فحديثنا في هذه الليلة -أيها الإخوة- عن إسلام صحابي جليل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ألا وهو: أبو ذر الغِفاري رضي الله تعالى عنه.
يقول ابن عباس كما روى البخاري في صحيحه : لما بلغ أبا ذرٍ مبعث النبي صلى الله عليه وسلم، قال لأخيه: اركب إلى هذا الوادي فاعلم لي علم هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي يأتيه الخبر من السماء، واسمع من قوله ثم ائتني. فانطلق الأخ حتى قدمه وسمع من قوله، ثم رجع إلى أبي ذر فقال له: رأيته يأمر بمكارم الأخلاق، وكلاماً ما هو بالشعر، فقال: ما شفيتني مما أردته.
فتزود وحمل شنةً له فيها ماء حتى قدم مكة ، فأتى المسجد فالتمس النبي صلى الله عليه وسلم وهو لا يعرفه، وكره أن يسأل عنه حتى أدركه بعض الليل فرآه عليٌ فعرف أنه غريب، فلما رآه تبعه ولم يسأل واحدٌ منهما صاحبه عن شيء حتى أصبح ثم احتمل قربته، وظل ذلك اليوم ولا يراه النبي صلى الله عليه وسلم، حتى أمسى فعاد إلى مضجعه، فمر به عليٌ فقال: أما آن للرجل أن يعلم منزله، فأقامه فذهب به معه، ولا يسأل واحد منهما صاحبه عن شيء، حتى إذا كان اليوم الثالث فعاد علي على مثل ذلك فأقام معه ثم قال: ألا تحدثني ما الذي أقدمك؟
قال: إن أعطيتني عهداً وميثاقاً لترشدنني فعلت؟ ففعل، فأخبره قال: فإنه حقٌ وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا أصبحت فاتبعني فإني إن رأيت شيئاً أخاف عليك قمت كأني أريق الماء، فإن مضيت فاتبعني حتى تدخل مدخلي ففعل. فانطلق يقفوه حتى دخل على النبي صلى الله عليه وسلم ودخل معه، فسمع من قوله وأسلم مكانه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (ارجع إلى قومك فأخبرهم حتى يأتيك أمري) قال: والذي نفسي بيده لأصرخن بها بين ظهرانيهم.
فخرج حتى أتى المسجد فنادى بأعلى صوته: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.
ثم قام القوم فضربوه حتى أوجعوه، وأتى العباس فأكب عليه وقال: ويلكم ألستم تعلمون أنه من غفار وأن طريق تجاركم إلى الشام ، فأنقذه منهم. ثم عاد من الغد لمثلها فضربوه وثاروا عليه فأكب العباس عليه .
هذا الصحابي الجليل: جندب بن جنادة بن سفيان بن عبيد بن حرام بن غفار ، وغفار من كنانة، فهو أبو ذر الغفاري رضي الله تعالى عنه.
هذا الصحابي روى قصة إسلامه ابن عباس ، قال لأصحابه يوماً: ألا أخبركم بإسلام أبي ذر ؟ قلنا: بلى. قال: قال أبو ذر : كنت رجلاً من غفار -أي: ابن عباس سمع قصة إسلام أبي ذر من أبي ذر .
وقد وردت قصة مشابهة تبين بتفصيلٍ أكثر، كيف بدأت رحلة البحث عن الحق عند أبي ذر الغفاري رضي الله عنه، وهذه القصة رواها مسلم رحمه الله في صحيحه: خرجنا من قومنا غفار، وكانوا يحلون الشهر الحرام فخرجت أنا وأخي أُنيس وأمّنا، فنزلنا على خالٍ لنا، فحسدنا قومه فقالوا له: إنك إذا خرجت عن أهلك خالف إليهم أُنيس. أي: اتهموه في عرضه بزوجته مع هذا الرجل الذي هو ابن أخته، فذكر ذلك لنا. أي: قال: أنت تذهب إلى زوجتي في غيابي وتدخل عليها، فقلنا له: أما ما مضى لنا من معروفك فقد كدرته -نحن ناس ضيوف نزلنا عليك جئت أنت الآن وسمعت كلاماً من الخارج أن صاحبنا وأخانا هذا يدخل على زوجتك في غيابك، ما عدنا نريد البقاء عندك- أما ما مضى لنا من معروفك فقد كدرته -أي: كدرته بهذا الاتهام- فتحملنا عليه وجلس يبكي -أي: كأنه ندم على الاتهام الباطل- فانطلقنا نحو مكة فنافر أخي أُنيس رجلاً إلى الكاهن، فخير أُنيساً فأتانا بصرمتها ومثلها معها -أي: حصل رهان بينهما عند الكاهن وطلع الحظ والنصيب لأخي أبي ذر، وجاء بطعام زيادة، قال أبو ذر : وقد صليت يابن أخي قبل أن ألقى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث سنين. قلت: لمن تصلي؟ -لمن كنت تصلي في الجاهلية قبل أن ترى النبي عليه الصلاة والسلام- قال: لله، قال: فأين توجهت؟ -أي: لا إسلام ولا معرفة بالقبلة ولا بالكعبة فأين تتوجه؟- قال: حيث يوجهني ربي، قال: فقال لي أُنيس: إن لي حاجةً بـمكة ، فانطلق ثم جاء فقال: ما صنعت؟ قال: لقيت رجلاً بـمكة على دينك يزعم أن الله أرسله، قلت: فما يقول الناس -أي: جماعته وقبيلته الذين حوله ماذا يقولون عنه؟- قال: يقولون: شاعرٌ، كاهن، ساحر -وكان أُنيس شاعراً- ولقد سمعت كلام الكهنة فما هو بقولهم -يقول لـأبي ذر : والله سمعت كلام الكهان، وسمعت كلامه ليس بكاهن- ووضعت قوله على أقراء الشعر فلم يلتئم عليها، والله إنه لصادق.
فلعل أبا ذرٍ رضي الله عنه كان أراد من أخيه أن يأتيه بتفاصيل من كلامه وأخباره، فأرسل أخاه إلى مكة لكن أخاه ما جاء له إلا بشيءٍ مجمل، ما جاء بالتفاصيل الذي تشبع أبا ذر ، فلذلك انطلق الأخ الآخر، أرسل أخاً آخر إلى مكة ، حتى يأتيه بأخبارٍ أخرى، ولكن الذي رجع به هو أيضاً قوله: رأيته يأمر بمكارم الأخلاق وكلاماً ما هو بالشعر، أيضاً لم يشفِ غليل أبي ذر .
قرر أبو ذر رضي الله عنه أن يذهب بنفسه، ذهب إلى مكة ، لكنه يعرف أن قوم محمد عليه الصلاة والسلام يعادونه فكيف يسألهم عنه ويقول: دلوني على محمد؟
يمكن أن يضربوه أو يضللوه، ولذلك من ذكاء أبي ذر رضي الله عنه أنه دخل مكة دون أن يسأل عن النبي عليه الصلاة والسلام مطلقاً، مع أنه جاء لهذه الحاجة الوحيدة.
أبو ذر كان رجلاً سليم الفطرة يبحث عن الحق، أرسل أخاه مرة أو مرتين وما جاء بأخبار كافية، ذهب هو بنفسه لاستقصاء الأخبار، وكان رضي الله عنه فطناً، ففكر أنه لو سألهم عن النبي عليه الصلاة والسلام إما أن يؤذوه، أو يؤذوا النبي عليه الصلاة والسلام بسبب من يقصده من خارج مكة ، أو أنهم لا يدلون أبا ذر على مكان النبي عليه الصلاة والسلام ويضللونه، أو يمنعونه من الاجتماع به ويحولون بينه وبينه.
والقصة هذه حدثت بعد البعثة بأكثر من سنتين، لأن عمر علي رضي الله عنه في ذلك الوقت تقريباً اثنتا عشرة سنة، يعني علي رضي الله عنه يمارس الدعوة ويكتشف الغرباء الذين جاءوا للسؤال عن النبي عليه الصلاة والسلام وعمره اثنا عشرة سنة، يمارس الدعوة وعمره اثنتا عشرة سنة.
فلما رآه علي رضي الله عنه وعرف أنه غريب؛ جاءه فقال: كأن الرجل غريب؟ قلت: نعم. فلما رآه تبعه أي: انطلق علي إلى المنزل وانطلق أبو ذر معه، ولكن ما أحد فاتح الآخر بالمطلوب، حتى الآن مرحلة الحذر، أبو ذر ما سأل علياً أين محمد عليه الصلاة والسلام؟ ولا علي سأل الرجل قال: لماذا جئت؟ كل واحد مازال عنده شيءٌ من الحذر حتى علي رضي الله عنه كان يخشى أيضاً على النبي صلى الله عليه وسلم، في النهاية قال علي لـأبي ذر : أما نال للرجل.. وفي رواية: أما آن للرجل -ما حان الوقت- أن يعرف منزله؟
فلعل علياً رضي الله عنه أراد أن يقول له: ما آن لك أن توضح مقصودك؟ أما جاء الوقت الذي تبين لي فيه ما هو القصد من مجيئك إلى مكة؟
يقول أبو ذر : قلت: لا. في البداية، فلما كان اليوم الثالث عاد علي إلى الكلمة، ما آن للرجل أن يعلم منزله وأن يعلم مقصده، أما آن لك أن توضح لي لماذا جئت إلى مكة ؟
فـأبو ذر رضي الله عنه أخذ عليه العهد والميثاق إن أخبره عن السبب الذي حمله على المجيئ إلى مكة أن يرشده إلى السبب أو إلى المقصد الذي جاء من أجله، فأعطاه علي رضي الله عنه العهد والميثاق، فأخبره أنه يريد أن يرى ويقابل النبي صلى الله عليه وسلم. فـعلي رضي الله عنه حتى لا يؤذي أبا ذر أو النبي عليه الصلاة والسلام؛ بسبب أنه أتى من الخارج، ومعنى ذلك أن الدعوة فيها اتساع حتى أنها خرجت خارج مكة ، وهذه مصيبة بالنسبة لكفار قريش أن تخرج الدعوة خارج مكة ، ويصبح لها أنصار في القبائل.
فيقول لـأبي ذر : اتبعني أنت وإذا رأيت شيئاً يريبني سأقوم كأني أصلح نعلي، فتعرف أن الوضع فيه خطر فنتوقف عن إكمال المشوار، ودخل في النهاية ومشى وراءه ودخل معه على النبي صلى الله عليه وسلم فدل علي رضي الله عنه أبا ذر على النبي صلى الله عليه وسلم.
تفاصيل اللقاء وردت في رواية عبد الله بن الصامت قال: قلت: السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته، يقول أبو ذر : فكنت أول من حياه بالسلام، قال: من أين أنت؟ قلت: من بني غفار، قال: فوضع يده على جبهته، فقلت: كره أن انتميت إلى غفار ، لماذا وضع يده على جبهته؟ وسأله عن مكوثه في مكة كيف كان يطعم؟ وأخبره أبو ذر رضي الله عنه أنه جلس في مكة ثلاثين يوماً قبل أن يراه حتى فطن إليه علي رضي الله عنه وأتى به. وأنه سأله على أي شيء كان يعيش؟
فأخبره أن كان يشرب من زمزم فقط، وأنه استغنى بها عن الطعام والشراب ثلاثين يوماً وليلة، وأنه تكسرت عكن بطنه؛ لأن الإنسان إذا سمنت بطنه يكون له عكن تظهر من الجانبين ومن الخلف يقسمها العمود الفقري.
وقد قال أحد الصحابة: يا رسول الله! إذا فتح الله عليكم الطائف فعليك ببنت غيلان فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان. أي: أنها سمينة بنت نعمة، قوية على العمل، وكانت هذه الصفات مرغوبة في المرأة في ذلك الوقت، لا يحبون النحيلة فإنها تقبل بأربع يعني: من الأمام من سمنها وامتلاء جسمها لها أربع عكن من الأمام وتدبر بثمان يعني: من الخلف إذا ولت الأربع التي من الأمام تكون أربع على الجنب الأيمن وأربع على الجنب الأيسر وفي الوسط العمود الفقري، هذا معنى تدبر بثمان.
فالشاهد أن السمن يؤدي إلى وجود العكن في البطن وهي الإنثناءات، فـأبو ذر رضي الله عنه أنه جلس شهراً عند ماء زمزم واستغنى بها عن الطعام والشراب، حتى سمن وتكسرت عكن بطنه، صار له انثناءات، فقال له أبو بكر رضي الله عنه: ائذن لي يا رسول الله في طعامه الليلة، وأن أطعمه من زبيب الطائف .
فحصل أن أبا ذر جاء معه بزادٍ أولاً من قومه؛ فلما فرغ الزاد أقام بـمكة عند ماء زمزم، ثم حصل التعرف على النبي صلى الله عليه وسلم، فالنبي عليه الصلاة والسلام أسمعه كلامه وأسمعه القرآن وأسلم أبو ذر رضي الله عنه.
ماذا قال له عليه الصلاة والسلام؟: (ارجع إلى قومك فأخبرهم حتى يأتيك أمري). قال: اكتم هذا الأمر وارجع إلى قومك فادعهم إلى الإسلام، فإذا بلغك ظهورنا على أعدائنا فأقبل، وفي رواية أنه قال له: (إني قد وجهت لي أرضٌ ذات نخلٍ -يعني: سأهاجر إلى أرض ذات نخل- فهل أنت مبلغ عني قومك عسى الله أن ينفعهم بك؟) فذهب أبو ذر رضي الله عنه وحصل أن أسلم معه أخوه أُنيس وأمهما وتوجهوا إلى غفار ، فأسلم نصفهم بسبب دعوة أبي ذر الغفاري، عندما قال النبي صلى الله عليه وسلم لـأبي ذر: اخرج إلى قومك وقال: اكتم هذا الأمر رفض أبو ذر أن يكتمه وقال: لأصرخن بها -أي: كلمة التوحيد- بين ظهرانيهم. أي: بين المشركين جهاراً، فكأنه فهم أن توجيه النبي عليه الصلاة والسلام له بأن يكتم الأمر هذا ليس على الوجوب، وإنما كأن النبي عليه الصلاة والسلام قال له هذا من إشفاقه عليه، فأراد أبو ذر أن يأخذ بالعزيمة وليس بالرخصة، وأن يعلن فأعلنها.
وكذلك فإنه لما قام وأعلن هذا، قامت قريش فقال بعضهم لبعض: قوموا إلى هذا الصابئ الذي غير دينه وانتقل إلى دين آخر، فضربوه حتى أوجعوه وقال: فضربت لأموت. أي: حتى أوشكت على الموت، وفي رواية: أنه أغمي عليه فارتفع حتى صار كالنصب الأحمر. أي: مثل التمثال الأحمر من كثرة الدماء التي سالت بسبب ضربه، فأنقذه؟ العباس رضي الله عنه، قال لهم: طريق تجارتكم يمر على بني غفار فإذا سمعوا أنكم ضربتم صاحبهم، نهبوا قوافلكم حتى تركوه، وفي اليوم الثاني فعل أيضاً كذلك، وفي هذا دلالة على قوته رضي الله عنه.
أولاً: أن الإنسان يجب عليه أن يبحث عن الحق، ولابد أن يكون هدف الإنسان دائماً البحث عن الحق، سواء في قضية كبيرة مثل الدين، أو في مسألة فقهية فرعية؛ لأن البحث عن الحق هو ديدن المؤمن، ولذلك ترى الكفار الذين يسلمون؛ عددٌ منهم يكونون من الباحثين عن الحق، يقارن بين الأديان ويسأل، ويكون أصلاًهو يبحث عن الحق، فعندما يقع على دين الإسلام يلتزم به؛ لأنه يراه هو الحق؛ لأن هذا الدين موافق للفطرة.
ثانياً: أن الإنسان في سبيل بحثه عن الحق عليه أن يتحمل المشاق، أبو ذر رضي الله عنه أرسل أخاه أولاً وثانياً ثم ذهب بنفسه وتزود وتعرض لمشاق، وجلس غريباً في مكة ثلاثين يوماً ليس عنده طعام؛ من أجل البحث عن الحق، فالبحث عن الحق يجشم الإنسان المشاق.
ثالثاً: أن كلام النبي صلى الله عليه وسلم حق يدخل القلب؛ ولذلك فإن أخا أبي ذر لما سمعه عرف أنه الحق وقال: أنا أعرف الكهانة وأعرف الشعر لا هو كاهن ولا شاعر مستحيل!
رابعاً: أن الداعية إلى الحق يحرص أعداء الإسلام على تشويه سمعته، لا حظ معي لما سأل أبو ذر أخاه: ماذا يقولون عنه؟ ماذا قال؟ قال: يقولون: شاعر وكاهن وساحر، وقاموس الشتائم عندهم فيه إضافات وقالوا: به جنة، أي: فيه جني، وقالوا: مُعَلَّم، أي: واحد علمه.
ولذلك رد الله سبحانه وتعالى عليهم في القرآن عندما قالوا: محمد يختلف إلى نجار رومي بـمكة ؛ فيعلمه هذا القرآن ويخرج علينا يقوله.
كان هناك نجار رومي نصراني بـمكة قالوا: إذاً عرفنا مصدر هذا القرآن وهذه السور، فهو يتردد على هذا النجار النصراني الرومي ويأخذ عنه السور، ثم يعلنوها لنا.
فقال الله في القرآن -رد عجيب مفحم- قال: لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ [النحل:103] قال: هذا النصراني الرومي الذي تتكلمون عنه في مكة أعجمي، رومي، وهذا القرآن لسان عربي مبين، كيف يكون اللسان العربي المبين من الرومي النصراني؟ ولذلك بهتوا؛ لأن السور كانت تنزل رداً على الكفار.
فإذاً: لا بد أن يتحمل الداعية إلى الله تشويه سمعته، والله سبحانه وتعالى قال: وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً [آل عمران:186] هذه سنة الله في ابتلاء أهل الحق لا بد أن تشوه سمعتهم، لابد أن يقال عنهم: فيهم جنون.. تطرف.. إرهاب.. فيهم وفيهم، لا بد أن يقال عنهم ما يشوه سمعتهم، وأعداء الإسلام يركزون على هذا لماذا؟ لكي ينفروا الناس من الدعاة إلى الله وأهل الخير والحق، والعلم، يقولون عنهم: متزمت.. رجعي.. متخلف.. يعيش في العقلية الأولى.. مجنون... وهكذا من الألفاظ الكثيرة الموجودة في القاموس، التي يخرجون بها يومياً في وصف أهل الحق وأهل الدين وأهل الإسلام.
فلا تجد متمسكاً بالدين، إلا ولا بد أن يهاجم، وتشوه سمعته على وجه العموم وعلى وجه الخصوص، ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم وهو أفضل الخلق تعرض لهذا، فما بالك بمن هو أقل منه؟! سبحان الله!! يقولون: عنه الصادق الأمين، وإذا اختلفوا في شيء رجعوا إليه، ومن عنده أمانة يخشى عليها وضعها عنده، يقولون: الصادق الأمين يُوحى إليه، يخرج على الصفا يا بني فلان يا بني فلان، ثم يجتمعون إليه، يقول: إني نذيرٌ لكم بين يدي عذابٍ شديد فيقولون له: كذاب، ساحر، مجنون، كاهن، بالأمس تقولون عنه: الصادق الأمين، اليوم فجأة انقلبت القضية وصار عندكم كذاباً ومجنوناً وساحراً وكاهناً ومُعَلَّماً وبه جنة و..و..إلخ.
إذاً: لا بد أن يُعلم أن الشخص الذي يسلك طريق الحق لا بد أن يؤذى؛ لأن هذه سنة الله تعالى في ابتلاء أهل الحق.
خامساً: أن الإنسان عليه أن يتقصى الحق بنفسه ولا يركن إلى الآخرين ليأتوه بالأخبار، لأن الأخبار قد تتعرض للتحريف أو للتغيير، أو أن الشخص الذي أرسلته لا يكون بتلك الحكمة فلذلك:
ما حك جلدك مثل ظفرك فتول أنت جميع أمرك |
وبالذات في قضية معرفة حقيقة الدين، بعض الناس يعتمدون على الآخرين في جلب الفتاوى، وقد يكون الواسطة غير ضابط فيأتيه بفتوى خطأ، هذه فتوى ودين فعليه بأن يضبط الكلام بنفسه، ويطلب علو السند ويذهب هو بنفسه للسماع من الشيخ أو السؤال.
أما أن تقول فلان عن فلان عن فلان، وهذا فلان عن فلان مثل ما قال أهل الحديث: إذا كان الرواة ممن يلحنون صار الحديث بالفارسية، أي: إذا صار الراوي لحاناً، لحان: أي: يخطئ بالكلام، صار الحديث بالفارسية؛ لأن كل واحد يحرف قليلاً، حتى يصل الكلام في آخر الأمر، كلاماً غريباً جداً، ولذلك تقصي الحقائق يكون من الشخص نفسه.
سادساً: فطنة أبي ذر رضي الله عنه في أنه لم يسأل عن النبي عليه الصلاة والسلام مباشرة، وإنما انتظر ليتعرف عليه من بعيد، وتقدم ما في هذا من فائدة.
سابعاً: حرص علي رضي الله عنه على تسقط الأخبار والتقاط هؤلاء القادمين؛ لإيصالهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ لدعوتهم إلى الله.
ثامناً: فطنة علي رضي الله عنه لما قال: إن شعرت بشيء أو أمر مريب قمت كأني أصلح نعلي أو أريق الماء حتى تعلم أنت أن هناك خطراً أو أن هناك شيئاً غير عادي؛ فنتوقف عما كنا بصدده.
وتاسعاً: أن الإنسان إذا أراد أن يستخرج الشيء المخبوء فإنه يُعرِض ولا يأتي بالصراحة، ربما تريب الشخص الآخر، ولذلك قال: أما آن للرجل أن يعلم منزله؟ عرض تعريضاً لطيفاً حتى يستخرج به ما عند الآخر.
عاشراً: أن الإنسان إذا أراد أن يأخذ الشيء على وجه الحقيقة أخذ العهد والميثاق، فأنت إذا أردت أن تعرف الكلام على وجه الصحة لو قلت للآخر تعطيني العهد والميثاق وتعاهدني بالله أن تخبرني بالحقيقة، يكون هذا أقرب إلى معرفة الصدق؛ لأن الشخص الآخر قد يكون فيه شيءٌ من الانحراف، فيذكره عهد الله بالأمر ويغلُظ عليه الشيء ويثقل عليه عهد الله والميثاق؛ فيرجع، لكن لو قال له مباشرة: أعطني الحقيقة ربما لا يعطيه، لكن لو قال: أخذت عليك عهد الله وميثاقه أن تخبرني بالحقيقة يكون أقرب إلى معرفة الحقيقة.
الحادي عشر: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان رفيقاً بأصحابه، أي: لما عرف أن أبا ذر جلس شهراً أظهر التأسف لحاله وأظهر التلطف به.
الثاني عشر: كرم الصديق ، لأنه عرض وقال: يا رسول الله! أعطني إياه ضيفاً وأطعمه من زبيب الطائف ، وكان طعاماً نفيساً بـمكة آن ذاك.
الثالث عشر: أن إكرام الداخلين الجدد في الإسلام مما يثبتهم على الدين، مثلاً: موظف في الشركة معك أو أحد العمال أسلم حديثاً فينبغي أن تتخطفه نفوس المؤمنين، فكل واحد يعزمه من جهة يقول: تعال عندي وأنت تعال عندي وأنت المرة التي بعدها عندي، عندما يحس الشخص المسلم الجديد أن هناك إخوان صدق له وكل واحد يريد إكرامه من جهة يعظم الدين في نفسه، وتزداد رغبته فيه وتمسكه به.
ولذلك ينبغي أن نكرم المسلمين الجدد، إذا سمعنا بمسلم جديد من هؤلاء سواء فلبيني أو سرلانكي أو أمريكي أو من أي جنسية أسلم، نحاول أن نكرمه كل واحد يدعوه يوماً بالذات الآن في رمضان، كل واحد يدعوه يوماً وهذا موسم، الآن يقبلون على الإسلام؛ لأنهم يتأثرون بالصيام ويرون من أهل البيوت ومن بعض المسلمين من مظاهر الالتزام بالإسلام في شهر الصيام فيُسلم عدد أكبر من الكفار في شهر رمضان، وبالتجربة عدد المقبلين على الإسلام أكثر من غيره، الكفار لما يرون المسلمين في هذه العبادة وهذا الجو الإيماني تزداد رغبتهم في الإسلام ويدخلون فيه فواجبنا أن نكرمهم.
الرابع عشر: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان حريصاً على توزيع الدعاة في الجزيرة ، وألا يكون كل الدعاة متركزين في مكة ؛ لأن من المصلحة أن ينتشر الدين في الجزيرة ، وأن يكون هناك بُعد، وأن يكون هناك عمق إسلامي في القبائل، بنو غفار فيهم مسلمون.
الطفيل بن عمرو الدوسي يذهب إلى قومه بني دوس يدعوهم إلى الله، أتى بثمانين بيتاً من دوس أسلموا.
أبو ذر الغفاري ذهب يدعو غفاراً فأسلم نصف القوم.
ومن حكمة النبي عليه الصلاة والسلام أن ليس كل من جاء وأسلم بـمكة من القبائل الأخرى يقول له: اجلس بـمكة مكان الاضطهاد والمحنة، لا. بل كان يقول: اذهب إلى قومك، وأنت اذهب إلى قومك، وفي هذا توزيع الدعاة وهذه سياسة من النبي عليه الصلاة والسلام في غاية الحكمة والحصافة صلى الله عليه وسلم حتى ينتشر الدين في الجزيرة ويعم.
وكذلك الآن لو جاءنا أناس هنا وأسلموا وحسن إسلامهم من الحكمة أن نقول: ارجعوا إلى قومكم؛ لأن الدين إنما ينتشر بالدعاة، ما الذي نشر الإسلام في أصقاع العالم؟ فلم تصل إليها جيوش المسلمين، إندونيسيا أكبر بلد فيه تعداد مسلمين في العالم أسلموا بسبب إرسال الدعاة المسلمين، أو التجار المسلمين الذين نشروا الإسلام في تلك البلدان، وأحد التجار المسلمين كان قد ذهب في الدعوة إلى الله في بلد ففتح دكاناً فيها، في قرية من قرى الهند فصار يداين الناس ويعاملهم بالحسنى والذي عنده ضائقة ييسر ويضع عن هذا ويؤجل هذا وهذا فقير يعطف عليه، فكسب شعبية بين الناس فبعد ذلك لما أحس أنهم قد أحبوه بدأ يدعوهم إلى الإسلام فأسلم على يديه عدد من الناس، فلما أراد عظيم تلك القرية أن يخرجه منها قام أهل البلد عليه وخلعوه، وصار هذا مكانه، فيمكن للإنسان بحكمته بالدعوة إلى الله أن يكون له مجال عظيم في التأثير في الخلق.
وإرسال أبي ذر إلى قومه من باب نشر الدعوة، وحتى لو قضي على الدعوة في مكة يكون هناك في الأرض مسلمون آخرون يقومون بالواجب ونشر الدين، وهذا من حكمة النبي صلى الله عليه وسلم.
الخامس عشر: جرأة أبي ذر رضي الله عنه؛ فإنه قام بين ظهرانيهم وأعلن الدين حتى ضربوه، وصار كالنصب الأحمر من الدم وأغمي عليه، حتى كاد أن يموت، ويؤخذ من هذا: جواز قول الحق حتى لو كان يخشى الأذية، وإن كان السكوت جائزاً أي: السكوت رخصة، والجهر بالحق لمن يؤذى عزيمة، فالإنسان إذا ارتقى من الرخصة إلى العزيمة فهذا سائغ ووجيه، والحقيقة كما ذكر ابن حجر رحمه الله: أن هذا يختلف باختلاف الأحوال والمقاصد.
فإذا كانت ثّمَّ فائدة من الجهر مثل: إغاظة الكفار، ونشر الدين، وتبكيت الكفار، وإشعار الكفار أن كل الخطط التي عملوها لتشويه سمعة النبي عليه الصلاة والسلام فشلت.
وفي الحديث كذلك أثر الدعاية السيئة، وأن الإنسان عليه أن لا يتأثر بالدعاية السيئة، فإنه قد يشاع عن واحد من الناس مثلاً إشاعات سيئة، لكن إذا تقصيت الحقيقة تجد الأمر بخلاف ذلك، فالذكي الفطن لا يتأثر بالدعاية السيئة.
هذا الطفيل بن عمرو الدوسي رضي الله عنه لما دخل من مكة من كثرة ما سمع منهم ضد محمد عليه الصلاة والسلام؛ شاعر، كاهن، مجنون به جنة مُعَلَّم، سفه أحلامنا، وعاب ديننا، وشتم آلهتنا، وخرج عن دين قومه وآبائه وأجداده، صبأ عن بني قومه... وضع في أذنيه كرسفاً -ملأ وحشا أذنيه قطناً- حتى لا يسمع صوت محمد صلى الله عليه وسلم، هذا من أثر الدعاية السيئة، ولكن أبى الله إلا أن يتم ويوصل إلى مسامعه صوت النبي عليه الصلاة والسلام، وقال في نفسه: أنا رجل عاقل! لماذا أخاف؟ وأنا أزن الأمور، أسمع كلامه فإذا وجدت حقاً كان بها، وإن وجدت باطلاً رددت كلامه عليه، وهكذا حصل.
السادس عشر: أن الذي يستفيد حقيقة هم العقلاء، أي: الذي عنده عقل يستفيد، والباحث عن الحق العاقل يصل، أما الطغام العوام الهوام أتباع كل ناعق ما عندهم موازين مستقلة، يعيشون على الآخرين، استهلاكيون، يستهلك ما يسمع، وعلى المسلم أن يكون له موقف شخصي، موقف مستقل وأن يعرف الحقيقة بنفسه، يتبصر الأمور ولا يقلد، يعني: أن الذي يزن الأمور بنفسه ويتقصى الحقيقة هذا نادر، فأكثر الناس مع الأسف هوام يمشون مع حسب التيار، فلان سيئ قال: سيئ، فلان طيب قال: طيب، وهكذا ما يتقصى، والتقصي هذا نادر مع الأسف.
السابع عشر: أن الكافر يقنع بالسبب الدنيوي المادي، فلما قال العباس لهم: طريق تجارتكم! كفوا عنه، وإلا أكملوا عليه حتى أهلكوه، وهذا من ذكاء العباس رضي الله عنه، وقيل إنه أسلم وكتم إسلامه، وقيل إنه أسلم فأظهره بعد ذلك، وقيل: إنما أسلم متأخراً، على أية حالٍ هو أسلم رضي الله عنه، ولا شك أن أبا طالب والعباس كانوا من المناصرين للنبي صلى الله عليه وسلم بخلاف أبي لهب ، فقد كان عدواً للدعوة، وكان رجلاً أبيض أحول- وجهه يضيء؛ لكن أحول- يأتي النبي عليه الصلاة والسلام إلى منازل القوم الذين جاءوا للحج في منى ، يقول لهم: من يحميني حتى أبلغ رسالة ربي؟ من ينصرني حتى أبلغ رسالة ربي؟ وخلفه رجل أبيض أحول يقول: لا تسمعوا له إنه كذاب، من هو؟ إنه أبو لهب.
تخيل داعية يذهب للدعوة هو يتكلم وواحد وراءه يقول: كذاب لا تسمعوا له، ينتهي من كلامه أو يقاطعه يقول: كذاب. مرافقة وأينما ذهب، يذهب وراءه أبو لهب : تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ [المسد:1-3].
سماه الله: أبا لهب ، ومعجزة من الله أن السورة نزلت في حياة أبي لهب ، ما كان مات أبو لهب بعد ومع ذلك مات كافراً، أي: أخبرنا بأن أبا لهب في النار قبل وفاة أبي لهب ، وفعلاً مات أبو لهب كافراً ما أسلم، أي: كأن السورة التي نزلت إخبار بأنه سيموت على الكفر وهكذا كان، وهذه من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم.
الشاهد: أن الداعية إلى الله يتعرض لمن يكذبه، والمشكلة الأكبر عندما يكون المكذب أقرب الناس إليه من أقاربه:
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة على النفس من وقع الحسام المهند |
وكذلك في هذا الحديث أن الإنسان إذا تغير عن مبادئ وعادات قومه وقبيلته وجماعته قاموا عليه، وقالوا: هذا الصابئ، ما معنى الصابئ؟
هو الذي انتقل من دين إلى دين، فكانوا يقولون عن النبي صلى الله عليه وسلم صابئ، ولما أسلم أبو ذر قالوا: قوموا إلى هذا الصابئ، أي: فاضربوه، وقاموا إليه وضربوه.
فالصابئ كل من صبأ عن دينه وغير من دين إلى دين، حتى لو كان من الباطل إلى الحق، كانوا يسمونه صابئاً، فعلى الإنسان ألا يخاف عادات قومه، إذا أراد أن يتبع الحق، ولا تكون عادات القوم عائقاً يمنعه من الإقبال على الحق.
الثامن عشر: وكذلك في هذا الحديث فضل السلام، وأنه أول من حياه بالنسبة لما يعرف هو أبو ذر أنه أول من حيا النبي عليه الصلاة والسلام بهذه التحية: السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته، يقصد النبي صلى الله عليه وسلم.
التاسع عشر: وكذلك في القصة أيضاً: أن الإنسان لا يجوز له أن يتهم إنساناً بريئاً بأهله مثلاً، ولذلك فإن خال أبي ذر قد اتهم أخا أبي ذر بأنه يدخل على أهله في غيابه بدون دليل، وإنما لأن بعض الحاسدين قالوا له: أنت إذا خرجت دخل على أهلك، فعلى الإنسان إذا سمع شيئاً مريباً عن أخيه أو عن قريبه أو عن علاقة مريبة بين زوجته وبين قريبٍ له أو جار ألا يتسرع في إثبات التهمة، يقول: أنتِ خائنة، لا، بل انتظر تربص رُبما المسألة فيها كيد كائد، أو حسد حاسد، أو عداوة عدو، يريد أن يفرق بينه وبين زوجته.
نعم. إن الفساد كثير وما يقع الآن من الطامات، هذه شيء لا يعلم به إلا الله، لكن هناك فرق بين أن يكون الفساد منتشراً وبين أن تثبته على فلانة أو فلان، ما نستطيع أن نثبت على فلانة أو فلان إلا بالدليل والبينة؛ لأن قذف البريء مصيبة، ولذلك جُعل فيه الحد ثمانون جلدة على من قذف المحصنة الغافلة: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً [النور:4].
فسلامة العرض كفلتها الشريعة، فالذي يقذف بالزنا يُقام عليه حد القذف إذا لم يثبت كلامه، وإذا قال: أنت أزنى من فلان! وما أتى ببينة على أن هذا زانٍ والآخر زانٍ، فإنه يقام عليه حدان؛ لأنه قذف شخصين.
العشرون: إبطال ما يفعل عند الكهان من المراهنة عندهم، أو أن يذهب فيعمل عندهم شيئاً يأكل به مال الآخر، فلم يكن أبو ذر رضي الله عنه ممن يفعل ذلك.
الحادي والعشرون: في الحديث أن بعض الكفار يكون عندهم توجه جيد وحقيقي للدين قبل الإسلام، أي: يكون عنده من سلامة الفطرة ما يجعله متوجهاً توجهاً جيداً للتوحيد.
فـأبو ذر رضي الله عنه كان يصلي قبل أن يسلم، ولمن يصلي؟ لله وليس للأصنام أي: عنده سلامة فطرة رضي الله عنه، يعرف من خلالها أن عبادة الأصنام هذه كفر وشرك وسذاجة وسفاهة وضلالة، ولذلك كان حنيفاً، ولكن ينتظر أن يقع على الخبر الحق، فإذاً ما نعدم أن نجد بين بعض الكفار من لا يعجبه دين النصرانية ولا اليهودية ولا الشرك وأن عنده سلامة معتقد وأنه يعتقد أن هناك إلهاً واحداً مع أنه ما قرأ القرآن ولا السنة، لكن فطرته فيها سلامة وعنده عقل يعرف به أشياء كثيرة من التوحيد.
يؤمن أن هناك إلهاً واحداً قادراً وأنه يدبر العالم، ويصرف الأمور، يؤمن مثلاً باليوم الآخر مع أنه ما قرأ قرآناً ولا حديثاً، لكن يؤمن أن هناك يوماً آخر وبعثاً وجزاء؛ بسلامة فطرته وسلامة عقله، هؤلاء أقرب الناس إلى الدين وينبغي أن نبحث عنهم ونجذبهم لدين الإسلام.
الثاني والعشرون: أن الصغير في المجتمع الإسلامي يمكن أن يكون له دورٌ كبير: علي رضي الله عنه عمره اثنتا عشرة سنة أي: عندنا يلعب كرة، أو يلعب بالكمبيوتر، ولكن عند القوم اثنتا عشرة سنة داعية ويكتشف القادمين إلى مكة ويقوم بهذه الخطة التي فيها ذكاء وفطنة، لا يدل على النبي عليه الصلاة والسلام، ولا يؤذي الرجل الآخر.. إنما بالتلميح وكأني أريق الماء وكأني أصلح نعلي، وتمشي ورائي، وهذه المسألة تدل على نضج الأولاد المسلمين في المجتمع المسلم، ولو كان صغيراً، فهناك نضجٌ كبير بخلاف اليوم الذي تضيع فيه أوقات أولادنا في سفاسف كثيرة، علي يعمل داعية وانظر الآن الأولاد اثنا عشر ماذا يعملون؟
هذا بعض ما تيسر ذكره من فوائد هذه القصة العظيمة في إسلام أبي ذر رضي الله تعالى عنه والله أعلم.
الجواب: من الأخطاء إذا جاء بعض الناس يسجد سجود التلاوة يمسك المصحف بيد ويسجد باليد الثانية، مع أن الذي ينبغي أن يضع الكفين جميعاً على الأرض، ولو أعطى المصحف لشخص بجانبه أو وضعه في الرف ويسجد، أو يضعه على السجاد فلا مانع مادام السجاد نظيفاً والأرض نظيفة وما قصد إهانة المصحف، ما المانع من وضعه على الأرض وهو ما قصد الإهانة والمكان نظيف.
الجواب: نعم. يجوز الدعاء عليه، لكن إذا أراد الأكثر أجراً والأفضل ألا يدعو عليه، يأخذ حقه كاملاً منه يوم القيامة.
السؤال: وإذا قال: اللهم اكفني فلاناً بن فلان؟
الجواب: نعم، لا بأس بذلك، والغلام ماذا قال؟ قال: اللهم اكفنيهم بما شئت.
الجواب: الأولى ألا يكون ذلك، حتى لا يحصل تشويش ويقرأ الإنسان في بيته.
الجواب: ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية إلى أنها لا تفطر.
الجواب: لا، هذا لا يجوز، ولا طاعة لمخلوقٍ في معصية الخالق، لأن عندنا الأوامر في اللحية أوامر مشددة: (أعفو اللحى) (أرخوا اللحى) (وفروا اللحى خالفوا المشركين).
المسألة شديدة، ليست مسألة اختيارية ومخالفة المشركين ليست قضية مباحة بل قضية واجبة، ولم ينقل أن النبي عليه الصلاة والسلام حلق لحيته مرة واحدة، ولا أحداً من الصحابة كلهم، ولا يوجد حديث أن واحداً من الصحابة حلق لحيته أبداً.
فهذا يؤكد أن اللحية شرعاً هي سنة واجبة في هذه الشريعة ولا يجوز إلزام الناس أو اضطهادهم لكي يحلقوا لحاهم كما يفعل بعض هؤلاء يقولوا: ما يتناسب مع العمل، ما شاء الله! كيف لا يتناسب مع العمل؟ هذا دين، الآن تجد اليهود ربما بعضهم يطلقون لحاهم إلى السرة وإذا جاء يركب كمامة غاز اخترعوا له طريقة لكي يركب الكمامة بدون أن يأخذ من اللحية ولا شيء، يعني الذي يريد أن يتمسك بدينه سيتمسك، والذي يريد أن يضيع الدين سيضيع.
الجواب: ليس واجباً لكن يستحب أن يدعو في القنوت الدعاء الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي وهو: (اللهم اهدني فيمن هديت.. إلى قوله: لا منجى منك إلا إليك) فقط، والإمام ينوع ولا يلتزم بدعاء معين، حتى لا يُوهم الناس أن هذه سنة أو دعاء، قاله النبي صلى الله عليه وسلم في الوتر أو في القنوت.
الجواب: نعم صحيح لكن لا تقذر المسجد بهذا (البسطار) السجاد المفروش له قيمة فلا يجوز إتلافه بالأحذية التي فيها وسخ، أما إذا كان حذاءً نظيفاً ليس فيه أي قذارة فيجوز لك أن تدخل به.
الجواب: لا، لا يجوز الحلف كاذباً، ولو اضطر فإنه يكفر عن يمينه، فلو جاء ظالم قال: فلان عندك؟ قال: ما هو عندي قال: احلف، وما استطاع أن يوري فيحلف ويكفر وابن القيم ذكر عدداً من الأشياء قال: لو قالوا له في النطق بكلمة الكفر: قل كفرت بالله، يقول: كفرت باللاهي ويقصد اللاهي: لها يلهو لاهي، اسم فاعل، ولا يقصد لفظ الجلالة، يقصد اسم فاعل من لها يلهو لاهي، كفرت باللاهي يعني: بالعابث باللاعب، فإن قالوا له سكن قل: كفرت بالله، فيتأول وجهاً من وجوه اللغة وهو جواز حذف الياء عند الوقوف على المعتل الآخر بالياء كنحو قوله تعالى: فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ [طه:72] هي أصلها: قاضي، فيتأول هذا الوجه من أوجه اللغة ويقف يقول: كفرت باللاة، ويتأول ما يأتي..، وكذلك إنسان إذا أرادوا أن يحلف على الكذب فلا يحلف على الكذب، بل يوري وإذا ما استطاع أن يوري واضطر للحلف كاذباً عليه أن يكفر عن يمينه.
الجواب: وقعت في محظورات الإحرام، وإذا كانت جاهلة فليس عليها شيء، وإذا كانت عامدة عالمة فإن عليها أحد ثلاثة أشياء:
أولاً: ذبح شاة.
ثانياً: إطعام ستة مساكين.
ثالثاً: صيام ثلاثة أيام.
فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ [البقرة:196] مخيرة على التخيير، وإذا كانت جاهلة لا تدري ما عليها شيء.
الجواب: نختبر الرياضيات والحساب، كل ألف فيها خمسة وعشرون ريالاً، خمسة وثلاثون ألفاً كم زكاتها؟ [25×35]كم؟ الجواب: على مسئوليتكم، الرجل سيخرج الزكاة فكروا في ذلك، أنتم تحملوا الفتوى!! يقولون: [875].
الجواب: الجودي: اسم جبل، قيل هو جبل في العراق أو بين العراق وتركيا استوت عليه هذا السفينة، وأنها بقيت حتى رآها بعض هذه الأمة، وما هو الدليل على بقاء سفينة نوح حتى رآها الناس بعد نوح من القرآن؟ قوله تعالى: وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ [القمر:15] تركناها أي: تركنا السفينة، و(آية) أي: رآها الناس أجيالاً بعد نوح (وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً) لكن الإثبات صعب، مثلاً يقولون: هذا كهف أصحاب الكهف، ولا تستطيع أن تثبت هذا، وكلها ظنون، أو لو قال مثلاً: وجدنا هيكل سفينة نوح قد تكون سفينة أخرى، ما عندنا إثبات، لكنها ظنون والله أعلم، إنما قطعاً أن السفينة بقيت بعد نوح ورآها أجيال من البشرية: وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً [القمر:15] مثل بدن فرعون بقي: فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً [يونس:92] وبقي بدنه سليماً، أخرج من البحر الذي غرق فيه ورآه الناس عبر الأجيال، رآه الناس محفوظاً فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً [يونس:92].
من الفعاليات والمحاضرات الأرشيفية من خدمة البث المباشر