وفي هذا الدرس تحدث الشيخ عن أهمية الحفاظ على الأمانة، مبيناً بأن الصلاة من أعظم الأمانات، وفصل كذلك مفهوم الأمانة في مفهوم الإسلام، وتعرض للحديث عن تربية الأبناء كأمانة تحملها الآباء، عن الشهادة وعلاقتها بالأمانة، وأن خيانة الأمانة من صفات المنافقين، بخلاف المؤمن فإن من صفاته الحفاظ عليها.
أما بعد:
فيا عباد الله: اتقوا الله عز وجل، وبادروا بأداء الأمانات رغبةً بالثواب من الله، وخوفاً من عقاب رب العالمين، يقول الله عز وجل: إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً
[الأحزاب:72].
الأمانة -يا عباد الله- أمرها عظيم, وخطرها جسيم, لذلك تأبى السماوات والأرض والجبال وتشفق من حمل الأمانة ويحملها الإنسان.
أيها المسلمون: إن الأمانة من الأخلاق الفاضلة، وهي أصلٌ من أصول الديانات، الأمانة ضرورية للمجتمع الإنساني، لا فرق بين حاكم وموظف وصانع وتاجر ومزارع وغني وفقير، فالأمانة شرف الغني، وفخر الفقير، وواجب الموظف، ورأس مال التاجر، وسببٌ لشهرة الصانع، وسر نجاح العامل والمزارع، الأمانة مفتاح كل تقدم بإذن الله، ومصدر كل سعادة وندامة بإذن الله إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا
[النساء:58].
وليست الأمانة مقصورة على الودائع التي تؤمن عند الناس من غالٍ وثمين، بل الأمانة أوسع من هذا كله، فهي عملٌ لكل طاعة أمر الله بها ورسوله، واجتناب كل مخالفة وعصيان نهى الله عنه ورسوله.
إن الصلاة الكاملة تنير القلب, وتهذب النفس, وتعلم العبد آداب العبودية لله، وتعلمه كيف يعظم الله ويقدره حق قدره.
عباد الله: إن الزكاة أمانةٌ عندكم مطلوبٌ منكم أن تؤدوها في وقتها إذا اجتمعت الشروط المطلوبة، فالزكاة تطهر المال, وتزكي النفس, وتبرأ منها الذمة, وتسلم من العقاب يوم القيامة.
عباد الله: إن الصيام أمانة، ألا فاتقوا الله في صيامكم، فإنه لا يطّلع على ذلك إلا الله الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
الحج إلى بيت الله الحرام أمانةٌ في عنق كل مسلم إذا استطاع إلى ذلك سبيلاً.
أمة الإسلام: بقدر ما يكون الإنسان مقصراً في عبادة من هذه العبادات، فإنه يكون غير موفٍ لأمانته تماماً.
الفرج أمانة، ووقوعه في الزنا واللواط خيانة ومقتٌ في الدنيا، وفي الآخرة حسرةٌ وندامة إذا نطقت الجوارح بين يدي الله عز وجل: لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ
[فصلت:21].
عباد الله: العقل أمانة إن استعمله الإنسان فيما يعود عليه بالسعادة في الدنيا والآخرة فقد حافظ على هذه الأمانة، أما إن استعمله في المكر والخداع للمسلمين وكيدهم وإفساده بالمخدرات والمسكرات، فسوف يُسأل عن هذه الأمانة يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ
[الشعراء:88-89].
ولم يقتصر البعض على هذا الاعتداء على الأمانة حتى جاء بالفيديو إلى بيته وأهله، وقال لهم بلسان الحال: هلموا لننحرف عن الطريق المستقيم ونتبع كل شيطان مريد, أخبر الله في كتابه العزيز: وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ * وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ
[الزخرف:36-37] كلام الله واضح لا يحتاج إلى تفاسير, ثقافة, تربية, هذه الثقافة ثقافة الغربيين يأخذها أولادنا ونساؤنا كل ليلة عن التلفاز وما يبث فيه من التمثيليات، وما أدراك؟!
والبعض من الناس هدموا بيوتهم بأيديهم وأيدي الكافرين يقول القائل: بأي شيء؟ أقول: باستخدام المربيات الكافرات والخدم من النصارى, وغيرهم من مختلف الأديان التي تحارب الإسلام وأهله.
ثم إن البعض سلم الأهل والبنات والأخوات للسائقين، وقال: جوبوا بهن الشوارع بدون محرم، واذهبوا بهن إلى المعارض والأسواق، فيا لها من أمور تغضب الله عز وجل! ونقول: تسلطت علينا اليهود، اليهود قتلت المسلمين, سلبت المسلمين, أين المسلمون؟! إن أكثر المسلمين اليوم يتشبهون باليهود, كيف والبعض منا يقول: إخواننا المسيحيين، ولكن حسبنا الله ونعم الوكيل، فيا لها من أمورٍ تغضب الله عز وجل! ويا له من زمانٍ ماتت فيه الفضيلة وانتشرت فيه الرذيلة! ويا له من زمانٍ حارب أهله الأخلاق والشيمة والمروءة، وأهانوا الكرامة! وذلك بتضييع الأمانة.
ونقف أمام نقطة ولا نيئس -يا عباد الله- ولا نقنط من رحمة الله إذا تبنا وغيرنا أحوالنا وتحولنا إلى ما يرضي الله عز وجل، وقمنا بما اؤتمنا عليه لعلنا ندخل تحت الحديث، أو لعلنا ندخل في الحديث الشريف الذي أخبر به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم حيث قال: {لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة, لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله} أو كما قال عليه الصلاة والسلام، ويقول صلى الله عليه وسلم: {بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء! قيل: من الغرباء؟ قال: الذين يصلحون إذا فسد الناس} وفي رواية: {يصلحون ما أفسد الناس}.
اللهم اجعلنا هداةً مهتدين، واجعلنا من الصالحين المصلحين، اللهم أصلحنا وأصلح لنا وأصلح بنا يا رب العالمين.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.
أما بعد:
فيا عباد الله: اتقوا الله عز وجل وأطيعوه, وأدوا الأمانات جميعها من حقوق الله عز وجل مثل: الصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، والكفارات، والنذور، وغير ذلك مما ائتمنكم عليه، وكذلك أداء الحقوق لعباد الله كالودائع وغيرها من الأموال وما شاكلها من الأمانات، فمن لم يؤدِ الأمانة في الدنيا، أخذت منه يوم القيامة.
عباد الله: الأمانة الأمانة.. تمر الحياة بأحدنا وهو منهمكٌ في ملذاته وشهواته، ولا يفكر في مآله، ولا بيوم الحساب، وكأنه خالدٌ في الدنيا لا يموت أبداً، أو كأن عنده يقين أنه لا يحاسب على ما جناه، فلا يذكر جهنم وأهوالها وأنكالها وما فيها من أنواع العذاب الذي لم تصمد له الجبال الصمُّ الصلاب، لقد قست القلوب وتحجرت الضمائر وظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس، وسبب ذلك -يا أمة الإسلام- الإعراض عن كلام الله.
فيا عباد الله: لا تتعرضوا بذلك لسخط الله، وكونوا دائماً في ذكر الآخرة، فإن ذلك يبعث على الخوف من الله، ومن خاف ربه استقام بإذن الله: وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى
[النازعات:40-41].
إن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار.
واعلموا أن يد الله مع الجماعة، ومن شذَّ عن جماعة المسلمين شذَّ في النار، واعلموا إنما يأكل الذئب القاصية من الغنم.
وصلوا على رسول الله كما أمركم الله بقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً
[الأحزاب:56] ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من صلى عليَّ صلاة صلى الله عليه بها عشراً} اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وعلى رأسهم الخلفاء الراشدون أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وارضَ اللهم عن سائر أتباع رسولك أجمعين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين.
اللهم أعزنا بالإسلام، اللهم انصر الإسلام والمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، اللهم انصر من به نصرٌ للإسلام والمسلمين، واخذل من بخذلانه نصرٌ للإسلام والمسلمين، اللهم دمّر الشيوعيين واليهود والكفرة أجمعين, الذي يحاربون عبادك في مشارق الأرض ومغاربها، اللهم أنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين، اللهم انصر المستضعفين من المؤمنين في مشارق الأرض ومغاربها، اللهم انصرهم بنصرك يا رب العالمين، اللهم أمدهم بقوتك التي لا تغلب يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام لا إله إلا أنت، ولا حول ولا قوة إلا بك.
اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وأصلح أئمة وولاة أمور المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، اللهم أصلح أولادنا ونساءنا واجعلنا وإياهم هداةً مهتدين، اللهم أقرَّ أعيننا بصلاحهم يا رب العالمين، اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا واللواط وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن, عن بلدنا هذا خاصة وعن جميع بلدان المسلمين عامةً يا رب العالمين.
رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ
[الأعراف:23]
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ
[البقرة:201].
عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا
[النحل:90-91] واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.