وبعـد:
فهذه الليلة أيها الإخوة! سنتحدث فيها عن حديث عظيم من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، وهو حديث رواه الإمام أبو عبد الله البخاري رحمه الله في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان عظيمتان تكون بينهما مقتلة عظيمة، دعوتهما واحدة، وحتى يبعث دجالون كذابون قريب من ثلاثين كلهم يزعم أنه نبي، وحتى يقبض العلم، وتكثر الزلازل، ويقرب الزمان، وتظهر الفتن، ويكثر الهرج -وهو القتل- وحتى يكثر فيكم المال فيفيض حتى يهم رب المال من يقبل صدقته، وحتى يعرضه عليه فيقول الذي يعرضه عليه: لا أرب لي به، وحتى يتطاول الناس في البنيان، وحتى يمر الرجل بقبر الرجل فيقول: يا ليتني مكانك، وحتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت ورآها الناس آمنوا أجمعون، فذلك حين لا ينفع نفساً إيمانُها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً، ولتقومن الساعة وقد نشر الرجلان ثوبهما بينهما، فلا يتبايعانه ولا يطويانه، ولتقومن الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لقحته فلا يطعمه، ولتقومن الساعة وهو يليط حوضه فلا يسقي فيه، ولتقومن الساعة وقد رفع أكلته إلى فيه فلا يطعمها).
هذا الحديث قد اشتمل على عدد من أشراط الساعة؛ وأشراط الساعة أشراط صغرى وأشراط كبرى من جهة الحجم وعظم الوقوع.
وأما من جهة هل وقعت أم لا؟ فهي أقسام: فأحدها وقع وانتهى وقوعه، وفق ما قال صلى الله عليه وسلم، والثاني: ما وقعت مبادئه ولم يستحكم بعد، أوله وقع ولكنه لم يستحكم ويستشر بعد.
والثالث: ما لم يقع منه شيء ولكنه سيقع قطعاً.
فالقسم الأول تقدم وقوعه كما قال صلى الله عليه وسلم، من ذلك: اقتتال الفئتين العظيمتين، وظهور الفتن، وكثرة الهرج والقتل، وتطاول الناس في البنيان، وتمني بعض الناس الموت، وقتال الترك، وتمني رؤية النبي صلى الله عليه وسلم، وأن هذه الأمة تبعت الأمم الأخرى كما جاء في حديث أبي هريرة : (لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي بأخذ القرون قبلها).
وأما النوع الثاني: وهو الذي بدأ ولكنه لم يستحكم بعد: فتقارب الزمان، هذا الكلام ذكره العلماء منذ مئات السنين، وهو الآن في عصرنا أوضح، تقارب الزمان، وكثرة الزلازل، وخروج الدجالين الكذابين، وكذلك ما جاء في الحديث أنه يلقى الشح: (ولا تقوم الساعة حتى لا يقسم ميراث ولا يفرح بغنيمة) كما جاء في حديث مسلم وقد جاء في حديث حذيفة بن أُسيد أنه تقع قبل الساعة آيات منها: (ثلاثة خسوف، خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بـجزيرة العرب ).
وكذلك جاء في حديث سحارى عند الإمام أحمد وأبي يعلى عنه صلى الله عليه وسلم قال: (لا تقوم الساعة حتى يخسف بقبائل من العرب) وهذه الخسوف الثلاثة خسوف عظيمة أكثر مما يقع ويعاين ويشاهد من جهة المكان ومن جهة القدر، يكون خسف على نطاق واسع، وإلا فقد حدثت خسوف وانهيارات أرضية وزلازل، ولكن ليست كهذه الثلاثة التي ستكون أعظم وأكبر وأفظع في القدر والنتائج.
وكذلك جاء في بعض الأحاديث ذكر أشراط للساعة مثل حديث ابن مسعود : (لا تقوم الساعة حتى يسود من كل قبيلة منافقوها)، وكذلك في حديث: (كان زعيم القوم أرذلهم، وساد القبيلة فاسقهم)، وكذلك (إذا وسِّد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة).
وجاء كذلك بعض الأحاديث التي جمعها بعض أهل العلم، كما فعل ابن حجر رحمه الله تعالى، ومنها ما صح ومنها ما هو ضعيف، وفي بعض هذه الروايات: (حتى يكون الولد غيضاً، والمطر قيضاً، وتفيض الأيام فيضاً) وفي رواية: (ويجترئ الصغير على الكبير، واللئيم على الكريم، ويخرب عمران الدنيا، ويعمر خرابها).
هذا من جهة بعض الأشراط التي وقع أولها ولم تستحكم وتستشر.
وهناك نمط ثالث وهو لم يقع بعد، ومنها: طلوع الشمس من مغربها، ومنها: قتال المسلمين لليهود، كما جاء في الحديث الصحيح: (لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون، حتى يختبئ اليهودي وراء الحجر...) الحديث، وقد أخرجه الإمام مسلم رحمه الله تعالى في صحيحه .
وهذا القتال يقع قبل الدجال كما ورد في حديث سمرة عند الطبراني ، وكذلك جاء في حديث أنس : (أن أمام الدجال سنون خداعات؛ يكذب فيها الصادق، ويصدق فيها الكاذب، ويخون فيها الأمين، ويؤتمن فيها الخائن، ويتكلم فيها الرويبضة)، وهو الرجل التافه يتكلم في مصير العامة من الناس، رواه الإمام أحمد وأبو يعلى والبزار وسنده جيد.
وقد جاء عند ابن ماجة في حديث أبي هريرة : (قيل: وما الرويبضة؟ قال: الرجل التافه يتكلم في أمر العامة).
وجاء في حديث سمرة كذلك: (لا تقوم الساعة حتى تروا أموراً عظاماً لم تحدثوا بها أنفسكم)، أي: ما خطرت على بال، وفي لفظ: (يتفاقم شأنها في أنفسكم، وتسألون هل كان نبيكم ذكر لكم منها ذكراً؟).
وجاء في هذا الحديث: (وحتى تروا الجبال تزول عن أماكنها)، وقد أخرجه الإمام أحمد والطبراني وأصله في الترمذي .
وجاء في حديث عبد الله بن عمر : (لا تقوم الساعة حتى يتسافد الناس في الطريق تسافد الحمر) أي: كما أن الحمير يركب بعضها بعضاً، ويفعل بعضها في بعض، فكذلك سيفعل الناس في الطرقات وعلى الملأ وأمام الآخرين.
وجاء في حديث أبي يعلى عن أبي هريرة : (لا تفنى هذه الأمة حتى يقوم الرجل إلى المرأة فيفترشها في الطريق، فيكون خيارهم يومئذ من يقول: لو واريناها وراء هذا الحائط)، وللطبراني في الأوسط من حديث أبي ذر وفيه: (يقول أمثلهم: لو اعتزلتم الطريق)، وفي حديث أبي أمامة عند الطبراني : (وحتى تمر المرأة بالقوم فيقوم إليها أحدهم فيرفع بذيلها كما يرفع ذنب النعجة، فيقول بعضهم: لو واريتها وراء الحائط، فهو يومئذ فيهم مثل
وكذلك جاء في حديث حذيفة بن اليمان عند ابن ماجة : (يدرس الإسلام -أي: يزول وينتهي- كما يدرس وشي الثوب -كما ينمحي لون الثوب ويزول مع الوقت- حتى لا يدرى ما صيام ولا صلاة ولا نسك ولا صدقة، ويبقى طوائف من الناس -الشيخ الكبير والعجوز الكبيرة- يقولون: أدركنا آباءنا على هذه الكلمة: (لا إله إلا الله) فنحن نقولها).
وكذلك جاء في حديث أنس : (لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض: لا إله إلا الله، فنحن نقولها)، وقد أخرجه الإمام أحمد بسند قوي، وجاء عند مسلم بلفظ: (حتى لا يقال في الأرض: الله الله).
وفي حديث ابن مسعود (لا تقوم الساعة إلا على شرار الناس)، وفي رواية: (أنه يبقى حثالة) وفي رواية: (لا تقوم الساعة على مؤمن).
وجاء عند أحمد بسند جيد كما قال ابن حجر رحمه الله عن عبد الله بن عمر : (لا تقوم الساعة حتى يأخذ الله شريطته من أهل الأرض -يأخذ أهله ويأخذ المؤمنين من أهل الأرض- فيبقى عجاج لا يعرفون معروفاً ولا ينكرون منكراً).
وكذلك جاء في حديث الطيالسي عن أبي هريرة : (لا تقوم الساعة حتى يرجع الناس من ملتي إلى الأوثان يعبدونها من دون الله). وفي رواية لـمسلم وأحمد : (ولا تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي بالمشركين، وحتى تعبد قبائل من أمتي الأوثان)، ووجد في بعض الأماكن عبادة للأوثان من بعض قبائل العرب فعلاً وحقاً.
وقال صلى الله عليه وسلم: (لا تذهب الأيام والليالي حتى تعبد اللات والعزى من دون الله)، رواه الإمام مسلم وفيه: (ثم يبعث الله ريحاً طيبة فيتوفى فيها كل مؤمن في قلبه مثقال حبة من إيمان، فيبقى من لا خير فيه فيرجعون إلى دين آبائهم).
فالأشراط منها صغار وقد مضى أكثرها، ومنها كبار ستأتي، والكبار التي تضمنها حديث حذيفة بن أسيد عند مسلم وهي: الدجال، والدابة، وطلوع الشمس من مغربها، ونزول عيسى ابن مريم، وخروج يأجوج ومأجوج، والريح التي تهب بعد موت عيسى، فتقبض أرواح المؤمنين.
فماذا بالنسبة للطائفة المنصورة التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن وجودها، وأنها إلى آخر الزمان؟
فالجواب: أن هذه الطائفة قائمة حقاً وفعلاً، ولكنها ستبقى إلى قرب نهاية الزمان، فقبيل قيام الساعة يبعث الله ريحاً فتقبض أرواح هذه الطائفة المنصورة وغيرها من المؤمنين، ويبقى شرار الخلق وعليهم تقوم الساعة، هكذا وجه الجمع بين حديث الطائفة المنصورة ، وحديث: (أنه لا تقوم الساعة وفي الأرض من يقول: الله الله) أي: لا يذكر الله عز وجل، وبالتالي لا يكون هناك فائدة من وجود المصاحف، فيسرى على كتاب الله في ليلة، ولا يبقى منه آية لا في المصاحف ولا في الصدور، ويبعث الله تعالى ذو السويقتين فيخرب الكعبة؛ لأنه لا أحد يحج إلى مكة ولا يطوف حول الكعبة، لا في حج ولا في عمرة، وبعد ذلك تقوم الساعة، لا كعبة ولا مصحف ولا ذاكر لله أبداً، تقوم على شرار الخلق، وهذا الزمن لم نأت عليه بعد بطبيعة الحال.
أولها: ( حتى تقتتل فئتان ) وقد ذكر شراح الأحاديث أن هاتين الفئتين هما فئة علي ، ومعاوية رضي الله تعالى عنهما، وكان لكل منهما دعوة، فأما معاوية رضي الله عنه فإنه كان يطلب القصاص من قتلة عثمان ، وعلي رضي الله عنه كان يريد أن يبايعه أولاً، ثم ينظر في قتلة عثمان ، ومعاوية رضي الله عنه كان ولي الدم يريد المطالبة أولاً بقتلة عثمان وحصل ما حصل بين الصحابة، ونحن نمسك عما جرى بينهم، ولا نتكلم فيه، ونترضى عنهم، ولكن نقول: ما أخبر به صلى الله عليه وسلم وقع فعلاً، ووقعت الفتنة وكان قتل عمر هو كسر الباب الذي دخلت فيه الفتن على المسلمين، وقضى الله قضاءه، وشاء ما شاء، وقدر ما قدر، فقتل في تلك الأحداث من قتل من خيار المسلمين.
وكان للمنافقين ولـعبد الله بن سبأ اليهودي وغيره من أهل الشر الدور العظيم في حصول تلك الفتن.
ثانيها: أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن هناك دجالين قريب من ثلاثين يبعثون، والمقصود ببعثهم هو ظهورهم، لا بعث الرسالة، فإن بعث الرسالة يكون للأنبياء، وقال في الحديث: (قريب من ثلاثين) وجاء في رواية عند الإمام أحمد رحمه الله: أن هؤلاء يبعث سبعة وعشرون منهم أربع نساء ويكون ما ذكر من الثلاثين هو جبر للكسر.
أما بالنسبة لمن ظهر، فقد ظهر عدد من الدجالين منهم مسيلمة الكذاب ، والأسود العنسي ، وطليحة الأسدي ، الذي رجع، وتنبأت سجاح امرأة وتزوجها مسيلمة ثم رجعت بعده، فهؤلاء قد ظهروا، فذكر الإمام أحمد رحمه الله عن حذيفة بسند جيد (سيكون في أمتي كذابون دجالون سبعة وعشرون منهم أربع نسوة، وإني خاتم النبيين لا نبي بعدي)، جاء في هذه الرواية قال: (كلهم يزعم أنه رسول الله)، أي: يدعي النبوة.
ومدعو النبوة كثر، ادعى النبوة ناس كثيرون ربما كانوا بالمئات، ولكن رءوسهم الذين كان لهم شأن كبير وفتنة كبيرة وعظيمة وأتباع، وربما صار قتال عظيم بينهم وبين المسلمين، فهؤلاء لا يتجاوزن الثلاثين كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، وإلا فالمدعون الصغار للنبوة كثر.
ثالثها: قال في هذا الحديث: (وحتى يقبض العلم)، فأما قبض العلم فهو ظاهر؛ لأن قبض العلم سيكون فيه ذهاب العلم والعلماء؛ لأن الله لا ينتزع العلم انتزاعاً من الصدور، وإنما يقبض العلم بقبض العلماء، فإذا قبض الله العلماء بقي الجهال، فاتخذ الناس رءوساً جهالاً فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا.
وكذلك فإن من الظواهر التي تدل على ذهاب العلم: أن يلتمس من يعلم المسألة فلا يوجد إلا بشق الأنفس، وربما لا يصل بعض الناس إلى من يسأله، فيظهر الجهل ويظهر مفتون كذبة، بعضهم يفتي بالهوى، وعلى ما يريد الناس، ولأجل المال والدنيا، وبعضهم يفتي بالجهل حباً للترأس، ولأن يسأل ويكون له مكانة بين الخلق.
وهذا الشيء قد رئي عياناً، فقد نقص العلم وظهر الجهل، وقد حصل ما حصل من قبض العلم بموت كثير من العلماء، والمراد بالعلم بطبيعة الحال هو: علم الكتاب والسنة، والعلماء هم ورثة الأنبياء، فالعلماء مع قلتهم لا يزالون في فناء ونقصان، وسيكون نهاية رفع العلم -كما قلنا- بزوال المصاحف والقرآن من الأرض، وأن يبقى الناس جهلة ما فيهم واحد يذكر الله عز وجل.
وهذا الحديث كونه يشير إلى ذهاب العلم لا يعني الاستسلام، وأن يقال: إن هذا وقتنا الذي سيذهب فيه العلماء ولا يبقى فيه أحد، لا. وإنما هو حذرنا من وقوع هذا الشيء، وليس بالضرورة أن يقع في حياتنا وفي زماننا، فقد يقع بعدنا بمدة، ولذلك فإن على المسلمين مسئولية في نشر العلم، حتى لا نكون نحن في الزمن الذي تقع فيه هذه الكارثة.
وكذلك يكون مقاومة انتشار الجهل بحفظ الكتاب والسنة، وكلام العلماء والجلوس إليهم والأخذ عنهم، وكذلك تحصيلهم للقراءة في الكتب، وسماعه ونشره بالطباعة والتسجيل وغير ذلك من الوسائل حتى لا نكون نحن هذا الجيل السيئ الذي ينتهي فيه العلم، ولذلك كان من بركة اليقظة الإسلامية المعاصرة انتشار العلم ونشره بين المسلمين.
رابعها: وأما بالنسبة لقضية كثرة الزلازل فقد وقع كثير منها في البلاد الشمالية والشرقية والغربية، والمقصود بكثرتها شمولها ودوامها، لذلك جاء في حديث أحمد : (وبين يدي الساعة سنوات الزلازل)، وعند الإمام أحمد عن أبي سعيد (تكثر الصواعق عند اقتراب الساعة)، وما نسمعه في هذا الزمان من مسألة كثرة الزلازل أمر مشاهد، فإنك تسمع بالأخبار العظيمة التي فيها القتلى الكثر، وتخريب المدن والمنشآت ونحو ذلك، وهذا حق؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد أخبر به.
والزلازل هذه لها صور ولها أشكال، قد تكون حركة واضطراباً وكسفاً، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لـعبد الله بن حوالة رضي الله عنه لما وضع يده على رأسه، قال: (يا
الناس يقولون: إنه قد مضى وقت وما حدث شيء ونحو ذلك، فالناس يستعجلون وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ [الحج:47].
خامسها: قوله في الحديث: (يتقارب الزمان) إما أن الزمان يسرع إسراعاً أكثر من قبل، وإما أن البركة تزول، بحيث إنك لو كنت تعيش قبل ألف سنة مثلاً لأمكنك أن تعمل من الأعمال في الأربع والعشرين ساعة أكثر مما تعمله الآن بكثير، ولا يمنع أن يكون الأمران مجتمعين، فيسرع الوقت وتنزع بركته، وقد ذكر العلماء أن الزمن يسرع أكثر منذ قبل، فليس هذا مستبعداً، فالعلماء فسروا تقارب الزمن بتفسيرات منها: الإسراع.
قد يعود ذلك إلى تسارع في حركات الكواكب أو ما أشبه ذلك والله أعلم به، ولكن نزع البركة معروف، وقد ذكر العلماء نزع البركة، وكذلك إسراع الزمان، ويمكن أن يكون تقريب المسافات بالوسائل العصرية في المواصلات والنقل داخل في هذا، وكذلك انتقال الصوت بهذه الأجهزة التي قربت البعيد، فتتكلم معه من بعد كبير في مكانك.
سادسها: قال: (وحتى يكثر فيكم المال فيفيض) أي: أن هذا المال يأتي عليه وقت يكثر فيه، بحيث إنه يزيد عن حاجة الناس، فقد حصل في عهد عمر بن عبد العزيز رحمه الله أن الناس طافوا بالزكاة والصدقات ليوزعوها على الفقراء فلم يجدوا من يقبلها وأغنى عمر الناس.
سابعها: جاء في الحديث (تطاول الناس في البنيان)، وقد حصل ذلك، فكل من كان يبني بيتاً يريد أن يكون ارتفاعه أعلى من ارتفاع الآخر، وربما يكون هذا من المباهاة، وربما يدخل فيه أيضاً المباهاة في الزينة والزخرفة، فالارتفاع الحسي والارتفاع في قيمته وفي زخرفته وفي تشييده وتزيينه، ارتفاع حسي ومعنوي من جميع الجهات، فهم يتطاولون فيه علواً، ويتطاولون فيها أيضاً زخرفة وتشييداً.
ثامنها: (وحتى يمر الرجل بقبر الرجل، فيقول: يا ليتني! مكانك)، أي: يتمنى الموت من شدة البلاء، وقد حصل هذا، وإذا كان الإنسان لا يجوز أن يدعو على نفسه بالموت، لكن قد يقع في بعض الأحيان أن يتمناه إذا كان يخشى على دينه، لأنه قال: (لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به، فإن كان لابد فاعلاً فليقل: اللهم أحييني ما علمت الحياة خيراً لي، وتوفني ما علمت الوفاة خيراً لي).
أما الدخان، وطلوع الشمس من مغربها، وخروج الدابة، والنار التي تحشر الناس، فهذا معناه أن الساعة قد ابتدأت بالقيام فعلاً. (إذا طلعت الشمس من مغربها فرآها الناس آمنوا أجمعون)، وفي رواية: (آمن من عليها)، أي: من على الأرض كلهم، قال: (فذاك حين لا ينفع نفساً إيمانُها)، من الذي لا ينتفع؟ الكافر؛ لأن المؤمن أصلاً مؤمن، أما الكافر الذي لم يكن مؤمناً قبل طلوع الشمس، فإنه لا ينفعه إيمانه بعد طلوع الشمس من مغربها.
ويكون مثله مثل من وصلت روحه إلى الحلقوم عند الغرغرة لا يفيده شيئاً، وكذلك مثله مثل نزول العذاب بالكفار: فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا [غافر:85].
فإذاً هناك حالات لا ينفع فيها الإيمان: إذا بلغت الروح الحلقوم، وإذا طلعت الشمس من مغربها، وإذا نزل عذاب الله بالكفار انتقاماً وبطشاً كما نزل بقوم ثمود وفرعون وغيرهم.
يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا [الأنعام:158] قوله: بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ فسرها جمهور العلماء: بطلوع الشمس من مغربها، وأما بالنسبة لما رواه الإمام مسلم رحمه الله في صحيحه عن أبي هريرة رفعه، قال: (ثلاثة إذا خرجن لم ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل: طلوع الشمس من مغربها، والدجال، ودابة الأرض) كيف يفهم هذا الحديث؟
لعل هذه الثلاث تكون متتابعة؛ لأن مدة ملك الدجال هو إلى أن يقتله عيسى، فالدجال يخرج ويمكث في الأرض إلى أن يقتله عيسى، ثم لبث عيسى في الأرض وخروج يأجوج ومأجوج أمران متواليان؛ لأن يأجوج ومأجوج يخرجون في عهد عيسى، وعيسى ينزل والدجال موجود، ويأجوج ومأجوج يخرجون وعيسى موجود.
والذي يترجح والله أعلم أن هذه الثلاثة قبل طلوع الشمس من مغربها، فذكر ابن حجر رحمه الله في الجمع بين الأحاديث قال: فالذي يترجح من مجموع الأخبار: أن خروج الدجال أول الآيات العظام المؤذنة بتغير الأحوال العامة في معظم الأرض، فسيأتي وقت تتغير فيه معظم الأحوال في الأرض.
بداية التغير في الأرض تكون بخروج الدجال، وبعده عيسى، وبعده يأجوج ومأجوج، وينتهي ذلك بموت عيسى بن مريم عليه السلام، ويدفنه المسلمون ويصلون عليه.
وأما طلوع الشمس من مغربها، فهو أول الآيات العظيمة المؤذنة بتغير العالم العلوي؛ لأنه سيحدث تغير في الأرض تحت، وسيحدث تغير فوق في العالم العلوي، فبداية التغيرات العظيمة في العالم الأرضي: خروج الدجال، وبداية التغيرات العظيمة في العالم العلوي سيكون طلوع الشمس من مغربها، وستنتهي العملية بقيام الساعة، ولعل خروج الدابة يقع في اليوم الذي تطلع فيه الشمس من مغربها، ولذلك جاء في صحيح مسلم رحمه الله عن عبد الله بن عمرو بن العاص رفعه: (أول الآيات طلوع الشمس من مغربها، وخروج الدابة على الناس ضحىً، فأيهما خرج قبل الأخرى فالأخرى منها قريب).
أول الآيات طلوع الشمس من مغربها: إذاً الأولوية هذه بالنسبة لتغير العالم العلوي، وسيكون طلوع الشمس من مغربها متوافقاً مع خروج الدابة التي تختم على الناس المسلم والكافر ختماً، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (أول الآيات طلوع الشمس من مغربها، وخروج الدابة على الناس ضحىً، فأيهما خرج قبل الأخرى فالأخرى منها قريب).
والذي يظهر أن طلوع الشمس يسبق خروج الدابة، ثم تخرج الدابة في نفس اليوم الذي تطلع فيه الشمس من مغربها، لأنه إذا طلعت الشمس من مغربها أقفل باب التوبة، فإذا أقفل باب التوبة استقرت أحوال أهل الأرض على ما هم عليه إيماناً وكفراً، فتخرج الدابة حينئذ لتميز المؤمنين عن الكفار بالختم على وجوههم، تكميلاً للمقصود من إغلاق باب التوبة، لما أغلق باب التوبة ما عاد ينفع الآن أي تغير من الكفر إلى الإسلام، فالدابة تخرج لتسم الموجودين وتطبع عليهم، مؤمن .. كافر وهكذا، فيكون الختم هذا ظاهراً من قبل الدابة العظيمة التي تخرج ظاهراً على وجوه الناس في ذلك الزمان، والكافر لا ينفعه إيمانه، وكذلك العاصي لا تنفعه توبته ما لم يكن قد تاب من قبل، بل يختم على عمل كل إنسان بالحالة التي هو عليها.
فإذا بدأ التغير في العالم العلوي وهو طلوع الشمس من مغربها، فعند ذلك كل الناس سيخافون ورغم عنهم سيؤمنون، ولكن الإيمان لم يعد بنافعهم في ذلك الوقت؛ لأنه ارتفع الإيمان بالغيب، والأمور العظيمة بدأت في الوقوع، مثل الإنسان إذا نزعت روحه ووصلت الحلقوم، وتعاين الملائكة، وعرف أن المسألة حق، والموت حق، والجنة والنار حق، وعرف أن الدنيا فانية لكن بعد فوات الأوان.
إذاً: إذا بلغت الروح الحلقوم ما عادت تنفع التوبة؛ لأنه ظهر عالم الغيب وانكشف الغيب المستور، وكذلك إذا طلعت الشمس من مغربها انكشف الغيب المستور، وبدأ عالم الغيب يتجلى، فعند ذلك لا ينفعه إيمان ولا تنفعه توبة.
فتوبة من شاهد ذلك الأمر مردودة، ولا يعني طلوع الشمس من مغربها انتهاء كل شيء في تلك اللحظة، فربما تعود الشمس والقمر يكتسبان ضوءاً، ويطلعان ويغربان كما كانا من قبل، إلى أن يأذن الله بكسوفهما بالكلية، وتنكسف الشمس والقمر والنجوم، وتتصادم الكواكب وتأفل النجوم، وتتشقق السماء وتنهار المخلوقات على بعضها، فربما يكون هناك وقت في آخر الزمان إلى أن ينفخ في الصور.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في توالي الآيات: بأن الناس سيعيشون حالات من الرعب والفزع، لأن الأحداث تتوالى بشكل مذهل، فقال صلى الله عليه وسلم: (الآيات خرزات منظومات في سلك؛ إذا انقطع السلك تبع بعضها بعضاً)، خذ مسبحة واقطع السلك، كيف يحدث للحبات؟ تتوالى وراء بعض، لا يوجد فرصة بين الحبة والتي تليها، فكما يكون التوالي في خروجها من السلك تكون الآيات متوالية، والناس لا يأخذون نفساً، ولا يتراجع إليهم النفس أو يهدأ روعهم أو يرجع إليهم عقلهم وتفكيرهم؛ لأن المسائل تتوالى، وأشياء فوق التخيل وفوق الوصف، ولذلك فلا يكون هناك وقت لأن يتدارك الإنسان أمره (بين يدي الساعة عشر آيات كالنظم في الخيط إذا سقط منها واحدةٌ توالت).
وعن أبي العالية : (بين أول الآيات تتابع كتتابع الخرزات في النظام)، وهو الخيط، وفي آخر الزمن سيمضي الوقت بسرعة شديدة -كما ذكرنا- الوقت يتسارع والأحداث تتسارع، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة حتى تكون السنة كالشهر)، السنة في الطول تكون كالشهر، (واليوم كاحتراق السعفة) أي: يكون مرور اليوم سريعاً جداً كاحتراق السعفة، فهي أربع وعشرين ساعة لكن المرور سريع، ونزع البركة كما قلنا قبل ذلك.
وقلنا: أول الآيات الدجال، ثم نزول عيسى، ثم خروج يأجوج ومأجوج، وطلوع الشمس من المغرب يكون بعد ذلك؛ لأن نزول عيسى سيكون فيه إسلام أناس كفار، ولا يبقى في الأرض كافر مطلقاً إما قتل وإما إسلام، والجزية لا تؤخذ ولا تقبل، هذا من خصائص عهد عيسى عليه السلام، لا تقبل الجزية من الكتابيين، وإنما إما إسلام وإما قتل، فهناك سينتفع ناس بالإسلام على يد عيسى عليه السلام.
فمعنى ذلك أن طلوع الشمس من مغربها سيكون بعد عيسى عليه السلام، ومن تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه، فالذي يتوب بعدها لا يتوب الله عليه، فلا تزال التوبة مقبولة حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت طبع الله على كل قلب بما فيه وكفى الناس العمل، فهذا بالنسبة لمسألة انتهاء مصائر الناس في الإيمان والكفر، بطلوع الشمس من مغربها.
وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على التوبة وقال: (لا تقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها)، (التوبة مفروضة قبل أن تطلع الشمس من مغربها) (إن بالمغرب باباً مفتوحاً للتوبة مسيرة سبعين سنة، لا يغلق حتى تطلع الشمس من نحوه)، رواه الترمذي وقال: حسن صحيح (فإذا طلعت الشمس من مغربها رد مصراعا الباب، فيلتئم ما بينهما فتغلق) يغلق باب التوبة بالكلية.
والشمس طلوعها من مغربها الذي ورد في الحديث يكون بناءً على أمر من الله عز وجل، ومنعٍ منه سبحانه وتعالى، فإن الشمس إذا غربت سلمت وسجدت، هكذا جاء في الحديث، وإن كنا نحن لا نراها تسجد ولا نراها تسلم، ولكن هذا ما يحدث، لأنه من عالم الغيب الذي لا ندركه: (إن الشمس إذا غربت سلمت وسجدت، واستأذنت في الطلوع من المشرق فيؤذن لها، حتى إذا كانت ذات ليلة -التي نتحدث عنها الآن- فلا يؤذن لها وتحبس ما شاء الله تعالى، ثم يقال لها: اطلعي من حيث غربتي، قال: فمن يومئذ إلى يوم القيامة لا ينفع نفساً إيمانُها لم تكن آمنت من قبل).
وورد في بعض الآثار والله أعلم بصحتها: أنه يطول ليل المتهجدين، ويستغرب الناس من طول الليل، وأن الشمس ما طلعت، وأن ذلك يكون قدر ثلاث ليال ونحوه، وأن الجار ينادي جاره: يا فلان! ما شأن الليلة، لقد نمت حتى شبعت، وصليت حتى أعييت؟! فيفاجئون بأن الشمس قد طلعت من مغربها.
وقد جاء عن يزيد بن شريح وكثير بن مرة : أنه إذا طلعت الشمس يطبع على القلوب بما فيها، وترتفع الحفظة، وتؤمر الملائكة ألا يكتبوا عملاً، وهذا الكلام يؤيده حديث عائشة عنها موقوفاً، والحديث هذا وإن كان موقوفاً على عائشة ، لكن له حكم الرفع، لأن مثل هذا الكلام لا يقال بالرأي من قبل الصحابة، فلابد أن يكونوا قد سمعوه من النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم لا يتقولون على الله ولا يتكلمون بغير علم.
أخرج عبد بن حميد والطبري بسند صحيح من طريق الشعبي عن عائشة ، قالت: (إذا خرجت أول الآيات طرحت الأقلام، وطويت الصحف، وخلصت الحفظة، وشهدت الأجساد على الأعمال)، فمادام المؤمن مؤمناً والكافر كافراً، فقد انتهت القضية عند هذا، فلا تكتب الحفظة شيئاً، وارتفعت الأقلام والأعمال والصحف، وتوقفت الملائكة الحافظون بأفعال العباد عن الكتابة، وأغلق باب التوبة، وانتهت مصائر الناس بالإيمان والكفر على ذلك.
لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً [الأنعام:158]، هذا بالنسبة لطلوع الشمس من مغربها.
عاشرها: قال في آخر الحديث: (ولتقومن الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لقحته ...)، واللقحة هي: الناقة التي تدر اللبن، وقال أيضاً في الحديث: (يليط حوضه)، أي: يجمع الحجارة ويبني الحوض، ويسد الفرج بالمدر وهو: الطين، لينحبس الماء، وهذا من فن عمل الأحواض؛ لأن الحوض إذا بني بالحجارة يكون فيه خروق ينفذ منها الماء، فلذلك يسدها صاحبها بالمدر قبل أن يملأه بالماء.
هذا الشخص الذي انصرف بلبن لقحته ليشربه، وهذا الشخص الذي قد بنى حوضه من هذا الحجر، وسده باللبن أو بالطين، وذكر آخر قال: (ولتقومن الساعة وقد نشر الرجلان ثوبهما بينهما فلا يتبايعانه ولا يطويانه).
فهناك من حلب الناقة وذهب ليشرب فلا يشرب، وبائع ومشترٍ نشرا الثوب يعرضه البائع ويعاينه المشتري، فلا هما يطويانه ولا هما يتبايعانه، وفي رواية: (أن الساعة تقوم على الرجلين وهما ينشران الثوب فلا يطويانه)، وهذا الرجل الذي بنى الحوض لتشرب منه الدواب، فكذلك لا يستفيد منه شيئاً؛ لأنه يصعق في تلك اللحظة.
وذكر رجلاً آخر قال: (ولتقومن الساعة وقد رفع أكلته...)، أكلته أي: لقمته رفعها إلى فيه (فلا يطعمها) لا هو يستطيع أن يردها إلى الطبق، ولا أن يضعها في فيه، لا يمضغ ولا يبتلع، في رواية: (تقوم الساعة على رجل أكلته في فيه يلوكها فلا يصيغها ولا يلفظها).
إذاً الآن ما الذي حصل؟ إنها مفاجأة للجميع؛ لا هذا استفاد من اللبن، ولا هذا استفاد من اللقمة، ولا هذا استفاد من الحوض، ولا هذا استفاد من الثوب، لماذا؟ قامت عليهم الساعة، ونفخ في الصور فلا يسمعه أحدٌ إلا أصغى، (وأول من يسمعه رجلٌ يلوط حوض إبله -أي: يصلح الحوض ويضع الطين في الشقوق- فيصعق)، رواه الإمام مسلم رحمه الله.
وبعد الصعق يموت جميع العباد، وتنسف الجبال، وتمد الأرض مد الأديم، وتتصادم الكواكب وتتشقق السماء، ويتغير العالم العلوي والسفلي بالكلية، تمهيداً لخروج الناس من قبورهم وجمعهم في أرض المحشر ليقدموا على الله سبحانه وتعالى للحساب.
وظهور النار العظيمة في الحجاز وقرب المدينة في عام ستمائة وأربعة وخمسين قد حصل، وكتب عنه المؤرخون وفصلوا عنه تفصيلاً كثيراً، وقتال الترك وأن الترك يقاتلونا قد حصل، وقتال العجم حصل، وضياع الأمانة حصل، وقبض العلم وصار كثرة الشرط وأعوان الظلمة ما أكثرهم، وانتشار الزنا والربا وقع، وظهور المعازف وقع، وكثرة شرب الخمر كذلك، وزخرفة المساجد مملوءة، والتطاول في البنيان قام، وولدت الأمة ربتها وقع ذلك فعلاً، وكثرة القتل ما أكثره، وتقارب الزمن نحن نحسه، وتقارب الأسواق فيشتري في هونج كونج والسلعة في أمريكا ، وظهر الشرك في الأمة والفواحش وقطعت الأرحام، وأسيء الجوار، وتشبب المشيخة حصل، وكثرة الشح ولا أكثر منه، وكثرة التجارة وما أكثرها، وتعين المرأة زوجها على التجارة؛ فقد أخرجوا سجلات تجارية بأسماء زوجاتهم حصل، وكثرة الزلازل نسمع عنها، وظهور الخسف والمسخ والقلب نحن منه قريب، وذهاب الصالحين، وارتفاع الأسافل، وأن يكون السلام للمعرفة فهذا منتشر، والتماس العلم عند الأصاغر، وظهور الكاسيات العاريات؛ اذهب إلى السوق لتراه في الشوارع، وصدق رؤيا المؤمن: (تكاد رؤيا المؤمن لا تكذب)، وفشوا القلم؛ انتشار الكتاب والمطابع والجرائد والأجهزة التي تنشر الكتابات شيء لا يصدق، وانتفاخ الأهلة يرى الهلال لليلة، فيقال: عمره ليلتان، وذاك لا يعول رأيته كبيراً، هذا معناه أنهم أخطئوا في رؤية الهلال، نقول: لا، من أشراط الساعة انتفاخ الأهلة، يمكن إذا رأيته أنت منتفخاً على أشراط الساعة الواقعة، وكثرة الكذب وعدم التثبت في الأخبار لا يوجد أكثر منه فشواً، وكثرة النساء وقلة الرجال، ترى في البيت سبعة بنات وولداً وربما لا يوجد، وعودة أرض العرب مروجاً وأنهاراً، هاهي الآن في طريقها إلى الحصول، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان مر بـتبوك ، فقال: (يا
بقيت أشياء من الأشراط الصغرى نحن ننتظرها، كما قلنا مثلاً: القذف والمسخ، يمسخ ناس قردة وخنازير من هذه الأمة، سيقع قطعاً ولابد، وربما يقع في عصرنا، وربما ندركه نحن في أعمارنا، حدوث قذف من السماء يقذهم الله، ويمسخ ناساً قردة وخنازير سيقع قطعاً، ستفتح القسطنطينية فتحاً غير هذا الفتح الذي حصل، وستفتح روما أيضاً، وسيخرج القحطاني ، وكذلك سيحسر الفرات عن جبل من ذهب، وتكلم السباع الإنسان، فهذه أشياء نحن ننتظرها.
فالسباع تكلم الإنسان وقد حصل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم أن كلم الذئب راعياً، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في المسجد بـالمدينة ، فدخل راع وسأل عن النبي صلى الله عليه وسلم فدل عليه، وأخبره بقصته، وقال: إنه كان معه غنمه في البادية، فجاء الذئب فعدا على شاة، فأخذها فتبعته فاستنقذتها منه، فأقعى الذئب على ذنبه، يقول: تأتي على رزق ساقه الله إلي فتأخذه مني، فقلت: واعجباً! ذئب يتكلم كلام الإنس، فقال: ألا أنبئك بما هو أعجب من ذلك؟ نبي بـيثرب يخبر الناس بأنباء من قد سبق، وجاء الراعي ودخل المدينة ، وفعلاً رأى النبي صلى الله عليه وسلم يخبر الناس بأنباء من قد سبق.
وكذلك أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن البقرة التي تكلمت، وأخبر أنه يؤمن بذلك هو وأبو بكر وعمر ، فحصل قطعاً كلام للبقرة وللذئب ولا يستبعد أن تحصل أشياء أخرى، من أن تكلم السباع الإنسان، فقد نطق الحديد: المسجلات والميكرفونات والكمبيوتر.
فإذاً أكثر الأشراط الصغرى حصلت، وبقي شيء واحد من الأشياء الصغرى، مثل -كما قلنا- فتح روما ، وحسر الفرات عن جبل من ذهب، وغير هذه الأشياء باقية، وبقي بعد ذلك الأشياء الكبيرة التي تبدأ بخروج الدجال.
فأقول: هذه الأشراط التي أخبرنا عنها النبي صلى الله عليه وسلم هي موعظة ليستعد الناس، لأنها إذا حصلت قامت الساعة -كما قلنا- لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل، هذا والله تعالى أعلم، وننتقل للإجابة على بعض الأسئلة.
الجواب: العلاج الأساسي للسحر هو المعوذات التي رقى بها جبريل النبي صلى الله عليه وسلم لما سحره لبيد اليهودي وقد حصل من النبي صلى الله عليه وسلم معاناة قبل أن يشفيه الله تعالى ويرسل جبريل بهاذين السورتين العظيمتين المعوذتين، وذكر بعض السلف أيضاً أخذ سبع ورقات من السدر الجاف تطحن، وتجعل في أناء، ويقرأ فيها آيات السحر الموجودة في البقرة والأعراف وطه، ويشربها ويبرأ بإذن الله.
أما الذي يزيد انتشار السحر هو الذهاب إلى السحرة، وكانت الشريعة في غاية الحكمة لما حرمت الذهاب إلى السحرة، لأنه إذا ما ذهب الناس إلى السحرة يفلسون ويغلقون ولا يعملون، لكن مادام الناس يذهبون إلى السحرة فالسحر في انتشار، أحدهم يعمل السحر والثاني يفكه، تجارة الآن، والسحرة عندهم مقاولات، شخص يعمل السحر والثاني يفكه بالنقود، والأجرة بينهما.
الجواب: الإحرام من الميقات لاشك، وإذا جاوزت الميقات إلى جدة ولم تحرم منه يجب عليك أن تعود إليه لتحرم منه، وإلا فقد أسأت ويلزمك دم، ولذلك الإحرام من الميقات.
الجواب: لا، إذا رفع قدميه في الهواء أثناء السجود، وما وضع كفيه على الأرض فإن سجوده باطلٌ، وبالتالي صلاته باطلة.
الجواب: بين الركعة الأولى والثانية، وبين الثالثة والرابعة، قبل أن يقوم إلى الثانية، وقبل أن يقوم إلى الرابعة، جلسة خفيفة يستوي قاعداً فيها لا ذكر فيها ثم يقوم بعدها، كما جاء في حديث مالك بن حويرث : (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستوي قاعداً في وتر من صلاته) رواه البخاري .
الجواب: إذا كانا اثنين فقط يقومان بجانب بعضهما البعض لا يتقدم المأموم على الإمام ولا يتأخر، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما: (أنه قام بجانب النبي صلى الله عليه وسلم فتأخر
الجواب: هذا ثابت فيهما إن شاء الله كليهما، وقد ذكر بعض المحدثين المعاصرين أنها لم تثبت في الثانية، ولكن من تتبع بعض نسخ أبي داود وجدت لفظة: (وبركاته) في التسليمة الثانية أيضاً وليس في الأولى فقط، فالتحقيق إن شاء الله في هذه المسألة ثبوت لفظة: (وبركاته) في التسليمتين جميعاً.
الجواب: مادمت أجرتها إذاً الزكاة في الإيجار إذا حال عليه الحول، وإذا استلمت الإيجار وصرفته، ولم تنو بيع الشقة فليس عليك زكاة لا في الشقة ولا في إيجارها.
الجواب: معنى قوله: (إن حوسب هلك) أن هناك أناساً لا يحاسبون أبداً، وهم السبعون ألفاً الذين تكلمنا عنهم، مع كل ألف سبعون ألفاً، وهناك أناس يحاسبون حساباً يسيراً، لا يدخلون في هذا الحديث، وينقلبون إلى أهلهم مسرورين، وهناك طائفة ثالثة تحاسب حساباً دقيقاً يفتش عنه واحدة بواحدة، هذا يهلك؛ لأنه إذا وصل إلى هذه المرحلة للحساب يعني أنه سيدخل النار، من نوقش الحساب عذب، إذا صار النقاش في كل واحدة هذا يوقن أنه سيدخل النار، لكن إذا عفا الله عنه ومنّ عليه، وصارت حسناته أكثر من سيئاته، وشملته الرحمة والمغفرة، سيكون من الذين يحاسبون حساباً يسيراً، وينقلب إلى أهله مسروراً.
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر