدنيا هذا بالزنا، وهذا بالربا، وهذا بالغش، وهذا بالكذب، وهذا بالخداع، وهذا بالتزوير، وهذا بالبخس في الكيل والوزن.. كل المعاصي التي يعصى بها الله ورسوله تسمى فساداً، والعامل بالمعاصي في أي مكان هو عامل بالفساد في الأرض عاث في الأرض فساداً.

    وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ [العنكبوت:36] وكانت لهم جريمة وهي التطفيف في الكيل والوزن.

    وبخس الناس أموالهم. البضاعة تساوي ألف فيقول له: عشرة ريالات.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (فكذبوه فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين)

    إذاً قال تعالى: فَكَذَّبُوهُ [العنكبوت:37] كذبوا شعيباً.. ما آمنوا بما قال لهم.. ما أجابوه؛ لأن الله كتب شقاوتهم وأعد لهم دار البوار والخسران.

    فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ [العنكبوت:37]. صيحة ارتجت لها القلوب والأرض تحركت فماتوا عن آخرهم.

    فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ [العنكبوت:37] على ركبهم أموات لا يبصرون ولا يتكلمون في ساعة واحدة.

    هذا الهلاك نتيجة التمرد والعصيان أم لا؟ نتيجة الخروج عن طاعة الله أم لا؟ ينزل كتابه ويبعث رسوله ويبين لعباده فينتكسوا ويعرضوا ويعملوا بطاعة الشيطان، فيعصون الرحمن، لذا لابد وأن تنزل بهم نقمة الله في الدنيا والآخرة.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (وعاداً وثمود وقد تبين لكم من مساكنهم...)

    والآن قال تعالى: وَعَادًا [العنكبوت:38]، أيضاً، وَثَمُودَ [العنكبوت:38]، وأرسلنا إلى عاد هوداً وإلى ثمود صالحاً، ثمود وعاد: عاد في الشحر مابين عمان وعدن، تلك الصحارى إلى الساحل هي الشحر، وثمود شمال المدينة مدائن صالح.

    وَعَادًا وَثَمُودَ [العنكبوت:38]، أي: وأرسلنا إلى عاد وثمود، أرسلنا هوداً لعاد، وصالحاً لثمود، ما استجابوا.. ما عبدوا الله، أصروا فأهلكناهم كما أهلكنا الأولين، أما عاد فأرسل عليهم ريحاً صرصراً سبع ليالي وثمانية أيام، والله ما بقي أحد.

    المؤمنون نجوا.. خرجوا مع رسولهم لما جاء وعد الله، والمشركون والفاسقون والفاجرون استمروا حتى أتى عليهم الموت ولم يبق أحد.

    وَثَمُودَ [العنكبوت:38]، قال لهم ربهم اسمعوا: تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ [هود:65]، اشربوا وكلوا وانكحوا وامرحوا كما شئتم ثلاثة أيام فقط، وفي يوم الأربعاء اصفرت وجوههم، ويوم الخميس اسودت وجوههم، ويوم الجمعة كذا، وصباح السبت ما بقي أحد، صيحة واحدة خرجت منها القلوب. هذه ثمود.

    من فعل هذا الفعل يرحمكم الله؟

    هل يقدر عليه كائن سوى الله؟ مستحيل. كيف يكفر بالله؟! والديار موجودة، ديار عاد وديار ثمود، تفضلوا ما هي حكايات هذه، أحداث واقعة ثابتة، لو كذب بها العرب والمشركون كلهم والله ما كذبنا؛ لأن الله أخبر وبكتابه أنزل.

    قال تعالى: وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا [العنكبوت:38]، مع الأسف، مُسْتَبْصِرِينَ [العنكبوت:38].

    عاد وثمود وقد تبين لكم أيها المشركون! يا أهل مكة! يا قريش! تبين لكم من مساكنهم في الشمال والجنوب أم لا؟

    وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ [العنكبوت:38]، أي: للمشركين من عاد وثمود زين لهم أعمالهم.

    فَصَدَّهُمْ [العنكبوت:38]، عن طريق الله، حسّن لهم باطلهم.. أغانيهم.. مزاميرهم.. أكلهم.. رقصهم.. شربهم كذا.. حسّنه فاستمروا عليه حتى أهلكهم الله.

    وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ [العنكبوت:38]، صنّاع عجب، تجار عجب، ما كانوا عميان أو جهال، ولكن مع استبصارهم صرفهم العدو فتنكروا للحق ولم يقولوا به ولم يعرفوه.

    عرفتم عن عاد وثمود أم لا؟

    وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ [العنكبوت:38]، يا مسلمون! ويا عرب! ويا مشركون! مِنْ مَسَاكِنِهِمْ [العنكبوت:38]، ماذا؟ عرفنا. وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ [العنكبوت:38]، وهي الشرك بالله، عبادة غير الله، الجرائم، الموبقات، فعل المحرمات، ترك الواجبات، هذا الذي زينه الشيطان وحسنه لهم، وصدهم بذلك عن طريق الجنة.

    فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ [العنكبوت:38]، سبيل من؟ سبيل الله، التي من سلكها انتهى إلى رضوان الله، إلى جواره في الملكوت الأعلى.

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (وقارون وفرعون وهامان ولقد جاءهم موسى بالبينات...)

    قال تعالى أيضاً: وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ [العنكبوت:39]، أمم مضت قبلكم يا عرب!

    وَقَارُونَ [العنكبوت:39]، من قارون هذا؟ ذاك الغني الثري الذي خرج يتبختر فخسف الله به وبداره الأرض.

    فرعون ذاك الجبار الطاغية الذي قال: لا إله إلا هو، وهامان ذاك الوزير العسكري العجيب.

    وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ [العنكبوت:39]، وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مُوسَى [العنكبوت:39]، أي: جاء من؟ هؤلاء الثلاثة قارون وفرعون وهامان .

    جَاءَهُمْ مُوسَى [العنكبوت:39]، من موسى هذا؟ ابن عمران كليم الله.

    حياته في القرآن أوضح من حياتنا، موشي، موسى: وجد بين الماء والشجر، فقيل له: موشي، وهو موسى.

    تسع آيات التي أعطاها الله موسى محفوظة معروفة عندنا منها: اليد التي تخرج كالقطعة من القمر، والعصا التي يرميها فتزحف على كل شيء وتأخذه.

    وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ [العنكبوت:39]، بالحجج الظاهرة، والبيانات القطعية.

    ومع الأسف فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ [العنكبوت:39]، فأهلكناهم.

    وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ [العنكبوت:39]، أي: الحجج، والبراهين.. الآيات التسع فَاسْتَكْبَرُوا [العنكبوت:39]، وأبوا أن يتبعوا موسى، أبوا أن يخنعوا ويخضعوا لله ويعبدوه استكباراً في الأرض.

    هل سبقوا الله؟ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ [العنكبوت:39]، أبدناهم وأنهينا وجودهم عن آخرهم.

    لم لا نخاف الله ونرهبه؟

    لم نقوى على عصيانه والتمرد على شرعه؟!

    ما لنا؟ أموات أم أحياء؟!

    1.   

    تفسير قوله تعالى: (فكلاً أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصباً ...)

    قال تعالى: فَكُلًّا [العنكبوت:40]، أي: كل أمة من هذه الأمم.. كل فرد من هذه الأفراد أخذناه بذنبه.

    فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ [العنكبوت:40]، تعرفون الذنب أم لا؟

    ذنب الحيوان وراءه، فالمعاصي وراء الإنسان منها يؤخذ، ولهذا سميت بالذنب؛ إذ يؤخذ الإنسان بذنبه بالهلاك في الدنيا والآخرة.

    وسمي الذنب ذنباً؛ لأنه من ذنب الحيوان، قال تعالى: فَكُلًّا أَخَذْنَا [العنكبوت:40]، بماذا؟ بِذَنْبِهِ [العنكبوت:40]، بكفره وشركه، بعصيانه وتمرده، بسخريته وكذبه، باستهزائه بدعوة الله ورسله كما كانوا يفعلون.

    فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا [العنكبوت:40]، وهم قوم لوط، أرسل الله عليهم حاصباً: حجارة من السماء بعدما قلب الأرض وجعل الظاهر باطناً والباطن ظاهراً.

    ثانياً: وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ [العنكبوت:40] وهم ثمود وقوم شعيب، ثمود ومدين، هؤلاء هلكوا بالصيحة، ثمود ومدين.

    ثالثاً: وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ [العنكبوت:40]، هذا من؟ قارون ذو المال والخزائن المالية، مفاتيح خزائنه الجماعة ما تحملها.

    رابعاً: وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا [العنكبوت:40] فرعون، وقوم نوح من قبله.

    بيان عجيب! من يبين هذا البيان؟!

    من يستطيع أن يقول هذا الكلام؟!

    قولوا لا إله إلا الله! والله إنه لا إله إلا الله، ويل للكافرين، ويل للمشركين، ويل للمعرضين الغافلين.

    اسمع ماذا يقول تعالى لما ذكرهم وبيّنهم قال: فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ [العنكبوت:40]، ونحن يجب ألّا نرضى لأنفسنا بالذنوب حتى لا نؤخذ بها، والله لنؤخذنَّ بذنوبنا إذا لم نتب. فهيا نتوب إلى الله!

    فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا [العنكبوت:40]، أليس كذلك؟

    بلى. وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ [العنكبوت:40]، حاشا لله أن يظلم مخلوقاً من عباده، والله ما يظلم ربك أحداً أبداً، لولا أن العبد يذنب فيستوجب عذاب الله ما أذاقه الله عذاباً ولا مسه به أبداً!

    حاشا لله أن يظلم هذا!

    أهلكهم بالحق.. بالعدل استوجبوا الهلاك.

    وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [العنكبوت:40]، كانوا يظلمون أنفسهم، حتى لا يقال يظلمون الله.

    الله لا يستطيعون أن يأخذوا منه شيئاً أو يظلموه، لكن يظلمون أنفسهم.

    كانت النفوس طاهرة نقية مشرقة كما في الأطفال الصغار من بنين وبنات لما يبلغون سن السادسة عشرة يبدأ الشيطان يملي عليهم ويوحي إليهم ويزين له فينغمسوا في الذنوب والآثام والجرائم حتى تخبث أنفسهم ويصبحوا من الظالمين.

    1.   

    قراءة في كتاب أيسر التفاسير

    هداية الآيات

    والآن مع هداية الآيات.

    قال: [ من هداية الآيات:

    أولاً: تقرير التوحيد والنبوة والبعث الآخر ].

    من هداية هذه الآيات التي تدارسناها عباد الله: تقرير مبدأ التوحيد والإيمان بيوم القيامة، وقد عرفنا أن من أنكر التوحيد فهو شر الخلق، وأن من أنكر البعث الآخر يوم القيامة فهو شر الخلق، ولا يعول عليه ولا يوثق به ولا ينظر حتى إليه.

    الذي يفقد عقيدة لا إله إلا الله محمد رسول الله والدار الآخرة حق، هو شر الخلق. هذه الآيات كلها تقرر هذا المبدأ.

    [ ثانياً: حرمة الفساد في الأرض وذلك بارتكاب المعاصي وغشيان الذنوب. ]

    الفساد في الأرض حرام وله نتائج سوء وعواقب أسوأ، والمراد من الذنوب والمعاصي: عصيان الله ورسوله.

    الله عز وجل أمر بطاعته وأمر بطاعة رسوله، وبطاعة أولي الأمر فمن عصا فلم يطع في الواجبات بفعلها ولا في المحرمات بتركها فهو -والعياذ بالله تعالى- شقي مجرم فاسق فاجر.

    [ ثالثاً: بيان نقمة الله تعالى على المكذبين والظالمين والفاسقين].

    علمنا، كيف فعل الله بعاد وثمود ومدين فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ [العنكبوت:40]، لا بذنب غيره، هذا أغرقه، وهذا خسف به الأرض، وهذا.. وهذا.. كما سمعنا.

    [ رابعاً: بيان أن الشيطان هو سبب هلاك الأقوام وذلك بتزيينه لهم الشر والقبيح كالشرك والباطل والشر والفساد. ]

    هذه حقيقة الشيطان -عدونا إبليس- عليه لعائن الله فهو الذي يعمل على إفساد البشرية، وهو الذي يعمل على الخروج بها عن طاعة ربها وعبادة مولاها من أجل أن لا تكمل ولا تسعد والله العظيم.

    يزين اللواط، الزنا، الفجور، الربا، الكذب، الغش، الخداع، الكبر، العجب، كل الذنوب هو الذي يبعث بها على القلب ويزينها للإنسان، ومهمته أن نكون معه في دار البوار في جهنم.

    [ خامساً: بيان أن الاستكبار كالظلم عاقبتهما الهلاك والخسران. ]

    من هداية هذه الآيات: بيان أن الاستكبار كسائر الذنوب بل هو أبشع الذنوب -والعياذ بالله- واسمع الرسول يقول صلى الله عليه وسلم: ( إن الله لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر ).

    في حديث مسلم : ( إن الله لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة )، وزن ذرة، ( من كبر )؛ لأن الذي في نفسه هذا المثقال ما يصوم، ما يتقي الله، ما يعبد الله، يمشي وراء الشيطان، أعمى ضال، فكيف يدخل الجنة؟

    فلهذا نبرأ إلى الله من الكبر والمتكبرين والمستكبرين، وندعو أن نكون متواضعين متطامنين ذليلين بين يدي ربنا.

    [ سادساً: بيان أن الله تعالى ما أهلك أمة حتى يبين لها ما يجب أن تتقيه من أسباب الهلاك والدمار فإذا أبت إلا ذاك أوردها الله موارده. ]

    هذه حقيقة علميه ثابتة من هداية هذه الآيات: أن الله لا يهلك فرداً ولا جماعة ولا أمة إلا إذا بين لها الطريق الذي تسلكه فتنجو، فإذا بين وأعرضت وتكبرت واستجابت للشيطان وأبت أن تطيع الرحمن، حينئذٍ يدمرها بما شاء وينزل بها عذابه كما يشاء، وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ [هود:101].

    وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الآخِرَ وَلا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ * فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ * وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ [العنكبوت:36-38].

    هذه تتفق مع واقع العالم الإسلامي، الحكام الذين لا يطبقون شرع الله مستبصرون ويعرفون ولكن الشيطان صرفهم فاستجابوا له، وإلا ما المانع أن يطبقوا شرع الله على إخوانهم؟

    ينطبق عليهم اللفظ هذا كاملاً وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ [العنكبوت:38]، لكن الشيطان زين لهم الحضارة والتمدن و.. و..، والديمقراطية، وأعرضوا عن كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

    مكتبتك الصوتية

    أو الدخول بحساب

    البث المباشر

    المزيد

    من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر

    عدد مرات الاستماع

    3086718659

    عدد مرات الحفظ

    755794556